قيل : لما حضرت معاوية الوفاة قال أقعدوني فأقعد فجلس فقال الآن تذكر ربك يا معاوية بعد الهرم و الانحطاط ألا كان هذا و غصن الشباب نضرة ريان .
و روي أن آخر خطبة خطبها معاوية أن قال : أيها الناس إني من زرع قد استحصد و إني قد وليتكم و لن يليكم أحد بعدي إلا و هو شر مني كما كان من قبلي خيرا مني يا ليتني كنت رجلا من قريش و لم أل من أمر الناس شيئا .
و لما حضر عبد الملك بن مروان الوفاة ; نظر إلى غسال بجانب دمشق يلوي ثوبا بيده ثم يضرب به المغسلة فقال عبد الملك :
و الله ليتني كنت غسالا لآكل كسب يدي يوما بيوم و لم أل من أمر الناس شيئا .
فبلغ ذلك أبا حازم فقال : الحمد لله الذي جعلهم إذا حضرهم الوفاة يتمنون ما نحن فيه .
و قيل لعبد الملك بن مروان في مرضه كيف تجدك يا أمير المؤمنين قال أجدني كما قال الله تعالى وَ لَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ تَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ .
و قالت فاطمة بنت عبد الملك امرأة عمر بن عبد العزيز سمعته يقول في مرضه الذي مات فيه تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَ لا فَساداً وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ثم هدأ فجعلت لا أسمع له حركة و لا كلاما فقلت لوصيف انظر أ هو نائم فنظر إليه فإذا هو ميت .
و قيل له لما حضره الموت اعهد يا أمير المؤمنين قال أحذركم مصرعي هذا فإنه لا بد لكم منه .
و روي أنه لما ثقل عمر بن عبد العزيز دعي إليه طبيب فلما نظر إليه الطبيب قال أرى الرجل قد سقي السم فلا آمن عليه الموت فرفع عمر بصره و قال لا تأمن الموت أيضا على من لم يسق السم و لما قرب موته قال أجلسوني فأجلسوه فقال : أنا الذي أمرتني فقصرت و نهيتني فعصيت .
و حكي عن هارون الرشيد أنه انتقى أكفانه عند الموت بيده و كان ينظر إليها و يقول ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ .
و فرش المأمون رمادا و اضطجع عليه و كان يقول : يا من لا يزول ملكه أرحم على من زال ملكه .
و كان المعتصم يقول عند موته : لو علمت أن عمري هكذا قصير ما فعلت ما فعلت .
و كان المنتصر يضطرب على فراشه عند موته فقيل له لا بأس عليك فقال : ليس إلا هذا ; لقد ذهبت الدنيا و الآخرة .
و قال عمرو بن العاص في الوفاة و قد نظر إلى صناديق في بيته فيها ماله : من يأخذها بما فيها ; و ليتني كنت أبرأ .
و قال الحجاج عند موته : اللهم اغفر لي فإن الخلق مجتمعون على أنك لا تغفر لي .
و قال بعضهم : عند الموت :اللهم إني كنت أخافك و أنا اليوم أرجوك.
و حضر أحدهم الوفاة فبكى فقيل ما يبكيك قال ما أبكي جزعا على الدنيا و لكن عهد إلينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه يكون بلغة أحدكم من الدنيا كزاد راكب .
و لما حضر بعضهم الوفاة غشي عليه ثم فتح عينيه و قال : وا بعد سفري وا قلة زادي .
و بكى بعضهم عند الموت فقيل له ما يبكيك فقال آية في كتاب الله تعالى إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ .
و قيل إن بعض الزهاد لما احتضر و كان يشق عليه الموت فقيل له كأنك تحب الحياة فقال : القدوم على الله شديد .
و قيل لبعضهم أ لا توصي بابنك و عيالك فقال إني لأستحيي من الله أن أوصي بهم إلى غيره .
و احتضر بعضهم فبكت امرأته فقال لها ما يبكيك فقال عليك أبكي فقال إن كنت باكية فابكي على نفسك و لقد بكيت لهذا اليوم أربعين سنة .
و قيل لبعضهم و قد احتضر كيف أصبحت يا عبد الله ? قال : أصبحت من الدنيا راحلا و للإخوان مفارقا و لسوء عملي ملاقيا .