إلهى وقفت بين يديك، ومددت يدي إليك، مع علمي بتفريطي في عبادتك، وإهمالي لكثير من طاعتك، ولو أني سلكت سبيل الحياء لخفت من مقام الطلب والدعاء، ولكني يا رب لما سمعتك تنادي المسرفين إلى بابك، وتعدهم
بحسن إقالتك وثوابك، جئت ممتثلا للنداء، ولائذا بعواطف أرحم الرحماء. وقد توجهت إليك بنبيك صلى الله عليه وآله الذي فضلته على أهل الطاعة، ومنحته بالاجابة والشفاعة، وبوصية المختار المسمى
عندك بقسيم الجنة والنار، وبفاطمة سيدة النساء، وبأبنائها الاولياء الاوصياء، وبكل ملكٍ خاصة يتوجهون بهم إليك، ويجعلوهم الوسيلة في الشفاعة لديك، وهؤلاء خاصتك، فصل عليهم وآمني من أخطار لقائك، واجعلني
من خاصتك وأحبائك، فقد قدّمت أمام مسألتك ونجواك ما يكون سببا إلى لقائك ورؤياك، وإن رددت مع ذلك سؤالي، وخابت إليك آمالي فمالك رأى من مملوكه ذنوبا فطرده عن بابه، وسيد راى من عبده عيوبا فأعرض عن
جوابه.
يا شقوتاه إن ضاقت عني سعة رحمتك، إن طردتني عن بابك على باب من أقف بعد بابك، وإن فتحت لدعائي أبواب القبول، وأسعفتني ببلوغ السؤل، فمالك بدء بالاحسان وأحب إتمامه، ومولى اقال عثرة عبده ورحم
مقامه، وهناك لا أدري اي نعمك اشكر؟ أحين تطولت علي بالرضا، وتفضلت بالعفو عما مضى، أم حين زدت على العفو والغفران باستيناف الكرم والاحسان. فمسئلتي لك يا رب في هذا المقام الموصوف، مقام
العبد البائس الملهوف، أن تغفر لي ما سلف من ذنوبي، وتعصمني فيما بقي من عمري، وأن ترحم والدي الغريبين في بطون الجنادل، البعيدين من الاهل والمنازل، صل وحدتهما بأنوار إحسانك، وآنس وحشتهما بآثار
غفرانك، وجدد لمحسنهما في كل وقت مسرة ونعمة ولمسيئهما مغفرة ورحمة حتى يأمنا بعاطفتك من أخطار القيامة، وتكسنهما برحمتك في دار المقامة، وعرف بيني وبينهما في ذلك النعيم الرائق، حتى تشمل بنا مسرة
السابق، واللاحق به. سيدي وإن عرفت من عملي شيئا يرفع من مقامهما، ويزيد في إكرامهما فاجعله ما يوجبه حقهما لهما، واشركني في الرحمة معهما، وارحمهما كما ربياني صغيراً.
الهي بدت قدرتك، ولم تبد هيئة لك، فجهلوك وقدّروك، والتقدير على غير ما به شبّهوك، فأنا بريء يا الهي من الذين بالتشبيه طلبوك، ليس كمثلك شيء ولن يدركوك، ظاهر ما بهم من نعمتك، دلّهم عليك لو
عرفوك، وفي خلقك يا الهي مندوحة(1) إن يتناولوك، بل شبّهوك بخلقك، فمن ثمّ لم يعرفوك، واتخذوا بعض آياتك ربّاً، فبذلك وصفوك، فتعاليت يا الهي وتقدّست عمّا به المشبهون نعتوك. يا سامع كل صوت،
ويا سابق كل فوت، يا محيي العظام وهي رميم، ومنشئها بعد الموت، صل على محمّد وآل محمّد، واجعل لي من كل همّ فرجاً ومخرجاً، وجميع المؤمنين إنّك على كل شيءٍ قدير.
*******
(1) المندوحة: اي في خلقك سعة لهم ان ارادوا معرفتك با يتفكروا فيه فيعرفوك بافعالك وآياتك من ان يتناولوا ذاتك ويتفكّروا في حقيقتك وكنهك، بل بسبب تفكّرهم في ذاتك سوّوك بخلقك.