[1] فقال: يا بني, اشكر الله فيما أنعم عليك، وأنعم على من شكرك، فإنه لا زوال للنعمة إذا شكرت عليها، ولا بقاء لها إذا كفرتها، والشاكر بشكره أسعد منه بالنعمة التي وجب عليه الشكر بها، وتلا, يعني علي بن الحسين (ع), قول الله تعالى: {وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم} إلى آخر الآية. [2]
عن أبي حمزة الثمالي, عن علي بن الحسين زين العابدين (ع) أنه قال يوما لأصحابه: إخواني أوصيكم بدار الآخرة ولا أوصيكم بدار الدنيا فإنكم عليها حريصون وبها متمسكون, أما بلغكم ما قال عيسى ابن مريم (ع) للحواريين؟ قال لهم: الدنيا قنطرة, فاعبروها ولا تعمروها, وقال: أيكم يبني على موج البحر دارا؟ تلكم الدار الدنيا, فلا تتخذوها قرارا. [3]
عن طاوس اليماني, عن علي بن الحسين زين العابدين (ع) في حديث أنه قال: معاشر أصحابي, أوصيكم بالآخرة ولست أوصيكم بالدنيا فإنكم بها مستوصون وعليها حريصون وبها مستمسكون. معاشر أصحابي, إن الدنيا دار ممر والآخرة دار مقر فخذوا من ممركم لمقركم, ولا تهتكوا أستاركم عند من لا يخفى عليه أسراركم, وأخرجوا من الدنيا قلوبكم قبل أن تخرج منها أبدانكم, أما رأيتم وسمعتم ما استدرج به من كان قبلكم من الأمم السالفة والقرون الماضية؟ ألم تروا كيف فضح مستورهم, وأمطر مواطر الهوان عليهم بتبديل سرورهم بعد خفض عيشهم ولين رفاهيتهم؟ صاروا حصائد النقم, ومدارج المثلات, أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. [4]
عن الإمام العسكري (ع): قال الإمام محمد بن علي الباقر (ع): دخل محمد بن مسلم بن شهاب الزهري على علي بن الحسين (ع) وهو كئيب حزين، فقال له: ما لك مغموما؟ قال: يا ابن رسول الله هموم وغموم تتوالى علي لما امتحنت به من جهة حساد نعمي، والطامعين في، وممن أرجوه، وممن أحسنت إليه فيختلف ظني, فقال له علي بن الحسين (ع): أحفظ عليك لسانك تملك به إخوانك, فقال الزهري: يا ابن رسول الله إني أحسن إليهم بما يبدر من كلامي, فقال (ع): هيهات هيهات، إياك أن تعجب من نفسك بذلك، وإياك أن تتكلم بما يسبق إلى القلوب إنكاره وإن كان عندك اعتذاره، فليس كل ما تسمعه شرا يمكنك أن توسعه عذرا. ثم قال: يا زهري من لم يكن عقله من أكمل ما فيه كان هلاكه من أيسر ما فيه، يا زهري أما عليك أن تجعل المسلمين منك بمنزلة أهل بيتك، فتجعل كبيرهم بمنزلة والدك، وتجعل صغيرهم بمنزلة ولدك، وتجعل تربك منهم بمنزلة أخيك فأي هؤلاء تحب أن تظلم؟ وأي هؤلاء تحب أن تدعو عليه؟ وأي هؤلاء تحب أن تنتهك ستره؟ وإن عرض لك إبليس لعنه الله فضلا على أحد من أهل القبلة، فانظر إن كان أكبر منك فقل: قد سبقني بالإيمان والعمل الصالح فهو خير مني، وإن كان أصغر منك فقل: قد سبقته بالمعاصي والذنوب فهو خير مني، وإن كان تربك فقل: أنا على يقين من ذنبي ومن شك من أمره، فما لي أدع يقيني لشكي، وإن رأيت المسلمين يعظمونك ويوقرونك ويبجلونك فقل: هذا فضل اخذوا به، وإن رأيت منهم جفاء وانقباضا فقل: هذا لذنب أحدثته، فإنك إن فعلت ذلك سهل الله عليك عيشك، وكثر أصدقاؤك، وقل أعداؤك، وفرحت بما يكون من برهم، ولم تأسف على ما يكون من جفائهم. وأعلم أن أكرم الناس على الناس من كان خيره عليهم فائضا، وكان عنهم مستغنيا متعففا، وأكرم الناس بعده عليهم من كان مستعففا وإن كان إليهم محتاجا، فإنما أهل الدنيا يتعقبون الأموال، فمن لم يزدحمهم فيما يتعقبونه كرم عليهم، ومن لم يزاحمهم فيها ومكنهم من بعضها كان أعز وأكرم. [5]
عن عثمان بن عثمان بن خالد, عن أبيه قال: مرض علي بن الحسين (ع) مرضه الذي توفي فيه, فجمع أولاده محمدا والحسن وعبد الله وعمر وزيدا والحسين, وأوصى إلى ابنه محمد (ع) وكناه بالباقر وجعل أمرهم إليه, وكان فيما وعظه في وصيته أن قال: يا بني إن العقل رائد الروح, والعلم رائد العقل, والعقل ترجمان العلم, واعلم أن العلم أتقى واللسان أكثر هذرا, واعلم يا بني أن صلاح شأن الدنيا بحذافيرها في كلمتين إصلاح شأن المعاش ملء مكيال: ثلثاه فطنة وثلثه تغافل, لأن الإنسان لا يتغافل عن شيء قد عرفه ففطن فيه, [6] واعلم أن الساعات يذهب غمك وأنك لا تنال نعمة إلا بفراق أخرى فإياك والأمل الطويل, فكم من مؤمل أملا لا يبلغه, وجامع مال لا يأكله, ومانع مال سوف يتركه, ولعله من باطل جمعه ومن حق منعه, أصابه حراما وورثه عدوا احتمل إصره وباء بوزره {ذلك هو الخسران المبين}. [7]
عن أبي حمزة قال: قال أبو جعفر (ع): لما حضرت أبي علي بن الحسين (ع) الوفاة ضمني إلى صدره وقال: يا بني أوصيك بما أوصاني به أبي حين حضرته الوفاة, وبما ذكر أن أباه أوصاه به: يا بني اصبر على الحق وإن كان مرا. [8]
عن أبي حمزة الثمالي, عن أبي جعفر (ع) قال: لما حضر علي بن الحسين (ع) الوفاة ضمني إلى صدره ثم قال: يا بني أوصيك بما أوصاني به أبي (ع) حين حضرته الوفاة, وبما ذكر أن أباه أوصاه به قال: يا بني إياك وظلم من لا يجد عليك ناصرا إلا الله. [9]
عن أبي عبد الله (ع) قال: لما كانت الليلة التي وعد بها علي بن الحسين (ع) قال لمحمد بن علي (ع)ابنه: يا بني ابغني وضوء، قال أبي (ع): فقمت فجئته بوضوء, فقال: لا نبغ هذا فإن فيه شيئا ميتا، قال: فخرجت فجئت بالمصباح فإذا فيه فأرة ميتة، فجئته بوضوء غيره، فقال: يا بني هذه الليلة التي وعدت بها، فأوصى بناقته أن يحضر لها عصام ويقام لها علف فحصلت لها ذلك، فتوفي فيها صلوات الله عليه. فلما دفن (ع) لم تلبث أن خرجت حتى أتت القبر، فضربت بجرانها القبر ورغت وهملت عيناها، فأتي محمد بن علي (ع) فقيل له: إن الناقة قد خرجت إلى القبر، فأتاها فقال: مه، قومي الآن بارك الله فيك، فثارت حتى دخلت موضعها، ثم لم تلبث أن خرجت حتى أتت القبر، فضربت بجرانها القبر، ورغت وهملت عيناها، فأتي محمد بن علي (ع) فقيل له: إن الناقة قد خرجت إلى القبر، فأتاها فقال: مه، الآن قومي, فلم تفعل، فقال: دعوها فإنها مودعة، فلم تلبث إلا ثلاثة أيام حتى نفقت، وإنه كان ليخرج عليها إلى مكة فيعلق السوط بالرحل، فلم يقرعها قرعة حتى يدخل المدينة. [10]
عن علي بن جعفر، عن أخيه أبي الحسن موسى (ع) قال: أخذ أبي (ع) بيدي ثم قال: يا بني, إن أبي محمد بن علي (ع) أخذ بيدي كما أخذت بيدك وقال: إن أبي علي بن الحسين (ع) أخذ بيدي،[11] (1) وقال (ع): يا بني, افعل الخير إلى كل من طلبه منك، فإن كان من أهله فقد أصبت موضعه، وإن لم يكن من أهله كنت أنت من أهله، وإن شتمك رجل عن يمينك ثم تحول إلى يسارك، فاعتذر إليك فاقبل عذره. [12]
قال العتبي: قال علي بن الحسين (ع) وكان من أفضل بني هاشم لابنه:
يا بني, اصبر على النوائب، ولا تتعرض للحقوق، ولا تجب أخاك إلى الأمر الذي مضرته عليك أكثر من منفعته له. [13]
عن علي بن الحسين (ع) أنه كان يقول لبنيه: جالسوا أهل الدين والمعرفة، فإن لم تقدروا عليهم فالوحدة آنس وأسلم، فإن أبيتم إلا مجالسة الناس، فجالسوا أهل المروات فإنهم لا يرفثون في مجالسهم. [14]
عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي (ع) قال: أردت سفرا فأوصاني أبي علي بن الحسين (ع) فقال في وصيته: إياك يا بني أن تصاحب الأحمق أو تخالطه, واهجره ولا تحادثه، فإن الأحمق هجنة غائبا كان أو حاضرا، إن تكلم فضحه حمقه، وإن سكت قصر به عيه، وإن عمل أفسد، وإن استرعى أضاع، لا علمه من نفسه يغنيه، ولا علم غيره ينفعه، ولا يطيع ناصحه، ولا يستريح مقارنه، تود أمه أنها ثكلته، وامرأته أنها فقدته، وجاره بعد داره، وجليسه الوحدة من مجالسته، إن كان أصغر من في المجلس أعنى من فوقه، وإن كان أكبرهم أفسد من دونه. [15]
عن ابن أبي حمزة قال: سمعت علي بن الحسين (ع) يقول لابنه: يا بني, من أصابه منكم مصيبة أو نزلت به نازلة فليتوضأ وليسبغ الوضوء، ثم يصلي ركعتين أو أربع ركعات، ثم يقول في آخرهن: يا موضع كل شكوى، ويا سامع كل نجوى وشاهد كل ملإ، وعالم كل خفية، ويا دافع ما يشاء من بلية، ويا خليل إبراهيم، ويا نجي موسى، ويا مصطفي محمد صلى الله عليه وآله، أدعوك دعاء من اشتدت فاقته، وقلت حيلته، وضعفت قوته، دعاء الغريق الغريب المضطر الذي لا يجد لكشف ما هو فيه إلا أنت، يا أرحم الراحمين. فإنه لا يدعو به أحد إلا كشف الله عنه إن شاء الله. [16]
[1] في كفاية الأثر وبهجة النظر: "ابنه محمد بن علي (ع)"
[2] الأمالي للطوسي ص 501, وسائل الشيعة ج 16 ص 313, البرهان ج 3 ص 290, بحار الأنوار ج 68 ص 49, تفسير نور الثقلين ج 2 ص 529, تفسير كنز الدقائق ج 7 ص 34. نحوه: كفاية الأثر ص 240, بهجة النظر ص 70
[3] الأمالي للمفيد ص 43, بحار الأنوار ج 70 ص 107
[4] الأمالي للصدوق ص 220, حلية الأبرار ج 3 ص 282, بحار الأنوار ج 75 ص 147
[5] تفسير الإمام العسكري (ع) ص 25, الإحتجاج ج 2 ص 320, مجموعة ورام ج 2 ص 93, بحار الأنوار ج 89 ص 242
[6] الى هنا في مستدرك الوسائل
[7] كفاية الأثر ص 239, بهجة النظر ص 69, بحار الأنوار ج 46 ص 230, العوالم ج 19 ص 39, مستدرك الوسائل ج 9 ص 37
[8] الكافي ج 2 ص 91, مشكاة الأنوار ص 22, مجموعة ورام ج 1 ص 17, الصراط المستقيم ج 2 ص 162, الوافي ج 4 ص 340, وسائل الشيعة ج 15 ص 237, بحار الأنوار ج 46 ص 153
[9] الكافي ج 2 ص 331, الأمالي للصدوق ص 182, الخصال ج 1 ص 16,مجموعة ورام ج 2 ص 163, الوافي ج 5 ص 966, وسائل الشيعة ج 16 ص 48, بحار الأنوار ج 46 ص 153, تحف العقول ص 246 بأختصار
[10] مختصر البصائر ص 59, الكافي ج 1 ص 468, بصائر الدرجات ص 483, مناقب آشوب ج 4 ص 141, الوافي ج 3 ص 765, إثبات الهداة ج 4 ص 64, حلية الأبرار ج 3 ص 299, مدينة المعاجز ج 4 ص 275, بحار الأنوار ج 46 ص 148
[11] من هنا في تحف العقول ومشكاة الأنوار وبحار الأنوار
[12] الكافي ج 8 ص 152, مسائل علي بن جعفر ص 342, مجموعة ورام ج 2 ص 147, أعلام الدين ص 235, الوافي ج 10 ص 450, وسائل الشيعة ج 16 ص 294, تحف العقول ص 282, مشكاة الأنوار ص 69, بحار الأنوار ج 75 ص 141
[13] مناقب آل أبي طالب (ع) ج 4 ص 165, الدر النظيم ص 587, بحار الأنوار ج 46 ص 95, مستدرك الوسائل ج 12 ص 363
[14] رجال الكشي ص 497, مسائل علي بن جعفر (ع) ص 337, بحار الأنوار ج 71 ص 196, مستدرك الوسائل ج 8 ص 328
[15] الأمالي للطوسي ص 613, وسائل الشيعة ج 12 ص 34, بحار الأنوار ج 71 ص 197
[16] الكافي ج 2 ص 560, الوافي ج 9 ص 1621, حلية الأبرار ج 4 ص 294