وصايا السيدة الزهراء عليها السلام
* فتال النيشابوري في روضة الواعظين, فلما نعيت إلى فاطمة (ع) نفسها، دعت أم أيمن وأسماء بنت عميس، ووجهت خلف علي (ع) وأحضرته فقالت: يابن عم, إنه قد نعيت إلي نفسي، وإنني لأرى ما بي ﻻ أشك إلا أنني ﻻ حقة بأبي، ساعة بعد ساعة وأنا أوصيك بأشياء في قلبي. قال لها علي (ع): أوصيني بما أحببت يا بنت رسول الله، فجلس عند رأسها وأخرج من كان في البيت. ثم قالت: يابن عم, ما عهدتني كاذبة ولا خائنة ولا خالفتك منذ عاشرتني, فقال (ع): معاذ الله, أنت أعلم بالله وأبر وأتقى وأكرم، وأشد خوفا من الله من أن أوبخك غدا بمخالفتي، فقد عز علي مفارقتك وفقدك، إلا أنه أمر لابد منه، والله جددت علي مصيبة رسول الله (ص), وقد عظمت وفاتك وفقدك، فإنا لله وإنا إليه راجعون من مصيبة ما أفجعها وآلمها وأمضها وأحزنها، هذه والله مصيبة ﻻ عزاء عنها، ورزية ﻻ خلف لها. ثم بكيا جميعا ساعة، وأخذ علي رأسها وضمها إلى صدره، ثم قال: أوصيني بما شئت، فإنك تجديني وفيا، أمضي كل ما أمرتني به، وأختار أمرك على أمري. ثم قالت: جزاك الله عني خير الجزاء, يابن عم, أوصيك أولا أن تتزوج بعدي بابنة أمامة، فإنها تكون لولدي مثلي، فإن الرجال لابد لهم من النساء. قال: فمن أجل ذلك قال أمير المؤمنين (ع): أربعة ليس لي إلى فراقهن سبيل، بنت أمامة أوصتني بها فاطمة (ع). ثم قالت: أوصيك يابن عم أن تتخذ لي نعشا, فقد رأيت الملائكة صوروا صورته. فقال لها: صفيه لي، فوصفته، فاتخذه لها، فأول نعش عمل على وجه الأرض ذلك، وما رأى أحد قبله ولا عمل أحد. ثم قالت: أوصيك أن ﻻ يشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني وأخذوا حقي، فإنهم أعدائي وأعداء رسول الله (ص), وأن ﻻ يصلي علي أحد منهم، ولا من أتباعهم، وادفني في الليل إذا هدأت العيون ونامت الأبصار.
.
* العلامة المجلسي في البحار, عن مروان الأصفر: إن فاطمة بنت رسول الله (ص) حيث ثقلت في مرضها، أوصت عليا (ع) فقالت: إني أوصيك أن ﻻ يلي غسلي وكفني سواك, فقال: نعم, فقالت: وأوصيك أن تدفنني ولا تؤذن بي أحدا.
.
* محمد بن جرير الطبري في دلائل الإمامة, روي وأن أمير المؤمنين (ع) أخرج السيدة الزهراء (ع) ومعه الحسن والحسين (ع) في الليل، وصلوا عليها، ولم يعلم بها أحد، ولا حضروا وفاتها ولا صلى عليها أحد من سائر الناس غيرهم، لأنها (ع) أوصت بذلك، وقالت: ﻻ تصلي علي أمة نقضت عهد الله، وعهد أبي رسول الله (ص) في أمير المؤمنين علي (ع)، وظلموني حقي، وأخذوا إرثي، وخرقوا صحيفتي التي كتبها لي أبي بملك فدك، وكذبوا شهودي وهم والله جبرئيل وميكائيل وأمير المؤمنين (ع) وأم أيمن، وطفت عليهم في بيوتهم، وأمير المؤمنين (ع) يحملني ومعي الحسن والحسين ليلا ونهارا إلى منازلهم، أذكرهم بالله وبرسوله ألا تظلمونا، ولا تغصبونا حقنا الذي جعله الله لنا، فيجيبونا ليلا ويقعدون عن نصرتنا نهارا، ثم ينفذون إلى دارنا قنفذا ومعه عمر بن الخطاب وخالد بن الوليد ليخرجوا ابن عمي عليا إلى سقيفة بني ساعدة لبيعتهم الخاسرة، فلا يخرج إليهم متشاغلا بما أوصاه به رسول الله (ص)، وبأزواجه، وبتأليف القرآن، وقضاء ثمانين ألف درهم وصاه بقضائها عنه عداة ودينا. فجمعوا الحطب الجزل على بابنا، وأتوا بالنار ليحرقوه ويحرقونا، فوقفت بعضادة الباب، وناشدتهم بالله وبأبي (ص) أن يكفوا عنا وينصرونا، فأخذ عمر السوط من يد قنفذ مولى أبي بكر فضرب به عضدي، فالتوى السوط على عضدي حتى صار كالدملج، وركل الباب برجله فرده علي وأنا حامل، فسقطت لوجهي والنار تسعر وتسفع وجهي، فضربني بيده حتى انتثر قرطي من أذني، وجاءني المخاض فأسقطت محسنا قتيلا بغير جرم، فهذه أمة تصلي علي! وقد تبرأ الله ورسوله منهم، وتبرأت منهم. فعمل أمير المؤمنين (ع) بوصيتها، ولم يعلم أحدا بها فصنع في البقيع ليلة دفنت فاطمة (ع) أربعون قبرا جددا.
.
* العلامة المجلسي في البحار, مصباح الأنوار: عن يحيى بن عبد الله بن محمد بن عمر, بن علي ابن أبي طالب (ع) قال: قالت فاطمة (ع) لعلي (ع): إن لي إليك حاجة يا أبا الحسن, فقال: تقضى يا بنت رسول الله, فقالت: نشدتك بالله وبحق محمد رسول الله, أن لا يصلي علي أبو بكر ولا عمر، فإني لأكتمك حديثا، فقالت: قال لي رسول الله (ص): يا فاطمة, إنك أول من يلحق بي من أهل بيتي، فكنت أكره أن أسوءك.
.
* السيد حسين التويسركانى في مسند فاطمة (ع), إن في جملة ما أوصته الزهراء (ع) إلى علي (ع): إذا دفنتني ادفن معي هذا الكاغذ الذي في الحقة, فقال لها سيد الوصيين (ع): بحق النبي أخبريني بما فيه؟ قالت (ع): حين أراد أن يزوجني أبي منك قال لي: زوجتك من علي على صداق أربعمائة درهم, قلت: رضيت علياً ولا أرضى بصداق أربعمائة درهم, فجاء جبرئيل (ع) فقال: يا رسول الله يقول الله عز وجل: الجنة وما فيها صداق فاطمة, قلت: لا أرضى, قال (ص): أي شيء تريدين؟ قلت: أريد أمتك لأنك مشغول بأمتك, فرجع جبرئيل (ع) ثم جاء بهذا الكتاب مكتوب فيه: "شفاعة أمة محمد (ص) صداق فاطمة (ع)." فإذا كان يوم القيامة أقول: إلهي هذه قبالة شفاعة أمة محمد (ص).
.
* الشيخ الكليني في الكافي, علي بن إبراهيم, عن أبيه, عن ابن أبي نجران, عن عاصم بن حميد, عن أبي بصير قال: قال أبو جعفر (ع): ألا أقرئك وصية فاطمة (ع)؟ قال: قلت: بلى, قال: فأخرج حقا أو سفطا فأخرج منه كتابا فقرأه: بسم الله الرحمن الرحيم, هذا ما أوصت به فاطمة بنت محمد رسول الله: أوصت بحوائطها السبعة العواف والدلال والبرقة والميثب والحسنى والصافية وما لأم إبراهيم إلى علي بن أبي طالب, فإن مضى علي فإلى الحسن, فإن مضى الحسن فإلى الحسين, فإن مضى الحسين فإلى الأكبر من ولدي, شهد الله على ذلك والمقداد بن الأسود, والزبير بن العوام, وكتب علي بن أبي طالب.
.
* العلامة المجلسي في البحار, ذكر وهب بن منبه, عن ابن عباس, لما توفيت (ع) شقت أسماء جيبها وخرجت, فتلقاها الحسن والحسين (ع) فقالا: أين أمنا؟ فسكتت, فدخلا البيت فإذا هي ممتدة, فحركها الحسين (ع) فإذا هي ميتة فقال: يا أخاه آجرك الله في الوالدة, وخرجا يناديان: يا محمداه! يا أحمداه! اليوم جدد لنا موتك إذ ماتت أمنا! ثم أخبرا عليا (ع) وهو في المسجد فغشي عليه حتى رش عليه الماء ثم أفاق فحملهما حتى أدخلهما بيت فاطمة (ع) وعند رأسها أسماء تبكي وتقول: وايتامي محمد، كنا نتعزي بعدك، فكشف علي (ع) عن وجهها فإذا برقعة عند رأسها، فنظر فيها، فإذا فيها: بسم الله الرحمن الرحيم, هذا ما أوصت به فاطمة بنت رسول الله (ص)، أوصت وهي تشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وان الجنة حق، والنار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور، يا علي أنا فاطمة بنت محمد زوجني الله منك لأكون ذلك في الدنيا والآخرة، أنت أولى بي من غيري، حنطني وغسلني وكفنني بالليل, وصل علي وادفني بالليل, ولا تعلم أحدا واستودعك الله, واقرء على ولدي السلام إلى يوم القيامة.
.
* الشيخ عبد الله البحراني في العوالم, وقائع الشهور والأيام للبيرجندي في وقائع اليوم العاشر من جمادي الأولى: روي أن فى هذا اليوم أعطت الزهراء (ع) قميص إبراهيم الخليل لزينب (ع), وقالت: إذا طلبه منك أخوك الحسين (ع)، فاعلمي أنه ضيفك ساعة، ثم يقتل بأشد الأحوال بيد اولاد الزنا.
.
* السيد حسين التويسركانى في مسند فاطمة (ع), الجنة العاصمة: عن أحمد بن يوسف الدمشقي أنه قال: روي أن السيدة الزهراء (ع) لما سمعت بأن أباها زوجها وجعل الدراهم مهرا لها فقالت (ع): يا رسول الله إن بنات الناس يتزوجن بالدراهم، فما الفرق بيني وبينهن، أسئلك أن تردها وتدعو الله تعالى أن يجعل مهري الشفاعة في عصاة أمتك، فنزل جبريل (ع) ومعه بطاقة من حرير مكتوب فيها: "جعل الله مهر فاطمة الزهراء (ع) شفاعة المذنبين من أمة محمد (ص)." فلما احتضرت أوصت بأن توضع تلك البطاقة على صدرها تحت الكفن فوضعت، وقالت (ع): إذا حشرت يوم القيامة رفعت تلك البطاقة بيدي وشفعت في عصاة أمة أبي.
.
* السيد حسين التويسركانى في مسند فاطمة (ع), التبر المذاب: ذكر في كتاب العقائد هذ الخبر فمحصله: أنه لما اشتد المرض بسيدة النساء (ع) دخل علي (ع) وعندها ولداها وتحت رأسها مخدة من جلد كبش, وفراشها من وبر جمل, ولسانها لا تفتر عن ذكر ربها فقالت: يا ابن عمي, ويا باب مدينة علم النبي, ويا زوجي في الدنيا والآخرة, ويا صاحب السلالة الطاهرة, أوصيك من بعدي بحفظ هذين الولدين, فهما قرتا عين الرسول, وكفاهما ما لقياه من فراق جدهما, وعن قريب يفقدان أمهما, ولا تمنعهما من زيارة قبري, فإن قلبي معهما, ثم اعلم يا ابن عمي, إني راضية عنك, فهل أنت راض عني؟ خدمتك بقدر جهدي وطاقتي, وأعنتك على دنياك مقدار قوتي, طحنت الشعير بالنهار, وأستقيت بالقربة بالليل, وبعد ذلك فإني أعترف بالتقصير في حقك, فسامحني فإن أمامنا عقبة لا يقطعها إلا المخفون, فبكى علي (ع), وقال: يا بنت المصطفى, ويا سيدة النساء, روحي لروحك الفداء, يا بنت البشير النذير, ومن أرسل رحمة للعالمين. فلما عرفت الرضا من المرتضى قالت (ع): إذا فرغت من أمري ووضعتني في قبري فخذ تلك القارورة والحقة وضعهما في لحدي, فقال علي (ع): يا سيدة النساء, ما الذي في هذه القارورة؟ قالت: يا أبا الحسن إني سمعت أبي يقول: إن الدمعة تطفئ غضب الرب, وأن القبر لا يكون روضة من رياض الجنة إلا أن يكون العبد قد بكى من خيفة الله, وقد علم العزيز الجبار أني بكيت خوفا بهذه الدموع التي في القارورة عند الأسحار وجعلتها ذخيرة في قبري أجدها يوم حشري, فبك علي (ع) فجعلت فاطمة (ع) تأخذ من دموعه وتمسح به وجهها, ثم قالت (ع): يا أبا الحسن لو بكى محزون في أمة محمد لرحم الله تعالى تلك الأمة, وإنك لمحزون يا ابن عمي لفراقي, فإني أمة الله وبنت رسول الله (ص), وأخذت بالبكاء فبكى الحسن والحسين (ع) ثم سألها علي (ع): ما في هذه الحقة؟ ففتحتها فإذا فيها حريرة خضراء وفي الحريرة ورقة بيضاء فيها أسطر مكتوبة والنور يلمع, قالت (ع): يا أبا الحسن لما زوجني منك أبي كان عندي في ليل الزواج قميصان, أحدهما جديد, والآخر عتيق مرقع, فبينما أنا على سجادة إذ طرق الباب سائل وقال: يا أهل بيت النبوة, ومعدن الخير والفتوة, إن كان عندكم قميص خلق فإني به جدير لأني رجل فقير, يا أهل بيت محمد فقيركم عاري الجسد, فعمدت إلى القميص الجديد فدفعته إليه ولبست القميص الخلق. قالت (ع): يا أبا الحسن فلما أصبحت عندك بالقميص الخلق, دخل رسول الله (ص) علي فقال: يا بنية أليس قد كان لك القميص الجديد فلم لا تلبسيه؟ فقلت: يا أبة تصدقتها لسائل, فقال: نعم ما فعلت ولو لبست الجديد لأجل بعلك وتصدقت بالعتيق لحصل لك بالحالين التوفيق, قلت: يا رسول الله بك اهتدينا واقتدينا, إنك لما تزوجت بأمي خديجة وأنفقت جميع ما أعطتك في طاعة المولى حتى أفضت بك الحال أن وقف ببابك بعض السائلين فأعطيته قميصك والتحفت بالحصير حتى نزل جبرئيل بهذه الآية {ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا} فبكى النبي (ص) ثم ضمني إلى صدره فنزل جبرئيل (ع) وقال: إن الله يقرؤك السلام ويقول لك إقرأ على فاطمة السلام وقل لها تطلب ما شاءت, ولو طلبت ما في الخضراء والغبراء, وبشرها أني أحبها, فقال لي: بنية إن ربك يسلم عليك ويقول لك اطلبي ما شئت. فقلت: يا أبتاه قد شغلني لذة خدمته عن مسألته, لا حاجة لي غير النظر إلى وجهه الكريم في دار السلام, فقال: يا بنية ارفعي يديك, فرفعت يدي ورفع يديه وقال: اللهم اغفر لأمتي, وأنا أقول: آمين, فجاء جبرئيل (ع) برسالة من الجليل: قد غفرت لعصاة أمتك ممن في قلبه محبة فاطمة وأمها وبعلها وبنيها (ع), فقال (ص): أريد بذلك سجلا, فأمر الله جبرئيل (ع) أن يأخذ سندسة خضراء وسندسة بيضاء وكان فيهما: كتب ربكم على نفسه الرحمة وشهد جبرئيل وميكائيل وشهد الرسول, وقال: يا بنية يكون هذا الكتاب في هذه الحقة فإذا كان يوم وفاتك فعليك بالوصية أن يوضع في لحدك, فإذا قام الناس في القيامة وانقطع المذنبون وسحبتهم الزبانية إلى النار فسلمي الوديعة إلي حتى أطلب ما أنعم الله علي وعليك فأنت وأبوك رحمة للعالمين.
.
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية