القصيدة: للشيخ عبد الحسين شكر ت:1285هـ
بـقـيةَ آل الله سـوم عـرابها فـقد سـلبت حربٌ نزارا إهابها
وثـر مـستفزّا آل فـهر بثأرها وجـرّد مـواضيها وقوم كعابها
فـقد قوضت أبناء حربٍ قبابكم وفـي حيكم بالرغم أرست قبابها
وشيعتكم ضاعت فحيث توجهت رأت نوب الأرزاء سدت رحابها
فـنينا فـقم وانـقذ بـقية شملنا فـقد انـشبت فينا أعاديك نابها
اثر نفعها واستنهض الغلب غالبا وثـر مـستفزا خـيليها وركابها
فلك بنو حرب على الرغم توجت برأس حسينٍ في الطفوف حرابها
وتـلك جسوم الهاشميين غودرت طـعام ظباً كانت دماهم شرابها
وتـلك سرايا شيبة الحمد هشمت عـوادي الأعادي شيبها وشبابها
أتـسطيع صـبرا أن يقال أمية أجالت على جسم الحسين عرابها
وإن بـرغم الـغلب أبناء غالبٍ كـريمته أضحى الدماء خضابها
تـخاطب شـجوا حامليه نساؤُه وقـد شب في أحشائها ما أذابها
أتـعلم مـاذا قد حملن على القنا وأي بـني وحـي تـقل كتابها
أتنسى وهل يُنسى وقوفُ نسائكم لـدى ابن زياد إذ أماط حجابها
لـها الله من مسلوبةٍ ثوب عزِّها كـستها سـياط المارقين ثيابها(1)
(نصاري)
رمـانه الـدهر بسهام المصايب او خـله الگلـب منه اليوم ذايب
عگب ذاك الخدر نصبح غرايب يـجلبونه سـبايا ابـين عـسكر
والأصعب من قتل عزنه او ولينه اجـتنه الـناس تـتصدق علينه
او گبل جانت عطاياها امن ايدينه اشـعظمها هـلمصيبه الله اكـبر
او بـعد هـذا لعد گصر الإماره دخـلوها او عـليها الناس تاره
لابـن زيـادها الـمعلن ابـثاره اشتفه ابقتلة احسين او گام يفخر
الرسول (ص) يقبل الحسين في فمه ويقبل الحسين في نحره إشارة إلى مصيرهما
عن ابن عباس، قال: صلينا مع رسول الله (ص) ذات يوم صلاة الصبح في مسجد الآن فلما فرغنا من التعقيب، التفت إلينا بوجهه الكريم، كأنه البدر في ليلة تمامه، واستند على محرابه، وجعل يعظنا بالحديث الغريب، ويشوقنا إلى الجنة ويحذرنا من النيران، ونحن به مسرورون مغبوطون، وإذا به قد ربع رأسه وتهلل وجهه، فنظرنا وإذا بالحسنين مقبلين عليه وكف يمين الحسن (ع) بيسار الحسين (ع) وهما يقولان: من مثلنا؟ وقد جعل الله جدنا أشرف أهل السماوات والأرض وأبونا بعده خير أهل المشرق والمغرب، وأمنا سيدة على جميع نساء العالمين، وجدتنا أم المؤمنين ونحن سيدا شباب أهل الجنة فنظر نحو رسول الله (ص) وإذا بدموعه تجري على خيده فقلنا سبحان الله هذا وقت فرح وسرور فكيف هذا البكاء من رسول الله (ص) فأردنا أن نسأله وإذا به قد ابتدأنا يقول يحزنني الله على ما تلقينان من بعي يا وليدي من الإهانات والأذى وزاد بكاؤه وإذا به قد دعاهما وحطهما في حجره وأجلس الحسن في فخذه الأيمن والحسين على فخذه الأيسر وقبل الحسن (ع) في فمه الشريف وأطال الشم بعدها وقبل الحسين (ع) في نحره بعد أن شمه طويلا فتساقطت دموعه وبكى وبكيا لبكائه ولا علم لنا في ذلك فلما كان إلا وإذا بالحسين (ع) مضى إلى أمه باكيا مغموما فلما دخل عليها ورأته باكيا قامت إليه تمسح بكمها وهي تبكي لبكائه وتقول قرة عيني وثمرة فؤادي ما الذي يبكيك؟ لا أبكى الله لك عينا ما بالك يا حشاشة قلبي؟ قال يا أماه جئت أنا وأخي إلى جدنا لنزوره فأتيناه وهو في المسجد وأبي وأصحابه من حوله مجتمعون فدعا الحسن فأجلسه في فخذه الأيمن وأجلسني على فخذه الأيسر ثم قبل الحسن في فمه وأما أنا فأعرض عن فمي وقبلني في نحري هل في فمي شيء يكرهه يا أماه شيمه أنت قالت الزهراء هيهات يا ولدي.
فأخذت بيد الحسين (ع) وهي تجر أذيالها حتى أتت باب المسجد فلما رآها النبي تنفس الصعداء وبكى كمدا فجرت دموعه على خديه حتى بلت كميه، فقالت: السلام عليك يا أبتاه، فقال: وعليك السلام يا فاطمة ورحمة الله وبركاته، قالت له: يا سيدي أما قلت أنه ـ الحسين ـ ريحانتي التي أرتاح إليها؟ أما قلت هو زين السماوات والأرض؟ قال: نعم يا بنتاه هكذا قلت، قالت أجل كيف ما قبلته كأخيه الحسن؟ وقد أتاني باكيا فلم أزل أسكته فلم يتسكت، وأسليه فلم يتسل، وأعزيه فلم يتعز، قال: يا بنتاه هذا سر أخاف عليك إذا سمعتيه ينكدر عيشك، وينسكر قلبك، قالت: بحقك يا أبتاه ألا تخفيه عليّ.
فبكى وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون: يا بنتاه يا فاطمة هذا أخي جبرئيل أخبرني عن الملك الجليل: أن لابد للحسن أن يموت مسموما فشممته بموضع سمه، ولابد للحسين أن يموت منحورا بسيف فشممته بموضع نحره. فلما سمعت ذلك بكت بكاء عاليا، ولطمت على وجهها، وحثت التراب على رأسها...
أقول:
أفـاطم لو خلت الحسين مجدلا وقـد مات عطشانا بشط فرات
إذن لـلطمت الـخد فاطم عنده وأجريت دمع العين في الوجنات
... ودارت حولها نساء المدينة من المهاجرين والأنصار، فعلى النحيب، وارتج المسجد بمن فيه، حتى خلنا أن الجن تبكي معنا، فقالت: يا أبتاه بأي أرض يصدر عليه في المدينة أم في غيرها؟ قال: في ارض تسمى كربلا، فقالت يا أبتاه صف لي سبب قتله.
فبكى النبي (ص) وقال: يا فاطمة مصيبته أعظم من كل مصيبة، اعلمي أنه يدعوه أهل الكوفة في كتبهم أن أقبل إلينا، فأنت الخليفة علينا من عند الله ورسوله فإذا أتاهم كذبوه وقتلوه عطشانا غريبا وحيدا يناديهم أما من نصير ينصرنا، أمامن مجير يجيرنا، فلم يجبه أحد فيذبح كما يذبح الكبش، ويقتل أنصاره وبنوه وبنوا أخيه وتُعلى رؤوسهم على العوالي، وتؤخذ بناته سبايا حواسر، يطاف بهن في الأمصار كأنهن من السبايا الكفار.
فعندهما نادت فاطمة: وا حسيناه وا مهجة قلباه وا غريباه فبكى كل من كان حاضرا من الأنصار، قال فاطمة: ومتى يكون ذلك؟ قال: من بعدنا كلنا حتى من بعد أخيه الحسن بشهر يسمى المحرم في اليوم العاشر منه وفيه تحرم الكفرة السلاح، وإن أمتي تقتل ولدي، لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة.
قالت: يا أبتاه أجل من يغسله؟ ومن يكفنه؟ ومن يصلي عليه ويدفنه؟ قال: يا فاطمة يبقى جسده على التراب تصهره الشمس وهو في العراء ورأسه على القناة فأعولت بعدها حزنا، فصاح الحسين (ع) يا جداه رزئي عظيم، وخطبي جسيم، فبكى جده وأبوه وأمه وأخوه ومن حضر(2).
ولله در الشاعر:
يـومان لـم ترني الايام مثلهما يـومٌ أسـرّ ويـومٌ زادني أرقا
يومُ الحسينِ رقى صدر النبي به ويوُ شمرٍ على صدر الحسين رقا
(نصاري)
يـجدي الـرمح بفاده تثنه يجدي او بالوجه للسيف رنه
يـجدي او شيبه ابدمه تحنه يجدي او بالرمل خده تعفر
تـناديهم يـهلنا اولا لفوها ولا جدها يجاوبها اولا ابوها
حنَّت وانگطع ظنها امن أخوها او شافت علخيم صوّل العسكر
(أبوذية)
أبـو اليمه العطش روحه أجرها او مصابه ادموع كل مؤمن أجرها
الـباري الـفاطمه عـظّم أجرها واجـر المترضى او سيد البريه
يـا رسـول الله يـا فاطمةُ يـا أمير المؤمنين المرتضى
عـظَّم الله لـك الأجر بمن قض أحشاه الظما حتى قضى
ــــــــــــــ
(1) ـ ديوان عبد الحسين شكر.
(2) ـ تظلم الزهراء.