مبعثه الشريف بالنبوة و الدعوة للاسلام :
(الكافي) علي عن أبيه عن القاسم عن جده الحسن عن أبي عبد الله ع قال لا تدع صيام يوم سبع و عشرين من رجب فإنه اليوم الذي نزلت فيه النبوة على محمد ص
(تفسير القمي) أبي عن الحسن بن علي بن فضال عن علي بن عقبة عن أبي عبد الله ع قال إن إبليس رن رنينا لما بعث الله نبيه ص على حين فترة من الرسل و حين أنزلت أم الكتاب
(إكمال الدين) أبي و ابن الوليد معا عن سعد و الحميري و محمد العطار و أحمد بن إدريس جميعا عن ابن عيسى و ابن أبي الخطاب و إبراهيم بن هاشم جميعا عن ابن محبوب عن ابن رئاب عن عبيد الله الحلبي عن أبي عبد الله ع قال مكث رسول الله ص بمكة بعد ما جاءه الوحي عن الله تبارك و تعالى ثلاث عشرة سنة منها ثلاث سنين مختفيا خائفا لا يظهر حتى أمره الله أن يصدع بما أمر به فأظهر حينئذ الدعوة
(إكمال الدين) ابن الوليد عن سعد و الصفار معا عن ابن أبي الخطاب و اليقطيني معا عن صفوان عن ابن مسكان عن محمد الحلبي عن أبي عبد الله ع قال اكتتم رسول الله ص بمكة مختفيا خائفا خمس سنين ليس يظهر أمره و علي ع اكتتم معه و خديجة ع ثم أمره الله أن يصدع بما أمر به فظهر رسول الله ص و أظهر أمره
(إكمال الدين) أبي عن سعد عن ابن عيسى عن علي بن الحكم عن ابن عميرة عن داود بن يزيد عن أبي عبد الله ع قال كان علي ع مع رسول الله ص في غيبته لم يعلم بها أحد
(علل الشرائع) ابن البرقي عن أبيه عن جده عن ابن أبي عمير عن عمرو بن جميع عن أبي عبد الله ع قال كان جبرئيل إذا أتى النبي ص قعد بين يديه قعدة العبد و كان لا يدخل حتى يستأذنه
(الأمالي للشيخ الطوسي) جماعة عن أبي المفضل قال حدثنا محمد بن جرير الطبري سنة ثمان و ثلاث مائة قال حدثنا محمد بن حيد الرازي عن سلمة بن الفضل الأبرش عن محمد بن إسحاق عن عبد الغفار بن القاسم قال أبو المفضل و حدثنا محمد بن محمد بن سليمان الباغندي و اللفظ له عن محمد بن الصباح الجرجرائي عن سلمة بن صالح الجعفي عن سليمان الأعمش و أبي مريم جميعا عن المنهال بن عمرو عن عبد الله بن الحارث بن نوفل عن عبد الله بن عباس عن علي بن أبي طالب ع قال لما نزلت هذه الآية على رسول الله ص وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ دعاني رسول الله ص فقال لي يا علي إن الله تعالى أمرني أن أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ قال فضقت بذلك ذرعا و عرفت أني متى أباديهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره فصمت على ذلك و جاءني جبرئيل فقال يا محمد إنك إن لم تفعل ما أمرت به عذبك ربك فاصنع لنا يا علي صاعا من طعام و اجعل عليه رجل شاة و املأ لنا عسا من لبن ثم اجمع لي بني عبد المطلب حتى أكلمهم و أبلغهم ما أمرت به ففعلت ما أمرني به ثم دعوتهم أجمع و هم يومئذ أربعون رجلا يزيدون رجلا أو ينقصون رجلا فيهم أعمامه أبو طالب و حمزة و العباس و أبو لهب فلما اجتمعوا له دعاني بالطعام الذي صنعت لهم فجئت به فلما وضعته تناول رسول الله ص جذمة من اللحم فنتفها بأسنانه ثم ألقاها في نواحي الصفحة ثم قال خذوا بسم الله فأكل القوم حتى صدروا ما لهم بشيء من الطعام حاجة و ما أرى إلا مواضع أيديهم و ايم الله الذي نفس علي بيده إن كان الرجل الواحد منهم ليأكل ما قدمت لجميعهم ثم جئتهم بذلك العس فشربوا حتى رووا جميعا و ايم الله إن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله فلما أراد رسول الله ص أن يكلمهم بدره أبو لهب إلى الكلام فقال لشد ما سحركم صاحبكم فتفرق القوم و لم يكلمهم رسول الله ص فقال لي من الغد يا علي إن هذا الرجل قد سبقني إلى ما سمعت من القول فتفرق القوم قبل أن أكلمهم فعد لنا من الطعام بمثل ما صنعت ثم اجمعهم لي قال ففعلت ثم جمعتهم فدعاني بالطعام فقربته لهم ففعل كما فعل بالأمس و أكلوا حتى ما لهم به من حاجة ثم قال اسقهم فجئتهم بذلك العس فشربوا حتى رووا منه جميعا ثم تكلم رسول الله ص فقال يا بني عبد المطلب إني و الله ما أعلم شابا في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به إني قد جئتكم بخير الدنيا و الآخرة و قد أمرني الله عز و جل أن أدعوكم إليه فأيكم يؤمن بي و يؤازرني على أمري فيكون أخي و وصيي و وزيري و خليفتي في أهلي من بعدي قال فأمسك القوم و أحجموا عنها جميعا قال فقمت و إني لأحدثهم سنا و أرمصهم عينا و أعظمهم بطنا و أحمشهم ساقا فقلت أنا يا نبي الله أكون وزيرك على ما بعثك الله به قال فأخذ بيدي ثم قال إن هذا أخي و وصيي و وزيري و خليفتي فيكم فاسمعوا له و أطيعوا قال فقام القوم يضحكون و يقولون لأبي طالب قد أمرك أن تسمع لابنك و تطيع
(تفسير القمي) علي بن جعفر عن محمد بن عبد الله الطائي عن ابن أبي عمير عن حفص الكناسي قال سمعت عبد الله بن بكر الأرجاني قال قال لي الصادق جعفر بن محمد ع أخبرني عن الرسول ص كان عاما للناس أ ليس قد قال الله في محكم كتابه وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ لأهل الشرق و الغرب و أهل السماء و الأرض من الجن و الإنس هل بلغ رسالته إليهم كلهم قلت لا أدري قال يا ابن بكر إن رسول الله ص لم يخرج من المدينة فكيف بلغ أهل الشرق و الغرب قلت لا أدري قال إن الله تبارك و تعالى أمر جبرئيل فاقتلع الأرض بريشة من جناحه و نصبها لمحمد ص و كانت بين يديه مثل راحته في كفه ينظر إلى أهل الشرق و الغرب و يخاطب كل قوم بألسنتهم و يدعوهم إلى الله و إلى نبوته بنفسه فما بقيت قرية و لا مدينة إلا و دعاهم النبي ص بنفسه
(إكمال الدين) أبي و ابن الوليد معا عن سعد عن ابن أبي الخطاب و محمد بن عيسى معا عن ابن أبي عمير عن جميل بن دراج عن محمد بن مسلم قال قال أبو جعفر ع ما أجاب رسول الله ص أحد قبل علي بن أبي طالب و خديجة صلوات الله عليهما و لقد مكث رسول الله ص بمكة ثلاث سنين مختفيا خائفا يترقب و يخاف قومه و الناس
(قصص الأنبياء عليهم السلام) قال علي بن إبراهيم و لما أتى على رسول الله ص زمان عند ذلك أنزل الله عليه فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ فخرج رسول الله ص و قام على الحجر و قال يا معشر قريش يا معشر العرب أدعوكم إلى عبادة الله و خلع الأنداد و الأصنام و أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله و أني رسول الله فأجيبوني تملكون بها العرب و تدين لكم بها العجم و تكونون ملوكا فاستهزءوا منه و ضحكوا و قالوا جن محمد بن عبد الله و آذوه بألسنتهم و كان من يسمع من خبره ما سمع من أهل الكتب يسلمون فلما رأت قريش من يدخل في الإسلام جزعوا من ذلك و مشوا إلى أبي طالب و قالوا كف عنا ابن أخيك فإنه قد سفه أحلامنا و سب آلهتنا و أفسد شبابنا و فرق جماعتنا و قالوا يا محمد إلى ما تدعو قال إلى شهادة أن لا إله إلا الله و خلع الأنداد كلها قالوا ندع ثلاثمائة و ستين إلها و نعبد إلها واحدا و حكى الله تعالى عز و علا قولهم وَ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَ قالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ أَ جَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ إلى قوله بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ ثم قالوا لأبي طالب إن كان ابن أخيك يحمله على هذا العدم جمعنا له مالا فيكون أكثر قريش مالا فقال رسول الله ص ما لي حاجة في المال فأجيبوني تكونوا ملوكا في الدنيا و ملوكا في الآخرة فتفرقوا ثم جاءوا إلى أبي طالب فقالوا أنت سيد من ساداتنا و ابن أخيك فرق جماعتنا فهلم ندفع إليك أبهى فتى من قريش و أجملهم و أشرفهم عمارة بن الوليد يكون لك ابنا و تدفع إلينا محمدا لنقتله فقال أبو طالب ما أنصفتموني تسألوني أن أدفع إليكم ابني لتقتلوه و تدفعون إلي ابنكم لأربيه لكم فلما أيسوا منه كفوا
(تفسير القمي) وَ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ قال نزلت بمكة لما أظهر رسول الله ص الدعوة بمكة اجتمعت قريش إلى أبي طالب فقالوا يا أبا طالب إن ابن أخيك قد سفه أحلامنا و سب آلهتنا و أفسد شبابنا و فرق جماعتنا فإن كان الذي يحمله على ذلك العدم جمعنا له مالا حتى يكون أغنى رجل في قريش و نملكه علينا فأخبر أبو طالب رسول الله ص بذلك فقال لو وضعوا الشمس في يميني و القمر في يساري ما أردته و لكن يعطوني كلمة يملكون بها العرب و يدين لهم بها العجم و يكونون ملوكا في الجنة فقال لهم أبو طالب ذلك فقالوا نعم و عشر كلمات فقال لهم رسول الله ص تشهدون أن لا إله إلا الله و أني رسول الله فقالوا ندع ثلاث مائة و ستين إلها و نعبد إلها واحدا فأنزل الله سبحانه وَ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَ قالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ إلى قوله إِلَّا اخْتِلاقٌ أي تخليط
قال في المنتقى، في السنة الخامسة من نبوته ص توفيت سمية بنت حباط مولاة أبي حذيفة بن المغيرة و هي أم عمار بن ياسر أسلمت بمكة قديما و كانت ممن تعذب في الله لترجع عن دينها فلم تفعل فمر بها أبو جهل فطعنها في قلبها فماتت و كانت عجوزا كبيرة فهي أول شهيدة في الإسلام و في سنة ست أسلم حمزة و عمر و قد قيل أسلما في سنة خمس قال و لما أنزل الله تعالى فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ قام رسول الله ص على الصفا و نادى في أيام الموسم يا أيها الناس إني رسول الله رب العالمين فرمقه الناس بأبصارهم قالها ثلاثا ثم انطلق حتى أتى المروة ثم وضع يده في أذنه ثم نادى ثلاثا بأعلى صوته يا أيها الناس إني رسول الله ثلاثا فرمقه الناس بأبصارهم و رماه أبو جهل قبحه الله بحجر فشج بين عينيه و تبعه المشركون بالحجارة فهرب حتى أتى الجبل فاستند إلى موضع يقال له المتكأ و جاء المشركون في طلبه و جاء رجل إلى علي بن أبي طالب ع و قال يا علي قد قتل محمد فانطلق إلى منزل خديجة رضي الله عنها فدق الباب فقالت خديجة من هذا قال أنا علي قالت يا علي ما فعل محمد قال لا أدري إلا أن المشركين قد رموه بالحجارة و ما أدري أ حي هو أم ميت فأعطيني شيئا فيه ماء و خذي معك شيئا من هيس و انطلقي بنا نلتمس رسول الله ص فإنا نجده جائعا عطشانا فمضى حتى جاز الجبل و خديجة معه فقال علي يا خديجة استبطني الوادي حتى أستظهره فجعل ينادي يا محمداه يا رسول الله نفسي لك الفداء في أي واد أنت ملقى و جعلت خديجة تنادي من أحس لي النبي المصطفى من أحس لي الربيع المرتضى من أحس لي المطرود في الله من أحس لي أبا القاسم و هبط عليه جبرئيل ع فلما نظر إليه النبي ص بكى و قال ما ترى ما صنع بي قومي كذبوني و طردوني و خرجوا علي فقال يا محمد ناولني يدك فأخذ يده فأقعده على الجبل ثم أخرج من تحت جناحه درنوكا من درانيك الجنة منسوجا بالدر و الياقوت و بسطه حتى جلل به جبال تهامة ثم أخذ بيد رسول الله ص حتى أقعده عليه ثم قال له جبرئيل يا محمد أ تريد أن تعلم كرامتك على الله قال نعم قال فادع إليك تلك الشجرة تجبك فدعاها فأقبلت حتى خرت بين يديه ساجدة فقال يا محمد مرها ترجع فأمرها فرجعت إلى مكانها و هبط عليه إسماعيل حارس السماء الدنيا فقال السلام عليك يا رسول الله قد أمرني ربي أن أطيعك أ فتأمرني أن أنثر عليهم النجوم فأحرقهم و أقبل ملك الشمس فقال السلام عليك يا رسول الله أ تأمرني أن آخذ عليهم الشمس فأجمعها على رءوسهم فتحرقهم و أقبل ملك الأرض فقال السلام عليك يا رسول الله إن الله عز و جل قد أمرني أن أطيعك أ فتأمرني أن آمر الأرض فتجعلهم في بطنها كما هم على ظهرها و أقبل ملك الجبال فقال السلام عليك يا رسول الله إن الله قد أمرني أن أطيعك أ فتأمرني أن آمر الجبال فتنقلب عليهم فتحطمهم و أقبل ملك البحار فقال السلام عليك يا رسول الله قد أمرني ربي أن أطيعك أ فتأمرني أن آمر البحار فتغرقهم فقال رسول الله ص قد أمرتم بطاعتي قالوا نعم فرفع رأسه إلى السماء و نادى أني لم أبعث عذابا إنما بعثت رحمة للعالمين دعوني و قومي فإنهم لا يعلمون و نظر جبرئيل ع إلى خديجة تجول في الوادي فقال يا رسول الله أ لا ترى إلى خديجة قد أبكت لبكائها ملائكة السماء ادعها إليك فأقرئها مني السلام و قل لها إن الله يقرئك السلام و بشرها أن لها في الجنة بيتا من قصب لا نصب فيه و لا صخب لؤلؤا مكللا بالذهب فدعاها النبي ص و الدماء تسيل من وجهه على الأرض و هو يمسحها و يردها قالت فداك أبي و أمي دع الدمع يقع على الأرض قال أخشىأن يغضب رب الأرض على من عليها فلما جن عليهم الليل انصرفت خديجة رضي الله عنها و رسول الله ص و علي ع و دخلت به منزلها فأقعدته على الموضع الذي فيه الصخرة و أظلته بصخرة من فوق رأسه و قامت في وجهه تستره ببردها و أقبل المشركون يرمونه بالحجارة فإذا جاءت من فوق رأسه صخرة وقته الصخرة و إذا رموه من تحته وقته الجدران الحيط و إذا رمي من بين يديه وقته خديجة رضي الله عنها بنفسها و جعلت تنادي يا معشر قريش ترمى الحرة في منزلها فلما سمعوا ذلك انصرفوا عنه و أصبح رسول الله ص و غدا إلى المسجد يصلي
شعب ابي طالب :
في (إعلام الورى ,قصص الأنبياء عليهم السلام): اجتمعت قريش في دار الندوة و كتبوا صحيفة بينهم أن لا يؤاكلوا بني هاشم و لا يكلموهم و لا يبايعوهم و لا يزوجوهم و لا يتزوجوا إليهم و لا يحضروا معهم حتى يدفعوا إليهم محمدا فيقتلوه و أنهم يد واحدة على محمد يقتلونه غيلة أو صراحا فلما بلغ ذلك أبا طالب جمع بني هاشم و دخلوا الشعب و كانوا أربعين رجلا فحلف لهم أبو طالب بالكعبة و الحرم و الركن و المقام إن شاكت محمدا شوكة لأثبن عليكم يا بني هاشم و حصن الشعب و كان يحرسه بالليل و النهار فإذا جاء الليل يقوم بالسيف عليه و رسول الله ص مضطجع ثم يقيمه و يضجعه في موضع آخر فلا يزال الليل كله هكذا و يوكل ولده و ولد أخيه به يحرسونه بالنهار فأصابهم الجهد و كان من دخل مكة من العرب لا يجسر أن يبيع من بني هاشم شيئا و من باع منهم شيئا انتهبوا ماله و كان أبو جهل و العاص بن وائل السهمي و النضر بن الحارث بن كلدة و عقبة بن أبي معيط يخرجون إلى الطرقات التي تدخل مكة فمن رأوه معه ميرة نهوه أن يبيع من بني هاشم شيئا و يحذرون إن باع شيئا منهم أن ينهبوا ماله و كانت خديجة رضي الله عنها لها مال كثير فأنفقته على رسول الله ص في الشعب و لم يدخل في حلف الصحيفة مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد المطلب بن عبد مناف و قال هذا ظلم و ختموا الصحيفة بأربعين خاتما ختمها كل رجل من رؤساء قريش بخاتمه و علقوها في الكعبة و تابعهم على ذلك أبو لهب و كان رسول الله ص يخرج في كل موسم فيدور على قبائل العرب فيقول لهم تمنعون لي جانبي حتى أتلو عليكم كتاب ربكم و ثوابكم الجنة على الله و أبو لهب في أثره فيقول لا تقبلوا منه فإنه ابن أخي و هو كذاب ساحر فلم يزل هذا حالهم و بقوا في الشعب أربع سنين لا يأمنون إلا من موسم إلى موسم و لا يشترون و لا يبايعون إلا في الموسم و كان يقوم بمكة موسمان في كل سنة موسم العمرة في رجب و موسم الحج في ذي الحجة فكان إذا اجتمعت المواسم تخرج بنو هاشم من الشعب فيشترون و يبيعون ثم لا يجسر أحد منهم أن يخرج إلى الموسم الثاني و أصابهم الجهد و جاعوا و بعثت قريش إلى أبي طالب ادفع إلينا محمدا حتى نقتله و نملكك علينا فقال أبو طالب رضي الله عنه قصيدته اللامية يقول فيها:
و لما رأيت القوم لا ود فيهم و قد قطعوا كل العرى و الوسائل
أ لم تعلموا أن ابننا لا مكذب لدينا و لا يعني بقول الأباطل
و أبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل
يطوف به الهلاك من آل هاشم فهم عنده في نعمة و فواضل
كذبتم و بيت الله يبزى محمد و لما نطاعن دونه و نقاتل
و نسلمه حتى نصرع دونه و نذهل عن أبنائنا و الحلائل
لعمري لقد كلفت وجدا بأحمد و أحببته حب الحبيب المواصل
و جدت بنفسي دونه و حميته و دارأت عنه بالذرى و الكواهل
فلا زال في الدنيا جمالا لأهلها و شيئا لمن عادى و زين المحافل
حليما رشيدا حازما غير طائش يوالي إله الحق ليس بماحل
فأيده رب العباد بنصره و أظهر دينا حقه غير باطل
فلما سمعوا هذه القصيدة آيسوا منه و كان أبو العاص بن الربيع و هو ختن رسول الله يأتي بالعير بالليل عليها البر و التمر إلى باب الشعب ثم يصيح بها فتدخل الشعب فيأكله بنو هاشم و قد قال رسول الله ص لقد صاهرنا أبو العاص فأحمدنا صهره لقد كان يعمد إلى العير و نحن في الحصار فيرسلها في الشعب ليلا و لما أتى على رسول الله في الشعب أربع سنين بعث الله على صحيفتهم القاطعة دابة الأرض فلحست جميع ما فيها من قطيعة و ظلم و تركت باسمك اللهم و نزل جبرئيل على رسول الله ص فأخبره بذلك فأخبر رسول الله أبا طالب فقام أبو طالب و لبس ثيابه ثم مشى حتى دخل المسجد على قريش و هم مجتمعون فيه فلما أبصروه قالوا قد ضجر أبو طالب و جاء الآن ليسلم ابن أخيه فدنا منهم و سلم عليهم فقاموا إليه و عظموه و قالوا قد علمنا يا أبا طالب إنك أردت مواصلتنا و الرجوع إلى جماعتنا و أن تسلم ابن أخيك إلينا قال و الله ما جئت لهذا و لكن ابن أخي أخبرني و لم يكذبني إن الله تعالى أخبره أنه بعث على صحيفتكم القاطعة دابة الأرض فلحست جميع ما فيها من قطيعة رحم و ظلم و جور و ترك اسم الله فابعثوا إلى صحيفتكم فإن كان حقا فاتقوا الله و ارجعوا عما أنتم عليه من الظلم و الجور و قطيعة الرحم و إن كان باطلا دفعته إليكم فإن شئتم قتلتموه و إن شئتم استحييتموه فبعثوا إلى الصحيفة و أنزلوها من الكعبة و عليها أربعون خاتما فلما أتوا بها نظر كل رجل منهم إلى خاتمه ثم فكوها فإذا ليس فيها حرف واحد إلا باسمك اللهم فقال لهم أبو طالب يا قوم اتقوا الله و كفوا عما أنتم عليه فتفرق القوم و لم يتكلم أحد و رجع أبو طالب إلى الشعب