عن عبد الرحمن بن الحجاج: أن أبا الحسن موسى (ع) بعث إليه بوصية أبيه (ع) وبصدقته مع أبي إسماعيل مصادف: بسم الله الرحمن الرحيم, هذا ما عهد جعفر بن محمد وهو يشهد أن لا إله إلا الله, وحده لا شريك له, {له الملك وله الحمد يحيي ويميت} بيده الخير {وهو على كل شيء قدير}, وأن محمدا عبده ورسوله, {وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور} على ذلك نحيا وعليه نموت وعليه نبعث حيا إن شاء الله, وعهد إلى ولده ألا يموتوا إلا وهم مسلمون, وأن يتقوا الله ويصلحوا ذات بينهم ما استطاعوا, فإنهم لن يزالوا بخير ما فعلوا ذلك, وإن كان دين يدان به وعهد إن حدث به حدث ولم يغير عهده هذا وهو أولى بتغييره ما أبقاه الله لفلان كذا وكذا, ولفلان كذا وكذا, ولفلان كذا, وفلان حر, وجعل عهده إلى فلان. [1]
عن عنوان البصري وكان شيخا كبيرا قد أتى عليه أربع وتسعون سنة قال: كنت أختلف إلى مالك بن أنس سنين, فلما حضر جعفر الصادق (ع) المدينة اختلفت إليه وأحببت أن آخذ عنه كما أخذت من مالك, فقال لي يوما: إني رجل مطلوب ومع ذلك لي أوراد في كل ساعة من آناء الليل والنهار, فلا تشغلني عن وردي فخذ عن مالك واختلف إليه كما كنت تختلف إليه, فاغتممت من ذلك وخرجت من عنده, وقلت في نفسي: لو تفرس في خيرا لما زجرني عن الاختلاف إليه والأخذ عنه, فدخلت مسجد الرسول وسلمت عليه ثم رجعت من الغد إلى الروضة وصليت فيها ركعتين, وقلت: أسألك يا الله يا الله أن تعطف علي قلب جعفر وترزقني من علمه ما أهتدي به إلى صراطك المستقيم, ورجعت إلى داري مغتما حزينا ولم أختلف إلى مالك بن أنس لما أشرب قلبي من حب جعفر (ع), فما خرجت من داري إلا إلى الصلاة المكتوبة حتى عيل صبري, فلما ضاق صدري تنعلت وترديت وقصدت جعفرا (ع) وكان بعد ما صليت العصر, فلما حضرت باب داره استأذنت عليه فخرج خادم له فقال: ما حاجتك؟ فقلت: السلام على الشريف, فقال: هو قائم في مصلاه, فجلست بحذاء بابه, فما لبثت إلا يسيرا إذ خرج خادم له قال: ادخل على بركة الله, فدخلت وسلمت عليه فرد علي السلام وقال: اجلس غفر الله لك, فجلست فأطرق مليا ثم رفع رأسه وقال: أبو من؟ قلت: أبو عبد الله, قال: ثبت الله كنيتك ووفقك لمرضاته, قلت في نفسي: لو لم يكن لي من زيارته والتسليم عليه غير هذا الدعاء لكان كثيرا, ثم أطرق مليا ثم رفع رأسه فقال: يا أبا عبد الله ما حاجتك؟ قلت: سألت الله أن يعطف قلبك علي ويرزقني من علمك, وأرجو أن الله تعالى أجابني في الشريف ما سألته, فقال: يا أبا عبد الله, ليس العلم بالتعلم إنما هو نور يقع في قلب من يريد الله تبارك وتعالى أن يبديه, فإن أردت العلم فاطلب أولا من نفسك حقيقة العبودية, واطلب العلم باستعماله, واستفهم الله يفهمك, قلت: يا شريف, فقال: قل: يا أبا عبد الله, قلت: يا أبا عبد الله, ما حقيقة العبودية؟ قال: ثلاثة أشياء: أن لا يرى العبد لنفسه فيما خوله الله إليه ملكا, لأن العبيد لا يكون لهم ملك, يرون المال مال الله يضعونه حيث أمرهم الله تعالى به, ولا يدبر العبد لنفسه تدبيرا, وجملة اشتغاله فيما أمره الله تعالى به ونهاه عنه, فإذا لم ير العبد لنفسه فيما خوله الله تعالى ملكا هان عليه الإنفاق فيما أمره الله تعالى أن ينفق فيه, وإذا فوض العبد تدبير نفسه على مدبره هان عليه مصائب الدنيا, وإذا اشتغل العبد بما أمره الله تعالى ونهاه لا يتفرغ منهما إلى المراء والمباهاة مع الناس, فإذا أكرم الله العبد بهذه الثلاث هان عليه الدنيا وإبليس والخلق, ولا يطلب الدنيا تكاثرا وتفاخرا, ولا يطلب عند الناس عزا وعلوا, ولا يدع أيامه باطلا, فهذا أول درجة المتقين قال الله تعالى {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين} قلت: يا أبا عبد الله أوصني, فقال: أوصيك بتسعة أشياء فإنها وصيتي لمريدي الطريق إلى الله عز وجل, والله أسأل أن يوفقك لاستعماله, ثلاثة منها في رياضة النفس, وثلاثة منها في الحلم, وثلاثة منها في العلم, فاحفظها وإياك والتهاون بها, قال عنوان: ففرغت قلبي له, فقال: أما اللواتي في الرياضة: فإياك أن تأكل ما لا تشتهيه فإنه يورث الحماقة والبله, ولا تأكل إلا عند الجوع, وإذا أكلت فكل حلالا وسم الله, واذكر حديث الرسول (ص): "ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه, فإن كان لا بد فثلث لطعامه, وثلث لشرابه, وثلث لنفسه." وأما اللواتي في الحلم: فمن قال لك: "إن قلت واحدة سمعت عشرا" فقل: "إن قلت عشرا لم تسمع واحدة" ومن شتمك فقل: "إن كنت صادقا فيما تقول فالله أسأل أن يغفرها لي, وإن كنت كاذبا فيما تقول فالله أسأل أن يغفرها لك," ومن وعدك بالجفاء فعده بالنصيحة والدعاء. وأما اللواتي في العلم: فاسأل العلماء ما جهلت وإياك أن تسألهم تعنتا وتجربة, وإياك أن تعمل برأيك شيئا وخذ بالاحتياط في جميع ما تجد إليه سبيلا, واهرب من الفتيا هربك من الأسد ولا تجعل رقبتك للناس جسرا, قم عني يا أبا عبد الله فقد نصحت لك ولا تفسد علي وردي فإني امرؤ ضنين بنفسي والسلام. [2]
رسالة الإمام الصادق (ع) إلى جماعة شيعته وأصحابه: أما بعد, فسلوا ربكم العافية, وعليكم بالدعة والوقار والسكينة والحياء والتنزه عما تنزه عنه الصالحون منكم, وعليكم بمجاملة أهل الباطل تحملوا الضيم منهم, وإياكم ومماظتهم[3] دينوا فيما بينكم وبينهم إذا أنتم جالستموهم وخالطتموهم ونازعتموهم الكلام, فإنه لا بد لكم من مجالستهم ومخالطتهم ومنازعتهم بالتقية التي أمركم الله بها, فإذا ابتليتم بذلك منهم فإنهم سيؤذونكم ويعرفون في وجوهكم المنكر, ولو لا أن الله يدفعهم عنكم لسطوا بكم وما في صدورهم من العداوة والبغضاء أكثر مما يبدون لكم, مجالسكم ومجالسهم واحدة, وإن العبد إذا كان الله خلقه في الأصل أصل الخلق مؤمنا لم يمت حتى يكره إليه الشر ويباعده منه, ومن كره الله إليه الشر وباعده منه عافاه الله من الكبر أن يدخله والجبرية, فلانت عريكته وحسن خلقه وطلق وجهه وصار عليه وقار الإسلام وسكينته وتخشعه وورع عن محارم الله واجتنب مساخطه, ورزقه الله مودة الناس ومجاملتهم, وترك مقاطعة الناس والخصومات, ولم يكن منها ولا من أهلها في شيء, وإن العبد إذا كان الله خلقه في الأصل أصل الخلق كافرا لم يمت حتى يحبب إليه الشر ويقربه منه, فإذا حبب إليه الشر وقربه منه ابتلي بالكبر والجبرية, فقسا قلبه وساء خلقه وغلظ وجهه وظهر فحشه وقل حياؤه وكشف الله ستره وركب المحارم فلم ينزع عنها وركب معاصي الله وأبغض طاعته وأهلها, فبعد ما بين حال المؤمن والكافر, فسلوا الله العافية واطلبوها إليه, ولا حول ولا قوة إلا بالله, أكثروا من الدعاء فإن الله يحب من عباده الذين يدعونه وقد وعد عباده المؤمنين الاستجابة, والله مصير دعاء المؤمنين يوم القيامة لهم عملا يزيدهم به في الجنة, وأكثروا ذكر الله ما استطعتم في كل ساعة من ساعات الليل والنهار, فإن الله أمر بكثرة الذكر له والله ذاكر من ذكره من المؤمنين, إن الله لم يذكره أحد من عباده المؤمنين إلا ذكره بخير, وعليكم بالمحافظة {على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين} كما أمر الله به المؤمنين في كتابه من قبلكم, وعليكم بحب المساكين المسلمين فإن من حقرهم وتكبر عليهم فقد زل عن دين الله والله له حاقر ماقت, وقد قال أبونا رسول الله (ص): أمرني ربي بحب المساكين المسلمين منهم, واعلموا أن من حقر أحدا من المسلمين ألقى الله عليه المقت منه والمحقرة حتى يمقته الناس أشد مقتا, فاتقوا الله في إخوانكم المسلمين المساكين فإن لهم عليكم حقا أن تحبوهم فإن الله أمر نبيه (ص) بحبهم, فمن لم يحب من أمر الله بحبه فقد عصى الله ورسوله, ومن عصى الله ورسوله ومات على ذلك مات وهو من الغاوين, إياكم والعظمة والكبر, فإن الكبر رداء الله فمن نازع الله رداءه قصمه الله وأذله يوم القيامة, إياكم أن يبغي بعضكم على بعض فإنها ليست من خصال الصالحين, فإنه من بغى صير الله بغيه على نفسه وصارت نصرة الله لمن بغي عليه, ومن نصره الله غلب وأصاب الظفر من الله, إياكم أن يحسد بعضكم بعضا فإن الكفر أصله الحسد, إياكم أن تعينوا على مسلم مظلوم يدعو الله عليكم ويستجاب له فيكم, فإن أبانا رسول الله (ص) يقول: إن دعوة المسلم المظلوم مستجابة, إياكم أن تشره نفوسكم إلى شيء مما حرم الله عليكم, فإنه من انتهك ما حرم الله عليه هاهنا في الدنيا حال الله بينه وبين الجنة ونعيمها ولذتها وكرامتها القائمة الدائمة لأهل الجنة أبد الآبدين. [4]
عن علقمة قال: قلت لأبي عبد الله (ع) أوصني جعلت فداك, فقال: أوصيك بتقوى الله, والورع والعبادة, وطول السجود, وأداء الأمانة, وصدق الحديث, وحسن الجوار, صلوا عشائركم, وعودوا مرضاكم, واحضروا جنائزهم, كونوا لنا زينا ولا تكونوا علينا شينا, أحبونا إلى الناس ولا تبغضونا إليهم, جروا إلينا كل مودة وادفعوا عنا كل قبيح, ما قيل فينا من خير فنحن أهله وما قيل فينا من شر فو الله ما نحن كذلك, لنا حق في كتاب الله وقرابة من رسول الله (ص) وولادة طيبة, فهكذا قولوا. [5] أنتم والله على المحجة البيضاء, فأعينونا بورع واجتهاد, ما على من عرفه الله بهذا الأمر جناح ألا يعرفه الناس به, إنه من عمل للناس كان ثوابه على الناس, ومن عمل لله كان ثوابه على الله, ولا تجاهد الطلب جهاد المغالب ولا تتكل على المستسلم, فإن ابتغاء الفضل من السنة, والإجمال في الطلب من العفة, وليست العفة بدافعة رزقا ولا الحرص بجالب فضلا, فإن الرزق مقسوم, والأجل موقوف, والحرص يورث الإثم, لا يفقدك الله من حيث أمرك ولا يراك من حيث نهاك, ما أنعم الله على عبد بنعمة فشكرها بقلبه إلا استوجب المزيد قبل أن يظهر شكرها على لسانه, من قصرت يده عن المكافأة فليطل لسانه بالشكر, ومن حق شكر نعمة الله أن يشكر بعد شكره من جرت تلك النعمة على يده. [6]
عن أحمد بن الحسن الميثمي, عن رجل من أصحابه قال: قرأت جوابا من أبي عبد الله (ع) إلى رجل من أصحابه: أما بعد فإني أوصيك بتقوى الله, فإن الله قد ضمن لمن اتقاه أن يحوله عما يكره إلى ما يحب, {ويرزقه من حيث لا يحتسب}, فإياك أن تكون ممن يخاف على العباد من ذنوبهم ويأمن العقوبة من ذنبه, فإن الله عز وجل لا يخدع عن جنته ولا ينال ما عنده إلا بطاعته إن شاء الله.[7]
عن عمار بن مروان الكلبي قال: أوصاني أبو عبد الله (ع) فقال: أوصيك بتقوى الله, وأداء الأمانة, وصدق الحديث, وحسن الصحابة لمن صحبت, ولا حول ولا قوة إلا بالله. [8]
عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (ع) أنه قال [9] لبعض شيعته: عليكم بالورع والاجتهاد، وصدق الحديث وأداء الأمانة والتمسك بما أنتم عليه،[10] فإنما يغتبط أحدكم إذا انتهت نفسه إلى هاهنا، وأومى بيده إلى حلقه. ثم قال: إن تعيشوا تروا ما تقر به أعينكم، وإن متم تقدموا والله على سلف نعم السلف لكم، أما والله، إنكم على دين الله ودين آبائي. أما والله، ما أعني محمد بن علي ولا علي بن الحسين (ع) وحدهما، ولكني أعنيهما وأعني إبراهيم وإسمعيل وإسحاق ويعقوب، وإنه لدين واحد، فاتقوا الله وأعينونا بالورع، فوالله ما تقبل الصلاة ولا الزكوة ولا الحج إلامنكم، ولا يغفر إلالكم. وإنما شيعتنا من اتبعنا ولم يخالفنا، إذا خفنا خاف، وإذا أمنا أمن، أولئك شيعتنا. إن إبليس أتى الناس فأطاعوه، وأتى شيعتنا فعصوه، فأغرى الناس بهم، فلذلك ما يلقون منهم. [11]
عن محمد بن مسلم قال: أتاني رجل من أهل الجبل، فدخلت معه على أبي عبد الله (ع)، فقال له عند الوداع: أوصني, فقال: أوصيك بتقوى الله, وبر أخيك المسلم، وأحب له ما تحب لنفسك واكره له ما تكره لنفسك، وإن سألك فأعطه، وإن كف عنك فاعرض عليه، ولا تمله خيرا فإنه لا يملك، وكن له عضدا فإنه لك عضد، إن وجد عليك فلا تفارقه حتى تسل سخيمته،[12] وإن غاب فاحفظه في غيبته، وإن شهد فاكنفه واعضده ووازره وأكرمه ولاطفه، فإنه منك وأنت منه.[13]
عن يحيى بن العلاء وإسحاق بن عمار جميعا، عن أبي عبد الله (ع), قالا: ما ودعنا قط إلا أوصانا بخصلتين: عليكم بصدق الحديث، وأداء الأمانة إلى البر والفاجر، فإنهما مفتاح الرزق. [14]
عن إسماعيل بن عمار قال: قال لي أبو عبد الله (ع): أوصيك بتقوى الله والورع, وصدق الحديث, وأداء الأمانة, وحسن الجوار, وكثرة السجود, فبذلك أمرنا محمد (ص). [15]
عن حفص بن غياث قال: قال أبو عبد الله (ع): يا حفص, ما منزلة الدنيا من نفسي إلا بمنزلة الميتة إذا اضطررت إليها أكلت منها. يا حفص, إن الله تبارك وتعالى علم ما العباد عاملون وإلى ما هم صائرون, فحلم عنهم عند أعمالهم السيئة لعلمه السابق فيهم, فلا يغرنك حسن الطلب ممن لا يخاف الفوت, ثم تلا قوله: {تلك الدار الآخرة} الآية،[16] وجعل يبكي ويقول: ذهبت والله الأماني عند هذه الآية, ثم قال: فاز والله الأبرار, أتدري من هم؟ هم الذين لا يؤذون الذر, كفى بخشية الله علما, وكفى بالاغترار بالله جهلا. يا حفص, إنه يغفر للجاهل سبعون ذنبا قبل أن يغفر للعالم ذنب واحد، من تعلم وعلم وعمل بما علم دعي في ملكوت السماوات عظيما، فقيل: تعلم لله وعمل لله وعلم لله, قلت: جعلت فداك فما حد الزهد في الدنيا؟ فقال: قد حد الله في كتابه فقال عز وجل {لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم} إن أعلم الناس بالله أخوفهم لله, وأخوفهم له أعلمهم به, وأعلمهم به أزهدهم فيها، فقال له رجل: يا ابن رسول الله أوصني, فقال: اتق الله حيث كنت فإنك لا تستوحش. [17]
عن عنبسة بن بجاد العابد, أن رجلا قال للصادق جعفر بن محمد (ع): أوصني, فقال: أعد جهازك, وقدم زادك لطول سفرك, وكن وصي نفسك, ولا تأمن غيرك أن يبعث إليك بما يصلحك. [18]
أتى رجل إلى أبي عبد الله (ع) فقال: يا ابن رسول الله أوصني, فقال له: لا يفقدك الله حيث أمرك, ولا يراك حيث نهاك, فقال له: زدني, فقال: لا أجد. [19]
عن عبيد الله بن عبد الله، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (ع) أنه قال لأصحابه: اسمعوا مني كلاما هو خير لكم من الدهم الموقفة، لا يتكلم أحدكم بما لا يعنيه، وليدع كثيرا من الكلام فيما يعنيه حتى يجد له موضعا، فرب متكلم في غير موضعه جنى على نفسه بكلامه، ولا يمارين[20] أحدكم سفيها ولا حليما، فإنه من مارى حليما أقصاه، ومن مارى سفيها أرداه، واذكروا أخاكم إذا غاب عنكم بأحسن ما تحبون أن تذكروا به إذا غبتم عنه، واعملوا عمل من يعلم أنه مجازى بالإحسان مأخوذ بالإجرام. [21]
عن فضيل بن عثمان, عن أبي عبد الله (ع), قال: قلت له: أوصني, قال: أوصيك بتقوى الله, وصدق الحديث وأداء الأمانة, وحسن الصحابة لمن صحبك, وإذا كان قبل طلوع الشمس وقبل الغروب فعليك بالدعاء واجتهد, ولا تمتنع بشيء تطلبه من ربك, ولا تقل هذا ما لا أعطاه, وادع فإن الله يفعل ما يشاء. [22]
عن أبي أسامة قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: عليك بتقوى الله والورع والاجتهاد, وصدق الحديث وأداء الأمانة, وحسن الخلق وحسن الجوار, وكونوا دعاة إلى أنفسكم بغير ألسنتكم, وكونوا زينا ولا تكونوا شينا, وعليكم بطول الركوع والسجود, فإن أحدكم إذا أطال الركوع والسجود هتف إبليس من خلفه وقال: يا ويله أطاع وعصيت, وسجد وأبيت. [23]
عن أبي عبد الله (ع), أنه قال له المعروف الكرخي: أوصني يا ابن رسول الله, قال (ع): أقلل معارفك,[24] قال: زدني, قال: أنكر من عرفت منهم, قال: زدني, قال: حسبك. [25]
عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (ع), أن نفرا أتوه من الكوفة من شيعته يسمعون منه ويأخذون عنه, فأقاموا بالمدينة ما أمكنهم المقام وهم يختلفون إليه ويترددون عليه ويسمعون منه ويأخذون عنه, فلما حضرهم الانصراف وودعوه قال له بعضهم: أوصنا يا ابن رسول الله, فقال: أوصيكم بتقوى الله, والعمل بطاعته, واجتناب معاصيه, وأداء الأمانة لمن ائتمنكم, وحسن الصحابة لمن صحبتموه, وأن تكونوا لنا دعاة صامتين, فقالوا: يا ابن رسول الله وكيف ندعو إليكم ونحن صموت؟ قال: تعملون ما أمرناكم به من العمل بطاعة الله, وتتناهون عما نهيناكم عنه من ارتكاب محارم الله, وتعاملون الناس بالصدق والعدل وتؤدون الأمانة, وتأمرون بالمعروف, وتنهون عن المنكر, ولا يطلع الناس منكم إلا على خير, فإذا رأوا ما أنتم عليه قالوا: "هؤلاء الفلانية, رحم الله فلانا ما كان أحسن ما يؤدب أصحابه," وعلموا فضل ما كان عندنا, فسارعوا إليه, أشهد على أبي محمد بن علي (ع) لقد سمعته يقول: كان أولياؤنا وشيعتنا فيما مضى خير من كانوا فيه, إن كان إمام مسجد في الحي كان منهم, وإن كان مؤذن في القبيلة كان منهم, وإن كان صاحب وديعة كان منهم, وإن كان صاحب أمانة كان منهم, وإن كان عالم من الناس يقصدونه لدينهم ومصالح أمورهم كان منهم, فكونوا أنتم كذلك, حببونا إلى الناس ولا تبغضونا إليهم. [26]
عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (ع) أنه قال لبعض شيعته يوصيهم: وخالقوا الناس بأحسن أخلاقهم، صلوا في مساجدهم، وعودوا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم، وإن استطعتم أن تكونوا الأئمة والمؤذنين فافعلوا، فإنكم إذا فعلتم ذلك قال الناس: هؤلاء الفلانية، رحم الله فلانا ما كان أحسن ما يؤدب أصحابه. [27]
عن عبد الله بن سليمان النوفلي, عن أبي عبد الله (ع) في رسالة طويلة الى النجاشي والي الأهواز: إني أوصيك بتقوى الله, وإيثار طاعت,ه والاعتصام بحبله, فإنه من اعتصم بحبل الله {فقد هدي إلى صراط مستقيم} فاتق الله ولا تؤثر أحدا على رضاه وهواه, فإنه وصية الله عز وجل إلى خلقه, لا يقبل منهم غيرها, ولا يعظم سواها, واعلم أن الخلائق لم يوكلوا بشيء أعظم من التقوى فإنه وصيتنا أهل البيت, فإن استطعت من أن لا تنال من الدنيا شيئا تسأل عنه غدا فافعل. [28]
عن أحمد بن عمر الحلبي قال: قال أبو عبد الله (ع) وهو يوصي رجلا فقال له: أقلل من شرب الماء فإنه يمد كل داء, واجتنب الدواء ما احتمل بدنك الداء. [29]
عن أبي عبد الله (ع) أنه أوصى قوما من أصحابه فقال لهم: اجعلوا أمركم هذا لله ولا تجعلوه للناس، فإنه ما كان لله فهو له، وما كان للناس فلا يصعد إلى الله، ولا تخاصموا الناس بدينكم، فإن الخصومة ممرضة للقلب، إن الله قال لنبيه (ص): يا محمد، {إنك لاتهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشآء}، وقال: {أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين}، ذروا الناس، فإن الناس أخذوا من الناس، وإنكم أخذتم من رسول الله (ص) ومن علي (ع) ومنا، سمعت أبي رضوان الله عليه يقول: إذا كتب على عبد دخول هذا الأمر كان أسرع إليه من الطائر إلى وكره.[30] ثم قال (ع): من اتقى منكم وأصلح فهو منا أهل البيت, قيل له: منكم يا ابن رسول الله؟ قال: نعم منا, أما سمعت قول الله عز وجل {ومن يتولهم منكم فإنه منهم }وقول إبراهيم (ع) {فمن تبعني فإنه مني}. [31]
عن عمرو بن سعيد بن هلال قال: قلت لأبي عبد الله (ع): أوصني, قال: أوصيك بتقوى الله والورع والاجتهاد, واعلم أنه لا ينفع اجتهاد لا ورع فيه, وانظر إلى من هو دونك ولا تنظر إلى من هو فوقك, فلكثيرا ما قال الله تعالى لرسوله (ص) {فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم} وقال {ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا}, وإن نازعتك نفسك إلى شيء من ذلك فاعلم أن رسول الله (ص) كان قوته الشعير, وحلواه التمر إذا وجده, ووقوده السعف,[32] وإذا أصبت بمصيبة فاذكر مصابك برسول الله (ص) فإن الناس لن يصابوا بمثله أبدا. [33]
عن عمرو بن سعيد بن هلال قال: قلت لأبي عبد الله (ع): إني لا ألقاك إلا في السنين فأوصني بشيء حتى آخذ به, قال: أوصيك بتقوى الله والورع والاجتهاد, وإياك أن تطمح إلى من فوقك, وكفى بما قال الله عز وجل لرسول الله (ص) {فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم} وقال {ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا} فإن خفت شيئا من ذلك فاذكر عيش رسول الله (ص), فإنما كان قوته من الشعير, وحلواه من التمر, ووقوده من السعف إذا وجده, وإذا أصبت بمصيبة في نفسك أو مالك أو ولدك فاذكر مصابك برسول الله (ص), فإن الخلائق لم يصابوا بمثله قط. [34]
عن سفيان الثوري قال: لقيت الصادق بن الصادق جعفر بن محمد (ع) فقلت له: يا ابن رسول الله أوصني, فقال لي: يا سفيان, لا مروءة لكذوب, ولا أخ لملول,[35] ولا راحة لحسود, ولا سؤدد لسيئ الخلق, فقلت: يا ابن رسول الله زدني, فقال لي: يا سفيان, ثق بالله تكن مؤمنا, وارض بما قسم الله لك تكن غنيا, وأحسن مجاورة من جاورته تكن مسلما, ولا تصحب الفاجر فيعلمك من فجوره, وشاور في أمرك الذين يخشون الله عز وجل, فقلت: يا ابن رسول الله زدني, فقال لي: يا سفيان, من أراد عزا بلا عشيرة, وغنى بلا مال, وهيبة بلا سلطان, فلينقل من ذل معصية الله إلى عز طاعته, فقلت: زدني يا ابن رسول الله, فقال لي: يا سفيان, أمرني والدي (ع) بثلاث ونهاني عن ثلاث, فكان فيما قال لي: يا بني من يصحب صاحب السوء لا يسلم, ومن يدخل مداخل السوء يتهم, ومن لا يملك لسانه يندم, [36] ثم أنشدني فقال (ع):
عود لسانك قول الخير تحظ به ... إن اللسان لما عودت يعتاد
موكل بتقاضي ما سننت له ... في الخير والشر فانظر كيف تعتاد [37]
عن عبد العزيز بن محمد بن الدراوردي قال: دخل سفيان الثوري على أبي عبد الله جعفر بن محمد (ع) وأنا عنده، فقال له جعفر (ع): يا سفيان، إنك رجل مطلوب، وأنا رجل تسرع إلي الألسن، فسل عما بدا لك, فقال: ما أتيتك يا ابن رسول الله إلا لأستفيد منك خيرا. قال: يا سفيان، إني رأيت المعروف لا يتم إلا بثلاث: تعجيله، وستره، وتصغيره، فإنك إذا عجلته هنأته، وإذا سترته أتممته، وإذا صغرته عظم عند من تسديه إليه. يا سفيان، إذا أنعم الله على أحد بنعمة فليحمد الله عز وجل، وإذا استبطأ الرزق فليستغفر الله، وإذا أحزنه أمر قال: لا حول ولا قوة إلا بالله. يا سفيان، ثلاث أيما ثلاث, نعمت الهدية، نعمت العطية الكلمة الصالحة يسمعها المؤمن فينطوي عليها حتى يهديها إلى أخيه المؤمن. وقال (ع): المعروف كاسمه، وليس شيء أعظم من المعروف إلا ثوابه، وليس كل من يحب أن يصنع المعروف يصنعه، ولا كل من يرغب فيه يقدر عليه، ولا كل من يقدر عليه يؤذن له فيه، فإذا اجتمعت الرغبة والقدرة والإذن فهنالك تمت السعادة للطالب والمطلوب إليه. [38]
عن سفيان الثوري: دخلت على أبي عبد الله (ع) فقلت: كيف أصبحت يا ابن رسول الله؟ فقال (ع): والله إني لمحزون وإني لمشتغل القلب, فقلت له: وما أحزنك وما أشغل قلبك؟ فقال (ع) لي: يا ثوري إنه من داخل قلبه صافي خالص دين الله شغله عما سواه. يا ثوري, ما الدنيا وما عسى أن تكون؟ هل الدنيا إلا أكل أكلته؟ أو ثوب لبسته؟ أو مركب ركبته؟ إن المؤمنين لم يطمئنوا في الدنيا ولم يأمنوا قدوم الآخرة, دار الدنيا دار زوال, ودار الآخرة دار قرار, أهل الدنيا أهل غفلة, إن أهل التقوى أخف أهل الدنيا مئونة, وأكثرهم معونة, إن نسيت ذكروك, وإن ذكروك أعلموك, فأنزل الدنيا كمنزل نزلته فارتحلت عنه, أو كمال أصبته في منامك فاستيقظت وليس في يدك شيء منه, فكم من حريص على أمر قد شقي به حين أتاه, وكم من تارك لأمر قد سعد به حين أتاه. [39]
عن الصادق (ع) أنه قال لسفيان الثوري: احفظ عني ثلاثا: إذا صنعت معروفا فعجله فإن تهنئته تعجيله. فإذا فعلته فاستره, فإنه إن ظهر من غيرك كان أعظم لعذرك. فإذا نويته فاقصد به وجه الله دون رياء الناس, فإنك إذا قصدت به وجه الله كان أحسن لذكره في الناس. [40]
عن أبي عبد الله (ع) أنه أوصى بعض شيعته فقال: أما والله إنكم لعلى دين الله ودين ملائكته، فأعينونا على ذلك بورع واجتهاد. أما والله ما يقبل الله إلامنكم, فاتقوا الله وكفوا ألسنتكم، وصلوا في مساجدكم، وعودوا مرضاكم، فإذا تميز الناس فتميزوا. [41] رحم الله امرءا أحيا أمرنا. فقيل: وما إحياء أمركم، يا ابن رسول الله؟ فقال: تذكرونه عند أهل العلم والدين واللب, ثم قال: والله إنكم كلكم لفي الجنة، ولكن ما أقبح بالرجل منكم أن يكون من أهل الجنة مع قوم اجتهدوا وعملوا الأعمال الصالحة، ويكون هو بينهم قد هتك ستره وأبدى عورته. قيل: وإن ذلك لكائن يا ابن رسول الله؟ قال: نعم، من لا يحفظ بطنه ولا فرجه ولا لسانه. [42]
عن أبي عبد الله (ع): أوصيك بحفظ ما بين رجليك وما بين لحييك. [43]
عن سالمة مولاة أبي عبد الله (ع) قالت: كنت عند أبي عبد الله (ع) حين حضرته الوفاة فأغمي عليه فلما أفاق قال: أعطوا الحسن بن علي بن الحسين وهو الأفطس سبعين دينارا, وأعطوا فلانا كذا وكذا, وفلانا كذا وكذا, فقلت: أتعطي رجلا حمل عليك بالشفرة؟ فقال: ويحك, أما تقرءين القرآن؟ قلت: بلى, قال: أما سمعت قول الله عز وجل {الذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب}؟[44]
قال ابن محبوب في حديثه: حمل عليك بالشفرة يريد أن يقتلك, فقال (ع): أتريدين على أن لا أكون من الذين قال الله تبارك وتعالى {الذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب} نعم يا سالمة, إن الله خلق الجنة وطيبها وطيب ريحها, وإن ريحها لتوجد من مسيرة ألفي عام ولا يجد ريحها عاق ولا قاطع رحم. [45]
روى أبو أيوب الخوزي قال: بعث إلي أبو جعفر المنصور في جوف الليل, فدخلت عليه وهو جالس على كرسي وبين يديه شمعة وفي يده كتاب, فلما سلمت عليه رمى الكتاب إلي وهو يبكي وقال: هذا كتاب محمد بن سليمان يخبرنا أن جعفر بن محمد قد مات, ف{إنا لله وإنا إليه راجعون ثلاثا} وأين مثل جعفر؟ ثم قال لي: اكتب, فكتبت صدر الكتاب, ثم قال: اكتب: إن كان قد أوصى إلى رجل بعينه فقدمه واضرب عنقه. قال: فرجع الجواب إليه: أنه قد أوصى إلى خمسة، أحدهم أبو جعفر المنصور، ومحمد بن سليمان, وعبد الله وموسى ابني جعفر (ع), وحميدة. فقال المنصور: ليس إلى قتل هؤلاء سبيل. [46]
عن عمر بن أبان قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: يا معشر الشيعة إنكم قد نسبتم إلينا, كونوا لنا زينا ولا تكونوا شينا, كونوا مثل أصحاب علي (ع) في الناس, إن كان الرجل منهم ليكون في القبيلة فيكون إمامهم, ومؤذنهم, وصاحب أماناتهم, وودائعهم, عودوا مرضاهم, واشهدوا جنائزهم, وصلوا في مساجدهم, ولا يسبقوكم إلى خير, فأنتم والله أحق منهم به.[47] ثم التفت نحوي وكنت أحدث القوم سنا فقال: وأنتم يا معشر الأحداث، إياكم والوسادة،[48] عودوهم حتى يصيروا أذنابا، والله خير لكم منهم. [49]
عن إسماعيل بن مخلد السراج, عن أبي عبد الله (ع), قال: خرجت هذه الرسالة من أبي عبد الله (ع) إلى أصحابه:[50] بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فاسألوا الله ربكم العافية؛ وعليكم بالدعة والوقار والسكينة؛ وعليكم بالحياء والتنزه عما تنزه عنه الصالحون قبلكم؛ وعليكم بمجاملة أهل الباطل، تحملوا الضيم منهم، وإياكم ومماظتهم،[51] دينوا فيما بينكم وبينهم إذا أنتم جالستموهم وخالطتموهم ونازعتموهم الكلام, فإنه لا بد لكم من مجالستهم ومخالطتهم ومنازعتهم الكلام بالتقية التي أمركم الله أن تأخذوا بها فيما بينكم وبينهم, فإذا ابتليتم بذلك منهم فإنهم سيؤذونكم وتعرفون في وجوههم المنكر, ولو لا أن الله تعالى يدفعهم عنكم لسطوابكم[52] وما في صدورهم من العداوة والبغضاء أكثر مما يبدون لكم، مجالسكم ومجالسهم واحدة وأرواحكم وأرواحهم مختلفة لا تأتلف، لا تحبونهم أبدا ولا يحبونكم, غير أن الله تعالى أكرمكم بالحق وبصركموه ولم يجعلهم من أهله, فتجاملونهم وتصيرون عليهم وهم لا مجاملة لهم ولا صبر لهم على شيء من اموركم، تدفعون أنتم السيئة بالتي هي أحسن فيما بينكم وبينهم تلتمسون بذلك وجه ربكم بطاعته وهم لا خير عندهم، لا يحل لكم أن تظهروهم على أصول دين الله فإنه إن سمعوا منكم فيه شيئا عادوكم عليه ورفعوه عليكم وجاهدوا على هلاكهم واستقبلوكم بماتكرهون ولم يكن لكم النصف منهم في دول الفجار، فاعرفوا منزلتكم فيما بينكم وبين أهل الباطل فإنه لا ينبغي لأهل الحق أن ينزلوا أنفسهم منزلة أهل الباطل لأن الله لم يجعل أهل الحق عنده بمنزلة أهل الباطل، ألم تعرفوا وجه قول الله تعالى في كتابه إذ يقول: {أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار} أكرموا أنفسكم عن أهل الباطل فلا تجعلوا الله تعالى وله المثل الأعلى وإمامكم ودينكم الذي تدينون به عرضة لأهل الباطل فتغضبوا الله عليكم فتهلكوا، فمهلا مهلا يا أهل الصلاح, لا تتركوا أمر الله وأمر من أمركم بطاعته فيغير الله ما بكم من نعمه، أحبوا في الله من وصف صفتكم وأبغضوا في الله من خالفكم, وابذلوا مودتكم ونصيحتكم لمن وصف صفتكم ولا تبذلوها لمن رغب عن صفتكم وعاداكم عليها وبغالكم الغوائل،[53] هذا أدبنا أدب الله فخذوا به وتفهموه واعقلوه ولا تنبذوه وراء ظهوركم، ما وافق هداكم أخذتم به وما وافق هواكم اطرحتموه ولم تأخذوا به؛ وإياكم والتجبر على الله, واعلموا أن عبدا لم يبتل بالتجبر على الله إلا تجبر على دين الله, فاستقيموا لله ولا ترتدوا على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين؛ أجارنا الله وإياكم من التجبر على الله، ولا قوة لنا ولا لكم إلا بالله. وقال (ع): إن العبد إذا كان خلقه الله في الأصل أصل الخلقة مؤمنا لم يمت حتى يكره الله إليه الشر ويباعده منه, ومن كره الله إليه الشر وباعده منه عافاه الله من الكبر أن يدخله والجبرية فلانت عريكته, وحسن خلقه, وطلق وجهه, وصار عليه وقار الإسلام وسكينته وتخشعه وورع عن محارم الله, واجتنب مساخطه, ورزقه الله مودة الناس ومجاملتهم, وترك مقاطعة الناس والخصومات, ولم يكن منها ولا من أهلها في شيء؛ وإن العبد إذا كان الله خلقه في الأصل أصل الخلق كافرا لم يمت حتى يحبب إليه الشر ويقر به منه، فإذا حبب إليه الشر وقر به منه ابتلى بالكبر والجبرية, فقسا قلبه, وساء حلقه, وغلظ وجهه, وظهر فحشه, وقل حياؤه, وكشف الله ستره, وركب المحارم فلم ينزع عنها, وركب معاصي الله, وأبغض طاعته وأهلها، فبعد ما بين حال المؤمن وحال الكافر, سلوا الله العافيه واطلبوها إليه ولا حول ولا قوة إلا بالله. صبروا النفس على البلاء في الدنيا فإن تتابع البلاء فيها والشدة في طاعة الله وولايته وولاية من أمر بولايته خير عاقبة عند الله في الآخرة من ملك الدنيا وإن طال تتابع نعيمها وزهرتها وغضارة عيشها في معصية الله وولاية من نهى الله عن ولايته وطاعته, فإن الله أمر بولاية الأئمة الذين سماهم في كتابه في قوله: {وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا} وهم الذين أمر الله بولايتهم وطاعتهم والذين نهى الله عن ولايتهم وطاعتهم وهم أئمة الضلال الذين قضى الله أن يكون لهم دول في الدنيا على أولياء الله الأئمة من آل محمد (ص), يعملون في دولتهم بمعصية الله ومعصية رسوله (ص) ليحق عليهم كلمة العذاب, وليتم أمر الله فيهم الذي خلقهم له في الأصل أصل الخلق من الكفر الذي سبق في علم الله أن يخلقهم له في الأصل ومن الذين سماهم الله في كتابه في قوله: {وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار} فتدبروا هذا واعقلوه ولا تجهلوه فإن من جهل هذا وأشباهه مما افترض الله عليه في كتابه مما أمر به ونهى عنه ترك دين الله وركب معاصيه فاستوجب سخط الله فأكبه الله على وجهه في النار. وقال (ع): أيتها العصابة المرحومة المفلحة, إن الله تعالى أتم لكم ما آتاكم من الخير واعلموا أنه ليس من علم الله ولا من أمره أن يأخذ أحد من خلق الله في دينه بهوى ولا رأي ولا مقائيس، قد أنزل الله القرآن وجعل فيه تبيان كل شيء وجعل للقرآن وتعلم القرآن أهلا لا يسع أهل علم القرآن الذين آتاهم الله علمه أن يأخذوا فيه بهوى ولا رأى ولا مقائيس أغناهم الله عن ذلك بما آتاهم من علمه وخصهم به ووضعه عندهم وكرامة من الله تعالى أكرمهم بها, وهم أهل الذكر الذين أمر الله هذه الامة بسؤالهم, وهم الذين من سألهم وقد سبق في علم الله أن يصدقهم ويتبع أثرهم، أرشدوه وأعطوه من علم القرآن ما يهتدي به إلى الله بإذنه وإلى جميع سبل الحق, وهم الذين لا يرغب عنهم وعن مسألتهم وعن علمهم الذي أكرمهم الله به وجعله عندهم إلا من سبق عليه في علم الله الشقاء في أصل الخلق تحت الأظلة, فأولئك الذين يرغبون عن سؤال أهل الذكر والذين آتاهم الله تعالى علم القرآن ووضعه عندهم وأمر بسؤالهم، فأولئك الذين يأخذون بأهوائهم وآرائهم ومقائيسهم حتى دخلهم الشيطان لأنهم جعلوا أهل الإيمان في علم القرآن عند الله كافرين وجعلوا أهل الضلالة في علم القرآن عند الله مؤمنين, وحتى جعلوا ما أحل الله في كثير من الأمر حراما وجعلوا ما حرم الله في كثير من الأمر حلالا فذلك أصل ثمرة أهوائهم, وقد عهد إليهم رسول الله (ص) قبل موته فقالوا: نحن بعد ما قبض الله رسوله يسعنا أن نأخذ بما اجتمع عليه رأي الناس بعد قبض الله تعالى رسوله وبعد عهد الذي عهده إلينا وأمرنا به، مخالفة لله تعالى ولرسوله (ص) فما أحد أجرء على الله ولا أبين ضلالة ممن أخذ بذلك وزعم أن ذلك يسعه, والله إن لله على خلقه أن يطيعوه ويتبعوا أمره في حياة محمد (ص) وبعد موته، هل يستطيع اولئك أعداء الله أن يزعموا أن أحدا ممن أسلم مع محمد (ص) أخذ بقوله ورأيه ومقائيسه, فإن قال: نعم, فقد كذب على الله وضل ضلالا بعيدا, وإن قال: لا، لم يكن لأحد أن يأخذ برأية وهواه ومقائيسه, فقد أقر بالحجة على نفسه وهو ممن يزعم أن الله يطاع ويتبع أمره بعد قبض الله رسوله (ص), وقد قال الله تعالى وقوله الحق: {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين} وذلك ليعلموا أن الله تعالى يطاع ويتبع أمره في حياة محمد (ص) او بعد قبض الله محمدا (ص), وكما لم يكن لأحد من الناس مع محمد (ص) أن يأخذ بهواه ولا رأيه ولا مقائيسه خلافا لأمر محمد (ص) فكذلك لم يكن لأحد من الناس من بعد محمد (ص) أن يأخذ بهواه ولا رأيه ولا مقائيسه. وقال (ع): دعوا رفع أيديكم في الصلاة إلا مرة واحدة حين تفتتح الصلاة[54] فإن الناس قد شهروكم بذلك والله المستعان ولا حول ولا قوة إلا بالله. وقال (ع): أكثروا من أن تدعوا الله فإن الله يحب من عباده المؤمنين أن يدعوه, وقد وعد عباده المؤمنين بالاستجابة والله مصير دعاء المؤمنين يوم القيامة لهم عملا يزيدهم به في الجنة, فأكثروا ذكر الله ما استطعتم في كل ساعة من ساعات الليل والنهار فإن الله تعالى أمر بكثرة الذكر له, والله ذاكر لمن ذكره من المؤمنين؛ واعلموا أن الله لم يذكره أحد من عباده المؤمنين إلا ذكره بخير, فأعطوا الله من أنفسكم الاجتهاد في طاعته فإن الله لا يدرك شيء من الخير عنده إلا بطاعته واجتناب محارمه التي حرم الله تعالى في ظاهر القرآن وباطنه, فإن الله تعالى قال في كتابه وقوله الحق: {وذروا ظاهر الإثم وباطنه} واعلموا أن ما أمر الله أن تجتنبوه فقد حرمه الله, واتبعوا آثار رسول الله (ص) وسنته فخذوا بها ولا تتبعوا أهواءكم وآراءكم فتضلوا, فإن أضل الناس عند الله من اتبع هواه ورأيه بغير هدى من الله, وأحسنوا إلى أنفسكم ما استطعتم فإن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها؛ وجاملوا الناس ولا تحملوهم على رقابكم تجمعوا مع ذلك طاعة ربكم, وإياكم وسب أعداء الله حيث يسمعونكم فيسبوا الله عدوا بغير علم, وقد ينبغي لكم أن تعلموا حد سبهم لله كيف هو، إنه من سب أولياء الله فقد انتهك سب الله ومن أظلم عند الله ممن استسب لله ولأوليائه، فمهلا مهلا فاتبعوا أمر الله ولا قوة إلا بالله. وقال (ع): أيتها العصابة الحافظ الله لهم أمرهم, عليكم بآثار رسول الله (ص) وسنته, وآثار الأئمة الهداة من أهل بيت رسول الله (ص) من بعده وسنتهم, فإنه من أخذ بذلك فقد اهتدى ومن ترك ذلك ورغب عنه ضل, لأنهم هم الذين أمر الله بطاعتهم وولايتهم, وقد قال أبونا رسول الله (ص): "المداومة على العمل في اتباع الآثار والسنن وإن قل أرضى لله وأنفع عنده في العاقبه من الاجتهاد في البدع واتباع الاهواء," ألا إن اتباع الأهواء واتباع البدع بغير هدى من الله ضلال, وكل ضلال بدعة, وكل بدعة في النار, ولن ينال شيء من الخير عند الله إلا بطاعته والصبر والرضا لأن الصبر والرضا من طاعة الله. واعلموا أنه لن يؤمن عبد من عبيده حتى يرضى عن الله فيما صنع الله إليه وصنع به على ما أحب وكره, ولن يصنع الله بمن صبر ورضي عن الله إلا ما هو أهله وهو خير له مما أحب وكره, وعليكم {بالمحافظة على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين} كما أمر الله به المؤمنين في كتابه من قبلكم وإياكم. وعليكم بحب المساكين المسلمين فإنه من حقرهم وتكبر عليهم فقد زل عن دين الله والله له حاقر وماقت, وقد قال أبونا رسول الله (ص): "أمرني ربي بحب المساكين المسلمين منهم" واعلموا أنه من من حقر أحدا من المسلمين ألقى الله عليه المقت منه والمحقرة حتى يمقته الناس والله له أشد مقتا, فاتقوا الله في إخوانكم المسلمين المساكين منهم فإن لهم عليكم حقا أن تحبوهم, فإن الله أمر نبيه (ص) بحبهم, فمن لم يحب من أمر الله بحبه فقد عصى الله ورسوله, ومن عصى الله ورسوله ومات على ذلك مات وهو من الغاوين. وإياكم والعظمة والكبر, فإن الكبر رداء الله تعالى فمن نازع الله رداءه قصمه الله وأذله يوم القيامة. وإياكم أن يبغي بعضكم على بعض فإنها ليست من خصال الصالحين, فإنه من بغى صير الله بغيه على نفسه وصارت نصرة الله لمن بغي عليه, ومن نصره الله غلب وأصاب الظفر من الله. وإياكم أن يحسد بعضكم بعضا فإن الكفر أصله الحسد. وإياكم أن تعينوا على مسلم مظلوم فيدعو الله عليكم فيستجاب له فيكم, فإن أبانا رسول الله (ص) كان يقول: "إن دعوة المسلم المظلوم مستجابة" وليعن بعضكم بعضا فإن أبانا رسول الله (ص) كان يقول: "إن معونة المسلم خير وأعظم أجرا من صيام شهر واعتكافه في المسجد الحرام". وإياكم وإعسار أحد من إخوانكم المؤمنين أن تعسروه بالشيء يكون لكم قبله وهو معسر, فإن أبانا رسول الله (ص) كان يقول: "ليس لمسلم أن يعسر مسلما, ومن أنظر معسرا أظله الله يوم القيامة بظله يوم لا ظل إلا ظله." وإياكم أيتها العصابة المرحومة المفضلة على من سواها وحبس حقوق الله قبلكم يوما بعد يوم, وساعة بعد ساعة, فإنه من عجل حقوق الله قبله كان الله أقدر على التعجيل له إلى مضاعفة الخير في العاجل والآجل, وإنه من أخر حقوق الله قبله كان الله أقدر على تأخير رزقه, ومن حبس الله رزقه لم يقدر أن يرزق نفسه، فأدوا إلى الله حق ما رزقكم يطيب لكم بقيته وينجز لكم ما وعدكم من مضاعفته لكم الأضعاف الكثيرة التي لا يعلم بعددها ولا بكنه فضلها إلا الله رب العالمين. وقال (ع): اتقوا الله أيتها العصابة, وإن استطعتم أن لا يكون منكم محرج للإمام, وإن محرج الإمام هو الذي يسعى بأهل الصلاح من أتباع الامام، المسلمين لفضله الصابرين على أداء حقه العارفين بحرمته. واعلموا أن من نزل بذلك المنزل عند الإمام فهو محرج للإمام فإذا فعل ذلك عند الإمام أحرج الإمام إلى أن يلعن أهل الصلاح من أتباعه، المسلمين لفضله، الصابرين على أداء حقه، العارفين بحرمته، فإذا لعنهم لإحراج أعداء الله الإمام صارت لعنته رحمة من الله عليهم وصارت اللعنة من الله ومن الملائكة ورسوله على اولئك. واعلموا أيتها العصابة, أن السنة من الله قد جرت في الصالحين قبل. وقال (ع): من سره أن يلقى الله وهو مؤمن حقا حقا فيتول الله ورسوله والذين آمنوا وليبرأ إلى الله من عدوهم, وليسلم لما انتهى إليه من فضلهم, لأن فضلهم لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا من دون ذلك، ألم تسمعوا ما ذكر الله من فضل أتباع الأئمة الهداة وهم المؤمنون قال: {فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا} فهذا وجه من وجوه فضل أتباع الأئمة فكيف بهم وفضلهم, ومن سره أن يتم الله له إيمانه حتى يكون مؤمنا حقا حقا فليف لله بشروطه التي اشترطها على المؤمنين, فإنه قد اشترط مع ولايته وولاية رسوله وولاية أئمة المؤمنين عليهم السلام إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وإقراض الله قرضا حسنا واجتناب الفواحش ما ظهر منها وما بطن, فلم يبق شيء مما فسر مما حرم الله إلا وقد دخل في جملة قوله، فمن دان الله فيما بينه وبين الله مخلصا لله ولم يرخص لنفسه في ترك شيء من هذا فهو عند الله في حزبه الغالبين وهو من المؤمنين حقا. وإياكم والإصرار على شيء مما حرم الله في ظهر القرآن وبطنه, وقد قال الله: {ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون}.[55] يعني المؤمنين قبلكم إذا نسوا شيئا مما اشترط الله في كتابه عرفوا أنهم قد عصوا الله في تركهم ذلك الشيء فاستغفروا ولم يعودوا إلى تركه, فذلك معنى قول الله تعالى: {ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون}. واعلموا أنه إنما أمر ونهى ليطاع فيما أمر به ولينتهى عما نهى عنه، فمن اتبع أمره فقد أطاعه وقد أدرك كل شيء من الخير عنده, ومن لم ينته عما نهى الله عنه فقد عصاه, فإن مات على معصيته أكبه الله على وجه في النار. واعلموا أنه ليس بين الله وبين أحد من خلقه ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا من دون ذلك من خلقه كلهم إلا طاعتهم له، فجدوا في طاعة الله إن سركم أن تكونوا مؤمنين حقا حقا, ولا قوة إلا بالله. وقال (ع): عليكم بطاعة ربكم ما استطعتم فإن الله ربكم, واعلموا أن الإسلام هو التسليم والتسليم هو الإسلام, فمن سلم فقد أسلم ومن لم يسلم فلا إسلام له, ومن سره أن يبلغ إلى نفسه في الإحسان فليطع الله فإنه من أطاع الله فقد أبلغ إلى نفسه في الإحسان. وإياكم ومعاصي الله أن تركبوها, فإنه من انتهك معاصي الله فركبها فقد أبلغ في الإساءة إلى نفسه, وليس بين الإحسان والإساءة منزلة, فلأهل الإحسان عند ربهم الجنة ولإهل الإساءة عند ربهم النار، فاعملوا بطاعة الله واجتنبوا معاصيه, واعلموا أنه ليس يغني عنكم من الله أحد من خلقه شيئا, لا ملك مقرب, ولا نبي مرسل, ولا من دون ذلك, فمن سره أن تنفعه شفاعة الشافعين عند الله فليطلب إلى الله أن يرضى عنه. واعلموا أن أحدا من خلق الله لم يصب رضا الله إلا بطاعته وطاعة رسوله وطاعة ولاة أمره من آل محمد صلى الله عليهم, ومعصيتهم من معصية الله, ولم ينكر لهم فضلا عظم ولا صغر. واعلموا أن المنكرين هم المكذبون, وأن المكذبين هم المنافقون, وأن الله تعالى قال للمنافقين وقوله الحق: {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا} ولا يفرقن أحد منكم ألزم الله قلبه طاعته وخشيته من أحد من الناس أخرجه الله من صفة الحق ولم يجعله من أهلها، فإن من لم يجعله الله من أهل صفة الحق فاولئك هم شياطين الإنس والجن. فإن لشياطين الإنس حيلا ومكرا وخدائع ووسوسة بعضهم إلى بعض يريدون إن استطاعوا أن يردوا أهل الحق عما أكرمهم الله به من النظر في دين الله الذي لم يجعل الله شياطين الإنس من أهله إرادة أن يستوي أعداء الله وأهل الحق في الشك والإنكار والتكذيب فيكونون سواءا كما وصف الله في كتابه من قوله سبحانه: {ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء} ثم نهى الله أهل النصر بالحق أن يتخذوا من أعداء الله وليا ولا نصيرا, فلا يهولنكم ولا يردنكم عن النصر بالحق الذي خصكم الله به من حيلة شياطين الإنس ومكرهم وحيلهم ووساوس بعضهم إلى بعض, فإن أعداء الله إن استطاعوا صدوكم عن الحق فيعصمكم الله من ذلك, فاتقوا الله وكفوا ألسنتكم إلا من خير. وإياكم أن تذلقوا ألسنتكم بقول الزور والبهتان والإثم والعدوان, فإنكم إن كففتم ألسنتكم عما يكره الله مما نهاكم عنه كان خيرا لكم عند ربكم من أن تذلقوا ألسنتكم به, فإن ذلق اللسان فيما يكره الله وفيما ينهى عنه لدناءة للعبد عند الله ومقت من الله, وصمم وعمى وبكم يورثه الله إياه يوم القيامة فيصيروا كما قال الله: {صم بكم عمي فهم لا يرجعون} (يعني لا ينطقون) ولا يؤذن لهم فيعتذرون}. وإياكم وما نهاكم الله عنه أن تركبوه, وعليكم بالصمت إلا فيما ينفعكم الله به في أمر آخرتكم ويؤجركم عليه. وأكثروا من التهليل والتقديس والتسبيح والثناء على الله والتضرع إليه والرغبة فيما عنده من الخير الذي لا يقدر قدره ولا يبلغ كنهه أحد, فاشغلوا ألسنتكم بذلك عما نهى الله عنه من أقاويل الباطل التي تعقب أهلها خلودا في النار لمن مات عليها ولم يتب إلى الله منها ولم ينزع عليها. وعليكم بالدعاء فإن المسلمين لم يدركوا نجاح الحوائج عند ربهم بأفضل من الدعاء, والرغبة إليه, والتضرع إلى الله, والمسألة له, فارغبوا فيما رغبكم الله فيه وأجيبوا الله إلى ما دعاكم إليه لتفلحوا وتنجوا من عذاب الله. وإياكم أن تشره أنفسكم إلى شيء مما حرم الله عليكم, فإنه من انتهك ما حرم الله عليه ههنا في الدنيا حال الله بينه وبين الجنة ونعيمها ولذتها وكرامتها القائمة الدائمة لأهل الجنة أبدا الآبدين. واعلموا أنه بئس الحظ الخطر لمن خاطر بترك طاعة الله وركوب معصيته فاختار أن ينتهك محارم الله في لذات دنيا منقطعة زائلة عن أهلها على خلود نعيم في الجنه ولذاتها وكرامة أهلها, ويل لأولئك ما أخيب حظهم وأخسر كرتهم وأسوء حالهم عند ربهم يوم القيامة, استجيروا الله أن يجريكم في مثالهم أبدا وأن يبتليكم بما ابتلاهم به ولا قوة لنا ولكم إلا به. فاتقوا الله أيتها العصابة الناجية, إن أتم الله لكم ما أعطاكم فإنه لا يتم الأمر حتى يدخل عليكم مثل الذي دخل على الصالحين قبلكم, وحتى تبتلوا في أنفسكم وأموالكم, وحتى تسمعوا من أعداء الله أذى كثيرا, فتصبروا وتعركوا بجنوبكم, وحتى تستذلوكم أو يبغضوكم, وحتى يحملوا عليكم الضيم فتحتملوه منهم تلتمسون بذلك وجه الله والدار الآخرة, وحتى تكظموا الغيظ الشديد في الأذى في الله يجترمونه إليكم, وحتى يكذبوكم بالحق ويعادوكم فيه ويبغضوكم عليه فتصبروا على ذلك منهم, ومصداق ذلك كله في كتاب الله الذي أنزله جبرئيل على نبيكم (ص), سمعتم قول الله تعالى لنبيكم (ص): {فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تستعجل لهم} ثم قال (ع): {وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا} فقد كذب نبي الله والرسل من قبله واوذوا مع التكذيب بالحق، فإن سركم أن تكونوا مع نبي الله محمد (ص) والرسل من قبله فتدبروا ما قص الله عليكم في كتابه مما ابتلى به أنبياءه وأتباعهم المؤمنين, ثم سلوا الله أن يعطيكم الصبر على البلاء في السراء والضراء والشدة والرخاء مثل الذي أعطاهم. وإياكم ومماظة أهل الباطل, وعليكم بهدي الصالحين ووقارهم وسكينتهم وحلمهم وتخشعهم وورعهم عن محارم الله وصدقهم ووفائهم واجتهادهم لله في العمل بطاعته, فإنكم إن لم تفعلوا ذلك لم تنزلوا عند ربكم منزلة الصالحين قبلكم؛ واعلموا أن الله تعالى إذا أراد بعبد خيرا شرح صدره للإسلام، فإذا أعطاه ذلك نطق لسانه بالحق وعقد قلبه عليه فعمل به, فإذا جمع الله له ذلك تم إسلامه وكان عند الله إن مات على ذلك الحال من المسلمين حقا, وإذا لم يرد الله بعبد خيرا وكله إلى نفسه وكان صدره ضيقا حرجا, فإن جرى على لسانه حق لم يعقد قلبه عليه, وإذا لم يعقد قلبه عليه لم يعط الله العمل به، فإذا اجتمع ذلك عليه حتى يموت وهو على تلك الحال كان عند الله من المنافقين, وصار ما جرى على لسانه من الحق الذي لم يعطه الله أن يعقد قلبه عليه ولم يعطه العمل به حجة عليه. فاتقوا الله وسلوه أن يشرح صدوركم للإسلام, وأن يجعل ألسنتكم تنطق بالحق حتى يتوفاكم وأنتم على ذلك, وأن يجعل منقلبكم منقلب الصالحين قبلكم, ولا قوة إلا بالله والحمد لله رب العالمين. ومن سره أن يعلم أن الله عز وجل يحبه فليعمل بطاعة الله وليتبعنا, ألم يسمع قول الله تعالى لنبيه (ص): {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم} والله لا يطيع الله عبد أبدا إلا أدخل الله عليه في طاعته اتباعنا, ولا والله لا يتبعنا عبد أبدا إلا أحبه الله, ولا والله لا يدع اتباعنا أحد أبدا إلا أبغضنا, ولا والله لا يبغضنا أحد أبدا إلا عصى الله, ومن مات عاصيا لله أخزاه الله وأكبه على وجهه في النار, والحمد لله رب العالمين. [56]
[1] الكافي ج 7 ص 53, الوافي ج 10 ص 570
[2] مشكاة الأنوار ص 325, بحار الأنوار ج 1 ص 224
[3] المماظة: شدة المنازعة والمخاصمة مع طول اللزوم
[4] تحف العقول ص 313, بحار الأنوار ج 75 ص 293
[5] الى هنا في السرائر ولحكايات في مخالفات المعتزلة
[6] بشارة المصطفى ص 222, السرائر ج 3 ص 650, الحكايات في مخالفات المعتزلة ص 93
[7] الكافي ج 8 ص 49, مجموعة ورام ج 2 ص 46, عدة الداعي ص 306, أعلام الدين ص 222, الوافي ج 4 ص 305, بحار الأنوار ج 75 ص 224, تفسير نور الثقلين ج 5 ص 355, تفسير كنز الدقائق ج 13 ص 304
[8] المحاسن ج 2 ص 358, الكافي ج 2 ص 669, الفقيه ج 2 ص 274, الوافي ج 5 ص 529, بحار الأنوار ج 71 ص 160, مكارم الأخلاق ص 250
[9] في مستدرك الوسائل: "أنه كان يوصي شيعته" بدل "أنه قال لبعض شيعت"
[10] الى هنا في مستدرك الوسائل
[11] دعائم الإسلام ج 1 ص 66, مستدرك الوسائل ج 8 ص 312
[12] السخيمة: الضغينة في النفس
[13] الأمالي للطوسي ص 97, وسائل الشيعة ج 12 ص 211, بحار الأنوار ج 71 ص 225
[14] الأمالي للطوسي ص 676, بحار الأنوار ج 100 ص 92,
[15] مشكاة الأنوار ص 66, بحار الأنوار ج 82 ص 166, مستدرك الوسائل ج 4 ص 474
[16] تمام الآية من سورة القصص أية 83 {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين}
[17] تفسير القمي ج 2 ص 146, البرهان ج 4 ص 289, بحار الأنوار ج 75 ص 193
[18] الأمالي للصدوق ص 281, روضة الواعظين ج 2 ص 488, مجموعة ورام ج 2 ص 166. نحوه: الكافي ج 7 ص 65, التهذيب ج 9 ص 237, السرائر ج 3 ص 639, مشكاة لأنوار ص 72, الوافي ج 24 ص 179, وسائل الشيعة ج 9 ص 405, هداية الأمة ج 4 ص 117, بحار الأنوار ج 75 ص 270
[19] السرائر ج 3 ص 650, الحكايات في مخالفات ص 95, وسائل الشيعة ج 15 ص 239
[20] المجادلة
[21] الأمالي للطوسي ص 224, نوادر الأخبار ص 39, وسائل الشيعة ج 12 ص 194, بحار الأنوار ج 2 ص 130
[22] كتاب الزهد ص 19, وسائل الشيعة ج 7 ص 34, بحار الأنوار ج 75 ص 227
[23] الكافي ج 2 ص 77, المحاسن ج 1 ص 18, الوافي ج 4 ص 308, وسائل الشيعة ج 15 ص 245, بحار الأنوار ج 67 ص 299
[24] الظاهر والله العالم المقصود المعارف السوء كالنواصب وغيرهم
[25] النحصين ص 11, مستدرك الوسائل ج 11 ص 387
[26] دعائم الإسلام ج 1 ص 56, مستدرك الوسائل ج 8 ص 310
[27] دعائم الإسلام ج 1 ص 66, مستدرك الوسائل ج 8 ص 312
[28] كشف الربية ص 95, وسائل الشيعة ج 17 ص 212, بحار الأنوار ج 72 ص 365
[29] الكافي ج 6 ص 382, المحاسن ج 2 ص 571, الوافي ج 20 ص 560, وسائل الشيعة ج 25 ص 238, الفصول المهمة ج 3 ص 140, هداية الأمة ج 8 ص 209, بحار الأنوار ج 63 ص 455
[30] الى هنا في الكافي وتفسير العياشي وشرح الأخبار ووسائل الشيعة والبرهان وبحار الأنوار
[31] الكافي ج 2 ص 214, دعائم الإسلام ج 1 ص 62, تفسير العياشي ج 2 ص 137, شرح الأخبار ج 3 ص 476, وسائل الشيعة ج 16 ص 190, البرهان ج 3 ص 66, بحار الأنوار ج 65 ص 209
[32] السعف: جريد النخل وغصنه
[33] الأمالي للمفيد ص 194, الأمالي للطوسي ص 681, مجموعة ورام ج 2 ص 83, حلية الأبرار ج 1 ص 217, بحار الأنوار ج 66 ص 398
[34] كتاب الزهد ص 12, الكافي ج 8 ص 168, الوافي ج 26 ص 267, حلية الأبرار ج 1 ص 223, بحار الأنوار ج 75 ص 227
[35] جمع ملل: سريع الضجر والضيق, وفي بعض النسخ لملوك
[36] وزاد حنا في تحف العقول: قلت يا ابن بنت رسول الله فما الثلاث اللواتي نهاك عنهن؟ قال (ع): نهاني أن أصاحب حاسد نعمة, وشامتا بمصيبة, أو حامل نميمة.
[37] الخصال ج 1 ص 169, بحار الأنوار ج 75 ص 192
[38] الأمالي للطوسي ص 479, حلية الأبرار ج 4 ص 47, بحار الأنوار ج 75 ص 197
[39] تحف العقول ص 377, بحار الأنوار ج 75 ص 262
[40] مستدرك الوسائل ج 12 ص 361 عن كتاب الأخلاق مخطوط
[41] الى هنا في مستدرك الوسائل
[42] دعائم الإسلام ج 1 ص 62, مستدرك الوسائل ج 8 ص 311
[43] مشكاة الأنوار ص 60, بحار الأنوار ج 68 ص 274, العوالم ج 20 ص 747, كتاب الزهد ص 8 عن رسول الله (ص)
[44] الى هنا في الفقيه والتهذيب وتفسير العياشي وفقه القرآن ومشكاة الأنوار والبرهان ومناقب آل أبي طالب
[45] الكافي ج 7 ص 55, الفقيه ج 4 ص 231, التهذيب ج 9 ص 246, الوافي ج 10 ص 569, وسائل الشيعة ج 19 ص 417, تفسير نور الثقلين ج 2 ص 494, تفسير كنز الدقائق ج 6 ص 436, تفسير العياشي ج 2 ص 209, فقه القرآن ج 2 ص 320, مشكاة الأنوار ص 166, البرهان ج 3 ص 248, مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 273 باختصار, فقط حديث ابن محبوب: غيبة الطوسي ص 196, بحار الأنوار ج 46 ص 182, مستدرك الوسائل ج 14 ص 138
[46] الغيبة للطوسي ص 197, إعلام الورى ص 298, مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 320, بحار الأنوار ج 47 ص 3, رياض الأبرار ج 2 ص 127
[47] الى هنا في بحار الأنوار
[48] الرؤساء
[49] مشكاة الأنوار ص 67, بحار الأنوار ج 85 ص 119
[50] العلامة المجلسي في مرآة العقول ج 25 شرح ص 7:"اعلم أنه يظهر من بعض النسخ المصححة أنه قد اختل نظم هذا الحديث وترتيبه بسبب تقديم بعض الورقات وتأخير بعضها." ونقل الفيض الكاشاني في الوافي الرسالة المصححة الذي اشار إليها العلامة المجلسي, فلذلك نقلناها عن الوافي.
[51] المماظة: شدة المنازعة والمخاصمة مع طول اللزوم
[52] السطو: القهر بالبطش.
[53] أي طلب لكم البلايا والمهالك.
[54] أمر الشيعة بالتقية في رفع الأيدي في الصلاة لانه كان من علامات الشيعة
[55] إلى ههنا رواية القاسم بن الربيع
[56] النسخة المصححة: الكافي ج 8 ص 397 في الملحق من نسخة دار الكتب الإسلامية, الوافي ج 26 ص 97. النسخة الغير مصححة: بحار الأنوار ج 75 ص 210, العوالم ج 20 ص 856