الخصال, أبي عن علي عن أبيه عن ابن أبي نجران عن عاصم بن حميد عن محمد بن قيس عن أبي جعفر (ع) قال بينا أمير المؤمنين (ع) في الرهبة والناس عليه متراكمون فمن بين مستفت ومن بين مستعد إذ قام إليه رجل فقال السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته فنظر إليه أمير المؤمنين (ع) بعينيه هاتيك العظيمتين ثم قال وعليك السلام ورحمة الله وبركاته من أنت فقال أنا رجل من رعيتك وأهل بلادك قال ما أنت من رعيتي ولا من أهل بلادي ولو سلمت علي يوما واحدا ما خفيت علي فقال الأمان يا أمير المؤمنين فقال أمير المؤمنين (ع) هل أحدثت في مصري هذا حدثا منذ دخلته قال لا قال فلعلك من رجال الحرب قال نعم قال إذا وضعت الحرب أوزارها فلا بأس قال أنا رجل بعثني إليك معاوية متغفلا لك أسألك عن شيء بعث فيه ابن الأصفر وقال له إن كنت أحق بهذا الأمر والخليفة بعد محمد ص فأجبني عما أسألك فإنك إذا فعلت ذلك اتبعتك وبعثت إليك بالجائزة فلم يكن عنده جواب وقد أقلقه ذلك فبعثني إليك لأسألك عنها فقال أمير المؤمنين (ع) قاتل الله ابن آكلة الأكباد ما أضله وأعماه ومن معه والله لقد أعتق جارية فما أحسن أن يتزوج بها حكم الله بيني وبين هذه الأمة قطعوا رحمي وأضاعوا أيامي ودفعوا حقي وصغروا عظيم منزلتي وأجمعوا على منازعتي علي بالحسن والحسين ومحمد فأحضروا فقال يا شامي هذان ابنا رسول الله وهذا ابني فاسأل أيهم أحببت فقال أسأل ذا الوفرة يعني الحسن (ع) وكان صبيا فقال له الحسن (ع) سلني عما بدا لك فقال الشامي كم بين الحق والباطل وكم بين السماء والأرض وكم بين المشرق والمغرب وما قوس قزح وما العين التي تأوي إليها أرواح المشركين وما العين التي تأوي إليها أرواح المؤمنين وما المؤنث وما عشرة أشياء بعضها أشد من بعض فقال الحسن بن علي (ع) بين الحق والباطل أربع أصابع فما رأيته بعينك فهو الحق وقد تسمع بأذنيك باطلا كثيرا قال الشامي صدقت قال وبين السماء والأرض دعوة المظلوم ومد البصر فمن قال لك غير هذا فكذبه قال صدقت يا ابن رسول الله قال وبين المشرق والمغرب مسيرة يوم للشمس تنظر إليها حين تطلع من مشرقها وحين تغيب في مغربها قال الشامي صدقت فما قوس قزح قال ويحك لا تقل قوس قزح فإن قزح اسم شيطان وهو قوس الله وعلامة الخصب وأمان لأهل الأرض من الغرق وأما العين التي تأوي إليها أرواح المشركين فهي عين يقال لها برهوت وأما العين التي تأوي إليها أرواح المؤمنين فهي عين يقال لها سلمى وأما المؤنث فهو الذي لا يدرى أ ذكر هو أو أنثى فإنه ينتظر به فإن كان ذكرا احتلم وإن كانت أنثى حاضت وبدا ثديها وإلا قيل له بل على الحائط فإن أصاب بوله الحائط فهو ذكر وإن انتكص بوله كما ينتكص بول البعير فهي امرأة وأما عشرة أشياء بعضها أشد من بعض فأشد شيء خلقه الله عز وجل الحجر وأشد من الحجر الحديد يقطع به الحجر وأشد من الحديد النار تذيب الحديد وأشد من النار الماء يطفئ النار وأشد من الماء السحاب يحمل الماء وأشد من السحاب الريح يحمل السحاب وأشد من الريح الملك الذي يرسلها وأشد من الملك ملك الموت الذي يميت الملك وأشد من ملك الموت الموت الذي يميت ملك الموت وأشد من الموت أمر الله رب العالمين الذي يميت الموت فقال الشامي أشهد أنك ابن رسول الله حقا وأن عليا أولى بالأمر من معاوية ثم كتب هذه الجوابات وذهب بها إلى معاوية فبعثها معاوية إلى ابن الأصفر فكتب إليه ابن الأصفر يا معاوية لم تكلمني بغير كلامك وتجيبني بغير جوابك أقسم بالمسيح ما هذا جوابك وما هو إلا من معدن النبوة وموضع الرسالة وأما أنت فلو سألتني درهما ما أعطيتك .
----------------
بحار الانوار ج10 ص129, الاحتجاج ج1 ص267, تحف العقول ص228, الخصال ج2 ص440, روضة الواعظين ج1 ص45
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية
جواب الامام الحسن (ع) لاسئلة ملك الروم وفشل يزيد لعنه الله .
تفسير القمي, الحسين بن عبد الله السكيني عن أبي سعيد البجلي عن عبد الملك بن هارون عن أبي عبد الله عن آبائه (ع) قال لما بلغ ملك الروم أمر أمير المؤمنين (ع) ومعاوية وأخبر أن رجلين قد خرجا يطلبان الملك فسأل من أين خرجا فقيل له رجل بالكوفة ورجل بالشام فأمر الملك وزراءه فقال تخللوا هل تصيبون من تجار العرب من يصفهما لي فأتي برجلين من تجار الشام ورجلين من تجار مكة فسألهم من صفتهما فوصفوهما له ثم قال لخزان بيوت خزائنه أخرجوا إلي الأصنام فأخرجوها فنظر إليها فقال الشامي ضال والكوفي هاد ثم كتب إلى معاوية أن ابعث إلي أعلم أهل بيتك وكتب إلى أمير المؤمنين (ع) أن ابعث إلي أعلم أهل بيتك فأسمع منهما ثم أنظر في الإنجيل كتابنا ثم أخبركما من أحق بهذا الأمر وخشي على ملكه فبعث معاوية يزيد ابنه وبعث أمير المؤمنين (ع) الحسن (ع) ابنه فلما دخل يزيد على الملك أخذ بيده فقبلها ثم قبل رأسه ثم دخل عليه الحسن بن علي صلوات الله عليهما فقال الحمد لله الذي لم يجعلني يهوديا ولا نصرانيا ولا مجوسيا ولا عابد الشمس والقمر ولا الصنم والبقر وجعلني حنيفا مسلما ولم يجعلني من المشركين تبارك الله رب العرش العظيم {و الحمد لله رب العالمين} ثم جلس لا يرفع بصره فلما نظر ملك الروم إلى الرجلين أخرجهما ثم فرق بينهما ثم بعث إلى يزيد فأحضره ثم أخرج من خزائنه ثلاثمائة وثلاثة عشر صندوقا فيها تماثيل الأنبياء وقد زينت بزينة كل نبي مرسل فأخرج صنما فعرضه على يزيد فلم يعرفه ثم عرضه عليه صنما صنما فلا يعرف منها شيئا ولا يجيب منها بشيء ثم سأله عن أرزاق الخلائق وعن أرواح المؤمنين أين تجتمع وعن أرواح الكفار أين تكون إذا ماتوا فلم يعرف من ذلك شيئا ثم دعا الحسن بن علي (ع) فقال إنما بدأت بيزيد بن معاوية كي يعلم أنك تعلم ما لا يعلم ويعلم أبوك ما لا يعلم أبوه فقد وصف أبوك وأبوه فنظرت في الإنجيل فرأيت فيه محمدا رسول الله ص والوزير عليا ونظرت في الأوصياء فرأيت فيها أباك وصي محمد فقال له الحسن (ع) سلني عما بدا لك مما تجده في الإنجيل وعما في التوراة وعما في القرآن أخبرك به إن شاء الله تعالى فدعا الملك بالأصنام فأول صنم عرض عليه في صفة القمر فقال الحسن (ع) فهذه صفة آدم أبو البشر ثم عرض عليه آخر في صفة الشمس فقال الحسن (ع) هذه صفة حواء أم البشر ثم عرض عليه آخر في صفة حسنة فقال هذه صفة شيث بن آدم وكان أول من بعث وبلغ عمره في الدنيا ألف سنة وأربعين عاما ثم عرض عليه صنم آخر فقال هذه صفة نوح صاحب السفينة وكان عمره ألفا وأربعمائة سنة ولبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما ثم عرض عليه صنم آخر فقال هذه صفة إبراهيم عريض الصدر طويل الجبهة ثم أخرج إليه صنم آخر فقال هذه صفة إسرائيل وهو يعقوب ثم أخرج إليه صنم آخر فقال هذه صفة إسماعيل ثم أخرج إليه صنم آخر فقال هذه صفة يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ثم أخرج صنم آخر فقال هذه صفة موسى بن عمران وكان عمره مائتين وأربعين سنة وكان بينه وبين إبراهيم خمسمائة عام ثم أخرج إليه صنم آخر فقال هذه صفة داود صاحب الحرب ثم أخرج إليه صنم آخر فقال
هذه صفة شعيب ثم زكريا ثم يحيى ثم عيسى ابن مريم روح الله وكلمته وكان عمره في الدنيا ثلاث وثلاثون سنة ثم رفعه الله إلى السماء ويهبط إلى الأرض بدمشق وهو الذي يقتل الدجال ثم عرض عليه صنم صنم فيخبر باسم نبي نبي ثم عرض عليه الأوصياء والوزراء فكان يخبرهم باسم وصي وصي ووزير وزير ثم عرض عليه أصنام بصفة الملوك فقال الحسن (ع) هذه أصنام لم نجد صفتها في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في القرآن فلعلها من صفة الملوك فقال الملك أشهد عليكم يا أهل بيت محمد أنكم قد أعطيتم علم الأولين والآخرين وعلم التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وألواح موسى ثم عرض عليه صنم يلوح فلما نظر إليه بكى بكاء شديدا فقال له الملك ما يبكيك فقال هذه صفة جدي محمد ص كث اللحية عريض الصدر طويل العنق عريض الجبهة أقنى الأنف أفلج الأسنان حسن الوجه قطط الشعر طيب الريح حسن الكلام فصيح اللسان كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر بلغ عمره ثلاثا وستين سنة ولم يخلف بعده إلا خاتم مكتوب عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله وكان يتختم في يمينه وخلف سيفه ذو الفقار وقضيبه وجبة صوف وكساء صوف كان يتسرول به لم يقطعه ولم يخطه حتى لحق بالله فقال الملك إنا نجد في الإنجيل أنه يكون له ما يتصدق على سبطيه فهل كان ذلك فقال له الحسن (ع) قد كان ذلك فقال الملك فبقي لكم ذلك فقال لا فقال الملك لهذه أول فتنة هذه الأمة عليها ثم على ملك نبيكم واختيارهم على ذرية نبيهم منكم القائم بالحق الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر قال ثم سأل الملك الحسن (ع) عن سبعة أشياء خلقها الله لم تركض في رحم فقال الحسن (ع) أول هذا آدم ثم حواء ثم كبش إبراهيم ثم ناقة صالح ثم إبليس الملعون ثم الحية ثم الغراب التي ذكرها الله في القرآن ثم سأله عن أرزاق الخلائق فقال الحسن (ع) أرزاق الخلائق في السماء الرابعة تنزل بقدر وتبسط بقدر ثم سأله عن أرواح المؤمنين أين يكونون إذا ماتوا قال تجتمع عند صخرة بيت المقدس في كل ليلة الجمعة وهو عرش الله الأدنى منها يبسط الله الأرض وإليه يطويها ومنها المحشر ومنها استوى ربنا إلى السماء والملائكة ثم سأله عن أرواح الكفار أين تجتمع قال تجتمع في وادي حضرموت وراء مدينة اليمن ثم يبعث الله نارا من المشرق ونارا من المغرب ويتبعهما بريحين شديدتين فيحشر الناس عند صخرة بيت المقدس فيحشر أهل الجنة عن يمين الصخرة ويزلف المتقين ويصير جهنم عن يسار الصخرة في تخوم الأرضين السابعة وفيها الفلق والسجين فيعرف الخلائق من عند الصخرة فمن وجبت له الجنة دخلها ومن وجبت له النار دخلها وذلك قوله {فريق في الجنة وفريق في السعير} فلما أخبر الحسن (ع) بصفة ما عرض عليه من الأصنام وتفسير ما سأله التفت الملك إلى يزيد بن معاوية وقال أ شعرت أن ذلك علم لا يعلمه إلا نبي مرسل أو وصي موازر قد أكرمه الله بموازرة نبيه أو عترة نبي مصطفى وغيره المعادي فقد طبع الله على قلبه وآثر دنياه على آخرته أو هواه على دينه وهو من الظالمين قال فسكت يزيد وخمد قال فأحسن الملك جائزة الحسن (ع) وأكرمه وقال له ادع ربك حتى يرزقني دين نبيك فإن حلاوة الملك قد حالت بيني وبين ذلك وأظنه شقاء مرديا وعذابا أليما قال فرجع يزيد إلى معاوية وكتب إليه الملك أنه يقال من آتاه الله العلم بعد نبيكم وحكم بالتوراة وما فيها والإنجيل وما فيه والزبور وما فيه والفرقان وما فيه فالحق والخلافة له وكتب إلى علي بن أبي طالب (ع) أن الحق والخلافة لك وبيت النبوة فيك وفي ولدك فقاتل من قاتلك يعذبه الله بيدك ثم يخلده الله نار جهنم فإن من قاتلك نجده في الإنجيل أن عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين وعليه لعنة أهل السماوات والأرضين.
------------------
بحار الانوار ج10 ص132, تفسير القمي ج2 ص270
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية
رسالة الحسن البصري الى الامام الحسن (ع) واحتجاج الامام عليه .
العدد القوية, كتب الحسن البصري إلى الحسن بن علي (ع) أما بعد فأنتم أهل بيت النبوة ومعدن الحكمة وإن الله جعلكم الفلك الجارية في اللجج الغامرة يلجأ إليكم اللاجئ ويعتصم بحبلكم الغالي من اقتدى بكم اهتدى ونجا ومن تخلف عنكم هلك وغوى وإني كتبت إليك عند الحيرة واختلاف الأمة في القدر فتفضي إلينا ما أفضاه الله إليكم أهل البيت فنأخذ به فكتب إليه الحسن بن علي (ع) أما بعد فإنا أهل بيت كما ذكرت عند الله وعند أوليائه فأما عندك وعند أصحابك فلو كنا كما ذكرت ما تقدمتمونا ولا استبدلتم بنا غيرنا ولعمري لقد ضرب الله مثلكم في كتابه حيث يقول {أ تستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير} هذا لأوليائك فيما سألوا ولكم فيما استبدلتم ولو لا ما أريد من الاحتجاج عليك وعلى أصحابك ما كتبت إليك بشيء مما نحن عليه ولئن وصل كتابي إليك لتجدن الحجة عليك وعلى أصحابك مؤكدة حيث يقول الله عز وجل{ أ فمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون} فاتبع ما كتبت إليك في القدر فإنه من لم يؤمن بالقدر خيره وشره فقد كفر ومن حمل المعاصي على الله فقد فجر إن الله عز وجل لا يطاع بإكراه ولا يعصى بغلبة ولا يهمل العباد من الملكة ولكنه المالك لما ملكهم والقادر على ما أقدرهم فإن ائتمروا بالطاعة لن يكون عنها صادا مثبطا وإن ائتمروا بالمعصية فشاء أن يحول بينهم وبين ما ائتمروا به فعل وإن لم يفعل فليس هو حملهم عليها ولا كلفهم إياها جبرا بل تمكينه إياهم وعذاره إليهم طرقهم ومكنهم فجعل لهم السبيل إلى أخذ ما أمرهم به وترك ما نهاهم عنه ووضع التكليف عن أهل النقصان والزمانة والسلام.
-----------------
بحار الانوار ج10 ص136, العدد القوية ص33
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية
جواب الامام الحسين (ع) لاسئلة ملك الروم
تحف العقول, جوابه (ع) عن مسائل سأله عنها ملك الروم حين وفد إليه ويزيد بن معاوية في خبر طويل اختصرنا منه موضع الحاجة سأله عن المجرة وعن سبعة أشياء خلقها الله لم تخلق في رحم فضحك الحسين (ع) فقال له ما أضحكك قال لأنك سألتني عن أشياء ما هي من منتهى العلم إلا كالقذى في عرض البحر أما المجرة فهي قوس الله وسبعة أشياء لم تخلق في رحم فأولها آدم ثم حواء والغراب وكبش إبراهيم وناقة الله وعصا موسى والطير الذي خلقه عيسى ابن مريم ثم سأله عن أرزاق الخلائق فقال أرزاق العباد في السماء الرابعة ينزلها الله بقدر ويبسطها بقدر ثم سأله عن أرواح المؤمنين أين تجتمع قال تجتمع تحت صخرة بيت المقدس ليلة الجمعة وهو عرش الله الأدنى منها بسط الأرض وإليها يطويها ومنها استوى إلى السماء وأما أرواح الكفار فتجتمع في دار الدنيا في حضرموت وراء مدينة اليمن ثم يبعث الله نارا من المشرق ونارا من المغرب بينهما ريحان فيحشران الناس إلى تلك الصخرة في بيت المقدس فتحبس في يمين الصخرة وتزلف الجنة للمتقين وجهنم في يسار الصخرة في تخوم الأرضين وفيها الفلق وسجين فتفرق الخلائق من عند الصخرة في بيت المقدس فمن وجبت له الجنة دخلها من عند الصخرة ومن وجبت له النار دخلها من عند الصخرة
أقول الظاهر أن هذا الخبر مختصر من الخبر السابق وإنما اشتبه اسم أحد السبطين بالآخر صلوات الله عليهما وإن أمكن صدوره منهما جميعا.
----------------
بحار الانوار ج10 ص137, تحف العقول ص242
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية.
خطبة الامام الحسن (ع) واحتجاجه على الناس لما اجمع على صلح معاوية لعنه الله .
الأمالي للشيخ الطوسي, جماعة عن أبي المفضل عن ابن عقدة عن محمد بن المفضل بن إبراهيم بن قيس الأشعري عن علي بن حسان عن عبد الرحمن بن كثير عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده علي بن الحسين (ع) قال لما أجمع الحسن بن علي (ع) على صلح معاوية خرج حتى لقيه فلما اجتمعا قام معاوية خطيبا فصعد المنبر وأمر الحسن (ع) أن يقوم أسفل منه بدرجة ثم تكلم معاوية فقال أيها الناس هذا الحسن بن علي وابن فاطمة رآنا للخلافة أهلا ولم ير نفسه لها أهلا وقد أتانا ليبايع طوعا ثم قال قم يا حسن فقام الحسن (ع) فخطب فقال الحمد لله المستحمد بالآلاء وتتابع النعماء وصارف الشدائد والبلاء عند الفهماء وغير الفهماء المذعنين من عباده لامتناعه بجلاله وكبريائه وعلوه عن لحوق الأوهام ببقائه المرتفع عن كنه طيات المخلوقين من أن تحيط بمكنون غيبه رويات عقول الراءين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده في ربوبيته ووجوده ووحدانيته صمدا لا شريك له فردا لا ظهير له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اصطفاه وانتجبه وارتضاه وبعثه داعيا إلى الحق سراجا منيرا وللعباد مما يخافون نذيرا ولما يأملون بشيرا فنصح للأمة وصدع بالرسالة وأبان لهم درجات العمالة شهادة عليها أمات وأحشر وبها في الآجلة أقرب وأحبر وأقول معشر الخلائق فاسمعوا ولكم أفئدة وأسماع فعوا إنا أهل بيت أكرمنا الله بالإسلام واختارنا واصطفانا واجتبانا فأذهب عنا الرجس وطهرنا تطهيرا والرجس هو الشك فلا نشك في الله الحق ودينه أبدا وطهرنا من كل أفن وغية مخلصين إلى آدم نعمة منه لم يفترق الناس قط فرقتين إلا جعلنا الله في خيرهما فأدت الأمور وأفضت الدهور إلى أن بعث الله محمدا ص للنبوة واختاره للرسالة وأنزل عليه كتابا ثم أمره بالدعاء إلى الله عز وجل فكان أبي (ع) أول من استجاب لله تعالى ولرسوله ص وأول من آمن وصدق الله ورسوله وقد قال الله تعالى في كتابه المنزل على نبيه المرسل{ أ فمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه} فرسول الله الذي على بينة من ربه وأبي الذي يتلوه وهو شاهد منه وقد قال له رسوله ص حين أمره أن يسير إلى مكة والموسم ببراءة سر بها يا علي فإني أمرت أن لا يسير بها إلا أنا أو رجل مني وأنت هو فعلي من رسول الله ورسول الله منه وقال له النبي حين قضى بينه وبين أخيه جعفر بن أبي طالب ومولاه زيد بن حارثة في ابنة حمزة أما أنت يا علي فمني وأنا منك وأنت ولي كل مؤمن من بعدي فصدق أبي رسول الله ص سابقا ووقاه بنفسه ثم لم يزل رسول الله في كل موطن يقدمه ولكل شديد يرسله ثقة منه به وطمأنينة إليه لعلمه بنصيحة الله ورسوله وأنه أقرب المقربين من الله ورسوله وقد قال الله عز وجل{ السابقون السابقون أولئك المقربون} فكان أبي سابق السابقين إلى الله تعالى وإلى رسوله ص وأقرب الأقربين وقد قال الله تعالى {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة} فأبي كان أولهم إسلاما وإيمانا وأولهم إلى الله ورسوله هجرة ولحوقا وأولهم على وجده ووسعه نفقة قال سبحانه{ والذين جاؤ من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤف رحيم} فالناس من جميع الأمم يستغفرون له بسبقه إياهم إلى الإيمان بنبيه ص وذلك أنه لم يسبقه إلى الإيمان به أحد وقد قال الله تعالى{ والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان} فهو سابق جميع السابقين فكما أن الله عز وجل فضل السابقين على المتخلفين والمتأخرين فكذلك فضل سابق السابقين على السابقين وقد قال الله{ أ جعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر} وجاهد في سبيل الله فهو المجاهد في سبيل الله حقا وفيه نزلت هذه الآية وكان ممن استجاب لرسول الله ص عمه حمزة وجعفر ابن عمه فقتلا شهيدين رضي الله عنهما في قتلى كثيرة معهما من أصحاب رسول الله ص فجعل الله تعالى حمزة سيد الشهداء من بينهم وجعل لجعفر جناحين يطير بهما مع الملائكة كيف يشاء من بينهم وذلك لمكانهما من رسول الله ص ومنزلتهما وقرابتهما منه وصلى رسول الله ص على حمزة سبعين صلاة من بين الشهداء الذين استشهدوا معه وكذلك جعل الله تعالى لنساء النبي ص للمحسنة منهن أجرين وللمسيئة منهن وزرين ضعفين لمكانهن من رسول الله ص وجعل الصلاة في مسجد رسول الله ص بألف صلاة في سائر المساجد إلا مسجد الحرام مسجد خليله إبراهيم (ع) بمكة وذلك لمكان رسول الله ص من ربه وفرض الله عز وجل الصلاة على نبيه ص على كافة المؤمنين فقالوا يا رسول الله كيف الصلاة عليك فقال قولوا اللهم صل على محمد وآل محمد فحق على كل مسلم أن يصلي علينا مع الصلاة على النبي ص فريضة واجبة وأحل الله تعالى خمس الغنيمة لرسوله ص وأوجبها له في كتابه وأوجب لنا من ذلك ما أوجب له وحرم عليه الصدقة وحرمها علينا معه فأدخلنا وله الحمد فيما أدخل فيه نبيه ص وأخرجنا ونزهنا مما أخرجه منه ونزهه عنه كرامة أكرمنا الله عز وجل بها وفضيلة فضلنا بها على سائر العباد فقال الله تعالى لمحمد ص حين جحده كفرة أهل الكتاب وحاجوه {فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين} فأخرج رسول الله ص من الأنفس معه أبي ومن البنين أنا وأخي ومن النساء أمي فاطمة من الناس جميعا فنحن أهله ولحمه ودمه ونفسه ونحن منه وهو منا وقد قال الله تعالى {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} فلما نزلت آية التطهير جمعنا رسول الله ص أنا وأخي وأمي وأبي فجللنا ونفسه في كساء لأم سلمة خيبري وذلك في حجرتها وفي يومها فقال اللهم هؤلاء أهل بيتي وهؤلاء أهلي وعترتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا فقالت أم سلمة رضي الله عنها أدخل معهم يا رسول الله قال لها رسول الله ص يرحمك الله أنت على خير وإلى خير وما أرضاني عنك ولكنها خاصة لي ولهم ثم مكث رسول الله ص بعد ذلك بقية عمره حتى قبضه الله إليه يأتينا في كل يوم عند طلوع الفجر فيقول الصلاة يرحمكم الله {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} وأمر رسول الله ص بسد الأبواب الشارعة في مسجده غير بابنا فكلموه في ذلك فقال أما إني لم أسد أبوابكم ولم أفتح باب علي من تلقاء نفسي ولكني أتبع ما يوحى إلي وإن الله أمر بسدها وفتح بابه فلم يكن من بعد ذلك أحد تصيبه جنابة في مسجد رسول الله ص ويولد فيه الأولاد غير رسول الله ص وأبي علي بن أبي طالب (ع) تكرمة من الله تبارك وتعالى لنا وفضلا اختصنا به على جميع الناس وهذا باب أبي قرين باب رسول الله ص في مسجده ومنزلنا بين منازل رسول الله ص وذلك أن الله أمر نبيه ص أن يبني مسجده فبنى فيه عشرة أبيات تسعة لبنيه وأزواجه وعاشرها وهو متوسطها لأبي وها هو بسبيل مقيم والبيت هو المسجد المطهر وهو الذي قال الله تعالى أهل البيت فنحن أهل البيت ونحن الذين أذهب الله عنا الرجس وطهرنا تطهيرا أيها الناس إني لو قمت حولا فحولا أذكر الذي أعطانا الله عز وجل وخصنا به من الفضل في كتابه وعلى لسان نبيه ص لم أحصه وأنا ابن النبي النذير البشير والسراج المنير الذي جعله الله رحمة للعالمين وأبي علي (ع) ولي المؤمنين وشبيه هارون وإن معاوية بن صخر زعم أني رأيته للخلافة أهلا ولم أر نفسي لها أهلا فكذب معاوية وايم الله لأنا أولى الناس بالناس في كتاب الله وعلى لسان رسول الله ص غير أنا لم نزل أهل البيت مخيفين مظلومين مضطهدين منذ قبض رسول الله فالله بيننا وبين من ظلمنا حقنا ونزل على رقابنا وحمل الناس على أكتافنا ومنعنا سهمنا في كتاب الله من الفيء والغنائم ومنع أمنا فاطمة (ع) إرثها من أبيها إنا لا نسمي أحدا ولكن أقسم بالله قسما تاليا لو أن الناس سمعوا قول الله ورسوله لأعطتهم السماء قطرها والأرض بركتها ولما اختلف في هذه الأمة سيفان ولأكلوها خضراء خضرة إلى يوم القيامة وإذا ما طمعت يا معاوية فيها ولكنها لما أخرجت سالفا من معدنها وزحزحت عن قواعدها تنازعتها قريش بينها وترامتها كترامي الكرة حتى طمعت فيها أنت يا معاوية وأصحابك من بعدك وقد قال رسول الله ص ما ولت أمة أمرها رجلا قط وفيهم من هو أعلم منه إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتى يرجعوا إلى ما تركوا وقد تركت بنو إسرائيل وكانوا أصحاب موسى (ع) هارون أخاه وخليفته ووزيره وعكفوا على العجل وأطاعوا فيه سامريهم وهم يعلمون أنه خليفة موسى (ع) وقد سمعت هذه الأمة رسول الله ص يقول ذلك لأبي إنه مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي وقد رأوا رسول الله ص حين نصبه لهم بغدير خم وسمعوه ونادى له بالولاية ثم أمرهم أن يبلغ الشاهد منهم الغائب وقد خرج رسول الله ص حذرا من قومه إلى الغار لما أجمعوا على أن يمكروا به وهو يدعوهم لما لم يجد عليهم أعوانا ولو وجد عليهم أعوانا لجاهدهم وقد كف أبي يده وناشدهم واستغاث أصحابه فلم يغث ولم ينصر ولو وجد عليهم أعوانا ما أجابهم وقد جعل في سعة كما جعل النبي ص في سعة وقد خذلتني الأمة وبايعتك يا ابن حرب ولو وجدت عليك أعوانا يخلصون ما بايعتك وقد جعل الله عز وجل هارون في سعة حين استضعفوه قومه وعادوه كذلك أنا وأبي في سعة من الله حين تركتنا الأمة وبايعت غيرنا ولم نجد عليه أعوانا وإنما هي السنن والأمثال يتبع بعضها بعضا أيها الناس إنكم لو التمستم بين المشرق والغرب رجلا جده رسول الله ص وأبوه وصي رسول الله لم تجدوا غيري وغير أخي فاتقوا الله ولا تضلوا بعد البيان وكيف بكم وأنى ذلك منكم ألا وإني قد بايعت هذا وأشار بيده إلى معاوية {و إن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين} أيها الناس إنه لا يعاب أحد بترك حقه وإنما يعاب أن يأخذ ما ليس له وكل صواب نافع وكل خطإ ضار لأهله وقد كانت القضية ففهمها سليمان فنفعت سليمان ولم تضر داود (ع) فأما القرابة فقد نفعت المشرك وهي والله للمؤمن أنفع قال رسول الله ص لعمه أبي طالب وهو في الموت قل لا إله إلا الله أشفع لك بها يوم القيامة ولم يكن رسول الله ص يقول له ويعد إلا ما يكون منه على يقين وليس ذلك لأحد من الناس كلهم غير شيخنا أعني أبا طالب يقول الله عز وجل {و ليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك أعتدنا لهم عذابا أليما} أيها الناس اسمعوا وعوا واتقوا الله وراجعوا وهيهات منكم الرجعة إلى الحق وقد صارعكم النكوص وخامركم الطغيان والجحود {أ نلزمكموها وأنتم لها كارهون والسلام على من اتبع الهدى} قال فقال معاوية والله ما نزل الحسن حتى أظلمت علي الأرض وهممت أن أبطش به ثم علمت أن الإغضاء أقرب إلى العافية.
------------------
بحار الانوار ج10 ص138, الامالي للطوسي ص561
تحقيق مركز سيد الشهداء (ع) للبحوث الاسلامية