القصيدة: للسيد صالح القزويني
لـقد مُـني الهادي على ظلم جعفرٍ بـمعتمدٍ(1) فـي ظـلمه والجرائم
أتـاحت لـه غـدرا يـدا مـتوكلٍ ومـعتمدٍ فـي الجور غاشٍ وغاشم
وأشـخص رغـماً عـن مدينة جده إلى الرجس إشخاص العدوِّ المخاصم
ولاقـى كـما لاقـى من القوم أهله جـفاءً وغـدرا وانـتهاك مـحارم
وعـاش بـسامراء عـشرين حجةً يُـجزَّعُ مـن أعـداهُ سـمَّ الأراقم
بـنفسي مـسجونا غـريبا مشاهدا ضـريحا لـه شـقَّته أيدي الغواشم
بـنفسي مـسموما قضى وهو نازح عـن الأهل والأوطان جمَّ المهاضم
فـهل علم الهادي إلى الدين والهدى بـما لـقي الـهادي ابنه من مظالم
وهـل علم المولى عليٌّ قضى ابنُه عـليٌّ بـسمّ بـعد هـتك المحارم
وهـل عـلمت بـنتُ النبيِّ محمدٍ رمـتها الأعادي في ابنها بالقواصم
سـقى أرض سـامرا منهمر الحيا وحـيى مـغانيها هـبوبُ الـنسائم
مـعالم قـد ضـمن أعـلام حكمة بـنور هـداه يـهتدي كـلُّ عـالم
لـئن أظـلمت حـزنا لـكم فلقُربما تُـضيء هـنا مـنكم بـأكرم قائم
بـه تُـدرك الأوتار من كل واترٍ ويُنتصف المظلومُ من كل ظالم(2)
(نصاري)
غريب الدار أبو العسكري العابد قـضى عـشرين عام ابلد واحد
گلـي اشچان ذنـبه اشچان رايد تـسمونه غـدر يـلمالكم ديـن
غـريب ابـن الجواد اشتطلبونه شـنـهو كـان ذنـبه تـسمونه
آه الله اكــبــر تـخـلـونه يـون الـليل مـا طبّگ الجفنين
شـلك ويـاه يـا مـعتز تظلمه دوم دوم بـالـمجلس تـهـظمه
مــا يـجـزيك تـاليها تـسمَّه غـريب ابـداركم جاوركم اسنين
ثگل حـاله وضـعف منه ونينه شـبح لـلعسكري الزاكي ابعينه
الله اويـاك يـا بـويه گضـينه يبويه اتعب بعد عيني على الدين
(أبوذية)
الـهاي امـن المدينه الدهر داره او يـسمونه او تظل للحزن داره
اشـكثر بـيها حـرم وايتام داره او غدت ظلمه الگبل چانت ضويه
الإمام الهادي (ع) يؤتى به إلى سامراء
بقي الإمام علي الهادي (ع) بعد أبيه في المدينة ثلاث عشرة سنة فأحبه الناس واجتمعوا عليه والتف حوله العلماء وطلاب العلم كما كان يتصل به الشيعة وكانوا في عصره أكثر من أي زمان مضى يتصلون معه بالمباشرة ومن وخلال المراسلة يستفتونه من أمور دينهم ويسألونه الحلول لأمورهم ومشاكلهم ويحملون إليه أموالهم فأحس جهاز السلطة حينئذٍ بالخطر فكتب بريحة العباسي أحد أنصار المتوكل إليه: إن كان لك بالحرمين حاجة فاخرج منها على بن محمد فإنه دعا الناس إلى نفسه وتبعه خلق كثير.
ورفعوا تقارير إلى المتوكل على أن علي ابن محمد يجمع السلاح في بيته وهو يعد للثورة على الحكم فما كان من المتوكل إلا أن بعث قائده يحيى بن هرثمة إلى دار الإمام (ع) وأمره بتفتيش البيت تفتيشا دقيقا وأمر بترحيله إلى سامراء.
يقول يحيى بن هرثمة: دخلت منزله فتشته كما أمرني المتوكل فلم أجد إلا مصباحا وكتب العلم فعظم في عيني ولما تجهر وخرجنا من المدينة توليت خدمته إلى أن قدمت به بغداد ثم أخذوه إلى سامراء فانزل في خان يعرف بخان الصعاليك فأقام فيه يومه وفي اليوم الثاني أذن له بالدخول على المتوكل وأفرد له دارا ليسكن فيها.
وفي تلك الفترة كان الحاقدون على الإمام الهادي يشحنون المتوكل بالحقد على الإمام فقالوا له يوما: إن في منزل علي بن محد سلاحا وأموالا وكتباً من شيعته يستحثونه فيه على الثورة وهو يعد العدة لذلك.
فوجه إليه جماعة من الأتراك وغيرهم من قساة القلب فهاجموا دار الإمام (ع) في جوف الليل فوجدوه في بيته وحده مغلقا عليه وعليه مدرعة من شعر ولا بساط في البيت إلا الرمل والحصى وعلى رأسه ملحفة من الصوف وهو يترنم بآيات القرآن في الوعد والوعيد فأخذوه إلى المتوكل على الحالة التي وجدوه عليها فمثل بين يديه والمتوكل على مائدة الخمر وفي يده كأس فلما رآه أعظمه وأجلسه إلى جنبه وقال من أتى به: يا أمير المؤمنين لم يكن في منزله شيء مما قيل فيه ولا حالة يتعلل عليه بها فناوله الكأس الذي في يده فقال الإمام (ع): والله ما خامر لحمي ودمي، فقال له: أنشدني شعرا استحسنه فاعتذر الإمام (ع) وقال: إني لقليل الرواية للشعر، فألح عليه ولم يقبل له عذرا فانشده:
بـاتوا على قُلَلِ الأحبال تَحرسُهم غـلب الـرجال فما أغنتهم القلل
واسـتنزلوا بعد عزٍ من معاقلهم فـأودعوا حفرا يا بئس ما نزلوا
نـاداهم صارخٌ من بعد ما قُبروا أيـن الأسـرَّةُ والتيجانُ والحللُ
أيـن الـوجوهُ التي كانت منعَّمةً من دونها تضربُ الأستار والكللُ
فـأفصح القبر عنهم حين ساءلهم تـلك الـوجوه عليها الدودُ يقتتل
قـد طالما أكلوا دهرا وقد شربوا فأصبحوا بعد طول الأكل قد أكلوا
وطـالما عـمَّروا دورا لتحصنهم فـفارقوا الدور والأهلين وانتقلوا
وطـالما كنزوا الأموال وادخروا فـخلَّفوا عـلى الأعداء وارتحلوا
أضـحت مـنازلُهم فقرا معطَّلةً وساكنوها إلى الأجداث قد وصلوا
فأشفق من حضر على أبي الحسن الهادي (ع) وبكى المتوكل بكاء شديدا حتى بلَّت دموعه لحيته وبكى من حضر ثم أمر برفع الشراب وقال: أعليك يا أبا الحسن دين؟ قال: نعم أربعة آلاف دينار فأمر بدفعها إليه ورده إلى منزله من ساعته مكرما.
وهكذا كان المتوكل يستدعيه بين الحين والآخر بقصد الإساءة إليه وربما ليقتله ولكن الله سبحانه كان يصرف كيده عنه.
وكان المتوكل يقول: والله لأقتلن هذا المرائي... الذي يدعي الكذب ويطعن في دولتي... والله لأحرقنه بعد قتله.
وبعد وفاة المتوكل الذي جرَّع الإمام الغصص طيلة أربعة عشر عاما عاش الإمام بقية عمره مع حكام عرفوا بالظلم فقد أجبروه على البقاء في سامراء فعاش سبعة أعوام مع المنتصر والمستعين والمعتز في سامراء.
بقي (ع) ملازما بيته كاظما غيظه صابرا على ما مسه من الأذى من حكام زمانه حتى قضى نحبه ولقي ربه شهيدا مسموماً، رحم الله من نادى وا إماماه، وا سيداه، وا مسموماه، وكانت وفاته في خلافة المعتز وذلك يوم الاثنين لثلاث خلت من رجب سنة 254هـ متأثرا بسم دسه إليه المعتز وسمعت جارية له تقول ـ أثناء تشييعه (ع) ـ : ماذا لقينا من يوم الاثنين قديما وحديثا.
وفي إثبات الوصية قال: وقد اجتمع في دار أبي الحسن الهادي جل بني هاشم من الطالبين والعباسيين واجتمع خلق كثير من الشيعة ثم فتح من صدر الرواق باب وخرج خادم أسود ثم خرج من بعده أبو محمد (ع) حاسرا مكشوف الرأس مشقوق الثياب وكأني به ينادي: وا أبتاه، وا علياه، وا مسموماه، فأجابته الشيعة: وا إماماه، وا عظم مصيبتاه.
(نصاري)
سگاه الـسم يويلي او مرد كبده اولا راقب الباري او هاب جده
ظل ابنه الحسن يبكي اعله فگده اشيفيد النوح لو يجري الدمع دم
(أبوذية)
على الهادي مياتم حزن تنصب الدموع ادموم عالمسموم تنصب
المرد چبدك چبدته ريت تنصب ولا اشـوفك تلوج اعله الوطيه
(أبوذية)
يناعي اشبيك گلي اشصار شدهاك دگلـي يـا مصاب الذي شدهاك
علي الهادي لون مجروح شدهاك جـرح اولا تـصيح ابهل رزيه
ثم أخرجت الجنازة وخرج الإمام العسكري يمشي خلفها والناس من خلفه وكان الإمام صلى عليه قبل أن يخرج إلى الناس وصلى عليه لما خرج المعتمد ثم دفن (ع) في دار من دوره بسر من رأي (3).
(تجليبة)
شـبله يـغسله او تـتصارخ اعياله او شاله او نزله او فوگه الترب هاله
بـس احـسين مـحد غله او شاله ثـلث تـيام ظل مطروح بالوادي
(تخميس)
طبت يا مدلجاً جسور المهار عج على طيبةٍ ربوع الفخار
نـاد فـيها بلوعة وانكسار قـوضي يا خيام عليا نزار
فـلقد قـوِّض العماد الرفيعُ
(1) ـ لعل الشاعر يقصد بالمعتمد الأمير وولي العهد الذي كان يتولى إيذاء الإمام (ع) في ظل خلافة المعتز الخليفة الذي استشهد الإمام الهادي (ع) في زمانه.
(2) ـ المجالس السنية ج2.
(3) ـ المجالس السنية ج2 للسيد محسن الأمين. نور الأبصار للحائري. مثير الأحزان للشيخ شريف الجواهري. سيرة الأئمة الاثني عشر للسيد هاشم معروف الحسني.