عن ابن عباس، قال: اجتمع المشركون في دار الندوة، ليتشاوروا في أمر رسول الله (ص)، وأتى جبرئيل رسول الله (ص) فأخبره الخبر، وأمره أن لا ينام في مضجعه تلك الليلة. فلما أراد رسول الله (ص) المبيت أمر عليا (ع) أن يبيت في مضجعه تلك الليلة، فبات علي (ع)، وتغشى ببرد أخضر حضرمي، كان لرسول الله (ص) ينام فيه، وجعل السيف إلى جنبه، فلما اجتمع أولئك النفر من قريش، يطوفون ويرصدونه يريدون قتله، فخرج رسول الله (ص) وهم جلوس على الباب خمسة وعشرون رجلا، فأخذ حفنة من البطحاء، ثم جعل يذرها على، رؤوسهم، وهو يقرأ {يس والقرآن الحكيم} حتى بلغ {فأغشيناهم فهم لا يبصرون}. فقال لهم قائل: ما تنتظرون؟ قالوا: محمدا قال: خبتم وخسرتم قد والله مر بكم، فما منكم رجل إلا وقد جعل على رأسه ترابا، قالوا: والله ما أبصرناه، قال: فأنزل الله عز وجل {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين}.
--------------
الأمالي للطوسي ص 445, البرهان ج 2 ص 678, جلية الأبرار ج 1 ص 131, بحار الأنوار ج 19 ص 53, إثباة الهداة ج 1 ص 329
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية
عن ابن عباس قال في علي بن أبي طالب (ع): لما انطلق النبي (ص) إلى الغار فأنامه النبي (ص) في مكانه, وألبسه برده, فجاءت قريش تريد أن تقتل النبي (ص), فجعلوا يرمون عليا (ع) وهم يرون أنه النبي (ص), وقد ألبسه النبي (ص) برده, فجعل يتضور, فنظروا فإذا هو علي (ع) فقالوا: إنك لنائم؟ ولو كان صاحبك ما تضور, لقد استنكرنا ذلك منك.
---------------
تفسير فرات ص 65, بحار الأنوار ج 19 ص 87
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية
عن أنس بن مالك، قال: لما توجه رسول الله (ص) إلى الغار ومعه أبو بكر، أمر النبي (ص) عليا (ع) أن ينام على فراشه ويتوشح ببردته، فبات علي (ع) موطنا نفسه على القتل، وجاءت في رجال قريش من بطونها يريدون قتل رسول الله (ص) فلما أرادوا أن يضعوا عليه أسيافهم لا يشكون أنه محمد (ص) فقالوا: أيقظوه ليجد ألم القتل ويرى السيوف تأخذه، فلما أيقظوه ورأوه عليا (ع) تركوه وتفرقوا في طلب رسول الله (ص)، فأنزل الله: {ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد}.
---------------
الأمالي للطوسي ص 446, حلية الأبرار ج 1 ص 136, بحار الأنوار ج 19 ص 55, تفسير نور الثقلين ج 1 ص 204, تفسير كنز الدقائق ج 1 ص 500, غاية المرام ج 4 ص 21
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية
عن جعدة بن هبيرة، عن أمه أم هاني بنت أبي طالب (ع) قالت: لما أمر الله تعالى نبيه (ص) بالهجرة وأنام عليا (ع) على فراشه، وسجاه ببرد حضرمي، ثم خرج فإذا وجوه قريش على بابه، فأخذ حفنة من تراب، فذرها على رؤوسهم فلم يشعر به أحد منهم، ودخل على بيتي، فلما أصبح أقبل علي وقال: أبشري يا أم هاني فهذا جبرئيل (ع) يخبرني: أن الله عز وجل قد أنجى عليا (ع) من عدوه. قالت: وخرج رسول الله (ص) مع جناح الصبح إلى غار ثور، فكان فيه ثلثا حتى سكن عنه الطلب، ثم أرسل إلى علي (ع) وأمره بأمره وأداء الأمانة.
------------
الأمالي للطوسي ص 447, إثبات الهداة ج 1 ص 329, خلية الأبرار ج 1 ص 138, بحار الأنوار ج 19 ص 56
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية
عن ابن عباس في قوله: {ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله} قال: نزل في علي بن أبي طالب (ع) حين بات على فراش رسول الله (ص) حيث طلبه المشركون.
------------
تفسير فرات ص 65, بحار الأنوار ج 36 ص 41
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية
قال: قال ابن الكواء لأمير المؤمنين (ع): أين كنت حيث ذكر الله نبيه، وأبا بكر: {ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا}؟ فقال أمير المؤمنين (ع): ويلك يا ابن الكواء كنت على فراش رسول الله (ص)، وقد طرح علي ريطته، فأقبلت قريش مع كل رجل منهم هراوة فيها شوكها، فلم يبصروا رسول الله (ص) حيث خرج، فأقبلوا علي يضربونني بما في أيديهم، حتى تنفض جسدي وصار مثل البيض، ثم انطلقوا بي يريدون قتلي، فقال بعضهم: لا تقتلوه الليلة ولكن أخروه واطلبوا محمدا. قال: فأوثقوني بالحديد، وجعلوني في بيت، واستوثقوا مني ومن الباب بقفل، فبينا أنا كذلك إذ سمعت صوتا من جانب البيت يقول: يا علي، فسكن الوجع الذي كنت أجده- وذهب الورم الذي كان في جسدي، ثم سمعت صوتا آخر يقول: يا علي، فإذا الحديد في رجلي قد تقطع، ثم سمعت صوتا آخر يقول: يا علي، فإذا الباب قد تساقط ما عليه، وفتح، فقمت وخرجت، وقد كانوا جاؤوا بعجوز كمهاء، لا تبصر ولا تنام تحرس الباب، فخرجت عليها وهي لا تعقل من النوم.
--------------
خصائص الأئمة ص 58, البرهان ج 2 ص 779, حلية الأبرار ج 1 ص 161, مدينة المعاجز ج 1 ص 461
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية
قال أبو اليقظان. فحدثنا رسول الله (ص) ونحن معه بقباء، عما أرادت قريش من المكر به ومبيت علي (ع) على فراشه، قال: أوحى الله إلى جبرئيل وميكائيل (ع) أني قد آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر صاحبه فأيكما يؤثر أخاه؟ فكلاهما كرها الموت، فأوحى الله إليهما: عبدي ألا كنتما مثل وليي علي بن أبي طالب، آخيت بينه وبين نبيي فآثره بالحياة على نفسه، ثم ظل - أو قال: رقد - على فراشه يفديه بمهجته، اهبطا إلى الأرض كلاكما فاحفظاه من عدوه، فهبط جبرئيل فجلس عند رأسه، وميكائيل عند رجليه، وجعل جبرئيل يقول: بخ بخ من مثلك يا بن أبي طالب والله يباهي بك الملائكة! قال: فأنزل الله في علي (ع): {ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد}.
--------------
الأمالي للطوسي ص 469, مناقب آشوب ج 1 ص 339, حلية الأبرار ج 1 ص 149, بحار الأنوار ج 19 ص 64
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية
عن مجاهد، قال: فخرت عايشة بأبيها ومكانه مع رسول الله (ص) في الغار، فقال عبد الله بن شداد بن الهاد: وأين أنت من علي بن أبي طالب (ع) حيث نام في مكانه وهو يرى أنه يقتل، فسكتت ولم تحر جوابا.
--------------
الأمالي للطوسي ص 447, مناقب آشوب ج 2 ص 57, تسلية المجالس ج 1 ص 177, حلية الأبرار ج 1 ص 137, بحار الأنوار ج 19 ص 56
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية
عنا أبو زيد سعيد بن أوس، يعني الأنصاري النحوي قال: كان أبو عمرو بن العلاء إذا قرأ {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله} قال: كرم الله عليا (ع)، فيه نزلت هذه الآية.
---------------
الأمالي للطوسي 446, حلية الأبرار ج 1 ص 135, بحار الأنوار ج 19 ص 55, تفسير نور الثقلين ج 1 ص 204, تفسير كنز الدقائق ج 2 ص 306
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية
عن سالم بن أبي الجعد، يرفعه إلى أبي ذر: أن عليا (ع) وعثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص، أمرهم عمر بن الخطاب أن يدخلوا بيتا ويغلقوا عليهم بابه، ويتشاوروا في أمرهم، وأجلهم ثلاثة أيام، فإن توافق خمسة على قول واحد وأبى رجل منهم، قتل ذلك الرجل، وإن ترافق أربعة وأبى اثنان قتل الاثنان، فلما توافقوا جميعا على رأي واحد، قال لهم علي بن أبي طالب (ع): إني أحب أن تسمعوا مني ما أقول، فإن يكن حقا فاقبلوه، وإن يكن باطلا فأنكروه. قالوا: قل. - الى ان قال ع -: فهل فيكم أحد نزلت فيه هذه الآية {ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله} لما وقيت رسول الله ليلة الفراش، غيري؟ قالوا: لا. قال: فهل فيكم أحد سقى رسول الله (ع) من المهراس لما اشتد ظمأه، وأحجم عن ذلك أصحابه، غيري؟ قالوا: لا.
--------------
الأمالي للطوسي ص 551, حلية الأبرار ج 2 ص 330, بحار الأنوار ج 31 ص 380, غاية المرام ج 4 ص 21
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية
عن حكيم بن جبير، عن علي بن الحسين (ع) في قول الله: {ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله}. قال: نزلت في علي (ع) حين بات على فراش رسول الله (ص).
---------------
الأمالي للطوسي ص 446, حلية الأبرار ج 1 ص 135, بحار الأنوار ج 19 ص 54, تفسير نور الثقلين ج 1 ص 204, تفسير كنز الدقائق ج 1 ص 500, غاية المرام ج 4 ص 21
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية
عن جابر, عن أبي جعفر (ع) قال: اما قوله: {ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد} فإنها أنزلت في علي بن أبي طالب (ع) حين بذل نفسه لله ولرسوله ليلة اضطجع على فراش رسول الله (ص) لما طلبته كفار قريش.
--------------
تفسير العياشي ج 1 ص 101, بحار الأنوار ج 19 ص 78, غاية المرام ج 4 ص 22
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية
خبر مما روي عن جماعة ثقات، أنه لما وردت حرة بنت حليمة السعدية على الحجاج بن يوسف الثقفي وأنها مثلت بين يديه. فقال لها: يا حرة ابنة حليمة السعدية، قالت له: فراسة من غير مؤمن فقال لها: الله جاء بك، وقد قيل لي عنك: إنك تفضلين عليا على أبي بكر وعمر وعثمان؟ قالت: لقد كذب الذي قال إني أفضله على هؤلاء خاصة، قال وعلى غير هؤلاء؟ قالت أفضله على آدم ونوح ولوط وإبراهيم وموسى وداود وسليمان وعيسى بن مريم. فقال لها: يا ويلك! أقول لك إنك تفضلينه على الصحابة، وتزيدين عليهم سبعة من الأنبياء من أولي العزم، من الرسل وإذا لم تأتي ببيان ما قلت وإلا لأضربن عنقك. - الى ان قال -: فبما تفضلينه على موسى كليم الله؟ قالت: يقول الله: {فخرج منها خائفا يترقب} وعلي بن أبي طالب (ع) بات على فراش رسول الله (ص) لم يخف حتى أنزل الله تعالى في حقه {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله} قال: أحسنت يا حرة.
--------------
بحار الأنوار ج 46 ص 134, الروضة في فضائل أمير المؤمنين (ع) لشاذان بن جبرئيل ص 234, الفضائل لشاذان بن جبرئيل ص 137, رياض الأبرار ج 2 ص 63
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية
عن ابن عباس، قال: بات علي (ع) ليلة خرج رسول الله (ص) إلى المشركين على فراشه ليعمي على قريش، وفيه نزلت هذه الآية {ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله}.
----------
الأمالي للطوسي ص 252, بحار الأنوار ج 19 ص 56, فضائل أمير المؤمنين (ع) للكوفي ص 177
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية
عن أبي محمد الحسن بن علي العسكري، عن أبيه (ع) في زيارة أمير المؤمنين (ع) يوم الغدير: ... فلما آل الامر إليك أجريتهم على ما أجر يا رغبة عنهما بما عند الله لك فأشبهت محنتك بهما محن الأنبياء عند الوحدة وعدم الأنصار وأشبهت في البيات على الفراش الذبيح عليه السلام إذ أجبت كما أجاب، وأطعت كما أطاع إسماعيل صابرا محتسبا، إذ قال له يا بني إني أرى في المنام اني أذبحك فانظر ماذا ترى قال: يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إنشاء الله من الصابرين، وكذلك أنت لما أباتك النبي صلى الله عليه وآله وأمرك أن تضجع في مرقده واقيا له بنفسك، أسرعت إلى إجابته مطيعا ولنفسك على القتل موطنا ، فشكر الله تعالى طاعتك، وأبان عن جميل فعلك بقوله جل ذكره {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله}
--------------
المزار للمشهدي ص 279, المزار للشهيد الأول ص 85, بحار الأنوار ج 97 ص 367
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية
قال أبو عبيدة: وكان هؤلاء الثلاثة: هند بن أبي هالة، وأبو رافع، وعمار بن ياسر جميعا يحدثون عن هجرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه إلى رسول الله (ص) بالمدينة، ومبيته قبل ذلك على فراشه. قال: وصدر هذا الحديث عن هند بن أبي هالة، واقتصاصه عن الثلاثة: هند، وعمار، وأبي رافع، وقد دخل حديث بعضهم في بعض. قالوا: كان الله عز وجل مما يمنع نبيه (ص) بعمه أبي طالب (ع) فما كان يخلص إليه أمر يسوءه من قومه مدة حياته، فلما مات أبو طالب (ع) نالت قريش من رسول الله (ص) بغيتها، وأصابته بعظيم من الأذى حتى تركته لقى، فقال (ص): لأسرع ما وجدنا فقدك يا عم، وصلتك رحما، وجزيت خيرا يا عم. ثم ماتت خديجة بعد أبي طالب (ع) بشهر، واجتمع بذلك على رسول الله (ص) حزنان، حتى عرف ذلك فيه. قال هند: ثم انطلق ذوو الطول والشرف من قريش إلى دار الندوة، ليرتأوا ويأتمروا في رسول الله (ص) وأسروا ذلك بينهم، فقال بعضهم: نبني له علما ويترك برحا نستودعه فيه فلا يخلص من الصباة فيه إليه أحد ولا يزال في رنق من العيش حتى يتضيفه ريب المنون، وصاحب هذه المشورة العاص بن وائل، وأمية وأبي ابنا خلف. فقال قائل: كلا ما هذا لكم برأي، ولئن صنعتم ذلك ليتنمرن الحدب الحميم والمولى الحليف، ثم ليأتين المواسم والأشهر الحرم بالأمن، فلينتزعن من أنشوطتكم قولوا: قولكم. فقال عتبة، وشيبة وشركهما أبو سفيان. قالوا: فإنا نرى نرحل بعيرا صعبا، ونوثق محمدا عليه كتافا وشدا ثم نقصع البعير بأطراف الرماح، فيوشك أن يقطعه بين الدكادك إربا إربا. فقال صاحب رأيهم: إنكم لم تصنعوا بقولكم هذا شيئا، أرأيتم إن خلص به البعير سالما إلى بعض الأفاريق، فأخذ بقلوبهم بسحره وبيانه وطلاقة لسانه فصبا القوم إليه، واستجابت القبائل له قبيلة فقبيلة فليسيرن حينئذ إليكم بالكتائب والمقانب فلتهلكن كما هلكت إياد ومن كان قبلكم. قولوا: قولكم. فقال له أبو جهل: لكني أرى لكم أن تعمدوا إلى قبائلكم العشرة فتنتدبوا من كل قبيلة منها رجلا نجدا، ثم تسلحوه حساما عضبا، وتمهد الفتية حتى إذا غسق الليل وغور بيتوا بابن أبي كبشة بياتا فيذهب دمه في قبايل قريش جميعا، فلا يستطيع بنو هاشم وبنو المطلب مناهضة قبايل قريش في صاحبهم فيرضون حينئذ بالعقل منهم. فقال صاحب رأيهم: أصبت يا أبا الحكم، ثم أقبل عليهم، فقال: هذا الرأي، فلا تعدلن به رأيا، وأوكئوا في ذلك أفواهكم حتى يستتب أمركم، فخرج القوم عزين وسبقهم بالوحي بما كان من كيدهم جبرئيل (ع)، فتلا هذه الآية على رسول الله (ص): {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين}. فلما أخبره جبرئيل بأمر الله في ذلك ووحيه وما عزم له من الهجرة دعا رسول الله (ص) علي بن أبي طالب صلوات الله عليه لوقته، فقال له: يا علي إن الروح هبط علي بهذه الآية آنفا، يخبرني أن قريش اجتمعت على المكر بي وقتلي، وأنه أوحي إلي عن ربي عز وجل أن أهجر دار قومي وأن انطلق إلى غار ثور تحت ليلتي وأنه أمرني أن آمرك بالمبيت على ضجاعي ومضجعي لتخفي بمبيتك عليه أثري، فما أنت قايل وصانع؟ فقال علي (ع): أو تسلمن بمبيتي هناك يا نبي الله؟ قال: نعم، فتبسم علي صلوات الله عليه ضاحكا، وأهوى إلى الأرض ساجدا، شكرا لما أنبأه رسول الله (ص) من سلامته وكان علي صلوات الله عليه أول من سجد لله شكرا، وأول من وضع وجهه على الأرض بعد سجدته من هذه الأمة بعد رسول الله (ص). فلما رفع رأسه قال له: امض بما أمرت، فداك سمعي وبصري وسويداء قلبي، ومرني بما شئت أكن فيه كسيرتك واقع بحيث مرادك، وإن توفيقي إلا بالله. قال: وأن ألقى عليك شبه مني، أو قال: شبهي؟ قال: إن يمنعني نعم، قال: فأرقد على فراشي واشتمل ببردي الحضرمي. ثم إني أخبرك يا علي أن الله تعالى يمتحن أوليائه على قدر إيمانهم ومنازلهم من دينه فأشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأوصياء ثم الأمثل فالأمثل، وقد امتحنك يا ابن أمي وامتحنني فيك بمثل ما امتحن به خليله إبراهيم (ع) والذبيح إسماعيل (ع) فصبرا صبرا فإن رحمة الله قريب من المحسنين. ثم ضمه النبي (ص) إلى صدره وبكى إليه وجدا به، وبكى علي (ع) جشعا لفراق رسول الله، واستتبع رسول الله أبا بكر بن أبي قحافة، وهند بن أبي هالة، فأمرهما أن يقعدا له بمكان ذكره لهما من طريقه إلى الغار ولبث رسول الله (ص) بمكانه مع علي (ع) يوصيه ويأمره في ذلك بالصبر حتى صلى العشائين. ثم خرج (ص) في فحمة العشاء، والرصد من قريش قد أطافوا بداره ينتظرون أن ينتصف الليل وتنام الأعين فخرج وهو يقرأ هذه الآية {وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون} وكان بيده قبضة من تراب، فرمى بها في رؤوسهم فما شعر القوم به حتى تجاوزهم، ومضى حتى أتى إلى هند وأبي بكر، فنهضا معه حتى وصلوا إلى الغار. ثم رجع هند إلى مكة بما أمره به رسول الله (ص) ودخل رسول الله (ص) وأبو بكر إلى الغار فلما خلق الليل وانقطع الأثر أقبل القوم على علي صلوات الله عليه قذفا بالحجارة والحلم فلا يشكون أنه رسول الله (ص) حتى إذا برق الفجر، وأشفقوا أن يفضحهم الصبح، هجموا على علي، وكانت دور مكة يومئذ سوائب لا أبواب لها، فلما بصر بهم علي (ع) قد انتضوا السيوف. وأقبلوا عليه بها، يقدمهم خالد بن الوليد بن المغيرة، وثب به علي (ع) فختله وهمز يده، فجعل خالد يقمص قماص البكر، وإذا له رغاء فابذعر الصبح، وهم في عرج الدار من خلفه، وشد عليهم علي (ع) بسيفه يعني سيف خالد، فأجفلوا أمامه إجفال النعم إلى ظاهر الدار وتبصروه، وإذا هو علي (ع) قالوا: إنك لعلي؟ قال: أنا علي قالوا: فإنا لم نردك فما فعل صاحبك، قال: لا علم لي به. وقد كان علم، يعني عليا (ع)، أن الله تعالى قد أنجى نبيه (ص) بما كان أخبره من مضيه إلى الغار واختبائه فيه فأذكت قريش عليه العيون، وركبت في طلبه الصعب والذلول. وأمهل علي صلوات الله عليه، حتى إذا أعتم من الليلة القابلة، انطلق هو وهند بن أبي هالة حتى دخلا على رسول الله (ص) في الغار، فأمر رسول الله (ص) هندا أن يبتاع له ولصاحبه بعيرين. فقال أبو بكر: قد كنت أعددت لي ولك يا نبي الله راحلتين نرتحلهما إلى يثرب، فقال: إني لا آخذهما ولا أحدهما إلا بالثمن، قال: فهي لك بذلك، فأمر رسول الله (ص) عليا فأقبضه الثمن. ثم وصاه بحفظ ذمته وأداء أمانته، فكانت قريش تدعو محمدا (ص) في الجاهلية الأمين، وكانت تستودعه وتستحفظه أموالها وأمتعتها، وكذلك من يقدم مكة من العرب في الموسم، وجاءته النبوة والرسالة والأمر كذلك. فأمر عليا (ع) أن يقيم صارخا يهتف بالأبطح غدوة وعشيا: من كان له قبل محمد (ص) أمانة أو وديعة فليأت فلنؤد إليه أمانته. قال: فقال (ص): إنهم لن يصلوا من الآن إليك يا علي بأمر تكرهه حتى تقدم علي: فأد أمانتي على أعين الناس ظاهرا، ثم إني مستخلفك على فاطمة ابنتي، ومستخلف ربي عليكما، ومستحفظه فيكما، فأمره أن يبتاع رواحل له، وللفواطم، ومن أزمع الهجرة معه من بني هاشم. قال أبو عبيدة: فقلت لعبيد الله، يعني ابن أبي رافع: أو كان رسول الله (ص) يجد ما ينفقه هكذا؟ فقال: إني سألت أبي عما سألتني، وكان يحدث لي هذا الحديث فقال: وأين يذهب بك عن مال خديجة (ع) قال: إن رسول الله (ص) قال: ما نفعني قط ما نفعني مال خديجة (ع). وكان رسول الله (ص) يفك في مالها الغارم والعاني ويحمل الكل، ويعطي في النائبة، ويرفد فقراء أصحابه إذ كان بمكة، ويحمل من أراد منهم الهجرة، معه وكانت قريش إذا رحلت عيرها في الرحلتين، يعني رحلة الشتاء والصيف، كانت طائفة من العير لخديجة، وكانت أكثر قريش مالا، وكان (ص) ينفق منه ما شاء في حياتها ثم ورثها هو وولدها. قال: وقال رسول الله (ص) لعلي (ع) وهو يوصيه: وإذا أبرمت ما أمرتك من أمر، فكن على أهبة الهجرة إلى الله ورسوله، وسر إلي لقدوم كتابي إليك ولا تلبث. وانطلق رسول الله (ص) لوجهه يؤم المدينة، وكان مقامه في الغار ثلثا، ومبيت علي (ع) على الفراش أول ليلة. قال عبيد الله بن أبي رافع: وقد قال علي بن أبي طالب (ع) يذكر مبيته على الفراش ومقام رسول الله (ص) في الغار:
وقيت بنفس خير من وطئ الحصا ... و من طاف بالبيت العتيق وبالحجر
محمد لما خاف أن يمكروا به ... فوقاه ربي ذو الجلال من المكر
و بت أراعيهم متى يأسرونني ... و قد وطنت نفسي على القتل والأسر
و بات رسول الله في الغار آمنا ... هناك وفي حفظ الإله وفي ستر
أقام ثلثا ثم زمت قلائص ... قلائص يفرين الحصا أينما يفري
و لما ورد رسول الله (ص) المدينة نزل في بني عمرو بن عوف بقباء، فأراده أبو بكر على دخوله المدينة، وألاصه في ذلك، فقال: ما أنا بداخلها حتى يقدم ابن عمي وابنتي يعني عليا وفاطمة. قالا: قال أبو اليقظان فحدثنا رسول الله (ص)، ونحن معه بقبا، عما أرادت قريش من المكر به، ومبيت علي (ع) على فراشه، قال: أوحى الله عز وجل إلى جبرائيل وميكائيل (ع) أني قد آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر صاحبه، فأيكما يؤثر أخاه؟ وكلاهما كرها الموت، فأوحى الله إليهما عبداي ألا كنتما مثل وليي علي آخيت بينه وبين محمد نبيي، فآثره بالحياة على نفسه؟ ثم ظل، أو قال: رقد على فراشه يقيه بنفسه إهبطا إلى الأرض جميعا فاحفظاه من عدوه. فهبط جبرئيل فجلس عند رأسه، وميكائيل عند رجليه، وجعل جبرئيل يقول: بخ بخ من مثلك يا ابن أبي طالب؟! والله عز وجل يباهي بك الملائكة. قال: فأنزل الله عز وجل في علي (ع) وما كان من مبيته على فراش رسول الله (ص) {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤف بالعباد}. قال أبو عبيدة: قال أبي: وابن أبي رافع: ثم كتب رسول الله (ص) إلى علي بن أبي طالب (ع) كتابا يأمره بالمسير إليه، وقلة التلوم وكان الرسول إليه أبا واقد الليثي فلما أتاه كتاب رسول الله (ص) تهيئا للخروج والهجرة، فآذن من كان معه من ضعفاء المؤمنين، فأمرهم أن يتسللوا ويتخففوا إذا ملأ الليل بطن كل واد إلى ذي طوى، وخرج علي بفاطمة بنت رسول الله (ص)، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم، وفاطمة بنت الزبير بن عبد المطلب، وقد قيل: هي ضباعة، وتبعهم أيمن بن أم أيمن مولى رسول الله (ص)، وأبو واقد رسول الله (ص) فجعل يسوق بالرواحل فاعنف بهم. فقال علي (ع): إرفق بالنسوة أبا واقد، إنهن من الضعائف، قال: إني أخاف أن يدركنا الطالب، أو قال: الطلب، فقال علي (ع) أربع عليك فإن رسول الله (ص) قال لي: يا علي إنهم لن يصلوا من الآن إليك بأمر تكرهه. ثم جعل- يعني عليا (ع)- يسوق بهن سوقا رفيقا وهو يرتجز ويقول:
ليس إلا الله فارفع ظنكا ... يكفيك رب الناس ما أهمكا
و سار فلما شارف ضجنان أدركه الطلب سبع فوارس من قريش مستلئمين وثامنهم مولى الحرب بن أمية يدعى جناحا، فأقبل علي (ع) على أيمن وأبي واقد وقد تراءى القوم فقال لهم: أنيخا الإبل وأعقلاها، وتقدم حتى أنزل النسوة ودنا القوم، فاستقبلهم علي (ع) منتضيا سيفه، فأقبلوا عليه فقالوا: ظننت أنك يا غدار ناج بالنسوة، إرجع لا أبا لك، قال: فإن لم أفعل؟ قالوا: لترجعن راغما، أو لنرجعن بأكبرك سعرا وأهون بك من هالك. ودنا الفوارس من النسوة والمطايا ليثوروها، فحال علي (ع) بينهم وبينها، فأهوى إليه جناح بسيفه، فراغ علي (ع) عن ضربته، وتختله علي (ع) فضربه على عاتقه، فأسرع السيف مضيا فيه حتى مس كاثبة فرسه. وكان علي (ع) يشتد على قدميه شد الفرس أو الفارس على فرسه، فشد عليهم بسيفه وهو يقول:
خلوا سبيل الجاهد المجاهد ... آليت لا أعبد غير الواحد
فتصدع القوم عنه فقالوا له: أغن عنا نفسك يا ابن أبي طالب، قال: فإني منطلق إلى ابن عمي رسول الله (ص) بيثرب فمن سره أن أفري لحمه، أو أهريق دمه فليتبعني أو فليدن مني. ثم أقبل على صاحبيه أيمن وأبي واقد، فقال لهما: أطلقا مطاياكما، ثم سار ظاهرا قاهرا حتى نزل ضجنان فتلوم بها قدر يومه وليلته، ولحق به نفر من المؤمنين المستضعفين وفيهم أم أيمن مولاة رسول الله (ص) فصلى ليلته تلك هو والفواطم: أمه فاطمة بنت أسد رضي الله عنها، وفاطمة بنت رسول الله (ص)، وفاطمة بنت الزبير يصلون ليلتهم، ويذكرون قياما وقعودا وعلى جنوبهم فلم يزالوا كذلك حتى طلع الفجر فصلى (ع) بهم صلاة الفجر. ثم سار لوجهه، فجعل وهم يصنعون ذلك منزلا بعد منزل يعبدون الله عز وجل ويرغبون إليه كذلك حتى قدم المدينة. وقد نزل الوحي بما كان من شأنهم قبل قدومهم. {الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا} إلى قوله تعالى: {فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى} الذكر علي (ع)، والأنثى فاطمة (ع) بعضكم من بعض يقول: علي من فاطمة أو قال: الفواطم، وهن من علي {فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب}. وتلا (ص): {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤف بالعباد} قال: وقال له: يا علي أنت أول هذه الأمة إيمانا بالله ورسوله، وأولهم هجرة إلى الله ورسوله، وآخرهم عهدا برسوله، لا يحبك والذي نفسي بيده إلا مؤمن قد امتحن الله قلبه للايمان، ولا يبغضك إلا منافق أو كافر.
--------------
الأأمالي للطوسي ص 464, البرهان ج 2 ص 671, حلية الأبرار ج 1 ص 139, بحار الأنوار ج 19 ص 57
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الإسلامية