حمد اللّه و تنزيهه
الْحمْد للّه الّذي انْحسرت الْأوْصاف عنْ كنْه معْرفته و ردعتْ عظمته الْعقول فلمْ تجدْ مساغا إلى بلوغ غاية ملكوته هو اللّه الْحقّ الْمبين أحقّ و أبْين ممّا ترى الْعيون لمْ تبْلغْه الْعقول بتحْديد فيكون مشبّها و لمْ تقعْ عليْه الْأوْهام بتقْدير فيكون ممثّلا خلق الْخلْق على غيْر تمْثيل و لا مشورة مشير و لا معونة معين فتمّ خلْقه بأمْره و أذْعن لطاعته فأجاب و لمْ يدافعْ و انْقاد و لمْ ينازعْ .
خلقة الخفاش
و منْ لطائف صنْعته و عجائب خلْقته ما أرانا منْ غوامض الْحكْمة في هذه الْخفافيش الّتي يقْبضها الضّياء الْباسط لكلّ شيْء و يبْسطها الظّلام الْقابض لكلّ حيّ و كيْف عشيتْ أعْينها عنْ أنْ تسْتمدّ من الشّمْس الْمضيئة نورا تهْتدي به في مذاهبها و تتّصل بعلانية برْهان الشّمْس إلى معارفها و ردعها بتلأْلؤ ضيائها عن الْمضيّ في سبحات إشْراقها و أكنّها في مكامنها عن الذّهاب في بلج ائْتلاقها فهي مسْدلة الْجفون بالنّهار على حداقها و جاعلة اللّيْل سراجا تسْتدلّ به في الْتماس أرْزاقها فلا يردّ أبْصارها إسْداف ظلْمته و لا تمْتنع من الْمضيّ فيه لغسق دجنّته فإذا ألْقت الشّمْس قناعها و بدتْ أوْضاح نهارها و دخل منْ إشْراق نورها على الضّباب في وجارها أطْبقت الْأجْفان على مآقيها و تبلّغتْ بما اكْتسبتْه من الْمعاش في ظلم لياليها فسبْحان منْ جعل اللّيْل لها نهارا و معاشا و النّهار سكنا و قرارا و جعل لها أجْنحة منْ لحْمها تعْرج بها عنْد الْحاجة إلى الطّيران كأنّها شظايا الْآذان غيْر ذوات ريش و لا قصب إلّا أنّك ترى مواضع الْعروق بيّنة أعْلاما لها جناحان لمّا يرقّا فينْشقّا و لمْ يغْلظا فيثْقلا تطير و ولدها لاصق بها لاجئ إليْها يقع إذا وقعتْ و يرْتفع إذا ارْتفعتْ لا يفارقها حتّى تشْتدّ أرْكانه و يحْمله للنّهوض جناحه و يعْرف مذاهب عيْشه و مصالح نفْسه فسبْحان الْبارئ لكلّ شيْء على غيْر مثال خلا منْ غيْره .