اللهم إني أسألك يا راحم العبرات ويا كاشف الزفرات أنت الذي تقشع سحائب (1) المحن وقد أمست ثقالا وتجلو ضباب (2) الفتن (3) وقد سحبت أذيالا وتجعل زرعها هشيما وبنيانها هديما وعظامها رميما وترد المغلوب
غالبا والمطلوب طالبا والمقهور قاهرا والمقدور عليه قادراً. فكم يا إلهي من عبد ناداك رب إني مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ ففتحت من نصرك له أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ وفجرت له من عونك
عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ وحملته من كفايتك عَلى ذاتِ أَلْواحٍ ودُسُرٍ. يا من إذا ولج العبد في ليل من حيرته بهيم (4) ولم يجد له صريخا يصرخه من ولي حميم وجد من معونتك
صريخا مغيثا ووليا يطلبه حثيثا ينجيه من ضيق أمره وحرجه ويظهر له أعلام فرجه. اللهم فيا من قدرته قاهرة ونقماته قاصمة لكل جبار دامغة لكل كفور ختار أسألك نظرة من نظراتك رحيمة تجلي بها ظلمة عاكفة
مقيمة في عاهة جفت منها الضروع وتلفت منها الزروع وانهلت من أجلها الدموع واشتمل لها على القلوب اليأس وجرت بسببها الأنفاس.
إلهي فحفظاً حفظاً لغرائز غرسها وشربها بيد الرحمن ونجاتها بدخول الجنان أن تكون بيد الشيطان تحز وبفأسه تقطع وتجز إلهي فمن أولى منك بأن يكون عن حريمك دافعا ومن أجدر منك بأن يكون عن حماك
مانعاً. إلهي إن الأمر قد هال فهونه وخشن فألنه وإن القلوب كاعت (5) فطمنها والنفوس ارتاعت فسكنها إلهي إلهي تدارك أقداما زلت وأفهاما في مهامه (6) الحيرة ضلت إن رأت جبرك على كسيرها وإطلاقك
لأسيرها وإجارتك لمستجيرها أجحف الضر بالمضرور ولبى داعيه بالويل والثبور فهل تدعه يا مولاي فريسة للبلاء وهو لك راج أم هل يخوض لجة الغماء وهو إليك لاج. مولاي إن كنت لا أشق على نفسي في التقى ولا
أبلغ في حمل أعباء الطاعة مبلغ الرضا ولا أنتظم في سلك قوم رفضوا الدنيا فهم خمص (7) البطون من الطوى (8) ذبل الشفاه من الظمأ عمش العيون من البكاء بل أتيتك بضعف من العمل وظهر ثقيل بالخطايا والزلل
ونفس للراحة معتادة ولدواعي الشر منقادة. أفما يكفيني يا رب وسيلة إليك وذريعة لديك إنني لأولياء دينك موال وفي محبتهم مغال ولجلباب البلاء فيهم لابس ولكتاب تحمل العناء بهم دارس أما يكفيني أن
أروح فيهم مظلوما وأغدو مكظوما وأقضي بعد هموم هموما وبعد وجوم وجوما. أما عندك يا مولاي بهذه حرمة لا تضيع وذمة بأدناها يقتنع فلم لا تمنعني يا رب وها أنا ذا غريق وتدعني هكذا وأنا بنار عدوك
حريق.
مولاي أتجعل أولياءك لأعدائك طرائد ولمكرهم مصائد وتقلدهم من خسفهم قلائد وأنت مالك نفوسهم لو قبضتها جمدوا وفي قبضتك مواد أنفاسهم لو قطعتها خمدوا (9) فما يمنعك يا رب أن تكشف بأسهم وتنزع عنهم
في حفظك لباسهم وتعريهم من سلامة بها في أرضك يسرحون وفي ميدان البغي على عبادك يمرحون (10). إلهي أدركني ولما يدركني الغرق وتداركني ولما غيب شمسي الشفق إلهي كم من خائف التجأ إلى سلطان فآب عنه
محفوفا بأمن وأمان أفأقصد أعظم من سلطانك سلطانا أم أوسع من إحسانك إحسانا أم أكثر من اقتدارك اقتدارا أم أكرم من انتصارك انتصارا ما عذري يا إلهي إذا حرمت في حسن الكفاية نائلك وأنت أنت الذي لا يخيب
آملك ولا يرد سائلك. إلهي إلهي أين رحمتك التي هي نصرة المستضعفين من الأنام وأين أين كفايتك التي هي جنة المستهدفين لجور الأيام إلي إلي بها يا رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ إني
مَسَّنِيَ الضُّرُّ وأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.
مولاي ترى تحيري في أمري وانطواي على حرقة قلبي وحرارة صدري فجد لي يا رب بما أنت أهله فرجا ومخرجا ويسر لي نحو اليسر منهجا واجعل من ينصب الحبالة لي ليصرعني بها صريعا فيما مكر ومن يحفر لي البئر
ليوقعني فيها واقعا فيما حفر واصرف عني شره ومكره وفساده وضره ما تصرفه عن القوم المتقين. إلهي عبدك عبدك أجب دعوته وضعيفك ضعيفك فرج غمته فقد انقطع به كل حبل إلا حبلك وتقلص (11) عنه كل ظل إلا
ظلك. مولاي دعوتي هذه إن رددتها أين تصادف موضع الإجابة ومخيلتي هذه إن كذبتها أين تلاقي موضع الإصابة فلا ترد عن بابك من لا يعرف غيره بابا ولا تمنع دون جنابك من لا يعرف سواه جنابا. إلهي إن
وجها إليك برغبته توجه فالراغب خليق بأن لا يخيبه وإن جبينا لديك بابتهاله سجد حقيق أن يبلغ المبتهل ما قصد وإن خدا عندك بمسألته تعفر جدير أن يفوز السائل بمراده ويظفر هذا يا إلهي تعفير خدي وابتهالي
في مسألتك وجدي فلق رغباتي برحمتك قبولا وسهل إلى طلباتي برأفتك وصولا وذلل لي قطوف ثمرة إجابتك تذليلاً. إلهي وإذ أقام ذو حاجة في حاجته شفيعا فوجدته ممتنع النجاح مضيعا فإني أستشفع إليك بكرامتك
والصفوة من أنبيائك الذين بهم أنشأت ما يقل ويظل ونزلت ما يدق ويجل.
أتقرب إليك بأول من توجته تاج الجلالة وأحللته من الفطرة محل السلالة حجتك في خلقك وأمينك على عبادك محمد رسولك(ص) وبمن جعلته لنوره مغرما وعن مكنون سره معربا سيد الأوصياء وإمام الأتقياء يعسوب
الدين وقائد الغر المحجلين أبي الأئمة الراشدين علي أمير المؤمنين وأتقرب إليك بخيرة الأخيار وأم الأنوار والإنسية الحوراء البتول العذراء فاطمة الزهراء وبقرّتي عين الرسول و ثمرتي فؤاد البتول السيدين
الإمامين أبي محمد الحسن وأبي عبد الله الحسين وبالسجاد زين العباد ذي الثفنات راهب العرب علي بن الحسين وبالإمام العالم والسيد الحاكم النجم الزاهر والقمر الباهر مولاي محمد بن علي الباقر وبالإمام
الصادق مبين المشكلات مظهر الحقائق المفحم (12) بحجته كل ناطق مخرس ألسنة أهل الجدال مسكن الشقاشق مولاي جعفر بن محمد الصادق وبالإمام التقي والمخلص الصفي والنور الأحمدي والنور الأنور والضياء الأزهر
مولاي موسى بن جعفر وبالإمام المرتضى والسيف المنتضى (13) مولاي علي بن موسى الرضا وبالإمام الأمجد والباب الأقصد والطريق الأرشد والعالم المؤيد ينبوع الحكم ومصباح الظلم سيد العرب والعجم الهادي إلى
الرشاد والموفق بالتأييد والسداد مولانا محمد بن علي الجواد وبا لإمام منحة الجبار ووالد الأئمة الأطهار علي بن محمد المولود بالعسكر الذي حذر بمواعظه وأنذر وبالإمام المنزه عن المآثم المطهر من المظالم
الحبر العالم بدر الظلام وربيع الأنام التقي النقي الطاهر الزكي مولاي أبي محمد الحسن بن علي العسكري.
وأتقرب إليك بالحفيظ العليم الذي جعلته على خزائن الأرض والأب الرحيم الذي ملكته أزمة البسط والقبض صاحب النقيبة الميمونة وقاصف الشجرة الملعونة مكلم الناس في المهد والدال على منهاج الرشد الغائب
عن الأبصار الحاضر في الأمصار الغائب عن العيون الحاضر في الأفكار بقية الأخيار الوارث لذي الفقار الذي يظهر في بيت الله ذي الأستار العالم المطهر الحجة بن الحسن عليهم أفضل التحيات وأعظم البركات وأتم
الصلوات. اللهم فهؤلاء معاقلي إليك في طلباتي ووسائلي فصل عليهم صلاة لايعرف سواك مقاديرها ولا يبلغ كثير الخلائق صغيرها وكن لي بهم عند أحسن ظني وحقق لي بمقاديرك بهية التمني. إلهي لاركن لي
أشد منك فآوي إلى ركن شديد ولا قول لي أسد من دعائك فأستظهرك بقول سديد ولا شفيع لي إليك أوجه من هؤلاء فآتيك بشفيع وديد فهل بقي يا رب غير أن تجيب وترحم مني البكاء والنحيب يا من لا إله سواه يا من
يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ يا راحم عبرة يعقوب يا كاشف ضر أيوب اغفر لي وارحمني وانصرني على القوم الكافرين وافتح لي فتحا وأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ يا ذا القوة المتين يا أرحم الراحمين.
*******
(1) السحاب (خ ل)، اقشع السحاب: ازاله وكشفه.
(2) الضباب: ندى كالغبار او هو سحاب رقيق يغشى الارض كالدهان.
(3) الاحن (خ ل)، اقول: الاحن: جمع الاحنة، وهي الحقد والعداوة.
(4) ليل بهيم: شديد الظلمة لاضوء فيها الى الصباح.
(5) كيعوعة القلب: جبنها وروعتها.
(6) المهامه ج مهمهة: البلد القفر والمفازة البعيدة.
(7) خمص البطن: ضمر، الخميص: ضامر البطن.
(8) طوى الرّجل: تعمّد الجوع وقصده.
(9) خمدت النار: سكن لهبها.
(10) مرح الرجل: اشتدّ فرحه ونشاطه.
(11) قلص الظل عن كذا: انقبض.
(12) افحمه: اسكته بالحجة.
(13) انتضى السيف: سلّه من غمده.