القصيدة: للسيد جعفر الحلي
ت: 1315هـ
عبست وجوه القوم خوف الموت وال عـبـاس فـيهم ضـاحكٌ يـتبسم
قـلب اليمين عن الشمال وغاص في الأوسـاط يـختطف النفوس ويحطم
وثـنى أبـو الفضل الفوارس نُكَّصا فـرأوا أشـدَّ ثـباتهم أن يـهزموا
مــا كـرَّ ذو بـأس لـه مـتقدما إلا وفـــرَّ ورأســه الـمـتقدم
بـطلٌ ثـورَّث مـن أبـيه شجاعةً فـهيا أنـوف بـني الضلالة ترغم
أو تـشتكي الـعطشَ الفواطم عنده وبـصدر صـعدته الـفرات المفعم
فـي كـفه الـيسرى الـسقاء يـقلُّه وبـكفه الـيمنى الـحسام الـمخذم
قـسما بـصارمه الـصقيل وإنـني فـي غـير صـاعقة السما لا أقسم
لـولا الـقضا لـمحا الوجود بسيفه والله يـقـضي مـا يـشاء ويـحكم
حـسمت يـديه الـمرهفات وإنـه وحـسـامه مـن حـدِّهنَّ لأحـسم
وهــوى بـجنب الـعلقميِّ فـليته لـلـشاربين بــه يـداف الـعلقم
فـمشى لـمصرعه الحسين وطرفه بـيـن الـخـيام وبـيـنه مـتقسِّم
الـفـاه مـحجوب الـجمال كـأنه بــدرٌ بـمـنحطم الـوشيج مـلثم
فـأكـبَّ مـنـحنيا عـليه ودمـعُه صـبغ الـبسيط كـأنما هـو عندم
قد رام يلثمه فلم ير موضعا لـم يدمه عضُّ السلا فيلثم(1)
(نصاري)
اويـلي امن انضرب ليث العرينه مـا چنـه انگطـع مـنه يـمينه
لا والله ولا چنــهـم ابـعـينه جـر الـسيف بـاليسره وخذ دين
تگول امـهنده ابچف ذاك الـيسار يگطـر موت بيه اشراحت اعمار
كـل سـربه اليجيها اتروح طشّار اسـتافه الـواحد من الگوم بلفين
يـجارب يـوم تجري ادموم يمناه أثـاري الـخاين الله غافله او جاه
تـخفاله وضـرب بالسيف يسراه گطع زنده او وگف من غير زندين
وگف وگفـة سـبع بـالزور ينهم عـلى گطـعت ازنوده موش مهتم
بـس ايگول مـاي الـجود يسلم لـجل احسين خلي اتروح الايدين
نـظر لـلجود سـالم وابتشر بيه سـدر فرحان ما چن گطعوا ايديه
سـهم الـشوم اويلي اتلولح اعليه شگ الـجود وتـفايض الـكترين
لگف سيفه ابحلگه اوصال موات او گال اسـدر لـعند الخيم هيهات
يـروحي او شَـعتذر لـلهاشميات لـوجني او گالـن لي الوعد وين
سـدر لـلحرب راعـي الـحميه أثــاري الگوم خـلـوله خـفيه
يـويلي وانـضرب راس الشفيه ابـعمود احديد شگ الراس نصين
خـر امـن السرج عباس واخلاه بـس مـا مـال مـال العلم وياه
طاح او طيحته صارت على اگفاه وصاح ابصوت الله اوياك يحسين
مصرع أبي الفضل العباس (ع)
قال الراوي: لما لم يبق مع الحسين إلا أخوه العباس، جاء إلى الحسين يطلب منه الإذن بالقتال قائلا: هل من رخصة؟ فبكى الحسين (ع) بكاء شديدا ثم قال: يا أخي أنت صاحب لوائي، فإذا مضيت تفرق عسكري فقال العباس: قد ضاق صدري وسئمت الحياة وأريد أن أطلب بثأري من هؤلاء المنافقين.
فقال الحسين (ع): إذن أطلب لهؤلاء الأطفال قليلا من الماء.
قال الراوي: فذهب العباس إلى القوم وعظهم وحذرهم غضب الجبار، فلم ينفع، فنادى بصوت عال: يا عمر بن سعد هذا الحسين بن فاطمة بنت رسول الله قد قتلتم أصحابه وأهل بيته، وهؤلاء عياله وأولاده عطاشى فاسقوهم من الماء قد أحرق الظمأ قلوبهم. فأثر كلامه في العسكر حتى بكى بعضهم. ولكنَّ شمراً صاح بأعلى صوته: يا ابن أبي تراب لو كان وجه الأرض كله ماءاً وهو تحت أيدينا لما أسقيناكم منه قطرة!
فرجع العباس إلى أخيه يخبره بجواب القوم، فسمع الأطفال يتصارخون وينادون: العطش العطش.
أو تشتكي العطش الفواطم عنده وبصدر صعدته الفرات المفعم
فركب جواده ومعه اللواء، وأخذ القربة وقصد الفرات، فأحاط به أربعة آلاف ممن كانوا موكلين بالفرات لمنع الحسين وأصحابه منه ورموه بالنبال فكشفهم وقتل منهم جماعة.
وثنى أبو الفضل الفوارس نكصا فـرأوا أشـد ثباتهم
أن يهزموا ماكر ذو بأس له متقدما إلا وفرَّ ورأسه المتقدم
حتى إذا وصل إلى المشرعة، ركز لواءه ونزل إلى الماء فلما أحس ببرد الماء وقد كظه العطش، اغترف غرفة ليشرب، لكنه تذكر عطش الحسين (ع) فرمى الماء من يده وقال: لا والله لا أشرب الماء وأخي الحسين (ع) عطشان ثم جعل يقول:
يا نفس من بعد الحسين هوني وبـعده لا كـنت أو تـكوني
هـذا حـسينٌ وارد الـمنون وتـشـربين بـارد الـمعين
(نصاري)
غـرف غرفة ابيمينه او راد يشرب وگلـبه امـن الـعطش نيران يلهب
ذكـر چبـدة عـضيده والدمع صب ذبـه او عـليّ گال الـماي يـحرم
اشـلون اشـرب ورد ريـان عنك وخـوي احـسين ورده انـمنع منك
يـنـهر الـعلگمي عگبـه عـسنك وردك لا هـنـه ويـصير عـلگم
اشلون اشرب وخوي احسين عطشان او سـكنه والـحرم واطفال رضعان
وظـن گلـب الـعليل التهب نيران يـريت الـماي بـعده لا حله او مر
ثم ملأ القربة وحملها على كتفه وخرج من المشرعة فاستقبلته جموع الأعداء، وصاح ابن سعد: اقطعوا عليه طريقه، ولما رأى ذلك منهم حمل عليهم بسيفه وهو يقول:
إنـي أنـا العباسُ أغدور بالسقا ولا أخـاف الموت يوم الملتقى
نفسي لابن المصطفى الطهر وقا حتى أوارى في المصاليت لقى
فرموه بالنبال من كل جانب حتى صار درعه كالقنفذ من كثرة السهام، فكمن له زيد بن ورقاء من وراء نخلة، وعاونه حكيم بن الطفيل، فضربه على يمينه، فقطعها فأخذ السيف بشماله وهو يقول:
والله إن قـطعتموا يميني إني أحامي أبداً عن ديني
وعـن إمام صادق اليقين نجل النبيِّ الطاهر الأمين
فقاتل القوم حتى ضعف عن القتال، وقد أعياه نزف الدم فكمن له حكيم بن الطفين فضربه بالسيف على شماله فقطعها من الزند. فأخذ يقول:
يا نفس لا تخشي من الكفار وأبـشري بـرحمة الجبار
مع النبي المصطفى المختار قـد قـطعوا ببغيهم يساري
فـأصلهم يا رب حر النار
وعند ذلك وقع السيف من يده، وأخذ القربة بأسنانه. ولم يكن للعباس هم إلا إيصالها إلى المخيم، فقطعوا عليه طريقه وازدحموا عليه وأتته السهام كالمطر من كل جانب، فأصاب القربة سهم فأريق ماؤها، فوقف العباس متحيرا إذ أتاه سهم فأصاب صدره، وسهم آخر أصاب عينه اليمنى فأطفأها، وجمدت الدماء على عينه الأخرى، وجاء إليه رجل من بني تميم فضربه بعمود من حديد على رأسه فخر إلى الأرض صريعا، ونادى بأعلى صوته: عليك مني السلام أبا عبد الله أدركني يا أخي.
فجاء إليه الحسين فرآه مقطوع اليدين، مرضوض الجبين، والسهم نابت في العين، والعلم ممزق إلى جنبه، والقربة مخرَّقة. نادى: الآن انكسر ظهري، الآن قلت حيلتي، الآن شمت بي عدوي.
(نصاري)
تـعنه امـن الـخيم للعلگمي احسين يصيح ابصوت يعضيدي او گعت وين
بـعد مـا شوف دربي يا ضوه العين يـخويه الـكون كـله ابـعيني أظلم
يـخويه ابـياكتر طـاحن ازنـودك يـخويه الـعلم ويـنه اويـن جودك
يـبو فـاضل زمـاني هـم يـعودك او شـملي الـلي تـشتت بـيك يلتم
تـخوصر يم عضيده او صاح اويلي يـشمس انـهاري ويـا بـدر لـيلي
يـبو فـاضل يـخويه اگطعت حيلي او طـود الـصبر مـن بـعدك تهدم
يـخويه الـعلم گلـي ويـن اوديـه يـنور الـعين دربـي بـيش اجديه
حـنه فـوگه يـشمه واشـبچ ايـديه عـليه او صـاح خـويه الله أكـبر
يـخويه امـنين اجـتني هـل رميه يـخـويه اســا وگع بـيتي عـليه
يـخويه اسـا عـدوي شـمت بـيه وشـوفـنك يـبـو فـاضل امـطبر
قال الراوي: فانحنى عليه الحسين ليحتمله ففتح العباس عينيه فرأى أخاه الحسين (ع) يريد أن يحمله فقال له إلى أين تريد بي يا أخي فقال إلى الخيمة، فقال: أخي بحق جدك رسول الله (ص) عليك، أن لا تحملني دعني في مكاني هذا، فقال (ع) لماذا؟ قال لحالتين أما الأولى فإني وعدت ابنتك سكينة بالماء ولم آتها به فإني مستح منها. وأما الثانية فإنه قد نزل بي الموت الذي لابد منه فقال الحسين (ع) جزيت عن أخيك خيرا(2).
(نصاري)
يخويه احسين خليني ابمكاني يگلـه ليش يا زهرة زماني
يگلـه واعـدت سـكنه تراني ابماي او مستحي منها امن اسدر
بچه ونـاده يبعد العگل والروح خـليني يخويه احسين مطروح
امـوت او لا أرد للخيم مجروح اشلون اسدر او تعتبني النساوين
آجركم الله، وبينما الحسين (ع) عند أخيه أبي الفضل إذ شهق شهقة وفارقت روحه الدنيا وصاح الحسين (ع): وا أخاه، وا عباساه(3).
(نصاري)
يـون ونـه او يـون احسين ونات وكـل طبره ابگلب احسين طبرات
اهو ايحاچيه او فاضت روحه ومات وگام احـسين گلبه امشطر اشطور
فقام الحسين محني الظهر يكفكف دموعه بكمه، وهو ينادي، وا أخاه، وا عباساه.
(نصاري)
يخويه انكسر ظهري او لگدر اگوم صـرت مركز يخويه الكل الهموم
يـخويه استوحدوني عگبك الگوم او لا واحـد عـليه بـعد يـنغر
(فائزي)
ظهري انكسر خويه وانته اللي كسرته ماني أخوك اشلون أخوك اليوم عفته
انـته التجيب الماي وانته الكافل انته اتـخلي العقيلة ابلا ولي بين آل أميه
اشـلون اردن لـلخيم والـخيم ظلمه عـباس خويه نومتك علگاع هضمه
مـا بين طفل اليرتجيك وبين حرمه كـلسا تگول اسـا يـجيب الماي ليه
(تخميس)
ألفاهُ مشقوق الجبين ودرعُه بانٍ عليه وليس يمكن نزعه
ومـصابه بحشاه أثر وقعه فـأكبَّ منحنيا عليه ودمعه
صبغ البسيط كأنما هو عندم
ــــــــــــــ
(1) ـ مثير الأحزان ص99. الدر النضيد ص309.
(2) ـ معالي السبطين ج1 ص449.
(3) ـ معالي السبطين ج1ص450. مقتل الحسين عبد الرزاق المقرم.