من مختصر الوصف مما رواه علماء المخالفين عن يوم الغدير
اعلم ان نص النبي صلوات الله عليه وآله على مولانا على بن أبى طالب صلوات الله عليه يوم الغدير بالإمامة لا يحتاج إلى كشف وبيان لأهل العلم والأمانة والدراية ، وانما نذكر تنبيها على بعض رواه ليقصد من
شاء ويقف على معناه .
فمن ذلك ما صنفه أبو سعد مسعود بن ناصر السجستاني المخالف لأهل البيت في عقيدته ، المتفق عند أهل المعرفة به على صحة ما يرويه لأهل البيت وأمانته ، صنف كتابا سماه كتاب الدراية في حديث الولاية ، وهو
سبعة عشر جزء ، روى فيه حديث نص النبي عليه أفضل السلام بتلك المناقب والمراتب على مولانا على بن أبى طالب عليه السلام عن مائة وعشرين نفسا من الصحابة .
ومن ذلك ما رواه محمد بن جرير الطبري صاحب التاريخ الكبير صنفه وسماه كتاب الرد على الحرقوصية (1) ، روى فيه حديث يوم الغدير وما نص النبي على على عليه السلام بالولاية والمقام الكبير ، وروى ذلك من خمس
وسبعين طريقا .
ومن ذلك ما رواه أبو القاسم عبيدالله الحسكاني في كتابي سماه كتاب دعاء الهداة إلى أداء حق الموالاة .
ومن ذلك الذى لم يكن مثله في زمانه أبو العباس احمد بن سعيد بن عقدة الحافظ ، الذي زكاة وشهد بعلمه الخطيب مصنف تاريخ بغداد (2) ، فانه صنف كتابا سماه حديث الولاية ، وجدت هذا الكتاب بنسخة قد كتبت في
زمان أبى العباس بن عقدة مصنفه ، تاريخها ، سنة ثلاثين وثلاثمائة صحيح النقل ، عليه خط الطوسي وجماعة من شيوخ الإسلام ، لا يخفى صحة ما تضمنه على أهل الإفهام ، وقد روى فيه نص النبي صلوات الله عليه على
مولانا على عليه السلام بالولاية من مائة وخمس طرق . وان عددت أسماء المصنفين من المسلمين في هذا الباب ، طال ذلك على من يقف على هذا الكتاب ، وجميع هذه التصانيف عندنا الآن الا كتاب الطبري (1) .
جدير بنا أن نذكر هنا بعض مصادر أهل السنة التى يذكر فيها حديث ولاية الكبرى : رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق 2 : 26 ، الذهبي في ميزان الاعتدال 2 : 303 الطحاوي في مشكل الاثار 2 : 307 ، ابن كثير في
البداية والنهاية 5 : 211 ،
ابن حجر في لسان الميزان 2 : 379 ، وفى مطالب العالية 4 : 65 ، ابن حسنوية في در ربحر المناقب : 92 ، ابن حجر في الاصابة 2 : 414 ، الأمر تسرى في أرجح المطالب : 581 ، المتقى الهندي في كنز العمال
12 : 258 و 15 : 115 ،
السيوطي في الحبائك في اخبار الملائك : 131 ، الخوارزمي في المناقب : 115 ، العاصمى في زين الفتى 1 : 46 ، العسقلاني في الكاف الشاف : 96 ، الحاكم في المستدرك 3 : 371 ، ابن حبان في مسنده 2 : 179
، البزاز في مسنده 1 : 100 ،
احمد بن حنبل في الفضائل : 290 ، الهيثمى في مجمع الزوائد 9 : 17 ، السيوطي في تاريخ الخلفاء : 169 ، الكنجى في كفاية الطالب : 56 ، النسائي في الخصائص : 1 ، البدخشى في مفتاح النجاح : 58 ، الدولابى في
الكنى والأسماء 2 : 88 ، الرازي في نهاية العقول : 199 ،
الحموينى في فرائد السمطين 1 : 59 ، الحضرمي في وسيلة - المال على مافى الغدير - 1 : 176 ، ابن قتيبة في الامامة والسياسة : 93 ، الكتاني في نظم المتناثر : 124 ، الترمذي في المناقب المرتضوية : 125 ،
العينى الحيدر آبادى في المناقب : 37 ،
الحسكاني في شواهد التنزيل 1 : 173 القلندر هندي في رياض الأزهر : 0 10 ، النبهاني في فتح الكبير 2 : 242 ، الخطيب في تاريخ بغداد 12 : 343 ، مجدالدين الطبري في رياض النضرة 2 : 203 ، الشوكاني في
تفسيره 2 : 57 ،
السيوطي في جامع الصغير : 141 ، السمهودى في ينابيع المودة : 38 ، القرمانى في اخبار الدول : 102 ، ابن صباغ المالكى في فصول المهمة : 23 .
ما رواه ايضا مخالفوا الشيعة المعتمد عليهم في النقل . فمن ذلك ما رواه عنهم مصنف كتاب الخالص ، المسمى بالنسر والطى ، وجعله حجة ظاهرة باتفاق العدو والولي ، وحمل به نسخة إلى الملك شاه مازندران رستم
بن على لما حضرته بالري ، فقال فيما رواه عن رجالهم : فصل : وعن احمد بن محمد بن على المهلب ، اخبرنا الشريف أبو القاسم على بن محمد بن على بن القاسم الشعراني ، عن أبيه ، حدثنا سلمة بن الفضل الأنصاري
، عن أبى
مريم ، عن قيس بن حنان ، عن عطية السعدى ، قال : سألت حذيفة بن اليمان عن اقامة النبي صلى الله عليه وآله عليا يوم الغدير كيف كان ؟ فقال : ان الله تعالى انزل على نبيه صلى الله عليه وآله .
أقول : لعله يعنى بالمدينة . ( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين ) (1) ، فقالوا : يا رسول الله ما هذه الولاية التي
انتم بها أحق بأنفسنا ؟ فقال عليه السلام : السمع والطاعة فيا أحببتم وكرهتم ، فقلنا : سمعنا واطعنا ، فأنزل الله تعالى : ( واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا واطعنا ) (2) .
فخرجنا إلى مكة مع النبي صلى الله عليه وآله في حجة الوداع ، فنزل جبرئيل عليه السلام فقال : يا محمد ان ربك يقرئك السلام ويقول : انصب عليا عليه السلام علما للناس ، فبكى النبي صلى الله عليه وآله حتى
أخضلت لحيته (3) ، وقال : يا جبرئيل ان قومي حديثوا عهد بالجاهلية ضربتهم على الدين طوعا وكرها حتى انقادوا لي فكيف إذا حملت على رقابهم غيري ، قال : فصعد جبرئيل .
ثم قال صاحب كتاب النشر والطى : عن حذيفة : وقد كان النبي صلى الله عليه وآله بعث عليا عليه السلام الى اليمن فوافى مكة ونحن مع الرسول ، ثم توجه على عليه السلام يوما نحو الكعبة يصلى ، فلما ركع أتاه
سائل فتصدق عليه بحلقة خاتمة ،
فانزل الله تعالى : ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) (4) . فكبر رسول الله وقرأه علينا ثم قال : قوموا نطلب هذه الصفة التي وصف الله بها ،
فلما دخل رسول الله المسجد استقبله سائل ، فقال : من اين جئت ؟ فقال : من عند هذا المصلى تصدق على بهذه الحلقة وهو راكع . فكبر رسول الله صلى الله عليه وآله ومضى نحو على فقال : يا على ما أحدثت اليوم
من خير ؟ فاخبره بما كان منه إلى السائل ، فكبر ثالثة . فنظر المنافقون بعضهم إلى بعض وقالوا : ان افئدتنا لا تقوى على ذلك أبدا مع الطاعة له ، فنسأل رسول الله صلى الله عليه وآله ان يبدله لنا ، فاتوا
رسول الله صلى الله عليه وآله فاخبروه بذلك ، فانزل الله تعالى قرآنا وهو : ( قل ما يكون لي ان أبدله من تلقاء نفسي - الآية ) (1) ، فقال جبرئيل : يا رسول الله اتمه ، فقال حبيبي جبرئيل : قد سمعت ما
تؤامروا به ، فانصرف عن رسول الله الأمين جبرئيل .
ثم قال صاحب كتاب النشر والطى من غير حديث حذيفة : فكان من قول رسول الله في حجة الوداع بمنى : يا أيها الناس إني قد تركت فيكم أمرين ان أخذتم بهما لن تضلوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وانه قد نبأني
اللطيف الخبير انهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض كاصبعي هاتين - وجمع بين سبابيته - ألا فمن اعتصم بهما فقد نجا ومن خالفهما فقد هلك ، الأهل بلغت أيها الناس ؟ قالوا : نعم ، قال : اشهد .
ثم قال صاحب كتاب النشر والطى : فلما كان في آخر يوم من ايام التشريق انزل الله عليه : ( إذا جاء نصر الله والفتح إلى آخرها ) (2) ، فقال عليه السلام : نعيت إلى نفسي ، فجاء إلى المسجد الخيف فدخله
ونادى : الصلاة جامعة ، فاجتمع الناس فحمد الله واثنى عليه - وذكر خطبته عليه السلام . ثم قال فيها : أيها الناس إني تارك فيكم الثقلين ، الثقل الأكبر كتاب الله عز وجل ، طرف بيد الله عز وجل وطرف
بأيديكم فتمسكوا به ، والثقل الأصغر عترتي أهل بيتي ، فانه نبأني اللطيف الخبير انهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض كاصبعي هاتين - وجمع بين سبابتيه - ولا أقول كهاتين - وجمع بين سبابيته والوسطى -
فتفضل هذه على هذه .
قال مصنف كتاب النشر والطى : فاجتمع قوم وقالوا : يريد محمد ان يجعل الإمامة في أهل بيته ، فخرج منهم أربعة ودخلوا إلى مكة ، ودخلوا الكعبة وكتبوا فيما بينهم : ان أمات الله محمدا أو قتل لا يرد هذا
الأمر في أهل بيته ، فانزل الله تعالى : ( أم ابرموا أمرا فانا مبرمون ، أم يحسبون انا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون ) (1) .
أقول : فانظر هذا التدريج من النبي صلى الله عليه وآله ، والتلطف من الله جل جلاله في نصه على مولانا على صلوات الله عليه ، فاول امره بالمدينة قال سبحانه : ( أولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب
الله من المؤمنين والمهاجرين ) (2) ، فنص على ان الأقرب إلى النبي صلوات الله عليه أولى به من المؤمنين والمهاجرين ، فعزل جل جلاله عن هذه الولاية المؤمنين والمهاجرين ، وخص بها أولى الأرحام من سيد
المرسلين . ثم انظر كيف نزل جبرئيل بعد خروجه عليه السلام إلى مكة بالتعيين على على عليه السلام ، فلما راجع النبي صلوات الله عليه وأشفق على قومه من حسدهم لعلى عليه السلام ، كيف عاد الله جل جلاله
وأنزل : ( إنما وليكم الله ورسوله ) (3) ، وكشف عن على عليه السلام بذلك الوصف ، ثم انظر
كيف مال النبي صلى الله عليه وآله إلى التوطئة بذكر أهل بيته بمنى ، ثم عاد ذكرهم في مسجد الخيف .
ثم ذكر صاحب كتاب النشر والطي توجههم إلى المدينة ومراجعة رسول الله مرة بعد مرة لله جل جلاله ، وما تكرر من الله تعالى إلى رسول الله في ولاية على عليه السلام ، قال حذيفة : واذن النبي صلى الله عليه
وآله بالرحيل نحو المدينة فارتحلنا
ثم قال صاحب كتاب النشر والطي : فنزل جبرئيل على النبي عليهما السلام بضجنان (4) في حجة الوداع باعلان على عليه السلام .
ثم قال صاحب الكتاب : فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله حتى نزل الجحفة ، فلما نزل القوم واخذوا منازلهم ، فأتاه جبرئيل عليه السلام فأمره ان يقوم بعلى عليه السلام وقال : يا رب ان قومي حديثوا عهد
بالجاهلية فمتى افعل هذا يقولوا : فعل بابن عمه . أقول : وزاد في الجحفة ، أبو سعيد مسعود بن ناصر السجستاني في كتاب الدراية ، فقال باسناده من عدة طرق الى عبد الله بن عباس قال : لما خرج النبي
صلى الله عليه وآله في حجة الوداع ، فنزل جحفة اتاه جبرئيل عليه السلام فأمره ان يقوم بعلي عليه السلام قال : ألستم تزعمون انى أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : فمن كنت
مولاه فعلى مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، وأحب من أحب وابغض من ابغضه وانصر من نصره ، وأعن من عانه ، قال ابن عباس : وجببت والله في اعناق الناس .
أقول : وسار النبي صلى الله عليه وآله من جحفة . قال مسعود السجستاني في كتاب الدراية بإسناده إلى عبد الله بن عباس ايضا قال : امر رسول الله صلى الله عليه وآله ان يبلغ ولاية على عليه السلام ، فأنزل
الله تعالى : ( يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك وان لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ) (1)
يقول رضي الدين ركن الإسلام أبو القاسم على بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاووس أمده الله بعناياته وأيده بكراماته : اعلم ان موسى نبي الله راجع الله تعالى في إبلاغ رسالته وقال في مراجعته : ( انى
قتلت منهم نفسا فأخاف ان يقتلون ) (2) ، وإنما كان قتل نفسا واحدة ، واما على بن أبى طالب ، فانه كان قد قتل من قريش وغيرهم من القبائل قتلى كل واحد منهم .
يحتمل مراجعة النبي صلى الله عليه وآله لله جل جلاله في تأخير ولاية مولانا على عليه السلام وترك اظهار عظيم فضله وشرف محله ، وكان النبي شفيقا على أمته كما
وصفه الله جل جلاله ، فاشفق عليهم من الامتحان بإظهار ولاية على عليه السلام في أوان . ويحتمل ان يكون الله جل جلاله أذن للنبي عليه السلام في مراجعته لتظهر لامته انه ما آثره لمولانا على عليه السلام ،
وانما الله جل جلاله آثره كما قال : ( ما ينطق عن الهوى ان هو إلا وحى يوحى ) (1) .
قال صاحب كتاب النشر والطي في تمام حديثه ما هذا لفظه : فهبط جبرئيل فقال : اقرء : ( يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك - الآية ) ، وقد بلغنا غدير خم في وقت لو طرح اللحم فيه على الأرض لانشوى (2)
، وانتهى إلينا رسول الله فنادى : الصلاة جامعة ، ولقد كان أمر على عليه السلام أعظم عند الله مما يقدر ، فدعا المقداد وسلمان وأبا ذر وعمار ، فأمرهم أن يعمدوا إلى أصل شجرتين فيقموا (3) ما تحتهما
فكسحوه (4) ، وأمرهم ان يضعوا الحجارة بعضها على بعض كقامة رسول الله صلى الله عليه وآله ، وأمر بثوب فطرح عليه ، ثم صعد النبي صلى الله عليه وآله المنبر ينظر يمنة ويسره ينتظر اجتماع الناس إليه . فلما
اجتمعوا فقال : الحمدلله الذي علا في توحده ودنا في تفرده - إلى ان قال : - اقر له على نفسي بالعبودية واشهد له بالربوبية واؤدى ما أوحى إلى ، حذر ان لم افعل ان تحل بي قارعة (5) ، أوحى إلى : ( يا أيها
الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك - الآية ) .
معاشر الناس ما قصرت في تبليغ ما انزله الله تبارك وتعالى ، وانا أبين لكم سبب هذه الآية ، ان جبرئيل هبط إلى مرارا أمرني عن السلام ان أقول في المشهد واعلم الأبيض والأسود ، ان على بن أبى طالب أخي
وخليفتي والإمام بعدى . أيها الناس علمي بالمنافقين - الذين يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ويحسبونه
هينا وهو عند الله عظيم ، وكثرة إذا هم لى مرة سموني اذنا لكثرة ملازمته اياى واقبالي عليه ، حتى انزل الله : ( ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن ) (1) - محيط (2) ، ولو شئت ان اسمي القائلين
بأسمائهم لسميت .
واعلموا ان الله قد نصبه لكم وليا واماما ، مفترضا طاعته على المهاجرين والأنصار وعلى التابعين وعلى البادي والحاضر ، وعلى العجمي والعربي ، وعلى الحر والمملوك ، وعلى الكبير والصغير ، وعلى الأبيض
والأسود ، وعلى موحد ، فهو ماض حكمه ، جائز قوله ، نافذ أمره ، ملعون من خالفه ومرحوم من صدقه .
معاشر الناس تدبروا القرآن وافهموا آياته ومحكماته ولا تتبعوا فوالله لا يوضح تفسيره الا الذي انا آخذ بيده ورافعها بيدي ، ومعلمكم ان من كنت مولاه فهو مولاه ، وهو على .
معاشر الناس ان عليا والطيبين من ولدى من صلبه هم الثقل الأصغر والقرآن الثقل الأكبر ، لن يفترقا حتى يردا على الحوض ، ولا يحل امرة المؤمنين لأحد بعدى غيره . ثم ضرب بيده على عضده ، فرفعه على درجة دون
مقامه متيامنا عن وجه رسول الله صلى الله عليه وآله ، فرفعه بيده وقال : أيها الناس من أولى بكم من أنفسكم ؟ قالوا : الله ورسوله ، فقال : الأمن كنت مولاه فهذا على مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من
عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، انما أكمل الله لكم دينكم بولايته وإمامته ، وما نزلت آية خاطب الله بها المؤمنين الا بدأ به ، ولا شهد الله بالجنة في هل أتى الا له ، ولا انزلها في غيره ،
ذرية كل نبى من صلبه وذريتي من صلب على ، لا يبغض عليا الا شقي ولا يوالى عليا الا تقي ، وفى علي نزلت ( والعصر ) ، وتفسيرها : ورب عصر القيامة ، ( ان الإنسان لفي خسر ) أعداء آل محمد ، ( إلا الذين
آمنوا ) بولايتهم ، ( وعملوا الصالحات ) بمواساة إخوانهم ، ( وتواصوا بالصبر ) في غيبة غائبهم .
معاشر الناس آمنوا بالله والنور الذي انزل ، انزل الله النور في ، ثم في على ، ثم النسل منه إلى المهدى ، الذي يأخذ بحق الله ، معاشر الناس انى رسول الله قد خلت من قبلي الرسل ، الا ان عليا الموصوف
بالصبر والشكر ثم من بعده من ولده من صلبه .
معاشر الناس قد ضل من قبلكم أكثر الأولين ، انا صراط الله المستقيم الذي آمركم ان تسلكوا الهدى إليه ، ثم على من بعدى ، ثم ولدى من صلبه أئمة يهدون بالحق ، انى قد بينت لكم وفهمتكم ، هذا على يفهمكم
بعدى ، الا وانى بايعت لله وعلى بايع لي ، وأنا آخذكم بالبيعة له عن الله ، ( فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما ) (1)
معاشر الناس انتم أكثر من ان تصافحوني بكف واحدة قد أمرني الله ان آخذ من ألسنتكم الإقرار بما عقدتم الامرة لعلى بن أبى طالب ، ومن جاء من بعده من الأئمة منى منه ، على ما أعلمتكم ان ذريتي من صلبه
فليبلغ الحاضر الغائب ، فقولوا : سامعين مطيعين راضين لما بلغت عن ربك ، نبايعك على ذلك بقلوبنا وألسنتنا وأيدينا ، على ذلك نحيا ونموت ونبعث ، لا نغير ولا نبدل ولا نشك ولا نرتاب ، أعطينا بذلك الله
وإياك ، وعليا والحسن والحسين والأئمة الذين ذكرت ، كل عهد وميثاق من قلوبنا وألسنتنا ، ونحن لا نبتغى بذلك بدلا ونحن نؤدي ذلك إلى كل من رأينا .
فبادر الناس بنعم نعم ، سمعنا واطعنا أمر الله وأمر رسوله آمنا به بقلوبنا وتداكوا (2) على رسول الله وعلى عليهما السلام بأيديهم ، إلى ان صليت الظهر والعصر في وقت واحد ، وباقي ذلك اليوم إلى ان صليت
العشاء آن في وقت واحد ورسول الله صل الله عليه وآله يقول كلما أتى فوج : ( الحمد لله الذي فضلنا على العالمين . ) (3)
فصل : واما رواه مسعود بن ناصر السجستاني في صفة نص النبي صلى الله عليه وآله على مولانا على عليه السلام بالولاية ، فانه مجلد أكثر من عشرين كراسا .
واما الذي ذكره محمد بن جرير صاحب التاريخ في ذلك فانه مجلد ، وكذلك ما ذكره أبو العباس بن عقدة وغيره من العلماء وأهل الروايات فانها عدة مجلدات .
فصل : واما ما جرى من اظهار بعض من حضر في يوم الغدير لكراهة نص النبي صلوات الله عليه على مولانا على صلوات الله عليه .
فقد ذكر الثعلبي في تفسيره : ان الناس تنحوا عن النبي عليه السلام ، فأمر عليا فجمعهم ، فلما اجتمعوا قام وهو متوسد على يد على بن أبى طالب ، فحمد الله وأثنى عليه . ثم قال : ايها الناس انه قد كرهت
تخلفكم عنى حتى خيل إلى انه ليس شجرة ابغض اليكم من شجرة تليني ، ثم قال : لكن على بن أبى طالب أنزله الله منى بمنزلتي منه ، فرضى الله عنه كما أنا راض عنه ، فانه لا يختار على قريى ومحبى شيئا ، ثم رفع
يديه فقال : من كنت مولاه فعلى مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه . قال : فابتدر الناس إلى رسول الله عليه وآله يبكون ويتضرعون ويقولون : يا رسول الله ما تنحينا عنك الا كراهية ان نثقل عليك ،
فنعوذ بالله من سخط رسوله ، فرضى رسول الله صلى الله عليه وآله عنهم عند ذلك (1) .
فصل : وقال مصنف كتاب النشر والطى : قال أبو سعيد الخدري : فلم ننصرف حتى نزلت هذه الآية : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) (2) ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله
: الحمد لله على كمال الدين وتمام النقمة ورضى الرب برسالتي وولاية على بن أبى طالب ، ونزلت : ( اليوم يئس الذين كفروا من دينكم - الآية ) (3) .
قال صاحب الكتاب : فقال الصادق عليه السلام : يئس الكفرة وطمع الظلمة .وقال مسلم في صحيحة بإسناده إلى طارق بن شهاب قال : قالت اليهود لعمر : لو علينا معشر اليهود نزلت هذه الآية : ( اليوم أكملت لكم
دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) ، نعلم اليوم الذي أنزلت فيه لا تخذنا ذلك اليوم عيدا (1) .
وروى نزول هذه يوم الغدير جماعة من المخالفين ذكرناهم في الطرائف (2) .
وقال مصنف كتاب النشر والطى ما هذا لفظه :
فصل : وروى ان الله تعالى عرض عليا على الأعداء يوم الابتهال فرجعوا عن العداوة وعرضه على الأولياء يوم الغدير فصاروا أعداء ، فشتان ما بينهما .
وروى أبو سعيد السمان بإسناده ان إبليس أتى رسول الله صلى الله عليه وآله في صورة شيخ حسن السمت ، فقال : يا محمد ما اقل من يبايعك على ما تقول في ابن عمك على ؟ فأنزل الله : ( ولقد صدق عليهم إبليس ظنه
فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين ) (3) ، فاجتمع جماعة من المنافقين الذين نكثوا عهده فقالوا : قد قال محمد بالأمس في مسجد الخيف ما قال ، وقال هاهنا ما قال ، فان رجع إلى المدينة يأخذ البيعة له والرأي
ان نقتل محمدا قبل ان يدخل المدينة .
فلما كان في تلك الليلة قعد له عليه السلام أربعة عشر رجلا في العقبة ليقتلوه - وهى عقبة بين الجحفة والايواء - فقعد سبعة عن يمين العقبة وسبعة عن يسارها لينفروا ناقته ، فلما أمسى رسول الله صلى الله
عليه وآله صلى وارتحل وتقدم أصحابه وكان صلى الله عليه وآله على ناقة ناجية ، فلما صعد العقبة ناداه جبرئيل : يا محمد ان فلانا وفلانا - وسماهم كلهم وذكر صاحب الكتاب أسماء القوم المشار إليهم - ثم قال
: قال جبرئيل : يا محمد هؤلاء قد قعدوا لك في العقبة ليغتالوك (4) .
فنظر رسول الله إلى من خلفه ، فقال : من هذا خلفي ؟ فقال حذيفة بن اليمان : انا حذيفة يا رسول الله ، قال : سمعت ، سمعناه ؟ قال : نعم ، قال : اكتم ، ثم دنا منهم فناداهم
بأسمائهم واسماء آبائهم ، فلما سمعوا نداء رسول الله عليه وآله مروا ودخلوا في غمار الناس وتركوا رواحهم وقد كانوا عقلوها داخل العقبة ، ولحق الناس برسول الله وانتهى رسول الله الى رواحلهم فعرفها .
فلما نزل قال : ما بال أقوام تحالفوا في الكعبة : ان أمات الله محمدا أو قتل لا نرد هذا الأمر إلى أهل بيته ، ثم هموا بما هموا به ، فجاؤوا الى رسول الله يحلفون انهم لن يهموا بشئ من ذلك ، فأنزل الله
تبارك وتعالى : ( يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا الآية . ) (1) ، (2)
فصل : وذكر الزمخشري في كتاب الكشاف ، وهو ممن لايتهم عند أهل الخلاف ، فقال في تفسير قوله تعالى : ( لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الأمور ) (3) ما هذا لفظه : وعن ابن جريح : وقفوا لرسول الله
ليلة الثنية على العقبة ، وهم اثنا عشر رجلا ، ليفتكوا به من قبل غزاة تبوك ( وقلبوا لك الأمور ) ودبروا لك الحيل والمكائد ودوروا الآراء في إبطال أمرك ، وقرى : وقلبوا - بالتخفيف - حتى جاء الحق وظهر
أمر الله (4) .
ثم قال الزمحشرى ايضا في الكتاب في تفسير قوله جل جلاله : ( وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينازلوا ) (5) ما هذا لفظه : وهو الفتك برسول الله وذلك عند مرجعه من تبوك تواثق خمسة عشر منهم على ان يدفعوه
عن راحلته إلى الوادي إذا تسنم العقبة بالليل فأخذ عمار بن ياسر رضى الله عنه بخطام راحلته يقودها ، وحذيفة خلفه يسوقها ، فبينا هو كذلك إذ سمع حذيفة توقع اخفاف الإبل بقعقعة السلام ، فالتفت قوم
متلثمون فقال : إليكم أعداء الله ، فهربوا (6) .
فصل : وبلغ أمر الحسد لمولانا على عليه السلام على ذلك المقام والانعام إلى بعضهم
الهلاك والاصطلام (1) .
فروى الحاكم عبيدالله بن عبد الله الحسكاني في كتاب دعاء الهداة إلى اداء حق الموالاة ، وهو من اعيان رجال الجمهور ، فقال : قرأت على أبى بكر محمد بن محمد الصيدلانى فأقربه ، حدثكم أبو محمد عبد الله بن
احمد بن جعفر الشيباني ، حدثنا عبد الرحمان بن الحسين الاسدي ، حدثنا ابراهيم بن الحسين الكسائي ، حدثنا الفضل بن دكين ، حدثنا سفيان بن سعيد ، حدثنا منصور بن ربعى ، عن حذيفة بن اليمان قال : قال رسول
الله صلى الله عليه وآله لعلى : من كنت مولاه فهذا على مولاه ، قام النعمان بن المنذر الفهرى فقال : هذا شئ قتلته من عندك أو شئ أمرك به ربك ؟ قال : لا بل أمرني به ربى ، فقال : اللهم أنزل علينا حجارة
من السماء ، فما بلغ رحله حتى جاءه حجر فأدماه (2) فخر ميتا ، فأنزل الله تعالى : ( سئل سائل بعذاب واقع ) (3) .
أقول : وروى هذا الحديث الثعلبي في تفسيره للقرآن بأفضل وأكمل من هذه الرواية (4) . وكذلك رواه صاحب كتاب النشر والطى قال : لما كان رسول الله صلى الله عليه وآله بغدير خم نادى الناس فاجتمعوا فأخذ بيد
على فقال : من كنت مولاه فعلى مولاه ، فشاع ذلك في كل بلد ، فبلغ ذلك الحارث بن النعمان الفهرى ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله على ناقة له ، حتى أتى الأبطح فنزل عن ناقته وأناخها وعقلها ، ثم أتى
النبي وهو في ملأ من أصحابه ، فقال : يا محمد أمرتنا عن الله ان نشهد ان لا اله الا الله وانك رسول الله ، فقبلناه ، وأمرتنا ان نصلى خمسا ، فقبلناه ، وأمرتنا بالحج ، فقبلناه ، ثم لم ترض بذلك حتى رفعت
بضبع (5) ابن عمك ففضلته علينا وقلت : من كنت مولاه فعلى مولاه ، أهذا شئ من عندك أم من الله ؟ فقال : والله الذي لا اله الا هو ان هذا من الله ، فولى الحارث يريد راحلته وهو يقول : اللهم ان كان ما
يقوله محمد حقا فأمطر علينا
حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ، فما وصل إليها حتى رماه الله بحجر فسقط على هامته (1) ، وخرج من دبره فقتله (2) .
أقول : فإذا كان الحال كما ذكرناه من الحاسدين الكارهين لما انزل الله ولما أمر به رسوله صلوات الله عليه وآله من ولاية على بن أبى طالب على الإسلام والمسلمين ، وكان ذلك في حياة النبي صلوات الله عليه
وآله وهو يرجا ويخاف والوحي ينزل عليه ، فكيف يستبعد ممن كان بهذه الصفات في الحسد والعدوات ان يعزلوا الولاية عن مولانا على عليه السلام بعد وفاة النبي صلوات الله عليه أو يكتموا كثير من النصوص عليه :
باعوه بالأمل الضعيف سفاهة * وقت الحياة فكيف بعد وفاته خذلوه في وقت يخاف ويرتجى * أيراد منهم ان يفوا لمماته