الصلح

خطب الحسن بن علي (ع) بعد وفاة أبيه, فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما والله, ما ثنانا عن قتال أهل الشام ذلة ولا قلة, ولكن كنا نقاتلهم بالسلامة والصبر, فشيب السلامة بالعداوة, والصبر بالجزع, وكنتم تتوجهون معنا ودينكم أمام دنياكم, وقد أصبحتم الآن ودنياكم أمام دينكم, وكنا لكم وكنتم لنا, وقد صرتم اليوم علينا, ثم أصبحتم تصدون قتيلين, قتيلا بصفين تبكون عليهم, وقتيلا بالنهروان تطلبون بثأرهم, فأما الباكي فخاذل, وأما الطالب فثائر, وإن معاوية قد دعا إلى أمر ليس فيه عز ولا نصفة, فإن أردتم الحياة قبلناه منه وأغضضنا على القذى, وإن أردتم الموت بذلناه في ذات الله وحاكمناه إلى الله,‏ فنادى القوم بأجمعهم بل البقية والحياة.

----------------

التشريف بالمنن ص 361, أعلام الدين ص 292, بحار الأنوار ج 44 ص 21, رياض الأبرار ج 1 ص 120

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

روى الصدوق في علل الشرائع: أن معاوية دس إلى عمر بن حريث, والأشعث, وإلى حجر بن الحارث, وشبث بن ربعي, دسيسا أفرد كل واحد منهم بعين من عيونه، أنك إن قتلت الحسن بن علي (ع) فلك مائتا ألف درهم, وجند من أجناد الشام, وبنت من بناتي, فبلغ الحسن (ع) فاستلأم ولبس درعا وكفرها، وكان يحترز ولا يتقدم للصلاة بهم إلا كذلك, فرماه أحدهم في الصلاة بسهم فلم يثبت فيه, لما عليه من اللأمة، فلما صار في مظلم ساباط ضربه أحدهم بخنجر مسموم، فعمل فيه الخنجر, ... فقال الحسن (ع): ويلكم, والله إن معاوية لا يفي لأحد منكم بما ضمنه في قتلي، وإني أظن أني إن وصفت يدي في يده فأسالمه لم يتركني أدين لدين جدي (ص), وأني أقدر ان أعبد الله عز وجل وحدي، ولكني كأني أنظر إلى أبنائكم واقفين على أبواب أبنائهم، يستسقونهم ويستطعمونهم، لما جعله الله لهم فلا يسقون ولا يطعمون، فبعدا وسحقا لما كسبته أيديهم، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون}, فجعلوا يعتذرون بما لا عذر لهم فيه, فكتب الحسن من فوره ذلك إلى معاوية: أما بعد, فإن خطبي انتهى إلى اليأس من حق أحييه وباطل أميته, وخطبك خطب من انتهى إلى مراده, وإنني أعتزل هذا الأمر وأخليه لك, وإن كان تخليتي إياه شرا لك في معادك, ولي شروط أشترطها, لا تبهظنك إن وفيت لي بها بعهد, ولا تخف إن غدرت, وكتب الشروط في كتاب آخر فيه يمنيه بالوفاء, وترك الغدر, وستندم يا معاوية كما ندم غيرك ممن نهض في الباطل, أو قعد عن الحق حين لم ينفع الندم, والسلام.

----------------

علل الشرائع ج 1 ص 220, بحار الأنوار ج 44 ص 33, رياض الأبرار ج 1 ص 123

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن زيد بن وهب الجهني قال: لما طعن الحسن بن علي (ع) بالمدائن أتيته وهو متوجع, فقلت: ما ترى يا ابن رسول الله, فإن الناس متحيرون؟ فقال (ع): أرى والله معاوية خيرا لي من هؤلاء, يزعمون أنهم لي شيعة ابتغوا قتلي, وانتهبوا ثقلي, وأخذوا مالي, والله, لأن آخذ من معاوية عهدا أحقن به دمي, وآمن به في أهلي خير من أن يقتلوني, فتضيع أهل بيتي وأهلي, والله, لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوني إليه سلما, فو الله لأن أسالمه وأنا عزيز خير من أن يقتلني وأنا أسيره, أو يمن علي فتكون سبة على بني هاشم إلى آخر الدهر, ومعاوية لا يزال يمن بها وعقبه على الحي منا والميت, قال: قلت: تترك يا ابن رسول الله شيعتك كالغنم, ليس لهم راع؟ قال (ع): وما أصنع يا أخا جهينة, إني والله أعلم بأمر قد أدي به إلي عن ثقاته, أن أمير المؤمنين (ع) قال لي: ذات يوم وقد رآني فرحا, يا حسن, أتفرح كيف بك إذا رأيت أباك قتيلا, أم كيف بك إذا ولي هذا الأمر بنو أمية, وأميرها الرحب البلعوم الواسع الأعفاج, يأكل ولا يشبع, يموت وليس له في السماء ناصر, ولا في الأرض عاذر, ثم يستولي على غربها وشرقها, تدين له العباد, ويطول ملكه يستن بسنن البدع والضلال, ويميت الحق وسنة رسول الله (ص), يقسم المال في أهل ولايته, ويمنعه من هو أحق به, ويذل في ملكه المؤمن, ويقوى في سلطانه الفاسق, ويجعل المال بين أنصاره دولا, ويتخذ عباد الله خولا, ويدرس في سلطانه الحق, ويظهر الباطل, ويلعن الصالحون, ويقتل من ناواه على الحق, ويدين من والاه على الباطل, فكذلك حتى يبعث الله رجلا في آخر الزمان, وكلب من الدهر وجهل من الناس, يؤيده الله بملائكته, ويعصم أنصاره وينصره بآياته, ويظهره على‏ الأرض, حتى يدينوا طوعا وكرها, يملأ الأرض عدلا وقسطا ونورا وبرهانا, يدين له عرض البلاد وطولها, حتى لا يبقى كافر إلا آمن, ولا طالح إلا صلح, وتصطلح في ملكه السباع, وتخرج الأرض نبتها, وتنزل السماء بركتها, وتظهر له الكنوز, يملك ما بين الخافقين أربعين عاما, فطوبى لمن أدرك أيامه وسمع كلامه.

----------------

الإحتجاج ج 2 ص 290, بحار الأنوار ج 44 ص 20, رياض الأبرار ج 1 ص 119

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

ما كتبه الإمام الحسن (ع) في كتاب الصلح الذي استقر بينه وبين معاوية (لع) حيث رأى حقن الدماء وإطفاء الفتنة، وهو:

{بسم الله الرحمن الرحيم}، هذا ما صالح عليه الحسن بن علي بن أبي طالب معاوية بن أبي سفيان: صالحه على أن يسلم إليه ولاية أمر المسلمين، على أن يعمل فيهم بكتاب الله وسنة رسوله (ص) وسيرة الخلفاء الصالحين  وليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد إلى أحد من بعده عهدا بل يكون الأمر من بعده شورى بين المسلمين وعلى أن الناس آمنون حيث كانوا من أرض الله في شامهم، وعراقهم وحجازهم ويمنهم، وعلى أن أصحاب علي (ع) وشيعته آمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم. وعلى معاوية بن أبي سفيان بذلك عهد الله وميثاقه وما أخذ الله على أحد من خلقه بالوفاء، وبما أعطى الله من نفسه، وعلى أن لا يبغي للحسن بن علي ولا لأخيه الحسين ولا لأحد من أهل بيت رسول الله (ص) غائلة سرا ولا جهرا، ولا يخيف أحدا منهم في أفق من الآفاق. شهد عليه بذلك - وكفى بالله شهيدا - فلان وفلان والسلام.

ولما تم الصلح وانبرم الأمر، التمس معاوية (لع) من الحسن (ع) أن يتكلم بمجمع من الناس ويعلمهم أنه قد بايع معاوية وسلم الأمر إليه فأجابه إلى ذلك فخطب وقد حشد الناس - خطبة حمد الله تعالى وصلى على نبيه (ص) فيها، وهي من كلامه المنقول عنه (ع) وقال: أيها الناس إن أكيس الكيس التقى، وأحمق الحمق الفجور, وإنكم لو طلبتم بين جابلق وجابرس رجلا جده رسول الله (ص) ما وجدتموه غيري وغير أخي الحسين، وقد علمتم أن الله هداكم بجدي محمد (ص)، فأنقذكم به من الضلالة  ورفعكم به من الجهالة، وأعزكم بعد الذلة، وكثركم بعد القلة، وإن معاوية نازعني حقا هو لي دونه، فنظرت لصلاح الأمة، وقطع الفتنة، وقد كنتم بايعتموني على أن تسالموا من سالمت، وتحاربوا من حاربت، فرأيت أن أسالم معاوية وأضع الحرب بيني وبينه، وقد بايعته، ورأيت أن حقن الدماء خير من سفكها ولم أرد بذلك إلا صلاحكم وبقاءكم، وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين.

-----------

كشف الغمة ج 2 ص 193, بحار الأنوار ج 44 ص 65

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

* خطبته × واحتجاجه على معاوية بعد الصلح

خطبته (ع) حين قال له معاوية بعد الصلح اذكر فضلنا:

حمد الله وأثنى عليه, وصلى على محمد النبي وآله‏, ثم قال: من عرفني فقد عرفني, ومن لم يعرفني فأنا الحسن ابن رسول الله (ص), أنا ابن البشير النذير, أنا ابن المصطفى بالرسالة, أنا ابن من صلت عليه الملائكة, أنا ابن من شرفت به الأمة, أنا ابن من كان جبرئيل السفير من الله إليه, أنا ابن من بعث‏ رحمة للعالمين‏ صلى الله عليه و آله أجمعين, فلم يقدر معاوية أن يكتم عداوته وحسده, فقال: يا حسن, عليك بالرطب فانعته لنا, قال (ع): نعم يا معاوية, الريح تلقحه والشمس تنفخه, والقمر يلونه, والحر ينضجه, والليل يبرده, ثم أقبل على منطقه فقال: أنا ابن المستجاب الدعوة, أنا ابن من كان من ربه كقاب‏ قوسين أو أدنى‏, أنا ابن الشفيع المطاع, أنا ابن مكة ومنى, أنا ابن من خضعت له قريش رغما, أنا ابن من سعد تابعه وشقي خاذله, أنا ابن من جعلت الأرض له طهورا ومسجدا, أنا ابن من كانت أخبار السماء إليه تترى‏, أنا ابن من أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا, فقال معاوية: أظن نفسك يا حسن تنازعك إلى الخلافة, فقال (ع): ويلك يا معاوية, إنما الخليفة من سار بسيرة رسول الله (ص), وعمل بطاعة الله, ولعمري إنا لأعلام الهدى ومنار التقى, ولكنك يا معاوية ممن أبار السنن, وأحيا البدع, واتخذ عباد الله خولا, ودين الله لعبا, فكأن قد أخمل ما أنت فيه فعشت يسيرا, وبقيت عليك تبعاته, يا معاوية, والله لقد خلق الله مدينتين إحداهما بالمشرق والأخرى بالمغرب, اسماهما: جابلقا وجابلسا, ما بعث الله إليهما أحدا غير جدي رسول الله (ص), فقال معاوية: يا أبا محمد, أخبرنا عن ليلة القدر, قال (ع): نعم عن مثل هذا, فاسأل إن الله خلق السماوات سبعا, والأرضين سبعا, والجن من سبع, والإنس من سبع, فتطلب من ليلة ثلاث وعشرين إلى ليلة سبع وعشرين, ثم نهض (ع).

--------------

تحف العقول ص 232, بحار الأنوار ج 44 ص 41

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن سليم بن قيس قال: قام الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) على المنبر, حين اجتمع مع معاوية: فحمد الله وأثنى عليه, ثم قال: أيها الناس, إن معاوية زعم أني رأيته للخلافة أهلا, ولم أر نفسي لها أهلا, وكذب معاوية أنا أولى الناس بالناس في كتاب الله, وعلى لسان نبي الله, فأقسم بالله لو أن الناس بايعوني وأطاعوني ونصروني لأعطتهم السماء قطرها, والأرض بركتها, ولما طمعت فيها يا معاوية, وقد قال رسول الله (ص): ما ولت أمة أمرها رجلا قط وفيهم من هو أعلم منه, إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالا, حتى يرجعوا إلى ملة عبدة العجل, وقد ترك بنو إسرائيل هارون, واعتكفوا على العجل وهم يعلمون أن هارون خليفة موسى, وقد تركت الأمة عليا (ع), وقد سمعوا رسول الله (ص) يقول‏ لعلي (ع): أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير النبوة فلا نبي بعدي, وقد هرب رسول الله (ص) من قومه, وهو يدعوهم إلى الله, حتى فر إلى الغار ولو وجد عليهم أعوانا ما هرب منهم, ولو وجدت أنا أعوانا ما بايعتك يا معاوية, وقد جعل الله هارون في سعة حين استضعفوه وكادوا يقتلونه, ولم يجد عليهم أعوانا, وقد جعل الله النبي (ص) في سعة حين فر من قومه, لما لم يجد أعوانا عليهم, وكذلك أنا وأبي في سعة من الله حين تركتنا الأمة وبايعت غيرنا, ولم نجد أعوانا, وإنما هي السنن والأمثال يتبع بعضها بعضا, أيها الناس, إنكم لو التمستم فيما بين المشرق والمغرب, لم تجدوا رجلا من ولد نبي غيري وغير أخي.

---------------

كتاب سليم بن قيس ج 2 ص 938, الأمالي للطوسي ص 559, الإحتجاج ج 2 ص 288, الدر النظيم ص 500, العدد القوية ص 51, حلية الأبرار ج 2 ص 76, بحار الأنوار ج 44 ص 22

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن الإمام علي بن الحسين (ع) قال: لما أجمع الحسن بن علي (ع) على صلح معاوية خرج حتى لقيه, فلما اجتمعا قام معاوية خطيبا فصعد المنبر وأمر الحسن (ع) أن يقوم أسفل منه بدرجة, ثم تكلم معاوية فقال: أيها الناس هذا الحسن بن علي وابن فاطمة (ع) رآنا للخلافة أهلا ولم ير نفسه لها أهلا, وقد أتانا ليبايع طوعا ثم قال: قم يا حسن, فقام الحسن (ع) فخطب فقال: الحمد لله المستحمد بالآلاء, وتتابع النعماء وصارف الشدائد والبلاء عند الفهماء وغير الفهماء, المذعنين من عباده لامتناعه بجلاله وكبريائه وعلوه عن لحوق الأوهام ببقائه المرتفع عن كنه طيات المخلوقين, من أن تحيط بمكنون غيبه رويات عقول الراءين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده في ربوبيته ووجوده ووحدانيته صمدا لا شريك له, فردا لا ظهير له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اصطفاه وانتجبه وارتضاه وبعثه داعيا إلى الحق سراجا منيرا وللعباد مما يخافون نذيرا, ولما يأملون بشيرا فنصح للأمة وصدع بالرسالة, وأبان لهم درجات العمالة شهادة عليها, أمات وأحشر وبها في الآجلة أقرب وأحبر, وأقول معشر الخلائق فاسمعوا, ولكم أفئدة وأسماع فعوا, إنا أهل بيت أكرمنا الله بالإسلام واختارنا واصطفانا واجتبانا, فأذهب عنا الرجس وطهرنا تطهيرا, والرجس هو الشك فلا نشك في الله الحق ودينه أبدا, وطهرنا من كل أفن وغية مخلصين إلى آدم نعمة منه, لم يفترق الناس قط فرقتين إلا جعلنا الله في خيرهما, فأدت الأمور وأفضت الدهور إلى أن بعث الله محمدا (ص) للنبوة واختاره للرسالة, وأنزل عليه كتابا ثم أمره بالدعاء إلى الله عز وجل, فكان أبي (ع) أول من استجاب لله تعالى ولرسوله (ص), وأول من آمن وصدق الله ورسوله, وقد قال الله تعالى في كتابه المنزل على نبيه المرسل: {أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه} فرسول الله (ص) الذي على بينة من ربه, وأبي (ع) الذي يتلوه وهو شاهد منه, وقد قال له رسوله (ص) حين أمره أن يسير إلى مكة والموسم ببراءة سر بها: يا علي, فإني أمرت أن لا يسير بها إلا أنا أو رجل مني, وأنت هو فعلي من رسول الله ورسول الله منه, وقال له النبي حين قضى بينه وبين أخيه جعفر بن أبي طالب ومولاه زيد بن حارثة في ابنة حمزة: أما أنت يا علي فمني وأنا منك, وأنت ولي كل مؤمن من بعدي فصدق أبي رسول الله (ص) سابقا ووقاه بنفسه, ثم لم يزل رسول الله (ص) في كل موطن يقدمه, ولكل شديد يرسله ثقة منه به, وطمأنينة إليه لعلمه بنصيحة الله ورسوله, وأنه أقرب المقربين من الله ورسوله, وقد قال الله عز وجل: {السابقون السابقون أولئك المقربون}, فكان أبي سابق السابقين إلى الله تعالى وإلى رسوله (ص) وأقرب الأقربين, وقد قال الله تعالى: {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة}, فأبي كان أولهم إسلاما وإيمانا وأولهم إلى الله ورسوله هجرة ولحوقا, وأولهم على وجده ووسعه نفقة, قال سبحانه: {والذين جاؤ من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤف رحيم}, فالناس من جميع الأمم يستغفرون له بسبقه إياهم إلى الإيمان بنبيه (ص), وذلك أنه لم يسبقه إلى الإيمان به أحد, وقد قال الله تعالى: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان} فهو سابق جميع السابقين, فكما أن الله عز وجل فضل السابقين على المتخلفين والمتأخرين, فكذلك فضل سابق السابقين على السابقين, وقد قال الله: {أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر} وجاهد في سبيل الله فهو المجاهد في سبيل الله حقا, وفيه نزلت هذه الآية وكان ممن استجاب لرسول الله (ص) عمه حمزة وجعفر ابن عمه, فقتلا شهيدين رضي الله عنهما في قتلى كثيرة معهما من أصحاب رسول الله (ص), فجعل الله تعالى حمزة سيد الشهداء من بينهم, وجعل لجعفر جناحين يطير بهما مع الملائكة, كيف يشاء من بينهم وذلك لمكانهما من رسول الله (ص) ومنزلتهما وقرابتهما منه وصلى رسول الله (ص) على حمزة سبعين صلاة من بين الشهداء الذين استشهدوا معه, وكذلك جعل الله تعالى لنساء النبي (ص) للمحسنة منهن أجرين, وللمسيئة منهن وزرين ضعفين لمكانهن من رسول الله (ص), وجعل الصلاة في مسجد رسول الله (ص) بألف صلاة في سائر المساجد, إلا مسجد الحرام مسجد خليله إبراهيم (ع) بمكة, وذلك لمكان رسول الله (ص) من ربه, وفرض الله عز وجل الصلاة على نبيه (ص) على كافة المؤمنين, فقالوا: يا رسول الله, كيف الصلاة عليك؟ فقال (ص): قولوا: اللهم صل على محمد وآل محمد, فحق على كل مسلم أن يصلي علينا مع الصلاة على النبي (ص) فريضة واجبة, وأحل الله تعالى خمس الغنيمة لرسوله (ص) وأوجبها له في كتابه, وأوجب لنا من ذلك ما أوجب له, وحرم عليه الصدقة وحرمها علينا معه, فأدخلنا وله الحمد فيما أدخل فيه نبيه (ص), وأخرجنا ونزهنا مما أخرجه منه ونزهه عنه كرامة أكرمنا الله عز وجل بها, وفضيلة فضلنا بها على سائر العباد فقال الله تعالى لمحمد (ص) حين جحده كفرة أهل الكتاب وحاجوه: {فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين} فأخرج رسول الله (ص) من الأنفس معه أبي (ع) ومن البنين أنا وأخي (ع) ومن النساء أمي فاطمة (ع) من الناس جميعا, فنحن أهله ولحمه ودمه ونفسه, ونحن منه وهو منا, وقد قال الله تعالى: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} فلما نزلت آية التطهير جمعنا رسول الله (ص) أنا وأخي وأمي وأبي فجللنا ونفسه في كساء لأم سلمة خيبري, وذلك في حجرتها وفي يومها فقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي وهؤلاء أهلي وعترتي, فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا, فقالت أم سلمة رضي الله عنها: أدخل معهم يا رسول الله؟ قال لها رسول الله (ص): يرحمك الله أنت على خير وإلى خير, وما أرضاني عنك ولكنها خاصة لي ولهم, ثم مكث رسول الله (ص) بعد ذلك بقية عمره, حتى قبضه الله إليه يأتينا في كل يوم عند طلوع الفجر فيقول: الصلاة يرحمكم الله, {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} وأمر رسول الله (ص) بسد الأبواب الشارعة في مسجده غير بابنا, فكلموه في ذلك فقال: أما إني لم أسد أبوابكم ولم أفتح باب علي من تلقاء نفسي, ولكني أتبع ما يوحى إلي, وإن الله أمر بسدها وفتح بابه فلم يكن من بعد ذلك أحد تصيبه جنابة في مسجد رسول الله (ص), ويولد فيه الأولاد غير رسول الله (ص) وأبي علي بن أبي طالب (ع) تكرمة من الله تبارك وتعالى, لنا وفضلا اختصنا به على جميع الناس, وهذا باب أبي قرين باب رسول الله (ص) في مسجده ومنزلنا بين منازل رسول الله (ص), وذلك أن الله أمر نبيه (ص) أن يبني مسجده, فبنى فيه عشرة أبيات تسعة لبنيه وأزواجه, وعاشرها وهو متوسطها لأبي (ع) وها هو بسبيل مقيم, والبيت هو المسجد المطهر, وهو الذي قال الله تعالى أهل البيت, فنحن أهل البيت ونحن الذين أذهب الله عنا الرجس وطهرنا تطهيرا, أيها الناس, إني لو قمت حولا فحولا أذكر الذي أعطانا الله عز وجل وخصنا به من الفضل في كتابه وعلى لسان نبيه (ص) لم أحصه, وأنا ابن النبي النذير البشير والسراج المنير, الذي جعله الله رحمة للعالمين وأبي علي (ع) ولي المؤمنين وشبيه هارون, وإن معاوية بن صخر زعم أني رأيته للخلافة أهلا ولم أر نفسي لها أهلا, فكذب معاوية وايم الله لأنا أولى الناس بالناس في كتاب الله وعلى لسان رسول الله (ص) غير أنا لم نزل أهل البيت مخيفين مظلومين مضطهدين منذ قبض رسول الله (ص), فالله بيننا وبين من ظلمنا حقنا, ونزل على رقابنا وحمل الناس على أكتافنا, ومنعنا سهمنا في كتاب الله من الفي‏ء والغنائم, ومنع أمنا فاطمة (ع) إرثها من أبيها, إنا لا نسمي أحدا ولكن أقسم بالله قسما تاليا لو أن الناس سمعوا قول الله ورسوله (ص) لأعطتهم السماء قطرها والأرض بركتها, ولما اختلف في هذه الأمة سيفان, ولأكلوها خضراء خضرة إلى يوم القيامة, وإذا ما طمعت يا معاوية فيها ولكنها لما أخرجت سالفا من معدنها وزحزحت عن قواعدها, تنازعتها قريش بينها, وترامتها كترامي الكرة حتى طمعت فيها أنت يا معاوية وأصحابك من بعدك, وقد قال رسول الله (ص): ما ولت أمة أمرها رجلا قط وفيهم من هو أعلم منه, إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتى يرجعوا إلى ما تركوا, وقد تركت بنو إسرائيل وكانوا أصحاب موسى (ع) هارون أخاه وخليفته ووزيره, وعكفوا على العجل وأطاعوا فيه سامريهم وهم يعلمون أنه خليفة موسى (ع), وقد سمعت هذه الأمة رسول الله (ص) يقول ذلك لأبي (ع) إنه مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي, وقد رأوا رسول الله (ص) حين نصبه لهم بغدير خم, وسمعوه ونادى له بالولاية, ثم أمرهم أن يبلغ الشاهد منهم الغائب وقد خرج رسول الله (ص) حذرا من قومه إلى الغار, لما أجمعوا على أن يمكروا به وهو يدعوهم لما لم يجد عليهم أعوانا, ولو وجد عليهم أعوانا لجاهدهم, وقد كف أبي يده وناشدهم واستغاث أصحابه فلم يغث ولم ينصر, ولو وجد عليهم أعوانا ما أجابهم, وقد جعل في سعة كما جعل النبي (ص) في سعة, وقد خذلتني الأمة وبايعتك يا ابن حرب, ولو وجدت عليك أعوانا يخلصون ما بايعتك, وقد جعل الله عز وجل هارون في سعة حين استضعفوه قومه وعادوه, كذلك أنا وأبي في سعة من الله حين تركتنا الأمة وبايعت غيرنا, ولم نجد عليه أعوانا وإنما هي السنن والأمثال يتبع بعضها بعضا, أيها الناس, إنكم لو التمستم بين المشرق والغرب رجلا جده رسول الله (ص) وأبوه وصي رسول الله (ص), لم تجدوا غيري وغير أخي, فاتقوا الله ولا تضلوا بعد البيان, وكيف بكم وأنى ذلك منكم ألا وإني قد بايعت هذا, وأشار بيده إلى معاوية {وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين} أيها الناس, إنه لا يعاب أحد بترك حقه وإنما يعاب أن يأخذ ما ليس له, وكل صواب نافع وكل خطإ ضار لأهله, وقد كانت القضية ففهمها سليمان فنفعت سليمان ولم تضر داود (ع), فأما القرابة فقد نفعت المشرك وهي والله للمؤمن أنفع, قال رسول الله (ص) لعمه أبي طالب وهو في الموت: قل لا إله إلا الله أشفع لك بها يوم القيامة, ولم يكن رسول الله (ص) يقول له ويعد إلا ما يكون منه على يقين, وليس ذلك لأحد من الناس كلهم غير شيخنا أعني أبا طالب يقول الله عز وجل {وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما} أيها الناس, اسمعوا وعوا واتقوا الله وراجعوا, وهيهات منكم الرجعة إلى الحق وقد صارعكم النكوص وخامركم الطغيان والجحود {أنلزمكموها وأنتم لها كارهون والسلام على من اتبع الهدى} قال: فقال معاوية: والله ما نزل الحسن حتى أظلمت علي الأرض وهممت أن أبطش به, ثم علمت أن الإغضاء أقرب إلى العافية.

------------------

الأمالي للطوسي ص 561, البرهان ج 2 ص 828, حلية الأبرار ج 2 ص 71, بحار الأنوار ج 10 ص 138

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن أبي عمر زاذان، قال: لما وادع الحسن بن علي (ع) معاوية، صعد معاوية المنبر وجمع الناس فخطبهم، وقال: إن الحسن بن علي رآني للخلافة أهلا و لم ير نفسه لها أهلا، وكان الحسن (ع) أسفل منه بمرقاة، فلما فرغ من كلامه، قام الحسن (ع) فحمد الله (تعالى) بما هو أهله، ثم ذكر المباهلة فقال: فجاء رسول الله (ص) من الأنفس بأبي، ومن الأبناء بي وبأخي، ومن النساء بأمي (ع) وكنا أهله ونحن له وهو منا ونحن منه, ولما نزلت آية التطهير جمعنا رسول الله (ص) في كساء لأم سلمة (رضي الله عنها) خيبري، ثم قال (ص): اللهم هؤلاء أهل بيتي وعترتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا, فلم يكن أحد في الكساء غيري وأخي وأبي وأمي، ولم يكن أحد يجنب في المسجد ويولد له فيه إلا النبي (ص) وأبي (ع)، تكرمة من الله (تعالى) لنا، وتفضيلا منه لنا, وقد رأيتم مكان منزلنا من رسول الله (ص) وأمر بسد الأبواب فسدها وترك بابنا، فقيل له في ذلك، فقال (ص): أما إني لم أسدها وأفتح بابه، ولكن الله (عز وجل) أمرني أن أسدها وأفتح بابه, وإن معاوية زعم لكم أني رأيته للخلافة أهلا ولم أر نفسي لها أهلا، فكذب‏ معاوية، نحن أولى الناس بالناس في كتاب الله وعلى لسان نبيه (ص), ولم نزل أهل البيت مظلومين منذ قبض الله (تعالى) نبيه (ص)، فالله بيننا وبين من ظلمنا حقنا، وتوثب على رقابنا، وحمل الناس علينا، ومنعنا سهمنا من الفي‏ء ومنع أمنا ما جعل لها رسول الله (ص), وأقسم بالله لو أن الناس بايعوا أبي حين فارقهم رسول الله (ص) لأعطتهم السماء قطرها، والأرض بركتها، وما طمعت فيها يا معاوية، فلما خرجت من معدنها تنازعتها قريش بينها، فطمعت فيها الطلقاء وأبناء الطلقاء أنت وأصحابك، وقد قال رسول الله (ص): ما ولت أمة أمرها رجلا وفيهم من هو أعلم منه إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتى يرجعوا إلى ما تركوا, وقد تركت بنو إسرائيل هارون وهم يعلمون أنه خليفة موسى (ع) فيهم واتبعوا السامري، وقد تركت هذه الأمة أبي (ع) وبايعوا غيره، وقد سمعوا رسول الله (ص) يقول: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة، وقد رأوا رسول الله (ص) نصب أبي يوم غدير خم وأمرهم أن يبلغ الشاهد منهم الغائب، وقد هرب رسول الله (ص) من قومه وهو يدعوهم إلى الله (تعالى) حتى دخل الغار، ولو وجد أعوانا ما هرب، وقد كف أبي يده حين ناشدهم واستغاث فلم يغث، فجعل الله هارون في سعة حين استضعفوه وكادوا يقتلونه، وجعل الله النبي (ص) في سعة حين دخل الغار ولم يجد أعوانا، وكذلك أبي وأنا في سعة من الله حين خذلتنا الأمة وبايعوك يا معاوية، وإنما هي السنن والأمثال يتبع بعضها بعضا.

أيها الناس، إنكم لو التمستم فيما بين المشرق والمغرب أن تجدوا رجلا ولده نبي غيري وأخي لم تجدوه، وإني قد بايعت هذا وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين.

--------------

الأمالي للطوسي ص 559, البرهان ج 4 ص 458, بحار الأنوار ج 44 ص 62

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

 

خطبته (ع) حين قال له معاوية بعد الصلح: اذكر فضلنا.

حمد الله وأثنى عليه وصلى على محمد النبي وآله, ثم قال: من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا الحسن ابن رسول الله (ص), أنا ابن البشير النذير, أنا ابن المصطفى بالرسالة, أنا ابن من صلت عليه الملائكة, أنا ابن من شرفت به الأمة, أنا ابن من كان جبرئيل السفير من الله إليه, أنا ابن من بعث رحمة للعالمين صلى الله عليه و آله أجمعين, فلم يقدر معاوية أن يكتم عداوته وحسده فقال: يا حسن, عليك بالرطب فانعته لنا, قال (ع): نعم يا معاوية, الريح تلقحه والشمس تنفخه والقمر يلونه والحر ينضجه والليل يبرده, ثم أقبل على منطقه فقال (ع): أنا ابن المستجاب الدعوة, أنا ابن من كان من ربه كقاب قوسين أو أدنى, أنا ابن الشفيع المطاع أنا ابن مكة, ومنى أنا ابن من خضعت له قريش رغما, أنا ابن من سعد تابعه وشقي خاذله, أنا ابن من جعلت الأرض له طهورا ومسجدا, أنا ابن من كانت أخبار السماء إليه تترى, أنا ابن من أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا, فقال معاوية: أظن نفسك يا حسن تنازعك إلى الخلافة, فقال (ع): ويلك يا معاوية, إنما الخليفة من سار بسيرة رسول الله (ص) وعمل بطاعة الله, ولعمري إنا لأعلام الهدى ومنار التقى, ولكنك يا معاوية ممن أبار السنن وأحيا البدع واتخذ عباد الله خولا ودين الله لعبا, فكأن قد أخمل ما أنت فيه, فعشت يسيرا وبقيت عليك تبعاته, يا معاوية, والله لقد خلق الله مدينتين إحداهما بالمشرق والأخرى بالمغرب اسماهما جابلقا وجابلسا, ما بعث الله إليهما أحدا غير جدي رسول الله (ص), فقال معاوية: يا أبا محمد, أخبرنا عن ليلة القدر قال (ع): نعم عن مثل هذا فاسأل, إن الله خلق السماوات سبعا والأرضين سبعا, والجن من سبع والإنس من سبع, فتطلب من ليلة ثلاث وعشرين إلى ليلة سبع وعشرين ثم نهض (ع).

--------------

تحف العقول ص 232, بحار الأنوار ج 44 ص 41

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

 

 

* علة وفوائد الصلح

عن أبي جعفر (ع) قال: جاء رجل من أصحاب الحسن (ع) يقال له: سفيان بن ليلى, وهو على راحلة له, فدخل على الحسن وهو محتب في فناء داره, فقال له: السلام عليك يا مذل المؤمنين, فقال له الحسن (ع): انزل ولا تعجل, فنزل فعقل راحلته في الدار, وأقبل يمشي حتى انتهى إليه, قال: فقال له الحسن (ع): ما قلت؟ قال: قلت: السلام عليك يا مذل المؤمنين, قال (ع): وما علمك بذلك؟ قال: عمدت إلى أمر الأمة, فخلعته من عنقك وقلدته هذا الطاغية يحكم بغير ما أنزل الله, قال: فقال له الحسن (ع): سأخبرك لم فعلت ذلك, قال (ع): سمعت أبي (ع) يقول: قال رسول الله (ص): لن تذهب الأيام والليالي حتى يلي أمر هذه الأمة رجل واسع البلعوم, رحب الصدر, يأكل ولا يشبع, وهو معاوية, فلذلك فعلت. ما جاء بك؟ قال: حبك, قال: الله قال: الله, فقال الحسن (ع): والله لا يحبنا عبد أبدا, ولو كان أسيرا في الديلم إلا نفعه حبنا, وإن حبنا ليساقط الذنوب من بني آدم كما يساقط الريح الورق من الشجر.

---------------

الإختصاص ص 82, رجال الكشي ص 111, بحار الأنوار ج 44 ص 23

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن أبي سعيد عقيصا قال: لما صالح الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) معاوية بن أبي سفيان, دخل عليه الناس فلامه بعضهم على بيعته, فقال الحسن (ع): ويحكم ما تدرون ما عملت والله الذي عملت خير لشيعتي, مما طلعت عليه الشمس أو غربت, ألا تعلمون أني إمامكم, ومفترض الطاعة عليكم, وأحد سيدي شباب أهل الجنة بنص من رسول الله (ص) علي, قالوا: بلى, قال (ع): أما علمتم أن الخضر لما خرق السفينة, وأقام الجدار, وقتل الغلام, كان ذلك سخطا لموسى بن عمران (ع), إذ خفي عليه وجه الحكمة في ذلك, وكان ذلك عند الله تعالى ذكره حكمة وصوابا, أما علمتم أنه ما منا أحد إلا ويقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه, إلا القائم (ع) الذي يصلي خلفه روح الله عيسى ابن مريم (ع), فإن الله عز وجل يخفي ولادته, ويغيب شخصه, لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج, ذاك التاسع من ولد أخي الحسين ابن سيدة الإماء (ع) يطيل الله عمره في غيبته, ثم يظهره بقدرته في صورة شاب ابن دون الأربعين سنة, ذلك ليعلم أن الله على كل شي‏ء قدير.

----------------

كفاية الأثر ص 224, كمال الدين ج 1 ص 315, إعلام الورى ص 456, الإحتجاج ج 2 ص 289, كشف الغمة ج 2 ص 521, الإنصاف في النص ص 101, بحار الأنوار ج 44 ص 19

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن عبد الرحمن بن عبيد قال: لما بايع الحسن (ع) معاوية أقبلت الشيعة تتلاقى بإظهار الأسف والحسرة على ترك القتال، فخرجوا إليه بعد سنتين من يوم بايع معاوية، فقال له سليمان بن صرد الخزاعي: ما ينقضي تعجبنا من بيعتك معاوية ومعك أربعون ألف مقاتل من أهل الكوفة كلهم يأخذ العطاء, وهم على أبواب منازلهم, ومعهم مثلهم من أبنائهم وأتباعهم سوى شيعتك من أهل البصرة والحجاز, ثم لم تأخذ لنفسك ثقة في العقد, ولا حظا من العطية, فلو كنت إذ فعلت ما فعلت أشهدت على معاوية وجوه أهل المشرق والمغرب, وكتبت عليه كتابا بأن الأمر لك بعده كان الأمر علينا أيسر, ولكنه أعطاك شيئا بينك وبينه لم يف به, ثم لم يلبث أن قال على رءوس الأشهاد إني كنت شرطت شروطا ووعدت عداة إرادة لإطفاء نار الحرب ومداراة لقطع الفتنة, فلما أن جمع الله لنا الكلم والألفة فإن ذلك تحت قدمي, والله ما عنى بذلك غيرك وما أراد إلا ما كان بينك وبينه, وقد نقض, فإذا شئت فأعد الحرب خدعة وائذن لي في تقدمك إلى الكوفة فأخرج عنها عامله وأظهر خلعه وتنبذ إليه على سواء, إن الله لا يحب الخائنين. وتكلم الباقون بمثل كلام سليمان.

