* نصر بن مزاحم في وقعة صفين, عمر بن سعد، وحدثني رجل, عن عبد الله بن جندب، عن أبيه، أن عليا (ع) كان يأمرنا في كل موطن لقينا معه عدوه يقول: لا تقاتلوا القوم حتى يبدؤوكم، فإنكم بحمد الله على حجة، وترككم إياهم حتى يبدؤوكم حجة أخرى لكم عليهم، فإذا قاتلتموهم فهزمتموهم، فلا تقتلوا مدبرا، ولا تجهزوا على جريح، ولا تكشفوا عورة، ولا تمثلوا بقتيل، فإذا وصلتم إلى رحال القوم فلا تهتكوا سترا، ولا تدخلوا دارا إلابإذني، ولا تأخذوا شيئا من أموالهم إلاما وجدتم في عسكرهم، ولا تهيجوا امرأة بأذى، وإن شتمن أعراضكم، وتناولن أمراءكم وصلحاءكم، فإنهن ضعاف القوى والأنفس والعقول، ولقد كنا وإنا لنؤمر بالكف عنهن، وإنهن لمشركات، وإن كان الرجل ليتناول المرأة في الجاهلية بالهراوة أو الحديد، فيعير بها عقبه من بعده.
* الشيخ الكليني في الكافي, في حديث يزيد بن إسحاق, عن أبي صادق قال: سمعت عليا (ع) يحرض الناس في ثلاثة مواطن: الجمل وصفين ويوم النهر, يقول: عباد الله اتقوا الله, وغضوا الأبصار, واخفضوا الأصوات, وأقلوا الكلام, ووطنوا أنفسكم على المنازلة والمجادلة والمبارزة والمناضلة المنابذة والمعانقة والمكادمة واثبتوا {واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون} {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين}.
* الشيخ الكليني في الكافي, علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بعض أصحابه، عن أبي حمزة، عن عقيل الخزاعي، أن أمير المؤمنين (ع) كان إذا حضر الحرب يوصي للمسلمين بكلمات فيقول: تعاهدوا الصلاة، وحافظوا عليها واستكثروا منها، وتقربوا بها فإنها {كانت على المؤمنين كتابا موقوتا}، وقد علم ذلك الكفار حين سئلوا {ما سلككم فى سقر قالوا لم نك من المصلين}، وقد عرف حقها من طرقها، وأكرم بها من المؤمنين الذين لا يشغلهم عنها زين متاع، ولا قرة عين من مال ولا ولد، يقول الله عز وجل: {رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة}، وكان رسول الله (ص) منصبا لنفسه بعد البشرى له بالجنة من ربه، فقال عز وجل: {وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها} الآية، فكان يأمر بها أهله، ويصبر عليها نفسه. ثم إن الزكاة جعلت مع الصلاة قربانا لأهل الإسلام على أهل الإسلام، ومن لم يعطها طيب النفس بها يرجو بها من الثمن ما هو أفضل منها، فإنه جاهل بالسنة، مغبون الأجر، ضال العمر، طويل الندم بترك أمر الله عز وجل، والرغبة عما عليه صالحو عباد الله، يقول الله عز وجل: ومن {ويتبع غير سبيل المؤمنين نولهى ما تولى}، من الأمانة فقد خسر من ليس من أهلها، وضل عمله، عرضت على السماوات المبنية، والأرض المهاد، والجبال المنصوبة، فلا أطول ولا أعرض، ولا أعلى ولا أعظم، لو امتنعن من طول أو عرض أو عظم أو قوة أو عزة امتنعن، ولكن أشفقن من العقوبة. ثم إن الجهاد أشرف الأعمال بعد الإسلام، وهو قوام الدين، والأجر فيه عظيم مع العزة والمنعة، وهو الكرة فيه الحسنات، والبشرى بالجنة بعد الشهادة، وبالرزق غدا عند الرب، والكرامة يقول الله عز وجل: {ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله} الآية، ثم إن الرعب والخوف من جهاد المستحق للجهاد، والمتوازرين على الضلال ضلال في الدين، وسلب للدنيا مع الذل والصغار، وفيه استيجاب النار بالفرار من الزحف عند حضرة القتال، يقول الله عز وجل: {يأيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار}، فحافظوا على أمر الله عز وجل في هذه المواطن التي الصبر عليها كرم وسعادة ونجاة في الدنيا والآخرة، من فظيع الهول والمخافة، فإن الله عز وجل لا يعبأ بما العباد مقترفون ليلهم ونهارهم، لطف به علما، وكل ذلك{ في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى}، فاصبروا وصابروا، واسألوا النصر، ووطنوا أنفسكم على القتال، واتقوا الله عز وجل، فإن {الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون}.
* ابن شعبة الحراني في تحف العقول, وصيتة أمير المؤمنين (ع) لزياد بن النضر حين أنفذه على مقدمته إلى صفين: اتق الله في كل ممسى ومصبح، وخف على نفسك الغرور، ولا تأمنها على حال من البلاء. واعلم، أنك إن لم تزع نفسك عن كثير مما تحب مخافة مكروهه، سمت بك الأهواء إلى كثير من الضر حتى تظعن، فكن لنفسك مانعا وازعا عن الظلم والغي والبغي والعدوان. قد وليتك هذا الجند، فلا تستذلنهم، ولا تستطل عليهم، فإن خيركم أتقاكم، تعلم من عالمهم، وعلم جاهلهم، واحلم عن سفيههم، فإنك إنما تدرك الخير بالعلم وكف الأذى والجهل.
ثم أردفه بكتاب يوصيه فيه ويحذره: اعلم أن مقدمة القوم عيونهم، وعيون المقدمة طلائعهم، فإذا أنت خرجت من بلادك ودنوت من عدوك، فلا تسأم من توجيه الطلائع في كل ناحية، وفي بعض الشعاب والشجر والخمر، وفي كل جانب، حتى لا يغيركم عدوكم ويكون لكم كمين. ولا تسير الكتائب والقبائل من لدن الصباح إلى المساء، إلاتعبئة، فإن دهمكم أمر أو غشيكم مكروه، كنتم قد تقدمتم في التعبئة، وإذا نزلتم بعدو أو نزل بكم فليكن معسكركم في أقبال الأشراف، أو في سفاح الجبال، أو أثناء الأنهار، كيما يكون لكم ردءا، ودونكم مردا. ولتكن مقاتلتكم من وجه واحد أو اثنين، واجعلوا رقباءكم في صياصي الجبال وبأعلى الأشراف، وبمناكب الأنهار، يريئون لكم لئلا يأتيكم عدو من مكان مخافة أو أمن، وإذا نزلتم فانزلوا جميعا، وإذا رحلتم فارحلوا جميعا، وإذا غشيكم الليل فنزلتم، فحفوا عسكركم بالرماح والترسة، واجعلوا رماتكم يلوون ترستكم، كيلا تصاب لكم غرة، ولا تلقى لكم غفلة، واحرس عسكرك بنفسك. وإياك أن ترقد، أو تصبح إلاغرارا أو مضمضة، ثم ليكن ذلك شأنك ودأبك حتى تنتهي إلى عدوك، وعليك بالتأني في حربك. وإياك والعجلة إلا أن تمكنك فرصة. وإياك أن تقاتل إلاأن يبدؤوك، أو يأتيك أمري، والسلام عليك ورحمة الله.
* الشيخ الكليني في الكافي, في حديث مالك بن أعين قال: حرض أمير المؤمنين (ع) الناس بصفين فقال: إن الله عز وجل دلكم {على تجارة تنجيكم من عذاب أليم}، وتشفي بكم على الخير، الإيمان بالله، والجهاد في سبيل الله، وجعل ثوابه مغفرة للذنب، {ومساكن طيبة في جنات عدن}، وقال عز وجل: {إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص}، فسووا صفوفكم كالبنيان المرصوص، فقدموا الدارع، وأخروا الحاسر، وعضوا على النواجذ، فإنه أنبأ للسيوف على الهام، والتووا على أطراف الرماح، فإنه أمور للأسنة، وغضوا الأبصار، فإنه أربط للجأش، وأسكن للقلوب، وأميتوا الأصوات، فإنه أطرد للفشل، وأولى بالوقار، ولا تميلوا براياتكم، ولا تزيلوها، ولا تجعلوها، إلا مع شجعانكم، فإن المانع للذمار، والصابر عند نزول الحقائق، هم أهل الحفاظ، ولا تمثلوا بقتيل، وإذا وصلتم إلى رجال القوم، فلا تهتكوا سترا، ولا تدخلوا دارا، ولا تأخذوا شيئا من أموالهم، إلاما وجدتم في عسكرهم، ولا تهيجوا امرأة بأذى، وإن شتمن أعراضكم، وسببن أمراء كم وصلحاء كم، فإنهن ضعاف القوى والأنفس والعقول، وقد كنا نؤمر بالكف عنهن، وهن مشركات، وإن كان الرجل ليتناول المرأة فيعير بها، وعقبه من بعده. واعلموا أن أهل الحفاظ، هم الذين يحفون براياتهم، ويكتنفونها، ويصيرون حفافيها، ووراءها وأمامها، ولا يضيعونها، لا يتأخرون عنها فيسلموها، ولا يتقدمون عليها فيفردوها. رحم الله امرأ واسى أخاه بنفسه، ولم يكل قرنه إلى أخيه، فيجتمع قرنه وقرن أخيه، فيكتسب بذلك اللائمة ويأتي بدناءة، وكيف لا يكون كذلك وهو يقاتل الاثنين، وهذا ممسك يده قد خلى قرنه على أخيه هاربا منه ينظر إليه، وهذا فمن يفعله يمقته الله، فلا تعرضوا لمقت الله عز وجل، فإنما ممركم إلى الله، وقد قال الله عز وجل: {قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا لاتمتعون إلا قليلا} وايم الله، لئن فررتم من سيوف العاجلة لا تسلمون من سيوف الآجلة، فاستعينوا بالصبر، والصدق، فإنما ينزل النصر بعد الصبر، ف{جاهدوا في الله حق جهاده}، ولا قوة إلا بالله.
وقال (ع): وإذا لقيتم هؤلاء القوم غدا فلا تقاتلوهم، حتى يقاتلوكم، فإذا بدؤوا بكم فانهدوا إليهم. وعليكم السكينة والوقار، وعضوا على الأضراس، فإنه أنبأ للسيوف عن الهام، وغضوا الأبصار، ومدوا جباه الخيول ووجوه الرجال، وأقلوا الكلام، فإنه أطرد للفشل، وأذهب بالوهل، ووطنوا أنفسكم على المبارزة والمنازلة والمجادلة، واثبتوا، واذكروا الله عز وجل كثيرا، فإن المانع للذمار عند نزول الحقائق، هم أهل الحفاظ، الذين يحفون براياتهم، ويضربون حافتيها وأمامها، وإذا حملتم فافعلوا فعل رجل واحد. وعليكم بالتحامي، فإن الحرب سجال لا يشدون عليكم كرة بعد فرة، ولا حملة بعد جولة، ومن ألقى إليكم السلم فاقبلوا منه، واستعينوا بالصبر، فإن بعد الصبر النصر من الله عز وجل {إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين}.
* الشيخ الكليني في الكافي, أحمد بن محمد الكوفي, عن ابن جمهور, عن أبيه, عن محمد بن سنان, عن مفضل بن عمر, عن أبي عبد الله (ع).
وعن عبد الله بن عبد الرحمن الأصم, عن حريز, عن محمد بن مسلم, عن أبي عبد الله (ع) قال: قال أمير المؤمنين (ع) لأصحابه: إذا لقيتم عدوكم في الحرب فأقلوا الكلام, واذكروا الله عز وجل, ولا تولوهم الأدبار فتسخطوا الله تبارك وتعالى وتستوجبوا غضبه, وإذا رأيتم من إخوانكم المجروح ومن قد نكل به أو من قد طمع عدوكم فيه فقوه بأنفسكم.
* نهج البلاغة, من وصية أمير المؤمنين (ع) وصى بها معقل بن قيس الرياحي حين أنفذه إلى الشام في ثلاثة آلاف مقدمة له: اتق الله الذي لا بد لك من لقائه، ولا منتهى لك دونه، ولا تقاتلن إلامن قاتلك، وسر البردين، وغور بالناس، ورفه في السير، ولا تسر أول الليل، فإن الله جعله سكنا وقدره مقاما لا ظعنا، فأرح فيه بدنك، وروح ظهرك فإذا وقفت حين ينبطح السحر أو حين ينفجر الفجر فسر على بركة الله، فإذا لقيت العدو فقف من أصحابك وسطا، ولا تدن من القوم دنو من يريد أن ينشب الحرب، ولا تباعد عنهم تباعد من يهاب البأس حتى يأتيك أمري، ولا يحملنكم شنآنهم على قتالهم قبل دعائهم، والإعذار إليهم.
* نهج البلاغة, من وصيتة أمير المؤمنين (ع) وصى بها شريح بن هانئ لما جعله على مقدمته إلى الشام: اتق الله في كل صباح ومساء، وخف على نفسك الدنيا الغرور، ولا تأمنها على حال، واعلم أنك إن لم تردع نفسك عن كثير مما تحب مخافة مكروه سمت بك الأهواء إلى كثير من الضرر، فكن لنفسك مانعا رادعا ولنزوتك عند الحفيظة واقما قامعا.
* الشيخ الكليني في الكافي, أحمد بن محمد بن سعيد, عن جعفر بن عبد الله العلوي وأحمد بن محمد الكوفي, عن علي بن العباس, عن إسماعيل بن إسحاق جميعا, عن أبي روح فرج بن قرة, عن مسعدة بن صدقة قال: حدثني ابن أبي ليلى, عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: قال أمير المؤمنين (ع): أما بعد, فإن الجهاد باب من أبواب الجنة, فتحه الله لخاصة أوليائه, وسوغهم كرامة منه لهم ونعمة ذخرها, والجهاد هو لباس التقوى ودرع الله الحصينة, وجنته الوثيقة, فمن تركه رغبة عنه ألبسه الله ثوب الذل وشمله البلاء وفارق الرضا وديث بالصغار والقماءة, وضرب على قلبه بالأسداد وأديل الحق منه بتضييع الجهاد وسيم الخسف ومنع النصف, ألا وإني قد دعوتكم إلى قتال هؤلاء القوم ليلا ونهارا, وسرا وإعلانا, وقلت لكم: اغزوهم قبل أن يغزوكم, فو الله ما غزي قوم قط في عقر دارهم إلا ذلوا, فتواكلتم وتخاذلتم حتى شنت عليكم الغارات وملكت عليكم الأوطان, هذا أخو غامد قد وردت خيله الأنبار, وقتل حسان بن حسان البكري, وأزال خيلكم عن مسالحها وقد بلغني أن الرجل منهم كان يدخل على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة فينتزع حجلها وقلبها وقلائدها ورعاثها ما تمنع منه إلا بالاسترجاع والاسترحام, ثم انصرفوا وافرين ما نال رجلا منهم كلم ولا أريق له دم, فلو أن امرأ مسلما مات من بعد هذا أسفا ما كان به ملوما بل كان عندي به جديرا, فيا عجبا عجبا والله يميث القلب ويجلب الهم من اجتماع هؤلاء على باطلهم وتفرقكم عن حقكم, فقبحا لكم وترحا حين صرتم غرضا يرمى يغار عليكم ولا تغيرون وتغزون ولا تغزون ويعصى الله وترضون, فإذا أمرتكم بالسير إليهم في أيام الحر قلتم هذه حمارة القيظ أمهلنا حتى يسبخ عنا الحر, وإذا أمرتكم بالسير إليهم في الشتاء قلتم هذه صبارة القر أمهلنا حتى ينسلخ عنا البرد, كل هذا فرارا من الحر والقر, فإذا كنتم من الحر والقر تفرون فأنتم والله من السيف أفر يا أشباه الرجال, ولا رجال حلوم الأطفال وعقول ربات الحجال, لوددت أني لم أركم ولم أعرفكم معرفة, والله جرت ندما وأعقبت ذما قاتلكم الله, لقد ملأتم قلبي قيحا وشحنتم صدري غيظا, وجرعتموني نغب التهمام أنفاسا, وأفسدتم علي رأيي بالعصيان والخذلان, حتى لقد قالت قريش: إن ابن أبي طالب رجل شجاع ولكن لا علم له بالحرب, لله أبوهم وهل أحد منهم أشد لها مراسا وأقدم فيها مقاما مني, لقد نهضت فيها وما بلغت العشرين, وها أنا قد ذرفت على الستين ولكن لا رأي لمن لا يطاع.