سلوني قبل أن تفقدوني

عن الأصبغ بن نباتة قال: لما جلس علي (ع) في الخلافة وبايعه الناس, خرج إلى المسجد متعمما بعمامة رسول الله (ص), لابسا بردة رسول الله (ص) متنعلا نعل رسول الله (ص), متقلدا سيف رسول الله (ص), فصعد المنبر فجلس عليه متمكنا, ثم شبك بين أصابعه فوضعها أسفل بطنه, ثم قال (ع): يا معاشر الناس, سلوني قبل أن تفقدوني, هذا سفط العلم هذا لعاب رسول الله (ص), هذا ما زقني رسول الله (ص) زقا زقا, سلوني فإن عندي علم الأولين والآخرين, أما والله لو ثنيت لي وسادة فجلست عليها لأفتيت أهل التوراة بتوراتهم, حتى تنطق التوراة فتقول: صدق علي ما كذب, لقد أفتاكم بما أنزل الله في وأفتيت أهل الإنجيل بإنجيلهم حتى ينطق الإنجيل فيقول: صدق علي ما كذب, لقد أفتاكم بما أنزل الله في وأفتيت أهل القرآن بقرآنهم حتى ينطق القرآن فيقول: صدق علي ما كذب, لقد أفتاكم بما أنزل الله في وأنتم تتلون القرآن ليلا ونهارا, فهل فيكم أحد يعلم ما نزل فيه, ولو لا آية في كتاب الله عز وجل لأخبرتكم بما كان وما يكون وبما هو كائن إلى يوم القيامة, وهي هذه الآية: {يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب} ثم قال (ع): سلوني قبل أن تفقدوني, فو الذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو سألتموني عن أية آية في ليل أنزلت أو في نهار أنزلت, مكيها ومدنيها سفريها وحضريها ناسخها ومنسوخها, ومحكمها ومتشابهها وتأويلها وتنزيلها لأخبرتكم, فقام إليه رجل يقال له: ذعلب, وكان ذرب اللسان بليغا في الخطب شجاع القلب, فقال: لقد ارتقى ابن أبي طالب (ع) مرقاة صعبة لأخجلنه اليوم لكم في مسألتي إياه, فقال: يا أمير المؤمنين, هل رأيت ربك؟ فقال (ع): ويلك يا ذعلب, لم أكن بالذي أعبد ربا لم أره, قال: فكيف رأيته صفه لنا؟ قال (ع): ويلك, لم تره العيون بمشاهدة الأبصار, ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان, ويلك يا ذعلب, إن ربي لا يوصف بالبعد ولا بالحركة ولا بالسكون, ولا بقيام قيام انتصاب ولا بجيئة, ولا بذهاب لطيف اللطافة لا يوصف باللطف, عظيم العظمة لا يوصف بالعظم, كبير الكبرياء لا يوصف بالكبر, جليل الجلالة لا يوصف بالغلظ, رءوف الرحمة لا يوصف بالرقة, مؤمن لا بعباده مدرك لا بمجسة قائل لا بلفظ هو في الأشياء على غير ممازجة, خارج منها على غير مباينة فوق كل شي‏ء, ولا يقال شي‏ء فوقه أمام كل شي‏ء, ولا يقال له أمام داخل في الأشياء لا كشي‏ء في شي‏ء, داخل وخارج منها لا كشي‏ء من شي‏ء خارج, فخر ذعلب مغشيا عليه, فقال: تالله ما سمعت بمثل هذا الجواب, والله لا عدت إلى مثلها, ثم قال (ع): سلوني قبل أن تفقدوني, فقام إليه الأشعث بن قيس فقال: يا أمير المؤمنين, كيف تؤخذ من المجوس الجزية, ولم ينزل عليهم كتاب ولم يبعث إليهم نبي؟ فقال (ع): بلى يا أشعث, قد أنزل الله تعالى عليهم كتابا وبعث إليهم نبيا, وكان لهم ملك سكر ذات ليلة, فدعا بابنته إلى فراشه فارتكبها, فلما أصبح تسامع به قومه فاجتمعوا إلى بابه, فقالوا: أيها الملك, دنست علينا ديننا فأهلكته, فاخرج نطهرك ونقم عليك الحد, فقال لهم: اجتمعوا واسمعوا كلامي, فإن يكن لي مخرج مما ارتكبت وإلا فشأنكم فاجتمعوا, فقال لهم: هل علمتم أن الله عز وجل لم يخلق خلقا أكرم عليه من أبينا آدم وأمنا حواء؟ قالوا: صدقت أيها الملك, قال: أفليس قد زوج بنيه بناته وبناته من بنيه؟ قالوا: صدقت هذا هو الدين فتعاقدوا على ذلك, فمحا الله ما في صدورهم من العلم, ورفع عنهم الكتاب فهم الكفرة يدخلون النار بلا حساب, والمنافقون أشد حالا منهم, فقال الأشعث: والله ما سمعت بمثل هذا الجواب, والله لا عدت إلى مثلها أبدا, ثم قال (ع): سلوني قبل أن تفقدوني, فقام إليه رجل من أقصى المسجد متوكيا على عكازة, فلم يزل يتخطى الناس حتى دنا منه, فقال: يا أمير المؤمنين, دلني على عمل إذا أنا عملته نجاني الله من النار, فقال (ع) له: اسمع يا هذا ثم افهم ثم استيقن, قامت الدنيا بثلاثة: بعالم ناطق مستعمل لعلمه, وبغني لا يبخل بماله على أهل دين الله عز وجل, وبفقير صابر, فإذا كتم العالم علمه, وبخل الغني, ولم يصبر الفقير, فعندها الويل والثبور, وعندها يعرف العارفون الله إن الدار قد رجعت إلى بدئها, أي إلى الكفر بعد الإيمان, أيها السائل, فلا تغترن بكثرة المساجد, وجماعة أقوام أجسادهم مجتمعة وقلوبهم شتى, أيها الناس, إنما الناس ثلاثة: زاهد وراغب وصابر, فأما الزاهد فلا يفرح بشي‏ء من الدنيا أتاه, ولا يحزن على شي‏ء منها فاته, وأما الصابر فيتمناها بقلبه فإن أدرك منها شيئا صرف عنها نفسه, لما يعلم من سوء عاقبتها, وأما الراغب فلا يبالي من حل أصابها أم من حرام, قال: يا أمير المؤمنين, فما علامة المؤمن في ذلك الزمان؟ قال (ع): ينظر إلى ما أوجب الله عليه من حق فيتولاه, وينظر إلى ما خالفه فيتبرأ منه, وإن كان حبيبا قريبا, قال: صدقت والله يا أمير المؤمنين, ثم غاب الرجل فلم نره, فطلبه الناس فلم يجدوه, فتبسم علي (ع) على المنبر, ثم قال: ما لكم؟ هذا أخي الخضر (ع), ثم قال (ع): سلوني قبل أن تفقدوني, فلم يقم إليه أحد, فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه (ص), ثم قال للحسن (ع): يا حسن, قم فاصعد المنبر فتكلم بكلام لا يجهلك قريش من بعدي, فيقولون: الحسن لا يحسن شيئا, قال الحسن (ع): يا أبة, كيف أصعد وأتكلم وأنت في الناس تسمع وترى, قال (ع) له: بأبي وأمي, أواري نفسي عنك وأسمع وأرى, ولا تراني فصعد الحسن (ع) المنبر: فحمد الله بمحامد بليغة شريفة, وصلى على النبي وآله صلاة موجزة, ثم قال (ع): أيها الناس, سمعت جدي رسول الله (ص) يقول: أنا مدينة العلم وعلي بابها, وهل تدخل المدينة إلا من بابها, ثم نزلت فوثب إليه علي (ع) فتحمله وضمه إلى صدره, ثم قال للحسين (ع): يا بني, قم فاصعد فتكلم بكلام لا يجهلك قريش من بعدي, فيقولون: إن الحسين بن علي (ع) لا يبصر شيئا, وليكن كلامك تبعا لكلام أخيك, فصعد الحسين (ع): فحمد الله وأثنى عليه, وصلى على نبيه وآله صلاة موجزة, ثم قال (ع): معاشر الناس, سمعت رسول الله (ص) وهو يقول: إن عليا (ع) مدينة هدى فمن دخلها نجا ومن تخلف عنها هلك, فوثب إليه علي (ع) فضمه إلى صدره وقبله, ثم قال (ع): معاشر الناس, اشهدوا أنهما فرخا رسول الله (ص) ووديعته التي استودعنيها, وأنا أستودعكموها معاشر الناس ورسول الله (ص) سائلكم عنهما.

-----------------

الامالي للصدوق ص 341, التوحيد ص 304, الاختصاص ص 235, ارشاد القلوب ج 2 ص 374, بحار الانوار ج 10 ص 117

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

 

عن الأصبغ بن نباتة قال: خطبنا أمير المؤمنين (ع) على منبر الكوفة: فحمد الله وأثنى عليه, ثم قال: أيها الناس, سلوني قبل أن تفقدوني, فإن بين جوانحي علما جما, فقام إليه ابن الكواء فقال: يا أمير المؤمنين, ما الذاريات ذروا؟ قال (ع): الرياح, قال: فما الحاملات وقرا؟ قال (ع): السحاب, قال: فما الجاريات يسرا؟ قال (ع): السفن, قال: فما المقسمات أمرا؟ قال (ع): الملائكة, قال: يا أمير المؤمنين, وجدت كتاب الله ينقض بعضه بعضا, قال (ع): ثكلتك أمك يا ابن الكواء, كتاب الله يصدق بعضه بعضا, ولا ينقض بعضه بعضا, فسل عما بدا لك, قال: يا أمير المؤمنين, سمعته يقول: {برب المشارق والمغارب} وقال في آية أخرى: {رب المشرقين ورب المغربين} وقال في آية أخرى: {رب المشرق والمغرب} قال (ع): ثكلتك أمك يا ابن الكواء, هذا المشرق وهذا المغرب, وأما قوله: {رب المشرقين ورب المغربين} فإن مشرق الشتاء على حدة, ومشرق الصيف على حدة, أما تعرف ذلك من قرب الشمس وبعدها, وأما قوله: {برب المشارق والمغارب} فإن لها ثلاثمائة وستين برجا, تطلع كل يوم من برج وتغيب في آخر, ولا تعود إليه إلا من قابل في ذلك اليوم, قال: يا أمير المؤمنين, كم بين موضع قدمك إلى عرش ربك؟ قال (ع): ثكلتك أمك يا ابن الكواء, سل متعلما ولا تسأل متعنتا من موضع قدمي إلى عرش ربي, أن يقول قائل مخلصا: لا إله إلا الله, قال: يا أمير المؤمنين, فما ثواب من قال: لا إله إلا الله؟ قال (ع): من قال مخلصا: لا إله إلا الله, طمست ذنوبه كما يطمس الحرف الأسود من الرق الأبيض, فإذا قال ثانية: لا إله إلا الله مخلصا, خرقت أبواب السماوات وصفوف الملائكة حتى يقول الملائكة بعضها لبعض: اخشعوا لعظمة الله, فإذا قال ثالثة: لا إله إلا الله مخلصا, لم تنهنه دون العرش, فيقول الجليل: اسكني فوعزتي وجلالي لأغفرن لقائلك بما كان فيه, ثم تلا هذه الآية: {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه} يعني: إذا كان عمله خالصا ارتفع قوله وكلامه, قال: يا أمير المؤمنين, أخبرني عن قوس قزح, قال (ع): ثكلتك أمك يا ابن الكواء, لا تقل: قوس قزح, فإن قزح اسم شيطان, ولكن قل: قوس الله, إذا بدت يبدو الخصب والريف, قال: أخبرني يا أمير المؤمنين, عن المجرة التي تكون في السماء؟ قال (ع): هي شرج السماء وأمان لأهل الأرض من الغرق, ومنه أغرق الله قوم نوح {بماء منهمر} قال: يا أمير المؤمنين, أخبرني عن المحو الذي يكون في القمر, قال (ع): الله أكبر الله أكبر, رجل أعمى يسأل عن مسألة عمياء, أما سمعت الله تعالى يقول: {وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة} قال: يا أمير المؤمنين, أخبرني عن أصحاب رسول الله (ص)؟ قال (ع): عن أي أصحاب رسول الله (ص) تسألني؟ قال: يا أمير المؤمنين, أخبرني عن أبي ذر الغفاري؟ قال (ع): سمعت رسول الله (ص) يقول: ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء ذا لهجة أصدق من أبي ذر, قال: يا أمير المؤمنين, أخبرني عن سلمان الفارسي؟ قال (ع): بخ بخ, سلمان منا أهل البيت, ومن لكم بمثل لقمان الحكيم علم علم الأول وعلم الآخر, قال: يا أمير المؤمنين, فأخبرني عن حذيفة بن اليمان؟ قال (ع): ذاك امرؤ علم أسماء المنافقين, إن تسألوه عن حدود الله تجدوه بها عارفا عالما, قال: يا أمير المؤمنين, أخبرني عن عمار بن ياسر؟ قال (ع): ذاك امرؤ حرم الله لحمه ودمه على النار, وأن تمس شيئا منهما, قال: يا أمير المؤمنين, فأخبرني عن نفسك؟ قال (ع): كنت إذا سألت أعطيت وإذا سكت ابتديت, قال: يا أمير المؤمنين, أخبرني عن قول الله عز وجل: {هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا} الآية, قال (ع): كفرة أهل الكتاب اليهود والنصارى, وقد كانوا على الحق فابتدعوا في أديانهموهم {يحسبون أنهم يحسنون صنعا} ثم نزل عن المنبر وضرب بيده على منكب ابن الكواء, ثم قال (ع): يا ابن الكواء, وما أهل النهروان منهم ببعيد, فقال: يا أمير المؤمنين, ما أريد غيرك ولا أسأل سواك, قال: فرأينا ابن الكواء يوم النهروان, فقيل له: ثكلتك أمك, بالأمس كنت تسأل أمير المؤمنين (ع) عما سألته, وأنت اليوم تقاتله؟! فرأينا رجلا حمل عليه فطعنه فقتله.

----------------

الاحتجاج ج 1 ص 259, بحار الانوار ج 10 ص 121

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: سلوني عن كتاب الله, فو الله ما نزلت آية في كتاب الله في ليل ولا نهار, ولا مسير ولا مقام, إلا وقد أقرأني إياها رسول الله (ص) وعلمني تأويلها, فقام ابن الكواء, فقال: يا أمير المؤمنين, فما كان ينزل عليه من القرآن, وأنت غائب عنه؟ قال (ع): كان رسول الله (ص) ما كان ينزل عليه من القرآن وأنا غائب عنه, حتى أقدم عليه فيقرئنيه, ويقول (ص) لي: يا علي, أنزل الله علي بعدك كذا وكذا, وتأويله كذا وكذا, فيعلمني تأويله وتنزيله.

------------------

بشارة المصطفى ص 218, الاحتجاج ج 1 ص 261, بحار الانوار ج 10 ص 125. الأمالي للصدوق ص 523 نحوه

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

روي أن أمير المؤمنين (ع): كان يخطب فقال في خطبته: سلوني قبل أن تفقدوني, فو الله لا تسألوني عن فئة تضل مائة وتهدي مائة, إلا أنبأتكم بناعقها وسائقها إلى يوم القيامة, فقام إليه رجل فقال: أخبرني كم في رأسي ولحيتي من طاقة شعر؟ فقال أمير المؤمنين (ع): والله لقد حدثني خليلي رسول الله (ص) بما سألت عنه, وإن على كل طاقة شعر في رأسك ملكا يلعنك, وعلى كل طاقة شعر في لحيتك شيطانا يستفزك, وإن في بيتك سخلا يقتل ابن رسول الله (ص), آية ذلك مصداق ما خبرتك به, ولو لا أن الذي سألت يعسر برهانه لأخبرتك به, ولكن آية ذلك ما أنبأتك به من لعنتك, وسخلك الملعون, وكان ابنه في ذلك الوقت صبيا صغيرا يحبو, فلما كان من أمر الحسين (ع) ما كان, تولى قتله وكان الأمر كما قال أمير المؤمنين (ع) .

----------------

الارشاد للمفيد ج 1 ص 330, اعلام الورى ص 174, الاحتجاج ج 1 ص 261, نهج الحق ص 241, بحار الانوار ج 10 ص 125

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

روي: أن قوما حضروا عند أمير المؤمنين (ع) وهو يخطب بالكوفة, ويقول: سلوني قبل أن تفقدوني, فأنا لا أسأل عن شي‏ء دون العرش إلا أجبت فيه لا يقولها بعدي إلا مدع أو كذاب مفتر, فقام إليه رجل من جنب مجلسه, وفي عنقه كتاب كالمصحف, وهو رجل آدم ظرب طوال جعد الشعر, كأنه من يهود العرب فقال رافعا صوته لعلي (ع): يا أيها المدعي, لما لا يعلم والمتقدم لما لا يفهم, أنا سائلك فأجب, قال: فوثب إليه أصحابه وشيعته من كل ناحية وهموا به, فنهرهم علي (ع) وقال: دعوه ولا تعجلوه, فإن العجل والطيش لا يقوم به حجج الله, ولا بإعجال السائل تظهر براهين الله تعالى, ثم التفت إلى السائل فقال (ع): سل بكل لسانك, ومبلغ علمك أجبك إن شاء الله تعالى, بعلم لا تختلج فيه الشكوك, ولا تهيجه دنس ريب الزيغ, ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم, ثم قال الرجل: كم بين المشرق والمغرب؟ قال علي (ع): مسافة الهواء, قال الرجل: وما مسافة الهواء؟ قال (ع): دوران الفلك, قال الرجل: وما دوران الفلك؟ قال (ع): مسير يوم للشمس, قال: صدقت, فمتى القيامة؟ قال (ع): عند حضور المنية وبلوغ الأجل, قال الرجل: صدقت, فكم عمر الدنيا؟ قال (ع): يقال سبعة آلاف ثم لا تحديد, قال الرجل: صدقت, فأين بكة من مكة؟ قال علي (ع): مكة أكناف الحرم, وبكة موضع البيت, قال الرجل: صدقت, فلم سميت مكة؟ قال (ع): لأن الله تعالى مك الأرض من تحتها, قال: فلم سميت بكة؟ قال علي (ع): لأنها بكت رقاب الجبارين وأعناق المذنبين, قال: صدقت, قال: فأين كان الله قبل أن يخلق عرشه؟ فقال (ع): سبحان من لا تدرك كنه صفته حملة العرش على قرب ربواتهم من كرسي كرامته, ولا الملائكة المقربون من أنوار سبحات جلاله, ويحك, لا يقال الله: أين ولا فيم, ولا أي ولا كيف, قال الرجل: صدقت, فكم مقدار ما لبث عرشه على الماء من قبل أن يخلق الأرض والسماء؟ قال علي (ع): أتحسن أن تحسب؟ قال الرجل: نعم, قال (ع) للرجل: لعلك لا تحسن أن تحسب, قال الرجل: بلى إني أحسن أن أحسب, قال علي (ع): أرأيت إن صب خردل في الأرض حتى يسد الهواء وما بين الأرض والسماء, ثم أذن لك على ضعفك أن تنقله حبة حبة من مقدار المشرق إلى المغرب, ومد في عمرك وأعطيت القوة على ذلك, حتى نقلته وأحصيته, لكان ذلك أيسر من إحصاء عدد أعوام, ما لبث عرشه على الماء من قبل أن يخلق الله الأرض والسماء, وإنما وصفت لك عشر عشر العشير من جزء من مائة ألف جزء, وأستغفر الله عن التقليل والتحديد, فحرك الرجل رأسه وأنشأ يقول:

أنت أهل العلم يا هادي الهدى... تجلو من الشك الغياهيبا

حزت أقاصي العلوم فما... تبصر أن غولبت مغلوبا

 لا تنثني عن كل أشكولة... تبدي إذا حلت أعاجيبا

لله در العلم من صاحب.... يطلب إنسانا ومطلوبا

---------------

ارشاد القلوب ج 2 ص 376, بحار الانوار ج 10 ص 126

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

قال أمير المؤمنين (ع): أيها الناس, سلوني قبل أن تفقدوني, فلأنا بطرق السماء أعلم مني بطرق الأرض, قبل أن تشغر برجلها فتنة تطأ في خطامها, وتذهب بأحلام قومها.

---------------

نهج البلاغة ص 280, بحار الأنوار ج 10 ص 128

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية