* جوابه × على أسئلة رسول معاوية
عن محمد بن قيس, عن أبي جعفر (ع) قال: بينا أمير المؤمنين (ع) في الرهبة والناس عليه متراكمون, فمن بين مستفت ومن بين مستعد إذ قام إليه رجل فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته, فنظر إليه أمير المؤمنين (ع) بعينيه هاتيك العظيمتين ثم قال: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته, من أنت؟ فقال: أنا رجل من رعيتك وأهل بلادك, قال (ع): ما أنت من رعيتي ولا من أهل بلادي, ولو سلمت علي يوما واحدا ما خفيت علي, فقال: الأمان يا أمير المؤمنين, فقال أمير المؤمنين (ع): هل أحدثت في مصري هذا حدثا منذ دخلته؟ قال: لا, قال (ع): فلعلك من رجال الحرب, قال: نعم, قال (ع): إذا وضعت الحرب أوزارها فلا بأس, قال: أنا رجل بعثني إليك معاوية متغفلا لك أسألك عن شيء بعث فيه ابن الأصفر, وقال له: إن كنت أحق بهذا الأمر والخليفة بعد محمد (ص) فأجبني عما أسألك, فإنك إذا فعلت ذلك اتبعتك وبعثت إليك بالجائزة, فلم يكن عنده جواب وقد أقلقه ذلك فبعثني إليك لأسألك عنها, فقال أمير المؤمنين (ع): قاتل الله ابن آكلة الأكباد ما أضله وأعماه ومن معه, والله لقد أعتق جارية فما أحسن أن يتزوج بها, حكم الله بيني وبين هذه الأمة قطعوا رحمي وأضاعوا أيامي ودفعوا حقي وصغروا عظيم منزلتي, وأجمعوا على منازعتي علي بالحسن والحسين ومحمد فأحضروا, فقال (ع): يا شامي, هذان ابنا رسول الله وهذا ابني فاسأل أيهم أحببت, فقال: أسأل ذا الوفرة يعني الحسن (ع) وكان صبيا, فقال له الحسن (ع): سلني عما بدا لك, فقال الشامي: كم بين الحق والباطل, وكم بين السماء والأرض, وكم بين المشرق والمغرب, وما قوس قزح, وما العين التي تأوي إليها أرواح المشركين, وما العين التي تأوي إليها أرواح المؤمنين, وما المؤنث, وما عشرة أشياء بعضها أشد من بعض, فقال الحسن بن علي (ع): بين الحق والباطل أربع أصابع, فما رأيته بعينك فهو الحق وقد تسمع بأذنيك باطلا كثيرا, قال الشامي: صدقت, قال (ع): وبين السماء والأرض دعوة المظلوم ومد البصر, فمن قال لك غير هذا فكذبه, قال: صدقت يا ابن رسول الله, قال (ع): وبين المشرق والمغرب مسيرة يوم للشمس تنظر إليها حين تطلع من مشرقها وحين تغيب في مغربها, قال الشامي: صدقت, فما قوس قزح؟ قال (ع): ويحك لا تقل قوس قزح, فإن قزح اسم شيطان وهو قوس الله وعلامة الخصب وأمان لأهل الأرض من الغرق, وأما العين التي تأوي إليها أرواح المشركين فهي عين يقال لها: برهوت, وأما العين التي تأوي إليها أرواح المؤمنين فهي عين يقال لها: سلمى, وأما المؤنث فهو الذي لا يدرى أذكر هو أو أنثى, فإنه ينتظر به فإن كان ذكرا احتلم وإن كانت أنثى حاضت, وبدا ثديها وإلا قيل له بل على الحائط فإن أصاب بوله الحائط فهو ذكر, وإن انتكص بوله كما ينتكص بول البعير فهي امرأة, وأما عشرة أشياء بعضها أشد من بعض, فأشد شيء خلقه الله عز وجل الحجر, وأشد من الحجر الحديد يقطع به الحجر, وأشد من الحديد النار تذيب الحديد, وأشد من النار الماء يطفئ النار, وأشد من الماء السحاب يحمل الماء, وأشد من السحاب الريح يحمل السحاب, وأشد من الريح الملك الذي يرسلها, وأشد من الملك ملك الموت الذي يميت الملك, وأشد من ملك الموت الموت الذي يميت ملك الموت, وأشد من الموت أمر الله رب العالمين الذي يميت الموت, فقال الشامي: أشهد أنك ابن رسول الله حقا, وأن عليا أولى بالأمر من معاوية, ثم كتب هذه الجوابات وذهب بها إلى معاوية, فبعثها معاوية إلى ابن الأصفر فكتب إليه ابن الأصفر: يا معاوية, لم تكلمني بغير كلامك وتجيبني بغير جوابك, أقسم بالمسيح ما هذا جوابك وما هو إلا من معدن النبوة وموضع الرسالة, وأما أنت فلو سألتني درهما ما أعطيتك.
----------------
الخصال ج 2 ص440, الاحتجاج ج 1 ص 267, روضة الواعظين ج 1 ص 45, حلية الأبرار ج 3 ص 24, مدينة المعاجز ج 3 ص 355, بحار الأنوار ج 10 ص 129, تحف العقول ص 228 نحوه
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية
* جوابه × لأسئلة ملك الروم
عن أبي عبد الله عن آبائه (ع) قال: لما بلغ ملك الروم أمر أمير المؤمنين (ع) ومعاوية, وأخبر أن رجلين قد خرجا يطلبان الملك, فسأل من أين خرجا, فقيل له: رجل بالكوفة ورجل بالشام, فأمر الملك وزراءه فقال: تخللوا هل تصيبون من تجار العرب من يصفهما لي, فأتي برجلين من تجار الشام ورجلين من تجار مكة فسألهم من صفتهما فوصفوهما له, ثم قال لخزان بيوت خزائنه: أخرجوا إلي الأصنام فأخرجوها فنظر إليها, فقال الشامي ضال, والكوفي هاد, ثم كتب إلى معاوية أن ابعث إلي أعلم أهل بيتك, وكتب إلى أمير المؤمنين (ع) أن ابعث إلي أعلم أهل بيتك, فأسمع منهما, ثم أنظر في الإنجيل كتابنا ثم أخبركما من أحق بهذا الأمر, وخشي على ملكه فبعث معاوية يزيد ابنه, وبعث أمير المؤمنين (ع) الحسن (ع) ابنه, فلما دخل يزيد على الملك أخذ بيده فقبلها ثم قبل رأسه, ثم دخل عليه الحسن بن علي صلوات الله عليهما فقال: الحمد لله الذي لم يجعلني يهوديا ولا نصرانيا, ولا مجوسيا ولا عابد الشمس والقمر ولا الصنم والبقر, وجعلني حنيفا مسلما ولم يجعلني من المشركين تبارك الله رب العرش العظيم, {والحمد لله رب العالمين} ثم جلس لا يرفع بصره, فلما نظر ملك الروم إلى الرجلين أخرجهما ثم فرق بينهما, ثم بعث إلى يزيد فأحضره ثم أخرج من خزائنه ثلاثمائة وثلاثة عشر صندوقا فيها تماثيل الأنبياء, وقد زينت بزينة كل نبي مرسل, فأخرج صنما فعرضه على يزيد فلم يعرفه, ثم عرضه عليه صنما صنما فلا يعرف منها شيئا, ولا يجيب منها بشيء, ثم سأله عن أرزاق الخلائق وعن أرواح المؤمنين أين تجتمع, وعن أرواح الكفار أين تكون إذا ماتوا, فلم يعرف من ذلك شيئا, ثم دعا الحسن بن علي (ع) فقال: إنما بدأت بيزيد بن معاوية كي يعلم أنك تعلم ما لا يعلم, ويعلم أبوك ما لا يعلم أبوه, فقد وصف أبوك وأبوه فنظرت في الإنجيل فرأيت فيه محمدا رسول الله (ص) والوزير عليا, ونظرت في الأوصياء فرأيت فيها أباك وصي محمد (ص), فقال له الحسن (ع): سلني عما بدا لك مما تجده في الإنجيل, وعما في التوراة, وعما في القرآن, أخبرك به إن شاء الله تعالى, فدعا الملك بالأصنام فأول صنم عرض عليه في صفة القمر, فقال الحسن (ع): فهذه صفة آدم أبو البشر, ثم عرض عليه آخر في صفة الشمس, فقال الحسن (ع): هذه صفة حواء أم البشر, ثم عرض عليه آخر في صفة حسنة, فقال: هذه صفة شيث بن آدم, وكان أول من بعث وبلغ عمره في الدنيا ألف سنة وأربعين عاما, ثم عرض عليه صنم آخر فقال: هذه صفة نوح صاحب السفينة, وكان عمره ألفا وأربعمائة سنة ولبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما, ثم عرض عليه صنم آخر فقال: هذه صفة إبراهيم عريض الصدر طويل الجبهة, ثم أخرج إليه صنم آخر فقال (ع): هذه صفة إسرائيل وهو يعقوب, ثم أخرج إليه صنم آخر فقال: هذه صفة إسماعيل, ثم أخرج إليه صنم آخر فقال: هذه صفة يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم, ثم أخرج صنم آخر فقال: هذه صفة موسى بن عمران وكان عمره مائتين وأربعين سنة, وكان بينه وبين إبراهيم خمسمائة عام, ثم أخرج إليه صنم آخر فقال: هذه صفة داود صاحب الحرب, ثم أخرج إليه صنم آخر فقال: هذه صفة شعيب ثم زكريا ثم يحيى ثم عيسى ابن مريم روح الله وكلمته, وكان عمره في الدنيا ثلاث وثلاثون سنة, ثم رفعه الله إلى السماء ويهبط إلى الأرض بدمشق وهو الذي يقتل الدجال, ثم عرض عليه صنم صنم فيخبر باسم نبي نبي, ثم عرض عليه الأوصياء والوزراء فكان يخبرهم باسم وصي وصي ووزير وزير, ثم عرض عليه أصنام بصفة الملوك فقال الحسن (ع): هذه أصنام لم نجد صفتها في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في القرآن, فلعلها من صفة الملوك, فقال الملك: أشهد عليكم يا أهل بيت محمد, أنكم قد أعطيتم علم الأولين والآخرين, وعلم التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وألواح موسى, ثم عرض عليه صنم يلوح, فلما نظر إليه بكى بكاء شديدا, فقال له الملك: ما يبكيك؟ فقال (ع): هذه صفة جدي محمد (ص), كث اللحية عريض الصدر طويل العنق, عريض الجبهة أقنى الأنف أفلج الأسنان حسن الوجه, قطط الشعر طيب الريح حسن الكلام, فصيح اللسان, كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر, بلغ عمره ثلاثا وستين سنة, ولم يخلف بعده إلا خاتم مكتوب عليه: لا إله إلا الله محمد رسول الله, وكان يتختم في يمينه وخلف سيفه ذو الفقار, وقضيبه وجبة صوف وكساء صوف, كان يتسرول به لم يقطعه ولم يخطه حتى لحق بالله, فقال الملك: إنا نجد في الإنجيل أنه يكون له ما يتصدق على سبطيه, فهل كان ذلك؟ فقال له الحسن (ع): قد كان ذلك, فقال الملك: فبقي لكم ذلك؟ فقال (ع): لا, فقال الملك: لهذه أول فتنة هذه الأمة عليها, ثم على ملك نبيكم واختيارهم على ذرية نبيهم منكم, القائم بالحق الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر, قال ثم سأل الملك الحسن (ع) عن سبعة أشياء خلقها الله لم تركض في رحم, فقال الحسن (ع): أول هذا آدم, ثم حواء, ثم كبش إبراهيم, ثم ناقة صالح, ثم إبليس الملعون, ثم الحية, ثم الغراب التي ذكرها الله في القرآن, ثم سأله عن أرزاق الخلائق, فقال الحسن (ع): أرزاق الخلائق في السماء الرابعة, تنزل بقدر وتبسط بقدر, ثم سأله عن أرواح المؤمنين أين يكونون إذا ماتوا؟ قال (ع): تجتمع عند صخرة بيت المقدس في كل ليلة الجمعة, وهو عرش الله الأدنى, منها يبسط الله الأرض وإليه يطويها, ومنها المحشر ومنها استوى ربنا إلى السماء والملائكة, ثم سأله عن أرواح الكفار أين تجتمع؟ قال (ع): تجتمع في وادي حضرموت وراء مدينة اليمن, ثم يبعث الله نارا من المشرق ونارا من المغرب ويتبعهما بريحين شديدتين, فيحشر الناس عند صخرة بيت المقدس, فيحشر أهل الجنة عن يمين الصخرة ويزلف المتقين ويصير جهنم عن يسار الصخرة في تخوم الأرضين السابعة, وفيها الفلق والسجين فيعرف الخلائق من عند الصخرة, فمن وجبت له الجنة دخلها ومن وجبت له النار دخلها, وذلك قوله: {فريق في الجنة وفريق في السعير} فلما أخبر الحسن (ع) بصفة ما عرض عليه من الأصنام وتفسير ما سأله, التفت الملك إلى يزيد بن معاوية وقال: أشعرت أن ذلك علم لا يعلمه إلا نبي مرسل أو وصي موازر, قد أكرمه الله بموازرة نبيه أو عترة نبي مصطفى وغيره المعادي, فقد طبع الله على قلبه وآثر دنياه على آخرته, أو هواه على دينه وهو من الظالمين, قال: فسكت يزيد وخمد, قال: فأحسن الملك جائزة الحسن (ع) وأكرمه, وقال له: ادع ربك حتى يرزقني دين نبيك, فإن حلاوة الملك قد حالت بيني وبين ذلك, وأظنه شقاء مرديا وعذابا أليما, قال: فرجع يزيد إلى معاوية وكتب إليه الملك أنه يقال من آتاه الله العلم بعد نبيكم وحكم بالتوراة وما فيها, والإنجيل وما فيه, والزبور وما فيه, والفرقان وما فيه فالحق والخلافة له, وكتب إلى علي بن أبي طالب (ع): أن الحق والخلافة لك, وبيت النبوة فيك وفي ولدك, فقاتل من قاتلك يعذبه الله بيدك, ثم يخلده الله نار جهنم, فإن من قاتلك نجده في الإنجيل أن عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين, وعليه لعنة أهل السماوات والأرضين.
-----------------
تفسير القمي ج 2 ص 269, البرهان ج 4 ص 806, حلية الأبرار ج 3 ص 28, بحار الأنوار ج 10 ص 132
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية
* احتجاجه × على الحسن البصري
كتب الحسن البصري إلى الحسن بن علي (ع): أما بعد, فأنتم أهل بيت النبوة ومعدن الحكمة, وإن الله جعلكم الفلك الجارية في اللجج الغامرة, يلجأ إليكم اللاجئ ويعتصم بحبلكم الغالي, من اقتدى بكم اهتدى ونجا, ومن تخلف عنكم هلك وغوى, وإني كتبت إليك عند الحيرة واختلاف الأمة في القدر, فتفضي إلينا ما أفضاه الله إليكم أهل البيت فنأخذ به, فكتب إليه الحسن بن علي (ع): أما بعد, فإنا أهل بيت كما ذكرت عند الله وعند أوليائه, فأما عندك وعند أصحابك فلو كنا كما ذكرت ما تقدمتمونا ولا استبدلتم بنا غيرنا, ولعمري لقد ضرب الله مثلكم في كتابه حيث يقول: {أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير} هذا لأوليائك فيما سألوا ولكم فيما استبدلتم, ولو لا ما أريد من الاحتجاج عليك وعلى أصحابك ما كتبت إليك بشيء مما نحن عليه, ولئن وصل كتابي إليك لتجدن الحجة عليك وعلى أصحابك مؤكدة, حيث يقول الله عز وجل: {أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون} فاتبع ما كتبت إليك في القدر, فإنه من لم يؤمن بالقدر خيره وشره فقد كفر, ومن حمل المعاصي على الله فقد فجر, إن الله عز وجل لا يطاع بإكراه, ولا يعصى بغلبة, ولا يهمل العباد من الملكة, ولكنه المالك لما ملكهم, والقادر على ما أقدرهم, فإن ائتمروا بالطاعة لن يكون عنها صادا مثبطا, وإن ائتمروا بالمعصية فشاء أن يحول بينهم وبين ما ائتمروا به, فعل وإن لم يفعل فليس هو حملهم عليها, ولا كلفهم إياها جبرا, بل تمكينه إياهم وعذاره إليهم طرقهم, ومكنهم فجعل لهم السبيل إلى أخذ ما أمرهم به, وترك ما نهاهم عنه, ووضع التكليف عن أهل النقصان والزمانة والسلام.
----------------
العدد القوية ص 33, بحار الأنوار ج 10 ص 136
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية
* احتجاجه × على أصحاب معاوية
عن الشعبي وأبي مخنف ويزيد بن أبي حبيب المصري أنهم قالوا: لم يكن في الإسلام يوم في مشاجرة قوم اجتمعوا في محفل أكثر ضجيجا, ولا أعلى كلاما, ولا أشد مبالغة في قول من يوم اجتمع فيه عند معاوية بن أبي سفيان, عمرو بن عثمان بن عفان, وعمرو بن العاص, وعتبة بن أبي سفيان, والوليد بن عقبة بن أبي معيط, والمغيرة بن أبي شعبة, وقد تواطئوا على أمر واحد, فقال عمرو بن العاص لمعاوية: ألا تبعث إلى الحسن بن علي (ع) فتحضره فقد أحيا سنة أبيه, وخفقت النعال خلفه أمر فأطيع, وقال: فصدق, وهذان يرفعان به إلى ما هو أعظم منهما, فلو بعثت إليه فقصرنا به وبأبيه, وسببناه وسببنا أباه, وصغرنا بقدره وقدر أبيه, وقعدنا لذلك حتى صدق لك فيه, فقال لهم معاوية: إني أخاف أن يقلدكم قلائد يبقى عليكم عارها, حتى يدخلكم قبوركم والله ما رأيته قط إلا كرهت جنابه, وهبت عتابه, وإني إن بعثت إليه لأنصفنه منكم, قال عمرو بن العاص: أتخاف أن يتسامى باطله على حقنا, ومرضه على صحتنا؟ قال: لا, قال: فابعث إذا عليه, فقال عتبة: هذا رأي لا أعرفه, والله ما تستطيعون أن تلقوه بأكثر ولا أعظم مما في أنفسكم عليه, ولا يلقاكم بأعظم مما في نفسه عليكم, وإنه لأهل بيت خصم جدل, فبعثوا إلى الحسن, فلما أتاه الرسول قال له: يدعوك معاوية, قال (ع): ومن عنده؟
قال الرسول: عنده فلان وفلان وسمى كلا منهم باسمه. فقال الحسن (ع): ما لهم خر {عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون} ثم قال (ع): يا جارية, أبلغيني ثيابي, ثم قال: اللهم إني أدرأ بك في نحورهم, وأعوذ بك من شرورهم, وأستعين بك عليهم, فاكفنيهم بما شئت وأنى شئت, من حولك وقوتك يا أرحم الراحمين, وقال (ع) للرسول: هذا كلام الفرج, فلما أتى معاوية رحب به, وحياه وصافحه, فقال الحسن (ع): إن الذي حييت به سلامة والمصافحة أمن؟ فقال معاوية: أجل, إن هؤلاء بعثوا إليك وعصوني ليقروك, أن عثمان قتل مظلوما, وأن أباك قتله, فاسمع منهم, ثم أجبهم بمثل ما يكلمونك, فلا يمنعك مكاني من جوابهم, فقال الحسن (ع): فسبحان الله, البيت بيتك والإذن فيه إليك, والله لئن أجبتهم إلى ما أرادوا إني لأستحيي لك من الفحش, وإن كانوا غلبوك على ما تريد إني لأستحيي لك من الضعف, فبأيهما تقر ومن أيهما تعتذر, وأما إني لو علمت بمكانهم واجتماعهم لجئت بعدتهم من بني هاشم, مع أني مع وحدتي هم أوحش مني من جمعهم, فإن الله عز وجل لوليي اليوم وفيما بعد اليوم, فمرهم فليقولوا فأسمع, ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم, فتكلم عمرو بن عثمان بن عفان فقال: ما سمعت كاليوم أن بقي من بني عبد المطلب على وجه الأرض من أحد بعد قتل الخليفة عثمان بن عفان, وكان ابن أختهم والفاضل في الإسلام منزلة, والخاص برسول الله أثرة, فبئس كرامة الله حتى سفكوا دمه اعتداء, وطلبا للفتنة وحسدا ونفاسة, وطلب ما ليسوا بأهلين, لذلك مع سوابقه ومنزلته من الله, ومن رسوله ومن الإسلام, فيا ذلاه أن يكون حسن وسائر بني عبد المطلب قتلة عثمان أحياء, يمشون على مناكب الأرض وعثمان بدمه مضرجو مع أن لنا فيكم تسعة عشر دما بقتلى بني أمية ببدر, ثم تكلم عمرو بن العاص, فحمد الله وأثنى عليه, ثم قال: أي ابن أبي تراب, بعثنا إليك لنقررك أن أباك سم أبا بكر الصديق, واشترك في قتل عمر الفاروق, وقتل عثمان ذي النورين مظلوما, وادعى ما ليس له حق, ووقع فيه وذكر الفتنة, وعيره بشأنها, ثم قال: إنكم يا بني عبد المطلب, لم يكن الله ليعطيكم الملك فتركبون فيه ما لا يحل لكم, ثم أنت يا حسن, تحدث نفسك بأنك كائن أمير المؤمنين, وليس عندك عقل ذلك, ولا رأيه, وكيف وقد سلبته, وتركت أحمق في قريش, وذلك لسوء عمل أبيك, وإنما دعوناك لنسبك وأباك, ثم إنك لا تستطيع أن تعيب علينا, ولا أن تكذبنا به, فإن كنت ترى أن كذبناك في شيء وتقولنا عليك بالباطل, وادعينا عليك خلاف الحق فتكلم, وإلا فاعلم أنك وأباك من شر خلق الله, فأما أبوك فقد كفانا الله قتله وتفرد به, وأما أنت فإنك في أيدينا نتخير فيك, والله أن لو قتلناك, ما كان في قتلك إثم عند الله, ولا عيب عند الناس, ثم تكلم عتبة بن أبي سفيان, فكان أول ما ابتدأ به أن قال: يا حسن, إن أباك كان شر قريش لقريش, أقطعه لأرحامها, وأسفكه لدمائها, وإنك لمن قتلة عثمان, وإن في الحق أن نقتلك به, وإن عليك القود في كتاب الله عز وجل, وإنا قاتلوك به, وأما أبوك فقد تفرد الله بقتله, فكفانا أمره, وأما رجاؤك الخلافة فلست فيها لا في قدحة زندك, ولا في رجحة ميزانك, ثم تكلم الوليد بن عقبة بن أبي معيط, بنحو من كلام أصحابه, فقال: يا معشر بني هاشم, كنتم أول من دب بعيب عثمان وجمع الناس عليه, حتى قتلتموه حرصا على الملك, وقطيعة للرحم, واستهلاك الأمة, وسفك دمائها حرصا على الملك, وطلبا للدنيا الخبيثة وحبا لها, وكان عثمان خالكم, فنعم الخال كان لكم, وكان صهركم فكان نعم الصهر لكم, قد كنتم أول من حسده وطعن عليه, ثم وليتم قتله, فكيف رأيتم صنع الله بكم؟ ثم تكلم المغيرة بن شعبة, فكان كلامه وقوله كله وقوعا في علي (ع) ثم قال: يا حسن, إن عثمان قتل مظلوما, فلم يكن لأبيك في ذلك عذر بريء, ولا اعتذار مذنب, غير أنا يا حسن قد ظننا لأبيك في ضمه قتلة عثمان وإيوائه لهم, وذبه عنهم أنه بقتله راض, وكان والله طويل السيف واللسان, يقتل الحي ويعيب الميت, وبنو أمية خير لبني هاشم من بني هاشم لبني أمية, ومعاوية خير لك يا حسن منك لمعاوية, وقد كان أبوك ناصب رسول الله (ص) في حياته, وأجلب عليه قبل موته وأراد قتله, فعلم ذلك من أمره رسول الله (ص), ثم كره أن يبايع أبا بكر, حتى أتي به قودا, ثم دس عليه فسقاه سما فقتله, ثم نازع عمر حتى هم أن يضرب رقبته, فعمد في قتله, ثم طعن على عثمان حتى قتله, كل هؤلاء قد شرك في دمهم, فأي منزلة له من الله يا حسن, وقد جعل الله السلطان لولي المقتول في كتابه المنزل, فمعاوية ولي المقتول بغير حق, فكان من الحق لو قتلناك وأخاك والله ما دم علي بأخطر من دم عثمان, وما كان الله ليجمع فيكم يا بني عبد المطلب الملك والنبوة, ثم سكت, فتكلم أبو محمد الحسن بن علي (ع) فقال: الحمد لله الذي هدى أولكم بأولنا, وآخركم بآخرنا, وصلى الله على جدي محمد النبي وآله وسلم, اسمعوا مني مقالتي وأعيروني فهمكم, وبك أبدأ يا معاوية, إنه لعمر الله يا أزرق ما شتمني غيرك وما هؤلاء شتموني, ولا سبني غيرك وما هؤلاء سبوني, ولكن شتمتني وسببتني فحشا منك وسوء رأي, وبغيا وعدوانا وحسدا علينا, وعداوة لمحمد (ص) قديما وحديثا, وإنه والله لو كنت أنا وهؤلاء يا أزرق مشاورين في مسجد رسول الله (ص), وحولنا المهاجرون والأنصار, ما قدروا أن يتكلموا به, ولا استقبلوني بما استقبلوني به, فاسمعوا مني أيها الملأ المجتمعون المتعاونون علي, ولا تكتموا حقا علمتموه ولا تصدقوا بباطل إن نطقت به, وسأبدأ بك يا معاوية, ولا أقول فيك إلا دون ما فيك, أنشدكم بالله, هل تعلمون أن الرجل الذي شتمتموه صلى القبلتين كلتيهما, وأنت تراهما جميعا, وأنت في ضلالة تعبد اللات والعزى, وبايع البيعتين كلتيهما, بيعة الرضوان وبيعة الفتح, وأنت يا معاوية بالأولى كافر وبالأخرى ناكث؟
ثم قال (ع): أنشدكم بالله, هل تعلمون أنما أقول حقا, إنه لقيكم مع رسول الله (ص) يوم بدر ومعه راية النبي (ص) والمؤمنين, ومعك يا معاوية راية المشركين, وأنت تعبد اللات والعزى, وترى حرب رسول الله (ص) فرضا واجبا؟ ولقيكم يوم أحد ومعه راية النبي (ص), ومعك يا معاوية راية المشركين؟
ولقيكم يوم الأحزاب ومعه راية رسول الله (ص), ومعك يا معاوية راية المشركين؟ كل ذلك يفلج الله حجته, ويحق دعوته, ويصدق أحدوثته, وينصر رايته, وكل ذلك رسول الله (ص) يرى عنه راضيا في المواطن كلها ساخطا عليك, ثم أنشدكم بالله, هل تعلمون أن رسول الله (ص) حاصر بني قريظة, وبني النظير, ثم بعث عمر بن الخطاب ومعه راية المهاجرين, وسعد بن معاذ ومعه راية الأنصار, فأما سعد بن معاذ فخرج وحمل جريحا, وأما عمر فرجع هاربا وهو يجبن أصحابه ويجبنه أصحابه, فقال رسول الله (ص): لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله, ويحبه الله ورسوله, كرار غير فرار, ثم لا يرجع حتى يفتح الله على يديه, فتعرض لها أبو بكر وعمر وغيرهما من المهاجرين والأنصار, وعلي يومئذ أرمد شديد الرمد, فدعاه رسول الله (ص), فتفل في عينه فبرأ من رمده, وأعطاه الراية فمضى ولم يثن حتى فتح الله عليه بمنه, وطوله وأنت يومئذ بمكة عدو لله ولرسوله (ص), فهل يستوي بين رجل نصح لله ولرسوله, ورجل عادى الله ورسوله, ثم أقسم بالله, ما أسلم قلبك بعد ولكن اللسان خالف, فهو يتكلم بما ليس في القلب, أنشدكم بالله, أتعلمون أن رسول الله (ص) استخلفه على المدينة في غزاة تبوك, ولا سخط ذلك ولا كراهة, وتكلم فيه المنافقون فقال: لا تخلفني يا رسول الله, فإني لم أتخلف عنك في غزوة قط, فقال رسول الله (ص) أنت وصيي وخليفتي في أهلي بمنزلة هارون من موسى, ثم أخذ بيد علي (ع) فقال: أيها الناس, من تولاني فقد تولى الله, ومن تولى عليا فقد تولاني, ومن أطاعني فقد أطاع الله, ومن أطاع عليا فقد أطاعني, ومن أحبني فقد أحب الله, ومن أحب عليا فقد أحبني, ثم قال (ع): أنشدكم بالله, أتعلمون أن رسول الله (ص) قال في حجة الوداع: أيها الناس, إني قد تركت فيكم ما لم تضلوا بعده, كتاب الله وعترتي أهل بيتي, فأحلوا حلاله, وحرموا حرامه, واعملوا بمحكمه, وآمنوا بمتشابهه, وقولوا آمنا بما أنزل الله من الكتاب, وأحبوا أهل بيتي وعترتي, ووالوا من والاهم, وانصروهم على من عاداهم, وإنهما لن يزالا فيكم حتى يردا علي الحوض يوم القيامة, ثم دعا وهو على المنبر عليا (ع) فاجتذبه بيده, فقال (ص): اللهم وال من والاه, وعاد من عاداه, اللهم من عادى عليا فلا تجعل له في الأرض مقعدا, ولا في السماء مصعدا, واجعله في أسفل درك من النار؟
وأنشدكم بالله, أتعلمون أن رسول الله (ص) قال له: أنت الذائذ عن حوضي يوم القيامة, تذود عنه كما يذود أحدكم الغريبة من وسط إبله؟
أنشدكم بالله, أتعلمون أنه دخل على رسول الله (ص) في مرضه الذي توفي فيه, فبكى رسول الله (ص) فقال علي (ع): ما يبكيك يا رسول الله؟
فقال (ص): يبكيني, أني أعلم أن لك في قلوب رجال من أمتي ضغائن لا يبدونها لك, حتى أتولى عنك؟
أنشدكم بالله, أتعلمون أن رسول الله (ص) حين حضرته الوفاة, واجتمع عليه أهل بيته, قال (ص): اللهم هؤلاء أهل بيتي وعترتي, اللهم وال من والاهم, وعاد من عاداهم, وقال (ص): إنما مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح, من دخل فيها نجا ومن تخلف عنها غرق؟
وأنشدكم بالله, أتعلمون أن أصحاب رسول الله (ص) قد سلموا عليه بالولاية في عهد رسول الله (ص) وحياته؟
وأنشدكم بالله, أتعلمون أن عليا أول من حرم الشهوات كلها على نفسه من أصحاب رسول الله (ص), فأنزل الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون} وكان عنده علم المنايا, وعلم القضايا, وفصل الكتاب, ورسوخ العلم, ومنزل القرآن, وكان في رهط لا نعلمهم يتممون عشرة, نبأهم الله أنهم مؤمنون, وأنتم في رهط قريب من عدة أولئك لعنوا على لسان رسول الله (ص), فأشهد لكم وأشهد عليكم, أنكم لعناء الله على لسان نبيه كلكم؟
وأنشدكم بالله, هل تعلمون أن رسول الله (ص) بعث إليك لتكتب له لبني خزيمة, حين أصابهم خالد بن الوليد, فانصرف إليه الرسول فقال: هو يأكل, فأعاد الرسول إليك ثلاث مرات, كل ذلك ينصرف الرسول إليه ويقول: هو يأكل, فقال رسول الله (ص): اللهم لا تشبع بطنه, فهي والله في نهمتك وأكلك إلى يوم القيامة؟
ثم قال (ع): أنشدكم بالله, هل تعلمون أنما أقول حقا إنك يا معاوية كنت تسوق بأبيك على جمل أحمر يقوده أخوك, هذا القاعد وهذا يوم الأحزاب, فلعن رسول الله (ص) القائد والراكب والسائق, فكان أبوك الراكب, وأنت يا أزرق السائق, وأخوك هذا القاعد القائد؟
أنشدكم بالله, هل تعلمون أن رسول الله (ص) لعن أبا سفيان في سبعة مواطن, أولهن حين خرج من مكة إلى المدينة, وأبو سفيان جاء من الشام فوقع فيه أبو سفيان فسبه وأوعده وهم أن يبطش به, ثم صرفه الله عز وجل عنه, والثانية يوم العير, حيث طردها أبو سفيان ليحرزها من رسول الله (ص), والثالثة يوم أحد, قال رسول الله (ص): الله مولانا ولا مولى لكم, وقال أبو سفيان: لنا العزى ولا عزى لكم, فلعنه الله وملائكته ورسله والمؤمنون أجمعون, والرابعة يوم حنين, يوم جاء أبو سفيان بجمع قريش وهوازن, وجاء عيينة بغطفان واليهود, فردهم الله {بغيظهم لم ينالوا خيرا} هذا قول الله عز وجل أنزل في سورتين في كلتيهما يسمي أبا سفيان وأصحابه كفارا, وأنت يا معاوية يومئذ مشرك على رأي أبيك بمكة, وعلي يومئذ مع رسول الله (ص) وعلى رأيه ودينه, والخامسة قول الله عز وجل: {والهدي معكوفا أن يبلغ محله} وصددت أنت وأبوك ومشركو قريش رسول الله (ص) فلعنه الله لعنة شملته وذريته إلى يوم القيامة, والسادسة يوم الأحزاب, يوم جاء أبو سفيان بجمع قريش, وجاء عيينة بن حصين بن بدر بغطفان, فلعن رسول الله القادة, والأتباع, والساقة إلى يوم القيامة, فقيل: يا رسول الله, أما في الأتباع مؤمن؟
قال (ص): لا تصيب اللعنة مؤمنا من الأتباع, أما القادة فليس فيهم مؤمن, ولا مجيب, ولا ناج, والسابعة يوم الثنية, يوم شد على رسول الله (ص) اثنا عشر رجلا, سبعة منهم من بني أمية, وخمسة من سائر قريش, فلعن الله تبارك وتعالى ورسول الله من حل الثنية, غير النبي (ص) وسائقه وقائده؟
ثم أنشدكم بالله, هل تعلمون أن أبا سفيان دخل على عثمان حين بويع في مسجد رسول الله (ص) فقال: يا ابن أخي, هل علينا من عين؟
فقال: لا, فقال أبو سفيان: تداولوا الخلافة يا فتيان بني أمية, فو الذي نفس أبي سفيان بيده, ما من جنة ولا نار, وأنشدكم بالله, أتعلمون أن أبا سفيان أخذ بيد الحسين حين بويع عثمان, وقال: يا ابن أخي, اخرج معي إلى بقيع الغرقد, فخرج حتى إذا توسط القبور, اجتره فصاح بأعلى صوته يا أهل القبور الذي كنتم تقاتلونا عليه صار بأيدينا وأنتم رميم, فقال الحسين بن علي (ع): قبح الله شيبتك وقبح وجهك, ثم نتر يده وتركه, فلو لا النعمان بن بشير أخذ بيده ورده إلى المدينة لهلك, فهذا لك يا معاوية, فهل تستطيع أن ترد علينا شيئا, ومن لعنتك يا معاوية, أن أباك أبا سفيان كان يهم أن يسلم فبعثت إليه بشعر معروف مروي في قريش وغيرهم, تنهاه عن الإسلام وتصده, ومنها أن عمر بن الخطاب ولاك الشام فخنت به, وولاك عثمان فتربصت به ريب المنون, ثم أعظم من ذلك جرأتك على الله ورسوله, أنك قاتلت عليا (ع) وقد عرفته وعرفت سوابقه, وفضله وعلمه على أمر هو أولى به منك, ومن غيرك عند الله وعند الناس, ولآذيته بل أوطأت الناس عشوة, وأرقت دماء خلق من خلق الله بخدعك وكيدك وتمويهك, فعل من لا يؤمن بالمعاد ولا يخشى العقاب, فلما بلغ الكتاب أجله صرت إلى شر مثوى, وعلي إلى خير منقلب, والله لك بالمرصاد, فهذا لك يا معاوية خاصة, وما أمسكت عنه من مساويك وعيوبك فقد كرهت به التطويل, وأما أنت يا عمرو بن عثمان, فلم تكن للجواب حقيقا بحمقك أن تتبع هذه الأمور, فإنما مثلك مثل البعوضة, إذ قالت للنخلة: استمسكي فإني أريد أن أنزل عنك, فقالت لها النخلة: ما شعرت بوقوعك, فكيف يشق علي نزولك وإني والله ما شعرت أنك تجسر أن تعادي لي فيشق علي ذلك, وإني لمجيبك في الذي قلت إن سبك عليا (ع) أينقص في حسبه, أو يباعده من رسول الله (ص), أو يسوء بلاءه في الإسلام, أو بجور في حكم, أو رغبة في الدنيا, فإن قلت واحدة منها فقد كذبت, وأما قولك إن لكم فينا تسعة عشر دما بقتلى مشركي بني أمية ببدر, فإن الله ورسوله قتلهم, ولعمري لتقتلن من بني هاشم تسعة عشر وثلاثة بعد تسعة عشر, ثم يقتل من بني أمية تسعة عشر وتسعة عشر في موطن واحد, سوى ما قتل من بني أمية لا يحصي عددهم, إلا الله وإن رسول الله (ص) قال: إذا بلغ ولد الوزغ ثلاثين رجلا, أخذوا مال الله بينهم دولا, وعباده خولا, وكتابه دغلا, فإذا بلغوا ثلاثمائة وعشرا, حقت اللعنة عليهم ولهم, فإذا بلغوا أربعمائة وخمسة وسبعين كان هلاكهم أسرع من لوك تمرة, فأقبل الحكم بن أبي العاص وهم في ذلك الذكر والكلام, فقال رسول الله (ص): اخفضوا أصواتكم, فإن الوزغ يسمع, وذلك حين رآهم رسول الله (ص) ومن يملك بعده منهم, أمر هذه الأمة يعني في المنام فساءه ذلك وشق عليه, فأنزل الله عز وجل في كتابه: {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن} يعني بني أمية, وأنزل أيضا: {ليلة القدر خير من ألف شهر} فأشهد لكم وأشهد عليكم, ما سلطانكم بعد قتل علي (ع) إلا ألف شهر التي أجلها الله عز وجل في كتابه, وأما أنت يا عمرو بن العاص, الشانئ اللعين الأبتر, فإنما أنت كلب أول أمرك, أن أمك بغية, وأنك ولدت على فراش مشترك, فتحاكمت فيك رجال قريش, منهم أبو سفيان بن الحرب, والوليد بن المغيرة, وعثمان بن الحارث, والنضر بن الحارث بن كلدة, والعاص بن وائل, كلهم يزعم أنك ابنه, فغلبهم عليك من بين قريش ألأمهم حسبا, وأخبثهم منصبا, وأعظمهم بغية, ثم قمت خطيبا وقلت: أنا شانئ محمد, وقال العاص بن وائل: إن محمدا رجل أبتر لا ولد له, فلو قد مات انقطع ذكره, فأنزل الله تبارك وتعالى: {إن شانئك هو الأبتر} وكانت أمك تمشي إلى عبد قيس تطلب البغية, تأتيهم في دورهم, ورحالهم, وبطون أوديتهم, ثم كنت في كل مشهد يشهده رسول الله (ص) من عدوه أشدهم له عداوة, وأشدهم له تكذيبا, ثم كنت في أصحاب السفينة الذين أتوا النجاشي والمهجر الخارج إلى الحبشة في الإشاطة بدم جعفر بن أبي طالب, وسائر المهاجرين إلى النجاشي, فحاق المكر السيئ بك, وجعل جدك الأسفل وأبطل أمنيتك, وخيب سعيك, وأكذب أحدوثتك, {وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا}, وأما قولك في عثمان, فأنت يا قليل الحياء والدين ألهبت عليه نارا, ثم هربت إلى فلسطين تتربص به الدوائر, فلما أتاك خبر قتله حبست نفسك على معاوية, فبعته دينك يا خبيث بدنيا غيرك, ولسنا نلومك على بغضنا, ولم نعاتبك على حبنا, وأنت عدو لبني هاشم في الجاهلية والإسلام, وقد هجوت رسول الله (ص) بسبعين بيتا من شعر, فقال رسول الله (ص): اللهم إني لا أحسن الشعر, ولا ينبغي لي أن أقوله, فالعن عمرو بن العاص بكل بيت ألف لعنة, ثم أنت يا عمرو المؤثر دنياك على دينك, أهديت إلى النجاشي الهدايا, ورحلت إليه رحلتك الثانية, ولم تنهك الأولى عن الثانية, كل ذلك ترجع مغلوبا حسيرا تريد بذلك هلاك جعفر وأصحابه, فلما أخطأك ما رجوت وأملت, أحلت على صاحبك عمارة بن الوليد, وأما أنت يا وليد بن عقبة, فو الله ما ألومك أن تبغض عليا وقد جلدك في الخمر ثمانين جلدة, وقتل أباك صبرا بيده يوم بدر, أم كيف تسبه وقد سماه الله مؤمنا في عشرة آيات من القرآن, وسماك فاسقا, وهو قول الله عز وجل: {أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون} وقوله: {إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين} وما أنت وذكر قريش, وإنما أنت ابن علج من أهل صفورية اسمه ذكوان, وأما زعمك أنا قتلنا عثمان, فو الله ما استطاع طلحة والزبير وعائشة أن يقولوا ذلك لعلي بن أبي طالب (ع), فكيف تقوله أنت, ولو سألت أمك من أبوك؟ إذ تركت ذكوان فألصقتك بعقبة بن أبي معيط, اكتسبت بذلك عند نفسها سناء ورفعة, ومع ما أعد الله لك ولأبيك ولأمك من العار والخزي في الدنيا والآخرة, وما الله بظلام للعبيد, ثم أنت يا وليد, والله أكبر في الميلاد ممن تدعى له, فكيف تسب عليا (ع)؟ ولو اشتغلت بنفسك لتثبت نسبك إلى أبيك, لا إلى من تدعى له, ولقد قالت لك أمك: يا بني أبوك والله ألأم وأخبث من عقبة, وأما أنت يا عتبة بن أبي سفيان, فو الله ما أنت بحصيف فأجاوبك, ولا عاقل فأعاقبك, وما عندك خير يرجى وما كنت, ولو سببت عليا (ع) لأعير به عليك, لأنك عندي لست بكفؤ لعبد علي بن أبي طالب (ع), فأرد عليك وأعاتبك, ولكن الله عز وجل لك ولأبيك وأمك وأخيك لبالمرصاد, فأنت ذرية آبائك الذين ذكرهم الله في القرآن فقال: {عاملة ناصبة تصلى نارا حامية تسقى من عين آنية} إلى قوله {من جوع} وأما وعيدك إياي أن تقتلني, فهلا قتلت الذي وجدته على فراشك مع حليلتك, وقد غلبك على فرجها, وشركك في ولدها, حتى ألصق بك ولدا ليس لك, ويلا لك لو شغلت نفسك بطلب ثأرك منه كنت جديرا, ولذلك حريا إذ تسومني القتل وتوعدني به, ولا ألومك أن تسب عليا (ع) وقد قتل أخاك مبارزة, واشترك هو وحمزة بن عبد المطلب في قتل جدك, حتى أصلاهما الله على أيديهما نار جهنم وأذاقهما العذاب الأليم, ونفى عمك بأمر رسول الله (ص), وأما رجائي الخلافة, فلعمر الله إن رجوتها فإن لي فيها لملتمسا وما أنت بنظير أخيك, ولا بخليفة أبيك, لأن أخاك أكثر تمردا على الله وأشد طلبا لإهراقه دماء المسلمين, وطلب ما ليس له بأهل يخادع الناس ويمكرهم, ويمكر الله والله خير الماكرين, وأما قولك إن عليا (ع) كان شر قريش لقريش, فو الله ما حقر مرحوما ولا قتل مظلوما, وأما أنت يا مغيرة بن شعبة, فإنك لله عدو ولكتابه نابذ, ولنبيه مكذب, وأنت الزاني وقد وجب عليك الرجم, وشهد عليك العدول البررة الأتقياء فأخر رجمك, ودفع الحق بالأباطيل, والصدق بالأغاليط, وذلك لما أعد الله لك من العذاب الأليم والخزي في الحياة الدنيا {ولعذاب الآخرة أخزى}, وأنت الذي ضربت فاطمة بنت رسول الله (ص), حتى أدميتها وألقت ما في بطنها استذلالا منك لرسول الله (ص), ومخالفة منك لأمره, وانتهاكا لحرمته, وقد قال لها رسول الله (ص): يا فاطمة, أنت سيدة نساء أهل الجنة, والله مصيرك إلى النار وجاعل وبال ما نطقت به عليك, فبأي الثلاثة سببت عليا, أنقصا في نسبه, أم بعدا من رسول الله (ص), أم سوء بلاء في الإسلام, أم جورا في حكم, أم رغبة في الدنيا؟ إن قلت بها فقد كذبت وكذبك الناس, أتزعم أن عليا (ع) قتل عثمان مظلوما, فعلي والله أتقى وأنقى من لائمه في ذلك, ولعمري لئن كان علي (ع) قتل عثمان مظلوما, فو الله ما أنت من ذلك في شيء, فما نصرته حيا ولا تعصبت له ميتا, وما زالت الطائف دارك تتبع البغايا, وتحيي أمر الجاهلية, وتميت الإسلام, حتى كان ما كان في أمس, وأما اعتراضك في بني هاشم وبني أمية, فهو ادعاؤك إلى معاوية, وأما قولك في شأن الإمارة وقول أصحابك في الملك الذي ملكتموه, فقد ملك فرعون مصر أربعمائة سنة, وموسى وهارون نبيان مرسلان (ع) يلقيان ما يلقيان من الأذى, وهو ملك الله يعطيه البر والفاجر, وقال الله: {وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين} وقال: {وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا} ثم قام الحسن (ع) فنفض ثيابه, وهو يقول: {الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات} هم والله يا معاوية أنت وأصحابك هؤلاء وشيعتك, {والطيبون للطيبات أولئك مبرؤن مما يقولون لهم مغفرة ورزق كريم} هم علي بن أبي طالب (ع) وأصحابه وشيعته, ثم خرج وهو يقول لمعاوية: ذق وبال ما كسبت يداك, وما جنت وما قد أعد الله لك, ولهم من الخزي في الحياة الدنيا والعذاب الأليم في الآخرة, فقال معاوية لأصحابه: وأنتم فذوقوا وبال ما جنيتم, فقال الوليد بن عقبة: والله ما ذقنا إلا كما ذقت, ولا اجترأ إلا عليك, فقال معاوية: ألم أقل لكم إنكم لن تنتقصوا من الرجل, فهلا أطعتموني أول مرة فانتصرتم من الرجل إذ فضحكم, فو الله ما قام حتى أظلم علي البيت, وهممت أن أسطو به فليس فيكم خير اليوم ولا بعد اليوم, قال: وسمع مروان بن الحكم بما لقي معاوية وأصحابه المذكورون من الحسن بن علي (ع), فأتاهم فوجدهم عند معاوية في البيت, فسألهم: ما الذي بلغني عن الحسن وزعله؟ قال: قد كان كذلك, فقال لهم مروان: أفلا أحضرتموني ذلك؟ فو الله لأسبنه ولأسبن أباه وأهل البيت سبا تتغنى به الإماء والعبيد, فقال: معاوية والقوم لم يفتك شيء, وهم يعلمون من مروان بذو لسان وفحش فقال مروان: فأرسل إليه يا معاوية, فأرسل معاوية إلى الحسن بن علي (ع), فلما جاء الرسول قال له الحسن (ع): ما يريد هذا الطاغية مني؟ والله إن أعاد الكلام لأوقرن مسامعه ما يبقى عليه عاره وشناره إلى يوم القيامة, فأقبل الحسن (ع), فلما جاءهم وجدهم بالمجلس على حالتهم التي تركهم فيها, غير أن مروان قد حضر معهم في هذا الوقت, فمشى الحسن (ع) حتى جلس على السرير مع معاوية وعمرو بن العاص, ثم قال الحسن (ع) لمعاوية: لم أرسلت إلي؟
قال: لست أنا أرسلت إليك, ولكن مروان الذي أرسل إليك, فقال له مروان: أنت يا حسن السباب لرجال قريش, فقال له الحسن (ع): وما الذي أردت؟
فقال مروان: والله لأسبنك وأباك وأهل بيتك سبا تتغنى به الإماء والعبيد, فقال الحسن (ع): أما أنت يا مروان, فلست سببتك ولا سببت أباك, ولكن الله عز وجل لعنك ولعن أباك وأهل بيتك وذريتك, وما خرج من صلب أبيك إلى يوم القيامة على لسان نبيه محمد (ص), والله يا مروان, ما تنكر أنت ولا أحد ممن حضر هذه اللعنة من رسول الله (ص) لك ولأبيك من قبلك, وما زادك الله يا مروان بما خوفك {إلا طغيانا كبيرا}, وصدق الله وصدق رسوله, يقول الله تبارك وتعالى: {والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا} وأنت يا مروان وذريتك الشجرة الملعونة في القرآن, وذلك عن رسول الله (ص) عن جبرئيل عن الله عز وجل, فوثب معاوية فوضع يده على فم الحسن (ع) وقال: يا أبا محمد, ما كنت فحاشا ولا طياشا, فنفض الحسن (ع) ثوبه وقام, فخرج فتفرق القوم عن المجلس بغيظ وحزن وسواد الوجوه في الدنيا والآخرة.
------------------
الإحتجاج ج 1 ص 269, بحار الأنوار ج 44 ص 70, رياض الأبرار ج 1 ص 128
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية
* احتاجه × على معاوية في يزيد لعنه الله
عن الإمام الحسين بن علي (ع): أنه كتب إلى معاوية كتابا يقرعه فيه ويبكته بأمور صنعها, كان فيه: ثم وليت ابنك وهو غلام يشرب الشراب ويلهو بالكلاب, فخنت أمانتك وأخربت رعيتك, ولم تؤد نصيحة ربك, فكيف تولي على أمة محمد (ص) من يشرب المسكر وشارب المسكر من الفاسقين, وشارب المسكر من الأشرار, وليس شارب المسكر بأمين على درهم, فكيف على الأمة؟ فعن قليل ترد على عملك حين تطوى صحائف الاستغفار, وذكر باقي الحديث بطوله.
---------------
دعائم الإسلام ج 2 ص 133, بحار الأنوار ج 63 ص 495, مستدرك الوسائل ج 14 ص 17
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية
* احتجاجه × مع مروان
أن مروان بن الحكم قال للحسن بن علي (ع): بين يدي معاوية أسرع الشيب إلى شاربك يا حسن, ويقال إن ذلك من الخرق, فقال (ع): ليس كما بلغك, ولكنا معشر بني هاشم طيبة أفواهنا عذبة شفاهنا, فنساؤنا يقبلن علينا بأنفاسهن, وأنتم معشر بني أمية فيكم بخر شديد, فنساؤكم يصرفن أفواههن وأنفاسهن إلى أصداغكم, فإنما يشيب منكم موضع العذار من أجل ذلك, قال مروان: أما إن فيكم يا بني هاشم خصلة سوء, قال (ع): وما هي؟ قال: الغلمة, قال (ع): أجل نزعت من نسائنا ووضعت في رجالنا, ونزعت الغلمة من رجالكم ووضعت في نسائكم.
--------------
مناقب آل أبي طالب (ع) ج 4 ص 23, تسلية المجالس ج 2 ص 25, بحار الأنوار ج 44 ص 105, رياض الأبرار ج 1 ص 136
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية