وصايا الإمام الكاظم (ع)
* ابن شعبة الحراني في تحف العقول, وصية الإمام الكاظم (ع) لهشام: إن الله تبارك وتعالى بشر أهل العقل والفهم في كتابه فقال {فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب} يا هشام بن الحكم, إن الله عز وجل أكمل للناس الحجج بالعقول وأفضى إليهم بالبيان, ودلهم على ربوبيته بالأدلاء فقال: {وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار} إلى قوله {لآيات لقوم يعقلون}. يا هشام, قد جعل الله عز وجل ذلك دليلا على معرفته بأن لهم مدبرا فقال: {وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون} وقال: {حم والكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون} وقال: {ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا وينزل من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون}. يا هشام, ثم وعظ أهل العقل ورغبهم في الآخرة فقال: {وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون} وقال: {وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى أفلا تعقلون}. يا هشام, ثم خوف الذين لا يعقلون عذابه فقال عز وجل: {ثم دمرنا الآخرين وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون}. يا هشام, ثم بين أن العقل مع العلم فقال: {وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون}. يا هشام, ثم ذم الذين لا يعقلون فقال: {وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون} وقال: {إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون} وقال: {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون}. ثم ذم الكثرة فقال: {وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله} وقال: {ولكن أكثرهم لا يعلمون} وأكثرهم لا يشعرون. يا هشام, ثم مدح القلة فقال: {وقليل من عبادي الشكور} وقال: {وقليل ما هم} وقال: {وما آمن معه إلا قليل}. يا هشام, ثم ذكر أولي الألباب بأحسن الذكر وحلاهم بأحسن الحلية فقال: {يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولوا الألباب}. يا هشام, إن الله يقول {إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب} يعني العقل, وقال: {ولقد آتينا لقمان الحكمة} قال (ع): الفهم والعقل. يا هشام, إن لقمان قال لابنه: تواضع للحق تكن أعقل الناس, يا بني إن الدنيا بحر عميق قد غرق فيه عالم كثير, فلتكن سفينتك فيها تقوى الله, وحشوها الإيمان, وشراعها التوكل, وقيمها العقل, ودليلها العلم, وسكانها الصبر. يا هشام, لكل شيء دليل ودليل العاقل التفكر, ودليل التفكر الصمت, ولكل شيء مطية ومطية العاقل التواضع, وكفى بك جهلا أن تركب ما نهيت عنه. يا هشام, لو كان في يدك جوزة وقال الناس: في يدك لؤلؤة, ما كان ينفعك وأنت تعلم أنها جوزة؟ ولو كان في يدك لؤلؤة وقال الناس: إنها جوزة, ما ضرك وأنت تعلم أنها لؤلؤة؟ يا هشام, ما بعث الله أنبياءه ورسله إلى عباده إلا ليعقلوا عن الله, فأحسنهم استجابة أحسنهم معرفة لله, وأعلمهم بأمر الله أحسنهم عقلا, وأعقلهم أرفعهم درجة في الدنيا والآخرة. يا هشام, ما من عبد إلا وملك آخذ بناصيته, فلا يتواضع إلا رفعه الله, ولا يتعاظم إلا وضعه الله. يا هشام, إن لله على الناس حجتين: حجة ظاهرة وحجة باطنة, فأما الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة, وأما الباطنة فالعقول. يا هشام, إن العاقل الذي لا يشغل الحلال شكره, ولا يغلب الحرام صبره. يا هشام, من سلط ثلاثا على ثلاث فكأنما أعان هواه على هدم عقله: من أظلم نور فكره بطول أمله, ومحا طرائف حكمته بفضول كلامه, وأطفأ نور عبرته بشهوات نفسه, فكأنما أعان هواه على هدم عقله, ومن هدم عقله أفسد عليه دينه ودنياه. يا هشام, كيف يزكو عند الله عملك وأنت قد شغلت عقلك عن أمر ربك وأطعت هواك على غلبة عقلك. يا هشام, الصبر على الوحدة علامة قوة العقل, فمن عقل عن الله تبارك وتعالى اعتزل أهل الدنيا والراغبين فيها, ورغب فيما عند ربه, وكان الله آنسه في الوحشة, وصاحبه في الوحدة, وغناه في العيلة, ومعزه في غير عشيرة. يا هشام, نصب الخلق لطاعة الله, ولا نجاة إلا بالطاعة, والطاعة بالعلم, والعلم بالتعلم, والتعلم بالعقل يعتقد, ولا علم إلا من عالم رباني, ومعرفة العالم بالعقل. يا هشام, قليل العمل من العاقل مقبول مضاعف, وكثير العمل من أهل الهوى والجهل مردود. يا هشام, إن العاقل رضي بالدون من الدنيا مع الحكمة ولم يرض بالدون من الحكمة مع الدنيا, فلذلك {ربحت تجارتهم}. يا هشام, إن كان يغنيك ما يكفيك فأدنى ما في الدنيا يكفيك, وإن كان لا يغنيك ما يكفيك فليس شيء من الدنيا يغنيك. يا هشام, إن العقلاء تركوا فضول الدنيا فكيف الذنوب؟ وترك الدنيا من الفضل وترك الذنوب من الفرض. يا هشام إن العقلاء زهدوا في الدنيا ورغبوا في الآخرة لأنهم علموا أن الدنيا طالبة ومطلوبة والآخرة طالبة ومطلوبة, فمن طلب الآخرة طلبته الدنيا حتى يستوفي منها رزقه, ومن طلب الدنيا طلبته الآخرة فيأتيه الموت فيفسد عليه دنياه وآخرته. يا هشام, من أراد الغنى بلا مال, وراحة القلب من الحسد, والسلامة في الدين, فليتضرع إلى الله في مسألته بأن يكمل عقله, فمن عقل قنع بما يكفيه, ومن قنع بما يكفيه استغنى, ومن لم يقنع بما يكفيه لم يدرك الغنى أبدا. يا هشام, إن الله جل وعز حكى عن قوم صالحين أنهم قالوا {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب} حين علموا أن القلوب تزيغ وتعود إلى عماها ورداها, إنه لم يخف الله من لم يعقل عن الله, ومن لم يعقل عن الله لم يعقد قلبه على معرفة ثابتة يبصرها ويجد حقيقتها في قلبه, ولا يكون أحد كذلك إلا من كان قوله لفعله مصدقا وسره لعلانيته موافقا, لأن الله لم يدل على الباطن الخفي من العقل إلا بظاهر منه وناطق عنه. يا هشام, كان أمير المؤمنين (ع) يقول: ما من شيء عبد الله به أفضل من العقل, وما تم عقل امرئ حتى يكون فيه خصال شتى: الكفر والشر منه مأمونان, والرشد والخير منه مأمولان, وفضل ماله مبذول, وفضل قوله مكفوف, نصيبه من الدنيا القوت, ولا يشبع من العلم دهره, الذل أحب إليه مع الله من العز مع غيره, والتواضع أحب إليه من الشرف, يستكثر قليل المعروف من غيره ويستقل كثير المعروف من نفسه, ويرى الناس كلهم خيرا منه وأنه شرهم في نفسه, وهو تمام الأمر. يا هشام, من صدق لسانه زكا عمله, ومن حسنت نيته زيد في رزقه, ومن حسن بره بإخوانه وأهله مد في عمره. يا هشام, لا تمنحوا الجهال الحكمة فتظلموها ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم. يا هشام, كما تركوا لكم الحكمة فاتركوا لهم الدنيا. يا هشام, لا دين لمن لا مروة له, ولا مروة لمن لا عقل له, وإن أعظم الناس قدرا الذي لا يرى الدنيا لنفسه خطرا, أما إن أبدانكم ليس لها ثمن إلا الجنة فلا تبيعوها بغيرها. يا هشام, إن أمير المؤمنين (ع) كان يقول: لا يجلس في صدر المجلس إلا رجل فيه ثلاث خصال: يجيب إذا سئل, وينطق إذا عجز القوم عن الكلام, ويشير بالرأي الذي فيه صلاح أهله, فمن لم يكن فيه شيء منهن فجلس فهو أحمق. وقال الحسن بن علي (ع): إذا طلبتم الحوائج فاطلبوها من أهلها, قيل: يا ابن رسول الله ومن أهلها؟ قال: الذين قص الله في كتابه وذكرهم فقال: {إنما يتذكر أولوا الألباب} قال: هم أولو العقول. وقال علي بن الحسين (ع): مجالسة الصالحين داعية إلى الصلاح, وأدب العلماء زيادة في العقل, وطاعة ولاة العدل تمام العز, واستثمار المال تمام المروة, وإرشاد المستشير قضاء لحق النعمة, وكف الأذى من كمال العقل, وفيه راحة البدن عاجلا وآجلا. يا هشام, إن العاقل لا يحدث من يخاف تكذيبه, ولا يسأل من يخاف منعه, ولا يعد ما لا يقدر عليه, ولا يرجو ما يعنف برجائه, ولا يتقدم على ما يخاف العجز عنه, وكان أمير المؤمنين (ع) يوصي أصحابه يقول: أوصيكم بالخشية من الله في السر والعلانية, والعدل في الرضا والغضب, والاكتساب في الفقر والغنى, وأن تصلوا من قطعكم, وتعفوا عمن ظلمكم, وتعطفوا على من حرمكم, وليكن نظركم عبرا, وصمتكم فكرا, وقولكم ذكرا, وطبيعتكم السخاء فإنه لا يدخل الجنة بخيل, ولا يدخل النار سخي. يا هشام, رحم الله من استحيا من الله حق الحياء, فحفظ الرأس وما حوى, والبطن وما وعى, وذكر الموت والبلى, وعلم أن الجنة محفوفة بالمكاره, والنار محفوفة بالشهوات. يا هشام, من كف نفسه عن أعراض الناس أقاله الله عثرته يوم القيامة, ومن كف غضبه عن الناس كف الله عنه غضبه يوم القيامة. يا هشام, إن العاقل لا يكذب وإن كان فيه هواه. يا هشام, وجد في ذؤابة سيف رسول الله (ص): إن أعتى الناس على الله من ضرب غير ضاربه, وقتل غير قاتله, ومن تولى غير مواليه, فهو كافر بما أنزل الله على نبيه محمد (ص), ومن أحدث حدثا أو آوى محدثا لم يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا. يا هشام, أفضل ما يتقرب به العبد إلى الله بعد المعرفة به: الصلاة وبر الوالدين, وترك الحسد والعجب والفخر. يا هشام, أصلح أيامك الذي هو أمامك, فانظر أي يوم هو وأعد له الجواب فإنك موقوف ومسئول, وخذ موعظتك من الدهر وأهله, فإن الدهر طويلة قصيرة, فاعمل كأنك ترى ثواب عملك لتكون أطمع في ذلك, واعقل عن الله وانظر في تصرف الدهر وأحواله فإن ما هو آت من الدنيا كما ولى منها فاعتبر بها. وقال علي بن الحسين (ع): إن جميع ما طلعت عليه الشمس في مشارق الأرض ومغاربها, بحرها وبرها وسهلها وجبلها عند ولي من أولياء الله, وأهل المعرفة بحق الله كفيء الظلال, ثم قال (ع): أولا حر يدع هذه اللماظة لأهلها يعني الدنيا, فليس لأنفسكم ثمن إلا الجنة فلا تبيعوها بغيرها, فإنه من رضي من الله بالدنيا فقد رضي بالخسيس. يا هشام, إن كل الناس يبصر النجوم ولكن لا يهتدي بها إلا من يعرف مجاريها ومنازلها, وكذلك أنتم تدرسون الحكمة ولكن لا يهتدي بها منكم إلا من عمل بها. يا هشام, إن المسيح (ع) قال للحواريين: "يا عبيد السوء, يهولكم طول النخلة وتذكرون شوكها ومئونة مراقيها وتنسون طيب ثمرها ومرافقها, كذلك تذكرون مئونة عمل الآخرة فيطول عليكم أمده وتنسون ما تفضون إليه من نعيمها ونورها وثمرها. يا عبيد السوء, نقوا القمح وطيبوه وأدقوا طحنه تجدوا طعمه ويهنئكم أكله, كذلك فأخلصوا الإيمان وأكملوه تجدوا حلاوته وينفعكم غبه, بحق أقول لكم لو وجدتم سراجا يتوقد بالقطران في ليلة مظلمة لاستضأتم به ولم يمنعكم منه ريح نتنه, كذلك ينبغي لكم أن تأخذوا الحكمة ممن وجدتموها معه ولا يمنعكم منه سوء رغبته فيها. يا عبيد الدنيا بحق أقول لكم, لا تدركون شرف الآخرة إلا بترك ما تحبون, فلا تنظروا بالتوبة غدا فإن دون غد يوما وليلة, وقضاء الله فيهما يغدو ويروح. بحق أقول لكم, إن من ليس عليه دين من الناس أروح وأقل هما ممن عليه الدين وإن أحسن القضاء, وكذلك من لم يعمل الخطيئة أروح هما ممن عمل الخطيئة وإن أخلص التوبة وأناب, وإن صغار الذنوب ومحقراتها من مكايد إبليس, يحقرها لكم ويصغرها في أعينكم فتجتمع وتكثر فتحيط بكم. بحق أقول لكم, إن الناس في الحكمة رجلان: فرجل أتقنها بقوله وصدقها بفعله, ورجل أتقنها بقوله وضيعها بسوء فعله, فشتان بينهما, فطوبى للعلماء بالفعل وويل للعلماء بالقول. يا عبيد السوء اتخذوا مساجد ربكم سجونا لأجسادكم وجباهكم, واجعلوا قلوبكم بيوتا للتقوى ولا تجعلوا قلوبكم مأوى للشهوات, إن أجزعكم عند البلاء لأشدكم حبا للدنيا, وإن أصبركم على البلاء لأزهدكم في الدنيا. يا عبيد السوء لا تكونوا شبيها بالحداء الخاطفة, ولا بالثعالب الخادعة, ولا بالذئاب الغادرة, ولا بالأسد العاتية, كما تفعل بالفرائس كذلك تفعلون بالناس, فريقا تخطفون وفريقا تخدعون وفريقا تغدرون بهم. بحق أقول لكم, لا يغني عن الجسد أن يكون ظاهره صحيحا وباطنه فاسدا, كذلك لا تغني أجسادكم التي قد أعجبتكم وقد فسدت قلوبكم وما يغني عنكم أن تنقوا جلودكم وقلوبكم دنسة, لا تكونوا كالمنخل يخرج منه الدقيق الطيب ويمسك النخالة, كذلك أنتم تخرجون الحكمة من أفواهكم ويبقى الغل في صدوركم. يا عبيد الدنيا, إنما مثلكم مثل السراج يضيء للناس ويحرق نفسه. يا بني إسرائيل, زاحموا العلماء في مجالسهم ولو جثوا على الركب, فإن الله يحيي القلوب الميتة بنور الحكمة كما يحيي الأرض الميتة بوابل المطر." يا هشام, مكتوب في الإنجيل: طوبى للمتراحمين أولئك هم المرحومون يوم القيامة, طوبى للمصلحين بين الناس أولئك هم المقربون يوم القيامة, طوبى للمطهرة قلوبهم أولئك هم المتقون يوم القيامة, طوبى للمتواضعين في الدنيا أولئك يرتقون منابر الملك يوم القيامة. يا هشام, قلة المنطق حكم عظيم, فعليكم بالصمت فإنه دعة حسنة, وقلة وزر, وخفة من الذنوب, فحصنوا باب الحلم, فإن بابه الصبر, وإن الله عز وجل يبغض الضحاك من غير عجب, والمشاء إلى غير أرب, ويجب على الوالي أن يكون كالراعي لا يغفل عن رعيته ولا يتكبر عليهم, فاستحيوا من الله في سرائركم كما تستحيون من الناس في علانيتكم, واعلموا أن الكلمة من الحكمة ضالة المؤمن, فعليكم بالعلم قبل أن يرفع ورفعه غيبة عالمكم بين أظهركم. يا هشام, تعلم من العلم ما جهلت, وعلم الجاهل مما علمت, عظم العالم لعلمه ودع منازعته, وصغر الجاهل لجهله ولا تطرده, ولكن قربه وعلمه. يا هشام, إن كل نعمة عجزت عن شكرها بمنزلة سيئة تؤاخذ بها, وقال أمير المؤمنين (ع): إن لله عبادا كسرت قلوبهم خشيته فأسكتتهم عن المنطق, وإنهم لفصحاء عقلاء يستبقون إلى الله بالأعمال الزكية, لا يستكثرون له الكثير ولا يرضون لهم من أنفسهم بالقليل, يرون في أنفسهم أنهم أشرار وإنهم لأكياس وأبرار. يا هشام, الحياء من الإيمان والإيمان في الجنة, والبذاء من الجفاء والجفاء في النار. يا هشام, المتكلمون ثلاثة: فرابح وسالم وشاجب, فأما الرابح فالذاكر لله, وأما السالم فالساكت, وأما الشاجب فالذي يخوض في الباطل, إن الله حرم الجنة على كل فاحش بذيء قليل الحياء, لا يبالي ما قال ولا ما قيل فيه. وكان أبو ذر يقول: يا مبتغي العلم, إن هذا اللسان مفتاح خير ومفتاح شر, فاختم على فيك كما تختم على ذهبك وورقك. يا هشام, بئس العبد عبد يكون ذا وجهين وذا لسانين, يطري أخاه إذا شاهده ويأكله إذا غاب عنه, إن أعطي حسده, وإن ابتلي خذله, إن أسرع الخير ثوابا البر, وأسرع الشر عقوبة البغي, وإن شر عباد الله من تكره مجالسته لفحشه, وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم, ومن حسن إسلام المرء ترك ما لا يعنيه. يا هشام, لا يكون الرجل مؤمنا حتى يكون خائفا راجيا, ولا يكون خائفا راجيا حتى يكون عاملا لما يخاف ويرجو. يا هشام قال الله جل وعز: وعزتي وجلالي وعظمتي وقدرتي وبهائي وعلوي في مكاني لا يؤثر عبد هواي على هواه إلا جعلت الغنى في نفسه, وهمه في آخرته, وكففت عليه في ضيعته, وضمنت السماوات والأرض رزقه, وكنت له من وراء تجارة كل تاجر. يا هشام, الغضب مفتاح الشر, وأكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا, وإن خالطت الناس فإن استطعت أن لا تخالط أحدا منهم إلا من كانت يدك عليه العليا فافعل. يا هشام, عليك بالرفق فإن الرفق يمن, والخرق شؤم, إن الرفق والبر وحسن الخلق يعمر الديار ويزيد في الرزق. يا هشام, قول الله {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان} جرت في المؤمن والكافر والبر والفاجر, من صنع إليه معروف فعليه أن يكافئ به, وليست المكافأة أن تصنع كما صنع حتى ترى فضلك, فإن صنعت كما صنع فله الفضل بالابتداء. يا هشام, إن مثل الدنيا مثل الحية, مسها لين وفي جوفها السم القاتل, يحذرها الرجال ذوو العقول ويهوي إليها الصبيان بأيديهم. يا هشام, اصبر على طاعة الله واصبر عن معاصي الله, فإنما الدنيا ساعة, فما مضى منها فليس تجد له سرورا ولا حزنا, وما لم يأت منها فليس تعرفه, فاصبر على تلك الساعة التي أنت فيها فكأنك قد اغتبطت. يا هشام, مثل الدنيا مثل ماء البحر, كلما شرب منه العطشان ازداد عطشا حتى يقتله. يا هشام, إياك والكبر فإنه لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر, الكبر رداء الله فمن نازعه رداءه أكبه الله في النار على وجهه. يا هشام, ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم, فإن عمل حسنا استزاد منه وإن عمل سيئا استغفر الله منه وتاب إليه. يا هشام, تمثلت الدنيا للمسيح (ع) في صورة امرأة زرقاء, فقال لها: كم تزوجت؟ فقالت: كثيرا, قال: فكل طلقك؟ قالت: لا, بل كلا قتلت, قال المسيح (ع): فويح لأزواجك الباقين كيف لا يعتبرون بالماضين. يا هشام, إن ضوء الجسد في عينه, فإن كان البصر مضيئا استضاء الجسد كله, وإن ضوء الروح العقل, فإذا كان العبد عاقلا كان عالما بربه, وإذا كان عالما بربه أبصر دينه, وإن كان جاهلا بربه لم يقم له دين, وكما لا يقوم الجسد إلا بالنفس الحية فكذلك لا يقوم الدين إلا بالنية الصادقة, ولا تثبت النية الصادقة إلا بالعقل. يا هشام, إن الزرع ينبت في السهل ولا ينبت في الصفا, فكذلك الحكمة تعمر في قلب المتواضع ولا تعمر في قلب المتكبر الجبار, لأن الله جعل التواضع آلة العقل وجعل التكبر من آلة الجهل, ألم تعلم أن من شمخ إلى السقف برأسه شجه, ومن خفض رأسه استظل تحته وأكنه, وكذلك من لم يتواضع لله خفضه الله, ومن تواضع لله رفعه. يا هشام, ما أقبح الفقر بعد الغنى, وأقبح الخطيئة بعد النسك, وأقبح من ذلك العابد لله ثم يترك عبادته. يا هشام, لا خير في العيش إلا لرجلين: لمستمع واع, وعالم ناطق. يا هشام, ما قسم بين العباد أفضل من العقل, نوم العاقل أفضل من سهر الجاهل, وما بعث الله نبيا إلا عاقلا حتى يكون عقله أفضل من جميع جهد المجتهدين, وما أدى العبد فريضة من فرائض الله حتى عقل عنه. يا هشام, قال رسول الله (ص): إذا رأيتم المؤمن صموتا فادنوا منه فإنه يلقي الحكمة, والمؤمن قليل الكلام كثير العمل, والمنافق كثير الكلام قليل العمل. يا هشام, أوحى الله تعالى إلى داود (ع): قل لعبادي: لا يجعلوا بيني وبينهم عالما مفتونا بالدنيا, فيصدهم عن ذكري وعن طريق محبتي ومناجاتي, أولئك قطاع الطريق من عبادي, إن أدنى ما أنا صانع بهم أن أنزع حلاوة محبتي ومناجاتي من قلوبهم. يا هشام, من تعظم في نفسه لعنته ملائكة السماء وملائكة الأرض, ومن تكبر على إخوانه واستطال عليهم فقد ضاد الله, ومن ادعى ما ليس له فهو أعنى لغير رشده. يا هشام, أوحى الله تعالى إلى داود (ع): يا داود, حذر وأنذر أصحابك عن حب الشهوات, فإن المعلقة قلوبهم بشهوات الدنيا قلوبهم محجوبة عني. يا هشام, إياك والكبر على أوليائي والاستطالة بعلمك فيمقتك الله, فلا تنفعك بعد مقته دنياك ولا آخرتك, وكن في الدنيا كساكن دار ليست له إنما ينتظر الرحيل. يا هشام, مجالسة أهل الدين شرف الدنيا والآخرة, ومشاورة العاقل الناصح يمن وبركة ورشد وتوفيق من الله, فإذا أشار عليك العاقل الناصح فإياك والخلاف فإن في ذلك العطب. يا هشام, إياك ومخالطة الناس والأنس بهم إلا أن تجد منهم عاقلا ومأمونا فآنس به, واهرب من سائرهم كهربك من السباع الضارية, وينبغي للعاقل إذا عمل عملا أن يستحيي من الله, وإذا تفرد له بالنعم أن يشارك في عمله أحدا غيره, وإذا مر بك أمران لا تدري أيهما خير وأصوب فانظر أيهما أقرب إلى هواك فخالفه فإن كثير الصواب في مخالفة هواك, وإياك أن تغلب الحكمة وتضعها في أهل الجهالة, قال هشام: فقلت له: فإن وجدت رجلا طالبا له غير أن عقله لا يتسع لضبط ما ألقي إليه؟ قال (ع): فتلطف له في النصيحة, فإن ضاق قلبه فلا تعرضن نفسك للفتنة واحذر رد المتكبرين, فإن العلم يدل على أن يملى على من لا يفيق, قلت: فإن لم أجد من يعقل السؤال عنها؟ قال (ع): فاغتنم جهله عن السؤال حتى تسلم من فتنة القول وعظيم فتنة الرد, واعلم أن الله لم يرفع المتواضعين بقدر تواضعهم ولكن رفعهم بقدر عظمته ومجده, ولم يؤمن الخائفين بقدر خوفهم ولكن آمنهم بقدر كرمه وجوده, ولم يفرج المحزونين بقدر حزنهم ولكن بقدر رأفته ورحمته, فما ظنك بالرءوف الرحيم الذي يتودد إلى من يؤذيه بأوليائه فكيف بمن يؤذى فيه, وما ظنك بالتواب الرحيم الذي يتوب على من يعاديه فكيف بمن يترضاه ويختار عداوة الخلق فيه. يا هشام, من أحب الدنيا ذهب خوف الآخرة من قلبه, وما أوتي عبد علما فازداد للدنيا حبا إلا ازداد من الله بعدا وازداد الله عليه غضبا. يا هشام, إن العاقل اللبيب من ترك ما لا طاقة له به وأكثر الصواب في خلاف الهوى, ومن طال أمله ساء عمله. يا هشام, لو رأيت مسير الأجل لألهاك عن الأمل. يا هشام, إياك والطمع, وعليك باليأس مما في أيدي الناس, وأمت الطمع من المخلوقين, فإن الطمع مفتاح للذل واختلاس العقل واختلاق المروات وتدنيس العرض والذهاب بالعلم, وعليك بالاعتصام بربك والتوكل عليه, وجاهد نفسك لتردها عن هواها, فإنه واجب عليك كجهاد عدوك. قال هشام: فقلت له: فأي الأعداء أوجبهم مجاهدة؟ قال (ع): أقربهم إليك وأعداهم لك وأضرهم بك وأعظمهم لك عداوة وأخفاهم لك شخصا مع دنوه منك ومن يحرض أعداءك عليك وهو إبليس الموكل بوسواس من القلوب, فله فلتشتد عداوتك ولا يكونن أصبر على مجاهدته لهلكتك منك على صبرك لمجاهدته, فإنه أضعف منك ركنا في قوته, وأقل منك ضررا في كثرة شره, إذا أنت اعتصمت بالله فقد هديت إلى صراط مستقيم. يا هشام, من أكرمه الله بثلاث فقد لطف له: عقل يكفيه مئونة هواه, وعلم يكفيه مئونة جهله, وغنى يكفيه مخافة الفقر. يا هشام, احذر هذه الدنيا واحذر أهلها, فإن الناس فيها على أربعة أصناف: رجل مترد معانق لهواه, ومتعلم مقرئ كلما ازداد علما ازداد كبرا يستعلي بقراءته وعلمه على من هو دونه, وعابد جاهل يستصغر من هو دونه في عبادته يحب أن يعظم ويوقر, وذي بصيرة عالم عارف بطريق الحق يحب القيام به فهو عاجز أو مغلوب ولا يقدر على القيام بما يعرفه فهو محزون مغموم بذلك فهو أمثل أهل زمانه وأوجههم عقلا. يا هشام, اعرف العقل وجنده والجهل وجنده تكن من المهتدين, قال هشام: فقلت: جعلت فداك لا نعرف إلا ما عرفتنا, فقال (ع): يا هشام إن الله خلق العقل وهو أول خلق خلقه الله من الروحانيين عن يمين العرش من نوره, فقال له: أدبر, فأدبر, ثم قال له: أقبل, فأقبل, فقال الله جل وعز: خلقتك خلقا عظيما وكرمتك على جميع خلقي, ثم خلق الجهل من البحر الأجاج الظلماني فقال له: أدبر, فأدبر, ثم قال له: أقبل, فلم يقبل, فقال له: استكبرت, فلعنه, ثم جعل للعقل خمسة وسبعين جندا, فلما رأى الجهل ما كرم الله به العقل وما أعطاه أضمر له العداوة, فقال الجهل: يا رب هذا خلق مثلي خلقته وكرمته وقويته وأنا ضده, ولا قوة لي به, أعطني من الجند مثل ما أعطيته, فقال تبارك وتعالى: نعم, فإن عصيتني بعد ذلك أخرجتك وجندك من جواري ومن رحمتي, فقال: قد رضيت, فأعطاه الله خمسة وسبعين جندا, فكان مما أعطى العقل من الخمسة والسبعين جندا الخير وهو وزير العقل, وجعل ضده الشر وهو وزير الجهل, الإيمان الكفر, التصديق التكذيب, الإخلاص النفاق, الرجاء القنوط, العدل الجور, الرضا السخط, الشكر الكفران, اليأس الطمع, التوكل الحرص, الرأفة الغلظة, العلم الجهل, العفة التهتك, الزهد الرغبة, الرفق الخرق, الرهبة الجرأة, التواضع الكبر, التؤدة العجلة, الحلم السفه, الصمت الهذر, الاستسلام الاستكبار, التسليم التجبر, العفو الحقد, الرحمة القسوة, اليقين الشك, الصبر الجزع, الصفح الانتقام, الغنى الفقر, التفكر السهو, الحفظ النسيان, التواصل القطيعة, القناعة الشره, المواساة المنع, المودة العداوة, الوفاء الغدر, الطاعة المعصية, الخضوع التطاول, السلامة البلاء, الفهم الغباوة, المعرفة الإنكار, المداراة المكاشفة, سلامة الغيب المماكرة, الكتمان الإفشاء, البر العقوق, الحقيقة التسويف, المعروف المنكر, التقية الإذاعة, الإنصاف الظلم, التقى الحسد, النظافة القذر, الحياء القحة, القصد الإسراف, الراحة التعب, السهولة الصعوبة, العافية البلوى, القوام المكاثرة, الحكمة الهوى, الوقار الخفة, السعادة الشقاء, التوبة الإصرار, المحافظة التهاون, الدعاء الاستنكاف, النشاط الكسل, الفرح الحزن, الألفة الفرقة, السخاء البخل, الخشوع العجب, صون الحديث النميمة, الاستغفار الاغترار, الكياسة الحمق. يا هشام, لا تجمع هذه الخصال إلا لنبي أو وصي أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان, وأما سائر ذلك من المؤمنين فإن أحدهم لا يخلو من أن يكون فيه بعض هذه الجنود من أجناد العقل حتى يستكمل العقل ويتخلص من جنود الجهل, فعند ذلك يكون في الدرجة العليا مع الأنبياء والأوصياء. وفقنا الله وإياكم لطاعته.
