ولد الامام الرضا × في المدينة المنورة سنة ثمان وأربعين ومئة، وذلك في الحادي عشر من ذي القعدة على أشهر الأقوال.
كنيته: أبو الحسن.
ألقابه: الرضا, الرضي سراج الله, ونور الهدى, وقرة عين المؤمنين, ومكيدة الملحدين, كفو الملك, وكافي الخلق, ورب السرير, وئاب التدبير, والفاضل, والصابر, والوفي, والصديق.
و أمه أم ولد يقال لها سكن النوبية, ويقال خيزران المرسية, ويقال نجمة, ويقال صقر, وتسمى أروى أم البنين, ولما ولدت الرضا سماها الإمام الكاظم × الطاهرة.
وولده الإمام محمد الجواد × افقط, ومشهده بطوس من خراسان.
وسبب تسميته بالرضا فقد ورد الشيخ الصدوق في عيون الأخبار, عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، قال: قلت لأبي جعفر محمد ابن علي بن موسى (ع) إن قوما من مخالفيكم يزعمون أن أباك (ع) إنما سماه المأمون الرضا لما رضيه لولاية عهده؟ فقال (ع): كذبوا والله وفجروا بل الله تعالى وتبارك سماه الرضا لأنه كان رضى لله عز وجل في سمائه، ورضى لرسوله والأئمة بعده (ع) في أرضه. قال: فقلت له: ألم يكن كل واحد من آبائك الماضين (ع) رضى لله عز وجل ولرسوله والأئمة بعده (ع)؟ فقال: بلى. فقلت: فلم سمي أبوك من بينهم الرضا؟ قال: لأنه رضي به المخالفون من أعدائه كما رضي به الموافقون من أوليائه، ولم يكن ذلك لأحد من آبائه (ع) فلذلك سمي من بينهم الرضا (ع).
وكان في سني إمامته بقية ملك الرشيد, ثم ملك الأمين ثلاث سنين, وملك المأمون عشرين سنة.
ولما تولى الحكم المأمون أرسل له × كتب كتب إلى الإمام الرضا (ع) يستقدمه إلى خراسان, فاعتل عليه أبو الحسن × بعلل فلم يزل المأمون يكاتبه في ذلك, حتى علم أنه لا محيص له, وأنه لا يكف عنه فخرج ×.
وفي عيون أخبار الرضا ×, عن الهروي قال: والله ما دخل الرضا (ع) في هذا الأمر طائعا, وقد حمل إلى الكوفة مكرها, ثم أشخص منها على طريق البصرة وفارس إلى مرو.
وفي التوحيد, عن القاسم بن أيوب العلوي: أن المأمون لما أراد أن يستعمل الرضا (ع) جمع بني هاشم, فقال لهم: إني أريد أن أستعمل الرضا (ع) على هذا الأمر من بعدي, فحسده بنو هاشم, وقالوا: أتولي رجلا جاهلا ليس له بصر بتدبير الخلافة, فابعث إليه رجلا يأتنا فترى من جهله ما تستدل به عليه, فبعث إليه فأتاه فقال له بنو هاشم: يا أبا الحسن, اصعد المنبر وانصب لنا علما نعبد الله عليه, فصعد (ع) المنبر, فقعد مليا لا يتكلم مطرقا, ثم انتفض انتفاضة, واستوى قائما, وحمد الله تعالى وأثنى عليه, وصلى على نبيه وأهل بيته, ثم قال: أول عبادة الله تعالى معرفته.
وأما في سبب قبوله لولاية العهد, فقد روى الشيخ الصدوق في الأمالي, عن الريان قال: دخلت على علي بن موسى الرضا (ع) فقلت له: يا ابن رسول الله, إن الناس يقولون إنك قبلت ولاية العهد مع إظهارك الزهد في الدنيا, فقال (ع): قد علم الله كراهتي لذلك, فلما خيرت بين قبول ذلك وبين القتل اخترت القبول على القتل, ويحهم, أما علموا أن يوسف (ع) كان نبيا رسولا, فلما دفعته الضرورة إلى تولي خزائن العزيز قال له: {اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم} ودفعتني الضرورة إلى قبول ذلك على إكراه وإجبار بعد الإشراف على الهلاك, على أني ما دخلت في هذا الأمر إلا دخول خارج منه, فإلى الله المشتكى وهو المستعان.
ولم يكن الإمام الرضا × عند المأمون مرتاح البال, بل كان في ما يشبه الإقامة الجبرية, وأراد المأمون أن يراقب حركة الإمام × في استمرار ولم يرد أن يفتح المجال له, وقد استفاضت الروايات عن ظلم المأمون للإمام ليلا ونهارا.
وقد ذكر هذا أبو صلت الهروي كما رواه الشيخ الصدوق في عيون الأخبار, عن أحمد بن علي الأنصاري، قال: سألت أبا الصلت الهروي فقلت له: كيف طابت نفس المأمون بقتل الرضا (ع) مع إكرامه ومحبته له، وما جعل له من ولاية العهد من بعده؟ فقال: إن المأمون إنما كان يكرمه ويحبه لمعرفته بفضله، وجعل له ولاية العهد من بعده ليرى الناس أنه راغب في الدنيا فيسقط محله من نفوسهم، فلما لم يظهر منه في ذلك للناس إلا ما إزداد به فضلا عندهم ومحلا في نفوسهم جلب عليه المتكلمين من البلدان طمعا في أن يقطعه واحد منهم فيسقط محله عند العلماء ويشتهر نقصه عند العامة. فكان لا يكلمه خصم من اليهود والنصارى والمجوس والصابئين والبراهمة والملحدين والدهرية، ولا خصم من فرق المسلمين المخالفين له إلا قطعة وألزمه الحجه، وكان الناس يقولون: والله إنه أولى بالخلافة من المأمون، وكان اصحاب الأخبار يرفعون ذلك إليه فيغتاظ من ذلك ويشتد جسده له، وكان الرضا (ع) لا يحابي المأمون من حق وكان يجيبه بما يكره في أكثر احواله فيغيظه ذلك ويحقده عليه، ولا يظهره له فلما أعيته الحيلة في أمره إغتاله فقتله بالسم.
وهكذا كانت حال الإمام × إلى أن دس المأمون السم له في العنب والرمان, وقبض × في اخر شهر صفر, ودفت في طوس.