علي بن يوسف الحلي في العدد القوية, روي بينا النبي صلى الله عليه وآله جالس بالابطح ومعه عمار بن ياسر، والمنذر بن الضحضاح، وأبو بكر، وعمر
وعلي بن أبي طالب عليه السلام، والعباس بن عبد المطلب, وحمزة بن عبد المطلب، إذ هبط عليه جبرئيل عليه السلام في صورته العظمى، قد نشر أجنحته حتى أخذت من المشرق إلى المغرب فناداه: يا محمد العلي الأعلى يقرأ عليك السلام، وهو يأمرك أن تعتزل عن خديجة أربعين صباحاً، فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وآله، وكان لها محباً وبها وامقاً[1], قال: فأقام النبي صلى الله عليه وآله أربعين يوماً، يصوم النهار ويقوم الليل، حتى إذا كان في آخر أيامه تلك، بعث إلى خديجة بعمار بن ياسر وقال قل لها: يا خديجة لا تظني أن انقطاعي عنك هجرة ولا قلي[2]، ولكن ربي عز وجل أمرني بذلك لينفذ أمره، فلا تظني يا خديجة إلا خيراً، فإن الله عز وجل ليباهي بك كرام ملائكته كل يوم مراراً، فإذا جنك الليل فأجيفي[3] الباب، وخذي مضجعك من فراشك، فإني في منزل فاطمة بنت أسد، فجعلت خديجة تحزن في كل يوم مراراً لفقد رسول الله صلى الله عليه وآله فلما كان في كمال الاربعين هبط جبرئيل عليه السلام فقال: يا محمد العلي الاعلى يقرأك السلام، وهو يأمرك أن تتأهب لتحيته وتحفته, قال النبي صلى الله عليه وآله: يا جبرئيل وما تحفة رب العالمين وما تحيته؟ قال: لا علم لي, قال: فبينا النبي صلى الله عليه وآله كذلك إذ هبط ميكائيل ومعه طبق مغطى بمنديل سندس أو قال: استبرق، فوضعه بين يدي النبي صلى الله عليه وآله، وأقبل جبرئيل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وآله وقال: يا محمد يأمرك ربك أن تجعل الليلة إفطارك على هذا الطعام, فقال علي بن أبي طالب عليه السلام: كان النبي صلى الله عليه وآله إذا أراد أن يفطر أمرني أن أفتح الباب لمن يرد إلى الافطار، فلما كان في تلك الليلة أقعدني النبي صلى الله عليه وآله على باب المنزل، وقال: يا ابن أبي طالب إنه طعام محرم الا عَلَيَّ, قال علي عليه السلام: فجلست على الباب، وخلا النبي صلى الله عليه وآله بالطعام، وكشف الطبق فإذا عذق[4] من رطب وعنقود من عنب، فأكل النبي صلى الله عليه وآله منه شبعاً وشرب من الماء رياً، ومد يده للغسل فأفاض الماء عليه جبرئيل، وغسل يده ميكائيل، وتمندله اسرافيل، وارتفع فاضل الطعام مع الاناء إلى السماء, ثم قام النبي صلى الله عليه وآله ليصلي، فأقبل عليه جبرئيل وقال: الصلاة محرَّمة عليك في وقتك حتى تأتي إلى منزل خديجة فتواقعها، فإن الله عز وجل آلى على نفسه أن يخلق من صلبك في هذه الليلة ذرية طيبة، فوثب رسول الله صلى الله عليه وآله إلى منزل خديجة.
قالت خديجة رضوان الله عليها: وكنت قد ألفت الوحدة، فكان إذا جنتني الليل غطيت رأسي, وأسجفت[5] ستري, وغلقت بابي, وصليت وردي, وأطفأت مصباحي, وآويت إلى فراشي, فلما كان في تلك الليلة لم أكن بالنائمة ولا بالمنتبهة إذ جاء النبي صلى الله عليه وآله فقرع الباب فناديت: من هذا الذي يقرع حلقة لا يقرعها الا محمد صلى الله عليه وآله؟ قالت خديجة: فنادى النبي صلى الله عليه وآله بعذوبة كلامه وحلاوة منطقه: افتحي يا خديجة فإني محمد! قالت خديجة: فقمت فرحة مستبشرة بالنبي صلى الله عليه وآله وفتحت الباب، ودخل النبي المنزل، وكان من أخلاقه صلى الله عليه وآله إذا دخل المنزل دعا بالاناء فتطهر للصلاة ثم يقوم فيصلي ركعتين يوجز فيهما ثم يأوي إلى فراشه، فلما كان في تلك الليلة لم يدع بالاناء، ولم يتأهب بالصلاة، غير أنه أخذ بعضدي وأقعدني على فراشه وداعبني ومازحني، وكان بيني وبينه ما يكون بين المرأة وبعلها، فلا والذي سمك السماء[6], وأنبع الماء, ما تباعد عني النبي صلى الله عليه وآله حتى حسست بثقل فاطمة في بطني.[7]
الشيخ الصدوق في الأمالي, حدثنا الشيخ الجليل أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى ابن بابويه القمي رضي الله عنه قال: حدثنا الحسين بن علي بن أحمد الصائغ قال: حدثنا أبو عبد الله أحمد بن محمد الخليلي, عن محمد بن علي بن أبي بكر الفقيه, عن أحمد ابن محمد النوفلي, عن إسحاق بن يزيد, عن حماد بن عيسى, عن زرعة بن محمد, عن المفضل بن عمر, قال: قلت لأبي عبد الله الصادق عليه السلام: كيف كان ولادة فاطمة صلوات الله وسلامه عليها؟ فقال: نعم, إن خديجة صلوات الله وسلامه عليها لما تزوج بها رسول الله صلى الله عليه وآله هجرتها نسوة مكة, فكنَّ لا يدخلن عليها, ولا يُسَلمن عليها, ولا يتركن امرأة تدخل عليها, فاستوحشت خديجة صلوات الله وسلامه عليها لذلك, وكان جزعها وغمها حذراً عليه صلى الله عليه وآله, فلما حملت بفاطمة كانت صلوات الله وسلامه عليها تحدثها من بطنها وتصبرها, وكانت تكتم ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله, فدخل رسول الله صلى الله عليه وآله يوماً فسمع خديجة تحدث فاطمة صلوات الله وسلامه عليها, فقال لها: يا خديجة, من تحدثين؟ قالت: الجنين الذي في بطني يحدثني ويؤنسني.
قال: يا خديجة, هذا جبرئيل يخبرني أنها أنثى, وأنها النسلة الطاهرة الميمونة, وإن الله تبارك وتعالى سيجعل نسلي منها, وسيجعل من نسلها أئمة, ويجعلهم خلفاءه في أرضه بعد انقضاء وحيه, فلم تزل خديجة صلوات الله وسلامه عليها على ذلك إلى أن حضرت ولادتها, فوجهت إلى نساء قريش وبني هاشم: أن تعالين لتلين مني ما تلي النساء من النساء, فأرسلن إليها: أنت عصيتنا, ولم تقبلي قولنا, وتزوجت محمداً يتيم أبي طالب فقيراً لا مال له, فلسنا نجيء ولا نلي من أمرك شيئاً, فاغتمت خديجة صلوات الله وسلامه عليها لذلك, فبينا هي كذلك, إذ دخل عليها أربع نسوة سمر طوال, كأنهن من نساء بني هاشم, ففزعت منهن لما رأتهن, فقالت إحداهن: لا تحزني يا خديجة فإنَّا رسل ربك إليك, ونحن أخواتك, أنا سارة, وهذه آسية بنت مزاحم, وهي رفيقتك في الجنة, وهذه مريم بنت عمران, وهذه كلثوم اخت موسى بن عمران, بعثنا الله إليك لنلي منك ما تلي النساء من النساء, فجلست واحدة عن يمينها, واخرى عن يسارها, والثالثة بين يديها, والرابعة من خلفها, فوضعت فاطمة صلوات الله وسلامه عليها طاهرة مطهرة, فلما سقطت إلى الارض أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة, ولم يبق في شرق الارض ولا غربها موضع إلا أشرق فيه ذلك النور.
ودخل عشر من الحور العين كل واحدة منهن معها طست من الجنة, وإبريق من الجنة, وفي الابريق ماء من الكوثر, فتناولتها المرأة ألتي كانت بين يديها, فغسلتها بماء الكوثر, وأخرجت خرقتين بيضاوين أشد بياضاً من اللبن وأطيب ريحاً من المسك والعنبر, فلفتها بواحدة, وقنعتها بالثانية, ثم استنطقتها فنطقت فاطمة صلوات الله وسلامه عليها بالشهادتين, وقالت: أشهد أن لا إله إلا الله, وأن أبي رسول الله سيد الانبياء, وأن بعلي سيد الاوصياء, وولدي سادة الاسباط, ثم سلمت عليهن, وسمت كل واحدة منهن باسمها, وأقبلن يضحكن إليها, وتباشرت الحور العين, وبشر أهل السماء بعضهم بعضاً بولادة فاطمة صلوات الله وسلامه عليها, وحدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك, وقالت النسوة: خذيها يا خديجة طاهرة مطهرة زكية ميمونة, بورك فيها وفي نسلها, فتناولتها فرحة مستبشرة, وألقمتها ثديها, فدر عليها, فكانت فاطمة صلوات الله وسلامه عليها تنمي في اليوم كما ينمي الصبي في الشهر, وتنمي في الشهر كما ينمي الصبي في السنة.[8
[1] الوامق: المحب.
[2] ولا قلي: أي ولا غضب.
[3] أجفت الباب: رددته.
[4] العذق: عنقود.
[5] اسجفت: ارسلت.
[6] سمك السماء: أي رفعها.
[7] العدد القوية ص220 عن كتاب الدر, البحار عن العدد القوية ج16 ص78, الأنوار البهية ص53, بيت الأحزان ص19.
[8] أمالي الصدوق ص690، عنه البحار ج16 ص80/ ج43 ص6, دلائل الإمامة ص76، الخرائج والجرائح ج2 ص524, العدد القوية للعلامة الحلّي ص222، المحتضر ص25,
غاية المرام ج2 ص210, اللمعة البيضاء ص228، بيت الأحزان ص22, الثاقب في المناقب ص286 مختصراً.