.
* الشيخ الكليني في الكافي, محمد بن يحيى, عن أحمد بن محمد بن عيسى, عن الحسن بن محبوب, عن سعد بن أبي خلف, عن أبي الحسن موسى (ع), قال: قال لبعض ولده: يا بني عليك بالجد, لا تخرجن نفسك من حد التقصير في عبادة الله عز وجل وطاعته, فإن الله لا يعبد حق عبادته.
.
* الشيخ الصدوق في من لا يحضره الفقيه, روى الحسن بن محبوب, عن سعد بن أبي خلف, عن أبي الحسن موسى بن جعفر (ع) أنه قال لبعض ولده: يا بني إياك أن يراك الله في معصية نهاك عنها, وإياك أن يفقدك الله عند طاعة أمرك بها, وعليك بالجد, ولا تخرجن نفسك من التقصير في عبادة الله وطاعته فإن الله لا يعبد حق عبادته, وإياك والمزاح فإنه يذهب بنور إيمانك ويستخف مروتك, وإياك والضجر والكسل فإنهما يمنعان حظك من الدنيا والآخرة.
.
* علي بن عيسى الإربلي في كشف الغمة، روي أن موسى بن جعفر (ع) أحضر ولده يوما فقال لهم: يا بني إني موصيكم بوصية من حفظها لم يضع معها: إن أتاكم آت فأسمعكم في الاذن اليمنى مكروها ثم تحول إلى الاذن اليسرى فاعتذر وقال: لم أقل شيئا, فاقبلوا عذره.
.
* ابن أبي جمهور في عوالي اللئالي, روي أن علي بن يقطين - وكان وزير الرشيد - دخل على مولانا الكاظم (ع) وقد كان في تلك السنة حاجا, فقال له: يا ابن رسول الله أوصني بحاجة, فقال له: اضمن لي واحدة أضمن لك ثلاثا, فقال: يا مولاي وما هي؟ قال (ع): تضمن لي أنه لا يقف على باب هذا الجبار أحد من شيعتنا وأهل بيتنا إلا قضيت حاجته, أضمن لك أنه لا يظل رأسك سقف سجن, ولا يصيب جسدك حد السيف, ولا يصيبك النار يوم القيامة.
.
* الشيخ المفيد في الإختصاص, حدثني أحمد بن محمد, عن أبيه محمد بن الحسن بن الوليد القمي, عن محمد بن الحسن الصفار, عن العباس بن معروف, عن علي بن مهزيار, عن ابن محبوب, عن الفضيل بن يونس الكاتب قال: قال لي أبو الحسن موسى بن جعفر بن محمد (ع): أبلغ خيرا وقل خيرا, ولا تكن إمعة, قلت: وما الإمعة؟ قال: لا تقل: أنا مع الناس, وأنا كواحد من الناس, إن رسول الله (ص) قال: يا أيها الناس, إنهما نجدان: نجد خير ونجد شر, فما بال نجد الشر أحب إليكم من نجد الخير.
.
* ابن شعبة الحراني في تحف العقول, قال الإمام الكاظم (ع) لبعض شيعته: أي فلان, اتق الله وقل الحق وإن كان فيه هلاكك فإن فيه نجاتك. أي فلان, اتق الله ودع الباطل وإن كان فيه نجاتك فإن فيه هلاكك.
.
* الشيخ الصدوق في الأمالي, حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني قال: حدثنا علي بن إبراهيم, عن أبيه إبراهيم بن هاشم قال: حدثنا موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام, عن أبيه إسماعيل, عن أبيه موسى بن جعفر (ع) أنه قال لشيعته: يا معشر الشيعة, لا تذلوا رقابكم بترك طاعة سلطانكم, فإن كان عادلا فاسألوا الله إبقاءه, وإن كان جائرا فاسألوا الله إصلاحه, فإن صلاحكم في صلاح سلطانكم, وإن السلطان العادل بمنزلة الوالد الرحيم, فأحبوا له ما تحبون لأنفسكم واكرهوا له ما تكرهون لأنفسكم.
.
* الشيخ الكليني في الكافي, أحمد بن مهران، عن محمد بن علي، عن أبي الحكم قال: حدثني عبد الله بن إبراهيم الجعفري وعبد الله بن محمد بن عمارة، عن يزيد بن سليط، قال: لما أوصى أبو إبراهيم (ع) أشهد إبراهيم بن محمد الجعفري، وإسحاق بن محمد الجعفري، وإسحاق بن جعفر بن محمد، وجعفر بن صالح، ومعاوية الجعفري، ويحيى بن الحسين بن زيد بن علي، وسعد بن عمران الأنصاري، ومحمد بن الحارث الأنصاري، ويزيد بن سليط الأنصاري، ومحمد بن جعفر بن سعد الأسلمي- وهو كاتب الوصية الاولى-: أشهدهم أنه يشهد أن لا إله إلاالله وحده لا شريك له, وأن محمدا عبده ورسوله, وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وأن البعث بعد الموت حق، وأن الوعد حق، وأن الحساب حق، والقضاء حق، وأن الوقوف بين يدي الله حق، وأن ما جاء به محمد (ص) حق, وأن ما نزل به الروح الأمين حق، على ذلك أحيا وعليه أموت، وعليه ابعث إن شاء الله. وأشهدهم أن هذه وصيتي بخطي، وقد نسخت وصية جدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)، ووصية محمد بن علي (ع) قبل ذلك نسختها حرفا بحرف، ووصية جعفر بن محمد (ع) على مثل ذلك، وإني قد أوصيت إلى علي (ص) وبني بعد معه إن شاء وآنس منهم رشدا، وأحب أن يقرهم فذاك له، وإن كرههم وأحب أن يخرجهم فذاك له ولا أمر لهم معه, وأوصيت إليه بصدقاتي وأموالي وموالي وصبياني الذين خلفت، وولدي إلى إبراهيم والعباس وقاسم وإسماعيل وأحمد وام أحمد، وإلى علي (ع) أمر نسائي دونهم، وثلث صدقة أبي وثلثي يضعه حيث يرى، ويجعل فيه ما يجعل ذو المال في ماله, فإن أحب أن يبيع أو يهب أو ينحل أو يتصدق بها على من سميت له وعلى غير من سميت، فذاك له وهو أنا في وصيتي في مالي، وفي أهلي، وولدي، وإن يرى أن يقر إخوته الذين سميتهم في كتابي هذا أقرهم، وإن كره فله أن يخرجهم غير مثرب عليه ولا مردود، فإن آنس منهم غير الذي فارقتهم عليه فأحب أن يردهم في ولاية فذاك له. وإن أراد رجل منهم أن يزوج اخته فليس له أن يزوجها إلابإذنه وأمره فإنه أعرف بمناكح قومه، وأي سلطان أو أحد من الناس كفه عن شيء أو حال بينه وبين شيء مما ذكرت في كتابي هذا، أو أحد ممن ذكرت فهو من الله ومن رسوله بريء، والله ورسوله منه براء، وعليه لعنة الله وغضبه، ولعنة اللاعنين، والملائكة المقربين، والنبيين والمرسلين، وجماعة المؤمنين، وليس لأحد من السلاطين أن يكفه عن شيء وليس لي عنده تبعة ولا تباعة ولا لأحد من ولدي له قبلي مال فهو مصدق فيما ذكر، فإن أقل فهو أعلم وإن أكثر فهو الصادق كذلك. وإنما أردت بإدخال الذين أدخلتهم معه من ولدي، التنويه بأسمائهم والتشريف لهم، وامهات أولادي من أقامت منهن في منزلها وحجابها، فلها ما كان يجري عليها في حياتي، إن رأى ذلك، ومن خرجت منهن إلى زوج فليس لها أن ترجع إلى محواي، إلاأن يرى علي (ع) غير ذلك، وبناتي بمثل ذلك، ولا يزوج بناتي أحد من إخوتهن من امهاتهن، ولا سلطان ولا عم إلابرأيه ومشورته، فإن فعلوا غير ذلك فقد خالفوا الله ورسوله، وجاهدوه في ملكه، وهو أعرف بمناكح قومه، فإن أراد أن يزوج زوج، وإن أراد أن يترك ترك، وقد أوصيتهن بمثل ما ذكرت في كتابي هذا، وجعلت الله عز وجل عليهن شهيدا، وهو وام أحمد شاهدان، وليس لأحد أن يكشف وصيتي ولا ينشرها وهو منها على غير ما ذكرت وسميت، فمن أساء فعليه، ومن أحسن فلنفسه، وما ربك بظلام للعبيد، وصلى الله على محمد وعلى آله. وليس لأحد من سلطان ولا غيره أن يفض كتابي هذا الذي ختمت عليه الأسفل، فمن فعل ذلك فعليه لعنة الله وغضبه ولعنة اللاعنين والملائكة المقربين، وجماعة المرسلين والمؤمنين من المسلمين، وعلى من فض كتابي هذا وكتب وختم أبو إبراهيم والشهود وصلى الله على محمد وعلى آله.
.
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية