احتجاجاته عليه السلام على الشامي

عن الإمام الحسين بن علي (ع) قال: كان علي بن أبي طالب (ع) بالكوفة في الجامع, إذ قام إليه رجل من أهل الشام, فقال: يا أمير المؤمنين, إني أسألك عن أشياء فقال (ع): سل تفقها ولا تسأل تعنتا, فأحدق الناس بأبصارهم, فقال: أخبرني عن أول ما خلق الله تبارك وتعالى, فقال (ع): خلق النور, قال: فمم خلق السماوات؟ قال (ع): من بخار الماء, قال: فمم خلق الأرض؟ قال (ع): من زبد الماء, قال: فمم خلقت الجبال؟ قال (ع): من الأمواج, قال: فلم سميت مكة أم القرى؟ قال (ع): لأن الأرض دحيت من تحتها, وسأله عن سماء الدنيا مما هي؟ قال (ع): من موج مكفوف, وسأله عن طول الشمس والقمر وعرضهما, قال (ع): تسعمائة فرسخ في تسعمائة فرسخ, وسأله كم طول الكواكب وعرضه؟ قال (ع): اثنا عشر فرسخا في اثني عشر فرسخا, وسأله عن ألوان السماوات السبع وأسمائها؟ فقال (ع) له: اسم السماء الدنيا رفيع, وهي من ماء ودخان, واسم السماء الثانية: قيدرا, وهي على لون النحاس, والسماء الثالثة اسمها: الماروم, وهي على لون الشبه, والسماء الرابعة اسمها: أرفلون, وهي على لون الفضة, والسماء الخامسة اسمها: هيعون, وهي على لون الذهب, والسماء السادسة اسمها: عروس, وهي ياقوتة خضراء, والسماء السابعة اسمها: عجماء وهي درة بيضاء, وسأله عن الثور ما باله غاض طرفه, ولا يرفع رأسه إلى السماء؟ قال (ع): حياء من الله عز وجل لما عبد قوم موسى العجل نكس رأسه, وسأله عن المد والجزر ما هما؟ قال (ع): ملك موكل بالبحار يقال له: رومان, فإذا وضع قدميه في البحر فاض, وإذا أخرجهما غاض, وسأله عن اسم أبي الجن؟ فقال (ع): شومان, وهو الذي خلق من مارج من نار, وسأله هل بعث الله نبيا إلى الجن؟ فقال (ع): نعم, بعث إليهم نبيا يقال له: يوسف, فدعاهم إلى الله فقتلوه, وسأله عن اسم إبليس ما كان في السماء؟ فقال (ع): كان اسمه: الحارث, وسأله لم سمي آدم آدم؟ قال (ع): لأنه خلق من أديم الأرض, وسأله لم صار الميراث {للذكر مثل حظ الأنثيين}؟ فقال (ع): من قبل السنبلة كان عليها ثلاث حبات, فبادرت إليها حواء فأكلت منها حبة, وأطعمت آدم حبتين, فمن أجل ذلك ورث الذكر مثل حظ الأنثيين, وسأله عمن خلق الله من الأنبياء مختونا, فقال (ع): خلق الله آدم مختونا, وولد شيث مختونا, وإدريس ونوح وإبراهيم وداود وسليمان ولوط وإسماعيل وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه وعليهم أجمعين, وسأله كم كان عمر آدم؟ فقال (ع): تسعمائة سنة وثلاثين سنة, وسأله عن أول من قال الشعر؟ فقال (ع): آدم, قال: وما كان شعره؟ قال (ع): لما أنزل إلى الأرض من السماء فرأى تربتها وسعتها وهواها, وقتل قابيل هابيل, قال آدم (ع): 

تغيرت البلاد ومن عليها... فوجه الأرض مغبر قبيح

‏تغير كل ذي لون وطعم... وقل بشاشة الوجه المليح

فأجابه إبليس:

تنح عن البلاد وساكنيها... ففي الفردوس ضاق بك الفسيح

‏وكنت بها وزوجك في قرار... وقلبك من أذى الدنيا مريح

‏فلم تنفك من كيدي ومكري... إلى أن فاتك الثمن الربيح

‏فلو لا رحمة الجبار أضحى... بكفك من جنان الخلد ريح

وسأله كم حج آدم (ع) من حجة؟ فقال (ع) له: سبعين حجة ماشيا على قدميه, وأول حجة كان معه الصرد يدله على مواضع الماء, وخرج معه من الجنة, وقد نهي عن أكل الصرد والخطاف, وسأله ما باله لا يمشي على الأرض؟ قال (ع): لأنه ناح على بيت المقدس, فطاف حوله أربعين عاما يبكي عليه, ولم يزل يبكي مع آدم (ع), فمن هناك سكن البيوت ومعه تسع آيات من كتاب الله عز وجل, مما كان آدم يقرؤها في الجنة وهي معه إلى يوم القيامة, ثلاث آيات من أول الكهف, وثلاث آيات من سبحان, وهي {وإذا قرأت القرآن} وثلاث آيات من يس {وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا}, وسأله عن أول من كفر وأنشأ الكفر؟ فقال (ع): إبليس لعنه الله, وسأله عن اسم نوح ما كان؟ فقال (ع): كان اسمه السكن, وإنما سمي نوحا لأنه ناح على قومه {ألف سنة إلا خمسين عاما}, وسأله عن سفينة نوح (ع) ما كان عرضها وطولها؟ فقال (ع): كان طولها ثمانمائة ذراع وعرضها خمسمائة ذراع وارتفاعها في السماء ثمانون ذراعا, ثم جلس الرجل وقام إليه آخر, فقال: يا أمير المؤمنين, أخبرنا عن أول شجرة غرست في الأرض؟ فقال (ع): العوسجة ومنها عصا موسى (ع), وسأله عن أول شجرة نبتت في الأرض, فقال (ع): هي الدباء وهو القرع, وسأله عن أول من حج من أهل السماء, فقال له جبرئيل (ع): وسأله عن أول بقعة بسطت من الأرض أيام الطوفان؟ فقال (ع) له: موضع الكعبة وكان زبرجدة خضراء, وسأله عن أكرم واد على وجه الأرض؟ فقال (ع) له: واد يقال له: سرنديب سقط فيه آدم (ع) من السماء, وسأله عن شر واد على وجه الأرض؟ فقال (ع): واد باليمن يقال له: برهوت, وهو من أودية جهنم, وسأله عن سجن سار بصاحبه؟ فقال (ع): الحوت سار بيونس بن متى (ع), وسأله عن ستة لم يركضوا في رحم؟ فقال (ع): آدم وحواء, وكبش إبراهيم, وعصا موسى, وناقة صالح, والخفاش الذي عمله عيسى ابن مريم وطار بإذن الله عز وجل, وسأله عن شي‏ء مكذوب عليه ليس من الجن ولا من الإنس؟ فقال (ع): الذئب الذي كذب عليه إخوة يوسف (ع), وسأله عن شي‏ء أوحى الله عز وجل إليه ليس من الجن ولا من الإنس؟ فقال (ع): أوحى الله عز وجل إلى النحل, وسأله عن موضع طلعت عليه الشمس ساعة من النهار, ولا تطلع عليه أبدا؟ قال (ع): ذلك البحر حين فلقه الله عز وجل لموسى (ع), فأصابت أرضه الشمس وأطبق عليه الماء فلن تصيبه الشمس, وسأله عن شي‏ء شرب وهو حي, وأكل وهو ميت؟ فقال (ع): تلك عصا موسى وسأله عن نذير أنذر قومه ليس من الجن ولا من الإنس؟ فقال (ع): هي النملة, وسأله عن أول من أمر بالختان؟ قال (ع): إبراهيم, وسأله عن أول من خفض من النساء؟ فقال (ع): هاجر أم إسماعيل خفضتها سارة لتخرج من يمينها, وسأله عن أول امرأة جرت ذيلها؟ فقال (ع): هاجر, لما هربت من سارة, وسأله عن أول من جر ذيله من الرجال؟ فقال (ع): قارون, وسأله عن أول من لبس النعلين؟ فقال (ع): إبراهيم (ع), وسأله عن أكرم الناس نسبا؟ فقال (ع): صديق الله يوسف بن يعقوب إسرائيل الله بن إسحاق ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله, وسأله عن ستة من الأنبياء لهم اسمان؟ فقال (ع): يوشع بن نون وهو ذو الكفل, ويعقوب وهو إسرائيل, والخضر وهو تاليا, ويونس وهو ذو النون, وعيسى وهو المسيح, ومحمد وهو أحمد صلوات الله عليهم, وسأله عن شي‏ء تنفس ليس له لحم ولا دم؟ فقال (ع): ذاك الصبح إذا تنفس, وسأله عن خمسة من الأنبياء تكلموا بالعربية؟ فقال (ع): هود وشعيب وصالح وإسماعيل ومحمد (ص), ثم جلس وقام رجل آخر, فسأله وتعنته, فقال: يا أمير المؤمنين, أخبرنا عن قول الله عز وجل {يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه} من هم؟ فقال (ع): قابيل, يفر من هابيل, والذي يفر من أمه موسى, والذي يفر من أبيه إبراهيم, والذي يفر من صاحبته لوط, والذي يفر من ابنه نوح, يفر من ابنه كنعان, وسأله عن أول من مات فجاءه؟ فقال (ع): داود (ع), مات على منبره يوم الأربعاء, وسأله عن أربعة لا يشبعن من أربعة؟ فقال (ع): أرض من مطر, وأنثى من ذكر, وعين من نظر, وعالم من علم, وسأله عن أول من وضع سكك الدنانير والدراهم؟ فقال (ع): نمرود بن كنعان بعد نوح, وسأله عن أول من عمل عمل قوم لوط؟ فقال (ع): إبليس, فإنه أمكن من نفسه, وسأله عن معنى هدير الحمام الراعبية؟ فقال (ع): تدعو على أهل المعازف والقينات والمزامير والعيدان, وسأله عن كنية البراق؟ فقال (ع): يكنى أبا هزال, وسأله لم سمي تبع تبعا؟ قال (ع): لأنه كان غلاما كاتبا فكان يكتب لملك كان قبله, فكان إذا كتب كتب: بسم الله الذي خلق صبحا وريحا, فقال الملك: اكتب وابدأ باسم ملك الرعد, فقال: لا أبدأ إلا باسم إلهي, ثم أعطف على حاجتك, فشكر الله عز وجل له ذلك, وأعطاه ملك ذلك الملك, فتابعه الناس على ذلك, فسمي: تبعا, وسأله ما بال الماعز مفرقعة الذنب بادية الحياء والعورة؟ فقال (ع): لأن الماعز عصت نوحا لما أدخلها السفينة, فدفعها فكسر ذنبها, والنعجة مستورة الحياء والعورة, لأن النعجة بادرت بالدخول إلى السفينة فمسح نوح (ع) يده على حياها وذنبها فاستوت الألية, وسأله عن كلام أهل الجنة؟ فقال (ع): كلام أهل الجنة بالعربية, وسأله عن كلام أهل النار؟ فقال (ع): بالمجوسية, ثم قال أمير المؤمنين (ع): النوم على أربعة أصناف, الأنبياء تنام على أقفيتها مستلقية, وأعينها لا تنام متوقعة لوحي ربها, والمؤمن ينام على يمينه مستقبل القبلة, والملوك وأبناؤها تنام على شمالها ليستمرءوا ما يأكلون, وإبليس وإخوانه وكل مجنون وذي عاهة تنام على وجهه منبطحا, ثم قام إليه رجل آخر فقال: يا أمير المؤمنين, أخبرني عن يوم الأربعاء, وتطيرنا منه وثقله وأي أربعاء هو؟ قال (ع): آخر أربعاء في الشهر, وهو المحاق وفيه قتل قابيل هابيل أخاه, ويوم الأربعاء ألقي إبراهيم في النار, ويوم الأربعاء وضعوه في المنجنيق, ويوم الأربعاء غرق الله عز وجل فرعون, ويوم الأربعاء جعل الله {عاليها سافلها}, ويوم الأربعاء أرسل الله عز وجل الريح على قوم عاد, ويوم الأربعاء أصبحت {كالصريم}, ويوم الأربعاء سلط الله على نمرود البقة, ويوم الأربعاء طلب فرعون موسى (ع) ليقتله, ويوم الأربعاء خر عليهم السقف من فوقهم, ويوم الأربعاء أمر فرعون بذبح الغلمان, ويوم الأربعاء خرب بيت المقدس, ويوم الأربعاء أحرق مسجد سليمان بن داود بإصطخر من كورة فارس, ويوم الأربعاء قتل يحيى بن زكريا, ويوم الأربعاء أظل قوم فرعون أول العذاب, ويوم الأربعاء خسف الله بقارون, ويوم الأربعاء ابتلي أيوب بذهاب ماله وولده, ويوم الأربعاء أدخل يوسف السجن, ويوم الأربعاء قال الله عز وجل: {أنا دمرناهم وقومهم أجمعين}, ويوم الأربعاء أخذتهم الصيحة, ويوم الأربعاء عقرت الناقة, ويوم الأربعاء أمطر عليهم {حجارة من سجيل}, ويوم الأربعاء شج وجه النبي (ص) وكسرت رباعيته, ويوم الأربعاء أخذت العماليق التابوت, وسأله عن الأيام وما يجوز فيها من العمل؟ فقال أمير المؤمنين (ع): يوم السبت, يوم مكر وخديعة, ويوم الأحد يوم غرس وبناء, ويوم الإثنين يوم سفر وطلب, ويوم الثلاثاء يوم حرب ودم, ويوم الأربعاء يوم شؤم فيه يتطير الناس, ويوم الخميس يوم الدخول على الأمراء وقضاء الحوائج, ويوم الجمعة يوم خطبة ونكاح.

------------------

عيون اخبار الرضا (ع) ج1 ص 241, علل الشرائع ج 2 ص 593, بحار الانوار ج 10 ص 75

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية