احتجاجات الإمام الجواد عليه السلام

* احتجاجه (ع) عند بداية إمامته

لما مضى الرضا (ع), جاء محمد بن جمهور العمي, والحسن بن راشد, وعلي بن مدرك, وعلي بن مهزيار, وخلق كثير من سائر البلدان إلى المدينة, وسألوا عن الخلف بعد الرضا (ع), فقالوا: بصريا وهي قرية أسسها موسى بن جعفر (ع) على ثلاثة أميال من المدينة, فجئنا ودخلنا القصر, فإذا الناس فيه متكابسون, فجلسنا معهم إذ خرج علينا عبد الله بن موسى شيخ, فقال الناس: هذا صاحبنا, فقال الفقهاء: قد روينا عن أبي جعفر وأبي عبد الله (ع): أنه لا تجتمع الإمامة في أخوين بعد الحسن والحسين (ع), فليس هذا صاحبنا, فجاء حتى جلس في صدر المجلس, فقال رجل: ما تقول أعزك الله في رجل أتى حماره؟ فقال: تقطع يده ويضرب الحد, وينفى من الأرض سنة, ثم قام إليه آخر فقال: ما تقول آجلك الله في رجل طلق امرأته عدد نجوم السماء؟ قال: بانت منه بصدر الجوزاء, والنسر الطائر والنسر الواقع, فتحيرنا في جرأته على الخطاء, إذ خرج علينا أبو جعفر (ع) وهو ابن ثمان‏ سنين, فقمنا إليه فسلم على الناس, وقام عبد الله بن موسى من مجلسه فجلس بين يديه, وجلس أبو جعفر (ع) في صدر المجلس, ثم قال (ع): سلوا رحمكم الله, فقام إليه الرجل الأول, وقال: ما تقول أصلحك الله في رجل أتى حماره؟ قال (ع): يضرب دون الحد, ويغرم ثمنها ويحرم ظهرها, ونتاجها, وتخرج إلى البرية حتى تأتي عليها منيتها سبع أكلها ذئب أكلها, ثم قال (ع) بعد كلام: يا هذا, ذاك الرجل ينبش عن ميتة يسرق كفنها, ويفجر بها, ويوجب عليه القطع بالسرق, والحد بالزناء, والنفي إذا كان عزبا, فلو كان محصنا لوجب عليه القتل والرجم, فقال الرجل الثاني: يا ابن رسول الله (ص), ما تقول في رجل طلق امرأته عدد نجوم السماء؟ قال (ع): تقرأ القرآن؟ قال: نعم, قال (ع): اقرأ سورة الطلاق إلى قوله: {وأقيموا الشهادة لله} يا هذا, لا طلاق إلا بخمس شهادة شاهدين عدلين في طهر من غير جماع بإرادة عزم, ثم قال (ع) بعد كلام: يا هذا, هل ترى في القرآن عدد نجوم السماء؟ قال: لا.

---------------

مناقب آل أبي طالب (ع) ج 4 ص 383, بحار الأنوار ج 50 ص 91

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

* احتجاجه (ع) على الفقهاء عند زواجه من ام الفضل

عن محمد بن عون النصيبي قال: لما أراد المأمون أن يزوج أبا جعفر محمد بن علي بن موسى (ع) ابنته أم الفضل, اجتمع عليه أهل بيته الأدنين منه, فقالوا: يا أمير المؤمنين, ننشدك الله أن تخرج عنا أمرا قد ملكناه, وتنزع عنا عزا قد ألبسنا الله, فقد عرفت الأمر الذي بيننا وبين آل علي (ع) قديما وحديثا, فقال المأمون: اسكتوا, فو الله لا قبلت من أحد منكم في أمره, فقالوا: يا أمير المؤمنين, أفتزوج قرة عينك صبيا لم يتفقه في دين الله, ولا يعرف فريضة من سنة, ولا يميز بين الحق والباطل؟ ولأبي جعفر (ع) يومئذ عشر سنين أو إحدى عشرة سنة, فلو صبرت عليه حتى يتأدب ويقرأ القرآن, ويعرف فرضا من سنة, فقال لهم المأمون: والله, إنه أفقه منكم وأعلم بالله وبرسوله وفرائضه وسننه وأحكامه, وأقرأ لكتاب الله وأعلم بمحكمه ومتشابهه, وخاصه وعامه, وناسخه ومنسوخه, وتنزيله وتأويله منكم, فاسألوه فإن كان الأمر كما قلتم قبلت منكم في أمره, وإن كان كما قلت علمتم أن الرجل خير منكم, فخرجوا من عنده وبعثوا إلى يحيى بن أكثم, وأطمعوه في هدايا أن يحتال على أبي جعفر (ع) بمسألة لا يدري كيف الجواب فيها عند المأمون إذا اجتمعوا للتزويج, فلما حضروا وحضر أبو جعفر (ع) قالوا: يا أمير المؤمنين, هذا يحيى بن أكثم إن أذنت له سأل أبا جعفر (ع) عن مسألة؟ فقال المأمون: يا يحيى, سل أبا جعفر (ع) عن مسألة في الفقه لننظر كيف فقهه, فقال يحيى: يا أبا جعفر أصلحك الله, ما تقول في محرم قتل صيدا؟ فقال أبو جعفر (ع): قتله في حل أو في حرم, عالما أو جاهلا, عمدا أو خطأ, عبدا أو حرا, صغيرا أو كبيرا, مبدئا أو معيدا, من ذوات الطير أو غيرها, من صغار الصيد أو من كبارها, مصرا عليها أو نادما, بالليل في وكرها أو بالنهار عيانا, محرما للحج أو للعمرة؟ قال: فانقطع يحيى بن أكثم انقطاعا لم يخف على أهل المجلس, وكثر الناس تعجبا من جوابه, ونشط المأمون فقال: تخطب يا أبا جعفر, فقال أبو جعفر (ع): نعم يا أمير المؤمنين, فقال المأمون: الحمد لله إقرارا بنعمته, ولا إله إلا الله إخلاصا لعظمته, وصلى الله على محمد عند ذكره, وقد كان من فضل الله على الأنام أن أغناهم بالحلال عن الحرام, فقال: {وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم} ثم إن محمد بن علي ذكر أم الفضل بنت عبد الله, وبذل لها من الصداق خمسمائة درهم, وقد زوجت, فهل قبلت يا أبا جعفر؟ فقال أبو جعفر (ع): نعم يا أمير المؤمنين, قد قبلت هذا التزويج بهذا الصداق, ثم أولم عليه المأمون, وجاء الناس على مراتبهم في الخاص والعام, قال: فبينا نحن كذلك إذ سمعنا كلاما كأنه كلام الملاحين في مجاوباتهم, فإذا نحن بالخدم يجرون سفينة من فضة فيها نسائج من إبريسم مكان القلوس, والسفينة مملوءة غالية فضمخوا لحى أهل الخاص بها, ثم مدوها إلى دار العامة فطيبوهم, فلما تفرق الناس, قال المأمون: يا أبا جعفر, إن رأيت أن تبين لنا ما الذي يجب على كل صنف من هذه الأصناف التي ذكرت في قتل الصيد, فقال أبو جعفر (ع): نعم يا أمير المؤمنين, إن المحرم إذا قتل صيدا في الحل والصيد, من ذوات الطير, من كبارها, فعليه شاة, وإذا أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا, وإذا قتل فرخا في الحل فعليه حمل قد فطم وليس عليه قيمته, لأنه ليس في الحرم, وإذا قتله في الحرم فعليه الحمل وقيمته لأنه في الحرم, فإذا كان من الوحوش فعليه في حمار وحش بدنة, وكذلك في النعامة, فإن لم يقدر فإطعام ستين مسكينا, فإن لم يقدر فصيام ثمانية عشر يوما, وإن كانت بقرة فعليه بقرة, فإن لم يقدر فعليه إطعام ثلاثين مسكينا, فإن لم يقدر فليصم تسعة أيام, وإن كان ظبيا فعليه شاة, فإن لم يقدر فعليه إطعام عشرة مساكين, فإن لم يقدر فصيام ثلاثة أيام, وإن كان في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا, هديا بالغ الكعبة حقا واجبا عليه أن ينحره, فإن كان في حج بمنى حيث ينحر الناس, وإن كان في عمرة ينحره بمكة, ويتصدق بمثل ثمنه حتى يكون مضاعفا, وكذلك إذا أصاب أرنبا فعليه شاة, وإذا قتل الحمامة تصدق بدرهم, أو يشتري به طعاما لحمام الحرم, وفي الفرخ نصف درهم, وفي البيضة ربع درهم, وكل ما أتى به المحرم بجهالة فلا شي‏ء عليه فيه, إلا الصيد فإن عليه الفداء بجهالة كان أو بعلم, بخطإ كان أو بعمد, وكل ما أتى العبد فكفارته على صاحبه, بمثل ما يلزم صاحبه, وكل ما أتى به الصغير الذي ليس ببالغ فلا شي‏ء عليه فيه, وإن كان ممن عاد فهو ممن ينتقم الله منه, ليس عليه كفارة, والنقمة في الآخرة, وإن دل على الصيد وهو محرم فقتل فعليه الفداء, والمصر عليه يلزمه بعد الفداء عقوبة في الآخرة, والنادم عليه لا شي‏ء عليه بعد الفداء, وإذا أصاب ليلا في وكرها خطأ فلا شي‏ء عليه, إلا أن يتعمده فإن تعمد بليل أو نهار فعليه الفداء, والمحرم للحج ينحر الفداء بمنى, حيث ينحر الناس, (1) والمحرم للعمرة ينحر بمكة, فأمر المأمون أن يكتب ذلك كله عن أبي جعفر (ع), قال: ثم دعا أهل بيته الذين أنكروا تزويجه عليه, فقال لهم: هل فيكم أحد يجيب بمثل هذا الجواب؟ قالوا: لا والله, ولا القاضي, ثم قال: ويحكم أهل هذا البيت, خلوا منكم ومن هذا الخلق, أوما علمتم أن رسول الله (ص) بايع الحسن والحسين (ع) وهما صبيان غير بالغين, ولم يبايع طفلا غيرهما, أوما علمتم أن أباه عليا (ع) آمن بالنبي (ص) وهو ابن عشرة سنة, وقبل الله ورسوله منه إيمانه, ولم يقبل من طفل غيره, ولا دعا رسول الله (ص) طفلا غيره إلى الإيمان, أوما علمتم أنها {ذرية بعضها من بعض} يجري لآخرهم مثل ما يجري لأولهم, (2) فقالوا: صدقت يا أمير المؤمنين, كنت أنت أعلم به منا, قال: ثم أمر المأمون أن ينثر على أبي جعفر (ع) ثلاثة أطباق رقاع زعفران, ومسك معجون بماء الورد, جوفها رقاع على طبق رقاع عمالات, والثاني ضياع طعمة لمن أخذها, والثالث فيه بدر, فأمر أن يفرق الطبق الذي عليه عمالات على بني هاشم خاصة, والذي عليه ضياع طعمة على الوزراء, والذي عليه البدر على القواد, ولم يزل مكرما لأبي جعفر (ع) أيام حياته, حتى كان يؤثره على ولده. (3)

--------------

(1) إلى هنا في تفسير نور الثقلين وتفسير كنز الدقائق

(2) إلى هنا في تحف العقول

(3) تفسير القمي ج 1 ص 181, بحار الأنوار ج 10 ص 381, تفسير نور الثقلين ج 1 ص 673, تفسير كنز الدقائق ج 4 ص 236, تحف العقول ص 451, الاختصاص ص 98 نحوه

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

 

* احتجاج اخر له (ع) على الفقهاء عند زواجه من ام الفضل

عن الريان بن شبيب قال: لما أراد المأمون أن يزوج ابنته أم الفضل أبا جعفر محمد بن علي (ع), بلغ ذلك العباسيين فغلظ عليهم واستنكروه منه, وخافوا أن ينتهي الأمر معه إلى ما انتهى مع الرضا (ع), فخاضوا في ذلك واجتمع منهم أهل بيته الأدنون منه, فقالوا: ننشدك الله يا أمير المؤمنين, أن تقيم على هذا الأمر الذي عزمت عليه من تزويج ابن الرضا (ع), فإنا نخاف أن يخرج به عنا أمر قد ملكناه الله عز وجل, وينزع منا عزا قد ألبسناه الله, وقد عرفت ما بيننا و بين هؤلاء القوم قديما وحديثا, وما كان عليه الخلفاء الراشدون قبلك من تبعيدهم والتصغير بهم, وقد كنا في وهلة من عملك مع الرضا (ع) ما عملت, فكفانا الله المهم من ذلك, فالله الله أن تردنا إلى غم قد انحسر عنا واصرف رأيك عن ابن الرضا (ع), واعدل إلى من تراه من أهل بيتك يصلح لذلك دون غيره, فقال لهم المأمون: أما ما بينكم وبين آل أبي طالب (ع) فأنتم السبب فيه, ولو أنصفتم القوم لكانوا أولى بكم, وأما ما كان يفعله من قبلي بهم فقد كان قاطعا للرحم, وأعوذ بالله من ذلك, والله ما ندمت على ما كان مني من استخلاف الرضا (ع), ولقد سألته أن يقوم بالأمر وأنزعه من نفسي فأبى, وكان أمر الله قدرا مقدورا, وأما أبو جعفر محمد بن علي (ع), فقد اخترته لتبريزه على كافة أهل الفضل في العلم والفضل مع صغر سنه, و الأعجوبة فيه بذلك, وأنا أرجو أن يظهر للناس ما قد عرفته منه, فيعلمون أن الرأي ما رأيت فيه, فقالوا له: إن هذا الفتى وإن راقك منه هديه فإنه صبي لا معرفة له ولا فقه, فأمهله ليتأدب ثم اصنع ما تراه بعد ذلك, فقال لهم: ويحكم, إني أعرف بهذا الفتى منكم, وإن أهل هذا البيت علمهم من الله تعالى ومواده وإلهامه, لم تزل آباؤه أغنياء في علم الدين والأدب عن الرعايا الناقصة عن حد الكمال, فإن شئتم فامتحنوا أبا جعفر (ع) بما يتبين لكم به ما وصفت لكم من حاله, قالوا: قد رضينا لك يا أمير المؤمنين ولأنفسنا بامتحانه, فخل بيننا وبينه لننصب من يسأله بحضرتك عن شي‏ء من فقه الشريعة, فإن أصاب في الجواب عنه لم يكن لنا اعتراض في أمره وظهر للخاصة والعامة سديد رأي أمير المؤمنين فيه, و إن عجز عن ذلك فقد كفينا الخطب في معناه, فقال لهم المأمون: شأنكم, وذلك متى أردتم فخرجوا من عنده, واجتمع رأيهم على مسألة يحيى بن أكثم وهو يومئذ قاضي الزمان على أن يسأله مسألة لا يعرف الجواب فيها, ووعدوه بأموال نفيسة على ذلك, وعادوا إلى المأمون وسألوه أن يختار لهم يوما للاجتماع, فأجابهم إلى ذلك, فاجتمعوا في اليوم الذي اتفقوا عليه وحضر معهم يحيى بن أكثم, وأمر المأمون أن يفرش لأبي جعفر (ع) دست, ويجعل له فيه مسورتان ففعل ذلك, وخرج أبو جعفر (ع) وهو يومئذ ابن تسع سنين وأشهر, فجلس بين المسورتين وجلس يحيى بن أكثم بين يديه, وقام الناس في مراتبهم والمأمون جالس في دست متصل بدست أبي جعفر (ع)‏, فقال يحيى بن أكثم للمأمون: يأذن لي أمير المؤمنين أن أسأل أبا جعفر (ع) عن مسألة؟ فقال له المأمون: استأذنه في ذلك, فأقبل عليه يحيى بن أكثم فقال: أتأذن لي جعلت فداك في مسألة؟ فقال أبو جعفر (ع): سل إن شئت, قال يحيى: ما تقول جعلت فداك في محرم قتل صيدا؟ فقال أبو جعفر (ع): قتله في حل أو حرم, عالما كان المحرم أو جاهلا, قتله عمدا أو خطأ, حرا كان المحرم, أو عبدا صغيرا كان أو كبيرا, مبتدئا بالقتل أو معيدا, من ذوات الطير كان الصيد أم من غيرها, من صغار الصيد أم من كبارها, مصرا على ما فعل أو نادما, في الليل كان قتله للصيد أم في النهار, محرما كان بالعمرة إذ قتله أو بالحج كان محرما؟ فتحير يحيى بن أكثم وبان في وجهه العجز والانقطاع ولجلج, حتى عرف جماعة أهل المجلس أمره, فقال المأمون: الحمد لله على هذه النعمة والتوفيق لي في الرأي, ثم نظر إلى أهل بيته فقال لهم: أعرفتم الآن ما كنتم تنكرونه؟ ثم أقبل على أبي جعفر (ع) فقال له: أتخطب يا أبا جعفر؟ فقال (ع): نعم يا أمير المؤمنين, فقال له المأمون: اخطب لنفسك جعلت فداك, قد رضيتك لنفسي وأنا مزوجك أم الفضل ابنتي, وإن رغم قوم لذلك, فقال أبو جعفر (ع): الحمد لله إقرارا بنعمته, ولا إله إلا الله إخلاصا لوحدانيته, وصلى الله على محمد سيد بريته والأصفياء من عترته, أما بعد, فقد كان من فضل الله على الأنام أن أغناهم بالحلال عن الحرام, وقال سبحانه: {وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم} ثم إن محمد بن علي بن موسى يخطب أم الفضل بنت عبد الله المأمون, وقد بذل لها من الصداق مهر جدته فاطمة بنت محمد (ع), وهو خمسمائة درهم جيادا, فهل زوجته يا أمير المؤمنين بها على هذا الصداق المذكور؟ فقال المأمون: نعم, قد زوجتك يا أبا جعفر أم الفضل ابنتي على الصداق المذكور, فهل قبلت النكاح؟ قال أبو جعفر (ع): قد قبلت ذلك ورضيت به, فأمر المأمون أن يقعد الناس على مراتبهم في الخاصة والعامة, قال الريان: ولم نلبث أن سمعنا أصواتا تشبه أصوات الملاحين في محاوراتهم, فإذا الخدم يجرون سفينة مصنوعة من فضة مشدودة بالحبال من الإبريسم, على عجلة مملوة من الغالية, ثم أمر المأمون أن تخضب لحاء الخاصة من تلك الغالية, ثم مدت إلى دار العامة فتطيبوا منها, ووضعت الموائد فأكل الناس, وخرجت الجوائز إلى كل قوم على قدرهم, فلما تفرق الناس وبقي من الخاصة من بقي, قال المأمون لأبي جعفر (ع): إن رأيت جعلت فداك أن تذكر الفقه الذي فصلته من وجوه من قتل المحرم لنعلمه ونستفيده, فقال أبو جعفر (ع): نعم, إن المحرم إذا قتل صيدا في الحل, وكان الصيد من ذوات الطير, وكان من كبارها, فعليه شاة, فإن أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا, وإذا قتل فرخا في الحل فعليه حمل قد فطم من اللبن, وإذا قتله في الحرم فعليه الحمل وقيمة الفرخ, فإذا كان من الوحش وكان حمار وحش فعليه بقرة, وإن كان نعامة فعليه بدنة, وإن كان ظبيا فعليه شاة, وإن كان قتل شيئا من ذلك في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا, هديا بالغ الكعبة, وإذا أصاب المحرم ما يجب عليه الهدي فيه, وكان إحرامه بالحج نحره بمنى, وإن كان إحرامه بالعمرة نحره بمكة, وجزاء الصيد على العالم والجاهل سواء, وفي العمد عليه المأثم, وهو موضوع عنه في الخطاء والكفارة على الحر في نفسه, وعلى السيد في عبده, والصغير لا كفارة عليه, وهي على الكبير واجبة, والنادم يسقط ندمه عنه عقاب الآخرة, والمصر يجب عليه العقاب في الآخرة, فقال المأمون: أحسنت يا أبا جعفر, أحسن الله إليك فإن رأيت أن تسأل يحيى‏ عن مسألة كما سألك؟ فقال أبو جعفر (ع) ليحيى: أسألك؟ قال: ذلك إليك جعلت فداك, فإن عرفت جواب ما تسألني عنه وإلا استفدته منك, فقال له أبو جعفر (ع): أخبرني عن رجل نظر إلى امرأة في أول النهار فكان نظره إليها حراما عليه, فلما ارتفع النهار حلت له, فلما زالت الشمس حرمت عليه, فلما كان وقت العصر حلت له, فلما غربت الشمس حرمت عليه, فلما دخل وقت العشاء الآخرة حلت له, فلما كان وقت انتصاف الليل حرمت عليه, فلما طلع الفجر حلت له, ما حال هذه المرأة وبماذا حلت له وحرمت عليه؟ فقال له يحيى بن أكثم: لا والله لا أهتدي إلى جواب هذا السؤال, ولا أعرف الوجه فيه, فإن رأيت أن تفيدناه؟ فقال أبو جعفر (ع): هذه أمة لرجل من الناس نظر إليها أجنبي في أول النهار فكان نظره إليها حراما عليه, فلما ارتفع النهار ابتاعها من مولاها فحلت له, فلما كان عند الظهر أعتقها فحرمت عليه, فلما كان وقت العصر تزوجها فحلت له, فلما كان وقت المغرب ظاهر منها فحرمت عليه, فلما كان وقت العشاء الآخرة كفر عن الظهار فحلت له, فلما كان نصف الليل طلقها واحدة فحرمت عليه, فلما كان عند الفجر راجعها فحلت له, قال: فأقبل المأمون على من حضره من أهل بيته فقال لهم: هل فيكم من يجيب هذه المسألة بمثل هذا الجواب, أو يعرف القول فيما تقدم من السؤال؟ قالوا: لا والله, إن أمير المؤمنين أعلم وما رأى, فقال: ويحكم, إن أهل هذا البيت خصوا من الخلق بما ترون من الفضل, وإن صغر السن فيهم لا يمنعهم من الكمال, أما علمتم أن رسول الله (ص) افتتح دعوته بدعاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع), وهو ابن عشر سنين, وقبل منه الإسلام وحكم له به ولم يدع أحدا في سنه غيره, وبايع الحسن والحسين (ع), وهما ابنا دون الست سنين, ولم يبايع صبيا غيرهما, أو لا تعلمون ما اختص الله به هؤلاء القوم, وأنهم ذرية بعضها من بعض, يجري لآخرهم ما يجري لأولهم, فقالوا: صدقت يا أمير المؤمنين, ثم نهض القوم,‏ فلما كان من الغد أحضر الناس وحضر أبو جعفر (ع), وسار القواد والحجاب والخاصة والعمال لتهنئة المأمون وأبي جعفر (ع), فأخرجت ثلاثة أطباق من الفضة فيها بنادق مسك وزعفران معجون, في أجواف تلك البنادق رقاع مكتوبة بأموال جزيلة, وعطايا سنية وإقطاعات, فأمر المأمون بنثرها على القوم من خاصته, فكان كل من وقع في يده بندقة أخرج الرقعة التي فيها والتمسه, فأطلق يده له ووضعت البدر فنثر ما فيها على القواد وغيرهم, وانصرف الناس وهم أغنياء بالجوائز والعطايا, وتقدم المأمون بالصدقة على كافة المساكين, ولم يزل مكرما لأبي جعفر (ع) معظما لقدره مدة حياته, يؤثره على ولده وجماعة أهل بيته.

--------------

الإرشاد ج 2 ص 281, روضة الواعظين ج 1 ص 238, الاحتجاج ج 2 ص 443, كشف الغمة ج 2 ص 353, حلية الأبرار ج 4 ص 553, مدينة المعاجز ج 7 ص 347, بحار الأنوار ج 50 ص 74

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

* احتجاجه (ع) على يحيى بن أكثم

قال المأمون ليحيى بن أكثم: اطرح على أبي جعفر محمد بن الرضا (ع) مسألة تقطعه فيها فقال يحيى: يا أبا جعفر, ما تقول في رجل نكح امرأة على زنا, أتحل له أن يتزوجها؟ فقال (ع): يدعها حتى يستبرئها من نطفته ونطفة غيره, إذ لا يؤمن منها أن تكون قد أحدثت مع غيره حدثا كما أحدثت معه, ثم يتزوج بها إن أراد, فإنما مثلها مثل نخلة أكل رجل منها حراما, ثم اشتراها فأكل منها حلالا, (1) فانقطع يحيى, فقال له أبو جعفر (ع): يا أبا محمد, ما تقول في رجل حرمت عليه امرأة بالغداة, وحلت له ارتفاع النهار, وحرمت عليه نصف النهار, ثم حلت له الظهر, ثم حرمت عليه العصر, ثم حلت له المغرب, ثم حرمت عليه نصف الليل, ثم حلت له مع الفجر, ثم حرمت عليه ارتفاع النهار, ثم حلت له نصف النهار, فبقي يحيى والفقهاء بلسا خرسا, فقال المأمون: يا أبا جعفر, أعزك الله بين لنا هذا, قال (ع): هذا رجل نظر إلى مملوكة لا تحل له, فاشتراها فحلت له, ثم أعتقها فحرمت عليه, ثم تزوجها فحلت له, فظاهر منها فحرمت عليه, فكفر للظهار فحلت له, ثم طلقها تطليقة فحرمت عليه, ثم راجعها فحلت له, فارتد عن الإسلام فحرمت عليه, فتاب ورجع إلى الإسلام فحلت له بالنكاح الأول, كما أقر رسول الله (ص) نكاح زينب مع أبي العاص بن الربيع, حيث أسلم على النكاح الأول. (2)

--------------

(1) إلى هنا في وسائل الشيعة وهداية الأمة

(2) تحف العقول ص 454, بحار الأنوار ج 10 ص 385, وسائل الشيعة ج 22 ص 265, هداية الأمة ج 7 ص 426

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

 

 

* احتجاجه (ع) في قطع يد السارق

عن زرقان صاحب ابن أبي داود وصديقة بشدة قال: رجع ابن ابي داود من عند المعتصم وهو مغتم، فقلت له: في ذلك, قال: إن سارقا أقر على نفسه بالسرقة وسأل الخليفة تطهيره بإقامة الحد عليه، فجمع لذلك الفقهاء في مجلسه، وقد أحضر محمد بن علي (ع) فسألنا عن القطع في أي موضع يجب أن يقطع؟ فقلت: من الكرسوع (طرف الزند الذي يلي الخنصر.) لقول الله في التيمم: {فامسحوا بوجوهكم وأيديكم} واتفق معي على ذلك قوم، وقال آخرون: بل يجب القطع من المرفق، قال: وما الدليل على ذلك؟ قالوا: لأن الله قال: {وأيديكم إلى المرافق} قال: فالتفت إلى محمد بن علي (ع) فقال: ما تقول في هذا يا أبا جعفر؟ قال: قد تكلم القوم فيه يا أمير المؤمنين قال: دعني مما تكلموا به، أي شيء عندك؟ قال: اعفني عن هذا يا أمير المؤمنين، قال: أقسمت عليك بالله لما أخبرتني بما عندك فيه، فقال: إذا أقسمت علي بالله إني أقول: إنهم أخطأوا فيه السنة، فإن القطع يجب أن يكون من مفصل أصول الأصابع فيترك الكف، قال: لم؟ قال: لقول رسول الله (ص): السجود على سبعة أعضاء: الوجه واليدين والركبتين والرجلين فإذا قطعت يده من الكرسوع أو المرفق لم يبق له يد يسجد عليها، وقال الله تبارك وتعالى: {وإن المساجد لله} يعني به هذه الأعضاء السبعة التي يسجد عليها {فلا تدعوا مع الله أحد} وما كان لله لم يقطع، قال: فأعجب المعتصم ذلك فأمر بقطع يد السارق من مفصل الأصابع دون الكف. قال زرقان: إن أبا داود قال: صرت إلى المعتصم بعد ثالثة فقلت: إن نصيحة أمير المؤمنين علي واجبة، وأنا أكلمه بما أعلم إني أدخل به النار قال: ما هو؟ قلت: إذا جمع أمير المؤمنين في مجلسه فقهاء رعيته وعلماءهم لأمر واقع من أمور الدين فسألهم عن الحكم فيه، فأخبروه بما عندهم من الحكم في ذلك. وقد حضر المجلس أهل بيته وقواده ووزرائه، وكتابه، وقد تسامع الناس بذلك من وراء بابه، ثم يترك أقاويلهم كلهم، لقول رجل: يقول شطر هذه الأمة بإمامته، ويدعون أنه أولى منه بمقامه، ثم يحكم بحكمه دون حكم الفقهاء. قال: فتغير لونه، وانتبه لما نبهته له، وقال: جزاك الله عن نصيحتك خيرا
---------
تفسير العياشي ج 1 ص 319, البرهان ج 2 ص 296, حلية الأبرار ج 4 ص 580, مدينة المعاجز ج 7 ص 402, رياض الأبرار ج 2 ص 435, بحار الأنوار ج 50 ص 5

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية

 

 

* احتجاجه (ع) على بطلان فضائل الأول والثاني

روي: أن المأمون بعد ما زوج ابنته أم الفضل أبا جعفر (ع), كان في مجلس وعنده أبو جعفر (ع) ويحيى بن أكثم وجماعة كثيرة, فقال له يحيى بن أكثم: ما تقول يا ابن رسول الله, في الخبر الذي روي أنه نزل جبرئيل (ع) على رسول الله (ص), وقال: يا محمد, إن الله عز وجل يقرئك السلام, ويقول لك: سل أبا بكر هل هو عني راض فإني عنه راض؟ فقال أبو جعفر (ع): لست بمنكر فضل أبي بكر, ولكن يجب على صاحب هذا الخبر أن يأخذ مثال الخبر الذي قاله رسول الله (ص) في حجة الوداع: قد كثرت علي الكذابة وستكثر, فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار, فإذا أتاكم الحديث فاعرضوه على كتاب الله وسنتي, فما وافق كتاب الله وسنتي فخذوا به, وما خالف كتاب الله وسنتي فلا تأخذوا به, وليس يوافق هذا الخبر كتاب الله, قال الله تعالى: {ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد} فالله عز وجل خفي عليه رضا أبي بكر من سخطه؟ حتى سأل من مكنون سره هذا مستحيل في العقول, ثم قال يحيى بن أكثم: وقد روي: أن مثل أبي بكر وعمر في الأرض كمثل جبرئيل وميكائيل في السماء, فقال (ع): وهذا أيضا يجب أن ينظر فيه, لأن جبرئيل وميكائيل ملكان لله مقربان لم يعصيا الله قط, ولم يفارقا طاعته لحظة واحدة, وهما قد أشركا بالله عز وجل, وإن أسلما بعد الشرك وكان أكثر أيامهما في الشرك بالله, فمحال أن يشبههما بهما, قال يحيى: وقد روي أيضا: أنهما سيدا كهول أهل الجنة, فما تقول فيه؟ فقال (ع): وهذا الخبر محال أيضا, لأن أهل الجنة كلهم يكونون شبابا, ولا يكون‏ فيهم كهل, وهذا الخبر وضعه بنو أمية لمضادة الخبر الذي قال رسول الله (ص) في الحسن والحسين (ع), بأنهما سيدا شباب أهل الجنة, فقال يحيى بن أكثم: وروي: أن عمر بن الخطاب سراج أهل الجنة, فقال (ع): وهذا أيضا محال, لأن في الجنة ملائكة الله المقربين, وآدم ومحمدا (ص) وجميع الأنبياء والمرسلين لا تضي‏ء بأنوارهم حتى تضي‏ء بنور عمر؟ فقال يحيى: وقد روي: أن السكينة تنطق على لسان عمر, فقال (ع): لست بمنكر فضائل عمر, ولكن أبا بكر أفضل من عمر, فقال على رأس المنبر: إن لي‏ شيطانا يعتريني فإذا ملت فسددوني, فقال يحيى: قد روي: أن النبي (ص) قال: لو لم أبعث لبعث عمر, فقال (ع): كتاب الله أصدق من هذا الحديث, يقول الله في كتابه: {وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح فقد أخذ الله ميثاق النبيين} فكيف يمكن أن يبدل ميثاقه وكان الأنبياء (ع) لم يشركوا طرفة عين, فكيف يبعث بالنبوة من أشرك, وكان أكثر أيامه مع الشرك بالله؟ وقال رسول الله (ص): نبئت وآدم بين الروح والجسد, فقال يحيى بن أكثم: وقد روي: أن النبي (ص) قال: ما احتبس الوحي عني قط إلا ظننته قد نزل على آل الخطاب, فقال (ع): وهذا محال أيضا, لأنه لا يجوز أن يشك النبي (ص) في نبوته, قال الله تعالى: {الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس} فكيف يمكن أن تنتقل النبوة ممن اصطفاه الله تعالى إلى من أشرك به؟ قال يحيى بن أكثم: روي: أن النبي (ص) قال: لو نزل العذاب لما نجا منه إلا عمر, فقال (ع): وهذا محال أيضا, إن الله تعالى يقول: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} فأخبر سبحانه أن لا يعذب أحدا ما دام فيهم رسول الله (ص), وما داموا يستغفرون الله تعالى.

---------------

الاحتجاج ج 2 ص 446, حلية الأبرار ج 4 ص 623, بحار الأنوار ج 50 ص 80, رياض الأبرار ج 2 ص 450

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

* احتجاجه (ع) في التوحيد

عن أبي هاشم الجعفري قال: كنت عند أبي جعفر الثاني (ع) فسأله رجل فقال: أخبرني عن الرب تبارك وتعالى أله أسماء وصفات في كتابه، وهل أسماؤه وصفاته هي هو؟ فقال أبو جعفر (ع): ان لهذا الكلام وجهين, ان كنت تقول: هي هو انه ذو عدد وكثرة، فتعالى الله عن ذلك, وان كنت تقول: هذه الأسماء والصفات لم تزل، فان مما لم تزل محتمل على معنيين, فان قلت: لم تزل عنده في علمه وهو يستحقها, فنعم, وان كنت تقول: لم تزل صورها وهجاؤها وتقطيع حروفها, فمعاذ الله أن يكون معه شيء غيره, بل كان الله تعالى ذكره ولا خلق، ثم خلقها وسيلة بينه وبين خلقه، يتضرعون بها إليه ويعبدون، وهي ذكره, وكان الله سبحانه ولا ذكر، والمذكور بالذكر هو الله القديم الذي لم يزل والأسماء والصفات مخلوقات، والمعني بها هو الله، لا يليق به الاختلاف ولا الايتلاف، وانما يختلف ويتألف المتجزي، ولا يقال له قليل ولا كثير، ولكنه القديم في ذاته, لأن ما سوى الواحد متجزي والله واحد ولا متجزي، ولا متوهم بالقلة والكثرة, وكل متجزي أو متوهم بالقلة والكثرة فهو مخلوق دال على خالق له, فقولك: ان الله قدير, خبرت انه لا يعجزه شيء، فنفيت بالكلمة العجز، وجعلت العجز لسواه وكذلك قولك: عالم, انما نفيت بالكلمة الجهل، وجعلت الجهل لسواه، فإذا أفنى الله الأشياء أفنى الصورة والهجاء والتقطيع, فلا يزال من لم يزل عالما, فقال الرجل: فكيف سمينا ربنا سميعا؟ فقال (ع): لأنه لا يخفى عليه ما يدرك بالاسماع، ولم نصفه بالسمع المعقول في الرأس، وكذلك سميناه بصيرا, لأنه لا يخفى عليه ما يدرك بالأبصار من لون أو شخص أو غير ذلك, ولم نصفه ببصر طرفة العين, وكذلك سميناه لطيفا, لعلمه بالشيء اللطيف, مثل البعوضة, وما هو أخفى من ذلك، وموضع المشي منها والشهود والسفاد, والحدب على أولادها، وإقامة بعضها على بعض، ونقلها الطعام والشراب إلى أولادها في الجبال والمغاور والأودية والقفار, وعلمنا بذلك ان خالقها لطيف بلا كيف، إذ الكيف للمخلوق المكيف، وكذلك سمينا ربنا قويا, بلا قوة البطش المعروف من الخلق، ولو كانت قوته قوة البطش المعروف من الخلق لوقع التشبيه واحتمل الزيادة، وما احتمل الزيادة احتمل النقصان، وما كان ناقصا كان غير قديم، وما كان غير قديم كان عاجزا,

فربنا تبارك وتعالى لا شبه له، ولا ضد ولا ند، ولا كيفية، ولا نهاية، ولا تصاريف، محرم على القلوب أن تحتمله وعلى الأوهام أن تحده، وعلى الضمائر أن تصوره، جل وعز عن أداة خلقه، وسمات بريته، تعالى عن ذلك علوا كبيرا.

----------------

الاحتجاج ج 2 ص 442, بحار الأنوار ج 4 ص 153

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

روى أبو داوود بن القاسم الجعفري قال: قلت لأبي جعفر الثاني (ع): {قل هو الله أحد} ما معنى الاحد؟ قال (ع): المجمع عليه بالوحدانية، أما سمعته يقول: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} ثم يقولون بعد ذلك له: شريك وصاحبة! (1) فقلت: قوله: {لا تدركه الأبصار}؟ قال (ع): يا أبا هاشم, أوهام القلوب أدق من أبصار العيون، أنت قد تدرك بوهمك السند والهند، والبلدان التي لم تدخلها، ولم تدرك ببصرك ذلك, فأوهام القلوب لا تدركه، فكيف تدركه الأبصار, وسئل (ع): أيجوز أن يقال لله: انه شيء؟ فقال (ع): نعم, تخرجه من الحدين, حد الابطال، وحد التشبيه. (2)

---------------

(1) إلى هنا في البرهان وبحار الأنوار وتفسير نور الثقلين وتفسير كنز الدقائق

(2) متشابه القرآن ج 1 ص 105, الاحتجاج ج 2 ص 441, البرهان ج 5 ص 807, بحار الأنوار ج 3 ص 208, تفسير نور الثقلين ج 5 ص 710, تفسير كنز الدقائق ج 14 ص 510

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

 

عن عبد الرحمن ابن أبي نجران قال: سألت أبا جعفر (ع) عن التوحيد, فقلت: أتوهم شيئا؟ فقال (ع): نعم، غير معقول ولا محدود، فما وقع وهمك عليه من شيء فهو خلافه، لا يشبهه شيء ولا تدركه الأوهام، كيف تدركه الأوهام وهو خلاف ما يعقل، وخلاف ما يتصور في الأوهام؟! إنما يتوهم شيء غير معقول ولا محدود.

---------------

الكافي ج 1 ص 82, التوحيد ص 106, الوافي ج 1 ص 332, الفصول المهمة ج 1 ص136, بحار الأنوار ج 3 ص 266, تفسير نور الثقلين ج 4 ص 561, تفسير كنز الدقائق ج 11 ص 483

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن داود بن القاسم الجعفري قال: قلت لأبي جعفر الثاني (ع): جعلت فداك, ما الصمد؟ قال (ع): السيد المصمود إليه في القليل والكثير.

---------------

الكافي ج 1 ص 123, التوحيد ص 94, معاني الأخبار ص 6, الوافي ج 1 ص 478, البرهان ج 5 ص 801, بحار الأنوار ج 3 ص 220, تفسير نور الثقلين ج 5 ص 710, تفسير كنز الدقائق ج 14 ص 510

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن أبي هاشم الجعفري، قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي الثاني (ع): ما معنى الواحد؟ فقال (ع): المجتمع عليه بجميع الألسن بالوحدانية.

--------------

التوحيد ص 82, معاني الأخبار ص 5, مشكاة الأنوار ص 9, البرهان ج 1 ص 366, بحار الأنوار ج 3 ص 208

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن أبي هاشم الجعفري، قال: سألت أبا جعفر الثاني (ع) ما معنى الواحد؟ قال (ع): الذي اجتماع الألسن عليه بالتوحيد، كما قال الله عز وجل: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ الله}.

--------------

الكافي ج 1 ص 118, التوحيد ص 83, نوادر الأخبار ص 73, الوافي ج 1 ص 477, تفسير الصافي ج 4 ص 149, البرهان ج 1 ص 367, بحار الأنوار ج 3 ص 208, تفسير نور الثقلين ج 4 ص 218, تفسير كنز الدقائق ج 12 ص 108

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن داوود بن القاسم أبي هاشم الجعفري، قال: قلت لأبي جعفر بن الرضا (ع): {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار}؟ فقال (ع): يا أبا هاشم, أوهام القلوب أدق من أبصار العيون، أنت قد تدرك بوهمك السند والهند والبلدان التي لم تدخلها ولا تدركها ببصرك ، فأوهام القلوب لا تدركه, فكيف أبصار العيون؟!.

---------------

الكافي ج 1 ص 99, التوحيد ص 113, الوافي ج 1 ص 386, تفسير الصافي ج 2 ص 145, الفصول المهمة ج 1 ص182, البرهان ج 2 ص 462, بحار الأنوار ج 4 ص 39, تفسير نور الثقلين ج 1 ص 753, تفسير كنز الدقائق ج 4 ص 413

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية

 

عن الحسين بن سعيد، قال: سئل أبو جعفر الثاني (ع) يجوز أن يقال لله إنه شيء؟ فقال (ع): نعم، يخرجه من الحدين: حد التعطيل, وحد التشبيه.

--------------

الكافي ج 1 ص 82, النتوحيد ص 107, الاحتجاج ج 2 ص 442, الوافي ج 1 ص 333, الفصول المهمة ج 1 ص 137, بحار الأنوار ج 3 ص 262, تفسير نور الثقلين ج 4 ص 461, تفسير كنز الدقائق ج 11 ص 484

 

تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية