القصيدة: للسيد جعفر الحلي
لـبـس الإسـلامُ إبـراد الـسواد حين أردى المرتضى سيف المرادي
لـيـلةٌ مــا أصـبحت إلا وقـد غـلب الـغيُّ عـلى أمـر الرشاد
والـصـلاح انـخفضت أعـلامُه فـغـدت تُـرفع أعـلامُ الـفساد
مـا رعـى الـغادر شـهرَ اللهِ في حـجَّـة الله عـلـى كـل الـعباد
وبـبـيت الله قــد جــدَّ لــه سـاجدا يـنشُجُ مـن خوف المعاد
يــا لـيـالٍ أنــزل الله بـهـا سـور الـذكر عـلى اكـرم هـاد
مـحيت فـيك عـلى رغـم الهدى آيـةٌ فـي فـضلها الـذكر ينادي
قـتـلوه وهــو فــي مـحرابه طـاوي الأحـشاء عـن ماءٍ وزاد
سـل بـعينيه الـدجى هـل جفتا مـن بـكاً أو ذاقـتا طـعم الرقاد
وســل الأنـجم هـل أبـصرته لـيلةً مـضطجعا فـوق الـوساد
وســل الـصبح أهـل صـادفه مـلَّ مـن نـوحٍ مـذيبٍ لـلجماد
وهــو لـلمحراب والـحرب أخٌ فـجفا الـنوم عـلى لـين الـمهاد
نـفـسه الـحـرَّةُ قـد عـرَّضها لـلضبا الـبيض ولـلسمر الصعاد
سـلـبوه وهــو فــي غُـرَّتِه حـيث لا حـربٌ ولا قَـرعُ جلاد
عـاقـر الـنـاقة مـع شـقوته ليس بالأشقى من الرجس المرادي
فـلـقد عـمَّـمَ بـالسيف فـتىً عــمَّ خـلق الله طـرّاً بـالأياد
فـبـكته الإنـسُ والـجنُّ مـعا وطـيور الجوِّ مع وحش البوادي
وبـكـاه الـملأ الأعـلى دمـاً وغـدا جـبريلُ بـالويل ينادي
هُـدِّمـت واللهِ أركـانُ الـهدى حـيث لا من منذرٍ فينا وهاد(1)
(موشح)
نـوح يـا نـاعي او دمعتك سليها او صيح طاح الليث حامي ادخيلها
طـاح والـدنيا الـفگده مـظلمه واهـل بـيته تـهل دمـعتهم دمه
والأمـلاك اتـنوح لـجله بالسمه اتـبـدل ابـنوح او بچه تـهليلها
اتـبدل الـتهليل مـنها بـالعويل لـجل ابـو الحسنين حماي الدخيل
ويـل گلـبي مـن وگع دمه يسيل فـيَّض الـمحراب واشـبه سيلها
فـيَّض الـمحراب دمـه او هامته غـدت نـصين او تـحنَّت شيبته
او ضـجَّت الأمـلاك كلها الوگعته او صـاح واعول بالسمه جبريلها
صـاح طـاح الدين ركنه وانهدم او راس أبو الحسنين نصين انجسم
من سمع صوته الحسن دمعه انسجم صـرخ وام كـلثوم زاد اعـويلها
(أبوذية)
ان مـلجم عليك السيف سلَّه ابكتلك كل محب يا علي سلَّه
الگلب زينب منو ابهلليل سلَّه تـسلَّه ابـونته هاي المسيه
(أبوذية)
الحگوا انطبر حامي الجار يبناه او يكت دمّه امن المحراب يبناه
انـهدم مـن بعده للإسلام يبناه او رحت يلچنت ظل اعله البريه
الليلة التاسعة عشرة (جرح الإمام علي (ع)
لما كانت الليلة التاسعة عشرة من شهر رمضان أتى أمير المؤمنين (ع) ـ بعد أن صلى المغرب وما شاء من النفل ـ ليفطر في بيت ابنته زينب زوجة عبد الله بن جعفر الطيار وكان (ع) يفطر ليلة عند الحسن وليلة عند الحسين وليلة عن عبد الله بن جعفر فقدمت إليه ابنته أم كلثوم (1) (زينب) قرصين من شعير وقصعة فيها لبن وجريش ملح فقال لها: قدمت لأبيك إدامين في طبق واحد وقد علمت أني متبع ما كان يصنع ابن عمي رسول الله (ص) ما قدم إليه إدامان في طبق واحد حتى قبضه الله إليه مكرما، ارفعي أحدهما فإنّ من طاب مطعمه ومشربه طال وقوفه بين يدي الله. فرفعت اللبن الحامض بأمر منه ثم أكل قليلا وحمد الله كثيرا وأخذ في الصلاة والدعاء إلى أن هودت عيناه فاستيقظ وقال لأولاده رأيت النبي (ص) فشكوت إليه ما أنا فيه من التبلد بهذه الأمة فقال لي: ادع عليهم فإن الله تعالى لا يرد دعاءك. فقلت: اللهم أبدلني بهم خيرا وأبدلهم بي شرا.
وكان (ع) ـ في تلك الليلة ـ يكثر الدخول الخروج وينظر إلى السماء ويقول: هي والله الليلة التي وعدنيها حبيبي رسول الله (ص). وكان يكثر من قول(لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) حتى ذهب بعض الليل ثم جلس للتعقيب فهودت عيناه وهو جالس ثم انتبه مرعوبا فقال لأولاده: إني رأيت رؤيا أهالتني وأريد أن أقصها عليكم، قالوا: وما هي؟ قال: إني رأيت الساعة رسول الله (ص) في منامي وهو يقول: يا أبا الحسن إنك قادم إلينا عن قريب يجيء إليك أشقاها فيخضب شيبتك من دم رأسك وأنا والله مشتاق إليك وإنك عندنا في العشر الأواخر من شهر رمضان فهلم إلينا فما عندنا خير لك وأبقى. فلما سمع أولاده كلامه ضجوا بالبكاء والنحيب وأبدوا العويل فأقسم عليهم بالسكوت فسكتوا.
ثم عاد إلى البكاء من خشية الله والتضرع والعبادة. تقول أم كلثوم: سمعته يقول بعدما نظر إلى الكواكب. والله ما كذبتُ ولا كُذبتُ وإنها الليلة التي وعدت بها. إنا لله وإنا إليه راجعون، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى على النبي وآله واستغفر الله كثيرا، فلما رأيته كذلك قلقا متململا أرَّقت معه ليلتي وقلت: يا أبتاه مالي أراك هذه الليلة لا تذوق طعم الرقاد؟ قال: يا بنية إن أباك قتل الأبطال وخاض الأهوال وما دخل الخوف له جوفا وما دخل في قلبي رعب أكثر مما دخل هذه الليلة، ثم قال: إنا لله وإنا إليه راجعون. فقلت: يا أبتاه مالك تنعى نفسك هذه الليلة؟ قال: يا بنية قد قرب الأجل وانقطع الأمل، تقول أم كلثوم: فبكيت، فقال لي: يا بنية لا تبكي فإني لم أقل ذلك إلا بما عهد إلى النبي (ص). ثم قال: يا بنية إذا قرب الأذان فاعلميني فجعلت أراقب الأذان فلما لاح الوقت أتيته ومعي إناء فيه ماء فأسبغ الوضوء، وقام ولبس ثيابه وفتح الباب ونزل إلى الدار وكان في الدار إوزٌ أهدي إلى أخوي الحسن والحسين فلما نزل خرجن وراءه ورفرفن وصحن في وجهه ولم يكنَّ قد صحن في وجه من قبل فقال (ع) لا إله إلا الله صوائح تتبعها نوائح وفي غداة غدٍ يظهر القضاء فلما وصل إلى الباب وعالجه ليفتحه تعلق مئزره بالباب فانحل حتى سقط فأخذه وشده وهو يقول:
اُشدُد حيازيمك للموت فـإنَّ الـموتَ لافيكا
ولا تجزع من الموت إذا حــلَّ بـناديكا
كـما أضحكك الدهرُ كـذاك الدهرُ يُبكيكا
ثم فتح (ع) الباب وخرج متوجها إلى المسجد، وكان عدو الله ابن ملجم الخارجي متخفيا في بيوت الخوارج بالكوفة يتحين الفرصة بأمير المؤمنين (ع) وقد اتفقت معه قطام الخارجية إن هو قتل علياً تتزوجه لأن ذلك يشفي غليلها ويطفئ جمرة غيظها حيث أن أمير المؤمنين قتل أباها وأخاها في النهروان، وانبرى لمساعدة ابن ملجم شخصان آخران من الخوارج هما شبيب ابن بحرة ووردان ابن مجالد، واتفقوا جميعا على أن تكون الليلة التاسعة عشرة موعدا لاغتيال الإمام (ع).
فجاء ابن ملجم إلى المسجد ونام مع الناس مخفيا سيفه تحت إزاره ولما وصل الإمام إلى مسجد صلى ركعتين ثم صعد المأذنة فأذَّن ثم نزل وهو يسبح الله ويكثر من الصلاة على النبي وآله وكان من عادته (ع) يتفقد النائمين في المسجد وهو يقول: الصلاة يرحمك الله إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر حتى وصل إلى ابن ملجم وهو نائم على وجهه فقال له: يا هذا قم من نومتك هذه فإنها نومة يمقتها الله وهي نومة الشيطان. ثم اتجه نحو المحراب يصلي وكان يطيل الركوع والسجود في صلاته فقام الشقي ابن ملجم حتى وقف بإزاء الأسطوانة التي يصلي عندها الإمام فأمهله حتى ركع وسجد السجدة الأولى ورفع رأسه منها فتقدم اللعين وأخذ السيف وهزَّه ثم ضرب الإمام على رأسه الشريف فوقع الإمام على وجهه يخور بدمه قائلا: بسم لاله وبالله وعلى ملة رسول الله، فزت ورب الكعبة قتلني ابن اليهودية لا يفوتنَّكم الرجل.
(نصاري)
بالمحراب اويلي طاح ابو احسين او دم الراس يتفايض على العين
يـوم طاح ابو الحسين مجروح ثـار اصياح لهل العرش بالنوح
طبره اشلون طبره تشعب الروح تشوف السم او دم الراس لونين
(أبوذية)
إلـك مـاتم يحامي الجار ينصاب او دمعي اعليك مثل السيل ينصاب
يـريت الصوبك بالگلب ينصاب او سـالم تـظل يـا حامي الحمية
فبادر الناس إلى أمير المؤمنين وإذا به قد شق رأسه والدماء ملئت المحراب فجمعوا ينادون وا سيداه...
(نصاري)
يـخوّاض الـمنايه من وصل يمك وانته الموت يرجف لو سمع باسمك
اشـلون السيف خضّب شيب دمك او ظـلت شـيعتك تـلطم الخدين
(أبوذية)
يضربونك يليث العرب ياصل واسمك بالعرش متكوب ياصل
ابن ملجم اشلون اعليك ياصل او طبر راسك يحماي الحميه
آجركم الله فأصطفقت أبواب الجامع وضجت الملائكة في السماء وهبت ريح عاصفة سوداء مظلمة ونادى جبرئيل بين السماء والأرض بصوت يسمعه كل مستيقظ: تهدمت والله أركان الهدى وانطمست والله نجوم السماء وأعلاام التقى وانفصمت والله العروة الوثقى قتل ابن عم المصطفى قتل الوصي المجتبى قتل على المرتضى قتل سيد الأوصياء قتله أشقى الأشقياء فلما سمعت أم كلثوم نعي جبرئيل لطمت وجهها وخدها وصاحت وا أبتاه وا علياه.
(فائزي)
الله يـالناعي افـجعت گلـبي او مردته يـاريت صـوتك لا عَـلَيْ مرّ او سمعته
چن عـودي مـاتم ابـمحرابه سـجدته الله يـالناعي افـجعتنه ابـهذا المصاب
گلـها يـويلي راح ابـوچ او هلي العين صابه المرادي ابسيفه او طرَّ راسه نصين
من سمعته صاحت يخويه حسن واحسين گومـوا لبونه اتلاحگوا بالمسجد انصاب
(نصاري)
الحسن واحسين اجوها عالچه ابساع يـختنا الگلـب مـنچ ليش مرتاع
نسمع صوت منه ارتجت الگاع اخـبرينه يـخويه ليش تبچين
تگلـلهم يـخوتي راح ابـوكم عگب عينه يخوتي اشلون بيكم
عـزكم راح يـا ويـلي عليكم كهف هاي الأرامل والمساكين
فخرج الحسنان إلى المسجد وهما يناديان: وا أبتاه وا علياه ليت الموت أعدمنا الحياة حتى وصلا إلى المسجد وإذا بالإمام في محرابه والدماء تسيل من رأسه على وجهه وشيبته فتقدم الحسن (ع) وصلى بالناس وصل أمير المؤمنين (ع) إيماء وجلوس وهو يمسح الدم عن وجهه وكريمته يميل تار ويسكن أخرى والحسين ينادي: وا انقطاع ظهراء يعز عليّ أن أراك هكذا. ثم شاع الخبر في الكوفة فهرع الناس رجالا ونساء حتى المخدرات خرجن من خدورهن إلى الجامع وهم ينادون: وا إماماه قتل والله إمام عابد مجاهد لم يسجد لصنم كان أشبه الناس برسول الله (ص) فدخل الناس إلى المسجد فوجدوا الحسن ورأس أبيه في حجره وكان الحسين (ع) قد شدَّ الضربة بمنديل أصفر وهي لم تزل تشخب دما ووجهه قد زاد بياضا بصفرة وهو يرمق السماء بطرفه ولسانه يسبح الله ويوحده ثم أمر أن يحملوه من ذلك المحراب إلى موضع مصلاه في منزله.
قال محمد بن الحنفية: فحملناه إليه والناس حوله وهم في أمر عظيم باكون محزونون قد أشرفوا على الهلاك من شدة البكاء والنحيب وكان الحسين (ع) يبكي ويقول: وا أبتاه من لنا بعدك ولا يوم كيومك إلا يوم رسول الله (ص) (2).
(أبوذية)
الـمنادي اگلوبنه ابصوته فرضها انطبر حامي الحمى ابراسه فرضها
صـلاة الـصبح مـا تمم فرضها او عـنـه راح حـماي الـحميه
وقال بعضهم حملوه ببساط إلى منزله حتى إذا قاربوا البيت التفقت (ع) إلى أولاده وقال أنزلوني ودعوني أمشي على قدمي قالوا لماذا يا أمير المؤمنين؟ قال: أخشى أن تراني ابنتي زينب بهذه الحالة فينصدع قلبها ولما نظرت إليه زينب مشقوق الرأس والدماء تسيل على لحيته كأني بها صاحت:
(مجردات)
ونـت او نـادت يـلمجبلين هـلشايلينه اويـاكم امـنين
اسمع هضل واصياح صوبين خـوفي انكتل عودي يطيبين
لـمن سمعها الحسن وحسين صاحوا يزينب زيدي الونين
أبـوچ انطبر والراس نصين صاحت او هلت دمعة العين
يـا عـيد الأگشر علمسلمين عگبـك يبويه اوجوهنه وين
(أبوذية)
اشلون اللي رسول الله وصابه عليه سل سيفه المرادي وصابه
على امصابه الدمع سيله وصابه مثل ما سال دمع اعلى الوطيه
***
يـا ضـربةً للدين هدَّت جانبا ولــه أمـاتت سـنةً وكـتابا
الـيومَ عـرشُ الدينِ ثَلَّ قوائما وبـه تـداعى أعـمُدا وقـبابا
والعروةُ الوثقى به انفصمت وقد هتك الضلال من الجلال حجابا
ونـعاه جـبريلٌ بـلوعة ثاكلٍ لـو مسَّتش الصخر الأصمَّ لذابا
(1) ـ رياض المدح والرثاء ص219.
(2) ـ المقصود بها زينب الكبرى هكذا نص المؤرخون وقالوا إذا ما قيل السيدة زينب أو أم كلثوم فالمقصود بها زينب الكبرى وغلا فلابد من ذكر قرينة مثل الصغرى أو ما يدل على المقصود.
(3) ـ وفاة أمير المؤمنين (ع) للشيخ علي آل سيف الخطي. علي من المهد إلى اللحد للسيد كاظم القزويني.