خروجه (ع) إلى طوس وولاية العهد

* خروجه من المدينة إلى نيشبور

عن ياسر الخادم والريان بن الصلت جميعا قال: لما انقضى أمر المخلوع (1) واستوى الأمر للمأمون, كتب إلى الرضا (ع) يستقدمه إلى خراسان, فاعتل عليه أبو الحسن (ع) بعلل فلم يزل المأمون يكاتبه في ذلك, حتى علم أنه لا محيص له, وأنه لا يكف عنه فخرج (ع).‏ (2)

------------

(1) العلامة المجلسي في مرآة العقول:

والمخلوع هو محمد الملقب بالأمين أخي المأمون من أبيه، وأمه زبيدة بنت جعفر بن منصور الدوانيقي، وكان هارون أخذ البيعة لابنه الأمين وبعده للمأمون، وقسم البلاد بينهما بأن جعل شرقي عقبة حلوان من نهاوند, وقم وكاشان, وأصفهان وفارس, وكرمان إلى حيث يبلغ ملكه من جهة المشرق للمأمون، والعراق والشام إلى آخر الغرب للأمين، ثم بايع لابنه القاسم بولاية العهد بعد المأمون, ولقبه المؤتمن وضم إليه الجزيرة, والثغور والعواصم، وسمي مخلوعا لأنه لما ضاق الأمر عليه خلع نفسه عن الخلافة أو خلعه أمراؤه وجنده, وأخذه الطاهر ذو اليمينين وهو كان أمير العساكر، وبعث برأسه إلى المأمون وهو بمرو.

(2) الكافي ج 1 ص 488, الوافي ج 3 ص 819, جلية الأبرار ج 4 ص 435, مدينة المعاجز ج 7 ص 176

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن الهروي قال: والله ما دخل الرضا (ع) في هذا الأمر طائعا, وقد حمل إلى الكوفة مكرها, ثم أشخص منها على طريق البصرة وفارس إلى مرو.

----------------

عيون أخبار الرضا (ع) ج 2 ص 141, وسائل الشيعة ج 17 ص 205, بحار الأنوار ج 49 ص 140

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن مخول السجستاني، قال: لما ورد البريد بإشخاص الرضا (ع) إلى خراسان، كنت أنا بالمدينة، فدخل المسجد ليودع رسول الله (ص) فودعه مرارا, كل ذلك يرجع إلى القبر ويعلو صوته بالبكاء والنحيب، فتقدمت إليه وسلمت عليه فرد السلام وهنأته، فقال: زرني، فإني أخرج من جوار جدي (ص), فأموت في غربة وأدفن في جنب هارون.

--------------

عيون أخبار الرضا (ع) ج2 ص217, بحار الأنوار ج49 ص117, إثبات الهداة ج 4 ص 332, مدينة المعاجز ج 7 ص 79
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن الوشاء قال لي الرضا (ع): إني حيث أرادوا الخروج بي من المدينة جمعت عيالي فأمرتهم أن يبكوا علي حتى أسمع, ثم فرقت فيهم اثني عشر ألف دينار, ثم قلت: أما إني لا أرجع إلى عيالي أبدا.

--------------

عيون أخبار الرضا (ع) ج 2 ص 217, دلائل الإمامة ص 349, إعلام الورى ص 325, الخرائج والجرائح ج 1 ص 363, مناقب آل أبي طالب (ع) ج 4 ص 340, كشف الغمة ج 2 ص 305, الدر النظيم ص 678, إثبات الهداة ج 4 ص 332, مدينة المعاجز ج 7 ص 81, بحار الأنوار ج 49 ص 52, رياض الأبرار ج 2 ص 341

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن رجاء بن أبي الضحاك قال: بعثني المأمون في اشخاص علي بن موسى الرضا (ع) من المدينة وقد أمرني أن آخذ به على طريق البصرة والأهواز وفارس، ولا آخذ به على طريق قم، وأمرني أن أحفظه بنفسي في الليل والنهار حتى أقدم به عليه، فكنت معه من المدينة إلى مرو، فو الله ما رأيت رجلا كان أتقى لله منه ولا أكثر ذكرا له في جميع أوقاته ولا أشد خوفا لله تعالى منه.

--------------

عيون أخبار الرضا (ع) ج 2 ص 180 حلية الأبرار ج 4 ص 364, بحار الأنوار ج 49 ص 91

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن أبي هاشم الجعفري قال: لما بعث المأمون رجاء بن‏ أبي الضحاك لحمل أبي الحسن علي بن موسى الرضا (ع) على طريق الأهواز, لم يمر على طريق الكوفة فبقي به أهلها, وكنت بالشرقي من آبيدج موضع, فلما سمعت به سرت إليه بالأهواز وانتسبت له, وكان أول لقائي له وكان (ع) مريضا, وكان زمن القيظ, فقال (ع): ابغني طبيبا, فأتيته بطبيب فنعت له بقلة, فقال الطبيب: لا أعرف أحدا على وجه الأرض يعرف اسمها غيرك, فمن أين عرفتها, ألا إنها ليست في هذا الأوان, ولا هذا الزمان؟ قال (ع) له: فابغ لي قصب السكر, فقال الطبيب: وهذه أدهى من الأولى, ما هذا بزمان قصب السكر, فقال الرضا (ع): هما في أرضكم هذه وزمانكم هذا, وهذا معك فامضيا إلى شاذروان الماء, واعبراه فيرفع لكم جوخان أي بيدر, فاقصداه فستجدان رجلا هناك أسود في جوخانه, فقولا له: أين منبت القصب السكر, وأين منابت الحشيشة الفلانية, ذهب على أبي هاشم اسمها فقال: يا أبا هاشم, دونك القوم, فقمت وإذا الجوخان والرجل الأسود, قال: فسألناه, فأومأ إلى ظهره فإذا قصب السكر, فأخذنا منه حاجتنا, ورجعنا إلى الجوخان, فلم نر صاحبه فيه, فرجعنا إلى الرضا (ع) فحمد الله, فقال لي الطبيب: ابن من هذا؟ قلت: ابن سيد الأنبياء (ص), قال: فعنده من أقاليد النبوة شي‏ء؟ قلت: نعم, وقد شهدت بعضها وليس بنبي, قال: وصي نبي؟ قلت: أما هذا فنعم, فبلغ ذلك رجاء بن أبي الضحاك فقال لأصحابه: لئن أقام بعد هذا ليمدن إليه الرقاب, فارتحل به.

---------------

الخرائج والجرائح ج 2 ص 661, مدينة المعاجز ج 7 ص 220, بحار الأنوار ج 49 ص 117

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

روى أن ابن علوان قال: رأيت في منامي كأن قائلا يقول: قد جاء رسول الله (ص) إلى البصرة, قلت: وأين نزل؟ فقيل: في حائط بني فلان, قال: فجئت الحائط فوجدت رسول الله (ص) جالسا ومعه أصحابه, وبين يديه أطباق فيها رطب برني, فقبض بيده كفا من رطب وأعطاني, فعددتها فإذا هي ثماني عشرة رطبة, ثم انتبهت فتوضأت وصليت وجئت إلى الحائط, فعرفت المكان الذي فيه رأيت رسول الله (ص), فبعد ذلك سمعت الناس يقولون: قد جاء علي بن موسى الرضا (ع) فقلت: أين نزل؟ فقيل: في حائط بني فلان, فمضيت فوجدته في الموضع الذي رأيت النبي (ص) فيه, وبين يديه أطباق فيها رطب, وناولني ثماني عشرة رطبة, فقلت: يا ابن رسول الله, زدني, فقال (ع): لو زادك جدي (ص) لزدتك, ثم بعث إلي بعد أيام يطلب مني رداء, وذكر طوله وعرضه فقلت: ليس هذا عندي, فقال (ع): بلى هو في السفط الفلاني بعثت به امرأتك معك, قال: فذكرت, فأتيت السفط فوجدت الرداء فيه كما قال.

--------------

مناقب آل أبي طالب (ع) ج 4 ص 342, بحار الأنوار ج 49 ص 119

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

* من نيسابور إلى طوس

عن أبي الصلت الهروي قال: كنت مع الرضا (ع) لما دخل نيسابور وهو راكب بغلة شهباء، وقد خرج علماء نيسابور في إستقباله، فلما صاروا إلى المرتعة تعلقوا بلجام بغلته وقالوا: يا بن رسول الله حدثنا بحق آبائك الطاهرين حديثا عن آبائك صلوات الله عليهم أجمعين. فأخرج رأسه من الهودج وعليه مطرف خز فقال: حدثني أبي موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي سيد شباب أهل الجنة عن أبيه أمير المؤمنين (ع) عن رسول الله (ص)‏ قال: أخبرني جبرئيل الروح الأمين عن الله عز وجل تقدست أسماؤه وجل وجهه قال: إني أنا الله لا إله إلا أنا وحدي، عبادي فاعبدوني وليعلم من لقيني منكم بشهادة أن لا إله إلا الله مخلصا بها أنه قد دخل حصني، ومن دخل حصني أمن من عذابي. قالوا: يا ابن رسول الله (ص) وما إخلاص الشهادة لله؟ قال: طاعة الله وطاعة رسوله وولاية أهل بيته (ع).

-------------

الأمالي للطوسي ص 588, مجموعة ورام ج 2 ص 74, أعلام الدين ص 214, البرهان ج 4 ص 540, حلية الأبرار ج 4 ص 351, بحار الأنوار ج 3 ص 14

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن الهروي قال: كنت مع علي بن موسى الرضا (ع) حين رحل من نيسابور وهو راكب بغلة شهباء, فإذا محمد بن رافع, وأحمد بن الحارث, ويحيى بن يحيى, وإسحاق بن راهويه, وعدة من أهل العلم قد تعلقوا بلجام بغلته بالمربعة, فقالوا: بحق آبائك الطاهرين حدثنا بحديث سمعته من أبيك (ع) فأخرج رأسه من العمارية وعليه مطرف خز ذو وجهين, وقال: حدثني أبي العبد الصالح موسى بن جعفر (ع) قال: حدثني أبي الصادق جعفر بن محمد (ع) قال: حدثني أبي أبو جعفر محمد بن علي باقر علم الأنبياء (ع) قال: حدثني أبي علي بن الحسين سيد العابدين (ع) قال: حدثني أبي سيد شباب الجنة الحسين (ع) قال: حدثني علي بن أبي طالب (ع) قال: سمعت النبي (ص) يقول: سمعت جبرئيل (ع) يقول: قال الله جل جلاله: إني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدوني, من جاء منكم بشهادة أن لا إله إلا الله بالإخلاص دخل في حصني, ومن دخل حصني أمن من عذابي.

----------------

التوخيد للصدوق ص 24, عيون أخبار الرضا (ع) ج 2 ص 134, الأمالي للطوسي ص 588, مجموعة ورام ج 2 ص 74, أعلام الدين ص 214, البرهان ج 4 ص 540, حلية الأبرار ج 4 ص 351, بحار الأنوار ج 3 ص 6

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن إسحاق بن راهويه قال: لما وافى أبو الحسن الرضا (ع) نيسابور وأراد أن يرحل منها إلى المأمون، اجتمع إليه أصحاب الحديث فقالوا له: يا بن رسول الله، ترحل عنا ولا تحدثنا بحديث فنستفيده منك، وقد كان قعد في العمارية (هودج يجلس فيه) فأطلع رأسه وقال: سمعت أبي موسى بن جعفر يقول: سمعت أبي جعفر بن محمد يقول: سمعت أبي محمد بن علي يقول: سمعت أبي علي بن الحسين يقول: سمعت أبي الحسين بن علي يقول: سمعت أبي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) يقول: سمعت رسول الله (ص) يقول: سمعت جبرئيل (ع) يقول: سمعت الله عز وجل يقول: لا إله إلا الله حصني، فمن دخل حصني أمن عذابي. فلما مرت الراحلة نادانا: بشروطها! وأنا من شروطها.

-------------

الأمالي للصدوق ص 235, التوحيد ص 25, عيون أخبار الرضا (ع) ج 1 ص 144, معاني الأخبار ص 370, ثواب الأعمال ص 6, بشارة المصطفى ص 269, الوافي ج 9 ص 1460, الجواهر السنية ص 443, حلية الأبرار ج 4 ص 355, بحار الأنوار ج 3 ص 7, رياض الأبرار ج 2 ص 365, تفسير نور الثقلين ج 5 ص 39, تفسير كنز الدقائق ج 12 ص 236

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

أورد صاحب كتاب تاريخ نيسابور في كتابه: أن علي بن موسى الرضا (ع) لما دخل إلى نيسابور... كان في مهد على بغلة شهباء, عليها مركب من فضة خالصة, فعرض له في السوق... أبو زرعة ومحمد بن أسلم الطوسي فقالا: أيها السيد بن السادة, أيها الإمام وابن الأئمة, أيها السلالة الطاهرة الرضية, أيها الخلاصة الزاكية النبوية, بحق آبائك الأطهرين وأسلافك الأكرمين, إلا ما أريتنا وجهك المبارك الميمون, ورويت لنا حديثا عن آبائك (ع) عن جدك (ص) نذكرك به, فاستوقف البغلة ورفع المظلة, وأقر عيون المسلمين بطلعته المباركة الميمونة, فكانت ذؤابتاه كذؤابتي رسول الله (ص), والناس على طبقاتهم قيام كلهم, وكانوا بين صارخ وباك, وممزق ثوبه, ومتمرغ في التراب, ومقبل حزام بغلته, ومطول عنقه إلى مظلة المهد, إلى أن انتصف النهار, وجرت الدموع كالأنهار, وسكنت الأصوات وصاحت الأئمة: والقضاة معاشر الناس اسمعوا وعوا ولا تؤذوا رسول الله (ص) في عترته, وأنصتوا فأملى (ص) هذا الحديث, وعد من المحابر أربع وعشرون ألفا سوى الدوي, والمستملي أبو زرعة الرازي, ومحمد بن أسلم الطوسي, فقال (ع): حدثني أبي موسى بن جعفر الكاظم (ع) قال: حدثني أبي جعفر بن محمد الصادق (ع) قال: حدثني أبي محمد بن علي الباقر (ع) قال: حدثني أبي علي بن الحسين زين العابدين (ع) قال: حدثني أبي الحسين بن علي شهيد أرض كربلاء (ع) قال: حدثني أمير المؤمنين علي بن أبي طالب شهيد أرض الكوفة (ع) قال: حدثني أخي وابن عمي محمد رسول الله (ص) قال: حدثني جبرئيل (ع) قال: سمعت رب العزة سبحانه وتعالى يقول: كلمة لا إله إلا الله حصني, فمن قالها دخل حصني, ومن دخل حصني أمن من عذابي.

----------------

كشف الغمة ج 2 ص 307, بحار الأنوار ج 49 ص 126

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

يقال: إن الرضا (ع) لما دخل نيسابور نزل في محلة, يقال له: الفرويني, فيها حمام وهو الحمام المعروف اليوم بحمام الرضا (ع), وكانت هناك عين قد قل ماؤها, فأقام عليها من أخرج ماءها, حتى توفر وكثر واتخذ خارج الدرب حوضا ينزل إليه بالمراقي إلى هذه العين, فدخله الرضا (ع) واغتسل فيه, ثم خرج منه فصلى على ظهره والناس ينتابون ذلك الحوض, ويغتسلون فيه, ويشربون منه التماسا للبركة, ويصلون على ظهره, ويدعون الله عز وجل في حوائجهم فتقضى لهم, وهي العين المعروفة بعين كهلان, يقصدها الناس إلى يومنا هذا.

---------------

عيون أخبار الرضا (ع) ج 2 ص 135, حلية الأبرار ج 4 ص 356, بحار الأنوار ج 49 ص 123

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن خديجة بنت حمدان بن پسنده قالت: لما دخل الرضا (ع) نيسابور, نزل محلة الغربي ناحية تعرف بلاش آباد في دار جدتي پسنده, وإنما سمي پسنده لأن الرضا (ع) ارتضاه من بين الناس, وپسنده هي كلمة فارسية معناها مرضي, فلما نزل (ع) دارنا, زرع لوزة في جانب من جوانب الدار, فنبتت وصارت شجرة وأثمرت في سنة, فعلم الناس بذلك فكانوا يستشفون بلوز تلك الشجرة, فمن أصابته علة تبرك بالتناول من ذلك اللوز مستشفيا به فعوفي, ومن أصابه رمد جعل ذلك اللوز على عينه فعوفي, وكانت الحامل إذا عسر عليها ولادتها تناولت من ذلك اللوز فتخف عليها الولادة وتضع من ساعتها, وكان إذا أخذ دابة من الدواب القولنج أخذ من قضبان تلك الشجرة فأمر على بطنها فتعافى, ويذهب عنها ريح القولنج ببركة الرضا (ع), فمضت الأيام على تلك الشجرة ويبست, فجاء جدي حمدان وقطع أغصانها فعمي, وجاء ابن لحمدان يقال له أبو عمرو, فقطع تلك الشجرة من وجه الأرض فذهب ماله كله بباب فارس, وكان مبلغه سبعين ألف درهم إلى ثمانين ألف درهم ولم يبق له شي‏ء, وكان لأبي عمرو هذا ابنان كاتبان وكانا يكتبان لأبي الحسن محمد بن إبراهيم سمجور, يقال لأحدهما أبو القاسم, وللآخر أبو صادق, فأرادا عمارة تلك الدار وأنفقا عليها عشرين ألف درهم, وقلعا الباقي من أصل تلك الشجرة وهما لا يعلمان ما يتولد عليهما من ذلك, فولى أحدهما ضياعا لأمير خراسان, فرد إلى نيسابور في محمل قد اسودت رجله اليمنى, فشرحت رجله فمات من تلك العلة بعد شهر, وأما الآخر وهو الأكبر, فإنه كان في ديوان السلطان بنيسابور يكتب كتابا, وعلى رأسه قوم من الكتاب وقوف فقال واحد منهم: دفع الله عين السوء عن كاتب هذا الخط, فارتعشت يده من ساعته وسقط القلم من يده, وخرجت بيده بثرة, ورجع إلى منزله فدخل إليه أبو العباس الكاتب مع جماعة فقالوا له: هذا الذي أصابك من الحرارة, فيجب أن تفتصد فافتصد ذلك اليوم, فعادوا إليه من الغد وقالوا له: يجب أن تفتصد اليوم أيضا, ففعل فاسودت يده فشرحت ومات من ذلك, وكان موتهما جميعا في أقل من سنة.

---------------

عيون أخبار الرضا (ع) ج 2 ص 132, مدينة المعاجز ج 7 ص 130, بحار الأنوار ج 49 ص 121, باختصار: مناقب آل أبي طالب (ع) ج 4 ص 344, إثبات الهداة ج 4 ص 318, رياض الأبرار ج 2 ص 362

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن عبد الله بن عبد الرحمن المعروف بالصفواني قال: خرجت قافلة من خراسان إلى كرمان فقطع اللصوص عليهم الطريق, وأخذوا منهم رجلا اتهموه بكثرة المال, فبقي في أيديهم مدة يعذبونه ليفتدي منهم نفسه, وأقاموه في الثلج فشدوه وملئوا فاه من ذلك الثلج, فرحمته امرأة من نسائهم فأطلقته, وهرب فانفسد فمه ولسانه حتى لم يقدر على الكلام, ثم انصرف إلى خراسان وسمع بخبر علي بن موسى الرضا (ع) وأنه بنيسابور, فرأى فيما رأى النائم كأن قائلا يقول له: إن ابن رسول الله (ص) قد ورد خراسان فسله عن علتك فربما يعلمك دواء ما تنتفع به, قال: فرأيت كأني قد قصدته (ع) وشكوت إليه ما كنت دفعت إليه, وأخبرته بعلتي, فقال (ع): خذ الكمون والسعتر والملح ودقه, وخذ منه في فمك مرتين أو ثلاثا فإنك تعافى, فانتبه الرجل من منامه ولم يفكر فيما كان رأى في منامه ولا اعتد به, حتى ورد باب نيسابور فقيل: إن علي بن موسى الرضا (ع) قد ارتحل من نيسابور وهو برباط سعد, فوقع في نفس الرجل أن يقصده ويصف له أمره ليصف له ما ينتفع به من الدواء, فقصده إلى رباط سعد فدخل إليه فقال: يا ابن رسول الله, كان من أمري كيت وكيت, وقد انفسد علي فمي ولساني حتى لا أقدر على الكلام, إلا بجهد فعلمني دواء أنتفع به, فقال (ع): ألم أعلمك؟ اذهب فاستعمل ما وصفته لك في منامك, فقال له الرجل: يا ابن رسول الله, إن رأيت أن تعيده علي, فقال (ع) لي: خذ من الكمون والسعتر والملح فدقه, وخذ منه في فمك مرتين أو ثلاثا فإنك ستعافى, قال الرجل: فاستعملت ما وصفه لي فعوفيت.

---------------

عيون أخبار الرضا (ع) ج 2 ص 211, مدينة المعاجز ج 7 ص 62, بحار الأنوار ج 49 ص 124, باختصار: إعلام الورى ص 323, الثاقب في المناقب ص 484, كشف الغمة ج 2 ص 314, إثبات الهداة ج 4 ص 327, رياض الأبرار ج 59 ص 159

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن الهروي قال: لما خرج الرضا علي بن موسى (ع) من نيسابور إلى المأمون, فبلغ قرب القرية الحمراء قيل له: يا ابن رسول الله, قد زالت الشمس, أفلا تصلي؟ فنزل (ع) فقال: ائتوني بماء, فقيل ما معنا ماء, فبحث (ع) بيده الأرض فنبع من الماء ما توضأ به هو ومن معه, وأثره باق إلى اليوم, فلما دخل سناباد أسند [استند] إلى الجبل الذي ينحت منه القدور, فقال: اللهم انفع به وبارك فيما يجعل فيما ينحت منه, ثم أمر (ع) فنحت له قدور من الجبل, وقال لا يطبخ ما آكله إلا فيها, وكان (ع) خفيف الأكل قليل الطعم, فاهتدى الناس إليه من ذلك اليوم, وظهرت بركة دعائه (ع) فيه, ثم دخل دار حميد بن قحطبة الطائي, ودخل القبة التي فيها قبر هارون الرشيد, ثم خط بيده إلى جانبه ثم قال (ع): هذه تربتي وفيها أدفن, وسيجعل الله هذا المكان مختلف شيعتي (1) وأهل محبتي, والله ما يزورني منهم زائر ولا يسلم علي منهم مسلم, إلا وجب له غفران الله ورحمته (2) بشفاعتنا أهل البيت, ثم استقبل القبلة وصلى ركعات ودعا بدعوات, فلما فرغ سجد سجدة طال مكثه, فأحصيت له فيها خمسمائة تسبيحة ثم انصرف. (3)

---------------

(1) إلى هنا في مناقب آل أبي طالب (ع)

(2) إلى هنا في رياض الأبرار

(3) عيون أخبار الرضا (ع) ج 2 ص 136, حلية الأبرار ج 4 ص 485, مدينة المعاجز ج 7 ص 132, بحار الأنوار ج 49 ص 125, مناقب آل أبي طالب (ع) ج 4 ص 343, رياض الأبرار ج 2 ص 363

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

 

* ولاية العهد

عن القاسم بن أيوب العلوي: أن المأمون لما أراد أن يستعمل الرضا (ع) جمع بني هاشم, فقال لهم: إني أريد أن أستعمل الرضا (ع) على هذا الأمر من بعدي, فحسده بنو هاشم, وقالوا: أتولي رجلا جاهلا ليس له بصر بتدبير الخلافة, فابعث إليه رجلا يأتنا فترى من جهله ما تستدل به عليه, فبعث إليه فأتاه فقال له بنو هاشم: يا أبا الحسن, اصعد المنبر وانصب لنا علما نعبد الله عليه, فصعد (ع) المنبر, فقعد مليا لا يتكلم مطرقا, ثم انتفض انتفاضة, واستوى قائما, وحمد الله تعالى وأثنى عليه, وصلى على نبيه وأهل بيته, ثم قال: أول عبادة الله تعالى معرفته...

---------------

التوحيد للصدوق ص 34, عيون أخبار الرضا (ع) ج 1 ص 149, بحار الأنوار ج 4 ص 227

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن الريان بن الصلت قال: أكثر الناس في بيعة الرضا (ع) من القواد والعامة، ومن لم يحب ذلك، وقالوا: إن هذا من تدبير الفضل بن سهل ذي الرياستين، فبلغ المأمون ذلك فبعث إلي في جوف الليل فصرت إليه، فقال: يا ريان بلغني أن الناس يقولون: إن بيعة الرضا (ع) كانت من تدبير الفضل بن سهل. فقلت: يا أمير المؤمنين يقولون ذلك. قال: ويحك يا ريان أيجسر أحد أن يجي‏ء إلى خليفة وابن خليفة قد إستقامت‏ له الرعية والقواد وإستوت له الخلافة فيقول له: إدفع الخلافة من يدك إلى غيرك، أيجوز هذا في العقل؟ قال قلت له: لا والله يا أمير المؤمنين ما يجسر على هذا أحد. قال: لا والله ما كان كما يقولون، ولكني سأخبرك بسبب ذلك. إنه لما كتب إلي محمد أخي يأمرني بالقدوم عليه فأبيت عليه، عقد لعلي بن عيسى بن ماهان‏ وأمره أن يقيدني بقيد، ويجعل الجامعة في عنقي فورد علي بذلك الخبر، وبعثت هرثمة بن أعين إلى سجستان وكرمان وما والاهما، فأفسد علي أمري وإنهزم هرثمة، وخرج صاحب السرير، وغلب على كور خراسان من ناحية فورد علي هذا كله في اسبوع. فلما ورد ذلك علي لم يكن لي قوة في ذلك، ولا كان لي مال أتقوى به، ورأيت من قوادي ورجالي الفشل والجبن أردت أن ألحق بملك كابل، فقلت في نفسي: ملك كابل رجل كافر ويبذل محمد له الأموال فيدفعني إلى يده، فلم أجد وجها أفضل من أن أتوب إلى الله تعالى من ذنوبي وأستعين به على هذه الامور، وأستجير بالله تعالى فأمرت بهذا البيت، وأشار إلى بيت فكنس، وصببت علي الماء، ولبست ثوبين أبيضين وصليت أربع ركعات فقرأت فيها من القرآن ما حضرني، ودعوت الله تعالى وإستجرت بالله وعاهدته عهدا وثيقا بنية صادقة إن أفضى الله بهذا الأمر إلي وكفاني عادية هذه الامور الغليظة أن‏ أضع هذا الأمر في موضعه الذي وضعه الله تعالى فيه. ثم قوى فيه قلبي فبعثت طاهرا إلى علي بن عيسى بن ماهان، فكان من أمره ما كان، ورددت هرثمة بن أعين الى رافع‏ فظفر به وقتله، وبعثت إلى صاحب السرير فهادنته وبذلت له شيئا حتى رجع، فلم يزل أمري يقوى حتى كان من أمر محمد ما كان وأفضى الله إلي بهذا الأمر واستوى لي. فلما وفى الله تعالى لي بما عاهدته عليه أحببت أن أفي لله تعالى ما عاهدته، فلم أر أحدا أحق بهذا الأمر من أبي الحسن الرضا (ع) فوضعته فيه، فلم يقبلها إلا على ما قد علمت، فهذا كان سببها فقلت: وفق الله أمير المؤمنين. فقال: يا ريان إذا كان غدا وحضر الناس فاقعد بين هؤلاء القواد وحدثهم بفضل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع). فقلت: يا أمير المؤمنين ما أحسن من الحديث شيئا إلا ما سمعته منك. فقال: سبحان الله ما أجد أحدا يعينني على هذا الأمر، لقد هممت أن أجعل أهل قم شعاري ودثاري. فقلت: يا أمير المؤمنين أنا احدث عنك بما سمعته منك من‏ الأخبار؟ فقال: نعم حدث عني بما سمعته مني من الفضائل، فلما كان من الغد، قعدت بين القواد في الدار فقلت: حدثني أمير المؤمنين، عن أبيه، عن آبائه: عن رسول الله (ص) قال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه، وحدثني أمير المؤمنين، عن أبيه، عن آبائه قال: قال رسول الله (ص): علي مني بمنزلة هارون من موسى، وكنت أخلط الحديث بعضه ببعض لا أحفظه على وجهه. وحدثت بحديث خيبر، وبهذه الأخبار المشهورة، فقال لي عبد الله بن مالك الخزاعي‏: رحم الله عليا كان رجلا صالحا، وكان المأمون قد بعث غلاما إلى مجلسنا يسمع الكلام فيؤديه إليه. قال الريان: فبعث إلي المأمون فدخلت إليه فلما رآني قال: يا ريان ما أرواك للأحاديث وأحفظك لها؟ ثم قال: قد بلغني ما قال اليهودي عبد الله بن مالك في قوله: «رحم الله عليا كان رجلا صالحا» والله لأقتلنه إنشاء الله. وكان هشام بن إبراهيم الراشدي الهمداني‏ من أخص الناس عند الرضا (ع) من قبل أن يحمل وكان عالما أديبا لبيبا وكانت أمور الرضا (ع) تجري من عنده وعلى يده وتصير الأموال من‏ النواحي كلها إليه قبل حمل أبي الحسن (ع) فلما حمل أبو الحسن (ع) إتصل هشام بن إبراهيم بذي الرياستين وقربه ذو الرياستين‏ وأدناه وكان ينقل أخبار الرضا (ع) إلى ذي الرياستين والمأمون، فحظي بذلك عندهما وكان لا يخفي عنهما من أخباره شيئا. فولاه المأمون حجابة الرضا (ع) فكان لا يصل إلى الرضا (ع) إلا من أحب وضيق على الرضا (ع) وكان من يقصده من مواليه لا يصل إليه، وكان لا يتكلم الرضا (ع) في داره بشي‏ء إلا أورده هشام على المأمون وذي الرياستين، وجعل المأمون العباس‏ إبنه في حجر هشام وقال له: أدبه فسمي هشام العباسي لذلك. قال: وأظهر ذو الرياستين عداوة شديدة لأبي الحسن (ع) وحسده على ما كان المأمون يفضله به فأول ما ظهر لذي الرياستين من أبي الحسن (ع) أن إبنة عم المأمون كانت تحبه وكان يحبها وكان ينفتح باب حجرتها إلى مجلس المأمون وكانت تميل إلى أبي الحسن‏ (ع) وتحبه، وتذكر ذا الرياستين وتقع فيه. فقال ذو الرياستين حين بلغه ذكرها له: لا ينبغي أن يكون باب دار النساء مشرعا إلى مجلسك فأمر المأمون بسده. وكان المأمون يأتي الرضا (ع) يوما والرضا (ع) يأتي المأمون يوما وكان منزل أبي الحسن (ع) بجنب منزل المأمون، فلما دخل أبو الحسن (ع) إلى المأمون ونظر إلى الباب مسدودا قال: يا أمير المؤمنين ما هذا الباب الذي سددته؟ فقال: رأى الفضل ذلك وكرهه. فقال الرضا (ع): إنا لله وإنا إليه راجعون، ما للفضل والدخول بين أمير المؤمنين وحرمه؟ قال: فما ترى؟ قال: فتحه والدخول إلى إبنة عمك، ولا تقبل قول الفضل فيما لا يحل ولا يسع، فأمر المأمون بهدمه ودخل على إبنة عمه فبلغ الفضل ذلك فغمه.

-----------

عيون أخبار الرضا (ع) ج 2 ص 151, حلية الأبرار ج 4 ص 441, بحار الأنوار ج 49 ص 137, رياض الأبرار ج 2 ص 369

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن أبي الصلت الهروي قال: إن المأمون قال للرضا علي بن موسى (ع): يا بن رسول الله قد عرفت فضلك وعلمك وزهدك وورعك وعبادتك وأراك أحق بالخلافة مني. فقال الرضا (ع): بالعبودية لله تعالى أفتخر، وبالزهد في الدنيا أرجو النجاة من شر الدنيا، وبالورع عن المحارم أرجو الفوز بالمغانم، وبالتواضع في الدنيا أرجو الرفعة عند الله تعالى. فقال له المأمون: إني قد رأيت أن أعزل نفسي عن الخلافة، وأجعلها لك وأبايعك. فقال له الرضا (ع): إن كانت هذه الخلافة لك والله جعلها لك فلا يجوز لك أن تخلع لباسا ألبسكه الله وتجعله لغيرك، وإن كانت الخلافة ليست لك فلا يجوز لك أن تجعل لي ما ليس لك. فقال له المأمون: يا بن رسول الله لا بد لك من قبول هذا الأمر. فقال: لست أفعل ذلك طائعا أبدا فما زال يجهد به أياما حتى يئس من قبوله، فقال له: فإن لم تقبل الخلافة ولم تحب مبايعتي لك فكن‏ ولي عهدي لتكون ذلك الخلافة بعدي. فقال: الرضا (ع) والله لقد حدثني أبي عن آبائه عن أمير المؤمنين (ع) عن رسول الله (ص) أني أخرج من الدنيا قبلك مقتولا بالسم مظلوما تبكي علي ملائكة السماء وملائكة الأرض وأدفن في أرض غربة إلى جنب هارون الرشيد، فبكى المأمون ثم قال له: يا ابن رسول الله ومن الذي يقتلك أو يقدر على الاساءة اليك وأنا حي؟ فقال الرضا (ع): أما إني لو أشاء أن أقول من الذي يقتلني لقلت. فقال المأمون: يا ابن رسول الله إنما تريد بقولك هذا التخفيف عن نفسك، ودفع هذا الأمر عنك ليقول الناس: إنك لزاهد في الدنيا. فقال الرضا (ع): والله ما كذبت منذ خلقني ربي عز وجل وما زهدت في الدنيا للدنيا، وإني لأعلم ما تريد. فقال المأمون: وما اريد؟ قال: الأمان على الصدق. قال: لك الأمان. قال: تريد بذلك أن يقول الناس: إن علي بن موسى لم يزهد في الدنيا بل زهدت الدنيا فيه، ألا ترون كيف قبل ولاية العهد طمعا في الخلافة، فغضب المأمون ثم قال: إنك تتلقاني ابدا بما اكرهه، وقد آمنت سطواتي فبالله اقسم لان قبلت ولاية العهد وإلا أجبرتك على ذلك، فإن فعلت وإلا ضربت عنقك. فقال الرضا (ع): قد نهاني الله عز وجل أن ألقى بيدي إلى التهلكة، فإن كان الأمر على هاذا فافعل ما بدا لك وأنا أقبل ذلك على أني لا اولي أحدا ولا أعزل أحدا ولا أنقض رسما ولا سنة، وأكون في الأمر من بعيد مشيرا، فرضي منه ذلك، وجعله ولي عهده على كراهة منه (ع) لذلك.

-----------

عيون أخبار الرضا (ع) ج 2 ص 139, الأمالي للصدوق ص 68, علل الشرائع ج 1 ص 237, روضة الواعظين ج 1 ص 223, مناقب آشوب ج 4 ص 362, وسائل الشيعة ج 17 ص 203, حلية الأبرار ج 4 ص 439, مدينة المعاجز 7 ص 134, بحار الأنوار ج 49 ص 128, رياض الأبرار ج 2 ص 361

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن الريان بن الشبيب خال المعتصم أخو ماردة أن المأمون لما أراد أن يأخذ البيعة لنفسه بإمرة المؤمنين ولأبي الحسن علي بن موسى الرضا (ع) بولاية العهد، ولفضل ابن سهل بالوزارة أمر بثلاثة كراسي فنصبت لهم، فلما قعدوا عليها أذن للناس فدخلوا يبايعون، فكانوا يصفقون بأيمانهم على أيمان الثلاثة من أعلى الإبهام إلى الخنصر ويخرجون، حتى بايع في آخر الناس فتى من الأنصار فصفق بيمينه من الخنصر الى أعلى الإبهام فتبسم أبو الحسن الرضا (ع) ثم قال: كل من بايعنا بايع بفسخ البيعة غير هذا الفتى فإنه بايعنا بعقدها. فقال المأمون: وما فسخ البيعة من عقدها؟ قال أبو الحسن (ع): عقد البيعة هو من أعلى الخنصر إلى أعلى الإبهام، وفسخها من أعلى الإبهام إلى أعلى الخنصر. قال: فماج الناس في ذلك، وأمر المأمون بإعادة الناس إلى البيعة على ما وصفه أبو الحسن (ع) وقال الناس: كيف يستحق الإمامة من لا يعرف عقد البيعة، إن من علم لأولى بها ممن لا يعلم، قال: فحمله ذلك على ما فعله من سمه.

--------------

عيون أخبار الرضا (ع) ج 2 ص 238, علل الشرائع ج 1 ص 239, حلية الأبرار ج 4 ص 456, بحار الأنوار ج 49 ص 144, تفسير نور الثقلين ج 5 ص 60, تفسير كنز الدقائق ج 12 ص 278, العوالم ج 22 ص 249, مناقب آشوب ج 4 ص 369 باختصار

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

عن الحسن بن الجهم عن أبيه قال: صعد المأمون المنبر ليبايع علي بن موسى الرضا (ع) فقال: أيها الناس, جاءتكم بيعة علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع), والله لو قرأت هذه الأسماء على الصم والبكم لبرءوا بإذن الله عز وجل.

---------------

‏الأمالي للصدوق ص 660, عيون أخبار الرضا (ع) ج 2 ص 147, روضة الواعظين ج 1 ص 229, بحار الأنوار ج 49 ص 130, رياض الأبرار ج 2 ص 367

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن ابن أبي عبدون عن أبيه قال: لما بايع المأمون الرضا (ع) بالعهد أجلسه إلى جانبه, فقام العباس الخطيب فتكلم فأحسن, ثم ختم ذلك بأن أنشد:

لا بد للناس من شمس ومن قمر ... فأنت شمس وهذا ذلك القمر.

---------------

عيون أخبار الرضا (ع) ج 2 ص 146, بحار الأنوار ج 49 ص 140

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن ياسر الخادم، والريان بن الصلت جميعا في حديث عن الإمام الرضا (ع), قالا: فعرض عليه (ع) المأمون أن يتقلد الأمر والخلافة فأبى أبو الحسن (ع). قال: فولاية العهد. فقال: على شروط أسألكها. قال المأمون له: سل ما شئت، فكتب الرضا (ع): إني داخل في ولاية العهد على أن لا آمر ولا أنهى ولا أفتي ولا أقضي، ولا اولي ولا أعزل ولا اغير شيئا مما هو قائم، وتعفيني من ذلك كله، فأجابه‏ المأمون إلى ذلك كله. قال: فحدثني ياسر قال: فلما حضر العيد بعث المأمون إلى الرضا (ع) يسأله أن يركب ويحضر العيد ويصلي ويخطب، فبعث إليه الرضا (ع) قد علمت ما كان بيني وبينك من الشروط في دخول هذا الأمر فبعث اليه المأمون إنما اريد بذلك ان تطمئن قلوب الناس ويعرفوا فضلك فلم يزل (ع) يراده الكلام في ذلك فألح عليه، فقال يا أمير المؤمنين إن أعفيتني من ذلك فهو أحب إلي وإن لم تعفني خرجت كما خرج رسول الله (ص) وأمير المؤمنين (ع). فقال المأمون: اخرج كيف شئت، وأمر المأمون القواد والناس أن يبكروا إلى باب أبي الحسن (ع). قال: فحدثني ياسر الخادم أنه قعد الناس لأبي الحسن (ع) في الطرقات والسطوح الرجال والنساء والصبيان، وإجتمع القواد والجند على باب أبي الحسن (ع) فلما طلعت الشمس قام (ع) فاغتسل وتعمم بعمامة بيضاء من قطن، ألقى طرفا منها على صدره، وطرفا بين كتفيه، وتشمر، ثم قال لجميع مواليه: افعلوا مثل ما فعلت ثم أخذ بيده عكازا ثم خرج ونحن بين يديه وهو حاف قد شمر سراويله إلى نصف الساق، وعليه ثياب مشمرة، فلما مشى ومشينا بين يديه رفع رأسه إلى السماء وكبر أربع تكبيرات، فخيل إلينا أن السماء والحيطان تجاوبه، والقواد والناس على الباب قد تهيؤا ولبسوا السلاح وتزينوا بأحسن الزينة. فلما طلعنا عليهم بهذه الصورة وطلع الرضا (ع) وقف على الباب وقفة ثم قال: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر على ما هدانا، الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام، والحمد لله على ما أبلانا نرفع بها أصواتنا. قال ياسر: فتزعزعت مرو بالبكاء والضجيج والصياح لما نظروا إلى أبي الحسن (ع) وسقط القواد عن دوابهم ورموا بخفافهم لما رأوا أبا الحسن (ع) حافيا وكان يمشي ويقف في كل عشر خطوات، ويكبر ثلاث مرات. قال ياسر: فتخيل الينا أن السماء والأرض والجبال تجاوبه، وصارت مرو ضجة واحدة من البكاء، وبلغ المأمون ذلك فقال له الفضل ابن سهل ذو الرياستين: يا أمير المؤمنين إن بلغ الرضا (ع) المصلى على هذا السبيل إفتتن به الناس، والرأي أن تسأله أن يرجع، فبعث اليه المأمون فسأله الرجوع فدعا أبو الحسن (ع) بخفه فلبسه وركب ورجع.

--------------

الكافي ج 1 ص 488, الوافي ج 3 ص 819, حلية الأبرار ج 4 ص 435, مدينة المعاجز ج 7 ص 176

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

ذكر المدائني عن رجاله قال: لما جلس الرضا (ع) في الخلع بولاية العهد, فأقام بين يديه الخطباء والشعراء, وخفقت الألوية على رأسه, فذكر عن بعض من حضر ممن كان يختص بالرضا (ع) أنه قال: كنت بين يديه في ذلك اليوم فنظر إلي وأنا مستبشر بما جرى, فأومأ إلي أن ادن فدنوت منه, فقال (ع) لي من حيث لا يسمعه غيري: لا تشغل قلبك بهذا الأمر ولا تستبشر له, فإنه شي‏ء لا يتم, وكان فيمن ورد عليه من الشعراء دعبل بن علي الخزاعي, فلما دخل عليه قال: إني قد قلت قصيدة فجعلت على نفسي أن لا أنشدها على أحد قبلك, فأمره بالجلوس حتى خف مجلسه, (1) ثم قال (ع) له: هاتها, قال: فأنشده قصيدته التي أولها:

          مدارس آيات خلت من تلاوة             ومنزل وحي مقفر العرصات‏

 حتى أتى على آخرها, (1) فلما فرغ من إنشادها قام الرضا (ع) فدخل إلى حجرته, وبعث إليه خادما بخرقة خز فيها ستمائة دينار, وقال (ع) لخادمه: قل له: استعن بهذه في سفرك وأعذرنا, فقال له دعبل: لا والله, ما هذا أردت ولا له خرجت, ولكن قل له: اكسني ثوبا من أثوابك, وردها عليه فردها الرضا (ع) فقال له: خذها, وبعث إليه بجبة من ثيابه, فخرج دعبل حتى ورد قم فلما رأوا الجبة معه أعطوه فيها ألف دينار, فأبى عليهم فقال: لا والله, ولا خرقة منها بألف دينار, ثم خرج من قم, فاتبعوه فقطعوا عليه الطريق وأخذوا الجبة, ورجع إلى قم فكلمهم فيها, فقالوا: ليس إليها سبيل, ولكن إن شئت فهذه ألف دينار, وقال لهم: وخرقة منها فأعطوه ألف دينار وخرقة منها.

------------

(1) إلى من هنا في حلية الأبرار ورجال الكشي

(2) من هنا في دلائل الإمامة وروضة الواعظين

الإرشاد للمفيد ج 2 ص 263, كشف الغمة ج 2 ص 277, بحار الأنوار ج 49 ص 147, رجال الكشي ص 504, دلائل الإمامة ص 358, روضة الواعظين ج 1 ص 227, حلية الأبرار ج 4 ص 388

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن معمر بن خلاد قال: قال لي أبو الحسن الرضا (ع): قال لي المأمون: يا أبا الحسن, انظر بعض من تثق به توليه هذه البلدان التي قد فسدت علينا, فقلت له: تفي لي وأفي لك, فإني إنما دخلت فيما دخلت على أن لا آمر فيه ولا أنهى, ولا أعزل ولا أولي, ولا أسير حتى يقدمني الله قبلك, فوالله إن الخلافة لشي‏ء ما حدثت به نفسي, ولقد كنت بالمدينة أتردد في طرقها على دابتي, وإن أهلها وغيرهم يسألوني الحوائج فأقضيها لهم, فيصيرون كالأعمام لي, وإن كتبي لنافذة في الأمصار, وما زدتني في نعمة هي علي من ربي, فقال: أفي لك.

--------------

عيون أخبار الرضا (ع) ج 2 ص 166, حلية الأبرار ج 4 ص 475, بحار الأنوار ج 49 ص 144, رياض الأبرار ج 2 ص 370

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن معمر بن خلاد قال: قال لي أبو الحسن الرضا (ع): قال لي المأمون: يا أبا الحسن, لو كتبت إلى بعض من يطيعك في هذه النواحي التي قد فسدت علينا, قال (ع): قلت له: يا أمير المؤمنين, إن وفيت لي وفيت لك, إنما دخلت في هذا الأمر الذي دخلت فيه على أن لا آمر ولا أنهى, ولا أولي ولا أعزل, وما زادني هذا الأمر الذي دخلت فيه في النعمة عندي شيئا, ولقد كنت بالمدينة وكتابي ينفذ في المشرق والمغرب, ولقد كنت أركب حماري وأمر في سكك المدينة, وما بها أعز مني وما كان بها أحد يسألني حاجة يمكنني قضاؤها له إلا قضيتها له, فقال لي: أفي بذلك.

---------------

الكافي ج 8 ص 151, الوافي ج 3 ص 823, بحار الأنوار ج 49 ص 155

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن محمد بن عبد الله الأفطس قال: دخلت على المأمون فقربني وحياني, ثم قال: رحم الله الرضا (ع) ما كان أعلمه, لقد أخبرني بعجب, سألته ليلة وقد بايع له الناس فقلت: جعلت فداك, أرى لك أن تمضي إلى العراق وأكون خليفتك بخراسان, فتبسم (ع) ثم قال: لا لعمري, ولكنه من دون خراسان تدرجات, إن لنا هنا مكثا ولست ببارح, حتى يأتيني الموت ومنها المحشر لا محالة, فقلت له: جعلت فداك, وما علمك بذلك؟ فقال (ع): علمي بمكاني كعلمي بمكانك, قلت: وأين مكاني, أصلحك الله؟ فقال (ع): لقد بعدت الشقة بيني وبينك, أموت في المشرق وتموت بالمغرب, فقلت: صدقت والله ورسوله أعلم وآل محمد, فجهدت الجهد كله وأطمعته في الخلافة, وما سواها فما أطمعني في نفسه.

--------------

الغيبة للطوسي ص 73, بحار الأنوار ج 49 ص 145

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن ثمامة بن أشرس قال: عرض المأمون يوما للرضا (ع) بالامتنان عليه بأن ولاه العهد, فقال (ع) له: إن من أخذ برسول الله لخليق أن يعطي به.

--------------

عيون أخبار الرضا (ع) ج 2 ص 144, بحار الأنوار ج 49 ص 163

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

* علة قبول الإمام الرضا (ع) لولاية العهد

عن ياسر قال: لما ولي الرضا (ع) العهد سمعته وقد رفع يديه إلى السماء وقال: اللهم إنك تعلم أني مكره مضطر, فلا تؤاخذني كما لم تؤاخذ عبدك ونبيك يوسف, حين وقع إلى ولاية مصر.

-------------

الأمالي للصدوق ص 659, روضة الواعظين ج 1 ص 229, مناقب آل أبي طالب (ع) ج 4 ص 364, بحار الأنوار ج 49 ص 130

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن محمد بن زيد الرازي قال: كنت في خدمة الرضا (ع) لما جعله المأمون ولي عهده, فأتاه رجل من الخوارج في كفه مدية مسمومة, وقد قال لأصحابه: والله لآتين هذا الذي يزعم أنه ابن رسول الله (ص), وقد دخل لهذا الطاغية فيما دخل, فأسأله عن حجته فإن كان له حجة وإلا أرحت الناس منه, فأتاه واستأذن عليه فأذن له فقال له أبو الحسن (ع): أجيبك عن مسألتك على شريطة تفي لي بها, فقال: وما هذه الشريطة؟ قال (ع): إن أجبتك بجواب يقنعك وترضاه, تكسر الذي في كمك وترمي به, فبقي الخارجي متحيرا, وأخرج المدية وكسرها, ثم قال: أخبرني عن دخولك لهذا الطاغية, فيما دخلت له وهم عندك كفار, وأنت ابن رسول الله (ص), ما حملك على هذا؟ فقال أبو الحسن (ع): أرأيتك هؤلاء أكفر عندك أم عزيز مصر وأهل مملكته, أليس هؤلاء على حال يزعمون أنهم موحدون, وأولئك لم يوحدوا الله ولم يعرفوه, يوسف بن يعقوب نبي ابن نبي, قال للعزيز وهو كافر: {اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم}, وكان يجالس الفراعنة, وأنا رجل من ولد رسول الله (ص), أجبرني على هذا الأمر وأكرهني عليه, فما الذي أنكرت ونقمت علي؟ فقال: لا عتب عليك, إني أشهد أنك ابن نبي الله وأنك صادق.

--------------

الخرائج والجرائح ج 2 ص 766, بحار الأنوار ج 49 ص 55, رياض الأبرار ج 2 ص 343, تفسير نور الثقلين ج 2 ص 433, تفسير كنز الدقائق ج 6 ص 327, وسائل الشيعة ج 17 ص 206 باختصار

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن الريان قال: دخلت على علي بن موسى الرضا (ع) فقلت له: يا ابن رسول الله, إن الناس يقولون إنك قبلت ولاية العهد مع إظهارك الزهد في الدنيا, فقال (ع): قد علم الله كراهتي لذلك, فلما خيرت بين قبول ذلك وبين القتل اخترت القبول على القتل, ويحهم, أما علموا أن يوسف (ع) كان نبيا رسولا, فلما دفعته الضرورة إلى تولي خزائن العزيز قال له: {اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم} ودفعتني الضرورة إلى قبول ذلك على إكراه وإجبار بعد الإشراف على الهلاك, على أني ما دخلت في هذا الأمر إلا دخول خارج منه, فإلى الله المشتكى وهو المستعان.

--------------

الأمالي للصدوق ص 72, عيون أخبار الرضا (ع) ج 2 ص 139, علل الشرائع ج 1 ص 239, روضة الواعظين ج 1 ص 224, وسائل الشيعة ج 17 ص 203, البرهان ج 3 ص 179, بحار الأنوار ج 49 ص 130, رياض الأبرار ج 2 ص 367, تفسير نور الثقلين ج 2 ص 432, تفسير كنز الدقائق ج 6 ص 325

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن محمد بن عرفة قال: قلت للرضا (ع): يا ابن رسول الله, ما حملك على الدخول في ولاية العهد؟ فقال (ع): ما حمل جدي أمير المؤمنين (ع) على الدخول في الشورى.

--------------

عيون أخبار الرضا (ع) ج 2 ص 140, مناقب آل أبي طالب (ع) ج 4 ص 364, وسائل الشعية ج 17 ص 205, بحار الأنوار ج 49 ص 140, رياض الأبرار ج 2 ص 370

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

 

* عهد المأمون وجواب الإمام الرضا (ع)

قال الفقير إلى الله تعالى علي بن عيسى أثابه الله: وفي سنة سبعين وستمائة, وصل من مشهده الشريف أحد قوامه ومعه العهد الذي كتبه له المأمون بخط يده, وبين سطوره وفي ظهره بخط الإمام (ع), ما هو مسطور فقبلت مواقع أقلامه, وسرحت طرفي في رياض كلامه, وعددت الوقوف عليه من منن الله وإنعامه, ونقلته حرفا فحرفا وهو بخط المأمون:

{بسم الله الرحمن الرحيم}, هذا كتاب كتبه عبد الله بن هارون الرشيد أمير المؤمنين, لعلي بن موسى بن جعفر (ع) ولي عهده, أما بعد, فإن الله عز وجل اصطفى الإسلام‏ دينا, واصطفى له من عباده رسلا دالين وهادين إليه, يبشر أولهم بآخرهم ويصدق تاليهم ماضيهم, حتى انتهت نبوة الله إلى محمد (ص) {على فترة من الرسل}, ودروس من العلم وانقطاع من الوحي, واقتراب من الساعة, فختم الله به النبيين وجعله شاهدا لهم, ومهيمنا عليهم, وأنزل عليه كتابه العزيز الذي {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد}, بما أحل وحرم, ووعد وأوعد, وحذر وأنذر, وأمر به ونهى عنه, ليكون له الحجة البالغة على خلقه {ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم}, فبلغ عن الله رسالته, ودعا إلى سبيله بما أمره به من الحكمة والموعظة الحسنة, والمجادلة بالتي هي أحسن, ثم بالجهاد والغلظة حتى قبضه الله إليه واختار له ما عنده, فلما انقضت النبوة وختم الله بمحمد (ص) الوحي والرسالة, جعل قوام الدين ونظام أمر المسلمين بالخلافة وإتمامها وعزها, والقيام بحق الله تعالى فيها بالطاعة التي بها يقام فرائض الله وحدوده, وشرائع الإسلام وسننه, ويجاهد لها عدوه, فعلى خلفاء الله طاعته, فيما استحفظهم واسترعاهم من دينه وعباده, وعلى المسلمين طاعة خلفائهم ومعاونتهم على إقامة حق الله وعدله, وأمن السبيل وحقن الدماء, وصلاح ذات البين, وجمع الألفة, وفي خلاف ذلك اضطراب حبل المسلمين واختلالهم واختلاف ملتهم وقهر دينهم, واستعلاء عدوهم, وتفرق الكلمة, وخسران الدنيا والآخرة, فحق على من استخلفه الله في أرضه وائتمنه على خلقه أن يجهد لله نفسه, و يؤثر ما فيه رضا الله وطاعته, ويعتد لما الله موافقه عليه, ومسائله عنه, ويحكم بالحق, ويعمل بالعدل فيما حمله الله وقلده, فإن الله عز وجل يقول لنبيه داود (ع): {يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب} وقال الله عز وجل: {فو ربك لنسئلنهم أجمعين عما كانوا يعملون} وبلغنا أن عمر بن الخطاب قال: لو ضاعت سخلة بشاطئ الفرات لتخوفت أن يسألني الله عنها, وايم الله إن المسئول عن خاصة نفسه الموقوف على عمله فيما بين الله وبينه, ليعرض على أمر كبير وعلى خطر عظيم, فكيف بالمسئول عن رعاية الأمة, وبالله الثقة, وإليه المفزع, والرغبة في التوفيق, والعصمة والتسديد, والهداية إلى ما فيه ثبوت الحجة, والفوز من الله بالرضوان والرحمة, وأنظر الأمة لنفسه وأنصحهم لله في دينه وعباده من خلائقه في أرضه, من عمل بطاعة الله وكتابه وسنة نبيه (ص) في مدة أيامه وبعدها, وأجهد رأيه ونظره فيمن يوليه عهده ويختاره لإمامة المسلمين, ورعايتهم بعده, وينصبه علما لهم ومفزعا في جمع ألفتهم, ولم شعثهم, وحقن دمائهم, والأمن بإذن الله من فرقتهم وفساد ذات بينهم واختلافهم, ورفع نزغ الشيطان وكيده عنهم, فإن الله عز وجل جعل العهد بعد الخلافة من تمام أمر الإسلام, وكماله وعزه وصلاح أهله, وألهم خلفاءه من توكيده لمن يختارونه له من بعدهم, ما عظمت به النعمة وشملت فيه العافية, ونقض الله بذلك مكر أهل الشقاق والعداوة, والسعي في الفرقة, والتربص للفتنة, ولم يزل أمير المؤمنين منذ أفضت إليه الخلافة, فاختبر بشاعة مذاقها, وثقل محملها, وشدة مئونتها, وما يجب على من تقلدها من ارتباط طاعة الله, ومراقبته فيما حمله منها, فأنصب بدنه وأسهر عينه, وأطال فكره فيما فيه عز الدين, وقمع المشركين, وصلاح الأمة ونشر العدل, وإقامة الكتاب والسنة, ومنعه ذلك من الخفض والدعة, ومهنإ العيش علما بما الله سائله عنه, ومحبة أن يلقى الله مناصحا له في دينه وعباده, ومختارا لولاية عهده ورعاية الأمة من بعده, أفضل من‏ يقدر عليه في دينه وورعه, وعلمه وأرجاهم للقيام في أمر الله وحقه, مناجيا الله بالاستخارة في ذلك, ومسألته الهامة ما فيه رضاه وطاعته في آناء ليله ونهاره, معملا في طلبه والتماسه في أهل بيته من ولد عبد الله بن العباس, وعلي بن أبي طالب (ع) فكره ونظره مقتصرا ممن علم حاله, ومذهبه منهم على علمه, وبالغا في المسألة عمن خفي عليه أمره جهده وطاقته, حتى استقصى أمورهم معرفة وابتلى أخبارهم مشاهدة, واستبرأ أحوالهم معاينة, وكشف ما عندهم مساءلة, فكانت خيرته بعد استخارته لله, وإجهاده نفسه في قضاء حقه في عباده وبلاده, في البيتين جميعا علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) لما رأى من فضله البارع, وعلمه النافع, وورعه الظاهر, وزهده الخالص, وتخليه من الدنيا, وتسلمه من الناس, وقد استبان له ما لم تزل الأخبار عليه متواطئة, والألسن عليه متفقة, والكلمة فيه جامعة, ولما لم يزل يعرفه به من الفضل يافعا وناشئا وحدثا ومكتهلا, فعقد له بالعقد والخلافة من بعده, واثقا بخيرة الله في ذلك, إذ علم الله أنه فعله إيثارا له وللدين, ونظرا للإسلام والمسلمين, وطلبا للسلامة وثبات الحجة, والنجاة في اليوم الذي يقوم الناس فيه لرب العالمين, ودعا أمير المؤمنين ولده وأهل بيته, وخاصته, وقواده, وخدمه, فبايعوا مسارعين مسرورين عالمين بإيثار أمير المؤمنين طاعة الله على الهوى في ولده وغيرهم ممن هو أشبك منه رحما, وأقرب قرابة, وسماه الرضا, إذ كان رضا عند أمير المؤمنين, فبايعوا معشر أهل بيت أمير المؤمنين ومن بالمدينة المحروسة من قواده وجنده وعامة المسلمين, لأمير المؤمنين وللرضا من بعده علي بن موسى (ع) على اسم الله وبركته, وحسن قضائه لدينه وعباده, بيعة مبسوطة إليها أيديكم, منشرحة لها صدوركم, عالمين بما أراد أمير المؤمنين بها, وآثر طاعة الله والنظر لنفسه, ولكم فيها شاكرين لله على ما ألهم أمير المؤمنين من قضاء حقه في رعايتكم, وحرصه على رشدكم وصلاحكم, راجين عائدة ذلك في جمع ألفتكم وحقن دمائكم, ولم‏ شعثكم وسد ثغوركم, وقوة دينكم ووقم عدوكم, واستقامة أموركم, وسارعوا إلى طاعة الله وطاعة أمير المؤمنين, فإنه الأمن إن سارعتم إليه, وحمدتم الله عليه, وعرفتم الحظ فيه إن شاء الله, وكتب بيده في يوم الإثنين لسبع خلون من شهر رمضان, سنة إحدى ومائتين.

صورة ما كان على ظهر العهد بخط الإمام علي بن موسى الرضا (ع):

{بسم الله الرحمن الرحيم}, الحمد لله الفعال لما يشاء, {لا معقب لحكمه} ولا راد لقضائه, {يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور}, وصلى الله على نبيه محمد خاتم النبيين وآله الطيبين الطاهرين, أقول وأنا علي بن موسى بن جعفر (ع) إن أمير المؤمنين عضده الله بالسداد, ووفقه للرشاد, عرف من حقنا ما جهله غيره, فوصل أرحاما قطعت, وآمن نفوسا فزعت بل أحياها وقد تلفت, وأغناها إذ افتقرت, مبتغيا رضا رب العالمين, لا يريد جزاء من غيره, {وسيجزي الله الشاكرين} و{لا يضيع أجر المحسنين}, وإنه جعل إلي عهده والإمرة الكبرى, إن بقيت بعده فمن حل عقدة أمر الله بشدها, وقصم عروة أحب الله إيثاقها, فقد أباح حريمه وأحل محرمه, إذ كان بذلك زاريا على الإمام منتهكا حرمة الإسلام بذلك, جرى السالف فصبر منه على الفلتات, ولم يعترض بعدها على العزمات, خوفا على شتات الدين, واضطراب حبل المسلمين, ولقرب أمر الجاهلية, ورصد فرصة تنتهز, وبائقة تبتدر, وقد جعلت لله على نفسي إن استرعاني أمر المسلمين وقلدني خلافته, العمل فيهم عامة وفي بني العباس بن عبد المطلب خاصة, بطاعته وطاعة رسوله (ص), وأن لا أسفك دما حراما, ولا أبيح فرجا, ولا مالا إلا ما سفكته حدوده, وأباحته فرائضه, وأن أتخير الكفاة جهدي وطاقتي, وجعلت بذلك على نفسي عهدا مؤكدا, يسألني الله عنه فإنه عز وجل يقول: {وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤلا} وإن أحدثت أو غيرت أو بدلت كنت للغير مستحقا, وللنكال متعرضا, وأعوذ بالله من سخطه وإليه أرغب في التوفيق لطاعته, والحول بيني وبين معصيته في عافية لي وللمسلمين والجامعة, والجفر يدلان على ضد ذلك, {وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن الحكم إلا لله} يقضي بالحق {وهو خير الفاصلين}, لكني امتثلت أمر أمير المؤمنين, وآثرت رضاه والله يعصمني وإياه, وأشهدت الله على نفسي بذلك, {وكفى بالله شهيدا}, وكتبت بخطي بحضرة أمير المؤمنين أطال الله بقاءه, والفضل بن سهل, وسهل بن الفضل, ويحيى بن أكثم, وعبد الله بن طاهر, وثمامة بن أشرس, وبشر بن المعتمر, وحماد بن النعمان, في شهر رمضان سنة إحدى ومائتين الشهود على الجانب الأيمن, شهد يحيى بن أكثم على مضمون هذا المكتوب ظهره وبطنه, وهو يسأل الله أن يعرف أمير المؤمنين وكافة المسلمين بركة هذا العهد والميثاق, وكتب بخطه في التاريخ المبين فيه, عبد الله بن طاهر بن الحسين أثبت شهادته فيه بتاريخه, شهد حماد بن النعمان بمضمونه ظهره وبطنه, وكتب بيده في تاريخه بشر بن المعتمر يشهد بمثل ذلك الشهود على الجانب الأيسر, رسم أمير المؤمنين أطال الله بقاءه قراءة هذه الصحيفة التي هي صحيفة الميثاق, نرجو أن نجوز بها الصراط ظهرها وبطنها بحرم سيدنا رسول الله (ص) بين الروضة والمنبر على رءوس الأشهاد, بمرأى ومسمع من وجوه بني هاشم, وسائر الأولياء والأحفاد, بعد استيفاء شروط البيعة عليه بما أوجب أمير المؤمنين الحجة به على جميع المسلمين, ولتبطل الشبهة التي كانت اعترضت آراء الجاهلين, {وما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه} وكتب الفضل بن سهل بأمر أمير المؤمنين بالتاريخ فيه.

----------------

كشف الغمة ج 2 ص 333, حلية الأبرار ج 4 ص 425, بحار الأنوار ج 49 ص 148

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية