* مع عالم من علماء النصارى
عن عمرو بن عبد الله الثقفي قال: أخرج هشام بن عبد الملك أبا جعفر محمد بن علي (ع) من المدينة إلى الشام وكان ينزله معه, فكان يقعد مع الناس في مجالسهم, فبينا هو قاعد وعنده جماعة من الناس يسألونه, إذ نظر إلى النصارى يدخلون في جبل هناك, فقال (ع): ما لهؤلاء القوم, ألهم عيد اليوم؟ قالوا: لا يا ابن رسول الله, ولكنهم يأتون عالما لهم في هذا الجبل في كل سنة في هذا اليوم, فيخرجونه ويسألونه عما يريدون وعما يكون في عامهم, قال أبو جعفر (ع): وله علم؟ فقالوا: من أعلم الناس, قد أدرك أصحاب الحواريين من أصحاب عيسى (ع), قال (ع): فهلم أن نذهب إليه, فقالوا: ذلك إليك يا ابن رسول الله, قال: فقنع أبو جعفر (ع) رأسه بثوبه ومضى هو وأصحابه, فاختلطوا بالناس حتى أتوا الجبل, قال: فقعد أبو جعفر (ع) وسط النصارى هو وأصحابه, فأخرج النصارى بساطا, ثم وضعوا الوسائد, ثم دخلوا فأخرجوا, ثم ربطوا عينيه فقلب عينيه كأنهما عينا أفعى, ثم قصد نحو أبي جعفر (ع) فقال له: أمنا أنت أو من الأمة المرحومة؟ فقال أبو جعفر (ع): من الأمة المرحومة, قال: أفمن علمائهم أنت أو من جهالهم؟ قال (ع): لست من جهالهم, قال النصراني: أسألك أو تسألني؟ قال أبو جعفر (ع): سلني, فقال: يا معشر النصارى, رجل من أمة محمد (ص) يقول: سلني, إن هذا لعالم بالمسائل ثم قال: يا عبد الله, أخبرني عن ساعة, ما هي من الليل ولا هي من النهار, أي ساعة هي؟ قال أبو جعفر (ع): ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس, قال النصراني: فإذا لم يكن من ساعات الليل, ولا من ساعات النهار, فمن أي الساعات هي؟ فقال أبو جعفر (ع): من ساعات الجنة, وفيها تفيق مرضانا, فقال النصراني: أصبت, فأسألك أو تسألني؟ قال أبو جعفر (ع): سلني, قال: يا معاشر النصارى, إن هذا لملي بالمسائل, أخبرني عن أهل الجنة, كيف صاروا يأكلون ولا يتغوطون؟ أعطني مثله في الدنيا, فقال أبو جعفر (ع): هو هذا الجنين في بطن أمه, يأكل مما تأكل أمه ولا يتغوط, قال النصراني: أصبت, ألم تقل ما أنا من علمائهم؟ قال أبو جعفر (ع): إنما قلت لك ما أنا من جهالهم, قال النصراني: فاسلك أو تسألني؟ قال: يا معشر النصارى, والله لأسألنه يرتطم فيها كما يرتطم الحمار في الوحل, فقال (ع): اسأل, قال: أخبرني عن رجل دنا من امرأته فحملت بابنين جميعا حملتهما في ساعة واحدة, وماتا في ساعة واحدة, ودفنا في ساعة واحدة, في قبر واحد, فعاش أحدهما خمسين ومائة سنة, وعاش الآخر خمسين سنة, من هما؟ قال أبو جعفر (ع): هما عزير وعزرة, كان حمل أمهما ما وصفت, ووضعتهما على ما وصفت, وعاش عزرة وعزير, فعاش عزرة وعزير ثلاثين سنة, ثم أمات الله عزيرا مائة سنة, وبقي عزرة يحيا, ثم بعث الله عزيرا فعاش مع عزرة عشرين سنة, قال النصراني: يا معشر النصارى, ما رأيت أحد قط أعلم من هذا الرجل, لا تسألوني عن حرف وهذا بالشام ردوني فردوه إلى كهفه, ورجع النصارى مع أبي جعفر (ع).
----------------
الكافي ج 8 ص 122, تفسير القمي ج 1 ص 98, الوافي ج 3 ص 783, حلية الأبرار ج 3 ص 384, مدينة المعاجز ج 5 ص 63, بحار الأنوار ج 10 ص 149, تفسير نور الثقلين ج 1 ص 270, تفسير كنز الدقائق ج 2 ص 417
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية
* مع شيخ في مدينة مدين
عن الصادق (ع): أن عبد الملك بن مروان كتب إلى عامله بالمدينة في رواية هشام بن عبد الملك: أن وجه إلي محمد بن علي (ع), فخرج أبي وأخرجني معه فمضينا, حتى أتينا مدين شعيب, فإذا نحن بدير عظيم وعلى بابه أقوام عليهم ثياب صوف خشنة, فألبسني والدي ولبس ثيابا خشنة, فأخذ بيدي حتى جئنا وجلسنا عند القوم, فدخلنا مع القوم الدير, فرأينا شيخا قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر, فنظر إلينا فقال لأبي (ع): أنت منا أم من هذه الأمة المرحوم؟ قال (ع): لا, بل من هذه الأمة المرحومة, قال: من علمائها أو من جهالها؟ قال أبي (ع): من علمائها, قال: أسألك عن مسألة؟ قال (ع): سل, قال: أخبرني عن أهل الجنة, إذا دخلوها وأكلوا من نعيمها هل ينقص من ذلك شيء؟ قال (ع): لا, قال الشيخ: ما نظيره؟ قال أبي (ع): أليس التوراة الإنجيل والزبور والفرقان يؤخذ منها ولا ينقص منها شيء؟ قال: أنت من علمائها, ثم قال: أهل الجنة هل يحتاجون إلى البول والغائط؟ قال أبي (ع): لا, قال: وما نظير ذلك؟ قال أبي (ع): أليس الجنين في بطن أمه يأكل ويشرب ولا يبول ولا يتغوط؟ قال: صدقت, قال: وسأل عن مسائل فأجاب أبي, ثم قال الشيخ: أخبرني عن توأمين ولدا في ساعة, وماتا في ساعة, عاش أحدهما مائة وخمسين سنة, وعاش الآخر خمسين سنة, من كانا, وكيف قصتهما؟ قال أبي (ع): هما عزير وعزرة, أكرم الله تعالى عزيرا بالنبوة عشرين سنة, وأماته مائة سنة, ثم أحياه فعاش بعده ثلاثين سنة, وماتا في ساعة واحدة, فخر الشيخ مغشيا عليه, فقال: فقام أبي (ع) وخرجنا من الدير, فخرج إلينا جماعة من الدير, وقالوا: يدعوك شيخنا, فقال أبي (ع): ما لي بشيخكم من حاجة, فإن كان له عندنا حاجة فليقصدنا, فرجعوا ثم جاءوا به, وأجلس بين يدي أبي (ع) فقال: ما اسمك؟ قال (ع): محمد, قال: أنت محمد النبي؟ قال (ع): لا, أنا ابن بنته, قال: ما اسم أمك؟ قال (ع): أمي فاطمة (ع) قال: من كان أبوك؟ قال (ع): اسمه علي (ع), قال: أنت ابن إليا بالعبرانية, وعلي بالعربية؟ قال (ع): نعم, قال: ابن شبر أو شبير؟ قال (ع): إني ابن شبير, قال الشيخ: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأن جدك محمدا (ص) رسول الله, ثم ارتحلنا حتى أتينا عبد الملك فنزل من سريره, واستقبل أبي (ع) وقال: عرضت لي مسألة لم يعرفها العلماء, فأخبرني إذا قتلت هذه الأمة إمامها المفروض طاعته عليهم أي عبرة يريهم الله في ذلك اليوم؟ قال أبي (ع): إذا كان كذلك, لا يرفعون حجرا إلا ويرون تحته دما عبيطا, فقبل عبد الملك رأس أبي (ع) وقال: صدقت, إن في يوم قتل فيه أبوك علي بن أبي طالب (ع) كان على باب أبي مروان حجر عظيم, فأمر أن يرفعوه فرأينا تحته دما عبيطا يغلي, وكان لي أيضا حوض كبير في بستاني وكان حافته حجارة سوداء, فأمرت أن ترفع ويوضع مكانها حجارة بيض, وكان في ذلك اليوم قتل الحسين (ع), فرأيت دما عبيطا يغلي تحتها, أتقيم عندنا ولك من الكرامة ما تشاء, أم ترجع؟ قال أبي (ع): بل أرجع إلى قبر جدي (ع), فأذن له بالانصراف, فبعث قبل خروجنا بريدا يأمر أهل كل منزل أن لا يطعمونا شيئا, ولا يمكنونا من النزول في بلد, حتى نموت جوعا, فكلما بلغنا منزلا طردونا, وفني زادنا حتى أتينا مدين شعيب, وقد أغلق بابه, فصعد أبي (ع) جبلا هناك مطلا على البلد أو مكانا مرتفعا عليه, فقرأ {وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين بقيت الله خير لكم إن كنتم مؤمنين} ثم رفع صوته وقال: والله أنا بقية الله, فأخبروا الشيخ بقدومنا وأحوالنا, فحملوه إلى أبي (ع) وكان لهم معهم من الطعام كثير, فأحسن ضيافتنا, فأمر الوالي بتقييد الشيخ, فقيدوه ليحملوه إلى عبد الملك لأنه خالف أمره, قال الصادق (ع): فاغتممت لذلك وبكيت, فقال والدي (ع): ولا بأس من عبد الملك بالشيخ, ولا يصل إليه فإنه يتوفى أول منزل ينزله, وارتحلنا حتى رجعنا إلى المدينة بجهد.
-----------------
الخرائج والجرائح ج 1 ص 291, مدينة المعاجز ج 5 ص 181, بحار الأنوار ج 10 ص 152
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية
* في قوله تعالى {يوم تبدل الأرض}:
عن أبي جعفر (ع) قال: قال له الأبرش الكلبي: بلغني أنك قلت في قول الله: {يوم تبدل الأرض} أنها تبدل خبزة؟ فقال أبو جعفر (ع): صدقوا, تبدل الأرض خبزة نقية في الموقف يأكلون منها, فضحك الأبرش وقال: أما لهم شغل بما هم فيه عن أكل الخبز؟ فقال (ع): ويحك, في أي المنزلتين هم أشد شغلا وأسوأ حالا, إذا هم في الموقف أو في النار يعذبون؟ فقال: لا في النار, فقال (ع): ويحك, وإن الله يقول: {لآكلون من شجر من زقوم فمالؤن منها البطون فشاربون عليه من الحميم فشاربون شرب الهيم} قال: فسكت (1) وفي خبر آخر عنه فقال (ع): وهم في النار لا يشغلون عن أكل الضريع وشرب الحميم وهم في العذاب, كيف يشغلون عنه في الحساب؟ (2)
---------------
(1) إلى هنا في تفسير نور الثقلين وتفسير كنز الدقائق
(2) تفسير العياشي ج 2 ص 237, البرهان ج 3 ص 321, بحار الأنوار ج 10 ص 156, مستدرك الوسائل ج 16 ص 262, تفسير نور الثقلين ج 2 ص 557تفسير كنز الدقائق ج 7 ص 91
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية
عن عبد الرحمن بن عبد الله الزهري قال: حج هشام بن عبد الملك فدخل المسجد الحرام متكئا على يد سالم مولاه, ومحمد بن علي بن الحسين (ع) جالس في المسجد, فقال له سالم: يا أمير المؤمنين, هذا محمد بن علي بن الحسين (ع) فقال له هشام: المفتون به أهل العراق, قال: نعم, قال: اذهب إليه وقل له: يقول لك أمير المؤمنين: ما الذي يأكل الناس ويشربون إلى أن يفصل بينهم يوم القيامة؟ قال له أبو جعفر (ع): يحشر الناس على مثل قرص النقي فيها أنهار مفجرة يأكلون ويشربون, حتى يفرغ من الحساب, قال: فرأى هشام أنه قد ظفر به, فقال: الله أكبر اذهب إليه فقل له: يقول لك: ما أشغلهم عن الأكل والشرب يومئذ؟ فقال له أبو جعفر (ع): هم في النار أشغل, ولم يشغلوا عن أن قالوا: أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله, فسكت هشام لا يرجع كلاما.
---------------
الإرشاد ج 2 ص 163, الدر النظيم ص 610, حلية الأبرار ج 3 ص 393, بحار الأنوار ج 46 ص 332
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية
* مع طاووس اليماني
سأل طاووس اليماني الباقر (ع): متى هلك ثلث الناس؟ فقال (ع): يا أبا عبد الرحمن, لم يمت ثلث الناس قط, يا شيخ أردت أن تقول: متى هلك ربع الناس, وذلك يوم قتل قابيل هابيل, كانوا أربعة آدم وحواء وهابيل وقابيل فهلك ربعهم, قال: فأيهما كان أبا الناس القاتل أو المقتول؟ قال (ع): لا واحد منهما, أبوهم شيث, وسأله عن شيء قليله حلال وكثيره حرام في القرآن, قال (ع): نهر طالوت, إلا من اغترف غرفة بيده. وعن صلاة مفروضة بغير وضوء, وصوم لا يحجز عن أكل وشرب, فقال (ع): الصلاة على النبي, والصوم قوله تعالى: {إني نذرت للرحمن صوما}. وعن شيء يزيد وينقص, فقال (ع): القمر, وعن شيء يزيد ولا ينقص فقال (ع): البحر, وعن شيء ينقص ولا يزيد, فقال (ع): العمر, وعن طائر طار مرة ولم يطر قبلها ولا بعدها, قال (ع): طور سيناء, قوله تعالى: {وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة}. وعن قوم شهدوا بالحق وهم كاذبون, قال (ع): المنافقون, حين {قالوا نشهد إنك لرسول الله}.
---------------
مناقب آل أبي طالب (ع) ج 4 ص 201, بحار الأنوار ج 10 ص 156
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية
* في طلب المعيشة
عن أبي عبد الله (ع) قال: إن محمد بن المنكدر كان يقول: ما كنت أرى أن مثل علي بن الحسين (ع), يدع خلفا لفضل علي بن الحسين (ع), حتى رأيت ابنه محمد بن علي (ع), فأردت أن أعظه فوعظني, فقال له أصحابه: بأي شيء وعظك؟ قال: خرجت إلى بعض نواحي المدينة في ساعة حارة, فلقيت محمد بن علي (ع), وكان رجلا بدينا, وهو متك على غلامين له أسودين أو موليين, فقلت في نفسي: شيخ من شيوخ قريش في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا أشهد لأعظنه, فدنوت منه فسلمت عليه, فسلم علي ببهر وقد تصبب عرقا, فقلت: أصلحك الله شيخ من أشياخ قريش, في هذه الساعة على هذه الحال في طلب الدنيا, لو جاءك الموت وأنت على هذه الحال, قال: فخلى عن الغلامين من يده, ثم تساند, وقال: لو جاءني والله الموت وأنا في هذه الحال, جاءني وأنا في طاعة من طاعات الله تعالى, أكف بها نفسي عنك وعن الناس, وإنما كنت أخاف الموت لو جاءني وأنا على معصية من معاصي الله, فقلت: يرحمك الله, أردت أن أعظك فوعظتني.
-------------
الإرشاد ج 2 ص 161, إعلام الورى ج 1 ص 507, كشف الغمة ج 2 ص 125, بحار الأنوار ج 46 ص 287
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية
عن محمد بن المنكدر قال: رأيت الباقر (ع) وهو متكئ على غلامين أسودين, فسلمت عليه, فرد علي على بهر وقد تصبب عرقا, فقلت: أصلحك الله, لو جاءك الموت وأنت على هذه الحال في طلب الدنيا, فخلى الغلامين من يده وتساند, وقال (ع): لو جاءني أنا في طاعة من طاعات الله أكف بها نفسي عنك وعن الناس, وإنما كنت أخاف الله لو جاءني وأنا على معصية من معاصي الله, فقلت: رحمك الله, أردت أن أعظك فوعظتني.
---------------
مناقب آل أبي طالب (ع) ج 4 ص 201, بحار الأنوار ج 10 ص 157
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية
* في بدء الخلق
وجاءه رجل من أهل الشام, وسأله عن بدء خلق البيت؟ فقال (ع): إن الله تعالى لما قال للملائكة: {إني جاعل في الأرض خليفة} فردوا عليه بقولهم: {أتجعل فيها} وساق الكلام إلى قوله تعالى: {وما كنتم تكتمون} فعلموا أنهم وقعوا في الخطيئة, فعاذوا بالعرش فطافوا حوله سبعة أشواط, يسترضون ربهم عز وجل فرضي عنهم, وقال لهم: اهبطوا إلى الأرض, فابنوا لي بيتا يعوذ به من أذنب من عبادي, ويطوف حوله كما طفتم أنتم حول عرشي, فأرضى عنه كما رضيت عنكم, فبنوا هذا البيت, فقال له الرجل: صدقت يا أبا جعفر, فما بدء هذا الحجر؟ قال (ع): إن الله تعالى لما أخذ ميثاق بني آدم, أجرى نهرا أحلى من العسل, وألين من الزبد, ثم أمر القلم استمد من ذلك وكتب إقرارهم وما هو كائن إلى يوم القيامة, ثم ألقم ذلك الكتاب هذا الحجر, فهذا الاستلام الذي ترى إنما هو بيعة على إقرارهم, وكان أبي (ع) إذا استلم الركن قال: اللهم أمانتي أديتها, وميثاقي تعاهدته, ليشهد لي عندك بالوفاء, فقال الرجل: صدقت يا أبا جعفر, ثم قام فلما ولي قال الباقر (ع) لابنه الصادق (ع): اردده علي, فتبعه إلى الصفا, فلم يره فقال الباقر (ع): أراه الخضر (ع).
---------------
شرح الأخبار ج 3 ص 278, مناقب آل أبي طالب (ع) ج 4 ص 202, بحار الأنوار ج 10 ص 158
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية
* مع ابن ذر
عن ثوير بن أبي فاختة قال: خرجت حاجا فصحبني عمر بن ذر القاضي, وابن قيس الماصر, والصلت بن بهرام, وكانوا إذا نزلوا منزلا قالوا: انظر الآن فقد حررنا أربعة آلاف مسألة, نسأل أبا جعفر (ع) منها عن ثلاثين كل يوم, وقد قلدناك ذلك, قال ثوير: فغمني ذلك, حتى إذا دخلنا المدينة فافترقا فنزلت أنا على أبي جعفر (ع) فقلت له: جعلت فداك, إن ابن ذر وابن قيس الماصر والصلت صحبوني, وكنت أسمعهم يقولون قد حررنا أربعة آلاف مسألة, نسأل أبا جعفر (ع) عنها فغمني ذلك, فقال أبو جعفر (ع): ما يغمك من ذلك؟ فإذا جاءوا فأذن لهم, فلما كان من غد دخل مولى لأبي جعفر (ع) فقال: جعلت فداك, إن بالباب ابن ذر ومعه قوم, فقال أبو جعفر (ع): يا ثوير, قم فأذن لهم, فقمت فأدخلتهم, فلما دخلوا سلموا وقعدوا ولم يتكلموا, فلما طال ذلك أقبل أبو جعفر (ع) يستفتيهم الأحاديث, وأقبلوا لا يتكلمون, فلما رأى ذلك أبو جعفر (ع) قال لجارية له: يقال لها سرحة, هاتي الخوان, فلما جاءت به فوضعته, قال أبو جعفر (ع): الحمد لله الذي جعل لكل شيء حدا ينتهي إليه, حتى أن لهذا الخوان حدا ينتهي إليه, فقال ابن ذر وما حده؟ قال (ع): إذا وضع ذكر اسم الله, وإذا رفع حمد الله, قال: ثم أكلوا, ثم قال أبو جعفر (ع): اسقيني, فجاءته بكوز من أدم, فلما صار في يده قال: الحمد لله الذي جعل لكل شيء حدا ينتهي إليه, حتى أن لهذا الكوز حدا ينتهي إليه, فقال ابن ذر: وما حده؟ قال (ع): يذكر اسم الله عليه إذا شرب, ويحمد الله عليه إذا فرغ, ولا يشرب من عند عروته, ولا من كسر إن كان فيه, قال: فلما فرغوا أقبل عليهم يستفتيهم الأحاديث فلا يتكلمون, فلما رأى ذلك أبو جعفر (ع) قال: يا ابن ذر, ألا تحدثنا ببعض ما سقط إليكم من حديثنا؟ قال: بلى يا ابن رسول الله, قال: إني تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من آخر, كتاب الله وأهل بيتي, إن تمسكتم بهما لن تضلوا, فقال أبو جعفر (ع): يا ابن ذر, إذا لقيت رسول الله (ص) فقال: ما خلفتني في الثقلين؟ فماذا تقول؟ قال: فبكى ابن ذر حتى رأيت دموعه تسيل على لحيته, ثم قال: أما الأكبر فمزقناه, وأما الأصغر فقتلناه, فقال أبو جعفر (ع): إذا تصدقه يا ابن ذر, لا والله لا تزول قدم يوم القيامة, حتى يسأل عن ثلاث: عن عمره فيما أفناه, وعن ماله أين اكتسبه وفيما أنفقه, وعن حبنا أهل البيت, قال: فقاموا وخرجوا, فقال أبو جعفر (ع) لمولى له: اتبعهم, فانظر ما يقولون, قال: فتبعهم ثم رجع, فقال: جعلت فداك, قد سمعتهم يقولون لابن ذر: ما على هذا خرجنا معك, فقال: ويلكم اسكتوا, ما أقول إن رجلا يزعم أن الله يسألني عن ولايته, وكيف أسأل رجلا يعلم حد الخوان وحد الكوز.
----------------
رجال الكشي ص 219, بحار الأنوار ج 10 ص 159
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية
* مع نافع بن الأزرق
عن أبي الربيع قال: حججت مع أبي جعفر (ع) في السنة التي حج فيها هشام بن عبد الملك, وكان معه نافع بن الأزرق مولى عمر بن الخطاب, فنظر نافع إلى أبي جعفر (ع) في ركن البيت, وقد اجتمع عليه الناس فقال لهشام: يا أمير المؤمنين, من هذا الذي يتكافأ عليه الناس؟ فقال: هذا نبي أهل الكوفة, هذا محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين, فقال نافع: لآتينه ولأسألنه عن مسائل لا يجيبني فيها إلا نبي أو وصي نبي أو ابن وصي نبي, فقال هشام: فاذهب إليه فسله فلعلك أن تخجله, فجاء نافع فاتكأ على الناس, ثم أشرف على أبي جعفر (ع), فقال: يا محمد بن علي, إني قد قرأت التوراة والإنجيل والزبور والفرقان, وقد عرفت حلالها وحرامها, قد جئت أسألك عن مسائل لا يجيبني فيها إلا نبي أو وصي نبي أو ابن وصي نبي, فرفع إليه أبو جعفر (ع) رأسه فقال: سل, فقال: أخبرني كم بين عيسى ومحمد (ص) من سنة؟ قال (ع): أخبرك بقولي أم بقولك؟ قال: أخبرني بالقولين جميعا, قال (ع): أما بقولي فخمسمائة سنة, وأما بقولك فستمائة سنة, قال: فأخبرني عن قول الله تعالى: {وسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون} من الذي سأل محمد (ص) وكان بينه وبين عيسى خمسمائة سنة؟ قال: فتلا أبو جعفر (ع) هذه الآية: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا} فكان من الآيات التي أراها الله محمدا (ص), حين أسري به إلى بيت المقدس, أن حشر الله الأولين والآخرين من النبيين والمرسلين, ثم أمر جبرئيل (ع) فأذن شفعا وأقام شفعا, ثم قال في إقامته: حي على خير العمل, ثم تقدم محمد (ص) فصلى بالقوم, فأنزل الله تعالى عليه {وسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون} فقال لهم رسول الله (ص): علام تشهدون وما كنتم تعبدون؟ قالوا: نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأنك رسول الله, أخذت على ذلك مواثيقنا وعهودنا, قال نافع: صدقت يا ابن رسول الله يا أبا جعفر, فأخبرني عن قول الله عز وجل: {أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما}؟ قال (ع): إن الله تبارك وتعالى أهبط آدم إلى الأرض، وكانت السماوات رتقا لا تمطر شيئا، وكانت الأرض رتقا لا تنبت شيئا، فلما أن تاب الله عز وجل على آدم (ع)، أمر السماء فتقطرت بالغمام، ثم أمرها فأرخت عزاليها، ثم أمر الأرض فأنبتت الأشجار، وأثمرت الثمار، وتفهقت بالأنهار، فكان ذلك رتقها، وهذا فتقها, فقال نافع: صدقت يا ابن رسول الله، فأخبرني عن قول الله عز وجل: {يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات} أي أرض تبدل يومئذ؟ فقال أبو جعفر (ع): أرض تبقى خبزة يأكلون منها حتى يفرغ الله عز وجل من الحساب, فقال نافع: إنهم عن الأكل لمشغولون, فقال أبو جعفر (ع): أهم يومئذ أشغل، أم إذ هم في النار؟ فقال نافع: بل إذ هم في النار, قال: فو الله ما شغلهم إذ دعوا بالطعام فأطعموا الزقوم، ودعوا بالشراب فسقوا الحميم, قال: صدقت يا ابن رسول الله، ولقد بقيت مسألة واحدة، قال (ع): وما هي؟ قال: أخبرني عن الله تبارك وتعالى, متى كان؟ قال (ع): ويلك، متى لم يكن حتى أخبرك متى كان؟ سبحان من لم يزل ولا يزال فردا صمدا, {لم يتخذ صاحبة و لا ولدا}, ثم قال (ع): يا نافع، أخبرني عما أسألك عنه, قال: وما هو؟ قال (ع): ما تقول في أصحاب النهروان؟ فإن قلت: إن أمير المؤمنين (ع) قتلهم بحق فقد ارتددت، وإن قلت: إنه قتلهم باطلا فقد كفرت, قال: فولى من عنده وهو يقول: أنت والله أعلم الناس حقا حقا، فأتى هشام، فقال له: ما صنعت؟ قال: دعني من كلامك، هذا والله أعلم الناس حقا حقا، وهو ابن رسول الله (ص) حقا (1)، ويحق لأصحابه أن يتخذوه نبيا. (2)
----------------
(1) إلى هنا في الاحتجاج
(2) الكافي ج 8 ص 120, الوافي ج 3 ص 780, البرهان ج 2 ص 554, حلية الأبرار ج 3 ص 380, بحار الأنوار ج 33 ص 425, الاحتجاج ج 2 ص 326
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية
* في مسالة في الوراثة
عن بكير بن أعين قال: جاء رجل إلى أبي جعفر (ع) فقال له: يا أبا جعفر, ما تقول في امرأة تركت زوجها وإخوتها لأمها وأختها لأبيها؟ فقال أبو جعفر (ع): للزوج النصف ثلاثة أسهم من ستة أسهم, وللإخوة من الأم الثلث سهمان من ستة, وللأخت من الأب ما بقي وهو السدس سهم من ستة, فقال له الرجل: فإن فرائض زيد وفرائض العامة, والقضاة على غير ذلك, يا أبا جعفر يقولون للأخت من الأب ثلاثة أسهم من ستة إلى ثمانية, فقال له أبو جعفر (ع): ولم قالوا ذلك؟ قال: لأن الله تعالى يقول: {إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك} فقال أبو جعفر (ع): فإن كان الأخت أخا؟ قال: ليس له إلا السدس, فقال أبو جعفر (ع): فما لكم نقصتم الأخ, إن كنتم تحتجون للأخت بأن الله تعالى قد سمى لها النصف, فإن الله تعالى قد سمى للأخ أيضا الكل والكل أكثر من النصف, قال الله تعالى: {فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد}, فلا تعطون الذي جعل الله له الجميع في فرائضكم شيئا, وتعطونه السدس في موضع, وتعطون الذي جعل الله تعالى له النصف تاما, فقال الرجل: وكيف نعطي الأخت أصلحك الله النصف, ولا نعطي الأخ شيئا؟ فقال أبو جعفر (ع): تقولون في أم وزوج وإخوة لأم, وأخت لأب, فتعطون الزوج النصف ثلاثة أسهم من ستة, تعول إلى تسعة, والأم السدس والإخوة من الأم الثلث, والأخت من الأب النصف ثلاثة يرتفع من ستة إلى تسعة, فقال: كذلك يقولون, فقال (ع): إن كانت الأخت أخا لأب, قال: ليس له شيء فقال الرجل لأبي جعفر (ع): فما تقول أنت رحمك الله؟ قال (ع): فليس للإخوة من الأب والأم, ولا للإخوة من الأم, ولا للإخوة من الأب مع الأم شيء.
---------------
الفصول المختارة ص 180, بحار الأنوار ج 10 ص 162
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية
* يوم مات ربع الناس
عن أبان بن تغلب قال: دخل طاوس اليماني إلى الطواف, ومعه صاحب له, فإذا هو بأبي جعفر (ع) يطوف أمامه وهو شاب حدث, فقال طاوس لصاحبه: إن هذا الفتى لعالم, فلما فرغ من طوافه صلى ركعتين, ثم جلس فأتاه الناس, فقال طاوس لصاحبه: نذهب إلى أبي جعفر (ع) نسأله عن مسألة, لا أدري عنده فيها شيء, فأتياه فسلما عليه, ثم قال له طاوس: يا أبا جعفر, هل تعلم أي يوم مات ثلث الناس؟ فقال (ع): يا أبا عبد الرحمن, لم يمت ثلث الناس قط, بل إنما أردت ربع الناس, قال: وكيف ذلك؟ قال (ع): كان آدم وحواء وقابيل وهابيل, فقتل قابيل هابيل, فذلك ربع الناس, قال: صدقت, قال أبو جعفر (ع): هل ترى ما صنع بقابيل؟ قال: لا, قال (ع): علق بالشمس ينضح بالماء الحار إلى أن تقوم الساعة.
--------------
الاحتجاج ج 2 ص 326, بحار الأنوار ج 11 ص 229, باختصار: تفسير الصافي ج 2 ص 30, تفسير نور الثقلين ج 1 ص 618, تفسير كنز الدقائق ج 4 ص 93
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية
* الفترة التي كانت بين النبي عيسى × ورسول الله |
قال الأبرش الكلبي لهشام مشيرا إلى الباقر (ع): من هذا الذي احتوشته أهل العراق يسألونه؟ قال: هذا نبي الكوفة, وهو يزعم أنه ابن رسول الله (ص), وباقر العلم ومفسر القرآن, فاسأله مسألة لا يعرفها, فأتاه وقال: يا ابن علي, قرأت التوراة والإنجيل والزبور والفرقان, قال (ع): نعم, قال: فإني أسألك عن مسائل؟ قال (ع): سل, فإن كنت مسترشدا فستنتفع بما تسأل عنه, وإن كنت متعنتا فتضل بما تسأل عنه, قال: كم الفترة التي كانت بين محمد وعيسى (ع)؟ قال (ع): أما في قولنا فسبعمائة سنة, وأما في قولك فستمائة سنة, قال: فأخبرني عن قوله تعالى: {يوم تبدل الأرض غير الأرض} ما الذي يأكل الناس ويشربون إلى أن يفصل بينهم يوم القيامة؟ قال (ع): يحشر الناس على مثل قرصة النقي فيها أنهار متفجرة, يأكلون ويشربون حتى يفرغ من الحساب, فقال هشام: قل له: ما أشغلهم عن الأكل والشرب يومئذ؟ قال (ع): هم في النار أشغل ولم يشتغلوا عن أن قالوا: {أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله}, قال: فنهض الأبرش وهو يقول: أنت ابن بنت رسول الله (ص) حقا, ثم صار إلى هشام قال: دعونا منكم يا بني أمية, فإن هذا أعلم أهل الأرض بما في السماء والأرض, فهذا ولد رسول الله (ص).
---------------
مناقب آل أبي طالب (ع) ج 4 ص 198, بحار الأنوار ج 46 ص 355, رياض الأبرار ج 2 ص 121
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية
* في المتعة
روي: أن عبد الله بن معمر الليثي قال لأبي جعفر (ع): بلغني أنك تفتي في المتعة؟ فقال (ع): أحلها الله في كتابه, وسنها رسول الله (ص), وعمل بها أصحابه, فقال عبد الله: فقد نهى عنها عمر, قال (ع): فأنت على قول صاحبك, وأنا على قول رسول الله (ص), قال عبد الله: فيسرك أن نساءك فعلن ذلك؟ قال أبو جعفر (ع): وما ذكر النساء هاهنا, يا أنوك إن الذي أحلها في كتابه وأباحها لعباده أغير منك وممن نهى عنها, تكلفا بل يسرك أن بعض حرمك تحت حائك من حاكة يثرب نكاحا؟ قال: لا, قال (ع): فلم تحرم ما أحل الله؟ قال: لا أحرم, ولكن الحائك ما هو لي بكفو, قال (ع) فإن الله ارتضى عمله ورغب فيه, وزوجه حورا, أفترغب عمن رغب الله فيه, وتستنكف ممن هو كفو لحور الجنان كبرا وعتوا؟ قال: فضحك عبد الله, وقال ما أحسب صدوركم إلا منابت أشجار العلم, فصار لكم ثمره وللناس ورقه.
--------------
كشف الغمة ج 2 ص 149, بحار الأنوار ج 46 ص 356, رياض الأبرار ج 2 ص 122
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية
* في فضائل الأئمة عليهم السلام
عن أبي حمزة الثمالي قال: كنت جالسا في مسجد رسول الله (ص), إذ أقبل رجل فسلم فقال: من أنت يا عبد الله؟ فقلت: رجل من أهل الكوفة, فقلت: فما حاجتك؟ فقال لي: أتعرف أبا جعفر محمد بن علي (ع)؟ قلت: نعم, قالت: فما حاجتك إليه؟ فقال: هيأت له أربعين مسألة أسأله عنها, فما كان من حق أخذته وما كان من باطل تركته, قال أبو حمزة: فقلت: هل تعرف ما بين الحق والباطل؟ فقال: نعم, فقلت له: فما حاجتك إليه, إذا كنت تعرف ما بين الحق والباطل؟ فقال لي: يا أهل الكوفة, أنتم قوم ما تطاقون إذا رأيت أبا جعفر (ع) فأخبرني فما انقطع كلامه حتى أقبل أبو جعفر (ع), وحوله أهل خراسان وغيرهم يسألونه عن مناسك الحج, فمضى حتى جلس مجلسه وجلس الرجل قريبا منه, قال أبو حمزة: فجلست بحيث أسمع الكلام, وحوله عالم من الناس, فلما قضى حوائجهم وانصرفوا التفت إلى الرجل فقال (ع) له: من أنت؟ فقال: أنا قتادة بن دعامة البصري, فقال له أبو جعفر (ع): أنت فقيه أهل البصرة؟ قال: نعم, فقال له أبو جعفر (ع): ويحك يا قتادة, إن الله تعالى خلق خلقا من خلقه, فجعلهم حججا على خلقه وهم أوتاد في أرضه قوام بأمره نجباء في علمه, اصطفاهم قبل خلقه أظلة عن يمين عرشه, قال: فسكت قتادة طويلا ثم قال: أصلحك الله, والله لقد جلست بين يدي الفقهاء, وقدام ابن عباس فما اضطرب قلبي قدام واحد منهم ما اضطرب قدامك, فقال أبو جعفر (ع): أتدري أين أنت بين يدي { بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة} فأنت ثم ونحن أولئك, فقال قتادة: صدقت والله جعلني الله فداك, والله ما هي بيوت حجارة ولا طين, قال قتادة: فأخبرني عن الجبن, فتبسم أبو جعفر (ع) وقال: رجعت مسائلك إلى هذا؟ قال: ضلت عني, فقال (ع): لا بأس به, فقال: إنه ربما جعلت فيه إنفحة الميت, قال (ع): ليس بها بأس, إن الإنفحة ليست لها عروق ولا فيها دم ولا لها عظم, إنما تخرج من بين فرث ودم, ثم قال: وإنما الإنفحة بمنزلة دجاجة ميتة, خرجت منها بيضة فهل تأكل تلك البيضة؟ فقال قتادة: لا, ولا آمر بأكلها, فقال له أبو جعفر (ع): ولم؟ قال: لأنها من الميتة, قال (ع) له: فإن حضنت تلك البيضة, فخرجت منها دجاجة, أتأكلها؟ قال: نعم, قال (ع): فما حرم عليك البيضة وأحل لك الدجاجة؟ ثم قال: فكذلك الإنفحة, مثل البيضة فاشتر الجبن من أسواق المسلمين من أيدي المصلين, ولا تسأل عنه إلا أن يأتيك من يخبرك عنه.
--------------
الكافي ج 6 ص 256, الوافي ج 19 ص 95, البرهان ج 4 ص 74, حلية الأبرار ج 3 ص 378, مدينة المعاجز ج 5 ص 58, بحار الأنوار ج 10 ص 154, باختصار: فقه القرآن ج 2 ص 286, وسائل الشيعة ج 24 ص 179, هداية الأمة ج 8 ص 55
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية
عن زيد الشحام قال: دخل قتادة بن دعامة على أبي جعفر (ع) فقال (ع): يا قتادة, أنت فقيه أهل البصرة؟ فقال: هكذا يزعمون, فقال أبو جعفر (ع): بلغني أنك تفسر القرآن, قال له قتادة: نعم, فقال له أبو جعفر (ع): بعلم تفسره أم بجهل؟ قال: لا بعلم, فقال له أبو جعفر (ع): فإن كنت تفسره بعلم فأنت أنت وأنا أسألك, قال قتادة: سل, قال (ع): أخبرني عن قول الله عز وجل في سبإ {وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين} فقال قتادة: ذاك من خرج من بيته بزاد حلال وراحلة حلال, وكرى حلال يريد هذا البيت كان آمنا, حتى يرجع إلى أهله, فقال أبو جعفر (ع): نشدتك الله يا قتادة, هل تعلم أنه قد يخرج الرجل من بيته بزاد حلال وكرى حلال يريد هذا البيت فيقطع عليه الطريق فتذهب نفقته ويضرب مع ذلك ضربة فيها اجتياحه؟ قال قتادة: اللهم نعم, فقال أبو جعفر (ع): ويحك يا قتادة, إن كنت إنما فسرت القرآن من تلقاء نفسك فقد هلكت وأهلكت, وإن كنت قد أخذته من الرجال فقد هلكت وأهلكت, ويحك يا قتادة, ذلك من خرج من بيته بزاد وراحلة وكرى حلال, يروم هذا البيت عارفا بحقنا يهوينا قلبه, كما قال الله عز وجل: {فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم} ولم يعن البيت فيقول إليه, فنحن والله دعوة إبراهيم صلى الله عليه التي من هوانا قلبه قبلت حجته, وإلا فلا يا قتادة, فإذا كان كذلك كان آمنا من عذاب جهنم يوم القيامة, قال قتادة: لا جرم والله, لا فسرتها إلا هكذا, فقال أبو جعفر (ع): ويحك يا قتادة, إنما يعرف القرآن من خوطب به.
--------------
الكافي ج 8 ص 311, الوافي ج 26 ص 442, تفسير الصافي ج 1 ص 21, البرهان ج 1 ص 40, حلية الأبرار ج 3 ص 388, بحار الأنوار ج 46 ص 349, تفسير كنز الدقائق ج 10 ص 492, تفسير نور الثقلين ج 4 ص 331, تفسير كنز الدقائق ج 10 ص 492رياض الأبرار ج 2 ص 118 باختصار
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية
عن ضريس الكناسي قال: سمعت أبا جعفر (ع) يقول وعنده اناس من أصحابه: عجبت من قوم يتولونا ويجعلونا أئمة ويصفون أن طاعتنا مفترضة عليهم كطاعة رسول الله (ص) ثم يكسرون حجتهم ويخصمون أنفسهم بضعف قلوبهم، فينقصونا حقنا ويعيبون ذلك على من أعطاه الله برهان حق معرفتنا والتسليم لامرنا، أترون أن الله تبارك وتعالى افترض طاعة أوليائه على عباده، ثم يخفي عنهم أخبار السماوات والارض ويقطع عنهم مواد العلم فيما يرد عليهم مما فيه قوام دينهم؟ فقال له حمران: جعلت فداك أرأيت ما كان من أمر قيام علي بن أبي طالب والحسن والحسين عليهم السلام وخروجهم وقيامهم بدين الله عز ذكره، وما اصيبوا من قتل الطواغيت إياهم والظفر بهم حتى قتلوا وغلبوا؟ فقال أبوجعفر (ع): ياحمران إن الله تبارك وتعالى قد كان قدر ذلك عليهم وقضاه وأمضاه وحتمه على سبيل الاختيار ثم أجراه فبتقدم علم إليهم من رسول الله (ص) قام علي والحسن والحسين عليهم السلام، وبعلم صمت من صمت منا، ولو أنهم يا حمران حيث نزل بهم ما نزل بهم ما نزل من أمر الله عزوجل وإظهار الطواغيت عليهم سألوا الله عزوجل أن يدفع عنهم ذلك وألحوا عليه في طلب إزالة ملك الطواغيت وذهاب ملكهم إذا لاجابهم ودفع ذلك عنهم، ثم كان انقضاء مدة الطواغيت وذهاب ملكهم أسرع من سلك منظوم انقطع فتبدد، وما كان ذلك الذي أصابهم يا حمران لذنب اقترفوه ولا لعقوبة معصية خالفوا الله فيها ولكن لمنازل وكرامة من الله، أراد أن يبلغوها، فلا تذهبن بك المذاهب فيهم.
------------
الكافي ج 1 ص 261, بصائر الدرجات ص 124, الخرائج ج 2 ص 870, مختصر البصائر ص 326, الوافي ج 3 ص 602, بحار الأنوار ج 26 ص 149, العوالم ج 17 ص 519
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية
* فضل أمير المؤمنين × على الأنبياء عليهم السلام
عن عبد الله بن الوليد السمان، قال: قال الباقر (ع): يا عبد الله ما تقول في علي وموسى وعيسى صلوات الله عليهم؟ قلت: وما عسى أن أقول فيهم؟ قال (ع): والله علي (ع) أعلم منهما, ثم قال: ألستم تقولون إن لعلي (ع) ما لرسول الله (ص) من العلم؟ قلنا: نعم، والناس ينكرون، قال: فخاصمهم فيه بقوله تعالى لموسى (ع) {وكتبنا له في الألواح من كل شيء} فأعلمنا أنه لم يكتب له الشيء كله، وقال لعيسى (ع) {ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه} فأعلمنا أنه لم يبين الأمر كله، وقال لمحمد (ص) {وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء} قال: فسئل عن قوله تعالى {قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب} قال: والله إيانا عنى، وعلي (ع) أولنا، وأفضلنا، وأخيرنا بعد رسول الله (ص). وقال: إن العلم الذي نزل مع آدم (ع) على حاله عندنا، وليس يمضي منا عالم إلا خلف من يعلم علمه، والعلم نتوارث به.
-----------
مختصر البصائر ص 302, الخرائج ج 2 ص 798, بحار الأنوار ج 26 ص 198, مختصر بصائر الدرجات ص 109
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية
* أمير المؤمنين × لم ظلم أهل النهروان
وكان عبد الله بن نافع بن الأزرق يقول: لو عرفت أن بين قطريها أحدا تبلغني إليه الإبل يخصمني بأن عليا (ع) قتل أهل النهروان, وهو غير ظالم لرحلتها إليه, قيل له: ائت ولده محمد الباقر (ع), فأتاه فسأله فقال (ع) بعد الكلام: الحمد لله الذي أكرمنا بنبوته, واختصنا بولايته, يا معشر أولاد المهاجرين والأنصار, من كان عنده منقبة في أمير المؤمنين (ع) فليقم وليحدث, فقاموا ونشروا من مناقبه, فلما انتهوا إلى قوله: لأعطين الراية, الخبر, سأله أبو جعفر (ع) عن صحته, فقال: هو حق لا شك فيه, ولكن عليا (ع) أحدث الكفر بعد, فقال أبو جعفر (ع): أخبرني عن الله أحب علي بن أبي طالب (ع) يوم أحبه, وهو يعلم أنه يقتل أهل النهروان, أم لم يعلم؟ إن قلت: لا, كفرت, فقال: قد علم, قال (ع): فأحبه على أن يعمل بطاعته أم على أن يعمل بمعصيته؟ قال: على أن يعمل بطاعته, فقال أبو جعفر (ع): قم مخصوصا, فقام وهو يقول: {حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود} الله أعلم حيث يجعل رسالته.
----------------
الكافي ج 8 ص 349, مناقب آل أبي طالب (ع) ج 4 ص 201, الوافي ج 3 ص 785, بحار الأنوار ج 10 ص 157
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية
* ليلة القدر
عن أبي عبد الله (ع) انه قال: بينا أبي (ع) يطوف بالكعبة إذا رجل معتجر (1) قد قيض له فقطع عليه اسبوعه (أي طوافه) حتى ادخله إلى دار جنب الصفا، فأرسل الي فكنا ثلاثة فقال: مرحبا يا ابن رسول الله ثم وضع يده على رأسي وقال بارك الله فيك يا امين الله بعد أبائه. يا أبا جعفر ان شئت فأخبرني وأن شئت فأخبرتك وان شئت سلني وان شئت سألتك وان شئت فاصدقني وان شئت صدقتك, قال: كل ذلك أشاء، قال: فأياك ان ينطق لسانك عند مسألتي بأمر تضمر لي غيره (2) قال (ع): انما يفعل ذلك من في قلبه علمان يخالف أحدهما صاحبه, وان الله عز وجل أبى أن يكون له علم فيه اختلاف قال: هذه مسألتي وقد فسرت طرفا منها. أخبرني عن هذا العلم الذي ليس فيه اختلاف، من يعلمه؟ قال: أما جملة العلم فعند الله جل ذكره، وأما ما لا بد للعباد فعند الاوصياء، قال: ففتح الرجل عجيرته واستوى جالسا وتهلل وجهه، وقال: هذه أردت ولها أتيت, زعمت أن علم ما لا اختلاف فيه من العلم عند الاوصياء، فكيف يعلمونه؟ قال: كما كان رسول الله (ص) يعلمه إلا أنهم لا يرون ما كان رسول الله (ص) يرى، لانه كان نبيا وهم محدثون، وأنه كان يفد إلى الله عز وجل فيسمع الوحي وهم لا يسمعون، فقال: صدقت يا ابن رسول الله, سآتيك بمسألة صعبة. أخبرني عن هذا العلم ماله لا يظهر؟ كما كان يظهر مع رسول الله (ص)؟ قال (ع): فضحك أبي (ع) وقال: أبى الله عز وجل أن يطلع على علمه إلا ممتحنا للايمان به كما قضى على رسول الله (ص) أن يصبر على أذى قومه، ولا يجاهدهم، إلا بأمره، فكم من اكتتام قد اكتتم به حتى قيل له: {فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين} وأيم الله أن لو صدع قبل ذلك لكان آمنا، ولكنه إنما نظر في الطاعة، وخاف الخلاف فلذلك كف، فوددت أن عينك تكون مع مهدي هذه الامة، والملائكة بسيوف آل داود بين السماء والارض تعذب أرواح الكفرة من الاموات، وتلحق بهم أرواح أشباههم من الاحياء. ثم أخرج سيفا ثم قال: ها إن هذا منها، قال: فقال: أبي (ع): إي والذي اصطفى محمدا على البشر، قال: فرد الرجل اعتجاره وقال: أنا إلياس، ما سألتك عن أمرك وبي منه جهالة غير أني أحببت أن يكون هذا الحديث قوة لاصحابك وساخبرك بآية انت تعرفها إن خاصموا بها فلجوا (أي ظفروا) (3) قال: فقال له أبي (ع): إن شئت أخبرتك بها؟ قال: قد شئت، قال: إن شيعتنا إن قالوا لاهل الخلاف لنا: إن الله عز وجل يقول لرسوله (ص): {إنا أنزلناه في ليلة القدر} - إلى آخرها - فهل كان رسول الله (ص) يعلم من العلم - شيئا لا يعلمه - في تلك الليلة أو يأتيه به جبرئيل (ع) في غيرها؟ فإنهم سيقولون: لا، فقل لهم: فهل كان لما علم بد من أن يظهر؟ فيقولون: لا، فقل لهم: فهل كان فيما أظهر رسول الله (ص) من علم الله عز ذكره اختلاف؟ فان قالوا: لا، فقل لهم: فمن حكم بحكم الله فيه اختلاف فهل خالف رسول الله (ص)؟ فيقولون: نعم, فإن قالوا: لا، فقد نقضوا أول كلامهم, فقل لهم: {ما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم}. فإن قالوا: من الراسخون في العلم؟ فقل: من لا يختلف في علمه، فإن قالوا فمن هو ذاك؟ فقل: كان رسول الله (ص) صاحب ذلك، فهل بلغ اولا؟ فإن قالوا: قد بلغ فقل: فهل مات (ص) والخليفة من بعده يعلم علما ليس فيه اختلاف؟ فإن قالوا: لا، فقل: إن خليفة رسول الله (ص) مؤيد ولا يستخلف رسول الله (ص) إلا من يحكم بحكمه وإلا من يكون مثله إلا النبوة، وإن كان رسول الله (ص) لم يستخلف في علمه أحدا فقد ضيع من في أصلاب الرجال ممن يكون بعده. فإن قالوا لك: فإن علم رسول الله (ص) كان من القرآن فقل: {حم والكتاب المبين إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها} إلى قوله {إنا كنا مرسلين} فإن قالوا لك: لا يرسل الله عز وجل إلا إلى نبي فقل: هذا الامر الحكيم الذي يفرق فيه هو من الملائكة والروح التي تنزل من سماء إلى سماء، أو من سماء إلى أرض؟ فإن قالوا: من سماء إلى سماء، فليس في السماء أحد يرجع من طاعة إلى معصية، فإن قالوا: من سماء إلى أرض, وأهل الارض أحوج الخلق إلى ذلك, فقل: فهل لهم بد من سيد يتحاكمون إليه؟ فإن قالوا: فإن الخليفة هو حكمهم فقل: {الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور} إلى قوله {خالدون} لعمري ما في الارض ولا في السماء ولي لله عز ذكره إلا وهو مؤيد، ومن ايد لم يخظ، وما في الارض عدو لله عز ذكره إلا وهو مخذول، ومن خذل لم يصب، كما أن الامر لا بد من تنزيله من السماء يحكم به أهل الارض، كذلك لابد من وال، فإن قالوا: لا نعرف هذا فقل لهم: قولوا ما أحببتم، أبى الله عز وجل بعد محمد (ص) أن يترك العباد ولا حجة عليهم. قال أبو عبد الله (ع): ثم وقف فقال: ههنا يا أبن رسول الله باب غامض أرأيت إن قالوا: حجة الله القرآن؟ قال: إذن أقول لهم: إن القرآن ليس بناطق يأمر وينهى، ولكن للقرآن أهل يأمرون وينهون، وأقول: قد عرضت لبعض أهل الارض مصيبة ما هي في السنة والحكم الذي ليس فيه اختلاف، وليست في القرآن، أبى الله لعلمه بتلك الفتنة أن تظهر في الارض، وليس في حكمه راد لها ومفرج عن أهلها. فقال: ههنا تفلجون يا أبن رسول الله، أشهد أن الله عز ذكره قد علم بما يصيب الخلق من مصيبة في الارض أو في أنفسهم من الدين أو غيره، فوضع القرآن دليلا قال: فقال الرجل: هل تدري يا ابن رسول الله دليل ما هو؟ قال أبو جعفر (ع): نعم فيه جمل الحدود، وتفسيرها عند الحكم فقال أبى الله أن يصيب عبدا بمصيبة في دينه أو في نفسه أو في ماله ليس في أرضه من حكمه قاض بالصواب في تلك المصيبة. قال: فقال الرجل: أما في هذا الباب فقد فلجتهم بحجة إلا أن يفتري خصمكم على الله فيقول: ليس لله جل ذكره حجة ولكن أخبرني عن تفسير {لكيلا تأسوا على ما فاتكم}؟ مما خص به علي (ع) {ولا تفرحوا بما آتاكم} قال: في أبي فلان واصحابه واحدة مقدمة وواحدة مؤخرة {لا تأسوا على ما فاتكم} مما خص به علي (ع) {ولا تفرحوا بما آتاكم} من الفتنة التي عرضت لكم بعد رسول الله (ص)، فقال الرجل: أشهد أنكم أصحاب الحكم الذي لا اختلاف فيه, ثم قام الرجل وذهب فلم أره. (4)
----------
(1) الاعتجار: التنقب ببعض العمامة
(2) اى اخبرنى بعلم يقينى لا يكون عندك احتمال خلافه
(3) عن الوافي بإختصار: وتقرير هذه الحجة على ما يطابق عبارة الحديث مع مقدماته المطوية ان يقال: قد ثبت ان الله سبحانه انزل القرآن في ليلة القدر على رسول الله (ص) وانه كان تنزل الملائكة والروح فيها من كل امر ببيان وتأويل سنة فسنة كما يدل عليه فعل المستقبل الدال على التجدد في الاستقبال فنقول: هل كان لرسول (ص) طريق إلى العلم الذى يحتاج اليه الامة سوى ما يأتيه من السماء من عند الله سبحانه اما في ليلة القدر او في غيرها أم لا؟ والاول باطل لما اجمع عليه الامة من ان علمه ليس الا من عند الله سبحانه كما قال تعالى: {ان هو الا وحى يوحى} فثبت الثانى ثم نقول فيه يجوز ان لا يظهر هذا العلم الذى يحتاج اليه الامة ام لا بد من ظهوره لهم؟ والاول باطل لانه انما يوحى اليه ليبلغ اليهم ويهديهم إلى الله عز وجل فثبت الثانى ثم نقول: فهل في ذلك العلم النازل من السماء من عند الله جل وعلا إلى الرسول اختلاف بأن يحكم في امر اللى في زمان بحكم ثم يحكم في ذلك الامر بعينه في ذلك الزمان بعينه بحكم آخر يخالفه ام لا؟ والاول باطل لان الحكم انما هو من عند الله عز وجل وهو متعال عن ذلك كما قال: {لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا}، ثم نقول: فمن حكم بحكم فيه اختلاف هل وافق رسول الله (ص) في فعله ذلك وحكمه ام خالفه؟ والاول باطل لان رسول الله (ص) لم يكن في حكمه اختلاف فثبت الثانى ثم نقول: فمن لم يكن في حكمه اختلاف فهل له طريق إلى ذلك الحكم من غير جهة الله سبحانه اما بواسطة او بغير واسطة ومن دون ان يعلم تأويل المتشابه الذى بسببه يقع الاختلاف ام لا؟ واالاول باطل فثبت الثانى ثم نقول: فهل يعلم تأويل المتشابه الذى بسببه يقع الاختلاف الا الله والراسخون في العلم الذين ليس في علمهم اختلاف ام لا؟ والاول باطل لان هذا يقول: {وما يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم} ثم نقول: فرسول الله (ص) الذى هو من الراسخين في العلم هل مات وذهب بعلمه ذلك ولم يبلغ طريق علمه بالمتشابه إلى خليفته من بعده ام بلغه؟ والاول باطل لانه لو فعل ذلك فقد ضيع من في اصلاب الرجال ممن يكون بعده فثبت الثانى ثم نقول: فهل له خليفة من بعده كسائر آحاد الناس يجوز عليه الخطاء والاختلاف في العلم هو مؤيد من عند الله يحكم رسول الله (ص) بأن يأتيه الملك ويحدثه من غير وحى ورؤية او ما يجرى مجرى ذلك وهو مثله الا في النبوة والاول باطل لعدم إغنائه حينئذ لان من يجوز عليه الخطاء لا يؤمن عليه الاختلاف في الحكم ويلزم التضييع من ذلك ايضا فثبت الثانى فلا بد من خليفة بعد رسول الله (ص) راسخ في العلم، عالم بتأويل المتشابه، مؤيدا من عند الله ا يجوز عليه الخطاء ولا الاختلاف في العلم يكون حجة على العباد وهو المطلوب
(4) الكافي ج 1 ص 242, الوافي ج 2 ص 32, البرهان ج 5 ص 701, مدينة المعاجز ج 5 ص 191, بحار الأنوار ج 13 ص 397, العوالم ج 23 ص 201
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية
عن أبي جعفر (ع) قال: قال الله عز وجل في ليلة القدر {فيها يفرق كل أمر حكيم} يقول: ينزل فيها كل أمر حكيم، والمحكم ليس بشيئين، إنما هو شئ واحد، فمن حكم بما ليس فيه اختلاف، فحكمه من حكم الله عز وجل، ومن حكم بأمر فيه أختلاف فرأى أنه مصيب فقد حكم بحكم الطاغوت, إنه لينزل في ليلة القدر إلى ولي الأمر تفسير الأمور سنة سنة، يؤمر فيها في أمر نفسه بكذا وكذا، وفي أمر الناس بكذا وكذا، وإنه ليحدث لولي الأمر سوى ذلك كل يوم علم الله عز وجل الخاص والمكنون العجيب المخزون، مثل ما ينزل في تلك الليلة من الأمر، ثم قرأ: {ولو أن ما في الارض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم}.
-----------
الكافي ج 1 ص 248, تأويل الآيات ص 794, الوافي ج 2 ص 45, تفسير الصافي ج 4 ص 403, البرهان ج 5 ص 705, بحار الأنوار ج 25 ص 79, تفسير نور الثقلين ج 4 ص 622, تفسير كنز الدقائق ج 12 ص 115, العوالم ج 23 ص 197
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية
عن أبي جعفر (ع) قال: يا معشر الشيعة خاصموا بسورة {إنا أنزلناه} تفلحوا، فوالله إنها لحجة الله تبارك وتعالى على الخلق بعد رسول الله (ص) وإنها لسيدة دينكم، وإنها لغاية علمنا،(1) يا معشر الشيعة خاصموا بـ {حم والكتاب المبين إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين} فإنها لولاة الأمر خاصة بعد رسول الله (ص)، يا معشر الشيعة يقول الله تبارك وتعالى: {وإن من امة إلا خلا فيها نذير} قيل: يا أبا جعفر, نذيرها محمد (ص)؟ قال: صدقت، فهل كان نذير وهو حي من البعثة في أقطار الارض، فقال السائل: لا، قال أبو جعفر (ع): أرأيت بعيثه أليس نذيره، كما أن رسول الله (ص) في بعثته من الله عز وجل نذير، فقال: بلى، قال: فكذلك لم يمت محمد (ص) إلا وله بعيث نذير, قال: فإن قلت: لا, فقد ضيع رسول الله (ص) من في أصلاب الرجال من امته، قال: وما يكفيهم القرآن؟ قال: بلي إن وجدوا فله مفسرا قال: وما فسره رسول الله (ص)؟ قال: بلى قد فسره لرجل واحد، وفسر للامة شأن ذلك الرجل وهو علي بن أبي طالب (ع). قال السائل: يا أبا جعفر كان هذا أمر خاص لا يحتمله العامة؟ قال: أبى الله أن يعبد إلا سرا حتى يأتي إبان (2) أجله الذي يظهر فيه دينه، كما أنه كان رسول الله (ص) مع خديجة مستترا حتى امر بالاعلان، قال السائل: ينبغي لصاحب هذا الدين أن يكتم؟ قال: أو ما كتم علي بن أبي طالب (ع) يوم أسلم مع رسول الله (ص) حتى ظهر أمره؟ قال: بلى، قال: فكذلك أمرنا حتى يبلغ الكتاب أجله.
---------
(1) العلامة المجلسي في مرآة العقول ج 3 شر ح ص 87: "وإنها لغاية علمنا" أي دالة على نهاية علمنا لكشفها عن ليلة القدر التي يحصل لنا فيها غرائب العلم ومكنوناتها, ويحتمل أن تكون الغاية بمعنى الراية والعلامة.
(2) إبان الشيء: حينه
(3) الكافي ج 1 ص 249, تأويل الآيات ص 796, الوافي ج 2 ص 50, البرهان ج 5 ص 706,
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية
عن أبي جعفر (ع) قال: لقد خلق الله جل ذكره ليلة القدر أول ما خلق الدنيا, ولقد خلق فيها أول نبي يكون، وأول وصي يكون، ولقد قضى أن يكون في كل سنة ليلة يهبط فيها بتفسير الامور إلى مثلها من السنة المقبلة، من جحد ذلك فقد رد على الله عز وجل علمه، لانه لا يقوم الانبياء والرسل والمحدثون إلا أن تكون عليهم حجة بما يأتيهم في تلك الليلة، مع الحجة التي يأتيهم بها جبرئيل (ع)، قلت: والمحدثون أيضا يأتيهم جبرئيل أو غيره من الملائكة (ع)؟ قال: أما الانبياء والرسل صلى الله عليهم فلا شك، ولا بد لمن سواهم من أول يوم خلقت فيه الارض إلى آخر فناء الدنيا أن تكون على أهل الارض حجة ينزل ذلك في تلك الليلة إلى من أحب من عباده. وأيم الله لقد نزل الروح والملائكة بالامر في ليلة القدر على آدم، وأيم الله ما مات آدم إلا وله وصي، وكل من بعد آدم من الانبياء قد أتاه الامر فيها، ووضع لوصيه من بعده، وأيم الله إن كان النبي ليؤمر فيما يأتيه، من الامر في تلك الليلة من آدم إلى محمد (ص) أن أوصى إلى فلان، ولقد قال الله عز وجل في كتابه لولاة الامر من بعد محمد (ص) خاصة: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم} إلى قوله {فاولئك هم الفاسقون} يقول: أستخلفكم لعلمي وديني وعبادتي بعد نبيكم كما استخلف وصاة آدم من بعده حتى يبعث النبي الذي يليه {يعبدونني لا يشركون بي شيئا} يقول: يعبدونني بإيمان لا نبي بعد محمد (ص) فمن قال غير ذلك {فاولئك هم الفاسقون} فقد مكن ولاة الامر بعد محمد (ص) بالعلم ونحن هم، فاسألونا فإن صدقناكم فأقروا وما أنتم بفاعلين أما علمنا فظاهر، وأما إبان أجلنا الذي يظهر فيه الدين منا حتى لا يكون بين الناس اختلاف، فإن له أجلا من ممر الليالي والايام، إذا أتى ظهر، وكان الامر واحدا. وأيم الله لقد قضي الامر أن لا يكون بين المؤمنين اختلاف، ولذلك جعلهم شهداء على الناس ليشهد محمد (ص) علينا، ولنشهد على شيعتنا، ولتشهد شيعتنا على الناس، أبى الله عز وجل أن يكون في حكمه اختلاف، أو بين أهل علمه تناقض. ثم قال أبو جعفر (ع) فضل إيمان المؤمن بحمله {إنا أنزلنا} وبتفسيرها على من ليس مثله في الايمان بها، كفضل الانسان على البهائم، وإن الله عز وجل ليدفع بالمؤمنين بها عن الجاحدين لها في الدنيا - لكمال عذاب الآخرة لمن علم أنه لا يتوب منهم - ما يدفع بالمجاهدين عن القاعدين ولا أعلم أن في هذا الزمان جهادا إلا الحج والعمرة والجوار.
------------
الكافي ج 1 ص 250, تأويل الآيات ص 797, الوافي ج 2 ص 52, البرهان ج 5 ص 707, بحار الأنوار ج 25 ص 73, العوالم ج 23 ص 205
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية
روي ان رجل قال لأبي جعفر (ع): يا ابن رسول الله لا تغضب علي قال: لماذا؟ قال: لما اريد أن أسألك عنه، قال: قل، قال: ولا تغضب؟ قال: ولا أغضب قال: أرأيت قولك في ليلة القدر، وتنزل الملائكة والروح فيها إلى الاوصياء، يأتونهم بأمر لم يكن رسول الله (ص) قد علمه؟ أو ياتونهم بامر كان رسول الله (ص) علمه؟ وقد علمت أن رسول الله (ص) مات وليس من علمه شئ إلا وعلي (ع) له واع، قال أبو جعفر (ع): مالي ولك (1) أيها الرجل ومن أدخلك علي؟ قال: أدخلني عليك القضاء لطلب الدين، قال: فافهم ما أقول لك. إن رسول الله (ص) لما اسري به لم يهبط حتى أعلمه الله جل ذكره علم ما قد كان وما سيكون، وكان كثير من علمه ذلك جملا يأتي تفسيرها في ليلة القدر، وكذلك كان علي بن أبي طالب (ع) قد علم جمل العلم ويأتي تفسيره في ليالي القدر، كما كان مع رسول الله (ص)، قال السائل: أوما كان في الجمل تفسير؟ قال: بلى ولكنه إنما يأتي بالامر من الله تعالى في ليالي القدر إلى النبي وإلى الاوصياء: افعل كذا وكذا، لامر قد كانوا علموه، امروا كيف يعملون فيه؟ قلت: فسر لي هذا, قال: لم يمت رسول الله (ص) إلا حافظا لجملة وتفسيره، قلت: فالذي كان يأتيه في ليالي القدر علم ما هو؟ قال: الامر واليسر فيما كان قد علم، قال السائل: فما يحدث لهم في ليالي القدر علم سوى ما علموا؟ قال: هذا مما امروا بكتمانه، ولا يعلم تفسير ما سألت عنه إلا الله عز وجل. قال السائل: فهل يعلم الاوصياء ما لا يعلم الانبياء؟ قال: لا وكيف يعلم وصي غير علم ما اوصي إليه، قال السائل: فهل يسعنا أن نقول: إن أحدا من الوصاة يعلم ما لا يعلم الآخر؟ قال: لا لم يمت نبي إلا وعلمه في جوف وصيه وإنما تنزل الملائكة والروح في ليلة القدر بالحكم الذي يحكم به بين العباد، قال السائل: وما كانوا علموا ذلك الحكم؟ قال: بلى قد علموه ولكنهم لا يستطيعون إمضاء شئ منه حتى يؤمروا في ليالي القدر كيف يصنعون إلى السنة المقبلة، قال السائل: يا أبا جعفر لا أستطيع إنكار هذا, قال أبو جعفر (ع): من أنكره فليس منا. قال السائل: يا أبا جعفر أرأيت النبي (ص) هل كان يأتيه في ليالي القدر شئ لم يكن علمه؟ قال: لا يحل لك أن تسأل عن هذا، أما علم ما كان وما سيكون فليس يموت نبي ولا وصي إلا والوصي الذي بعده يعلمه، أما هذا العلم الذي تسأل عنه فإن الله عز وجل أبى أن يطلع الاوصياء عليه إلا أنفسهم، قال السائل: يا ابن رسول الله كيف أعرف أن ليلة القدر تكون في كل سنة؟ قال: إذا أتى شهر رمضان فاقرأ سورة الدخان في كل ليلة مائة مرة فاذا أتت ليلة ثلاث وعشرين فإنك ناظر إلى تصديق الذي سالت عنه. (2)
-----------
(1) العلامة المجلسي في مرآة العقول ج 3 شرح ص 96: "ما لي ولك" ليس هذا على وجه الغضب حتى ينافي وعده، بل على سبيل المصلحة والتأديب، وبيان أن المسألة غامضة لا يفي عقله بفهمها ولذا كرر السائل السؤال، وتقرير شبهته أن الجملة إن كانت مشتملة على كل ما اشتمل عليه التفسير فما الذي يأتيهم في ليلة القدر من العلم؟ وإن لم تكن مشتملة على الجميع وكان يبقى من العلم ما لم يأتهم بعد، وإنما يأتيهم في ليالي القدر، فيلزم أن لا يعلم الرسول (ص) ذلك الباقي.
(2) الكافي ج 1 ص 251, الوافي ج 2 ص 54, البرهان ج 5 ص 708, بحار الأنوار ج 25 ص 80, تفسير نور الثقلين ج 5 ص 636, تفسير كنز الدقائق ج 14 ص 367, العوالم ج 19 ص 197
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية