قصة الصحيفة السجادية

عن متوكل بن هارون قال: لقيت يحيى بن زيد بن علي (ع) وهو متوجه إلى خراسان بعد قتل أبيه فسلمت عليه فقال لي: من أين أقبلت قلت: من الحج فسألني عن أهله وبني عمه بالمدينة وأحفى السؤال عن جعفر بن محمد (ع) فأخبرته بخبره وخبرهم وحزنهم على أبيه زيد بن علي (ع) فقال لي: قد كان عمي محمد بن علي (ع) أشار على أبي بترك الخروج وعرفه إن هو خرج وفارق المدينة ما يكون إليه مصير أمره فهل لقيت ابن عمي جعفر بن محمد (ع) قلت: نعم.

 قال: فهل سمعته يذكر شيئا من أمري قلت: نعم. قال: بم ذكرني خبرني، قلت: جعلت فداك ما أحب أن أستقبلك بما سمعته منه. فقال: أبالموت تخوفني! هات ما سمعته، فقلت: سمعته يقول: إنك تقتل وتصلب كما قتل أبوك وصلب فتغير وجهه وقال: يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب‏، يا متوكل إن الله عز وجل أيد هذا الأمر بنا وجعل لنا العلم والسيف فجمعا لنا وخص بنو عمنا بالعلم وحده. فقلت: جعلت فداءك إني رأيت الناس إلى ابن عمك جعفر (ع) أميل منهم إليك وإلى أبيك فقال: إن عمي محمد بن علي وابنه جعفرا- عليهما السلام- دعوا الناس إلى الحياة ونحن دعوناهم إلى الموت فقلت: يا ابن رسول الله أهم أعلم أم أنتم فأطرق إلى الأرض مليا ثم رفع رأسه وقال: كلنا له علم غير أنهم يعلمون كل ما نعلم، ولا نعلم كل ما يعلمون ثم قال لي: أكتبت من ابن عمي شيئا قلت: نعم‏ قال: أرنيه فأخرجت إليه وجوها من العلم وأخرجت له دعاء أملاه علي أبو عبد الله (ع) وحدثني أن أباه محمد بن علي ‘ أملاه عليه وأخبره أنه من دعاء أبيه علي بن الحسين- عليهما السلام- من دعاء الصحيفة الكاملة فنظر فيه يحيى حتى أتى على آخره، وقال لي: أتأذن في نسخه فقلت: يا ابن رسول الله أتستأذن فيما هو عنكم! فقال: أما لأخرجن إليك صحيفة من الدعاء الكامل مما حفظه أبي عن أبيه وإن أبي أوصاني بصونها ومنعها غير أهلها. قال عمير:قال أبي: فقمت إليه فقبلت رأسه، وقلت له: والله يا ابن رسول الله إني لأدين الله بحبكم وطاعتكم، وإني لأرجو أن يسعدني في حياتي ومماتي بولايتكم فرمى صحيفتي التي دفعتها إليه إلى غلام كان معه وقال: اكتب هذا الدعاء بخط بين حسن واعرض ه علي لعلي أحفظه فإني كنت أطلبه من جعفر فيمنعنيه. قال متوكل فندمت على ما فعلت ولم أدر ما أصنع، ولم يكن أبو عبد الله (ع) تقدم إلي ألا أدفعه إلى أحد.

 ثم دعا بعيبة فاستخرج منها صحيفة مقفلة مختومة فنظر إلى الخاتم وقبله وبكى، ثم فضه وفتح القفل، ثم نشر الصحيفة ووضعها على عينه وأمرها على وجهه. وقال: والله يا متوكل لو لا ما ذكرت من قول ابن عمي إنني أقتل وأصلب لما دفعتها إليك ولكنت بها ضنينا. ولكني أعلم أن قوله حق أخذه عن آبائه وأنه سيصح فخفت أن يقع مثل هذا العلم إلى بني أمية فيكتموه ويدخروه في خزائنهم لأنفسهم.

 فاقبضها واكفنيها وتربص بها فإذا قضى الله من أمري وأمر هؤلاء القوم ما هو قاض فهي أمانة لي عندك حتى توصلها إلى ابني عمي: محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي ‘ فإنهما القائمان في هذا الأمر بعدي. قال المتوكل: فقبضت الصحيفة فلما قتل يحيى بن زيد صرت إلى المدينة فلقيت أبا عبد الله (ع) فحدثته الحديث عن يحيى، فبكى واشتد وجده به. وقال: رحم الله ابن عمي وألحقه بآبائه وأجداده.

والله يا متوكل ما منعني من دفع الدعاء إليه إلا الذي خافه على صحيفة أبيه، وأين الصحيفة فقلت ها هي، ففتحها وقال: هذا والله خط عمي زيد ودعاء جدي علي بن الحسين- عليهما السلام- ثم قال لابنه: قم يا إسماعيل فأتني بالدعاء الذي أمرتك بحفظه وصونه، فقام إسماعيل فأخرج صحيفة كأنها الصحيفة التي دفعها إلي يحيى بن زيد فقبلها أبو عبد الله ووضعها على عينه وقال: هذا خط أبي وإملاء جدي- عليهما السلام- بمشهد مني. فقلت يا ابن رسول الله: إن رأيت أن أعرضها مع صحيفة زيد ويحيى فأذن لي في ذلك وقال: قد رأيتك لذلك أهلا فنظرت وإذا هما أمر واحد ولم أجد حرفا منها يخالف ما في الصحيفة الأخرى ثم استأذنت أبا عبد الله (ع) في دفع الصحيفة إلى ابني عبد الله بن الحسن، فقال: إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، نعم فادفعها إليهما. فلما نهضت للقائهما قال لي: مكانك. ثم وجه إلى محمد وإبراهيم فجاءا فقال: هذا ميراث ابن عمكما يحيى من أبيه قد خصكم به دون إخوته ونحن مشترطون عليكما فيه شرطا.

فقالا: رحمك الله قل فقولك المقبول فقال: لا تخرجا بهذه الصحيفة من المدينة قالا: ولم ذاك قال: إن ابن عمكما خاف عليها أمرا أخافه أنا عليكما. قالا: إنما خاف عليها حين علم أنه يقتل. فقال أبو عبد الله (ع) : وأنتما فلا تأمنا فوالله إني لأعلم أنكما ستخرجان كما خرج، وستقتلان كما قتل. فقاما وهما يقولان: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. فلما خرجا قال لي أبو عبد الله (ع) : يا متوكل كيف قال لك يحيى إن عمي محمد بن علي وابنه جعفرا دعوا الناس إلى الحياة ودعوناهم إلى الموت قلت: نعم أصلحك الله قد قال لي ابن عمك يحيى: ذلك فقال: يرحم الله يحيى، إن أبي حدثني عن أبيه عن جده عن علي (ع) : أن رسول الله (ص) أخذته نعسة وهو على منبره.

فرأى في منامه رجالا ينزون على منبره نزو القردة يردون الناس على أعقابهم القهقرى فاستوى رسول الله (ص) جالسا والحزن يعرف في وجهه. فأتاه جبريل (ع) بهذه الآية: {و ما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا} يعني بني أمية. قال: يا جبريل أعلى عهدي يكونون وفي زمني قال: لا، ولكن تدور رحى الإسلام من مهاجرك فتلبث بذلك عشرا، ثم تدور رحى الإسلام على رأس خمسة وثلاثين من مهاجرك فتلبث بذلك خمسا، ثم لا بد من رحى ضلالة هي قائمة على قطبها، ثم ملك الفراعنة قال: وأنزل الله تعالى في ذلك: {إنا أنزلناه في ليلة القدر، وما أدراك ما ليلة القدر، ليلة القدر خير من ألف شهر} تملكها بنو أمية ليس فيها ليلة القدر. قال: فأطلع الله عز وجل نبيه (ع) أن بني أمية تملك سلطان هذه الأمة وملكها طول هذه المدة فلو طاولتهم الجبال لطالوا عليها حتى يأذن الله تعالى بزوال ملكهم، وهم في ذلك يستشعرون عداوتنا أهل البيت وبغضنا. أخبر الله نبيه بما يلقى أهل بيت محمد وأهل مودتهم وشيعتهم منهم في أيامهم وملكهم. قال:

وأنزل الله تعالى فيهم: {ألم تر إلى الذين بدلوا نعمت الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار جهنم يصلونها وبئس القرار}.

 ونعمة الله محمد وأهل بيته، حبهم إيمان يدخل الجنة، وبغضهم كفر ونفاق يدخل النار فأسر رسول الله (ص) ذلك إلى علي وأهل بيته. قال: ثم قال أبو عبد الله (ع): ما خرج ولا يخرج منا أهل البيت إلى قيام قائمنا أحد ليدفع ظلما أو ينعش حقا إلا اصطلمته البلية، وكان قيامه زيادة في مكروهنا وشيعتنا. قال المتوكل بن هارون: ثم أملى علي أبو عبد الله (ع) الأدعية وهي خمسة وسبعون بابا، سقط عني منها أحد عشر بابا، وحفظت منها نيفا وستين بابا.

------------

 

الصحيفة السجادية ص 12, مدينة المعاجز ج 6 ص 133

 

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية