قال أمير المؤمنين (ع): ما زلت مظلوما منذ ولدتني أمي
-----------
علل الشرائع ج 1 ص 45, إعتقادات الإمامية ص 105, الروضة في الفضائل ص 115, وسائل الشيعة ج 12 ص 123, حلية الأبرار ج 2 ص 334, بحار الأنوار ج 27 ص 62
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية
عن ابن عباس، وعن محمد عن أبيه عن جده، قال: ذكرت الخلافة عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع). فقال: والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحا، ينحدر عني السيل، ولا يرقى إلي الطير، ولكني سدلت دونها ثوبا، وطويت عنها كشحا وقد طفقت عنها برهة بين أن أصول بيد جذاء، أو أصبر على طخية عمياء، يضيع فيها الصغير، ويدب فيها الكبير فرأيت الصبر على هاتى أحجى لي، وفي العين قذى، وفي الحلق شجا، بين أن أرى تراث محمد (ص) نهبا، إلى أن حضرته الوفاة، فأدلى بها إلى عمر، فيا عجبا، بينما هو يستقيلها في حياته، إذ عهد بها وعقدها لآخر بعد وفاته، لشد ما تشطرا ضرعيها، ثم تمثل:
شتان ما يومي على كورها ... ويوم حيان أخي جابر
فعقدها والله في ناحية خشناء، يخشن مسها ويغلظ كلمها، ويكثر العثار والاعتذار فيها، فصاحبها منها كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم، وإن أسلس لها عسفت به. فمني الناس لعمر الله بخبط وشماس، وتلون واعتراض إلى أن مضى لسبيله، فجعلها شورى بين ستة زعم أني أحدهم، فيا للشورى ولله، متى اعترض الريب في مع الأولين فأنا الآن أقرن إلى هذه النظائر، ولكن أسففت مع القوم حيث أسفوا، وطرت مع القوم حيث طاروا، وأصبر لطول المحنة وانقضاء المدة، فمال رجل لضغنه، وأصغى آخر إلى صهره، مع هن وهن، إلى أن قام الثالث، نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه منها، وأسرع معه بنو أبيه في مال الله، يخضمونه خضم الإبل نبتة الربيع، حتى انتكثت به بطانته، وأجهز عليه عمله. فما راعني من الناس إلا وهم رسل كعرف الضبع، يسألوني أبايعهم وأبى ذلك وانثالوا علي حتى لقد وطيء الحسنان، وشق عطفا رداي، فلما نهضت بها وبالأمر فيها، نكثت طائفة، ومرقت طائفة، وقسط آخرون، كأنهم لم يسمعوا الله يقول: {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين} بلى والله لقد سمعوها، ولكن راقهم دنياهم، وأعجبهم زبرجها. أما والذي خلق الحبة، وبرأ النسمة، لو لا حضور الحاضر، ولزوم صحة الحجة بوجود الناصر، وما أخذ الله من أوليائه أن لا يقاروا على كظة ظالم، ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أولها، ولألفوا دنياهم أزهد عندي من عفطة عنز. فناوله رجل من أهل السواد كتابا فانقطع كلامه فما أسفت على شيء كأسفي على ما فات من كلامه، فلما فرغ من قرائته، قلت له: يا أمير المؤمنين (ع) لو اطردت مقالتك من حيث أفضيت إليه منها؟ فقال: هيهات يا بن عباس كانت شقشقة هدرت ثم قرت.
----------
حلية الأبرار ج 2 ص 289, الأمالي للطوسي ص 372, الإرشاد ج 1 ص 287, الإحتجاج ج 1 ص 191, الطرائف ص 420, علل الشرائع ج 1 ص 151 نحوه, نهج البلاغة ص 48 نحوه, بحار الأنوار ج 29 ص 497
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية
عن رزين بياع الأنماط، قال: سمعت زيد بن علي بن الحسين (ع)، يقول: حدثني أبي، عن أبيه، قال: سمعت أمير المؤمنين (ع) يخطب الناس، قال في خطبته: والله لقد بايع الناس أبا بكر، وأنا أولى الناس بهم مني بقميصي هذا، فكظمت غيظي، وانتظرت أمر ربي، وألصقت كلكلي بالأرض. ثم إن أبا بكر هلك واستخلف عمر، وقد علم الله أني أولى الناس بهم مني بقميصي هذا، فكظمت غيظي، وانتظرت أمر ربي. ثم إن عمر هلك وقد جعلها شورى، فجعلني سادس ستة، كسهم الجدة، وقال: اقتلوا الأقل، وما أراد غيري، فكظمت غيظي، وانتظرت أمر ربي، وألصقت كلكلي بالأرض، ثم كان من أمر القوم من بعد بيعتهم لي ما كان، ثم لم أجد إلا قتالهم أو الكفر بالله عز وجل.
--------
الأمالي للمفيد ص 153, حلية الأبرار ج 2 ص 300, بحار الأنوار ج 28 ص 375
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية
عن الحسن بن سلمة، قال: لما بلغ أمير المؤمنين (ع) مسير طلحة، والزبير، وعائشة من مكة إلى البصرة، نادى: الصلاة جامعة، فلما اجتمع الناس حمد الله وأثنى عليه. ثم قال: أما بعد فإن الله تبارك وتعالى لما قبض نبيه (ص) قلنا: نحن أهل بيته وعصبته، وورثته، وأوليائه، وأحق خلائق الله به، لا تنازع حقه وسلطانه، فبينما نحن على ذلك، إذ نفر المنافقون، فانتزعوا سلطان نبينا (ص) منا، وولوه غيرنا، فبكت لذلك والله العيون والقلوب منا جميعا، وخشنت والله الصدور، وأيم الله لو لا مخافة الفرقة بين المسلمين أن يعودوا إلى الكفر، ويعور الدين لكنا قد غيرنا ذلك ما استطعناه، وقد ولى ذلك ولاة ومضوا لسبيلهم، ورد الله الأمر إلينا وقد بايعاني، وقد نهضا إلى البصرة ليفرقا جماعتكم، ويلقيا بأسكم بينكم، اللهم فخذهما بغشهما بهذه الأمة، وسوء نظرهما للعامة. فقام أبو الهيثم بن التيهان رحمه الله، فقال: يا أمير المؤمنين إن حسد قريش إياك على وجهين: أما خيارهم فحسدوك منافسة في الفضل، وارتفاعا في الدرجة، وأما شرارهم فحسدوك حسدا أحبط الله به أعمالهم، وأثقل به أوزارهم، وما رضوا أن يساووك حتى أرادوا أن يتقدموك، فبعدت عليهم الغاية، وأسقطهم المضمار، وكنت أحق قريش بقريش، نصرت نبيهم حيا، وقضيت عنه الحقوق ميتا، والله ما بغيهم إلا على أنفسهم، ونحن ناصروك وأعوانك، فمرنا بأمرك، ثم أنشأ يقول:
إن قوما بغوا عليك وكادوك ... وعابوك بالأمور القباح
ليس من عيبها جناح بعوض ... فيك حقا ولا كعشر جناح
أبصروا نعمة عليك من الله ... وقرما يدق قرن النطاح
و إماما تأوي الأمور إليه ... ولجاما يلين غرب الجماح
حاكما تجمع الإمامة فيه ... هاشميا له عراض البطاح
حسدا للذي أتاك من الله ... وعادوا إلى قلوب قراح
و قلوب هناك أوعية البغض ... على الخير للشقاء شحاح
من مسر يكنه حجب الغيب ... ومن مظهر العداوة لاح
يا وصي النبي نحن من الحق ... على مثل بهجة الإصباح
فخذ الأوس والقبيل من الخز ... رج بالطعن في الوغا والكفاح
ليس منا من لم يكن لك في الله ... وليا على الهدى والفلاح
فجزاه أمير المؤمنين (ع) خيرا، ثم قام الناس بعده فتكلم كل واحد بمثل مقاله.
----------
حلية الأبرار ج 2 ص 301, الأمالي للمفيد ص 154, بحار الأنوار ج 29 ص 579
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية
شهادته:
عن إسماعيل بن عبد الله الصلعي، وكانت له صحبة، قال: لما كثر الاختلاف بين أصحاب رسول الله (ص)، وقتل عثمان بن عفان تخوفت على نفسي الفتنة، فاعتزمت على اعتزال الناس، فتنحيت إلى ساحل البحر، فأقمت فيه حينا لا أدري ما فيه الناس، (معتزلا لأهل البحر والإرجاف). فخرجت من بيتي لبعض حوائجي، وقد هدأ الليل ونام الناس، فإذا أنا برجل على ساحل البحر يناجي ربه ويتضرع إليه بصوت شجي وقلب حزين فنصت له وأصغيت إليه من حيث لا يراني، فسمعته يقول: يا حسن الصحبة، يا خليفة النبيين، أنت أرحم الراحمين، البديء البديع الذي ليس كمثلك شيء، والدائم غير الغافل، والحي الذي لا يموت، أنت كل يوم في شأن، أنت خليفة محمد، وناصر محمد، ومفضل محمد، أنت الذي أسألك أن تنصر وصي محمد، والقائم بالقسط بعد محمد، اعطف عليه نصرك أو توفني برحمة. قال: ثم رفع رأسه، فقعد مقدار التشهد، ثم إنه سلم فيما أحسب تلقاء وجهه، ثم مضى فمشى على الماء، فناديته من خلفه: كلمني يرحمك الله، فلم يلتفت، وقال: الهادي خلفك، فاسأله عن أمر دينك، قال: قلت: من هو؟ قال: وصي محمد من بعده، فخرجت متوجها إلى الكوفة، فأمسيت دونها، فبت قريبا من الحيرة، فلما أجنني الليل إذ أنا برجل قد أقبل حتى استتر برابية ثم صف قدميه، فأطال المناجاة، وكان فيما قال: اللهم إني سرت فيهم بما أمرني به رسولك وصفيك، فظلموني، وقتلت من المنافقين كلما أمرتني فجهلوني، وقد مللتهم وملوني، وأبغضتهم وأبغضوني، ولم يبق لي خلة أنتظرها إلا المرادي، اللهم فاجعل له الشقاء، وتغمدني بالسعادة، اللهم قد وعدني نبيك أن تتوفاني إليك إذ سألتك، اللهم وقد رغبت إليك في ذلك، ثم مضى فقفوته، فدخل منزله، فإذا هو علي بن أبي طالب (ع)، فلم ألبث أن نادى المنادي بالصلاة، فخرج وتبعته، حتى دخل المسجد، فغمصه ابن ملجم لعنه الله بالسيف.
-------------
مجموعى ورام ج 2 ص 2, حلية الأبرار ج 2 ص 388, مدينة المعاجز ج 3 ص 42, بحار الأنوار ج 42 ص 252
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية
روي في حديث أن أمير المؤمنين (ع) سهر تلك الليلة (ليلة التاسع عشر من شهر رمضان), فأكثر الخروج والنظر في السماء, وهو يقول: والله ما كذبت ولا كذبت و إنها الليلة التي وعدت بها, ثم يعاود مضجعه, فلما طلع الفجر شد إزاره وخرج وهو يقول:
اشدد حيازيمك للموت ... فإن الموت لاقيك
ولا تجزع من الموت ... إذا حل بواديك
فلما خرج إلى صحن الدار استقبلته الإوز فصحن في وجهه, فجعلوا يطردونهن فقال: دعوهن فإنهن نوائح, ثم خرج فأصيب (ع).
-----------
الإرشاد ج 1 ص 16, روضة الواعظين ج 1 ص 135, إعلام الورى ص 156, بحار الأنوار ج 42 ص 226
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية
قال الراوي: وكان من كرم أخلاقه (ع) أنه يتفقد النائمين في المسجد ويقول للنائم: الصلاة يرحمك الله الصلاة قم إلى الصلاة المكتوبة عليك, ثم يتلو (ع) {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} ففعل ذلك كما كان يفعله على مجاري عادته مع النائمين في المسجد, حتى إذا بلغ إلى الملعون فرآه نائما على وجهه قال له: يا هذا قم من نومك هذا فإنها نومة يمقتها الله وهي نومة الشيطان ونومة أهل النار, بل نم على يمينك فإنها نومة العلماء, أو على يسارك فإنها نومة الحكماء, ولا تنم على ظهرك فإنها نومة الأنبياء. قال: فتحرك الملعون كأنه يريد أن يقوم وهو من مكانه لا يبرح فقال له أمير المؤمنين (ع): لقد هممت بشيء {تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا} ولو شئت لأنبأتك بما تحت ثيابك ثم تركه وعدل عنه إلى محرابه وقام قائما يصلي وكان (ع) يطيل الركوع والسجود في الصلاة كعادته في الفرائض والنوافل حاضرا قلبه, فلما أحس به فنهض الملعون مسرعا وأقبل يمشي حتى وقف بإزاء الأسطوانة التي كان الإمام (ع) يصلي عليها, فأمهله حتى صلى الركعة الأولى وركع وسجد السجدة الأولى منها ورفع رأسه, فعند ذلك أخذ السيف وهزه ثم ضربه على رأسه المكرم الشريف فوقعت الضربة على الضربة التي ضربه عمرو بن عبد ود العامري, ثم أخذت الضربة إلى مفرق رأسه إلى موضع السجود, فلما أحس الإمام (ع) بالضرب لم يتأوه وصبر واحتسب ووقع على وجهه وليس عنده أحد قائلا: بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله, ثم صاح وقال: قتلني ابن ملجم قتلني اللعين ابن اليهودية ورب الكعبة, أيها الناس لا يفوتنكم ابن ملجم وسار السم في رأسه وبدنه - الى أن قال الراوي- ثم أحاطوا بأمير المؤمنين (ع) وهو يشد رأسه بمئزره والدم يجري على وجهه ولحيته وقد خضبت بدمائه وهو يقول: هذا ما وعد {الله ورسوله وصدق الله ورسوله}. قال الراوي: فاصطفقت أبواب الجامع وضجت الملائكة في السماء بالدعاء وهبت ريح عاصف سوداء مظلمة ونادى جبرئيل (ع) بين السماء والأرض بصوت يسمعه كل مستيقظ: تهدمت والله أركان الهدى, وانطمست والله نجوم السماء وأعلام التقى, وانفصمت والله العروة الوثقى, قتل ابن عم محمد المصطفى, قتل الوصي المجتبى, قتل علي المرتضى, قتل والله سيد الأوصياء, قتله أشقى الأشقياء. قال: فلما سمعت أم كلثوم (ع) نعي جبرئيل (ع) فلطمت على وجهها وخدها وشقت جيبها وصاحت: وا أبتاه وا علياه وا محمداه وا سيداه.
-----------
بحار الأنوار ج 42 ص 281, الأنوار العلوية ص 375
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية
لما ضربه – أمير المؤمنين ع - ابن ملجم لعنه الله قال (ع): فزت ورب الكعبة.
-------------
خصائص الأئمة (ع) ص 63, مناقب آشوب ج 2 ص 119, حلية الأبرار ج 2 ص 391, الطرائف ج 2 ص 519, الدر النظيم ص 271, بحار الأنوار ج 41 ص 2
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية
لما ضرب علي ع تحامل و صلى بالناس الغداة و قال علي بالرجل فأدخل عليه فقال أي عدوا الله أ لم أحسن إليك قال بلى قال فما حملك على هذا قال شحذته أربعين صباحا و سألت الله أن يقتل به شر خلقه قال علي ع فلا أراك إلا مقتولا به و ما أراك إلا من شر خلق الله عز و جل قال و دعا علي حسنا و حسينا فقال أوصيكما بتقوى الله و لا تبغيا الدنيا و إن بغتكما ولا تبكيا على شيء زوي عنكما قولا بالحق و ارحما اليتيم و أعينا الضائع و اصنعا للأخرى و كونا للظالم خصما و للمظلوم ناصرا اعملا بما في الكتاب و لا تأخذكما في الله لومة لائم ثم نظر إلى محمد بن الحنفية فقال هل حفظت ما أوصيت به أخويك قال نعم قال فإني أوصيك بمثله و أوصيك بتوقير أخويك لعظيم حقهما عليك فلا توثق أمرا دونهما ثم قال أوصيكما به فإنه شقيقكما و ابن أبيكما و قد علمتما أن أباكما كان يحبه و قال للحسن أوصيك يا بني بتقوى الله و إقام الصلاة لوقتها و إيتاء الزكاة عند محلها فإنه لا صلاة إلا بطهور و لا يقبل الصلاة ممن منع الزكاة و أوصيك بعفو الذنب و كظم الغيظ و صلة الرحم و الحلم عن الجاهل و التفقه في الدين و التثبت في الأمر و التعاهد للقرآن و حسن الجوار و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و اجتناب الفواحش فلما حضرته الوفاة أوصى و كانت وصيته: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أن محمدا عبده و رسوله أرسله بالهدى و دين الحق ليظهره على الدين كله و لو كره المشركون صلى الله عليه و آله ثم إن صلاتي و نسكي و محياي و مماتي لله رب العالمين لا شريك له و بذلك أمرت و أنا من المسلمين ثم إني أوصيك يا حسن و جميع أهل بيتي و ولدي و من بلغه كتابي بتقوى الله ربكم و لا تموتن إلا و أنتم مسلمون و اعتصموا بحبل الله جميعا و لا تفرقوا فإني سمعت رسول الله ص يقول صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة و الصيام و إن المبيرة الحالقة للدين فساد ذات البين و لا قوة إلا بالله العلي العظيم انظروا ذوي أرحامكم فصلوهم يهون الله عليكم الحساب الله الله في الأيتام فلا تغيروا أفواههم و لا تضيعوا بحضرتكم فقد سمعت رسول الله ص يقول من عال يتيما حتى يستغني أوجب الله عز و جل له بذلك الجنة كما أوجب الله لآكل مال اليتيم النار الله الله في القرآن فلا يسبقكم إلى العمل به أحد غيركم الله الله في جيرانكم فإن النبي ص أوصى بهم و ما زال رسول الله ص يوصي بهم حتى ظننا أنه سيورثهم الله الله في بيت ربكم فلا يخلو منكم ما بقيتم فإنه إن ترك لم تناظروا و أدنى ما يرجع به من أمه أن يغفر له ما سلف الله الله في الصلاة فإنها خير العمل و إنها عمود دينكم الله الله في الزكاة فإنها تطفئ غضب ربكم الله الله في شهر رمضان فإن صيامه جنة من النار الله الله في الفقراء و المساكين فشاركوهم في معايشكم الله الله في الجهاد بأموالكم و أنفسكم و ألسنتكم فإنما يجاهد رجلان إمام هدى أو مطيع له مقتد بهداه الله الله في ذرية نبيكم فلا يظلمن بحضرتكم و بين ظهرانيكم و أنتم تقدرون على الدفع عنهم الله الله في أصحاب نبيكم الذين لم يحدثوا حدثا و لم يؤووا محدثا فإن رسول الله ص أوصى بهم و لعن المحدث منهم و من غيرهم و المؤوي للمحدث الله الله في النساء و فيما ما ملكت أيمانكم فإن آخر ما تكلم به نبيكم ص أن قال أوصيكم بالضعيفين النساء و ما ملكت أيمانكم الصلاة الصلاة الصلاة لا تخافوا في الله لومة لائم يكفيكم الله من آذاكم و من بغى عليكم قولوا للناس حسنا كما أمركم الله عز و جل و لا تتركوا الأمر بالمعروف و النهي عن النكر فيولي الله أمركم شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم عليهم و عليكم يا بني بالتواصل و التباذل و التبار و إياكم و التقاطع و التدابر و التفرق و تعاونوا على البر و التقوى و لا تعاونوا على الإثم و العدوان و اتقوا الله إن الله شديد العقاب حفظكم الله من أهل بيت و حفظ فيكم نبيكم أستودعكم الله و أقرأ عليكم السلام و رحمة الله ثم لم يزل يقول لا إله إلا الله حتى قبض صلوات الله عليه و رحمته
----------
التهذيب ج9 ص176، الكافي ج7 ص51، من لا يحضره الفقيه ج4 ص189، بحار الأنوار ج42 ص248، تحف العقول ص197
تحقيق مركز سيد الشهداء عليه السلام للبحوث الاسلامية
الخضر (ع) يؤبن ويزور أمير المؤمنين (ع)
عن أسيد بن صفوان صاحب رسول الله (ص) قال: لما كان اليوم الذي قبض فيه أمير المؤمنين (ع) ارتج الموضع بالبكاء ودهش الناس كيوم قبض النبي (ص)، وجاء رجل باكيا، وهو مسرع مسترجع وهو يقول: اليوم انقطعت خلافة النبوة حتى وقف على باب البيت الذي فيه أمير المؤمنين (ع) فقال: رحمك الله يا أبا الحسن كنت أول القوم إسلاما وأخلصهم إيمانا، وأشدهم يقينا، وأخوفهم لله، وأعظمهم عناء وأحوطهم على رسول الله (ص) وآمنهم على أصحابه، وأفضلهم مناقب، وأكرمهم سوابق، وأرفعهم درجة، وأقربهم من رسول الله (ص)، وأشبههم به هديا وخلقا وسمتا وفعلا، وأشرفهم منزلة، وأكرمهم عليه، فجزاك الله عن الاسلام، وعن رسوله وعن المسلمين خيرا. قويت حين ضعف أصحابه، وبرزت حين استكانوا، ونهضت حين وهنوا، ولزمت منهاج رسول الله (ص) إذ هم أصحابه، وكنت خليفته حقا، لم تنازع، ولم تضرع برغم المنافقين، وغيظ الكافرين، وكره الحاسدين، وصغر الفاسقين. فقمت بالامر حين فشلوا، ونطقت حين تتعتعوا، ومضيت بنور الله إذ وقفوا، فاتبعوك فهدوا، وكنت أخفضهم صوتا، وأعلاهم قنوتا، وأقلهم كلاما، وأصوبهم نطقا، وأكبرهم رأيا، وأشجعهم قلبا، وأشدهم يقينا، وأحسنهم عملا، وأعرفهم بالأمور. كنت والله يعسوبا للدين، أولا وآخرا: الأول حين تفرق الناس، والآخر حين فشلوا، كنت للمؤمنين أبا رحيما، إذ صاروا عليك عيالا، فحملت أثقال ما عنه ضعفوا، وحفظت ما أضاعوا، ورعيت ما أهملوا، وشمرت إذ اجتمعوا، وعلوت إذ هلعوا، وصبرت إذ أسرعوا، وأدركت أوتار ما طلبوا، ونالوا بك ما لم يحتسبوا. كنت على الكافرين عذابا صبا ونهبا، وللمؤمنين عمدا وحصنا، فطرت والله بنعمائها وفزت بحبائها، وأحرزت سوابغها، وذهبت بفضائلها، لم تفلل حجتك، ولم يزغ قلبك، ولم تضعف بصيرتك، ولم تجبن نفسك ولم تخر. كنت كالجبل لا تحركه العواصف، وكنت كما قال: امن الناس في صحبتك وذات يدك، وكنت كما قال: ضعيفا في بدنك، قويا في أمر الله، متواضعا في نفسك، عظيما عند الله، كبيرا في الأرض، جليلا عند المؤمنين، لم يكن لاحد فيك مهمز، ولا لقائل فيك مغمز [ ولا لاحد فيك مطمع ] ولا لاحد عندك هوادة، الضعيف الذليل عندك قوي عزيز حتى تأخذ له بحقه، والقوي العزيز عندك ضعيف ذليل حتى تأخذ منه الحق، والقريب والبعيد عندك في ذلك سواء، شأنك الحق والصدق والرفق، وقولك حكم وحتم وأمرك حلم وحزم، ورأيك علم وعزم فيما فعلت، وقد نهج السبيل، وسهل العسير وأطفئت النيران، واعتدل بك الدين، وقوي بك الاسلام، فظهر أمر الله ولو كره الكافرون، وثبت بك الاسلام والمؤمنون، وسبقت سبقا بعيدا، وأتعبت من بعدك تعبا شديدا، فجللت عن البكاء، وعظمت رزيتك في السماء، وهدت مصيبتك الأنام، فإنا لله وإنا إليه راجعون، رضينا عن الله قضاه، وسلمنا لله أمره، فوالله لم يصاب المسلمون بمثلك أبدا. كنت للمؤمنين كهفا وصحنا، وقنة راسيا، وعلى الكافرين غلظة وغيظا، فألحقك الله بنبيه، ولا أحرمنا أجرك، ولا أضلنا بعدك. قال: وسكت القوم حتى انقضى كلامه، وبكى، وبكى أصحاب رسول الله (ص)، ثم طلبوه فلم يصادفوه.
وهي الزيارة المعروفة بزيارة الخضر (ع).
------------
الكافي ج 1 ص 454, كمال الدين ج 2 ص 387, الأمالي للصدوق ص 241, بحار الأنوار ج 97 ص 354, الدر النظيم ص 424, الوافي ج 3 ص 741, مدينة المعاجز ج 3 ص 65, مرآة العقول ج 5 ص 283, زاد المعاد ص 485 فقط الزيارة
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية
عن الأصبغ بن نباتة العبدي، قال: لما ضرب ابن ملجم لعنه الله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) غدونا عليه نفر من أصحابنا: أنا، والحارث، وسويد بن غفلة، وجماعة معنا، فقعدنا على الباب، فسمعنا البكاء، فبكينا، فخرج إلينا الحسن بن علي (ع)، فقال: يقول لكم أمير المؤمنين (ع): انصرفوا إلى منازلكم، فانصرف القوم غيري، فاشتد البكاء من منزله، فبكيت، فخرج الحسن (ع)، وقال: ألم أقل لكم انصرفوا؟ فقلت: لا والله يا بن رسول الله (ص) ما تتابعني نفسي، ولا تحملني رجلي أن أنصرف حتى أرى أمير المؤمنين (ع). قال: وبكيت، فدخل، ولم يلبث أن خرج، فقال لي: ادخل، فدخلت على أمير المؤمنين (ع)، وهو إذا مستند معصوب الرأس بعمامة صفراء قد نزف، واصفر وجهه ما أدري وجهه أصفر أم العمامة، فأكببت عليه فقبلته، فقال لي: لا تبك يا أصبغ فإنها والله الجنة، فقلت له: جعلت فداك إني أعلم والله إنك تصير إلى الجنة، وإنما أبكي لفقداني إياك يا أمير المؤمنين جعلت فداك.
--------------
الأمالي للمفيد ص 351, الأمالي للطوسي ص 122, بشارة المصطفى ص 260, البرهان ج 4 ص 372, حلية الأبرار ج 2 ص 390, بحار الأنوار ج 42 ص 204
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية
هذا قبر ادخره نوح النبي لعلي (ع)
عن أم كلثوم بنت علي (ع) قالت آخر عهد أبي إلى أخوي (ع) أن قال: "يا بني إن أنا مت فغسلاني ثم نشفاني بالبردة التي نشفتم بها رسول الله (ص) و فاطمة (ع) ثم حنطاني و سجياني على سريري ثم انتظرا حتى إذا ارتفع لكما مقدم السرير فاحملا مؤخره" قالت: فخرجت أشيع جنازة أبي حتى إذا كنا بظهر الغري ركز المقدم فوضعنا المؤخر ثم برز الحسن بالبردة التي نشف بها رسول الله و فاطمة فنشف بها أمير المؤمنين (ع) ثم أخذ المعول فضرب ضربة فانشق القبر عن ضريح فإذا هو بساجة مكتوب عليها: "بسم الله الرحمن الرحيم هذا قبر ادخره نوح النبي لعلي وصي محمد قبل الطوفان بسبعمائة عام"
---------------
بحار الأنوار ج 42 ص 216, فرحة الغري ص 34
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية
صعصعة بن صوحان على قبر أمير المؤمنين (ع)
لما ألحد أمير المؤمنين (ع) وقف صعصعة بن صوحان العبدي رضي الله عنه على القبر و وضع إحدى يديه على فؤاده و الأخرى قد أخذ بها التراب و يضرب به رأسه ثم قال بأبي أنت و أمي يا أمير المؤمنين ثم قال هنيئا لك يا أبا الحسن فلقد طاب مولدك و قوي صبرك و عظم جهادك و ظفرت برأيك و ربحت تجارتك و قدمت على خالقك فتلقاك الله ببشارته و حفتك ملائكته و استقررت في جوار المصطفى فأكرمك الله بجواره و لحقت بدرجة أخيك المصطفى و شربت بكأسه الأوفى فأسأل الله أن يمن علينا باقتفائنا أثرك و العمل بسيرتك و الموالاة لأوليائك و المعاداة لأعدائك و أن يحشرنا في زمرة أوليائك فقد نلت ما لم ينله أحد و أدركت ما لم يدركه أحد و جاهدت في سبيل ربك بين يدي أخيك المصطفى حق جهاده و قمت بدين الله حق القيام حتى أقمت السنن و أبرت الفتن و استقام الإسلام و انتظم الإيمان فعليك مني أفضل الصلاة و السلام بك اشتد ظهر المؤمنين و اتضحت أعلام السبل و أقيمت السنن و ما جمع لأحد مناقبك و خصالك سبقت إلى إجابة النبي ص مقدما مؤثرا و سارعت إلى نصرته و وقيته بنفسك و رميت سيفك ذا الفقار في مواطن الخوف و الحذر قصم الله بك كل جبار عنيد و ذل بك كل ذي بأس شديد و هدم بك حصون أهل الشرك و الكفر و العدوان و الردى و قتل بك أهل الضلال من العدى فهنيئا لك يا أمير المؤمنين كنت أقرب الناس من رسول الله ص قربا و أولهم سلما و أكثرهم علما و فهما فهنيئا لك يا أبا الحسن لقد شرف الله مقامك و كنت أقرب الناس إلى رسول الله ص نسبا و أولهم إسلاما و أوفاهم يقينا و أشدهم قلبا و أبذلهم لنفسه مجاهدا و أعظمهم في الخير نصيبا فلا حرمنا الله أجرك و لا أذلنا بعدك فو الله لقد كانت حياتك مفاتح للخير و مغالق للشر و إن يومك هذا مفتاح كل شر و مغلاق كل خير و لو أن الناس قبلوا منك لأكلوا من فوقهم و من تحت أرجلهم و لكنهم آثروا الدنيا على الآخرة.
--------
بحار الأنوار ج 42 ص 296, نهج السعادة ج 7 ص 170, الأنوار العلوية ص 389
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية
صبره وامتحانه:
عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر (ع) قال: أتى رأس اليهود علي بن أبي طالب (ع) عند منصرفه من وقعة النهروان، وهو جالس في مسجد الكوفة، فقال: يا أمير المؤمنين إني أريد أن أسألك عن أشياء لا يعلمها إلا نبي أو وصي نبي، فإن شئت سألتك، وإن شئت أعفيتك، قال: سل عما بدا لك يا أخا اليهود. قال: إنا نجد في الكتاب أن الله عز وجل إذا بعث نبيا أوحى إليه أن يتخذ من أهل بيته من يقوم بأمر أمته من بعده، وأن يعهد إليهم عهدا فيه يحتذى عليه، ويعمل به في أمته من بعده، وأن الله عز وجل يمتحن الأوصياء في حياة الأنبياء، ويمتحنهم بعد وفاتهم، فأخبرني كم يمتحن الأوصياء في حياة الأنبياء؟ وكم يمتحنهم بعد وفاتهم من مرة؟ وإلى ما يصير آخر الأوصياء إذا رضي محنتهم؟ فقال له علي (ع): والله الذي لا إله غيره الذي فلق البحر لبني إسرائيل، وأنزل التوراة على موسى لئن أخبرتك بحق عما تسأل عنه لتقرن به؟ قال: نعم، قال: والذي فلق البحر لبني إسرائيل وأنزل التوراة على موسى (ع) لئن أجبتك لتسلمن؟ قال: نعم. فقال علي (ع): إن الله عز وجل يمتحن الأوصياء في حياة الأنبياء في سبعة مواطن ليبتلي طاعتهم، فإذا رضي طاعتهم ومحنتهم أمر الأنبياء أن يتخذوهم أولياء في حياتهم، وأوصياء بعد وفاتهم، ويصير طاعة الأوصياء في أعناق الأمم ممن يقول بطاعة الأنبياء، ثم يمتحن الأوصياء بعد وفاة الأنبياء (ع) في سبعة مواطن، ليبلوا صبرهم، فإذا رضي محنتهم ختم لهم بالسعادة ليلحقهم بالأنبياء، وقد أكمل لهم السعادة. قال له رأس اليهود: صدقت يا أمير المؤمنين فأخبرني كم امتحنك الله في حياة محمد من مرة؟ وكم امتحنك بعد وفاته من مرة؟ وإلى ما يصير آخر أمرك؟ فأخذ علي (ع) بيده وقال: انهض بنا أنبئك بذلك يا أخا اليهود، فقام إليه جماعة من أصحابه فقالوا: يا أمير المؤمنين أنبئنا بذلك معه، فقال: إني أخاف أن لا تحتمله قلوبكم، قالوا: ولم ذاك يا أمير المؤمنين؟ قال: لأمور بدت لي من كثير منكم. فقام إليه الأشتر فقال: يا أمير المؤمنين أنبئنا فو الله إنا لنعلم أنه ما على ظهر الأرض وصي نبي سواك، وإنا لنعلم أن الله لا يبعث بعد نبينا نبيا سواه، وأن طاعتك لفي أعناقنا موصولة بطاعة نبينا. فجلس علي (ع) وأقبل على اليهودي فقال: يا أخا اليهود إن الله عز وجل امتحنني في حياة نبينا محمد (ص) في سبعة مواطن، فوجدني فيهن- من غير تزكية لنفسي- بنعمة الله له مطيعا، قال: فيم وفيم يا أمير المؤمنين؟ قال: أما أولهن فإن الله عز وجل أوحى إلى نبينا عليه الصلاة والسلام، وحمله الرسالة وأنا أحدث أهل بيتي سنا، أخدمه في بيته، وأسعى بين يديه في أمره، فدعا صغير بني عبد المطلب وكبيرهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأنه رسول الله، فامتنعوا من ذلك وأنكروه عليه، وهجروه، ونابذوه، واعتزلوه، واجتنبوه، وسائر الناس مقصين له، ومخالفين عليه، قد استعظموا ما أورده عليهم مما لم تحتمله قلوبهم، ولم تدركه عقولهم، فأجبت رسول الله (ص) وحدي إلى ما دعا إليه مسرعا مطيعا موقنا، لم يتخالجني في ذلك شك، فمكثنا بذلك ثلاث حجج، وما على وجه الأرض خلق يصلي أو يشهد لرسول الله بما آتاه الله غيري، وغير ابنة خويلد رحمها الله وقد فعل ثم أقبل أمير المؤمنين (ع) على أصحابه، فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين. وأما الثانية يا أخا اليهود فإن قريشا لم تزل تخيل الآراء وتعمل الحيل في قتل النبي (ص) حتى كان آخر ما اجتمعت في ذلك في يوم الدار دار الندوة وإبليس الملعون حاضر في صورة أعور ثقيف، فلم تزل تضرب أمرها ظهر البطن حتى اجتمعت آراؤها على أن ينتدب من كل فخذ من قريش رجل، ثم يأخذ كل رجل منهم سيفه، ثم يأتي النبي (ص)، وهو نائم على فراشه، فيضربونه جميعهم بأسيافهم ضربة رجل واحد فيقتلوه، فإذا قتلوه منعت قريش رجالها ولم تسلمها فيمضي دمه هدرا، فهبط جبرئيل (ع) على النبي (ص) فأنبأه بذلك، وأخبره بالليلة التي يجتمعون فيها، والساعة التي يأتون فراشه فيها، وأمره بالخروج في الوقت الذي خرج فيه إلى الغار، فأخبرني رسول الله (ص) بالخبر، وأمرني أن أضطجع في مضجعه، وأقيه بنفسي، فأسرعت إلى ذلك مطيعا له مسرورا لنفسي بأن أقتل دونه، فمضى (ع) لوجهه، واضطجعت في مضجعه، وأقبلت رجالات قريش موقنة في نفسها أن تقتل النبي (ص) فلما استوى بي وبهم البيت الذي أنا فيه ناهضتهم بسيفي، ودفعتهم عن نفسي بما قد علمه الله والناس، ثم أقبل على أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين. فقال (ع): وأما الثالثة يا أخا اليهود فإن ابني ربيعة وابن عتبة كانوا فرسان قريش دعوا إلى البراز يوم بدر، فلم يبرز لهم خلق من قريش فأنهضني رسول الله (ص) مع صاحبي رضي الله عنهما (و قد فعل) وأنا أحدث أصحابي سنا وأقلهم للحرب تجربة، فقتل الله عز وجل بيدي وليدا وشيبة، سوى من قتلت من جحاجحة قريش في ذلك اليوم، وسوى من أسرت، وكان مني أكثر مما كان من أصحابي واستشهد ابن عمي في ذلك اليوم- رحمة الله عليه- ثم التفت إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ فقالوا: بلى يا أمير المؤمنين. فقال (ع): وأما الرابعة يا أخا اليهود فإن أهل مكة أقبلوا إلينا على بكرة أبيهم قد استحاشوا من يليهم من قبائل العرب وقريش طالبين بثأر مشركي قريش في يوم بدر، فهبط جبرئيل (ع) على النبي (ص) فأنبأه بذلك فذهب النبي (ص) وعسكر بأصحابه في سد أحد، وأقبل المشركون إلينا فحملوا علينا حملة رجل واحد، واستشهد من المسلمين من استشهد، وكان ممن بقي ما كان من الهزيمة، وبقيت مع رسول الله (ص) ومضى المهاجرون والأنصار إلى منازلهم في المدينة كل يقول: قتل رسول الله (ص) وقتل أصحابه، ثم ضرب الله عز وجل وجوه المشركين، وقد جرحت بين يدي رسول الله (ص) نيفا وسبعين جراحة، منها هذه وهذه ثم ألقى (ع) ردائه، وأمر يده على جراحاته، وكان مني في ذلك اليوم ما على الله عز وجل ثوابه إن شاء الله، ثم التفت (ع) إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين. فقال (ع): وأما الخامسة يا أخا اليهود فإن قريشا والعرب تجمعت وعقدت عقدا وميثاقا لا ترجع عن وجهها حتى تقتل رسول الله وتقتلنا معه معاشر بني عبد المطلب، ثم أقبلت بحدها وحديدها حتى أناخت علينا بالمدينة واثقة بأنفسها فيما توجهت له. فهبط جبرئيل (ع) على النبي (ص) فأنبأه بذلك، فخندق على نفسه ومن معه من المهاجرين والأنصار، فقدمت قريش فأقامت على الخندق محاصرة لنا، فترى في أنفسها القوة وفينا الضعف، ترعد وتبرق، ورسول الله (ص) يدعوها إلى الله عز وجل ويناشدها بالقرابة والرحم، فتأبى ولا يزيدها ذلك إلا عتوا، وفارسها فارس العرب يومئذ عمرو بن عبدود، يهدر كالبعير المغتلم، يدعو إلى البراز، ويرتجز ويخطر برمحه مرة وبسيفه مرة، لا يقدم عليه مقدم، ولا يطمع فيه طامع، ولا حمية تهيجه، ولا بصيرة تشجعه، فأنهضني إليه رسول الله (ص)، وعممني بيده وأعطاني سيفه هذا، وضرب بيده إلى ذي الفقار، فخرجت إليه ونساء أهل المدينة بواك إشفاقا علي من ابن عبدود، فقتله الله عز وجل بيدي والعرب لا تعد لها فارسا غيره، وضربني هذه الضربة وأومأ بيده إلى هامته فهزم الله قريشا، والعرب بذلك وبما كان مني فيهم من النكاية، ثم التفت (ع) إلى أصحابه، فقال: أليس كذلك، قالوا: بلى يا أمير المؤمنين. فقال (ع): وأما السادسة يا أخا اليهود فإنا وردنا مع رسول الله (ص) مدينة أصحابك خيبر على رجال من اليهود وفرسانها من قريش وغيرها، فتلقونا بأمثال الجبال من الخيل والرجال والسلاح، وهم في أمنع دار، وأكثر عدد، كل ينادي ويدعو ويبادر إلى القتال، فلم يبرز إليهم من أصحابي أحد إلا قتلوه، حتى إذا احمرت الحدق ودعيت إلى النزال، وأهمت كل امرىء نفسه، فالتفت بعض أصحابي إلى بعض، وكل يقول: يا أبا الحسن انهض، فأنهضني رسول الله (ص) إلى دارهم، فلم يبرز إلي منهم أحد إلا قتلته، ولا يثبت لي فارس إلا طحنته. ثم شددت عليهم شدة الليث على فريسته، حتى أدخلتهم جوف مدينتهم مسددا عليهم، فاقتلعت باب حصنهم بيدي حتى دخلت عليهم مدينتهم وحدي، أقتل من يظهر فيها من رجالها، وأسبي من أجد من نسائها، حتى فتحتها وحدي ولم يكن لي فيها معاون إلا الله وحده، ثم التفت إلى أصحابه فقال (ع): أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين. فقال (ع): وأما السابعة يا أخا اليهود فإن رسول الله (ص) لما توجه لفتح مكة أحب أن يعذر إليهم ويدعوهم إلى الله عز وجل آخرا كما دعاهم أولا، فكتب إليهم كتابا يحذرهم فيه، وينذرهم عذاب الله، ويعدهم الصفح ويمنيهم مغفرة ربهم، ونسخ لهم في آخره سورة براءة لتقرأ عليهم، ثم عرض على جميع أصحابه المضي به فكلهم يرى التثاقل فيه، فلما رأى ذلك ندب منهم رجلا فوجهه به. فأتاه جبرئيل (ع) فقال: يا محمد لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك، فأنبأني رسول الله (ص) بذلك، ووجهني بكتابه ورسالته إلى أهل مكة فأتيت مكة، وأهلها من قد عرفتم ليس منهم أحد إلا ولو قدر أن يضع على كل جبل مني إربا لفعل، ولو أن يبذل في ذلك نفسه وأهله وولده وماله، فبلغتهم رسالة النبي (ص) وقرأت عليهم كتابه، فكلهم يلقاني بالتهدد والوعيد، ويبدي إلي البغضاء، ويظهر لي الشحناء من رجالهم ونسائهم، فكان مني في ذلك ما قد رأيتم، ثم التفت (ع) إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين. فقال (ع): يا أخا اليهود هذه المواطن التي امتحنني فيهن ربي عز وجل مع نبيه (ص)، فوجدني فيها كلها بمنه مطيعا، وليس لأحد فيها مثل الذي لي، ولو شئت لوصفت ذلك، ولكن الله عز وجل نهى عن التزكية. فقالوا: يا أمير المؤمنين صدقت والله، لقد أعطاك الله عز وجل الفضيلة بالقرابة من نبينا، وأسعدك بأن جعلك أخاه، تنزل منه بمنزلة هارون من موسى، وفضلك بالمواقف التي باشرتها، والأهوال التي ركبتها، وذخر لك الذي ذكرت وأكثر منه مما لم تذكره، ومما ليس لأحد من المسلمين مثله، يقول ذلك من شهدك منا مع نبينا ومن شهدك بعده، فأخبرنا يا أمير المؤمنين ما امتحنك الله عز وجل به بعد نبينا فاحتملته وصبرت عليه، فلو شئنا أن نصف ذلك لوصفناه علما منا به، وظهورا منا عليه، إلا أنا نحب أن نسمع منك ذلك، كما سمعنا منك ما امتحنك الله به في حياته فأطعته فيها. فقال (ع): يا أخا اليهود إن الله عز وجل امتحنني بعد وفاة نبيه (ص) في سبعة مواطن فوجدني فيهن من غير تزكية لنفسي بمنه ونعمته صبورا. أما أولهن يا أخا اليهود فإنه لم يكن لي خاصة دون المسلمين عامة أحد آنس به، أو اعتمد عليه، أو استنيم إليه، أو أتقرب به غير رسول الله (ص)، هو رباني صغيرا، وبوأني كبيرا، وكفاني العيلة، وجبرني من اليتم، وأغناني عن الطلب، ووقاني المكسب، وعال لي النفس والولد والأهل، هذا في تصاريف أمر الدنيا، مع ما خصني به من الدرجات التي قادتني إلى معالي الحظوة عند الله عز وجل، فنزل بي من وفاة رسول الله (ص) ما لم أكن أظن الجبال لو حملته عنوة كانت تنهض به. فرأيت الناس من أهل بيتي ما بين جازع لا يملك جزعه، ولا يضبط نفسه، ولا يقوى على حمل فادح ما نزل به، قد أذهب الجزع صبره، وأذهل عقله، وحال بينه وبين الفهم، والإفهام، والقول، والاستماع، وسائر الناس من غير بني عبد المطلب بين معز يأمر بالصبر، وبين مساعد باك لبكائهم، جازع لجزعهم، وحملت نفسي على الصبر عند وفاته، بلزوم الصمت والاشتغال بما أمرني به: من تجهيزه، وتغسيله وتحنيطه وتكفينه، والصلاة عليه، ووضعه في حفرته، وجمع كتاب الله وعهده إلى خلقه، لا يشغلني عن ذلك بادر دمعة، ولا هائج زفرة، ولا لاذع حرقة، ولا جزيل مصيبة، حتى أديت في ذلك الحق الواجب لله عز وجل ولرسوله (ص) علي، وبلغت منه الذي أمرني به، واحتملته صابرا محتسبا، ثم التفت (ع) إلى أصحابه، فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين. فقال (ع): وأما الثانية يا أخا اليهود فإن رسول الله (ص) أمرني في حياته على جميع أمته، وأخذ على جميع من حضره منهم البيعة والسمع والطاعة لأمري، وأمرهم أن يبلغ الشاهد الغائب ذلك، فكنت المؤدي إليهم عن رسول الله (ص) أمره إذا حضرته، والأمير على من حضرني منهم إذا فارقته، لا تختلج في نفسي منازعة أحد من الخلق لي في شيء من الأمر في حياة النبي (ص) ولا بعد وفاته. ثم أمر رسول الله (ص) بتوجيه الجيش الذي وجهه مع أسامة بن زيد عند الذي أحدث الله به من المرض الذي توفاه فيه، فلم يدع النبي (ص) أحدا من أبناء العرب ولا من الأوس والخزرج وغيرهم من سائر الناس مما يخاف على نقضه ومنازعته، ولا أحدا ممن يراني بعين البغضاء ممن قد وترته بقتل أبيه وأخيه أو حميمه إلا وجهه في ذلك الجيش، ولا من المهاجرين والأنصار والمسلمين وغيرهم من المؤلفة قلوبهم والمنافقين، لتصفو قلوب من يبقى معي بحضرته، ولئلا يقول قائل شيئا مما أكرهه، ولا يدفعني دافع من الولاية والقيام بأمر رعيته من بعده. ثم كان آخر ما تكلم به في شيء من أمر أمته أن يمضي جيش أسامة ولا يختلف عنه أحد ممن أنهض معه، وتقدم في ذلك أشد التقدم، وأوعز فيه أبلغ الإيعاز، وأكد فيه أكثر التأكيد، فلم أشعر بعد أن قبض النبي (ص) إلا برجال من بعث أسامة بن زيد وأهل عسكره قد تركوا مراكزهم، وأخلوا مواضعهم، وخالفوا أمر رسول الله (ص) فيما أنهضهم له وأمرهم به، وتقدم إليهم من ملازمة أميرهم، والسير معه تحت لوائه حتى ينفذ لوجهه الذي أنفذه إليه. فخلفوا أميرهم مقيما في عسكره، وأقبلوا يتبادرون على الخيل إلى حل عقدة عقدها الله عز وجل لي ولرسوله في أعناقهم فحلوها، وعهد عاهدوا الله ورسوله فنكثوه، وعقدوا لأنفسهم عقدا ضجت به أصواتهم واختصت به آراؤهم، من غير مناظرة لأحد منا بني عبد المطلب، أو بمشاركة في رأي، أو في استقالة لما في أعناقهم من بيعتي، فعلوا ذلك وأنا برسول الله (ص) مشغول، وبتجهيزه عن سائر الأشياء مصدود، فإنه كان أهمها وأحق ما بدىء به منها. فكان هذا يا أخا اليهود أقرح ما ورد على قلبي مع الذي أنا فيه من عظيم الرزية، وفاجع المصيبة، وفقد من لا خلف منه إلا الله تبارك وتعالى، فصبرت عليها إذ أتت بعد أختها على تقاربها وسرعة اتصالها، ثم التفت إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين. فقال (ع): وأما الثالثة يا أخا اليهود فإن القائم بعد النبي (ص) كان يلقاني معتذرا في كل أيامه، ويلزم غيره ما ارتكبه من أخذ حقي ونقض بيعتي، ويسألني تحليله! فكنت أقول: تنقضي أيامه ثم يرجع إلي حقي الذي جعله الله لي عفوا هنيئا من غير أن أحدث في الإسلام مع حدوثه، وقرب عهده بالجاهلية حدثا في طلب حقي بمنازعة، لعل فلانا يقول فيها: نعم، وفلانا يقول: لا، فيؤول ذلك من القول إلى الفعل، وجماعة من خواص أصحاب محمد (ص) أعرفهم بالنصح لله ولرسوله ولكتابه ودينه الإسلام يأتوني عودا وبدءا وعلانية وسرا فيدعوني إلى آخر حقي، ويبذلون أنفسهم في نصرتي ليؤدوا إلي بذلك بيعتي في أعناقهم، فأقول: رويدا وصبرا قليلا لعل الله يأتيني بذلك عفوا بلا منازعة، ولا إراقة الدماء. فقد ارتاب كثير من الناس بعد وفاة النبي (ص)، وطمع في الأمر بعده من ليس له بأهل، فقال كل قوم: منا أمير، وما طمع القائلون في ذلك إلا لتناول غيري الأمر، فلما دنت وفاة القائم، وانقضت أيامه صير الأمر بعده لصاحبه، ولكانت هذه أخت أختها، ومحلها مني مثل محلها، وأخذا مني ما جعل الله لي، فاجتمع إلي من أصحاب محمد (ص) ممن مضى، وممن بقي ممن أخره الله من اجتمع، فقالوا فيها مثل الذي قالوا في أختها، فلم يعد قولي الثاني قولي الأول صبرا واحتسابا ويقينا وإشفاقا من أن تفنى عصبة تألفهم رسول الله (ص) باللين مرة وبالشدة أخرى، وبالبذل مرة وبالسيف أخرى. حتى لقد كان من تألفه لهم أن كان الناس في الكر والفرار والشبع والري واللباس والوطأ والدثار، ونحن أهل بيت محمد (ص) لا سقوف لبيوتنا، ولا أبواب ولا ستور إلا الجرائد وما أشبهها، ولا وطاء ولا دثار علينا، يتداول الثوب الواحد في الصلاة أكثرنا، وتطوي الليالي والأيام جوعا عامتنا، وربما أتانا الشيء مما أفاء الله علينا، وصيره لنا خاصة دون غيرنا، ونحن على ما وصفت من حالنا، فيؤثر به رسول الله أرباب النعم والأموال تألفا منه لهم، فكنت أحق من لم يفرق هذه العصبة التي ألفها رسول الله (ص) ولم يحملها على الخطة التي لا خلاص لنا منها دون بلوغها أو فناء آجالها. لأني لو نصبت نفسي فدعوتهم إلى نصرتي كانوا مني وفي أمري على إحدى منزلتين: إما متبع مقاتل وإما مقتول إن لم يتبع الجميع، وإما خاذل يكفر إن قصر في نصرتي أو أمسك عن طاعتي، وقد علم أني منه بمنزلة هارون من موسى، يحل به في مخالفتي والإمساك عن نصرتي ما أحل قوم موسى بأنفسهم في مخالفة هارون وترك طاعته، ورأيت تجرع الغصص ورد أنفاس الصعداء ولزوم الصبر حتى يفتح الله أو يقضي بما أحب أزيد لي في حظي وأرفق بالعصابة التي وصفت أمرهم، {وكان أمر الله قدرا مقدورا}. ولو لم أتق هذه الحالة- يا أخا اليهود- ثم طلبت حقي لكنت أولى ممن طلبه، لعلم من مضى من أصحاب رسول الله (ص) ومن بحضرتك منهم بأني كنت أكثر عددا وأعز عشيرة وأمنع رجالا وأطوع أمرا وأوضح حجة وأكثر في هذا الدين مناقب وآثارا، لسوابقي وقرابتي ووراثتي، فضلا عن استحقاقي ذلك بالوصية التي لا مخرج للعباد منها والبيعة المتقدمة في أعناقهم ممن تناولها، وقد قبض محمد (ص) وإن ولاية الأمة في يده وفي بيته، لا في يد الأولى تناولوا، ولا في بيوتهم، ولأهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا أولى بالأمر من بعده من غيرهم في جميع الخصال، ثم التفت إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين. فقال (ع): وأما الرابعة يا أخا اليهود فإن القائم بعد صاحبه كان يشاورني في موارد الأمور فيصدرها عن أمري، ويناظرني في غوامضها فيمضيها عن رأيي، لا أعلم أحدا ولا يعلمه أصحابي يناظره في ذلك غيري، ولا يطمع في الأمر بعده سواي، فلما أن أتته منيته على فجأة بلا مرض كان قبله، ولا أمر كان أمضاه في صحة من بدنه، لم أشك أني قد استرجعت حقي في عافية بالمنزلة التي كنت أطلبها، والعاقبة التي كنت ألتمسها، وأن الله سيأتي بذلك على أحسن ما رجوت، وأفضل ما أملت. فكان من فعله أن ختم أمره بأن سمى قوما أنا سادسهم ولم يسوني بواحد منهم، ولا ذكر لي حالا في وراثة الرسول (ص)، ولا قرابة ولا صهر ولا نسب، ولا لواحد منهم مثل سابقة من سوابقي، ولا أثر من آثاري، وصيرها شورى بيننا، وصير ابنه فيها حاكما علينا، وأمره أن يضرب أعناق النفر الستة الذين صير الأمر فيهم إن لم ينفذوا أمره وكفى بالصبر على هذا- يا أخا اليهود- صبرا، فمكث القوم أيامهم كلها، كل يخطب لنفسه، وأنا ممسك عن أن سألوني عن أمري فناظرتهم في أيامي وأيامهم، وآثاري وآثارهم، وأوضحت لهم ما لم يجهلوه من وجوه استحقاقي لها دونهم، وذكرتهم عهد رسول الله إليهم، وتأكيد ما أكده من البيعة لي في أعناقهم، فدعاهم حب الإمارة وبسط الأيدي والألسن في الأمر والنهي والركون إلى الدنيا والاقتداء بالماضين قبلهم إلى تناول ما لم يجعل الله لهم. فإذا خلوت بالواحد ذكرته أيام الله وحذرته ما هو قادم عليه وصائر إليه، التمس مني شرطا أن أصيرها له بعدي! فلما لم يجدوا عندي إلا المحجة البيضاء، والحمل على كتاب الله عز وجل ووصية الرسول، وإعطاء كل امرىء منهم ما جعله الله له، ومنعه ما لم يجعل الله له، أزالها عني إلى ابن عفان طمعا في الشحيح معه فيها، وابن عفان رجل لم يستو به وبواحد ممن حضره حال قط فضلا عمن دونهم لا ببدر التي هي سنام فخرهم، ولا غيرها من المآثر التي أكرم الله بها رسوله ومن اختصه معه من أهل بيته. ثم لم أعلم القوم أمسوا من يومهم ذلك حتى ظهرت ندامتهم، ونكصوا على أعقابهم، وأحال بعضهم على بعض، كل يلوم نفسه ويلوم أصحابه، ثم لم تطل الأيام بالمستبد بالأمر ابن عفان حتى أكفروه وتبرؤوا منه، ومشى إلى أصحابه خاصة وسائر أصحاب رسول الله (ص) على هذه، يستقيلهم من بيعته، ويتوب إلى الله من فلتته، فكانت هذه- يا أخا اليهود- أكبر من أختها، وأفظع وأحرى أن لا يصبر عليها، فنالني منها الذي لا يبلغ وصفه، ولا يحد وقته، ولم يكن عندي فيها إلا الصبر على ما أمض وأبلغ منها. ولقد أتاني الباقون من الستة من يومهم كل راجع عما كان ركب مني! يسألني خلع ابن عفان، والوثوب عليه، وأخذ حقي، ويعطيني صفقته وبيعته على الموت تحت رايتي، أو يرد الله عز وجل علي حقي. فو الله- يا أخا اليهود- ما منعني منها إلا الذي منعني من أختيها قبلها، ورأيت الإبقاء على من بقي من الطائفة أبهج لي وآنس لقلبي من فنائها، وعلمت أني إن حملتها على دعوة الموت ركبته، فأما نفسي فقد علم من حضر ممن ترى وممن غاب من أصحاب محمد (ص) أن الموت عندي بمنزلة الشربة الباردة في اليوم الشديد الحر من ذي العطش الصدى. ولقد كنت عاهدت الله عز وجل ورسوله أنا وعمي حمزة، وأخي جعفر، وابن عمي عبيدة على أمر وفينا به لله عز وجل ولرسوله، فتقدمني أصحابي، وتخلفت بعدهم لما أراد الله عز وجل، فأنزل الله فينا: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا} حمزة، وجعفر، وعبيدة، وأنا والله المنتظر- يا أخا اليهود- وما بدلت تبديلا. وما سكتني عن ابن عفان وحثني على الإمساك إلا أني عرفت من أخلاقه فيما اختبرت منه بما لن يدعه حتى يستدعي الأباعد إلى قتله وخلعه، فضلا عن الأقارب، وأنا في عزلة، فصبرت حتى كان ذلك، لم أنطق فيه بحرف من «لا» ولا «نعم» ثم أتاني القوم، وأنا- علم الله- كاره، لمعرفتي بما يطمعون به من اعتقال الأموال والمرح في الأرض، وعلمهم بأن تلك ليست لهم عندي، وشديد عادة منتزعة، فلما لم يجدوا عندي تعللوا الأعاليل، ثم التفت (ع) إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ فقالوا: بلى يا أمير المؤمنين. فقال (ع): وأما الخامسة- يا أخا اليهود- فإن المتابعين لي لما لم يطمعوا في تلك مني وثبوا بالمرأة علي، وأنا ولي أمرها والوصي عليها، فحملوها على الجمل وشدوها على الرحال، وأقبلوا بها تخبط الفيافي وتقطع البراري وتنبح عليها كلاب الحوأب، وتظهر لهم علامات الندم في كل ساعة وعند كل حال، في عصبة قد بايعوني ثانية بعد بيعتهم الأولى في حياة النبي (ص)، حتى أتت أهل بلدة، قصيرة أيديهم، طويلة لحاهم، قليلة عقولهم، عاذبة آراؤهم، وهم جيران بدو، ووراد بحر، فأخرجتهم، يخبطون بسيوفهم من غير علم، ويرمون بسهامهم بغير فهم، فوقفت من أمرهم على اثنتين، كلتاهما في محلة المكروه ممن إن كففت لم يرجع ولم يعقل، وإن أقمت كنت قد صرت إلى التي كرهت. فقدمت الحجة بالإعذار والإنذار، ودعوت المرأة إلى الرجوع إلى بيتها، والقوم الذين حملوها على الوفاء ببيعتهم لي، والترك لنقضهم عهد الله عز وجل في، وأعطيتهم من نفسي كل الذي قدرت عليه، وناظرت بعضهم فرجع وذكرت فذكر، ثم أقبلت على الناس بمثل ذلك، فلم يزدادوا إلا جهلا وتماديا وغيا، فلما أبوا إلا هي، ركبتها منهم، فكانت عليهم الدبرة، وبهم الهزيمة، ولهم الحسرة، وفيهم الفناء والقتل، وحملت نفسي على التي لم أجد منها بدا، ولم يسعني إذ فعلت ذلك وأظهرته آخرا مثل الذي وسعني منه أولا من الإعطاء والإمساك، ورأيتني إن أمسكت كنت معينا لهم علي بإمساكي على ما صاروا إليه وطمعوا فيه من تناول الأطراف، وسفك الدماء، وقتل الرعية، وتحكيم النساء النواقص العقول والحظوظ على كل حال، كعادة بني الأصفر ومن مضى من ملوك سبأ والأمم الخالية، فأصبر على ما كرهت أولا وآخرا، وقد أهملت المرأة وجندها يفعلون ما وصفت بين الفريقين من الناس، ولم أهجم على الأمر إلا بعد ما قدمت وأخرت، فتأنيت وراجعت، وأرسلت وسافرت، وأعذرت وأنذرت، وأعطيت القوم كل شيء التمسوه بعد أن أعرضت عليهم كل شيء لم يلتمسوه. فلما أبوا إلا تلك أقدمت عليها، فبلغ الله بي وبهم ما أراد، وكان لي عليهم بما كان مني إليهم شهيدا، ثم التفت إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين. فقال (ع): وأما السادسة- يا أخا اليهود- فتحكيمهم الحكمين ومحاربة ابن آكلة الأكباد، وهو طليق بن طليق، معاند لله ولرسوله وللمؤمنين منذ بعث الله محمدا (ص) إلى أن فتح الله عليه مكة عنوة، فأخذت بيعته وبيعة أبيه لي معه في ذلك اليوم وفي ثلاثة مواطن بعده، وأبوه بالأمس أول من سلم علي بإمرة المؤمنين، وجعل يحثني على النهوض في أخذ حقي من الماضين قبلي، يجدد لي بيعته كلما أتاني. وأعجب العجب أنه لما رأى ربي تبارك وتعالى قد رد إلي حقي، وأقره في معدنه، وانقطع طمعه أن يصير في دين الله رابعا، وفي أمانة حملناها حاكما، كر على العاصي بن العاص فاستماله، فمال إليه، ثم أقبل به بعد أن أطمعه مصر، وحرام عليه أن يأخذ من الفيء دون قسمه درهما، وحرام على الراعي إيصال درهم إليه فوق حقه، فأقبل يخبط البلاد بالظلم، ويطأها بالغشم، فمن بايعه أرضاه، ومن خالفه ناواه. ثم توجه إلي ناكثا علينا، مغيرا في البلاد شرقا وغربا ويمينا وشمالا، والأنباء تأتيني والأخبار ترد علي بذلك، فأتاني أعور ثقيف، فأشار إلي أن أوليه البلاد التي هو بها لأداريه بما أوليه منها! وفي الذي أشار به الرأي في أمر الدنيا، لو وجدت عند الله عز وجل في توليته لي مخرجا، وأصبت لنفسي في ذلك عذرا، فأعلمت الرأي في ذلك، وشاورت من أثق بنصيحته لله عز وجل ولرسوله ولي وللمؤمنين، فكان رأيه في ابن آكلة الأكباد كرأيي، ينهاني عن توليته، ويحذرني أن أدخل في أمر المسلمين يده، ولم يكن الله ليراني لأتخذ المضلين عضدا، فوجهت إليه أخا بجيلة مرة، وأخا الأشعريين مرة، كلاهما ركن إلى الدنيا، وتابع هواه فيما أرضاه. فلما لم أره يزداد فيما انتهك من محارم الله إلا تماديا، فشاورت من معي من أصحاب محمد (ص) البدريين، والذين ارتضى الله عز وجل أمرهم، ورضي عنهم بعد بيعتهم، وغيرهم من صلحاء المسلمين والتابعين، فكل يوافق رأيه رأيي في غزوه ومحاربته، ومنعه مما نالت يده، وإني نهضت إليه بأصحابي، أنفذ إليه من كل موضع كتبي، وأوجه إليه رسلي، أدعوه إلى الرجوع عما هو فيه، والدخول فيما فيه الناس معي، فكتب يتحكم علي ويتمنى علي الأماني، ويشترط علي شروطا لا يرضاها الله عز وجل ورسوله، ولا المسلمون، ويشترط في بعضها أن أدفع إليه أقواما من أصحاب محمد (ص) أبرارا فيهم عمار بن ياسر، وأين مثل عمار؟ والله لقد رأينا مع النبي وما تقدمنا خمسة إلا كان سادسهم، ولا أربعة إلا كان خامسهم، اشترط دفعهم إليه ليقتلهم ويصلبهم وانتحل دم عثمان ولعمر الله ما ألب على عثمان، ولا جمع الناس على قتله إلا هو وأشباهه من أهل بيته، أغصان الشجرة الملعونة في القرآن. فلما لم أجب إلى ما اشترط من ذلك كر مستعليا في نفسه بطغيانه وبغيه، بحمير لا عقول لهم ولا بصائر، فموه لهم أمرا فاتبعوه، وأعطاهم من الدنيا ما أمالهم به إليه فناجزناهم وحاكمناهم إلى الله عز وجل بعد الإعذار والإنذار، فلما لم يزده ذلك إلا تماديا وبغيا لقيناه بعادة الله التي عودنا من النصر على أعدائه وعدونا، وراية رسول الله (ص) بأيدينا، لم يزل الله تبارك وتعالى يفل حزب الشيطان بها حتى يقضي الموت عليه، وهو معلم رايات أبيه التي لم أزل أقاتلها مع رسول الله (ص) في كل المواطن، فلم يجد من الموت منجا إلا الهرب. فركب فرسه وقلب رايته! لا يدري كيف يحتال؟ فاستعان برأي ابن العاص، فأشار إليه بإظهار المصاحف ورفعها على الأعلام، والدعاء إلى ما فيها، وقال: إن ابن أبي طالب وحزبه أهل بصائر ورحمة وبقيا، وقد دعوك إلى كتاب الله أولا وهم مجيبوك إليه آخرا، فأطاعه فيما أشار به عليه، إذ رأى أنه لا منجا له من القتل أو الهرب غيره. فرفع المصاحف يدعو إلى ما فيها بزعمه، فمالت إلى المصاحف قلوب من بقي من أصحابي بعد فناء خيارهم وجهدهم في جهاد أعداء الله وأعدائهم على بصائرهم، فظنوا أن ابن آكلة الأكباد له الوفاء بما دعا إليه، فأصغوا إلى دعوته، وأقبلوا بأجمعهم في إجابته، فأعلمتهم أن ذلك منه مكر، ومن ابن العاص معه، وأنهما إلى النكث أقرب منهما إلى الوفاء، فلم يقبلوا قولي ولم يطيعوا أمري، وأبوا إلا إجابته كرهت أم هويت، شئت أو أبيت، حتى أخذ بعضهم يقول لبعض: إن لم يفعل فألحقوه بابن عفان أو ادفعوه إلى ابن هند برمته! فجهدت- علم الله- جهدي، ولم أدع علة في نفسي إلا بلغتها في أن يخلوني ورأيي فلم يفعلوا، وراودتهم على الصبر على مقدار فواق الناقة أو ركضة الفرس، فلم يجيبوا ما خلا هذا الشيخ- وأومأ بيده إلى الأشتر- وعصبة من أهل بيتي. فو الله ما منعني أن أمضي على بصيرتي إلا مخافة أن يقتل هذان- وأومأ بيده إلى الحسن والحسين- فينقطع نسل رسول الله (ص) وذريته من أمته ومخافة أن يقتل هذا وهذا- وأومأ بيده إلى عبد الله بن جعفر، ومحمد بن الحنفية رضي الله عنهما- فإني أعلم لو لا مكاني لم يقفا ذلك الموقف، فلذلك صبرت على ما أراد القوم مع ما سبق فيه من علم الله عز وجل. فلما رفعنا عن القوم سيوفنا، تحكموا في الأمور، وتخيروا الأحكام والآراء، وتركوا المصاحف، وما دعوا إليه من حكم القرآن، وما كنت أحكم في دين الله أحدا إذا كان التحكيم في ذلك الخطأ الذي لا شك فيه ولا امتراء. فلما أبوا إلا ذلك أردت أن أحكم رجلا من أهل بيتي أو رجلا ممن أرضى رأيه وعقله، وأثق بنصيحته ومودته ودينه، وأقبلت لا أسمي أحدا إلا امتنع منه ابن هند، ولا أدعوه إلى شيء من الحق إلا أدبر عنه، وأقبل ابن هند يسومنا عسفا وما ذاك إلا باتباع أصحابي له على ذلك، فلما أبوا إلا غلبتي على التحكم تبرأت إلى الله عز وجل منهم، وفوضت ذلك إليهم، فقلدوه امرءا فخدعه ابن العاص خديعة ظهرت في شرق الأرض وغربها، وأظهر المخدوع عليها ندما، ثم أقبل على أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين. فقال (ع): وأما السابعة فإن رسول الله (ص) كان عهد إلي أن أقاتل في آخر الزمان من أيامي قوما من أصحابي يصومون النهار، ويقومون الليل، ويتلون الكتاب، يمرقون بخلافهم علي ومحاربتهم إياي من الدين، كما يمرق السهم من الرمية، فيهم ذو الثدية، يختم لي بقتلهم بالسعادة، فلما انصرفت إلى موضعي هذا- يعني بعد الحكمين- أقبل بعض باللائمة، فيما صاروا إليه من تحكيم الحكمين، فلم يجدوا لأنفسهم من ذلك مخرجا إلا أن قالوا: كان ينبغي لأميرنا أن لا يتابع من أخطأ وأن يقضي بحقيقة رأيه على قتل نفسه وقتل من خالفه منا، فقد كفر بمتابعته إيانا وطاعته لنا في الخطأ، وأحل لنا بذلك قتله وسفك دمه، فتجمعوا على ذلك، وخرجوا راكبين رؤوسهم ينادون بأعلى صوتهم لا حكم إلا لله. ثم تفرقوا فرقة بالنخيلة، وأخرى بحروراء، وأخرى راكبة رأسها تخبط الأرض شرقا حتى عبرت دجلة، فلم تمر بمسلم إلا امتحنه، فمن تابعها استحيته، ومن خالفها قتلته، فخرجت إلى الأوليين واحدة بعد أخرى، أدعوهم إلى طاعة الله عز وجل والرجوع إليه، فأبيا إلا السيف لا يقنعهما غير ذلك، فلما أعيت الحيلة فيهما حاكمتهما إلى الله عز وجل فقتل الله هذه وهذه. وكانوا- يا أخا اليهود- لو لا ما فعلوا لكانوا ركنا قويا وسدا منيعا، فأبى الله إلا ما صاروا إليه، ثم كتبت إلى الفرقة الثالثة، ووجهت رسلي تترى وكانوا من جلة أصحابي وأهل التعبد منهم والزهد في الدنيا، فأبت إلا اتباع أختيها والاحتذاء على مثالهما، وأسرعت في قتل من خالفها من المسلمين، وتتابعت إلي الأخبار بفعلهم. فخرجت حتى قطعت إليهم دجلة، أوجه السفراء والنصحاء، وأطلب العتبى بجهدي بهذا مرة وبهذا مرة- وأومأ بيده إلى الأشتر، والأحنف بن قيس، وسعيد بن قيس الأرحبي، والأشعث بن قيس الكندي- فلما أبوا إلا تلك ركبتها منهم فقتلهم الله- يا أخا اليهود- عن آخرهم، وهم أربعة آلاف أو يزيدون، حتى لم يفلت منهم مخبر، فاستخرجت ذا الثدية من قتلاهم بحضرة من ترى، له ثدي كثدي المرأة، ثم التفت (ع) إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين فقال (ع): قد وفيت سبعا وسبعا- يا أخا اليهود- وبقيت الأخرى وأوشك بها فكان قد فبكى أصحاب علي (ع) وبكى رأس اليهود. وقالوا: يا أمير المؤمنين أخبرنا بالأخرى فقال (ع): الأخرى أن تخضب هذه- وأومأ بيده إلى لحيته- من هذه- وأومأ بيده إلى هامته- قال: وارتفعت أصوات الناس في المسجد الجامع بالضجة والبكاء حتى لم يبق بالكوفة دار إلا خرج أهلها فزعا، وأسلم رأس اليهود على يدي علي (ع) من ساعته. ولم يزل مقيما حتى قتل أمير المؤمنين (ع) وأخذ ابن ملجم لعنه الله، فأقبل رأس اليهود حتى وقف على الحسن (ع)، والناس حوله وابن ملجم لعنه الله بين يديه، فقال له: يا أبا محمد اقتله قتله الله، فإني رأيت في الكتب التي أنزلت على موسى أن هذا أعظم عند الله عز وجل جرما من ابن آدم قاتل أخيه، ومن القدار عاقر ناقة ثمود.
--------------
الخصال ج 2 ص 364, الإختصاص ص 163, حلية الأبرار ج 2 ص 360 بحار الأنوار ج 38 ص 167, إرشاد القلوب ج 2 ص 343 نحوه
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية