اعلم أن الكبر لا يخلو أحد من الناس عن شيء منه و إزالته واجب و لا يزول بمجرد التمني بل بالمعالجة و استعمال الأدوية القامعة له و في معالجته مقامان أحدهما استيصال أصله من سنخه و قلع شجرته من مغرسه في القلب و الثاني رفع العارض منه بالأسباب الخاصة التي بها يتكبر الإنسان على غيره .
المقام الأول في استيصال أصله و علاجه علمي و عملي و لا يتم الشفاء إلا بمجموعهما أما العلمي فهو أن يعرف نفسه و يعرف ربه و يكفيه ذلك في إزالة الكبر مهما عرف نفسه حق المعرفة علم أنه أذل من كل ذليل و أقل من كل قليل و أنه لا يليق به إلا التواضع و الذلة و إذا عرف ربه علم أنه لا يليق العظمة و الكبرياء إلا بالله أما معرفة ربه و عظمته و جلاله فالقول فيه يطول و أما معرفة نفسه فهي أيضا تطول و لكنا نذكر منه ما ينفع في إثارة التواضع و المذلة و يكفيه أن يعرف معنى آية واحدة من كتاب الله سبحانه فإن القرآن فيه علم الأولين و الآخرين لمن فتحت بصيرته و قد قال الله تعالى قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ فقد أشارت الآية إلى أول خلق الإنسان و إلى آخر أمره و إلى وسطه فلينظر الإنسان ذلك ليفهم معنى هذه الآية أما أول الإنسان فهو أنه لم يكن شيئا مذكورا ثم خلقه الله من أذل الأشياء ثم من أقذرها إذ خلقه من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة ثم جعله عظما ثم كسا العظم لحما فقد كان هذا بداية وجوده حيث صار شيئا مذكورا فما صار مذكورا إلا و هو على أحسن الأوصاف و النعوت إذ لم يخلق في ابتدائه كاملا بل خلقه جمادا ميتا لا يسمع و لا يبصر و لا يحس و لا يتحرك و لا ينطق و لا يبطش و لا يدرك و لا يعلم فبدأ بموته قبل حياته و بضعفه قبل قوته و بجهله قبل علمه و بعماه قبل بصره و بصممه قبل سمعه و ببكمه قبل نطقه و بعجزه قبل قدرته فهذا معنى قوله مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ و معنى قوله تعالى هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ كذلك خلقه أولا ثم امتن عليه فقال ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ و هذه إشارة إلى ما تيسر له في مدة حياته إلى الموت و لذلك قال مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَ إِمَّا كَفُوراً و معناه أنه أحياه بعد أن كان جمادا ميتا ترابا أولا و نطفة ثانيا و أسمعه بعد أن كان أصم و بصره بعد ما كان فاقد البصر و قواه بعد الضعف و علمه بعد الجهل و خلق له الأعضاء بما فيها من العجائب و الآيات بعد الفقد لها و أغناه بعد الفقر و أشبعه بعد الجوع و كساه بعد العري و هداه بعد الضلال فانظر كيف دبره و إلى .
السبيل كيف يسره و إلى طغيان الإنسان ما أكفره و إلى جهل الإنسان كيف أظهره فقال أَ وَ لَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ وَ مِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ إِذا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ فانظر إلى نعمة الله عليه كيف نقله من تلك الذلة و القلة و الخسة و القذارة إلى هذه الرفعة و الكرامة فصار موجودا بعد العدم و حيا بعد الموت و كان من ذاته لا شيء و أي شيء أخس من لا شيء ثم صار بالله شيئا .
و إنما خلقه من التراب الذليل و النطفة القذرة ليعرفه خسة ذاته فيعرف بها نفسه و إنما أكمل النعمة عليه ليعرف بها ربه و يعلم بها عظمته و جلاله و أنه لا يليق الكبرياء إلا به و لذلك امتن عليه فقال أَ لَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَ لِساناً وَ شَفَتَيْنِ وَ هَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ و عرف خسته أولا فقال أَ لَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى ثم كان علقة ثم ذكر منته عليه فقال فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَ الْأُنْثى ليدوم وجوده بالتناسل لما حصل وجوده ابتداء بالاجتماع .
فمن كان هذا بدأه و هذه أحواله فمن أين له البطر و الكبرياء و الفخر و الخيلاء و هو على التحقيق أخس الأخساء و أضعف الضعفاء نعم و لو أكمله و أدام له الوجود لجاز أن يطغى و ينسى المبدأ و المنتهى و لكنه سلط عليه في وجوده الأمراض الهائلة و الأسقام العظيمة و الآفات المختلفة و الطبائع المضادة من المرة و البلغم و الريح و الدم يهدم البعض من أجزائه البعض شاء أم أبى رضي أم سخط فيجوع كرها و يعطش كرها و يمرض كرها و يموت كرها لا يملك لنفسه نفعا و لا ضرا يريد أن يذكر الشيء فينساه و يريد أن ينسى الشيء و يغفل عنه فلا يغفل عنه و ربما يريد الشيء و يكون هلاكه فيه و يكره الشيء و تكون حياته فيه لا يأمن في لحظة من ليله و نهاره أن يسلب سمعه و بصره و تفلج أعضاؤه و يختلس عقله و تخطف روحه فأي شيء أذل منه لو عرف نفسه و أنى يليق الكبر به لو لا جهله فهذا وسط أحواله فليتأمله و أما آخره و مورده فهو الموت المشار إليه بقوله تعالى أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ ومعناه أنه يسلب روحه و سمعه و بصره و قوته و علمه و حسه و إدراكه و حركته فيعود جمادا كما كان أول مرة لا يبقى إلا شكل أعضائه و صورته لا حس فيها و لا حركة ثم يوضع في التراب فيصير جيفة منتنة قذرة كما كان في الأول نطفة مذرة ثم تبلى أعضاؤه و تتفتت أجزاؤه و تنخر عظامه فيصير رميما و رفاتا و يأكل الدود أجزاءه فيبتدي بحدقتيه فيبلعهما و بخديه فيقطعهما و بسائر أجزائه فيصير روثا في أجواف الديدان و يكون جيفة يهرب عنه الحيوان و يستقذره كل إنسان و يهرب منه لشدة الأنتان فأحسن أحواله أن يعود إلى ما كان فيصير ترابا و يصير مفقودا بعد ما كان موجودا و صار كأن لم يغن بالأمس حصيدا كما كان في أول مرة أمدا مديدا و ليته بقي كذلك فما أحسنه لو ترك ترابا بل يحييه بعد طول البلى ليقاسي شدائد البلاء فيخرج من قبره بعد جمع أعضائه و أجزائه المتفرقة و يخرج إلى أهوال القيامة فينظر إلى قيامة قائمة و سماء ممزقة مشققة و أرض مبدلة و جحيم تزفر و جنة ينظر إليها المجرم فيتحسر و يرى صحائف منشورة فيقال له اقرأ كتابك فيقول و ما هو فيقال كان قد وكل بك في حياتك التي تفرح بها و تتكبر بنعيمها و تفتخر بأسبابها ملكان رقيبان يكتبان عليك ما تنطق به أو تعمله من قليل و كثير و نقير و قطمير و أكل و شرب و قيام و قعود قد نسيت ذلك و أحصاه الله فهلم إلى الحساب و استعد للجواب أو تساق إلى دار العذاب فينقطع قلبه فزعا من هول هذا الخطاب قبل أن تنشر الصحيفة و يشاهد ما فيها من مخازيه فإذا شاهدها قال يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة و لا كبيرة إلا أحصاها فهذا آخر أمره و هو قوله تعالى ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ.
فما لمن هذه حاله و للتكبر بل ما له و للفرح في لحظة فضلا عن البطر و التجبر و لو رأى العبد المذنب ما في النار لصعق من وحشة خلقه و قبح صورته و لو وجد رائحته لمات من نتنها و لو وقعت قطرة من شرابه الذي يسقى منه في بحار الدنيا لصارت أنتن من الجيف فمن هذه حاله في العاقبة إلا أن يعفى عنه و هو على شك من العفو فكيف يتكبر و كيف يرى نفسه شيئا حتى يعتقد له فضلا و أي عبد لم يذنب ذنبا يستحق به العقوبة إلا أن يعفو الكريم بفضله .
أ رأيت من جنى على بعض الملوك بما يستحق به ألف سوط فحبس في السجن و هو ينتظر أن يخرج إلى العرض و يقام عليه العقوبة على ملأ من الخلق و ليس يدرى أ يعفى عنه أم لا كيف يكون ذلة في السجن أ فترى أنه يتكبر على من في السجن و ما من عبد مذنب إلا و الدنيا سجنه و قد استحق العقوبة من الله تعالى و لا يدرى كيف يكون أمره فيكفيه ذلك حزنا و خوفا و إشفاقا و مهانة و ذلا فهذا هو العلاج العلمي القالع لأصل الكبر .
و أما العلاج العملي فهو التواضع بالفعل لله و لسائر الخلق بالمواظبة على أخلاق المتواضعين كما وصفناه من أحوال الصالحين .
حتى أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يأكل على الأرض و يقول إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد .
و قيل لسلمان لم لا تلبس ثوبا جيدا فقال إنما أنا عبد فإذا أعتقت يوما لبست أشار به إلى العتق في الآخرة و لا يتم التواضع بعد المعرفة لا بالعمل و لذلك أمرت العرب الذين يتكبرون على الله و رسوله بالإيمان و بالصلاة جميعا و قيل للصلاة عماد الدين و في الصلاة أسرار لأجلها كانت عمادا و من جملة ما فيها من التواضع بالمثول قائما و بالركوع و السجود و قد كانت العرب قديما يأنفون من الانحناء و كان يسقط من يد الواحد سوطه فلا ينحني لأخذه و ينقطع شراك نعله فلا ينكس رأسه لإصلاحه فلما كان السجود عندهم هو منتهى الذلة و الصغار أمروا به لتنكسر بذلك خيلاءهم و يزول كبرهم و يستقر التواضع في قلوبهم و به أمر سائر الخلق فإن الركوع و السجود و المثول قائما هو العمل الذي يقتضيه التواضع و لذلك من عرف نفسه فلينظر إلى ما يتقاضاه الكبر من الأفعال فليواظب على نقيضها حتى يصير التواضع له خلقا فإن القلوب لا تتخلق بالأخلاق المحمودة إلا بالعلم و العمل و مما يمنع الإنسان من الكبر أن يعلم ما سلط عليه من العلل و الأمراض و أنه لو توجع عرق واحد من يديه لصار أعجز من كل عاجز و أذل من كل ذليل و أنه لو سلبه الذباب شيئا لم يقدر أن يستنقذه منه و أن بقة لو دخلت أنفه أو نملة دخلت أذنه لقتلته و إن شوكة لو دخلت رجله لأعجزته و إن حمى يوم تحلل من قوته ما لا ينجبر في مدة فمن لا يطيق شوكة و لا يقاوم بقة و لا يقدر على أن يدفع عن نفسه ذبابة فلا ينبغي أن يفتخر بقوته و لا ينبغي لمن إذا رأى فاسقا أن يتكبر عليه و يقول إن هذا أكثر ذنبا مني إذ ذنوب القلوب من الكبر و الحسد و الرياء و الغل و الوسوسة كل ذلك شديد عند الله فربما جرى عليك في باطنك من خفايا الذنوب ما صرت به ممقوتا عند الله و قد جرى للفاسق من طاعات القلوب من حب الله و إخلاص نية و خوف و تعظيم ما أنت خال عنه و قد كفر ذلك سيئاته فينكشف الغطاء يوم القيامة فتراه فوقك بدرجات و هذا ممكن فإذا تفكرت في هذا كان عندك شغل شاغل عن التكبر و عن أن ترى نفسك فوق غيرك .
و قال بعضهم ما تم عقل عبد حتى يكون فيه عشر خصال فعد تسعة حتى بلغ العاشرة فقال العاشرة و ما العاشرة بها شاد مجده و بها علا ذكره أن يرى الناس كلهم خيرا منه و إنما الناس فرقتان فرقة هي أفضل منه و أرفع و فرقة هي شر منه و أدنى فهو يتواضع للفريقين جميعا بقلبه إن رأى من هو خير منه كسر نفسه و تمنى أن يلحق به و إن رأى من هو شر منه سأل الله تعالى الرحمة لهذا و لنفسه فلا يزال خائفا .
روي أن عابدا من بني إسرائيل كان يأوي إلى جبل فقيل له في النوم ائت فلانا الإسكاف فاسأله أن يدعو لك فأتاه فسأله عن عمله فأخبره أنه يصوم النهار و يكتسب فيتصدق ببعضه و يطعم عياله بعضه فرجع و هو يقول إن هذا لحسن و لكن ليس كالتفرغ لطاعة الله فأتي في المنام ثانيا و قيل له ائت الإسكاف و قل له ما هذا الصفاء بوجهك فأتاه فسأله فقال له ما رأيت أحدا من الناس إلا وقع لي أنه سينجو و أهلك أنا فقال العابد هذه.
و الذي يدل على فضيلة هذه الخصلة قوله تعالى يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَ قُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ .
و قال تعالى إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ.
و قال تعالى إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ .
قد وصف الله تعالى الملائكة مع تقدسهم عن الذنوب و مواظبتهم على العبادة على الدءوب بالإشفاق فقال يسبحون الليل و النهار لا يفترون و إنهم من خشية ربهم مشفقون فمتى زال الإشفاق و الحذر حصل التكبر و هو سبب الهلاك و متى حصل الحذر و الإشفاق في القلب حصل التواضع فإذا ما يفسده العابد بإضمار الكبر و الحسد و الغل و احتقار الخلق و النظر إليهم بعين الاستصغار أكثر مما يصلحه بظاهر الأعمال فهذه معارف بها يزال داء الكبر و الحسد و الغل عن القلب لا غير إلا أن القلب بعد هذه المعرفة قد يضمر التواضع و يدعي البراءة من الكبر و هو كاذب فإذا وقعت الواقعة عاد إلى طبعه و نسي وعده فعند هذا لا ينبغي أن يكتفى في المداواة بمجرد المعرفة بل ينبغي أن يكمل بالعمل و يجرب نفسه بأفعال المتواضعين في مواقع هيجان الكبر من النفس .
و بيانه أن يمتحن النفس بخمس امتحانات الأول أن يناظر في مسألة مع واحد من أقرانه فإن ظهر شيء من الحق على لسان صاحبه و ثقل عليه قبوله و الانقياد له و الاعتراف به و الشكر له على تنبيهه و تعريفه و إخراجه الحق فذلك يدل على أن فيه كبرا دقيقا فليتق الله فيه و يشتغل بعلاجه .
أما من حيث العلم فبأن يذكر نفسه خسة نفسه و خطر عاقبته و إن الكبر لا يليق إلا بالله تعالى و أما بالعمل فبأن يكلف نفسه ما ثقل عليه من الاعتراف بالحق فيطلق اللسان بالحمد و الثناء و يقر على نفسه بالعجز و يشكره على الاستفادة و يقول ما أحسن ما فطنت له و قد كنت غافلا عنه فجزاك الله خيرا عما نبهتني له فالحكمة ضالة المؤمن فإذا وجدها ينبغي أن يشكر من دله عليها فإذا واظب على ذلك مرات متواليةصار ذلك له طبعا و سقط ثقل الحق عن قلبه و طاب له قبوله و مهما ثقل عليه الثناء على أقرانه بما فيهم ففيه كبر و إن كان ذلك لا يثقل عليه في الخلوة و يثقل عليه في الملأ فليس فيه كبر و إنما فيه رياء فليعالج الرياء بما ذكرناه من قطع الطمع عن الناس فإن ثقل عليه في الخلوة و الملأ جميعا ففيه الكبر و الرياء جميعا و لا ينفعه الخلاص من أحدهما ما لم يتخلص من الثاني فليعالج كلا الداءين فإنهما جميعا مهلكان .
الثاني أن يجتمع مع الأقران و الأمثال في المحافل و يقدمهم على نفسه و يمشي خلفهم و يجلس تحتهم فإن ثقل عليه ذلك فهو متكبر فليواظب عليه تكلفا حتى يسقط عنه ثقله فبذلك يزايله الكبر. الثالث أن يجيب دعوة الفقير و يمر إلى السوق في حاجة إخوانه و الأقارب فإن ثقل ذلك عليه فهو كبر فإن هذه الأفعال من مكارم الأخلاق و الثواب عليها جزيل فنفور النفس عنها ليس إلا لخبث الباطن فليشغل بإزالته بذكر جميع ما ذكرناه من المعارف التي تزيل داء الكبر .
الرابع أن يحمل حاجة نفسه و حاجة أهله و إخوانه من السوق إلى البيت فإن أبت نفسه ذلك فهو كبر و رياء فإن كان يثقل ذلك مع خلو الطريق فهو كبر و إن كان لا يثقل إلا عند مشاهدة الناس فهو رياء و كل ذلك من أمراض القلب و علله المهلكة .
الخامس أن يلبس ثياب المذلة فإن نفور النفس عن ذلك في الملأ رياء و في الخلوة كبر .
قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : إنما أنا عبد آكل بالأرض و أعقل البعير و ألعق أصابعي و أجيب دعوة المملوك فمن يرغب عن سنتي فليس مني
فما يختص بالملإ فهو الرياء و ما يختص بالخلوة فهو الكبر فليعرف فأما من لا يعرف الشر لا يتقيه و من لا يدرك المرض لا يداويه .