وصاياه عليه السلام لأولاده

عن أبي وجزة السعد, عن أبيه قال: أوصى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلى الحسن بن علي (ع) فقال فيما أوصى به إليه: يا بني، لا فقر أشد من الجهل، ولا عدم أعدم من العقل، ولا وحدة أوحش من العجب، ولا حسب كحسن الخلق، ولا ورع كالكف عن محارم الله، ولا عبادة كالتفكر في صنعة الله عز وجل. يا بني، العقل خليل المرء، والحلم وزيره، والرفق والده، والصبر من خير جنوده. يا بني، إنه لا بد للعاقل من أن ينظر في شأنه، فليحفظ لسانه، وليعرف أهل زمانه. يا بني، إن من البلاء الفاقة، وأشد من ذلك مرض البدن، وأشد من ذلك مرض القلب، وإن من النعم سعة المال، وأفضل من ذلك صحة البدن، وأفضل من ذلك تقوى القلوب. يا بني، للمؤمن ثلاث ساعات: ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يخلو فيها بين نفسه ولذتها فيما يحل ويجمل؛ وليس للمؤمن بد من أن يكون شاخصا في ثلاث: مرمة لمعاش، أو خطوة لمعاد، أو لذة في غير محرم. [1]

 

من وصية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لولده الحسن (ع): كيف وأنى بك‏ يا بني‏ إذا صرت‏ في قوم، صبيهم غاو، وشابهم فاتك، وشيخهم لا يأمر بمعروف، ولا ينهى عن منكر، وعالمهم خب مواه مستحوذ عليه هواه‏، متمسك بعاجل دنياه، أشدهم عليك إقبالا يرصدك بالغوائل‏. ويطلب الحيلة بالتمني، ويطلب الدنيا بالاجتهاد. خوفهم آجل، ورجاؤهم عاجل، لا يهابون إلامن يخافون لسانه، ويرجون نواله، دينهم الرباء، كل حق عندهم مهجور، ويحبون من غشهم، ويملون من داهنهم، قلوبهم خاوية. لا يسمعون دعاء، ولا يجيبون سائلا. قد استولت عليهم سكرة الغفلة، إن تركتهم لا يتركون، وإن تابعتهم اغتالوك، إخوان الظاهر، وأعداء السر، يتصاحبون على غير تقوى، فإذا افترقوا ذم بعضهم بعضا. تموت فيهم السنن، وتحيى فيهم البدع، فأحمق الناس من أسف على فقدهم، أو سر بكثرتهم. فكن يا بني، عند ذلك كابن اللبون‏ لا ظهر فيركب، ولا وبر فيسلب، ولاضرع فيحلب، فما طلابك‏ لقوم إن كنت عالما أعابوك، وإن كنت جاهلا لم يرشدوك، وإن طلبت العلم قالوا: متكلف متعمق، وإن تركت طلب العلم قالوا: عاجز غبي، وإن تحققت لعبادة ربك قالوا: متصنع مراء. وإن لزمت الصمت قالوا: ألكن، وإن نطقت قالوا: مهذار، وإن أنفقت قالوا: مسرف، وإن اقتصدت قالوا: بخيل، وإن احتجت إلى ما في أيديهم صارموك وذموك، وإن لم تعتد بهم كفروك، فهذه صفة أهل زمانك، فأصغاك من فرغ من جورهم، وأمن من الطمع فيهم، فهو مقبل على شأنه، مدار لأهل زمانه. ومن صفة العالم ألا يعظ إلامن يقبل عظته، ولا ينصح معجبا برأيه، ولا يخبر بما يخاف إذاعته، ولا تودع سرك إلاعند كل ثقة، ولا تلفظ إلابما يتعارفون‏ به الناس، ولا تخالطهم إلابما يعقلونه، فاحذر كل الحذر، وكن فردا وحيدا. واعلم أن من نظر في عيب نفسه شغل عن عيب غيره، ومن كابد الأمور عطب، ومن اقتحم اللجج غرق، ومن أعجب برأيه ضل، ومن استغنى بعقله زل، ومن تكبر على الناس ذل، ومن مزح استخف به، ومن كثر من شي‏ء عرف به، ومن كثر كلامه كثر خطؤه، ومن كثر خطؤه قل حياؤه، ومن قل حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه قل دينه، ومن قل دينه مات قلبه، ومن مات قلبه دخل النار. [2]

 

قال أمير المؤمنين لولده الحسن (ع): يا بني، إذا نزل بك كلب الزمان‏ وقحط الدهر، فعليك بذوي الأصول الثابتة، والفروع النابتة، من أهل الرحمة والإيثار والشفقة، فإنهم أقضى للحاجات، وأمضى لدفع الملمات. وإياك وطلب الفضل، واكتساب الطساسيج‏ والقراريط،[3] من ذوي الأكف اليابسة، والوجوه العابسة، فإنهم إن أعطوا منوا، وإن منعوا كدوا. ثم أنشأ يقول:

واسأل العرف إن سألت كريما .. لم يزل يعرف الغنى واليسارا

فسؤال الكريم يورث عزا ... وسؤال اللئيم يورث عارا

وإذا لم تجد من الذل بدا ... فالق بالذل إن لقيت الكبارا

ليس إجلالك الكبير بعار ... إنما العار أن تجل الصغارا [4]

 

عن اويس القرني، قال: سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) يقول يوما لابنه الحسن بن علي (ع): يا بني من قال اني مؤمن فليخضع لله عز وجل في دينه، وليسع لنفسه في حياته، وليخشع في صلاته ولا يجزع من زكاته. يا بني لا إيمان أطيب من الأمانة، ولا طغيان أخبث من الخيانة، ولا زهادة أفضل من التدبير، ولا عبادة أفضل من التفكر، ولا مهابة أعز من العلم، ولا أمارة أرفق من الحلم، ولا كياسة أوفق من السماحة، ولا بشاشة أبقى من النصيحة، ولا أخ أعون من الحمد والشكر، ولا مروءة أكرم من الفصاحة واللب، ولا رزانة أنجب من الالفة والحب، ولا شين أشين من السفاهة والعجب، ولا صديق أزين من العقل، ولا قرين أشين من الجهل، ولا شرف أعز من التقوى، ولا كرم أجود من ترك الهوى، ولا عمل أفضل من التفكر، ولا حسنة أعلى من الصبر، ولا سيئة أسوأ من الكبر، ولا دواء ألين من الرفق، ولا داء أوجع من الحزن، ولا رسول أعدل من الحق، ولا دليل أفصح من الصدق، ولا غنى أشفى من القنوع، ولا فقر أذل من الطمع، ولا عبادة أحسن من الورع، ولا زهادة أنبل من الخشوع، ولا حياة أطيب من الصحة، ولا حشمة أهنأ من العفة، ولا حارس أحفظ من الصمت، ولا آت أقرب من الموت. واعلم يا بني ان هلاك المرء في ثلاثة: في الكبر والحرص والحسد. أما الكبر فهلاك الدين، وبه لعن اللعين وصار من أهل النار. وأما الحرص فهو عدو النفس، وبالحرص اخرج آدم من الجنة. وأما الحسد فهو دليل الشر، وبه قتل قابيل هابيل حتى صار شقيا. يا بني النجاة في ثلاث: في الهدى، والتقى، وترك الهوى والردى. يا بني الاستقامة في ثلاث: في الجماعة والطاعة، والسنة. يا بني السعادة في ثلاث: في العلم والعقل وصدق النية. يا بني والحتف في ثلاث: في الجمع، والمنع، والطمع. يا بني والرئاسة في ثلاث: في الصدق، والحلم، وحسن المداراة. يا بني والجهل في ثلاث: في الكذب، والسفاهة، والغضب. يا بني والكرم في ثلاث: في حسن العطية، وحفظ الجار، وصلة الرحم. يا بني واللؤم في ثلاثة: في الشح، والبخل، والجفاء بالاخوان. يا بني وحسن الخلق في ثلاثة: في اجتناب المحارم، والطلب للحلال، والسعة على العيال. يا بني وسوء الخلق في ثلاثة: في ارتكاب المعاصي، وذكر أعراض الناس، والتكلف لما لا يعنيك. يا بني والاخوة في ثلاثة: في المودة، والنصيحة، والمواساة. يا بني والفرقة في ثلاثة: في خلاف العلماء، وامارة السفهاء، وكثرة العجز والتواني. يا بني والبركة في ثلاثة: في الاقتصاد، والمشاورة، والرزق بالكفاية. يا بني والسلامة في ثلاثة: في الوفاء بالعهد، وأداء الأمانة، وترك الخيانة. يا بني والعافية في ثلاثة: في حفظ اللسان، وترك الغيبة، وترك النميمة. يا بني والراحة في ثلاثة: في احتمال المؤنة، وحسن المعونة، والأخذ بالفضل. يا بني والانسانية في ثلاثة: في التواضع عند القول، والعفو عند القدرة، والعطية بغير منة. واعلم يا بني ان الدنيا بحذافيرها فانية، والأموال لأهلها عارية، وأن حلالها وإن كثر منها حساب، وأن حرامها وإن قل منها عذاب، وفيها بكل فرحة بعدها ترحة، ولكل جماعة فرقة، ولكل شهوة غم وكربة، ولكل لذاذة شدة، ولكل سيئة حسرة، ولكل سعة مضرة، ولكل حلاوة بعدها مرارة، ولكل إبرام بعده نقض، ولكل لين بعده صعوبة، ولكل سرور بعده حزن، ولكل طرب بعده سجن. فكل هذا يا بني في الدنيا، ولا ينجو إلا من عصمه الله منها وأكرمه برحمته، والناس فيها غافلون، ومن فنائها آمنون، والموت أمامهم ينتظر آجالهم، وهم فيها بين ذلك مجتهدون يكدون أنفسهم ومن الحلال والحرام يكتسبون، أملهم طويل وأجلهم قصير، عموا في الدنيا واستأنسوا بأهلها، فهم عن آخرها آمنون مطمئنون، يبنون القصور وما لا يسكنون، ويعمرون ما لا يدخلون، ويأمنون ما لا يخافون. يا بني لا الدنيا يطلبون ولا الآخرة يرجون، لو طلبوا للدنيا لعملوا بما امروا فيها، ولو رجوا الآخرة لاشتغلوا فيما رجوا منها. يا بني كيف تجمعون؟ ومن أين تأكلون؟ ومم تلبسون؟ يا بني المال والبنون حرث الدنيا، والدين والعمل الصالح حرث الآخرة، وقد يجمعها الله لأقوام يحبهم ويحبونه. يا بني فمن أحب الله أحبه الله وحببه الى خلقه، ومن أبغض الله أبغضه الله وبغضه الى خلقه. ولا قوة إلا بالله. [5]

 

قال أمير المؤمنين لابنه الحسين (ع): أوصيك بتقوى الله, وإقام الصلاة لوقتها, وإيتاء الزكاة عند محلها. وأوصيك بمغفرة الذنب, وكظم الغيظ, وصلة الرحم, والحلم عند الجاهل, والتفقه في الدين, والتثبت في الأمر, والتعهد للقرآن, وحسن الجوار, والأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر, واجتناب الفواحش كلها في كل ما عصي الله فيه. [6]

 

عن عمرو بن أبي المقدام، عن أبي جعفر (ع) قال: لما أقبل أمير المؤمنين (ع) من صفين كتب إلى ابنه الحسن (ع):[7] بسم الله الرحمن الرحيم‏ من‏ الوالد الفان‏، المقر للزمان، المدبر العمر، المستسلم للدهر، الذام للدنيا، الساكن مساكن الموتى، والظاعن عنها غدا، إلى المولود المؤمل ما لا يدرك، السالك سبيل من قد هلك، غرض الأسقام، ورهينة الأيام، ورمية المصائب، وعبد الدنيا، وتاجر الغرور، وغريم المنايا، وأسير الموت، وحليف الهموم، وقرين الأحزان، ونصب الآفات، وصريع الشهوات، وخليفة الأموات. أما بعد، فإن فيما تبينت من إدبار الدنيا عني، وجموح الدهر علي، وإقبال الآخرة إلي، ما يزعني‏[8] عن ذكر من سواي، والإهتمام بما ورائي، غير أني حيث تفرد بي دون هموم الناس هم نفسي، فصدفني رأيي، وصرفني عن هواي، وصرح لي محض أمري، فأفضى بي إلى جد لا يكون فيه لعب، وصدق لا يشوبه كذب، ووجدتك بعضي، بل وجدتك كلي حتى كأن شيئا لو أصابك أصابني، وكأن الموت لو أتاك أتاني، فعناني من أمرك ما يعنيني من أمر نفسي، فكتبت إليك، مستظهرا[9] به إن أنا بقيت لك أو فنيت. فإني أوصيك بتقوى الله، أي بني، ولزوم أمره، وعمارة قلبك بذكره، والاعتصام بحبله، وأي سبب أوثق من سبب بينك وبين الله، إن أنت أخذت به؟ أحي قلبك بالموعظة، وأمته بالزهادة، وقوه باليقين، ونوره بالحكمة، وذلله بذكر الموت، وقرره بالفناء، وبصره فجائع الدنيا، وحذره صولة الدهر، وفحش تقلب الليالي والأيام، واعرض عليه أخبار الماضين، وذكره بما أصاب من كان قبلك من الأولين، وسر في ديارهم، وآثارهم، فانظر فيما فعلوا، وعما انتقلوا، وأين حلوا ونزلوا، فإنك تجدهم قد انتقلوا عن الأحبة، وحلوا ديار الغربة، وكأنك عن قليل قد صرت كأحدهم، فأصلح مثواك، ولا تبع آخرتك بدنياك. ودع القول فيما لا تعرف، والخطاب فيما لم تكلف، وأمسك عن طريق إذا خفت ضلالته، فإن الكف عند حيرة الضلال خير من ركوب الأهوال، وأمر بالمعروف تكن من أهله، وأنكر المنكر بيدك ولسانك، وباين من فعله بجهدك، وجاهد في الله حق جهاده، ولا تأخذك في الله لومة لائم، وخض الغمرات للحق حيث كان، وتفقه في الدين، وعود نفسك التصبر على المكروه، ونعم الخلق التصبر، وألجئ نفسك في الأمور كلها إلى إلهك، فإنك تلجئها إلى كهف حريز، ومانع عزيز، وأخلص في المسألة لربك، فإن بيده العطاء والحرمان، وأكثر الاستخارة، وتفهم وصيتي، ولا تذهبن عنها صفحا، فإن خير القول ما نفع، واعلم أنه لا خير في علم لا ينفع، ولا ينتفع بعلم لا يحق تعلمه. أي بني إني لما رأيتني قد بلغت سنا، ورأيتني أزداد وهنا، بادرت بوصيتي إليك، وأوردت خصالا منها، قبل أن يعجل بي أجلي دون أن أفضي إليك بما في نفسي، وأن أنقص في رأيي كما نقصت في جسمي، أو يسبقني إليك بعض غلبات الهوى وفتن الدنيا، فتكون كالصعب النفور، وإنما قلب الحدث كالأرض الخالية ما ألقي فيها من شي‏ء إلاقبلته، فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك، ويشتغل لبك، لتستقبل بجد رأيك من الأمر ما قد كفاك أهل التجارب بغيته وتجربته، فتكون قد كفيت مؤونة الطلب، وعوفيت من علاج التجربة، فأتاك من ذلك ما قد كنا نأتيه، واستبان لك ما ربما أظلم علينا منه. أي بني إني وإن لم أكن عمرت عمر من كان قبلي، فقد نظرت في أعمالهم، وفكرت في أخبارهم، وسرت في آثارهم، حتى عدت كأحدهم، بل كأ ني بما انتهى إلي من أمورهم قد عمرت مع أولهم إلى آخرهم، فعرفت صفو ذلك من كدره، ونفعه من ضرره، فاستخلصت لك من كل أمر نخيله، وتوخيت لك جميله، وصرفت عنك مجهوله، ورأيت حيث عناني من أمرك ما يعني الوالد الشفيق، وأجمعت عليه من أدبك، أن يكون ذلك وأنت مقبل العمر ومقتبل الدهر، ذونية سليمة، ونفس صافية، وأن أبتدئك بتعليم كتاب الله وتأويله، وشرائع الإسلام وأحكامه، وحلاله وحرامه، لا أجاوز ذلك بك إلى غيره، ثم أشفقت أن يلتبس عليك ما اختلف الناس فيه من أهوائهم، مثل الذي التبس عليهم، فكان إحكام ذلك لك على ما كرهت من تنبيهك له، أحب إلي من إسلامك إلى أمر لا آمن عليك به الهلكة، ورجوت أن يوفقك الله فيه لرشدك، وأن يهديك لقصدك، فعهدت إليك وصيتي هذه. واعلم يا بني أن أحب ما أنت آخذ به إلي من وصيتي تقوى الله، والاقتصار على ما فرضه الله عليك، والأخذ بما مضى عليه الأولون من آبائك، والصالحون من أهل بيتك، فإنهم لم يدعوا أن نظروا لأنفسهم كما أنت ناظر، وفكروا كما أنت مفكر، ثم ردهم آخر ذلك إلى الأخذ بما عرفوا، والإمساك عما لم يكلفوا، فإن أبت نفسك أن تقبل ذلك دون أن تعلم كما علموا، فليكن طلبك ذلك بتفهم وتعلم، لا بتورط الشبهات، وغلو الخصومات، وابدأ قبل نظرك في ذلك بالاستعانة بإلهك، والرغبة إليه في توفيقك، وترك كل شائبة أولجتك في شبهة، أو أسلمتك إلى ضلالة، فإذا أيقنت أن قد صفى قلبك، فخشع، وتم رأيك فاجتمع، وكان همك في ذلك هما واحدا، فانظر فيما فسرت لك، وإن أنت لم يجتمع لك ما تحب من نفسك، وفراغ نظرك وفكرك، فاعلم أنك إنما تخبط العشواء، وتورط الظلماء، وليس طالب الدين من خبط أو خلط، والإمساك عن ذلك أمثل، فتفهم يابني وصيتي، واعلم أن مالك الموت هو مالك الحياة، وأن الخالق هو المميت، وأن المفني هو المعيد، وأن المبتلي هو المعافي، وأن الدنيا لم تكن لتستقر إلا على ما جعلها الله عليه من النعماء، والابتلاء، والجزاء في المعاد أو ما شاء مما لا نعلم، فإن أشكل عليك شي‏ء من ذلك فاحمله على جهالتك به فإنك أول ما خلقت خلقت جاهلا ثم علمت. وما أكثر ما تجهل من الأمر ويتحير فيه رأيك ويضل فيه بصرك، ثم تبصره بعد ذلك فاعتصم بالذي خلقك ورزقك وسواك، وليكن له تعبدك وإليه رغبتك ومنه شفقتك. واعلم يابني أن أحدا لم ينبئ عن الله كما أنبأ عنه الرسول (ص). فارض به رائدا، وإلى النجاة قائدا، فإني لم آلك نصيحة. وإنك لن تبلغ في النظر لنفسك وإن اجتهدت مبلغ نظري لك. واعلم يابني أنه لو كان لربك شريك لأتتك رسله، ولرأيت آثار ملكه وسلطانه، ولعرفت أفعاله وصفاته، ولكنه إله واحد كما وصف نفسه. لايضاده في ملكه أحد، ولا يزول أبدا. ولم يزل أول قبل الأشياء بلا أولية، وآخر بعد الأشياء بلا نهاية. عظم عن أن تثبت ربوبيته بإحاطة قلب أو بصر. فإذا عرفت ذلك فافعل كما ينبغي لمثلك أن يفعله في صغر خطره، وقلة مقدرته، وكثرة عجزه، وعظيم حاجته إلى‏ ربه في طلب طاعته، والرهبة من عقوبته، والشفقة من سخطه، فإنه لم يأمرك إلا بحسن، ولم ينهك إلاعن قبيح. وإن أول ما أبدؤك به من ذلك وآخره أني أحمد الله إله الأولين والآخرين، ورب من في السماوات والأرضين، بما هو أهله، وكما يجب وينبغي له، ونسأله أن يصلي على محمد وآل محمد، صلى الله عليهم وعلى أنبياء الله بصلاة جميع من صلى عليه من خلقه، وأن يتم نعمته علينا بما وفقنا له من مسألته بالاستجابة لنا، فإن بنعمته تتم الصالحات. يا بني إني قد أنبأتك عن الدنيا وحالها وانتقالها وزوالها بأهلها، وأنبأتك عن الآخرة وما أعد الله لأهلها فيها، وضربت لك أمثالا لتعتبر بها وتحذوا عليها. إنما مثل من خبر الدنيا مثل قوم سفر نبا بهم منزل جديب، فأموا منزلا خصيبا وجنابا مريعا فاحتملوا وعثاء الطريق، وفراق الصديق، وخشونة السفر في الطعام والمنام وجشوبة المطعم؛ ليأتوا سعة دارهم ومنزل قرارهم، فليس يجدون لشي‏ء من ذلك ألما، ولا يرون لنفقة مغرما، ولا شي‏ء أحب إليهم مما قربهم من منزلهم، ومثل من اغتر بها كقوم كانوا في منزل خصيب فنبا بهم إلى منزل جديب، فليس شي‏ء أكره إليهم ولا أفظع عندهم من مفارقة ما هم فيه، إلى ما يهجمون عليه ويصيرون إليه. ثم فزعتك بأنواع الجهالات، لئلا تعد نفسك عالما، لأن العالم من عرف أن ما يعلم فيما لا يعلم قليل، فعد نفسه بذلك جاهلا، وازداد بما عرف من ذلك في طلب العلم اجتهادا، فما يزال للعلم طالبا، وفيه راغبا، وله مستفيدا، ولأهله خاشعا، ولرأيه متهما، وللصمت لازما، وللخطأ جاحدا، ومنه مستحييا، وإن ورد عليه مالا يعرف لم ينكر ذلك، لما قرر به نفسه من الجهالة، وإن الجاهل من عد نفسه لما جهل من معرفة العلم عالما، وبرأيه مكتفيا، فما يزال للعلماء معاندا، وعليهم زاريا، ولمن خالفه مخطئا، ولما لا يعرف من الأمور مضللا، فإذا ورد عليه من الأمر، مالا يعرفه أنكره وكذب به، وقال بجهالته: ما أعرف هذا، وما أراه كان، وما أظن أن يكون، وأنى كان ولا أعرف ذلك، لثقته برأيه، وقلة معرفته بجهالته، فما ينفك مما يرى فيما يلتبس عليه برأيه، مما لا يعرف للجهل مستفيدا وللحق منكرا، وفي اللجاجة متجرئا، وعن طلب العلم مستكبرا. يا بني فتفهم وصيتي، واجعل نفسك ميزانا فيما بينك وبين غيرك، فأحبب لغيرك ما تحب لنفسك، واكره له ما تكره لها، ولا تظلم كما لا تحب أن تظلم، وأحسن كما تحب أن يحسن إليك، واستقبح لنفسك ما تستقبح من غيرك، وارض من الناس بما ترضاه لهم من نفسك، ولا تقل ما لا تعلم، بل لا تقل كل ما علمت، مما لا تحب أن يقال لك. واعلم أن الإعجاب ضد الصواب وآفة الألباب فاسع في كدحك، ولا تكن خازنا لغيرك، وإذا هديت لقصدك فكن أخشع ما تكون لربك. واعلم يا بني أن أمامك طريقا ذا مسافة بعيدة ومشقة شديدة، وأهوال شديدة، وأنه لا غنى بك فيه عن حسن الإرتياد، وقدر بلاغك من الزاد مع خفة الظهر، فلا تحملن على ظهرك فوق بلاغك فيكون ثقيلا ووبالا عليك، وإذا وجدت من أهل الفاقة من يحمل زادك إلى يوم القيامة فيوافيك به غدا، حيث تحتاج إليه فاغتنمه، وحمله إياه، واغتنم من استقرضك في حال غناك، وجعل يوم قضاءه لك في يوم عسرتك، وحمله إياه، وأكثر من تزويده وأنت قادر، فلعلك تطلبه فلا تجده. واعلم أن أمامك عقبة كؤودا المخف فيها أحسن حالا من المثقل، والمبطئ عليها أقبح حالا من المسرع، وأن مهبطك بها لا محالة، على جنة أو نار، فارتد لنفسك قبل نزولك ووطئ المنزل قبل حلولك، فليس بعد الموت مستعتب، ولا إلى الدنيا منصرف. واعلم أن الذي بيده خزائن ملكوت الدنيا والآخرة قد أذن لدعائك، وتكفل لإجابتك، وأمرك أن تسأله ليعطيك وتسترحمه ليرحمك، وهو رحيم كريم، لم يجعل بينك وبينه من يحجبك عنه، ولم يلجئك إلى من يشفع لك إليه، ولم يمنعك إن أسأت من التوبة، ولم يعيرك بالإنابة، ولم يعاجلك بالنقمة، ولم يفضحك حيث تعرضت للفضيحة، ولم يناقشك بالجريمة، ولم يؤيسك من الرحمة، ولم يشدد عليك في التوبة، فجعل توبتك التورع من الذنب، وحسب سيئتك واحدة، وحسنتك عشرا، وفتح لك باب المتاب والاستعتاب، فمتى شئت ناديته سمع نداء ك ونجواك، فأفضيت إليه بحاجتك، وأبثثته ذات نفسك، وشكوت إليه همومك، واستكشفته كروبك، واستعنته على أمورك، وسألته من خزائن رحمته ما لا يقدر على إعطائه غيره: من زيادة الأعمار، وصحة الأبدان، وسعة الأرزاق، ثم جعل في يديك مفاتيح خزائنه، بما أذن فيه من مسألته، فمتى شئت استفتحت بالدعاء أبواب خزائنه، فألحح عليه بالمسألة يفتح لك باب الرحمة، ولا يقنطك إن أبطأت عليك الإجابة، فإن العطية على قدر المسألة، وربما أخرت عنك الإجابة ليكون أطول في المسألة، وأجزل للعطية، وربما سألت الشي‏ء فلا تؤتاه فلم تؤته، وأوتيت خيرا منه عاجلا أو آجلا، أو صرت إلى ما هو خير لك، فلرب أمر قد طلبته فيه هلاك دينك ودنياك لو أوتيته، ولتكن مسألتك فيما يعنيك مما يبقى لك جماله، وينفى عنك وباله، فإن المال لا يبقى لك ولا تبقى له، فإنه يوشك أن ترى عاقبة أمرك حسنا أو سيئا أو يعفو العفو الكريم. واعلم يا بني أنك إنما خلقت للآخرة لا للدنيا، وللفناء لا للبقاء، وللموت‏ لا للحياة، وأنك في منزل قلعة ودار بلغة، وطريق إلى الآخرة، وأنك طريد الموت الذي لا ينجو منه هاربه، ولابد أنه مدركه، فكن منه على حذر أن يدركك وأنت على حال سيئة قد كنت تحدث نفسك منها بالتوبة، فيحول بينك وبين ذلك، فإذا أنت قد أهلكت نفسك. يا بني أكثر من ذكر الموت، وذكر ما تهجم عليه، وتفضي بعد الموت إليه، واجعله أمامك حيث تراه، حتى يأتيك وقد أخذت منه حذرك، وشددت له أزرك، ولا يأتيك بغتة فيبهرك، ولا يأخذك على غرتك، وأكثر ذكر الآخرة وما فيها من النعيم والعذاب الأليم، فإن ذلك يزهدك في الدنيا ويصغرها عندك. وإياك أن تغتر بما ترى من إخلاد أهل الدنيا إليها، وتكالبهم عليها، فقد نبأك الله جل جلاله عنها، ونعت لك نفسها، وتكشفت لك عن مساويها، فإنما أهلها كلاب عاوية، وسباع ضارية، يهر بعضها بعضا، ويأكل عزيزها ذليلها، ويقهر كبيرها صغيرها، وكثيرها قليلها، نعم معقلة، وأخرى محفلة مهملة، قد أضلت عقولها، وركبت مجهولها، سروح عاهة في واد وعث، ليس لها راع يقيمها، ولا مسيم يسيمها، لعبت بهم الدنيا، فلعبوا بها، ونسوا ما وراءها، رويدا حتى يسفر الظلام، كأن ورب الكعبة، يوشك من أسرع أن يلحق. واعلم يا بني، أن كل من كانت مطيته الليل والنهار فإنه يسار به، وإن كان لا يسير، أبى الله إلا خراب الدنيا وعمارة الآخرة. يا بني، فإن تزهد فيما زهدتك فيه وتعزف نفسك عنها فهي أهل ذلك، وإن كنت غير قابل نصيحتي إياك فيها، فاعلم يقينا أنك لن تبلغ أملك، ولا تعدو أجلك، فإنك في سبيل من كان قبلك، فخفض في الطلب، وأجمل في المكتسب، فإنه رب طلب قد جر إلى حرب، وليس كل طالب بناج، ولا كل مجمل بمحتاج، وأكرم نفسك عن كل دنية، وإن ساقتك إلى الرغائب، فإنك لن تعتاض بما تبذل شيئا من دينك وعرضك بثمن، وإن جل. ومن خير حظ امرى‏ء قرين صالح، فقارن أهل الخير تكن منهم، وباين أهل الشر تبن منهم، لا يغلبن عليك سوء الظن، فإنه لا يدع بينك وبين صديق صفحا، بئس الطعام الحرام، وظلم الضعيف أفحش الظلم، والفاحشة كاسمها، والتصبر على المكروه يعصم القلب، وإذا كان الرفق خرقا كان الخرق رفقا، وربما كان الداء دواء، وربما نصح غير الناصح، وغش المستنصح المتنصح. إياك والإتكال على المنى، فإنها بضائع النوكى، زك قلبك بالأدب كما يذكى النار بالحطب، لا تكن كحاطب الليل، وغثاء السيل، وكفر النعمة لؤم، وصحبة الجاهل شؤم، والعقل حفظ التجارب، وخير ما جربت ما وعظك، ومن الكرم لين الشيم، بادر الفرصة قبل أن تكون غصة، ومن الحزم العزم، ومن سبب الحرمان التواني، ليس كل طالب يصيب، ولا كل غائب يؤوب، ومن الفساد إضاعة الزاد، ومفسدة المعاد، لكل امرئ عاقبة، رب يسير أنمى من كثير، ولا خير في معين مهين، ولا في صديق ظنين، ولا تبيتن من أمر على عذر، من حلم ساد، ومن تفهم ازداد، ولقاء أهل الخير عمارة القلب، ساهل الدهر ما ذل لك قعوده. وإياك أن تجمح بك مطية اللجاج، وإن قارفت سيئة فعجل محوها بالتوبة، ولا تخن من ائتمنك وإن خانك، ولا تذع سره وإن أذاع سرك، ولا تخاطر بشي‏ء رجاء أكثر منه، واطلب فإنه يأتيك ما قسم لك، والتاجر مخاطر، خذ بالفضل، وأحسن البذل، وقل للناس حسنا، وأحسن كلمة حكم جامعة أن تحب للناس ما تحب لنفسك، وتكره لهم ما تكره لها، إنك قل ما تسلم ممن تسرعت إليه أن تندم أو تتفضل عليه. واعلم أن من الكرم الوفاء بالذمم، والدفع عن الحرم، والصدود آية المقت، وكثرة التعلل آية البخل، ولبعض إمساكك على أخيك مع لطف خير من بذل مع عنف، ومن الكرم صلة الرحم، ومن يثق بك أو يرجو صلتك، أو يرجوك أو يثق بصلتك إذا قطعت قرابتك، والتجرم‏[10] وجه القطيعة، إحمل نفسك من أخيك عند صرمه إياك على الصلة، وعند صدوده على لطف المسألة، وعند جموده على البذل، وعند تباعده على الدنو، وعند شدته على اللين، وعند تجرمه على الإعذار، حتى كأنك له عبد، وكأنه ذونعمة عليك، وإياك أن تضع ذلك في غير موضعه، أو تفعله في غير أهله. ولا تتخذن عدو صديقك صديقا فتعادي صديقك، ولا تعمل بالخديعة، فإنها خلق لئيم، وامحض أخاك النصيحة حسنة كانت أو قبيحة، وساعده على كل حال، وزل معه حيث زال، ولا تطلبن مجازات أخيك وإن حثا التراب بفيك، وجد على عدوك بالفضل، فإنه أحرى للظفر، وتسلم من الدنيا بحسن الخلق، وتجرع الغيظ، فإني لم أر جرعة أحلى منها عاقبة ولا ألذ منها مغبة، ولا تصرم أخاك على ارتياب، ولا تقطعه دون استعتاب، ولن لمن غالظك، فإنه يوشك أن يلين لك. ما أقبح القطيعة بعد الصلة، والجفاء بعد الإخاء، والعداوة بعد المودة، والخيانة لمن ائتمنك، والغدر بمن استأمن إليك، وإن أنت غلبتك قطيعة أخيك فاستبق له من نفسك بقية يرجع إليها إن بدا له ذلك يوما ما، ومن ظن بك خيرا فصدق ظنه، ولا تضيعن حق أخيك اتكالا على ما بينك وبينه، فإنه ليس لك بأخ من أضعت حقه. ولا يكن أهلك أشقى الناس بك، ولا ترغبن فيمن زهد فيك، ولا يكونن أخوك أقوى على قطيعتك منك على صلته، ولا يكونن على الإساء ة أقوى منك على الإحسان، ولا على البخل أقوى منك على البذل، ولا على التقصير منك على الفضل، ولا يكبرن عليك ظلم من ظلمك، فإنه إنما يسعى في مضرته ونفعك، وليس جزاء من سرك أن تسوئه. واعلم يا بني، أن الرزق رزقان: رزق تطلبه، ورزق يطلبك، فإن لم تأته أتاك. واعلم يا بني أن الدهر ذوصروف، فلا تكن ممن يشتد لائمته، ويقل عند الناس عذره، ما أقبح الخضوع عند الحاجة، والجفاء عند الغناء، وإنما لك من دنياك ما أصلحت به مثواك، فأنفق في حق، ولا تكن خازنا لغيرك، وإن كنت جازعا على ما يفلت من بين يديك، فاجزع على ما لم يصل إليك، واستدلل على ما لم يكن بما كان، فإنما الأمور أشباه، ولا تكفر نعمة، فإن كفر النعمة من ألأم الكفر. واقبل العذر، ولا تكونن ممن لا ينتفع من العظة إلابما لزمه إزالته، فإن العاقل يتعظ بالأدب، والبهائم لا تتعظ إلابالضرب، إعرف الحق لمن عرفه، رفيعا كان أو وضيعا، واطرح عنك واردات الهموم بعزائم الصبر وحسن اليقين. من ترك القصد حاد، ونعم حظ المرء القنوع، ومن شر ما صحب المرء الحسد، وفي القنوط التفريط، والشح يجلب الملامة، والصاحب مناسب، والصديق من صدق غيبه، والهوى شريك العمى، ومن التوفيق الوقوف عند الحيرة، ونعم طارد الهموم اليقين، وعاقبة الكذب الندم وفي الصدق السلامة. ورب بعيد أقرب من قريب والغريب من لم يكن له حبيب، لا يعدمك من شفيق سوء الظن، ومن حم ظمأ، ومن تعدى الحق ضاق مذهبه، ومن اقتصر على قدره كان أبقى له. عم الخلق التكرم، وألأم اللؤم البغي عند القدرة، والحياء سبب إلى كل جميل، وأوثق العرى التقوى، وأوثق سبب أخذت به سبب بينك وبين سرك من أعتبك، والإفراط في الملامة يشب نيران اللجاجة كم من دنف نجى، وصحيح قد هوى، وقد يكون اليأس إدراكا إذا كان الطمع هلاكا، وليس كل عورة تظهر، ولا كل فريضة تصاب، وربما أخطأ البصير قصده، وأصاب الأعمى رشده، وليس كل من طلب وجد، ولا كل من توقى نجى. أخر الشر فإنك إذا شئت تعجلته وأحسن إن أحببت أن يحسن إليك، واحتمل أخاك على ما فيه، ولا تكثر العتاب، فإنه يورث الضغينة ويجر إلى البغضة، واستعتب من رجوت عتباه، وقطيعة الجاهل تعدل صلة العاقل، ومن الكرم منع الحزم، من كابر الزمان عطب، ومن تنقم عليه غضب. ما أقرب النقمة من أهل البغي، وأخلق بمن غدر إلايؤفى له، زلة المتوقي أشد زلة، وعلة الكذب أقبح علة، والفساد يبير الكثير، والاقتصاد ينمي اليسير، والقلة ذلة، وبر الوالدين من أكرم الطباع، والمخافت شرا يخاف، والزلل مع العجل، ولا خير في لذة تعقب ندما، العاقل من وعظته التجارب، ورسولك ترجمان عقلك، والهدى يجلو العمى، وليس مع الخلاف ائتلاف. من خبر خوانا فقد خان، لن يهلك من اقتصد، ولن يفتقر من زهد، ينبئ عن أمر دخيله، رب باحث عن حتفه، ولا تشوبن بثقة رجاء، وما كل ما يخشى يصير، ولرب هزل قد عاد جدا، من أمن الزمان خانه، ومن تعظم عليه أهانه، ومن ترغم عليه أرغمه، ومن لجأ إليه أسلمه، وليس كل من رمى أصاب، وإذا تغير السلطان تغير الزمان، خير أهلك من كفاك، المزاح يورث الضغائن، أعذر من اجتهد، وربما أكدى الحريص. رأس الدين صحة اليقين، وتمام الإخلاص تجنب المعاصي، وخير المقال ما صدقه الفعال، السلامة مع الاستقامة، والدعاء مفتاح الرحمة، سل عن الرفيق قبل الطريق، وعن الجار قبل الدار، وكن من الدنيا على قلعة، أجمل من أذل عليك، واقبل عذر من اعتذر إليك، وخذ العفو من الناس، ولا تبلغ من أحد مكروها، أطع أخاك وإن عصاك، وصله وإن جفاك، وعود نفسك السماح، وتخير لها من كل خلق أحسنه، فإن الخير العادة. وإياك أن تكثر من الكلام هذرا، وأن تكون مضحكا، وإن حكيت ذلك عن غيرك، وأنصف من نفسك قبل أن ينتصف منك. وإياك ومشاورة النساء، فإن رأيهن إلى الأفن، وعزمهن إلى الوهن، واكفف عليهن من أبصارهن بحجابك إياهن، فإن شدة الحجاب خير لك ولهن من الارتياب، وليس خروجهن بأشد من دخول من لا يوثق به عليهن، وإن استطعت أن لا يعرفن غيرك من الرجال فافعل، ولا تملك المرأة من  أمرها ما جاوز نفسها، فإن ذلك أنعم لحالها، وأرخى لبالها، وأدوم لجمالها، فإن المرأة ريحانة، وليست بقهرمانة، ولا تعد بكرامتها نفسها، ولا تطمعها في أن تشفع لغيرها، فيميل من شفعت له عليك معها، ولا تطل الخلوة مع النساء، فيمللنك وتمللهن، واستبق من نفسك بقية، فإنه إمساكك عنهن وهن يرين أنك ذواقتدار خير من أن يعثرن منك على انكسار. وإياك والتغاير في غير موضع الغيرة، فإن ذلك يدعو الصحيحة منهن إلى السقم والبريئة إلى الريب، ولكن أحكم أمرهن، فإن رأيت عيبا فعجل النكير على الكبير والصغير. وإياك أن تعاقب فيعظم الذنب ويهون العتب، ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك‏ الله حرا، وما خير بخير لا ينال إلابشر، ويسر لا ينال بعسر. وإياك أن توجف بك مطايا الطمع فتوردك مناهل الهلكة، وإن استطعت أن لا يكون بينك وبين الله ذونعمة فافعل، فإنك مدرك قسمك وآخذ سهمك، وإن اليسير من الله أكرم وأعظم من الكثير من خلقه، وإن كان كل منه، فإن نظرت فلله المثل الأعلى فيما تطلب من الملوك ومن دونهم من السفلة؛ لعرفت أن لك في يسير ما تطلب تصيب من الملوك إفتخارا، وأن عليك في كثير ما تطلب من الدناة عارا، إنك ليس بائعا شيئا من دينك وعرضك بثمن، والمغبون من غبن نفسه من الله، فخذ من الدنيا ما أتاك، وتول مما تولى عنك، فإن أنت لم تفعل فأجمل في الطلب. وإياك ومقاربة من رهبته على دينك وعرضك، وباعد السلطان لتأمن خدع الشيطان، وتقول ما ترى إنك ترغب، وهكذا هلك من كان قبلك، إن أهل القبلة قد أيقنوا بالمعاد، فلو سمعت بعضهم يبيع آخرته بالدنيا لم تطب بذلك نفسا، وقد يتحيل الشيطان بخدعه ومكره حتى يورطه في هلكة بعرض من الدنيا يسير حقير، وينقله من شي‏ء إلى شي‏ء حتى يؤيسه من رحمة الله، ويدخله في القنوط، فيجد الراحة إلى ما خالف الإسلام وأحكامه. فإن أبت نفسك إلاحب الدنيا وقرب السلطان فخالفتك إلى ما نهيتك عنه مما فيه رشدك فاملك عليك لسانك فإنه لا ثقة للملوك عند الغضب، فلا تسأل عن أخبارهم، ولا تنطق بأسرارهم، ولا تدخل فيما بينهم، وفي الصمت السلامة من الندامة، وتلافيك ما فرط من صمتك أيسر من إدراك ما فات من منطقك، وحفظ ما في الوعاء بشد الوكاء، وحفظ ما في يديك أحب إليك من طلب ما في يد غيرك، ولا تحدث إلاعن ثقة كذابا، والكذب ذل، وحسن التدبير مع الكفاف أكفى لك من الكثير مع الإسراف، وحسن اليأس خير من الطلب إلى الناس، والعفة مع الحرفة خير من سرور مع فجور، والمرء أحفظ لسره، ورب ساع فيما يضره، من أكثر أهجر، ومن تفكر أبصر. وأحسن للمماليك الأدب، وأقلل الغضب، ولا تكثر العتب في غير ذنب، فإذا استحق أحد منهم ذنبا فأحسن العفو، فإن العفو مع العدل أشد من الضرب لمن كان له عقل، ولا تمسك من لا عقل له، وخف القصاص، واجعل لكل امرء منهم عملا تأخذه به، فإنه أحرى أن لا يتواكلوا. وأكرم عشيرتك، فإنهم جناحك الذي به تطير، وأصلك الذي إليه تصير، ويدك الذي بها تصول، وهم العدة عند الشدة، أكرم كريمهم، وعد سقيمهم، وأشركهم في أمورهم، وتيسر عند معسورهم. واستعنو بالله على أمورك، فإنه أكفى معين، وأستودع الله دينك ودنياك، وأسأله خير القضاء لك في العاجلة والآجلة، والدنيا والآخرة، والسلام عليك ورحمة والله وبركاته. [11]

 

عن عبد الرحمن بن الحجاج، قال: بعث إلي أبو الحسن موسى × بوصية أمير المؤمنين × وهي: {بسم الله الرحمن الرحيم} هذا ما أوصى به وقضى به في ماله عبد الله علي ابتغاء وجه‏ الله ليولجني‏ به الجنة، ويصرفني به عن النار، ويصرف النار عني {يوم تبيض وجوه وتسود وجوه} أن ما كان لي من مال بينبع‏ يعرف لي فيها وما حولها صدقة، ورقيقها غير أن رباحا وأبا نيزر وجبيرا عتقاء، ليس لأحد عليهم‏ سبيل، فهم‏ موالي يعملون‏ في المال خمس حجج، وفيه نفقتهم ورزقهم وأرزاق أهاليهم، ومع ذلك ما كان لي بوادي القرى كله‏ من‏ مال بني‏ فاطمة، ورقيقها صدقة، وما كان لي بديمة وأهلها صدقة، غير أن زريقا له مثل ما كتبت لأصحابه‏، وما كان لي بأذينة وأهلها صدقة، والفقيرين‏ كما قد علمتم صدقة في سبيل الله, وإن الذي كتبت من أموالي هذه‏ صدقة واجبة بتلة، حيا أنا أو ميتا، ينفق‏ في كل نفقة يبتغى بها وجه الله في سبيل الله ووجهه، وذوي الرحم من بني هاشم وبني المطلب‏ والقريب والبعيد, فإنه‏ يقوم على ذلك‏ الحسن بن علي يأكل منه بالمعروف، وينفقه حيث يراه‏ الله عز وجل, في حل محلل لاحرج عليه فيه‏، فإن‏ أراد أن يبيع نصيبا من المال فيقضي به الدين، فليفعل إن شاء، لاحرج‏ عليه فيه، وإن شاء جعله سري الملك‏، وإن‏ ولد علي ومواليهم‏ وأموالهم إلى الحسن بن علي، وإن كانت دار الحسن بن علي غير دار الصدقة، فبدا له أن يبيعها، فليبع‏ إن شاء، لاحرج عليه فيه، وإن باع فإنه يقسم ثمنها ثلاثة أثلاث، فيجعل ثلثا في سبيل الله، ويجعل‏ ثلثا في بني هاشم وبني المطلب‏، ويجعل الثلث‏ في آل أبي طالب، وإنه يضعه فيهم حيث يراه‏ الله, وإن حدث بحسن حدث وحسين حي، فإنه إلى الحسين‏ بن علي، وإن حسينا يفعل فيه مثل الذي أمرت به حسنا، له‏ مثل الذي كتبت للحسن‏، وعليه مثل الذي على حسن‏، وإن لبني ابني فاطمة من صدقة علي مثل الذي لبني علي، وإني إنما جعلت الذي‏ جعلت‏ لابني فاطمة ابتغاء وجه الله عز وجل, وتكريم‏ حرمة رسول الله |, وتعظيمهما وتشريفهما ورضاهما, وإن حدث بحسن وحسين حدث‏، فإن الآخر منهما ينظر في‏ بني علي، فإن وجد فيهم من يرضى بهداه وإسلامه وأمانته، فإنه يجعله إليه إن شاء، وإن لم ير فيهم بعض الذي يريده‏، فإنه يجعله إلى رجل من آل أبي طالب يرضى به‏، فإن وجد آل أبي طالب قد ذهب كبراؤهم وذوو آرائهم‏، فإنه يجعله إلى رجل يرضاه من بني هاشم، وإنه يشترط على الذي يجعله إليه أن يترك المال على أصوله، وينفق ثمره حيث أمرته‏ به‏ من سبيل الله ووجهه، وذوي الرحم من بني هاشم وبني المطلب والقريب والبعيد، لايباع منه شي‏ء، ولا يوهب ولا يورث، وإن مال محمد بن علي على‏ ناحيته,‏ وهو إلى ابني فاطمة، وإن رقيقي الذين في صحيفة صغيرة التي كتبت لي‏ عتقاء, هذا ما قضى‏ به‏ علي بن أبي طالب في أمواله هذه، الغد من يوم‏ قدم مسكن‏ {ابتغاء وجه الله} والدار الآخرة، {والله المستعان} على كل حال، ولا يحل‏ لامرئ مسلم‏ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقول في شي‏ء قضيته من‏ مالي، ولا يخالف فيه أمري من قريب أو بعيد. أما بعد، فإن ولائدي اللائي‏ أطوف عليهن السبعة عشر منهن أمهات أولاد معهن أولادهن، ومنهن حبالى، ومنهن من لاولد له‏، فقضاي‏ فيهن, إن حدث بي‏ حدث أنه‏ من كان‏ منهن‏ ليس لها ولد وليست بحبلى، فهي عتيق لوجه الله عز وجل, ليس لأحد عليهن سبيل، ومن‏ كان‏ منهن لها ولد أو حبلى‏، فتمسك على ولدها وهي من حظه‏، فإن مات ولدها وهي حية، فهي عتيق ليس لأحد عليها سبيل, هذا ما قضى به علي في ماله الغد من‏ يوم قدم  مسكن، شهد أبو شمر بن أبرهة, وصعصعة بن صوحان, ويزيد بن قيس, وهياج بن أبي هياج، وكتب علي بن‏ أبي طالب × بيده لعشر خلون من جمادى الأولى سنة سبع‏ وثلاثين. [12]

وكانت الوصية الأخرى مع الأولى‏: {بسم الله الرحمن الرحيم} هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب، أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، أرسله {بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون‏} صلى الله عليه وآله، ثم {إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك‏ أمرت} وأنا من المسلمين, ثم إني أوصيك يا حسن، وجميع‏ أهل‏ بيتي‏ وولدي‏ ومن بلغه كتابي بتقوى الله‏ ربكم، {ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا}, فإني سمعت رسول الله | يقول: صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام، وأن المبيرة الحالقة للدين فساد ذات البين، ولا قوة إلا بالله العلي‏ العظيم‏، انظروا ذوي أرحامكم، فصلوهم, يهون الله‏ عليكم الحساب.

الله الله في الأيتام، فلا تغبوا أفواههم، ولا يضيعوا بحضرتكم, فقد سمعت رسول الله | يقول: من عال يتيما حتى يستغني، أوجب الله عز وجل له بذلك الجنة، كما أوجب‏ لآكل مال اليتيم النار.

الله الله في القرآن، فلا يسبقكم‏ إلى العمل به أحد غيركم.

الله الله في جيرانكم, فإن النبي | أوصى بهم، وما زال رسول الله | يوصي بهم حتى ظننا أنه سيورثهم.

الله الله في بيت ربكم، فلا يخلو منكم‏ ما بقيتم, فإنه إن ترك لم تناظروا، وأدنى ما يرجع به‏ من أمه أن يغفر له ما سلف‏.

الله الله في الصلاة، فإنها خير العمل، إنها عمود دينكم.

الله الله في الزكاة, فإنها تطفئ غضب ربكم.

الله الله في شهر رمضان, فإن صيامه جنة من النار.

الله الله في الفقراء والمساكين، فشاركوهم في معايشكم.

الله الله في الجهاد بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم، فإنما يجاهد رجلان: إمام هدى، أو مطيع له‏ مقتد بهداه.

الله الله في ذرية نبيكم، فلا يظلمن‏ بحضرتكم وبين ظهرانيكم وأنتم تقدرون على الدفع عنهم.

الله الله في أصحاب نبيكم الذين لم يحدثوا حدثا، ولم يؤووا محدثا, فإن رسول الله | أوصى بهم، ولعن المحدث منهم ومن غيرهم، والمؤوي للمحدث.

الله الله في النساء، وفيما ملكت أيمانكم, فإن آخر ما تكلم به نبيكم | أن‏ قال: أوصيكم بالضعيفين: النساء، وما ملكت أيمانكم.

الصلاة الصلاة الصلاة، لاتخافوا في الله لومة لائم, يكفكم‏ الله من آذاكم وبغى عليكم، {قولوا للناس حسنا} كما أمركم الله عز وجل، ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيولي الله أمركم شراركم، ثم تدعون فلا يستجاب لكم عليهم‏.

وعليكم يا بني‏ بالتواصل والتباذل والتبار، وإياكم والتقاطع والتدابر والتفرق‏, {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب} حفظكم الله من أهل بيت، وحفظ فيكم نبيكم‏، أستودعكم‏ الله وأقرأ عليكم السلام ورحمة الله وبركاته‏.

ثم لم يزل يقول: لا إله إلا الله، لاإله إلا الله‏ حتى قبض × ورحمته‏, في ثلاث ليال من العشر الأواخر ليلة ثلاث‏ وعشرين من شهر رمضان ليلة الجمعة, سنة أربعين من الهجرة، وكان ضرب ليلة إحدى وعشرين من شهر رمضان‏.[13]

 

من وصيته ×, للحسن والحسين ‘ لما ضربه ابن ملجم لعنه الله وأخزاه: أوصيكما بتقوى الله, وأن لا تبغيا الدنيا وإن بغتكما, ولا تأسفا على شي‏ء منها زوي عنكما, وقولا بالحق, واعملا للآخرة, وكونا للظالم خصما وللمظلوم عونا, أوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي, بتقوى الله ونظم أمركم, وصلاح ذات بينكم, فإني سمعت جدكما | يقول: صلاح ذات البين, أفضل من عامة الصلاة والصيام,[14] الله الله في الأيتام, فلا تغبوا أفواههم, ولا يضيعوا بحضرتكم, والله الله في جيرانكم, فإنه وصية نبيكم |, مازال يوصي بهم حتى ظننا أنه سيورثهم, والله الله في القرآن لا يسبقكم بالعمل به غيركم, والله الله في الصلاة فإنها عمود دينكم, والله الله في بيت ربكم لا تخلوه ما بقيتم فإنه إن ترك لم تناظروا, والله الله في الجهاد بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم في سبيل الله, وعليكم بالتواصل والتباذل, وإياكم والتدابر والتقاطع, لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, فيولى عليكم أشراركم, ثم تدعون فلا يستجاب لكم, ثم قال ×: يا بني عبد المطلب, لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين خوضا, تقولون: قتل أمير المؤمنين ×, ألا لا يقتلن بي إلا قاتلي, انظروا إذا أنا مت من ضربته هذه‏ فاضربوه ضربة بضربة, ولا يمثل بالرجل, فإني سمعت رسول الله | يقول: إياكم والمثلة, ولو بالكلب العقور.[15]

 

وصية أمير المؤمنين لابنه الحسين (ع): يا بني، أوصيك بتقوى الله في الغنى والفقر، وكلمة الحق في الرضا والغضب، والقصد في الغنى والفقر، وبالعدل على الصديق والعدو، وبالعمل في النشاط والكسل، والرضا عن الله في الشدة والرخاء. أي بني، ما شر بعده الجنة بشر، ولا خير بعده النار بخير، وكل نعيم دون الجنة محقور، وكل بلاء دون النار عافية. واعلم أي بني، أنه من أبصر عيب نفسه شغل عن عيب غيره، ومن تعرى من لباس التقوى لم يستتر بشي‏ء من اللباس، ومن رضي بقسم الله لم يحزن على ما فاته، ومن سل سيف البغي قتل به، ومن حفر بئرا لأخيه وقع فيها، ومن هتك حجاب غيره انكشفت عورات بيته، ومن نسي خطيئته استعظم خطيئة غيره، ومن كابد الأمور عطب، ومن اقتحم الغمرات غرق، ومن أعجب برأيه ضل، ومن استغنى بعقله زل، ومن تكبر على الناس ذل، ومن خالط العلماء وقر، ومن خالط الأنذال حقر، ومن سفه على الناس شتم، ومن دخل مداخل السوء اتهم، ومن مزح استخف به، ومن أكثر من شي‏ء عرف به، ومن كثر كلامه كثر خطؤه، ومن كثر خطؤه قل حياؤه، ومن قل حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه، ومن مات قلبه دخل النار. أي بني، من نظر في عيوب الناس ورضي لنفسه بها فذاك الأحمق بعينه، ومن تفكر اعتبر، ومن اعتبر اعتزل، ومن اعتزل سلم، ومن ترك الشهوات كان حرا، ومن ترك الحسد كانت له المحبة عند الناس. أي بني، عز المؤمن غناه عن الناس، والقناعة مال لا ينفد، ومن أكثر ذكر الموت رضي من الدنيا باليسير، ومن علم أن كلامه من عمله قل كلامه إلافيما ينفعه. أي بني، العجب ممن يخاف العقاب فلم يكف، ورجا الثواب فلم يتب ويعمل. أي بني، الفكرة تورث نورا، والغفلة ظلمة، والجهالة ضلالة، والسعيد من وعظ بغيره، والأدب خير ميراث، وحسن الخلق خير قرين، ليس مع قطيعة نماء، ولا مع الفجور غنى. أي بني، العافية عشرة أجزاء: تسعة منها في الصمت، إلابذكر الله، وواحد في ترك مجالسة السفهاء. أي بني، من تزيا بمعاصي الله في المجالس أورثه الله ذلا، ومن طلب العلم علم. يا بني، رأس العلم الرفق، وآفته الخرق، ومن كنوز الإيمان الصبر على المصائب، والعفاف زينة الفقر، والشكر زينة الغنى، كثرة الزيارة تورث الملالة، والطمأنينة قبل الخبرة ضد الحزم، وإعجاب المرء بنفسه يدل على ضعف عقله. أي بني، كم نظرة جلبت حسرة، وكم من كلمة سلبت نعمة. أي بني، لا شرف أعلى من الإسلام، ولا كرم أعز من التقوى، ولا معقل أحرز من الورع، ولا شفيع أنجح من التوبة، ولا لباس أجمل من العافية، ولا مال أذهب بالفاقة من الرضا بالقوت، ومن اقتصر على بلغة الكفاف تعجل الراحة وتبوأ خفض‏ الدعة. أي بني، الحرص مفتاح التعب، ومطية النصب، وداع إلى التقحم في الذنوب والشره جامع لمساوئ العيوب، وكفاك تأديبا لنفسك ما كرهته من غيرك، لأخيك عليك مثل الذي لك عليه، ومن تورط في الأمور بغير نظر في العواقب فقد تعرض للنوائب، التدبير قبل العمل يؤمنك الندم، من استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطا، الصبر جنة من الفاقة، البخل جلباب المسكنة، الحرص علامة الفقر، وصول معدم خير من جاف مكثر، لكل شي‏ء قوت، وابن آدم قوت الموت. أي بني، لا تؤيس مذنبا، فكم من عاكف على ذنبه ختم له بخير، وكم من مقبل على عمله مفسد في آخر عمره، صائر إلى النار، نعوذ بالله منها. أي بني، كم من عاص نجا، وكم من عامل هوى، من تحرى الصدق خفت عليه المؤن، في خلاف النفس رشدها، الساعات تنتقص الأعمار، ويل للباغين من أحكم الحاكمين، وعالم ضمير المضمرين. يا بني، بئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد، في كل جرعة شرق، وفي كل أكلة غصص، لن تنال نعمة إلابفراق أخرى، ما أقرب الراحة من النصب والبؤس من النعيم والموت من الحياة والسقم من الصحة، فطوبى لمن أخلص لله عمله وعلمه وحبه وبغضه وأخذه وتركه وكلامه وصمته وفعله وقوله، وبخ بخ لعالم عمل فجد، وخاف البيات فأعد واستعد، إن سئل نصح، وإن ترك صمت، كلامه صواب، وسكوته من غير عي جواب، والويل لمن بلي بحرمان وخذلان وعصيان، فاستحسن لنفسه ما يكرهه من غيره، وأزرى على الناس بمثل ما يأتي. واعلم أي بني، أنه من لانت كلمته وجبت محبته، وفقك الله لرشدك، وجعلك‏ من أهل طاعته بقدرته، إنه جواد كريم.[16]

 

قال أمير المؤمنين في وصيته لابنه محمد بن الحنفية (ع): يا بني لا تقل ما لا تعلم، بل لا تقل كل ما تعلم، فإن الله تبارك وتعالى قد فرض على جوارحك كلها فرائض يحتج بها عليك يوم القيامة، ويسألك عنها، وذكرها ووعظها، وحذرها وأدبها، ولم يتركها سدى. فقال الله عز وجل: {ولاتقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسولا}، وقال عز وجل: {إذ تلقونه‏ بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به‏ علم وتحسبونه‏ هينا وهو عند الله عظيم}، ثم استعبدها بطاعته فقال عز وجل: {يأيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون}، فهذه فريضة جامعة واجبة على الجوارح. وقال عز وجل: {وأن المسجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا}، يعني بالمساجد، الوجه، واليدين، والركبتين والإبهامين. وقال عز وجل: {وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصركم ولا جلودكم}، يعني بالجلود الفروج، ثم خص كل جارحة من جوارحك بفرض، ونص عليها: ففرض على السمع، ألا تصغي به إلى المعاصي، فقال عز وجل: {وقد نزل عليكم فى الكتب أن إذا سمعتم آيت الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا فى حديث غيره‏ إنكم إذا مثلهم}، وقال عز وجل: {وإذا رأيت الذين يخوضون فى آيتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا فى حديث غيره}، ثم استثنى عز وجل موضع النسيان، فقال: {وإما ينسينك الشيطن فلا تقعد بعد الذكرى مع‏ القوم الظلمين}، وقال عز وجل: {فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه وأولئك الذين هدهم الله وأولئك هم أولوا الألبب}، وقال عز وجل: {وإذا مروا باللغو مروا كراما}، وقال عز وجل: {وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه}، فهذا ما فرض الله عز وجل على السمع، وهو عمله. وفرض على البصر، ألا ينظر إلى ما حرم الله عز وجل عليه، فقال عز من قائل: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصرهم ويحفظوا فروجهم}، فحرم أن ينظر أحد إلى فرج غيره. وفرض على اللسان، الإقرار والتعبير عن القلب بما عقد عليه، فقال عز وجل: {قولوا آمنا بالله ومآ أنزل إلينا} الآية، وقال عز وجل: {وقولوا للناس حسنا}. وفرض على القلب، وهو أمير الجوارح، الذي به تعقل وتفهم وتصدر عن أمره ورأيه فقال عز وجل: {إلا من أكره وقلبه‏ مطمئن بالإيمن} الآية، وقال تعالى حين أخبر عن قوم أعطوا الإيمان بأفواههم، ولم تؤمن قلوبهم، فقال تعالى: {الذين قالوا آمنا بأفوههم ولم تؤمن قلوبهم}، وقال عز وجل: {ألا بذكر الله‏ تطمئن القلوب}، وقال عز وجل: {وإن تبدوا ما فى أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشآء ويعذب من يشآء}. وفرض على اليدين ألا تمدهما إلى ما حرم الله عز وجل عليك، وأن تستعملهما بطاعته، فقال عز وجل: {يأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلوة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين}، وقال عز وجل: {فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب}. وفرض على الرجلين أن تنقلهما في طاعته، وألا تمشي بهما مشية عاص، فقال عز وجل: {ولا تمش فى الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها}، وقال عز وجل: {اليوم نختم على أفوههم وتكلمنآ أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون}، فأخبر عنها أنها تشهد على صاحبها يوم القيامة. فهذا ما فرض الله تبارك وتعالى على جوارحك، فاتق الله يا بني، واستعملها بطاعته ورضوانه. وإياك أن يراك الله تعالى عند معصيته، أو يفقدك عند طاعته، فتكون من الخاسرين. وعليك بقراءة القرآن، والعمل بما فيه، ولزوم فرائضه وشرائعه، وحلاله وحرامه، وأمره ونهيه، والتهجد به، وتلاوته في ليلك ونهارك، فإنه عهد من الله تبارك وتعالى إلى خلقه، فهو واجب على كل مسلم أن ينظر كل يوم في عهده، ولو خمسين آية. واعلم أن درجات الجنة على عدد آيات القرآن، فإذا كان يوم القيامة يقال لقارئ القرآن: اقرأ وارق، فلا يكون في الجنة بعد النبيين والصديقين أرفع درجة منه. [17]

 

قال أمير المؤمنين في وصيته لابنه محمد بن الحنفية (ع): يا بني إياك والاتكال على الأماني، فإنها بضائع النوكى‏[18]، وتثبيط عن الآخرة، ومن خير حظ المرء قرين صالح. جالس أهل الخير تكن منهم، باين أهل الشر ومن يصدك عن ذكر الله عز وجل وذكر الموت بالأباطيل المزخرفة والأراجيف الملفقة تبن منهم. ولا يغلبن عليك سوء الظن بالله عز وجل، فإنه لن يدع بينك وبين خليلك صلحا. أذك بالأدب قلبك كما تذكي النار بالحطب، فنعم العون الأدب للنحيزة[19] والتجارب لذي اللب، اضمم آراء الرجال بعضها إلى بعض، ثم اختر أقربها إلى الصواب، وأبعدها من الارتياب. يا بني، لا شرف أعلى من الإسلام، ولا كرم أعز من التقوى، ولا معقل أحرز من الورع، ولا شفيع أنجح من التوبة، ولا لباس أجمل من العافية، ولا وقاية أمنع من السلامة، ولا كنز أغنى من القنوع، ولا مال أذهب للفاقة من الرضا بالقوت، ومن اقتصر على بلغة الكفاف فقد انتظم الراحة وتبوأ خفض الدعة، الحرص داع إلى التقحم في الذنوب. ألق عنك واردات الهموم بعزائم الصبر، عود نفسك الصبر، فنعم الخلق الصبر، واحملها على ما أصابك من أهوال الدنيا وهمومها، فاز الفائزون، ونجا الذين سبقت لهم من الله الحسنى، فإنه جنة من الفاقة، وألجئ نفسك في الأمور كلها إلى الله الواحد القهار، فإنك تلجئها إلى كهف حصين، وحرز حريز، ومانع عزيز، وأخلص المسألة لربك، فإن بيده الخير والشر، والإعطاء والمنع، والصلة والحرمان.

وقال (ع) في هذه الوصية: يا بني، الرزق رزقان: رزق تطلبه ورزق يطلبك، فإن لم تأته أتاك، فلا تحمل هم سنتك على هم يومك، وكفاك كل يوم ما هو فيه، فإن تكن السنة من عمرك، فإن الله عز وجل سيأتيك في كل غد بجديد ما قسم لك، وإن لم تكن السنة من عمرك فما تصنع بغم وهم ما ليس لك؟ واعلم أنه لن يسبقك إلى رزقك طالب، ولن يغلبك عليه غالب، ولن يحتجب عنك ما قدر لك، فكم رأيت من طالب متعب نفسه مقتر عليه رزقه، ومقتصد في الطلب قد ساعدته المقادير، وكل مقرون به الفناء، اليوم لك وأنت من بلوغ غد على غير يقين، ولرب مستقبل يوما ليس بمستدبره، ومغبوط في أول ليلة قام في آخرها بواكيه، فلا يغرنك من الله طول حلول النعم، وإبطاء موارد النقم، فإنه لو خشي الفوت عاجل بالعقوبة قبل الموت. يا بني اقبل من الحكماء مواعظهم، وتدبر أحكامهم، وكن آخذ الناس بما تأمر به، وأكف الناس عما تنهى عنه، وأمر بالمعروف تكن من أهله، فإن استتمام الأمور عند الله تبارك وتعالى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وتفقه في الدين فإن الفقهاء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، ولكنهم ورثوا العلم، فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر، واعلم أن طالب العلم يستغفر له من في السماوات والأرض، حتى الطير في جو السماء، والحوت في البحر، وأن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضى به، وفيه شرف الدنيا والفوز بالجنة يوم القيامة، لأن الفقهاء هم الدعاة إلى الجنان، والأدلاء على الله تبارك وتعالى. وأحسن إلى جميع الناس كما تحب أن يحسن إليك، وارض لهم ما ترضاه لنفسك، واستقبح من نفسك ما تستقبحه من غيرك، وحسن مع جميع الناس خلقك، حتى إذا غبت عنهم حنوا إليك، وإذا مت بكوا عليك، وقالوا: إنا لله وإنا إليه راجعون، ولا تكن من الذين يقال عند موته: الحمد لله رب العالمين. واعلم أن رأس العقل بعد الإيمان بالله عز وجل مداراة الناس، ولا خير فيمن لا يعاشر بالمعروف من لا بد من معاشرته حتى يجعل الله إلى الخلاص منه سبيلا، فإني وجدت جميع ما يتعايش به الناس وبه يتعاشرون ملء مكيال ثلثاه استحسان، وثلثه تغافل. وما خلق الله عز وجل شيئا أحسن من الكلام ولا أقبح منه، بالكلام ابيضت الوجوه، وبالكلام اسودت الوجوه، واعلم أن الكلام في وثاقك ما لم تتكلم به، فإذا تكلمت به صرت في وثاقه، فاخزن لسانك كما تخزن ذهبك وورقك، فإن اللسان كلب عقور، فإن أنت خليته عقر، ورب كلمة سلبت نعمة، من سيب عذاره قاده إلى كل‏ كريهة وفضيحة، ثم لم يخلص من دهره إلاعلى مقت من الله عز وجل، وذم من الناس. قد خاطر بنفسه من استغنى برأيه، ومن استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطا، من تورط في الأمور غير ناظر في العواقب فقد تعرض لمفظعات النوائب. والتدبير قبل العمل يؤمنك من الندم، والعاقل من وعظته التجارب، وفي التجارب علم مستأنف، وفي تقلب الأحوال علم جواهر الرجال، الأيام تهتك لك عن السرائر الكامنة. تفهم وصيتي هذه، ولا تذهبن عنك صفحا، فإن خير القول ما نفع. اعلم يا بني، أنه لا بد لك من حسن الارتياد، وبلاغك من الزاد مع خفة الظهر، فلا تحمل على ظهرك فوق طاقتك، فيكون عليك ثقلا في حشرك ونشرك في القيامة، فبئس الزاد إلى المعاد العدوان على العباد. واعلم أن أمامك مهالك ومهاوي وجسورا وعقبة كئودا، لا محالة أنت هابطها، وأن مهبطها إما على جنة أو على نار، فارتد لنفسك قبل نزولك إياها، وإذا وجدت من أهل الفاقة من يحمل زادك إلى القيامة فيوافيك به غدا حيث تحتاج إليه فاغتنمه وحمله، وأكثر من تزوده وأنت قادر عليه، فلعلك تطلبه فلا تجده، وإياك أن تثق لتحميل زادك بمن لا ورع له ولا أمانة، فيكون مثلك مثل ظمآن رأى سرابا حتى إذا جاءه لم يجده شيئا، فتبقى في القيامة منقطعا بك.

وقال (ع) في هذه الوصية: يا بني، البغي سائق إلى الحين‏[20]، لن يهلك امرؤ عرف قدره، من حصن شهوته صان قدره، قيمة كل امرئ ما يحسن، الاعتبار يفيدك الرشاد، أشرف الغنى ترك المنى، الحرص فقر حاضر، المودة قرابة مستفادة، صديقك أخوك لأبيك وأمك، وليس كل أخ لك من أبيك وأمك صديقك، لا تتخذن عدو صديقك صديقا فتعادي صديقك، كم من بعيد أقرب منك من قريب، وصول معدم خير من مثر جاف. الموعظة كهف لمن وعاها، من من بمعروفه أفسده، من أساء خلقه عذب نفسه، وكانت البغضة أولى به. ليس من العدل القضاء بالظن على الثقة، ما أقبح الأشر عند الظفر، والكآبة عند النائبة المعضلة، والقسوة على الجار، والخلاف على الصاحب، والحنث من ذي المروءة، والغدر من السلطان. كفر النعم موق‏[21]، ومجالسة الأحمق شؤم، اعرف الحق لمن عرفه لك، شريفا كان أو وضيعا، من ترك القصد جار، من تعدى الحق ضاق مذهبه، كم من دنف قد نجا، وصحيح قد هوى، قد يكون اليأس إدراكا، والطمع هلاكا، استعتب من رجوت عتابه. لا تبيتن من امرئ على غدر، الغدر شر لباس المرء المسلم، من غدر ما أخلق ألا يوفى له، الفساد يبير الكثير، والاقتصاد ينمي اليسير. من الكرم الوفاء بالذمم، من كرم ساد، ومن تفهم ازداد. امحض أخاك النصيحة، وساعده على كل حال ما لم يحملك على معصية الله عز وجل، زل معه حيث زال، لا تصرم أخاك على ارتياب، ولا تقطعه دون استعتاب، لعل له عذرا وأنت تلوم، اقبل من متنصل عذره فتنالك الشفاعة، وأكرم الذي بهم تصول، وازدد لهم طول الصحبة برا وإكراما وتبجيلا وتعظيما، فليس جزاء من عظم شأنك أن تضع من قدره، ولا جزاء من سرك أن تسوءه. أكثر البر ما استطعت لجليسك، فإنك إذا شئت رأيت رشده، من كساه الحياء ثوبه اختفى عن العيون عيبه، من تحرى القصد خفت عليه المؤن، من لم يعط نفسه شهوتها أصاب رشده. مع كل شدة رخاء، ومع كل أكلة غصص، لا تنال نعمة إلابعد أذى. لن لمن غاظك تظفر بطلبتك. ساعات الهموم ساعات الكفارات. والساعات تنفد عمرك. لا خير في لذة بعدها النار، وما خير بخير بعده النار، وما شر بشر بعده الجنة، كل نعيم دون الجنة محقور، وكل بلاء دون النار عافية. لا تضيعن حق أخيك اتكالا على ما بينك وبينه، فإنه ليس لك بأخ من أضعت حقه، ولا يكونن أخوك على قطيعتك أقوى منك على صلته، ولا على الإساءة إليك أقوى منك على الإحسان إليه. يا بني، إذا قويت فاقو على طاعة الله عز وجل، وإذا ضعفت فاضعف عن معصية الله عز وجل، وإن استطعت ألا تملك المرأة من أمرها ما جاوز نفسها فافعل، فإنه أدوم لجمالها، وأرخى لبالها، وأحسن لحالها، فإن المرأة ريحانة وليست بقهرمانة، فدارها على كل حال، وأحسن الصحبة لها، فيصفو عيشك. احتمل القضاء بالرضا، وإن أحببت أن تجمع خير الدنيا والآخرة فاقطع طمعك مما في أيدي الناس، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. [22]

 

وصيته لبنيه عليه وعليهم السلام, وبه قال أبو حمزة الثمالي: حدثنا إبراهيم بن سعيد, عن الشعبي, عن ضرار بن ضمرة قال: أوصى أمير المؤمنين (ع) بنيه فقال: يا بني, عاشروا الناس بالمعروف معاشرة إن عشتم حنوا إليكم, وإن متم بكوا عليكم. ثم قال:

أريد بذاكم أن تهشوا لطلقتي ... وأن تكثروا بعدي الدعاء على قبري

وأن يمنحوني في المجالس ودهم ... وإن كنت عنهم غائبا أحسنوا ذكري‏ [23]

 

عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) أنه قال لبنيه‏: يا بني, إياكم ومعاداة الرجال، فإنهم لا يخلون من ضربين، من عاقل يمكر بكم، أو جاهل يعجل عليكم، والكلام ذكر والجواب أنثى، فإذا اجتمع الزوجان فلابد من النتاج، ثم أنشأ (ع) يقول:

سليم العرض من حذر الجوابا ... ومن داري الرجال فقد أصابا

ومن هاب الرجال تهيبوه ... ومن حقر الرجال فلن يهابا [24]

 

 

* وصاياه (ع) لأولاده لما ضربه ابن ملجم عليه لعنة الله

من وصية له (ع) للحسن والحسين (ع) لما ضربه ابن ملجم لعنه الله: أوصيكما بتقوى الله، وألا تبغيا الدنيا وإن بغتكما، ولا تأسفا على شي‏ء منها زوي عنكما، وقولا بالحق، واعملا للأجر، وكونا للظالم خصما، وللمظلوم عونا. أوصيكما وجميع ولدي، وأهلي، ومن بلغه كتابي بتقوى الله، ونظم أمركم، وصلاح ذات بينكم، فإني سمعت جدكما (ص) يقول: صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام. الله الله في الأيتام، فلا تغبوا أفواههم، ولا يضيعوا بحضرتكم. والله الله في جيرانكم، فإنهم وصية نبيكم، ما زال يوصي بهم حتى ظننا أنه سيورثهم. والله الله في القرآن لا يسبقكم بالعمل به غيركم. والله الله في الصلاة فإنها عمود دينكم. والله الله في بيت ربكم، لا تخلوه ما بقيتم، فإنه إن ترك لم تناظروا. والله الله في الجهاد بأموالكم، وأنفسكم، وألسنتكم، في سبيل الله. وعليكم بالتواصل والتباذل، وإياكم والتدابر والتقاطع. لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولى عليكم شراركم، ثم تدعون فلا يستجاب لكم. ثم قال: يا بني عبد المطلب، لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين خوضا تقولون: قتل أميرالمؤمنين! ألا لا تقتلن بي إلا قاتلي، انظروا إذا أنا مت من ضربته هذه، فاضربوه ضربة بضربة، ولا تمثلوا بالرجل، فإني سمعت رسول الله (ص) يقول: إياكم والمثلة، ولو بالكلب العقور. [25]

 

عن سليم بن قيس الهلالي قال‏: شهدت وصية علي بن أبي طالب (ع) حين أوصى إلى ابنه الحسن (ع)، وأشهد على وصيته الحسين (ع) ومحمدا وجميع ولده وأهل بيته ورؤساء شيعته. ثم دفع الكتب‏ والسلاح إليه، ثم قال: يا بني، أمرني رسول الله (ص) أن أوصي إليك وأدفع كتبي وسلاحي إليك، كما أوصى إلي رسول الله (ص) ودفع كتبه وسلاحه إلي وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعها إلى أخيك الحسين (ع). ثم أقبل‏ على الحسين (ع) فقال له: وأمرك رسول الله (ص) أن تدفعها إلى ابنك هذا وأخذ بيد ابن ابنه علي بن الحسين (ع) وهو صغير فضمه إليه وقال له‏: وأمرك رسول الله (ص) أن تدفعها إلى ابنك محمد، فاقرأه من رسول الله السلام ومني. [26] ثم أقبل على ابنه الحسن (ع) فقال: يا بني، أنت ولي الأمر وولي الدم بعدي، فإن عفوت فلك، وإن قتلت فضربة مكان ضربة ولا تمثل. ثم قال: اكتب: [27]بسم الله الرحمن الرحيم, هذا ما أوصى به‏ علي بن أبي طالب، أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله أرسله‏ {بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون}‏. ثم‏ {إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت}‏ وأنا من المسلمين. ثم إني أوصيك يا حسن وجميع ولدي وأهل بيتي ومن بلغه كتابي من المؤمنين بتقوى الله ربكم، {فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون} {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا}. فإني سمعت رسول الله (ص) يقول: صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصوم وإن البغضة حالقة الدين وفساد ذات البين، ولا قوة إلا بالله‏. انظروا ذوي أرحامكم فصلوهم يهون الله عليكم الحساب,‏ والله الله في الأيتام فلا تغيروا أفواههم ولا تضيعوا من بحضرتكم، فقد سمعت رسول الله (ص) يقول: من عال يتيما حتى يستغني أوجب الله له بذلك الجنة كما أوجب لآكل مال اليتيم النار. والله الله في القرآن، لا يسبقكم‏ إلى العمل به غيركم. والله الله في جيرانكم، فإن رسول الله (ص) أوصى بهم. والله الله في بيت ربكم، فلا يخلون منكم ما بقيتم فإنه إن يترك‏ لم تناظروا. وإن أدنى ما يرجع به من أمه أن يغفر له ما قد سلف. والله الله في الصلاة، فإنها خير العمل وإنها عمود دينكم. والله الله في الزكاة، فإنها تطفئ غضب ربكم. والله الله في شهر رمضان، فإن صيامه جنة من النار. والله الله في الفقراء والمساكين، فشاركوهم في معيشتكم. والله الله في الجهاد في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم، فإنما يجاهد في سبيل الله رجلان: إمام هدى، ومطيع له مقتد بهداه. والله الله في ذرية نبيكم، فلا يظلمن بين أظهركم وأنتم تقدرون على الدفع عنهم. والله الله في أصحاب نبيكم الذين لم يحدثوا حدثا ولم يؤووا محدثا، فإن رسول الله (ص) أوصى بهم ولعن المحدث منهم ومن غيرهم والمؤوي للمحدث‏, والله الله في النساء وما ملكت أيمانكم، لا تخافن في الله لومة لائم فيكفيكهم الله‏, {وقولوا للناس حسنا} كما أمركم الله. ولا تتركن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولي الله الأمر أشراركم وتدعون فلا يستجاب لكم. عليكم يا بني بالتواصل والتباذل والتبار، وإياكم والنفاق والتقاطع والتدابر والتفرق. {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب}‏. فظكم الله من أهل بيت وحفظ فيكم نبيكم‏. أستودعكم الله وأقرأ عليكم السلام. [28]

 

عن علي بن الحسين ومحمد بن علي (ع)، أنهما ذكرا وصية علي (ع)، فقالا: أوصى إلى ابنه الحسن، وأشهد على وصيته الحسين ومحمدا وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته، ثم دفع الكتاب إليه والسلاح، ثم قال له: أمرني رسول الله (ص) أن أوصي إليك، وأن أدفع إليك كتبي وسلاحي، كما أوصى إلي رسول الله (ص)، ودفع إلي كتبه وسلاحه، وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت، أن تدفع ذلك إلى أخيك الحسين ثم أقبل على الحسين (ع)، فقال:-وأمرك رسول الله (ص) أن تدفعه إلى ابنك هذا, ثم أخذ بيد ابنه علي بن الحسين (ع) فضمه إليه، فقال له: يا بني، وأمرك رسول الله (ص) أن تدفعه إلى ابنك محمد، فاقرئه من رسول الله (ص) ومني السلام، ثم أقبل إلى ابنه الحسن فقال: يا بني أنت ولي الأمر، وولي الدم، فإن عفوت فلك، وإن قتلت فضربة مكان ضربة، ولا تأتم‏. وكان قبل ذلك قد خص الحسن والحسين (ع) بوصية أسرها إليهما، كتب لهما فيها أسماء الملوك في هذه الدنيا، ومدة الدنيا وأسماء الدعاة إلى يوم القيامة، ودفع إليهما كتاب القرآن وكتاب العلم، ثم لما جمع الناس، قال لهما: ما قال، ثم كتب كتاب وصية، وهو: بسم الله الرحمن الرحيم‏, هذا ما أوصى به عبد الله علي بن أبي طالب لآخر أيامه من الدنيا، وهو صائر إلى برزخ الموتى والرحيل عن الأهل والأخلاء. هو يشهد أن لا إله إلاالله، وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله وأمينه، صلوات الله عليه وعلى آله وعلى إخوانه المرسلين وذريته الطيبين، وجزى الله عنا محمدا أفضل ما جزى نبيا عن أمته. وأوصيك يا حسن، وجميع من حضرني من أهل بيتي وولدي وشيعتي بتقوى الله، {ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا} فإني سمعت رسول الله (ص) يقول: صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصوم. وأوصيكم بالعمل قبل أن يؤخذ منكم بالكظم، وباغتنام الصحة قبل السقم، وقبل {أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين‏}، وأنى، ومن أين، وقد كنت للهوى متبعا، فيكشف عن بصره، وتهتك له حجبه، لقول الله عز وجل: {فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد}، أنى له البصر، ألا أبصر قبل هذا الوقت الضرر، قبل أن تحجب التوبة بنزول الكربة فتتمنى النفس أن لو ردت لتعمل بتقواها، فلا ينفعها المنى. أوصيكم بمجانبة الهوى، فإن الهوى يدعو إلى العمى، وهو الضلال في الآخرة والدنيا. وأوصيكم بالنصيحة لله عز وجل، وكيف لا تنصح لمن أخرجك من أصلاب أهل الشرك، وأنقذك من جحود أهل الشك، فاعبده رغبة ورهبة، وما ذاك عنده بضائع. وأوصيكم بالنصيحة للرسول الهادي محمد (ص)، ومن النصيحة له أن تؤدوا إليه أجره، قال الله عز وجل: {قل لا أسلكم عليه أجرا إلا المودة فى القربى}، ومن وفى محمدا (ص) أجره بمودة قرابته، فقد أدى الأمانة، ومن لم يؤدها كان خصمه، ومن كان خصمه خصمه، ومن خصمه فقد باء بغضب من الله، ومأواه جهنم، وبئس المصير. يا أيها الناس، إنه لا يحب محمد إلا لله، ولا يحب آل محمد إلا لمحمد، ومن شاء فليقلل، ومن شاء فليكثر، وأوصيكم بمحبتنا والإحسان إلى شيعتنا، فمن لم يفعل فليس منا. وأوصيكم بأصحاب محمد (ص)، الذين لم يحدثوا حدثا، ولم يؤووا محدثا، ولم يمنعوا حقا، فإن رسول الله (ص) قد أوصانا بهم، ولعن المحدث منهم ومن غيرهم. وأوصيكم بالطهارة التي لا تتم الصلاة إلابها، وبالصلاة التي هي عمود الدين، وقوام الإسلام، فلا تغفلوا عنها، وبالزكاة التي بها تتم الصلاة، وبصوم شهر رمضان، وحج البيت الحرام، من استطاع إليه سبيلا، وبالجهاد في سبيل الله، فإنه ذروة الأعمال وعز الدين والإسلام، والصوم فإنه جنة من النار، وعليكم بالمحافظة على أوقات الصلاة، فليس مني من ضيع الصلاة. وأوصيكم بصلاة الزوال فإنها صلاة الأوابين. وأوصيكم بأربع ركعات بعد صلاة المغرب فلا تتركوهن، وإن خفتم عدوا. وأوصيكم بقيام الليل من أوله إلى آخره، فإن غلب عليكم النوم ففي آخره، ومن منع بمرض فإن الله يعذر بالعذر، وليس مني ولا من شيعتي من ضيع الوتر، أو مطل بركعتي الفجر. ولا يرد على رسول الله (ص) من أكل مالا حراما، لا والله، لا والله، لا والله، ولا يشرب من حوضه، ولا تناله شفاعته، لا والله، ولا من أدمن شيئا من هذه الأشربة المسكرة، ولا من زنى بمحصنة، لا والله، ولا من لم يعرف حقي، ولا حق أهل بيتي، وهي أوجبهن، لا والله، ولا يرد عليه من اتبع هواه، ولا من شبع وجاره المؤمن جائع، ولا يرد عليه من لم يكن قواما لله بالقسط. إن رسول الله (ص) عهد إلي، فقال: يا علي، مر بالمعروف، وإنه عن المنكر بيدك، فإن لم تستطع فبلسانك، فإن لم تستطع فبقلبك، وإلا فلا تلومن إلانفسك. وإياكم والغيبة، فإنها تحبط الأعمال، صلوا الأرحام، وأفشوا السلام، وصلوا والناس نيام. وأوصيكم يا بني عبد المطلب خاصة، أن يتبين فضلكم على من أحسن إليكم، وتصديق رجاء من أملكم، فإن ذلكم أشبه بأنسابكم. وإياكم والبغضة لذوي أرحامكم المؤمنين، فإنها الحالقة للدين، وعليكم بمداراة الناس، فإنها صدقة، وأكثروا من قول: "لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم،" وعلموها أطفالكم، وأسرعوا بختان أولادكم، فإنه أطهر لهم، ولا تخرجن من أفواهكم كذبة ما بقيتم، ولا تتكلموا بالفحش، فإنه لا يليق بنا ولا بشيعتنا، وإن الفاحش لا يكون صديقا، وإن المتكبر ملعون، والمتواضع عند الله مرفوع. وإياكم والكبر، فإنه رداء الله عز وجل، فمن نازعه رداءه قصمه الله. والله الله في الأيتام، فلا يجوعن بحضرتكم. والله الله في ابن السبيل، فلا يستوحشن من عشيرته بمكانكم. والله الله في الضيف، لا ينصرفن إلاشاكرا لكم. والله الله في الجهاد للأنفس، فهي أعدى العدو لكم، فإنه قال الله تبارك وتعالى: {إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربى}، وإن أول المعاصي تصديق النفس، والركون إلى الهوى. والله الله، لا ترغبوا في الدنيا، فإن الدنيا هي رأس الخطايا، وهي من بعد إلى زوال. وإياكم والحسد، فإنه أول ذنب كان من الجن قبل الإنس. وإياكم وتصديق النساء، فإنهن أخرجن أباكم من الجنة، وصيرنه إلى نصب الدنيا. وإياكم وسوء الظن، فإنه يحبط العمل، و{اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعملكم ويغفر لكم ذنوبكم}، وعليكم بطاعة من لا تعذرون في ترك طاعته، وطاعتنا أهل البيت، فقد قرن الله طاعتنا بطاعته وطاعة رسوله، ونظم ذلك في آية من كتابه، منا من الله علينا وعليكم، وأوجب طاعته وطاعة رسوله وطاعة ولاة الأمر من آل رسوله، وأمركم أن تسألوا أهل الذكر، ونحن والله أهل الذكر، لا يدعي ذلك غيرنا إلاكاذبا، يصدق ذلك قول الله عز وجل: {قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا يتلوا عليكم آيات الله مبينت ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحت من الظلمت إلى النور}، ثم قال: {فسلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}، فنحن أهل الذكر، فاقبلوا أمرنا، وانتهوا عما نهينا، ونحن الأبواب التي أمرتم أن تأتوا البيوت منها، فنحن والله، أبواب تلك البيوت، ليس ذلك لغيرنا، ولا يقوله أحد سوانا. وأيها الناس، هل فيكم أحد يدعي قبلي جورا في حكم، أو ظلما في نفس، أو مال، فليقم أنصفه من ذلك. فقام رجل من القوم، فأثنى ثناء حسنا عليه، وأطراه وذكر مناقبه في كلام طويل، فقال علي (ع): أيها العبد المتكلم، ليس هذا حين إطراء، وما أحب أن يحضرني أحد في هذا المحضر بغير النصيحة، والله الشاهد على من رأى شيئا يكرهه فلم يعلمنيه، فإني أحب أن أستعتب من نفسي قبل أن تفوت نفسي، اللهم إنك شهيد، وكفى بك شهيدا، إني بايعت رسولك وحجتك في أرضك محمدا (ص)، أنا وثلاثة من أهل بيتي على ألا ندع لله أمرا إلا عملناه، ولا ندع له نهيا إلا رفضناه، ولا وليا إلا أحببناه، ولا عدوا إلا عاديناه، ولا نولي ظهورنا عدوا، ولا نمل عن فريضة، ولا نزداد لله ولرسوله إلانصيحة، فقتل أصحابي رحمة الله ورضوانه عليهم وكلهم من أهل بيتي: عبيدة بن الحارث رحمه الله قتل ببدر شهيدا، وعمي حمزة قتل يوم أحد شهيدا رحمة الله عليه ورضوانه، وأخي جعفر قتل يوم مؤتة شهيدا رحمة الله عليه، فأنزل الله في وفي أصحابي: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عهدوا الله‏ عليه فمنهم من قضى نحبه‏ ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا}، أنا والله المنتظر، ما بدلت تبديلا، ثم وعدنا بفضله الجزاء، فقال: {قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون}، وقد آن لي فيما نزل بي أن أفرح بنعمة ربي. فأثنوا عليه خيرا وبكوا، فقال: أيها الناس أنا أحب أن أشهد عليكم ألا يقوم أحد، فيقول أردت أن أقول فخفت، فقد أعذرت بيني وبينكم، اللهم إلا أن يكون أحد يريد ظلمي والدعوى علي بما لم أجن، أما إني لم أستحل من أحد مالا، ولم أستحل من أحد دما بغير حله، جاهدت مع رسول الله (ص) بأمر الله وأمر رسوله، فلما قبض الله رسوله جاهدت من أمرني بجهاده من أهل البغي، وسماهم لي رجلا رجلا، وحضني على جهادهم، وقال: يا علي تقاتل الناكثين وسماهم لي، والقاسطين وسماهم لي، والمارقين وسماهم لي، فلا تكثر منكم الأقوال، فإن أصدق ما يكون المرء عند هذا الحال: فقالوا خيرا وأثنوا بخير وبكوا، فقال للحسن (ع): يا حسن، أنت ولي دمي وهو عندك، وقد صيرته إليك - يعني ابن ملجم لعنة الله عليه -، ليس لأحد فيه حكم، فإن أردت أن تقتل فاقتل، وإن أردت أن تعفو فاعف، وأنت الإمام بعدي، ووارث علمي، وأفضل من أترك بعدي، وخير من أخلف من أهل بيتي، وأخوك ابن أمك، بشركما رسول الله (ص) بالبشرى، فأبشرا بما بشركما، واعملا لله بالطاعة، فاشكراه على النعمة. ثم لم يزل يقول (ع): "اللهم اكفنا عدوك الرجيم، اللهم إني أشهدك أنك لا إله إلا أنت، وأنك الواحد، الصمد، لم تلد، ولم تولد، ولم يكن لك كفوا أحد، فلك الحمد، عدد نعمائك لدي، وإحسانك عندي، فاغفر لي، وارحمني، وأنت خير الراحمين." ولم يزل يقول (ع): "لا إله إلا الله، وحدك لا شريك لك، وأن محمدا عبدك ورسولك، عدة لهذا الموقف وما بعده من المواقف، اللهم أجز محمدا عنا خيرا، وأجز محمدا عنا خير الجزاء، وبلغه منا أفضل السلام، اللهم ألحقني به، ولا تحل بيني وبينه، إنك سميع الدعاء، رؤوف رحيم." ثم نظر إلى أهل بيته فقال: حفظكم الله من أهل بيت، وحفظ فيكم نبيكم، وأستودعكم الله، وأقرأ عليكم السلام. ثم لم يزل يقول: "لا إله إلا الله، محمد رسول الله". حتى قبض صلوات الله عليه ورحمته ورضوانه، ليلة إحدى وعشرين من شهر رمضان، سنة أربعين من الهجرة.[29]

 

عن الفجيع العقيلي قال: حدثني الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) قال: لما حضرت‏ أبي الوفاة أقبل يوصي فقال‏: هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب أخو محمد رسول الله، وابن عمه، ووصيه، وصاحبه، وأول وصيتي أني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسوله وخيرته، اختاره بعلمه، وارتضاه لخيرته، وأن الله باعث من في القبور، وسائل الناس عن أعمالهم، وعالم بما في الصدور، ثم إني أوصيك يا حسن وكفى بك وصيا بما أوصاني به رسول الله (ص)، فإذا كان ذلك يا بني فالزم بيتك، وابك على خطيئتك، ولا تكن الدنيا أكبر همك. وأوصيك يا بني بالصلاة عند وقتها، والزكاة في أهلها عند محلها، والصمت عند الشبهة، والاقتصاد في العمل، والعدل في الرضا والغضب، وحسن الجوار، وإكرام الضيف، ورحمة المجهود وأصحاب البلاء، وصلة الرحم، وحب المساكين ومجالستهم والتواضع، فإنه من أفضل العبادة، وقصر الأمل، وذكر الموت، والزهد في الدنيا، فإنك رهن موت، وغرض بلاء، وطريح سقم. وأوصيك بخشية الله في سر أمرك وعلانيته، وأنهاك عن التسرع بالقول والفعل، وإذا عرض شي‏ء من أمر الآخرة فابدأ به، وإذا عرض شي‏ء من أمر الدنيا فتأنه تصيب رشدك فيه، وإياك ومواطن التهمة والمجلس المظنون به السوء، فإن قرين السوء يغير جليسه، وكن لله يا بني عاملا، وعن الخنى[30] زجورا، وبالمعروف آمرا، وعن المنكر ناهيا، وواخ الإخوان في الله، وأحب الصالح لصلاحه، ودار الفاسق عن دينك، وأبغضه بقلبك، وزايله بأعمالك لئلا تكون مثله. وإياك والجلوس في الطرقات، ودع المماراة ومجاراة من لا عقل له ولا علم، واقتصد يا بني في معيشتك، واقتصد في عبادتك، وعليك فيها بالأمر الدائم الذي تطيقه، وألزم الصمت تسلم، وقدم لنفسك تغنم، وتعلم الخير تعلم، وكن لله ذاكرا على كل حال، وارحم من أهلك الصغير، ووقر منهم الكبير، ولا تأكلن طعاما حتى تصدق منه قبل أكله. وعليك بالصوم فإنه زكاة البدن وجنة لأهله، وجاهد نفسك، واحذر جليسك، واجتنب عدوك، وعليك بمجالس الذكر، وأكثر من الدعاء، فإني لم آلك يا بني نصحا، وهذا فراق بيني وبينك. وأوصيك بأخيك محمد خيرا، فإنه شقيقك وابن أبيك، وقد تعلم حبي له. وأما أخوك الحسين، فهو ابن أمك، ولا أزيد الوصاة بذلك، والله الخليفة عليكم، وإياه أسأل أن يصلحكم، وأن يكف الطغاة البغاة عنكم، والصبر الصبر حتى يتولى الله الأمر، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. [31]

 

عن أبي جعفر × قال: لما احتضر أمير المؤمنين ×, جمع بنيه حسنا وحسينا × وابن الحنفية والأصاغر من ولده فوصاهم, وكان في آخر وصيته: يا بني, عاشروا الناس عشرة إن غبتم حنوا إليكم, وإن فقدتم بكوا عليكم, يا بني, إن القلوب جنود مجندة تتلاحظ بالمودة وتتناجى بها, وكذلك هي في البغض, فإذا أحببتم الرجل من غير خير سبق منه إليكم فارجوه, وإذا أبغضتم الرجل من غير سوء سبق منه إليكم فاحذروه. [32]

 

عن محمد بن الحنفية في حديث طويل عن أمير المؤمنين (ع) لما ضربه ابن ملجم لعنه الله: فدعا الحسن والحسين (ع) فقال: اوصيكما بتقوى الله عز وجل، ولا تأسيا على شي‏ء من الدنيا زوي عنكما، وعليكما بقول الحق، ومواساة اليتيم، وعون الضعيف، ونصرة المظلوم، وقمع الظالم، اعملا بما في كتاب الله عز وجل، ولا تأخذكما في الله لومة لائم. ثم نظر إلى محمد بن الحنفية، فقال له: اوصيك بتقوى الله، وتوقير أخويك لعظيم حقهما عليك، وإيثار أمرهما. ثم نظر إليهما (ع)، فقال: اوصيكما به، فإنه أخوكما. ثم قال للحسن (ع): واوصيك يا بني بديا في ذات نفسك بتقوى الله، واقام الصلاة لوقتها، وإيتاء الزكاة عند محلها، وحسن الوضوء فإنه‏ لا صلاة إلا بطهور، ولا تقبل الصلاة ممن منع الزكاة، واوصيك بأن تغفر الذنب‏، وتكظم الغيظ، وبصلة الرحم، والحلم عن الجاهل، والتفقه في الدين، والتثبت في الأمر، والتعاهد للقرآن، وحسن الجوار، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. ثم قال: حفظكم الله أهل البيت وحفظ فيكم نبيكم وأستودعكم الله وأقرأ عليكم السلام. [33]

 

عن الأصبغ بن نباتة قال: دعا أمير المؤمنين (ع) الحسن والحسين (ع) لما ضربه ابن ملجم لعنه الله فقال لهما: إني مقبوض في ليلتي هذه ولاحق برسول الله (ص) فاسمعا قولي وعياه. أنت يا حسن وصيي والقائم بالأمر بعدي، وأنت يا حسين شريكه في الوصية فأنصت ما نطق، وكن لأمره تابعا ما بقي، فإذا خرج من الدنيا فأنت الناطق بعده والقائم بالأمر، وعليكما بتقوى الله الذي لا ينجو إلا من أطاعه ولا يهلك إلا من عصاه، واعتصما بحبله، وهو الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. ثم قال للحسن (ع): إنك ولي الأمر بعدي، فإن عفوت عن قاتلي فلك، وإن قتلت فضربة مكان ضربة، وإياك والمثلة فإن رسول الله (ص) نهى عنها ولو بكلب عقور. واعلم أن الحسين ولي الدم معك، تجري فيه مجراك، وقد جعل الله تبارك وتعالى له على قاتلي سلطانا كما جعل لك، وأن ابن ملجم ضربني ضربة فلم تعمل فثناها فعملت، فإن عملت فيه ضربتك فذاك، وإن لم تعمل فمر أخاك الحسين فليضربه اخرى بحق ولايته فإنها ستعمل فيه، فإن الإمامة له بعدك، وجارية في ولده إلى يوم القيامة، وإياك أن تقتل في غير قاتلي فإن الله عز وجل يقول: {ولا تزر وازرة وزر أخرى}. واعلم أن معاوية سيخالفك كما خالفني، فإن وادعته وصالحته كنت مقتديا بجدك (ص) في موادعته بني ضمرة وبني أشجع وفي مصالحته أهل مكة يوم الحديبية وكانت لك بي اسوة في الصبر خمس وعشرين سنة، فإن أردت مجاهدة عدوك فلن يصلح لك من شيعتك من لم يصلح لأبيك فإنهم قوم لا وفاء لهم، يوردونك ثم لا يصدرونك، ويخذلونك ثم لا ينصرونك، ويعاهدونك ثم لا يفون لك، وسيقتلك معاوية بالسم ظلما وعدوانا وذلك سابق في علم ربك تقدس ذكره، فاحقن دماء شيعتك بموادعته، وابتغ لهم السلامة بمصالحته. ثم قال للحسين (ع): وأنت يا حسين ستخرج لمجاهدة ابنه يزيد فيقتلك من قومه أبرص ملعون لا يراقب فيك إلا ولا ذمة، وسيقتل معك سبعة عشر من أهل بيتك تحت أديم السماء مالهم شبيهون، وكأني بك تستسقي الماء فلا تسقى، وتنادي فلا تجاب، وتستغيث فلا تغاث، وكأني بأهل بيتك قد سبوا وبثقلك قد نهب، وكأني بالسماء قد أمطرت لقتلك دما ورمادا، وكأني بالجن قد ناحت عليك، وكأني بموضع تربتك قد صار مختلف زوارك من الملائكة والمؤمنين. ثم قطع كلامه. [34]

 

عن الثمالي, عن أبي جعفر (ع)‏ في حديث حدث به أنه كان في وصية أمير المؤمنين (ع): أن أخرجوني‏ إلى‏ الظهر فإذا تصوبت أقدامكم واستقبلتكم ريح فادفنوني وهو أول طور سيناء ففعلوا ذلك. [35]

 

عن الإمام الحسن ×: دخلت على أمير المؤمنين × وهو يجود بنفسه لما ضربه ابن ملجم, فجزعت لذلك, فقال × لي: أتجزع؟ فقلت: وكيف لا أجزع, وأنا أراك على حالك هذه؟ فقال ×: ألا أعلمك خصالا أربع, إن أنت حفظتهن نلت بهن النجاة وإن أنت ضيعتهن فاتك الداران, يا بني, لا غنى أكبر من العقل, ولا فقر مثل الجهل, ولا وحشة أشد من العجب, ولا عيش ألذ من حسن الخلق. [36]

 

عن الفجيع العقيلي قال: حدثني الحسن بن علي بن أبي طالب × قال: لما حضرت والدي الوفاة أقبل يوصي فقال: هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب أخو محمد رسول الله |, وابن عمه, وصاحبه, أول وصيتي أني أشهد أن لا إله إلا الله, وأن محمدا رسوله, وخيرته اختاره بعلمه, وارتضاه لخيرته, وإن الله باعث من في القبور, وسائل الناس عن أعمالهم, عالم بما في الصدور, ثم إني أوصيك يا حسن, وكفى بك وصيا بما أوصاني به رسول الله |, فإذا كان ذلك يا بني الزم بيتك وابك على خطيئتك, ولا تكن الدنيا أكبر همك, وأوصيك يا بني, بالصلاة عند وقتها, والزكاة في أهلها عند محلها, والصمت عند الشبهة, والاقتصاد والعدل في الرضا, والغضب وحسن الجوار, وإكرام الضيف, ورحمة المجهود, وأصحاب البلاء, وصلة الرحم, وحب المساكين ومجالستهم, والتواضع فإنه من أفضل العبادة, وقصر الأمل, واذكر الموت وازهد في الدنيا, فإنك رهين موت, وغرض بلاء, وطريح‏  سقم, وأوصيك بخشية الله في سر أمرك وعلانيتك, وأنهاك عن التسرع بالقول والفعل, وإذا عرض شي‏ء من أمر الآخرة فابدأ به, وإذا عرض شي‏ء من أمر الدنيا فتأنه حتى تصيب رشدك فيه, وإياك ومواطن التهمة, والمجلس المظنون به السوء, فإن قرين السوء يغر  جليسه, وكن لله يا بني عاملا, وعن الخنى زجورا, وبالمعروف آمرا, وعن المنكر ناهيا, وواخ الإخوان في الله, وأحب الصالح لصلاحه, ودار الفاسق عن دينك, وأبغضه بقلبك, وزايله بأعمالك لئلا تكون مثله, وإياك والجلوس في الطرقات, ودع المماراة ومجاراة من لا عقل له ولا علم, واقتصد يا بني في معيشتك, واقتصد في عبادتك, وعليك فيها بالأمر الدائم الذي تطيقه, والزم الصمت تسلم, وقدم لنفسك تغنم, وتعلم الخير تعلم, وكن لله ذاكرا على كل حال, وارحم من أهلك الصغير, ووقر منهم الكبير, ولا تأكلن طعاما حتى تصدق منه قبل أكله, وعليك بالصوم فإنه زكاة البدن, وجنة لأهله, وجاهد نفسك واحذر جليسك, واجتنب عدوك, وعليك بمجالس الذكر, وأكثر من الدعاء, فإني لم آلك يا بني نصحا, وهذا فراق بيني وبينك, وأوصيك بأخيك محمد خيرا, فإنه شقيقك وابن أبيك, وقد تعلم حبي له, وأما أخوك الحسين, فهو ابن أمك, ولا أريد  الوصاة بذلك, والله الخليفة عليكم, وإياه أسأل أن يصلحكم, وأن يكف الطغاة البغاة عنكم,‏ والصبر الصبر حتى ينزل الله الأمر, ولا قوة إلا بالله العلي العظيم‏.[37]

 

 



[1] الأمالي للطوسي ص 146, كشف الغمة ج 1 ص 384, بحار الأنوار ج 74 ص 401

[2] العدد القوية ص 357, بحار الأنوار ج 74 ص 234

[3] الطساسيج: جمع طسوج: ربع دانق وهو حبتان. والقراريط جمع قيراط: نصف دانق‏

[4] أعلام الدين ص 274, بحار الأنوار ج 93 ص 159, مستدرك الوسائل ج 7 ص 228

[5] الدر النظيم ص 375

[6] تحف العقول ص 222, شرح الأخبار ج 2 ص 443, كشف الغمة ج 1 ص 431, بحار الأنوار ج 75 ص 92

[7] الميرزا حبيب الله الخوئي في منهاج البراعة ج 20 ص 3: هذه وصية عامة تامة أخرجها إلى ابنه الحسن (ع) وجمع فيها أنواع المواعظ والنصائح الكافية الشافية وصنوف الحكمة العملية الوافية، وكفى بها دستورا إرشاديا لكل مسلم بل لكل إنسان، فكأنه (ع) جرد من نفسه الزكية والدا للكل أو نموذجا لجميع الوالدين، وجرد من ابنه الحسن (ع) ولدا لكل الأولاد أو نموذجا لجميع الأبناء في أى بلاد، ثم سرد النصائح ونظم المواعظ لتكون وصيته هذا انجيلا لأمة الاسلام: وتوجيه هذه الوصية إلى ابنه الحسن (ع) يشير إلى زعامته بعده واهتضامه واعتزاله فلا يكون إلا إماما مبشرا منذرا بلا سلاح ولا اقتدار.

[8]  يزعنى أي يمنعنى ويصدنى‏

[9] استظهر به، أي استعان

[10] فلان يتجرم علينا، أي يتجنى ما لم نجنه

[11] كشف المحجة ص 220, بحار الأنوار ج 74 ص 198. نحوه: تحف العقول ص 68, نهج البلاغة ص 391

[12] إلى هنا في التهذيب ووسائل الشيعة وبحار الأنوار

[13] الكافي ج 7 ص 49, الوافي ج 10 ص 561, التهذيب ج 9 ص 149, وسائل الشيعة ج 19 ص 199, بحار الأنوار ج 41 ص 40

[14] إلى هنا في مستدرك الوسائل

[15] نهج البلاغة ص 421, روضة الواعظين ج 1 ص 136, تسلية المجالس ج 1 ص 488, بحار الأنوار ج 42 ص 256, مستدرك الوسائل ج 13 ص 441

[16] تحف العقول ص 88, بحار الأنوار ج 74 ص 236

[17] الفقيه ج 2 ص 626, وسائل الشيعة ج 15 ص 168

[18] النوكى: جمع الأنوك بمعنى الأحمق، والجاهل العاجز

[19]  نحيزة: الطبيعة والطريق.

[20] الحين: الهلاك والمحنة.

[21] الموق: الحمق في غباوة، أي كفران النعمة من الحماقة.

[22] الفقيه ج 4 ص 384, الوافي ج 26 ص 233

[23] بحار الأنوار ج 75 ص 75

[24] الخصال ج 1 ص 72, وسائل الشيعة ج 12 ص 202, بحار الأنوار ج 72 ص 209, روضة الواعظين ج 2 ص 376 دون الشعر

[25] نهج البلاغة 421, تسلية المجالس ج 1 ص 488, بحار الأنوار ج 42 ص 256

[26] الى هنا في الكافي ج 1 ص 297 وبحار الأنوار ج 42 ص 250, إثبات الهداة ج 2 ص 15, حلية الأبرار ج 3 ص 91, بهجة النظر ص 55

[27] من هنا في الكافي ج 7 ص 51 وبحار الأنوار ج 42 ص 248

[28] كتاب سليم بن قيس ج 2 ص 924, الدر النظيم ص 379, وإثبات الهداة ج 2 ص 15, حلية الأبرار ج 3 ص 91, بهجة النظر ص 55. نحوه: الفقيه ج 4 ص 189, المناقب للعلوي ص 169, التهذيب ج 9 ص 176, الوافي ج 2 ص 329, كشف الغمة ج 1 ص 431, شرح الأخبار ج 2 ص 447, الكافي بعضه في ج 1 ص 297 وبعضه في ج 7 ص 51, بحار الأنوار بعضه في ج 42 ص 250 وبعضه في ج 42 ص 248. تحف العقول ص 199 بأختصار

[29] دعائم الإسلام ج 2 ص 348

[30] الخنى: الفحش في القول

[31] الأمالي للمفيد ص 220, الأمالي للطوسي ص 7, بحار الأنوار ج 42 ص 202, كشف الغمة ج 1 ص 535

[32] الأمالي للطوسي ص 595, تنبيه الخواطر ج 2 ص 75, إعلام الورى ص 215, بحار الأنوار ج 42 ص 247

[33] شرح الأخبار ج 2 ص 443

[34] الدر النظيم ص 377

[35] التهذيب ج 6 ص 34, جامع الأخبار ص 22, فرحة الغري ص 50, الوافي ج 14 ص 1416, تفسير الصافي ج 3 ص 397, وسائل الشيعة ج 14 ص 377, مدينة المعاجز ج 3 ص 46, بحار الأنوار ج 13 ص 219, القصص للجزائري ص 272, تفسير نور الثقلين ج 3 ص 543, تفسير كنز الدقائق ج 9 ص 181

[36] كشف الغمة ج 1 ص 572, بحار الأنوار ج 75 ص 111

[37] الأمالي للمفيد ص 220, الأمالي للطوسي ص 7, كشف الغمة ج 1 ص 535, بحار الأنوار ج 42 ص 202