فقال الحسن (ع): أنتم شيعتنا وأهل مودتنا فلو كنت بالحزم في أمر الدنيا أعمل، لسلطانها أركض وأنصب، ما كان معاوية بأبأس مني بأساً ولا أشدّ شكيمة ولا أمضى عزيمة، ولكني أرى غير ما رأيتم، وما أردت بما فعلت إلاّ حقن الدماء فارضوا بقضاء الله وسلّموا لأمره، والزموا بيوتكم وأمسكوا - أو قال: كفـوا أيديكم - حتى يستريح بر, أو يستراح من فاجر.
--------
تنزيه الأنبياء (ع) ص 171, بحار الأنوار ج 44 ص 29
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

 عن أبي سعيد قال: قلت للحسن بن علي بن أبي طالب (ع): يا ابن رسول الله لم داهنت معاوية وصالحته، وقد علمت أن الحق لك دونه وأن معاوية ضال باغ؟ فقال (ع): يا أبا سعيد ألست حجة الله تعالى ذكره على خلقه وإماما عليهم بعد أبي (ع)؟ قلت: بلى, قال: ألست الذي قال رسول الله (ص) لي ولأخي: الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا؟ قلت: بلى, قال: فأنا إذن إمام لو قمت, وأنا إمام إذ لو قعدت, يا أبا سعيد علة مصالحتي لمعاوية علة مصالحة رسول الله (ص) لبني ضمرة وبني أشجع ولأهل مكة حين انصرف من الحديبية, أولئك كفار بالتنزيل ومعاوية وأصحابه كفار بالتأويل, يا أبا سعيد إذا كنت إماما من قبل الله تعالى ذكره لم يجب أن يسفه رأيي فيما أتيته من مهادنة أو محاربة, وإن كان وجه الحكمة فيما أتيته ملتبسا, ألا ترى الخضر (ع) لما خرق السفينة وقتل الغلام وأقام الجدار سخط موسى (ع) فعله لاشتباه وجه الحكمة عليه حتى أخبره فرضي, هكذا أنا سخطتم علي بجهلكم بوجه الحكمة فيه, ولولا ما أتيت لما ترك من شيعتنا على وجه الأرض أحد إلا قتل.

----------

علل الشرائع ج 1 ص 211، الطرائف ج 1 ص 196, بحار الأنوار ج 44 ص 1, رياض الأبرار ج 1 ص 119, تفسير نور الثقلين ج 3 ص 290, تفسير كنز الدقائق ج 8 ص 134

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن سالم بن أبي الجعد قال: حدثني رجل منا, قال: أتيت الحسن بن علي (ع) فقلت: يا ابن رسول الله (ص), أذللت رقابنا, وجعلتنا معشر الشيعة عبيدا, ما بقي معك رجل, فقال (ع): ومم ذاك؟ قال: قلت: بتسليمك الأمر لهذا الطاغية, قال (ع): والله ما سلمت الأمر إليه, إلا أني لم أجد أنصارا, ولو وجدت أنصارا لقاتلته ليلي ونهاري, حتى يحكم الله بيني وبينه, ولكني عرفت أهل الكوفة, وبلوتهم ولا يصلح لي منهم ما كان فاسدا, إنهم لا وفاء لهم ولا ذمة في قول ولا فعل, إنهم لمختلفون ويقولون لنا إن قلوبهم معنا, وإن سيوفهم لمشهورة علينا, قال: وهو يكلمني, إذا تنخع الدم فدعا بطست فحمل من بين يديه ملئان مما خرج من جوفه من الدم, فقلت له: ما هذا يا ابن رسول الله؟ إني لأراك وجعا, قال (ع): أجل دس إلي هذا الطاغية من سقاني سما, فقد وقع على كبدي فهو يخرج قطعا كما ترى, قلت: أفلا تتداوى؟ قال (ع): قد سقاني مرتين وهذه الثالثة, لا أجد لها دواء ولقد رقي إلي أنه كتب إلى ملك الروم يسأله أن يوجه إليه من السم القتال شربة, فكتب إليه ملك الروم أنه لا يصلح لنا في ديننا أن نعين على قتال من لا يقاتلنا, فكتب إليه: أن هذا ابن الرجل الذي خرج بأرض تهامة, قد خرج يطلب ملك أبيه, وأنا أريد أن أدس إليه من يسقيه ذلك, فأريح العباد والبلاد منه, ووجه إليه بهدايا وألطاف, فوجه إليه ملك الروم بهذه الشربة التي دس بها, فسقيتها واشترط عليه في ذلك شروطا.

---------------

الإحتجاج ج 2 ص 291, بحار الأنوار ج 44 ص 147, رياض الأبرار ج 1 ص 146 بإختصار

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (ع) قال: والله للذي صنعه الحسن ابن علي (ع) كان خيرا لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس والله لقد نزلت هذه الآية {ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} إنما هي طاعة الامام, وطلبوا القتال, {فلما كتب عليهم القتال} مع الحسين (ع) {قالوا ربنا لم كتبت علينا القتال لولا أخرتنا إلى أجل قريب} {نجب دعوتك ونتبع الرسل} أرادوا تأخير ذلك إلى القائم (ع).

---------

الكافي ج 8 ص 330, بحار الأنوار ج 44 ص 25, تفسير نور الثقلين ج 1 ص 518, تفسير كنز الدقائق ج 2 ص 540, تفسير العياشي ج 1 ص 258 نحوه

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن سدير قال: قال أبو جعفر (ع) ومعي ابني يا سدير: اذكر لنا أمرك الذي أنت عليه, فإن كان فيه إغراق كففناك عنه, وإن كان مقصرا أرشدناك, قال: فذهبت أن أتكلم, فقال أبو جعفر (ع): أمسك حتى أكفيك, إن العلم الذي وضع رسول الله (ص) عند علي (ع), من عرفه كان مؤمنا, ومن جحده كان كافرا, ثم كان من بعده الحسن (ع) قلت: كيف يكون بتلك المنزلة, وقد كان منه ما كان دفعها إلى معاوية؟ فقال (ع): اسكت, فإنه أعلم بما صنع, لو لا ما صنع لكان أمر عظيم.

---------------

‏علل الشرائع ج 1 ص 210, بحار الأنوار ج 44 ص 1

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية