وصاياه

عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله (ع)، قال: لما حضرت الحسن بن علي (ع) الوفاة، قال: يا قنبر انظر هل ترى من وراء بابك مؤمنا من غير آل محمد عليهم السلام؟ فقال: الله تعالى ورسوله وابن رسوله أعلم به مني, قال: ادع لي محمد بن علي‏ (ع), فأتيته، فلما دخلت عليه، قال: هل حدث إلاخير؟ قلت: أجب أبا محمد، فعجل على شسع نعله، فلم يسوه. وخرج معي يعدو، فلما قام بين يديه سلم، فقال له الحسن بن علي (ع): اجلس؛ فإنه ليس مثلك يغيب عن سماع كلام يحيا به الأموات، ويموت به الأحياء. كونوا أوعية العلم ومصابيح الهدى، فإن ضوء النهار، بعضه أضوأ من بعض، أما علمت أن الله جعل ولد إبراهيم (ع) أئمة، وفضل بعضهم على بعض، وآتى داود (ع) زبورا، وقد علمت بما استأثر به محمدا (ص). يا محمد بن علي، إني أخاف عليك الحسد، وإنما وصف الله به الكافرين، فقال الله عز وجل: {كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق}، ولم يجعل الله عز وجل للشيطان عليك سلطانا. يا محمد بن علي، ألا أخبرك بما سمعت من أبيك فيك؟ قال: بلى. قال: سمعت أباك (ع) يقول يوم البصرة: من أحب أن يبرني في الدنيا والآخرة فليبر محمدا ولدي. يا محمد بن علي، لو شئت أن أخبرك وأنت نطفة في ظهر أبيك لأخبرتك. يا محمد بن علي، أما علمت أن الحسين بن علي (ع) بعد وفاة نفسي ومفارقة روحي جسمي إمام من بعدي، وعند الله جل اسمه في الكتاب وراثة من النبي (ص) أضافها الله عز وجل له في وراثة أبيه وأمه، فعلم الله أنكم خيرة خلقه، فاصطفى منكم محمدا (ص)، واختار محمد عليا (ع)، واختارني علي (ع) بالإمامة، واخترت أنا الحسين (ع). فقال له محمد بن علي: أنت إمام، وأنت وسيلتي إلى محمد (ص)، والله لوددت أن نفسي ذهبت قبل أن أسمع منك هذا الكلام. ألا وإن في رأسي كلاما لا تنزفه الدلاء، ولا تغيره نغمة الرياح، كالكتاب المعجم في الرق المنمنم، أهم بإبدائه، فأجدني سبقت إليه سبق الكتاب المنزل، أو ما جاءت به الرسل، وإنه لكلام يكل به لسان الناطق، ويد الكاتب، حتى لا يجد قلما، ويؤتوا بالقرطاس حمما، فلا يبلغ إلى فضلك، وكذلك يجزي الله المحسنين، ولا قوة إلابالله. الحسين أعلمنا علما، وأثقلنا حلما، وأقربنا من رسول الله (ص) رحما، كان فقيها قبل أن يخلق، وقرأ الوحي قبل أن ينطق، ولو علم الله في أحد خيرا ما اصطفى محمدا (ص)، فلما اختار الله محمدا، واختار محمد عليا، واختارك علي إماما، واخترت الحسين، سلمنا ورضينا من هو بغيره يرضى، ومن غيره كنا نسلم به من مشكلات أمرنا. [1]

 

عن جنادة بن أبي أميد, عن الحسن بن علي (ع), في حديث طويل: أن الحسين بن علي (ع) دخل عليه في مرضه حتى أكب عليه، وقبل رأسه وبين عينيه وتسارا جميعا فقال الأسود: {إنا لله وإنا إليه راجعون} إن الحسن (ع) قد نعيت إليه نفسه، وقد أوصى إلى الحسين‏ (ع). [2]

 

عن زياد المخارقي قال: لما حضرت الحسن (ع) الوفاة استدعى الحسين بن علي (ع) فقال: يا أخي إني مفارقك ولاحق بربي - إلى أن قال - ثم وصى إليه بأهله وولده وتركاته وما كان وصى به إليه أمير المؤمنين (ع) حين استخلفه، وأهله لمقامه ودل شيعته على استخلافه, ونصبه لهم علما من بعده، فلما مضى لسبيله غسله الحسين (ع) وكفنه. [3]

 

عن الحسن (ع) في حديث: أنه لما سقي السم دخل عليه الحسين (ع) فقال: كيف تجد نفسك؟ قال: أنا في آخر يوم من أيام الدنيا - إلى أن قال - ثم أوصى إليه، وسلم إليه الاسم الأعظم، ومواريث الأنبياء التي كان أمير المؤمنين (ع) سلمها إليه. [4]

 

عن هارون بن الجهم قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي (ع) يقول: لما احتضر الحسن (ع) قال للحسين (ع): يا أخي إني أوصيك بوصية, إذا أنا مت فهيئني ووجهني إلى رسول الله (ص) لأحدث به عهدا, ثم اصرفني إلى أمي فاطمة (ع), ثم ردني فادفني بالبقيع. [5]

 

عن الأصبغ قال: سمعت الحسن بن علي (ع) يقول: الأئمة بعد رسول الله (ص) اثنا عشر، تسعة من صلب أخي الحسين (ع)، ومنهم مهدي هذه الامة. [6]

 

 



[1] الكافي ج 1 ص 300, الوافي ج 2 ص 337, حلية الأبرار ج 3 ص 204, بهجة النظر ص 59, إعلام الورى ص 216, بحار الأنوار ج 44 ص 174

[2] كفاية الأثر ص 228, إثباة الهداة ج 4 ص 33, بحار الأنوار ج 44 ص 140, الإنصاف في النص ص 187, بهجة النظر ص 64

[3] الإرشاد ج 2 ص ص 17, إثباة الهداة ج 4 ص 33, روضة الواعظين ج 1 ص 167, إعلام الورى ص 212, كشف الغمة ج 1 ص 585, بحار الأنوار ج 44 ص 156

[4] عيون المعجزات ص 66, إثباة الهداة ج 4 ص 34, مدينة المعاجز ج 3 ص 372, بحار الأنوار ج 44 ص 140, رياض الأبرار ج 1 ص 143

[5] الكافي ج 1 ص 300, إعلام الورى ص 215, الوافي ج 2 ص 339, وسائل الشيعة ج 3 ص 163, إثباة الهداة ج 4 ص 18, حلية الأبرار ج 4 ص 203, مدينة المعاجز ج 3 ص 340, بحار الأنوار ج 44 ص 142, تفسير نور الثقلين ج 4 ص 295, تفسير كنز الدقائق ج 10 ص 420

[6] كفاية الأثر ص 223, إثباة الهداة ج 2 ص 178, بحار الأنوار ج 36 ص 383