فقدّموا الدّارع و أخّروا الْحاسر و عضّوا على الْأضْراس فإنّه أنْبى للسّيوف عن الْهام و الْتووا في أطْراف الرّماح فإنّه أمْور للْأسنّة و غضّوا الْأبْصار فإنّه أرْبط للْجأْش و أسْكن للْقلوب و أميتوا الْأصْوات فإنّه أطْرد للْفشل و رايتكمْ فلا تميلوها و لا تخلّوها و لا تجْعلوها إلّا بأيْدي شجْعانكمْ و الْمانعين الذّمار منْكمْ فإنّ الصّابرين على نزول الْحقائق هم الّذين يحفّون براياتهمْ و يكْتنفونها حفافيْها و وراءها و أمامها لا يتأخّرون عنْها فيسْلموها و لا يتقدّمون عليْها فيفْردوها أجْزأ امْرؤ قرْنه و آسى أخاه بنفْسه و لمْ يكلْ قرْنه إلى أخيه فيجْتمع عليْه قرْنه و قرْن أخيه و ايْم اللّه لئنْ فررْتمْ منْ سيْف الْعاجلة لا تسْلموا منْ سيْف الْآخرة و أنْتمْ لهاميم الْعرب و السّنام الْأعْظم إنّ في الْفرار موْجدة اللّه و الذّلّ اللّازم و الْعار الْباقي و إنّ الْفارّ لغيْر مزيد في عمره و لا محْجوز بيْنه و بيْن يوْمه من الرّائح إلى اللّه كالظّمْآن يرد الْماء الْجنّة تحْت أطْراف الْعوالي الْيوْم تبْلى الْأخْبار و اللّه لأنا أشْوق إلى لقائهمْ منْهمْ إلى ديارهمْ اللّهمّ فإنْ ردّوا الْحقّ فافْضضْ جماعتهمْ و شتّتْ كلمتهمْ و أبْسلْهمْ بخطاياهمْ إنّهمْ لنْ يزولوا عنْ مواقفهمْ دون طعْن دراك يخْرج منْهم النّسيم و ضرْب يفْلق الْهام و يطيح الْعظام و ينْدر السّواعد و الْأقْدام و حتّى يرْموْا بالْمناسر تتْبعها الْمناسر و يرْجموا بالْكتائب تقْفوها الْحلائب و حتّى يجرّ ببلادهم الْخميس يتْلوه الْخميس و حتّى تدْعق الْخيول في نواحر أرْضهمْ و بأعْنان مساربهمْ و مسارحهمْ .
قال السيد الشريف : أقول الدعق الدق أي تدق الخيول بحوافرها أرضهم و نواحر أرضهم متقابلاتها ، و يقال منازل بني فلان تتناحر أي تتقابل .