القصيدة: الشيخ محمد الهنداوي
مـا ذنـب طفلين لمسلم والعدى زجتهما في السجن في وضع ردي
قد ضيقت في الشرب والأكل معا وعـليهما بـالسوط طورا تعتدي
حـتى إذا طـال الـزمان توضئا وتـوجها لـله مـن قـلب نـدي
أن فــرِّج الـهـم عـنا ربـنا إنــا لـمن آل الـنبي الأمـجد
حـتى إذا مـا هـيأ الله الـسبي ل فـاخرجا والـقلب لـما يبرد
مـضيا على وجل إلى تلك العجو ز وإنـها عـلمت بطيب المحتد
آوتـهـما فـوراً ولـكن ابـنها قـد أرهـق الطفلين فهو المعندي
ومضى إلى شاطي الفرات مجرِّداً سـيفاً ولـم يـعبأ بـكل تـودُّد
يـا شـيخ إنـا من سلالة هاشمٍ لا تـذبحنّ نـقسم بـحق مـحمد
فـمضى يـقطع انحرا يا للهدى فـغدى الـلجين مزاجها بالعسجد
يـا ويـله لـما رمى الأجساد في مـاء الـفرات فـيا له من مشهد
ومـضى برأسين إلى شر الطغاة فـيا لـه مـن ظـالم مـن حاقد(1)
(مجردات)
حـز بالسيف أويلي للوريدين او تعلگ واحد ابواحد الطفلين
او بـالحزن هـلت دمعة العين ذبحهم من عرف مرجعهم امنين
او وسط الماي لنهم زهو بدرين ولابـن ازياد من قدم الراسين
اتـمنيت حاضر يبو الحسنين او تـاخذ ابـثارات الـذبيحين
شهادة محمد وابراهيم عليهما الرضوان ولدي مسلم بن عقيل (ع)(2)
روى الشيخ الصدوق في الأمالي عن أبيه وعن علي بن إبراهيم عن أبيه عن إبراهيم بن رجا عن علي بن جابر عن عثمان بن داود الهاشمي عن محمد بن مسلم بن حمران بن اعين بن أبي محمد شيخ أهل الكوفة قال: لما قتل الحسين بن علي عليهما السلام أسر طفلان من عسكر الحسين (ع) فجيء بهما إلى ابن زياد فدفعهما إلى رجل وأوصاه بالتضييق عليهما حتى في الطعام والشراب فمكثا في الحبس وكان الغلامات يصومان النهار فإذا جنهما الليل أتيا بقرصين من شعير وكوز من ماء القراح فمكثا في الحبس سنة فقال أحدهما للآخر لقد طال الحبس بنا ويوشك أن تفنى أعمارنا فإذا جاء الشيخ فأعلمه بمكاننا من رسول الله لعله يوسع علينا ولما جاء الرجل سألاه هل تعرف محمد بن عبد الله (ص)؟ قال: وكيف لا أعرف محمدا وهو نبيي وأخذا يذكران وجوه بني هاشم حتى إذا قالا له: أفتعرف علي بن أبي طالب؟ قال وكيف لا أعرف عليا وهو ابن عم نبيي وأخو نبيي قالا يا شيخ فنحن من عترة نبيك محمد (ص) ونحن من ولد مسلم بن عقيل بن أبي طالب وبيدك أسارى وقد ضيقت علينا وحتى في الطعام والشراب فانكب الرجل عليهما يقبلهما ويعتذر من التقصير معهما مع مالهما من المنزلة من رسول الله (ص) ثم قال لهما إذا جن الليل أفتح لكما باب السجن وخذا أي طريق شئتما ولما أن جاء الليل أخرجهما وقال سيرا في الليل واكمنا في النهار حتى يجعل الله لكما من أمره فرجا. فلما جنهما الليل أتاهما بقرصين من شعير وكوز من ماء القراح ووقفهما على الطريق وقال لهما: سيرا يا حبيبي فخرج الغلامات يسيران حتى إذا جنهَّما الليل وانتهيا إلى دار عجوز كانت واقفة تنظر ختنا لها ـ ابنها أو صهرها ـ وقفا عليها وعرَّفاها بأنهما غريبان من عترة رسول الله (ص) لا يهتديان إلى الطريق استضافاها سواد تلك الليلة فأدخلتهما البيت وقدمت لها الطعام والشراب فأكلا وشربا ولما ولجا الفراش قال الصغير للكبير يا أخي أنا أرجو أن نكون قد أمنا ليلتنا هذه فتعال حتى أعانقك وتعانقني وأشم رائحتك وتشم رائحتي قبل أن يفرق الموت بيننا ففعل الغلامان ذلك واعتنقا وناما.
وفي تلك الليلة أقبل ختن العجوز وقد أجهده الطلب للغلامين وقصَّ على العجوز هرب الغلامين من سجن ابن زياد وانه نادى في عسركه من أتاه برأسيهما فله ألفا درهم.
فحذرته العجوز من العذاب الأليم ومخاصمة جدهما رسول الله (ص) وأنه لا فائدة من دنيا لا آخرة معها فارتاب الرجل من هذا الوعظ وظن أن الغلامين عندها ولما ألح على أن تخبره بما عندها وهي كاتمة أمرهما أخذ يفحص البيت عنهما فوجدهما نائمين معتنقين فقال من أنتما؟ قالا ان صدقناك فلنا الآمان؟ قال: نعم، فأخذا عليه أمان الله وأمان رسوله ثم جعلا الله عليه شهيدا ووكيلا فأوقفاه على حالهما.
وعند الصباح أمر غلاما له أسودا أن يأخذهما إلى شاطي الفرات ويذبحهما ويأتيه برأسيهما فلما أخذهما الغلام قالا له: يا غلام ما أشبه سوادك بسواد بلال مؤذن رسول الله أتقتلنا ونحن عترة نبييك وقصَّا عليه قصتهما في السجن وما لاقياه فرقَّ لهما الغلام واعتذر منهما ورمى السيف وألقى نفسه في الفرات وعبر إلى الجناب الآخر فصاح به ملاوه عصيتني فأجابه: أنا في طاعتك ما دمت لا تعصي الله فإذا عصيت الله فأنا بريء منك.
فتقدم لهما الملعون وهو يقول: لا يلي قتلكما أحد غيري وسل السيف فلما نظر الغلامان إلى السيف مسلولا اغرورقت أعينهما وقالا: يا شيخ انطلق بنا إلى السوق واستمتع بأثماننا ولا ترد أن يكون محمد (ص) خصمك في القيامة غدا فقال: لا ولكن أقتلكما وأذهب برأسيكما إلى عبيد الله بن زياد لآخذ الجائزة فقالا له يا شيخ أما تحفظ فأت بنا إلى عبيد الله بن زياد حتى يحكم فينا بأمره قال ما بي إلى ذلك سبيل إلا التقرب إليه بدمكما قالا له يا شيخ: أما ترح صغر سننا؟ قال ما جعل الله لكما في قلبي رحمة شيئا قالا له: إن كان ولابد فدعنا نصلي ركعات قال فصليا ما شئتما ان نفعتكما الصلاة فصلى الغلامان أربع ركعات ثم رفعا طرفيهما إلى السماء فناديا: يا حي يا حكيم يا أحكم الحاكمين أحكم بيننا وبينه بالحق.
فقدم الكبير ليضرب عنقه فقال له الصغير اقتلني قبل أخي فقال الكبير لا أحب أن أرى أخي قتيلا فضرب عنق الأكبر فلما رآه أخوه الأصغر يتمرغ بدمه وهو يقول هكذا ألقى رسول الله (ص) وأنا مخضب بدم أخي ثم قام إلى الغلام الصغير فضرب عنقه وأخذ الرأسين الشريفين ورمى ببدنيهما في الماء وهما يقطران دما(3)
(مجردات)
اليتيم الناس عاده يرحمونه او لـو مـات ابيه يسلونه
والـراسه كـلهم يمسحونه مو بالسيف اويلي يگطعونه
او لـلطاغي تـالي يودونه او بـالماي جـسمه يذبونه
ولا أدري ما حال أمهما التي كانت تنتظر عودتهما إليها وإذا بالناعي ينعى الطفلين في أزقة المدينة وشوارعها:
(مجردات)
مـن صوت الناعي ابذبحهم حـالتها مـدري اشلون أمهم
تـمَّنت حاضرة بالذبح يمهم وتصبغ راسها من فيض دمهم
او واحـد بـعد واحـد تشمهم هـالطفلين مـا بِـلغَوا حلمهم
***
تلك الوجوهُ المشرقاتُ كأنها ال أقـمارُ تـسبح في غدير دماء
ــــــــــــــ
(1) ـ أثبت هذه الأبيات اضطرارا لعدم وجود مقطوعة شعرية تحكي مأساة هذين الطفلين الشهيدين ومن هنا أدعو الشعراء المحترفين إلى الاهتمام بمثل هذه الحوادث وان لا يقتصر اهتمامهم على الحوادث الشهيرة فقط.
(2) ـ أنقل هنا بعض الآراء والملاحظات حول هذا الحدث وتفصيلاته.
ألف) ذكر الشيخ عباس القمي (ره) في كتاب نفس المهموم ص162 ـ بعد ذكره للقصة الكاملة لشهادة هذين الطفلين ـ بأن قتل هذين الغلامين بهذه الكيفية وبهذا التفصيل مستبعد ولكني نقلته اعتمادا على شيخنا الصدوق (ره) ورجال سنده والله العالم. أقول: ان الصدوق (ره) ذكره في أماليه والذي يبدو من عبارة الشيخ عباس أنه لا يشكك في أصل القصة بل يشكك في التفاصيل وربما كان هذا رأيي أيضا.
ب) ذكر أكثر من مؤرخ كالطبري مثلا بأن الغلامين هما لعبد الله بن جعفر الطيار .... وكذلك في رياض الأحزان ذكر أيضا ونص على اسميهما.
ج) ذكر السيد المقرم: بأن الرواية لم تنص على كون الحبس في نفس البلد فاحتمال بعض العلماء على أن ابن زياد دفعهما إلى الرجل على أن يحبسهما في بيته خارج الكوفة وانه لا يكن بعيداً عن موضع قتلهما بكثير متجه.
د) ويقول السيد المقرم أيضا: ولو أنا ما شينا من ينكر هذه الرواية لبعض الاحتمالات فلا نوافقه على الالتزام ببطلان نسبة هذا المشهد إلى ولدي مسلم (ع) فإن سيرة الشيعة والشهرة بينهم تحقق كون المشهد معروفاً لولدي مسلم على الإجمال ولم يحصل الشك في أدوارهم اتباعا للخلف على طريقة السلف حتى كثرت زرافات الزائرين لهما تقربا إلى الله تعالى مع النذور المهداة إليهما والعمارة المتجددة حول القبرين على نحو غير واحد من المشاهد المحقق ثبوتها وكل هذا بمشهد من العلماء فلا يعني بمن تاخذه الوسوسة إلى مناحي ممقوتة كما هو شأنه في جملة من المظاهر والمشاعر. (الشهيد مسلم بن عقيل ص190).
أقول: ان النص أنقله بالنسبة لقصة الشهادة هو النص الذي ذكره المقرم في كتابه الشهيد مسلم، وهو مختصر عن رواية الأمالي للصدوق المفصلة مع الرجوع إلى رواية الأمالي لنقل بعض الفقرات التي أهملها المقرم لأهميتها.
(3) ـ نفس المهموم ص156. الشهيد مسلم ص187. أقول وقبرهما اليوم معروف يقصده الزائرون وهو بالقرب من قضاء المسيب في العراق.