عن الريان بن الصلت قال: أكثر الناس في بيعة الرضا (ع) من القواد والعامة، ومن لم يحب ذلك، وقالوا: إن هذا من تدبير الفضل بن سهل ذي الرياستين، فبلغ المأمون ذلك فبعث إلي في جوف الليل فصرت إليه، فقال: يا ريان بلغني أن الناس يقولون: إن بيعة الرضا (ع) كانت من تدبير الفضل بن سهل. فقلت: يا أمير المؤمنين يقولون ذلك. قال: ويحك يا ريان أيجسر أحد أن يجيء إلى خليفة وابن خليفة قد إستقامت له الرعية والقواد وإستوت له الخلافة فيقول له: إدفع الخلافة من يدك إلى غيرك، أيجوز هذا في العقل؟ قال قلت له: لا والله يا أمير المؤمنين ما يجسر على هذا أحد. قال: لا والله ما كان كما يقولون، ولكني سأخبرك بسبب ذلك. إنه لما كتب إلي محمد أخي يأمرني بالقدوم عليه فأبيت عليه، عقد لعلي بن عيسى بن ماهان وأمره أن يقيدني بقيد، ويجعل الجامعة في عنقي فورد علي بذلك الخبر، وبعثت هرثمة بن أعين إلى سجستان وكرمان وما والاهما، فأفسد علي أمري وإنهزم هرثمة، وخرج صاحب السرير، وغلب على كور خراسان من ناحية فورد علي هذا كله في اسبوع. فلما ورد ذلك علي لم يكن لي قوة في ذلك، ولا كان لي مال أتقوى به، ورأيت من قوادي ورجالي الفشل والجبن أردت أن ألحق بملك كابل، فقلت في نفسي: ملك كابل رجل كافر ويبذل محمد له الأموال فيدفعني إلى يده، فلم أجد وجها أفضل من أن أتوب إلى الله تعالى من ذنوبي وأستعين به على هذه الامور، وأستجير بالله تعالى فأمرت بهذا البيت، وأشار إلى بيت فكنس، وصببت علي الماء، ولبست ثوبين أبيضين وصليت أربع ركعات فقرأت فيها من القرآن ما حضرني، ودعوت الله تعالى وإستجرت بالله وعاهدته عهدا وثيقا بنية صادقة إن أفضى الله بهذا الأمر إلي وكفاني عادية هذه الامور الغليظة أن أضع هذا الأمر في موضعه الذي وضعه الله تعالى فيه. ثم قوى فيه قلبي فبعثت طاهرا إلى علي بن عيسى بن ماهان، فكان من أمره ما كان، ورددت هرثمة بن أعين الى رافع فظفر به وقتله، وبعثت إلى صاحب السرير فهادنته وبذلت له شيئا حتى رجع، فلم يزل أمري يقوى حتى كان من أمر محمد ما كان وأفضى الله إلي بهذا الأمر واستوى لي. فلما وفى الله تعالى لي بما عاهدته عليه أحببت أن أفي لله تعالى ما عاهدته، فلم أر أحدا أحق بهذا الأمر من أبي الحسن الرضا (ع) فوضعته فيه، فلم يقبلها إلا على ما قد علمت، فهذا كان سببها فقلت: وفق الله أمير المؤمنين. فقال: يا ريان إذا كان غدا وحضر الناس فاقعد بين هؤلاء القواد وحدثهم بفضل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع). فقلت: يا أمير المؤمنين ما أحسن من الحديث شيئا إلا ما سمعته منك. فقال: سبحان الله ما أجد أحدا يعينني على هذا الأمر، لقد هممت أن أجعل أهل قم شعاري ودثاري. فقلت: يا أمير المؤمنين أنا احدث عنك بما سمعته منك من الأخبار؟ فقال: نعم حدث عني بما سمعته مني من الفضائل، فلما كان من الغد، قعدت بين القواد في الدار فقلت: حدثني أمير المؤمنين، عن أبيه، عن آبائه: عن رسول الله (ص) قال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه، وحدثني أمير المؤمنين، عن أبيه، عن آبائه قال: قال رسول الله (ص): علي مني بمنزلة هارون من موسى، وكنت أخلط الحديث بعضه ببعض لا أحفظه على وجهه. وحدثت بحديث خيبر، وبهذه الأخبار المشهورة، فقال لي عبد الله بن مالك الخزاعي: رحم الله عليا كان رجلا صالحا، وكان المأمون قد بعث غلاما إلى مجلسنا يسمع الكلام فيؤديه إليه. قال الريان: فبعث إلي المأمون فدخلت إليه فلما رآني قال: يا ريان ما أرواك للأحاديث وأحفظك لها؟ ثم قال: قد بلغني ما قال اليهودي عبد الله بن مالك في قوله: «رحم الله عليا كان رجلا صالحا» والله لأقتلنه إنشاء الله. وكان هشام بن إبراهيم الراشدي الهمداني من أخص الناس عند الرضا (ع) من قبل أن يحمل وكان عالما أديبا لبيبا وكانت أمور الرضا (ع) تجري من عنده وعلى يده وتصير الأموال من النواحي كلها إليه قبل حمل أبي الحسن (ع) فلما حمل أبو الحسن (ع) إتصل هشام بن إبراهيم بذي الرياستين وقربه ذو الرياستين وأدناه وكان ينقل أخبار الرضا (ع) إلى ذي الرياستين والمأمون، فحظي بذلك عندهما وكان لا يخفي عنهما من أخباره شيئا. فولاه المأمون حجابة الرضا (ع) فكان لا يصل إلى الرضا (ع) إلا من أحب وضيق على الرضا (ع) وكان من يقصده من مواليه لا يصل إليه، وكان لا يتكلم الرضا (ع) في داره بشيء إلا أورده هشام على المأمون وذي الرياستين، وجعل المأمون العباس إبنه في حجر هشام وقال له: أدبه فسمي هشام العباسي لذلك. قال: وأظهر ذو الرياستين عداوة شديدة لأبي الحسن (ع) وحسده على ما كان المأمون يفضله به فأول ما ظهر لذي الرياستين من أبي الحسن (ع) أن إبنة عم المأمون كانت تحبه وكان يحبها وكان ينفتح باب حجرتها إلى مجلس المأمون وكانت تميل إلى أبي الحسن (ع) وتحبه، وتذكر ذا الرياستين وتقع فيه. فقال ذو الرياستين حين بلغه ذكرها له: لا ينبغي أن يكون باب دار النساء مشرعا إلى مجلسك فأمر المأمون بسده. وكان المأمون يأتي الرضا (ع) يوما والرضا (ع) يأتي المأمون يوما وكان منزل أبي الحسن (ع) بجنب منزل المأمون، فلما دخل أبو الحسن (ع) إلى المأمون ونظر إلى الباب مسدودا قال: يا أمير المؤمنين ما هذا الباب الذي سددته؟ فقال: رأى الفضل ذلك وكرهه. فقال الرضا (ع): إنا لله وإنا إليه راجعون، ما للفضل والدخول بين أمير المؤمنين وحرمه؟ قال: فما ترى؟ قال: فتحه والدخول إلى إبنة عمك، ولا تقبل قول الفضل فيما لا يحل ولا يسع، فأمر المأمون بهدمه ودخل على إبنة عمه فبلغ الفضل ذلك فغمه.
-----------
عيون أخبار الرضا (ع) ج 2 ص 151, حلية الأبرار ج 4 ص 441, بحار الأنوار ج 49 ص 137, رياض الأبرار ج 2 ص 369, العوالم ج 22 ص 274
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية
عن أبي الصلت الهروي قال: إن المأمون قال للرضا علي بن موسى (ع): يابن رسول الله قد عرفت فضلك وعلمك وزهدك وورعك وعبادتك وأراك أحق بالخلافة مني. فقال الرضا (ع): بالعبودية لله تعالى أفتخر، وبالزهد في الدنيا أرجو النجاة من شر الدنيا، وبالورع عن المحارم أرجو الفوز بالمغانم، وبالتواضع في الدنيا أرجو الرفعة عند الله تعالى. فقال له المأمون: إني قد رأيت أن أعزل نفسي عن الخلافة، وأجعلها لك وأبايعك. فقال له الرضا (ع): إن كانت هذه الخلافة لك والله جعلها لك فلا يجوز لك أن تخلع لباسا ألبسكه الله وتجعله لغيرك، وإن كانت الخلافة ليست لك فلا يجوز لك أن تجعل لي ما ليس لك. فقال له المأمون: يابن رسول الله لا بد لك من قبول هذا الأمر. فقال: لست أفعل ذلك طائعا أبدا فما زال يجهد به أياما حتى يئس من قبوله، فقال له: فإن لم تقبل الخلافة ولم تحب مبايعتي لك فكن ولي عهدي لتكون ذلك الخلافة بعدي. فقال: الرضا (ع) والله لقد حدثني أبي عن آبائه عن أمير المؤمنين (ع) عن رسول الله (ص) أني أخرج من الدنيا قبلك مقتولا بالسم مظلوما تبكي علي ملائكة السماء وملائكة الأرض وأدفن في أرض غربة إلى جنب هارون الرشيد، فبكى المأمون ثم قال له: يا ابن رسول الله ومن الذي يقتلك أو يقدر على الاساءة اليك وأنا حي؟ فقال الرضا (ع): أما إني لو أشاء أن أقول من الذي يقتلني لقلت. فقال المأمون: يا ابن رسول الله إنما تريد بقولك هذا التخفيف عن نفسك، ودفع هذا الأمر عنك ليقول الناس: إنك لزاهد في الدنيا. فقال الرضا (ع): والله ما كذبت منذ خلقني ربي عز وجل وما زهدت في الدنيا للدنيا، وإني لأعلم ما تريد. فقال المأمون: وما اريد؟ قال: الأمان على الصدق. قال: لك الأمان. قال: تريد بذلك أن يقول الناس: إن علي بن موسى لم يزهد في الدنيا بل زهدت الدنيا فيه، ألا ترون كيف قبل ولاية العهد طمعا في الخلافة، فغضب المأمون ثم قال: إنك تتلقاني ابدا بما اكرهه، وقبد آمنت سطواتي فبالله اقسم لان قبلت ولاية العهد وإلا أجبرتك على ذلك، فإن فعلت وإلا ضربت عنقك. فقال الرضا (ع): قد نهاني الله عز وجل أن ألقى بيدي إلى التهلكة، فإن كان الأمر على هاذا فافعل ما بدا لك وأنا أقبل ذلك على أني لا اولي أحدا ولا أعزل أحدا ولا أنقض رسما ولا سنة، وأكون في الأمر من بعيد مشيرا، فرضي منه ذلك، وجعله ولي عهده على كراهة منه (ع) لذلك.
-----------
عيون أخبار الرضا (ع) ج 2 ص 139, الأمالي للصدوق ص 68, علل الشرائع ج 1 ص 237, روضة الواعزين ج 1 ص 223, مناقب آشوب ج 4 ص 362, وسائل الشيعة ج 17 ص 203, حلية الأبرار ج 4 ص 439, مدينة المعاجز 7 ص 134, بحار الأنوار ج 49 ص 128, رياض الأبرار ج 2 ص 361, العوالم ج 22 ص 281,
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية
الريان بن الشبيب خال المعتصم أخو ماردة أن المأمون لما أراد أن يأخذ البيعة لنفسه بإمرة المؤمنين ولأبي الحسن علي بن موسى الرضا (ع) بولاية العهد، ولفضل ابن سهل بالوزارة أمر بثلاثة كراسي فنصبت لهم، فلما قعدوا عليها أذن للناس فدخلوا يبايعون، فكانوا يصفقون بأيمانهم على أيمان الثلاثة من أعلى الإبهام إلى الخنصر ويخرجون، حتى بايع في آخر الناس فتى من الأنصار فصفق بيمينه من الخنصر الى أعلى الإبهام فتبسم أبو الحسن الرضا (ع) ثم قال: كل من بايعنا بايع بفسخ البيعة غير هذا الفتى فإنه بايعنا بعقدها. فقال المأمون: وما فسخ البيعة من عقدها؟ قال أبو الحسن (ع): عقد البيعة هو من أعلى الخنصر إلى أعلى الإبهام، وفسخها من أعلى الإبهام إلى أعلى الخنصر. قال: فماج الناس في ذلك، وأمر المأمون بإعادة الناس إلى البيعة على ما وصفه أبو الحسن (ع) وقال الناس: كيف يستحق الإمامة من لا يعرف عقد البيعة، إن من علم لأولى بها ممن لا يعلم، قال: فحمله ذلك على ما فعله من سمه.
--------------
عيون أخبار الرضا (ع) ج 2 ص 238, علل الشرائع ج 1 ص 239, حلية الأبرار ج 4 ص 456, بحاار الأنوار ج 49 ص 144, تفسير نور الثقلين ج 5 ص 60, تفسير كنز الدقائق ج 12 ص 278, العوالم ج 22 ص 249, مناقب آشوب ج 4 ص 369 بأختصار
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية
عن ياسر الخادم، والريان بن الصلت جميعا قال: لما انقضى أمر المخلوع - اخو المأمون فانه خلع عن الخلافة - وإستوى الأمر للمأمون كتب الى الرضا (ع) يستقدمه إلى خراسان فاعتل عليه أبو الحسن (ع) بعلل، فلم يزل المأمون يكاتبه في ذلك حتى علم أنه لا محيص له وأنه لا يكف عنه فخرج (ع) ولأبي جعفر (ع) سبع سنين فكتب إليه المأمون لا تأخذ على طريق الجبل وقم وخذ على طريق البصرة والأهواز وفارس حتى وافى مرو. فعرض عليه المأمون أن يتقلد الأمر والخلافة فأبى أبو الحسن (ع). قال: فولاية العهد. فقال: على شروط أسألكها. قال المأمون له: سل ما شئت، فكتب الرضا (ع): إني داخل في ولاية العهد على أن لا آمر ولا أنهى ولا أفتي ولا أقضي، ولا اولي ولا أعزل ولا اغير شيئا مما هو قائم، وتعفيني من ذلك كله، فأجابه المأمون إلى ذلك كله. قال: فحدثني ياسر قال: فلما حضر العيد بعث المأمون إلى الرضا (ع) يسأله أن يركب ويحضر العيد ويصلي ويخطب، فبعث إليه الرضا (ع) قد علمت ما كان بيني وبينك من الشروط في دخول هذا الأمر فبعث اليه المأمون إنما اريد بذلك ان تطمئن قلوب الناس ويعرفوا فضلك فلم يزل (ع) يراده الكلام في ذلك فألح عليه، فقال يا أمير المؤمنين إن أعفيتني من ذلك فهو أحب إلي وإن لم تعفني خرجت كما خرج رسول الله (ص) وأمير المؤمنين (ع). فقال المأمون: اخرج كيف شئت، وأمر المأمون القواد والناس أن يبكروا إلى باب أبي الحسن (ع). قال: فحدثني ياسر الخادم أنه قعد الناس لأبي الحسن (ع) في الطرقات والسطوح الرجال والنساء والصبيان، وإجتمع القواد والجند على باب أبي الحسن (ع) فلما طلعت الشمس قام (ع) فاغتسل وتعمم بعمامة بيضاء من قطن، ألقى طرفا منها على صدره، وطرفا بين كتفيه، وتشمر، ثم قال لجميع مواليه: افعلوا مثل ما فعلت ثم أخذ بيده عكازا ثم خرج ونحن بين يديه وهو حاف قد شمر سراويله إلى نصف الساق، وعليه ثياب مشمرة، فلما مشى ومشينا بين يديه رفع رأسه إلى السماء وكبر أربع تكبيرات، فخيل إلينا أن السماء والحيطان تجاوبه، والقواد والناس على الباب قد تهيؤا ولبسوا السلاح وتزينوا بأحسن الزينة. فلما طلعنا عليهم بهذه الصورة وطلع الرضا (ع) وقف على الباب وقفة ثم قال: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر على ما هدانا، الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام، والحمد لله على ما أبلانا نرفع بها أصواتنا. قال ياسر: فتزعزعت مرو بالبكاء والضجيج والصياح لما نظروا إلى أبي الحسن (ع) وسقط القواد عن دوابهم ورموا بخفافهم لما رأوا أبا الحسن (ع) حافيا وكان يمشي ويقف في كل عشر خطوات، ويكبر ثلاث مرات. قال ياسر: فتخيل الينا أن السماء والأرض والجبال تجاوبه، وصارت مرو ضجة واحدة من البكاء، وبلغ المأمون ذلك فقال له الفضل ابن سهل ذو الرياستين: يا أمير المؤمنين إن بلغ الرضا (ع) المصلى على هذا السبيل إفتتن به الناس، والرأي أن تسأله أن يرجع، فبعث اليه المأمون فسأله الرجوع فدعا أبو الحسن (ع) بخفه فلبسه وركب ورجع.
--------------
الكافي ج 1 ص 488, الوافي ج 3 ص 819, حلية الأبرار ج 4 ص 435, مدرمة المعاجز ج 7 ص 176 مرآة العقول ج 6 ص 83
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية