عن محمد بن صدقة العنبريّ، عن ابي ابراهيم موسى بن جعفر عليهما السلام قال: يوم المباهلة اليوم الرّابع والعشرون من ذي الحجّة، تصلّي في ذلك اليوم ما اردت من الصّلاة، فكلّما صلّيت ركعتين استغفرت الله
تعالى بعقبها سبعين مرّة، ثمّ تقوم قائماً وتؤمي بطرفك في موضع سجودك، وتقول وانت على غسل: الحمد لله ربّ العالمين، الحمد لله فاطر السّماوات والارض، الحمد لله الذي له ما في السّماوات وما في
الارض، الحمد لله الذي خلق السّماوات والارض وجعل الظُّلُمات والنُّور ثمّ الذين كفروا بربِّهم يَعدِلُون. الحمد لله الذي عرّفني ما كنت به جاهلاً، ولولا تعريفه ايّايَ لكنت هالكاً، اذ قال وقولُه
الحقُّ: «قُلْ لا اسألكم عليه اجراً الاّ المودَّة في القُرْبى» (1). فبيّن لي القرابة فقال سبحانه: «انّما يريد الله لِيُذْهب عنكم الرّجْس اهل البيت ويُطهرِّكم تطهيراً» (2). فبيّن لي اهل
البيت بعد القرابة، ثمّ قال تعالى مبيّناً عن الصّادقين الذين امرنا بالكَوْن معهم والرّد اليهم بقوله سبحانه: «يا ايُّها الذين آمنوا اتَّقوا الله وكونوا مع الصّادقين» (3). فاوْضحَ عنهم واَبان
عن صفتهم بقوله جلَّ ثناؤُه: «فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى
الْكَاذِبِينَ» (4). فلك الشُّكر يا ربَّ ولك المنُّ حيث هديتني وارشدتني حتى لم يخف عليَّ الاهل والبيت والقرابة، فعرّفتني نساءهم واولادهم ورجالهم. اللهمّ انّي اتقرّب اليك بذلك المقام الذي
لايكون اعظم منه فضلاً للمؤمنين، ولا اكثر رحمة لهم بتعريفك ايّاهم شأنه، وابانتك فضل اهله، الذين بهم ادحضْتَ (5) باطل اعدائك، وثبّتَّ بهم قواعد دينك، ولولا هذا المقام المحمود الذي انقذتنا به
ودللتنا على اتّباع المحقّين من اهل بيت نبيّك الصّادقين عنك، الذين عصمتهم من لغو المقال ومدانس (6) الافعال لخُصِمَ اهل الاسلام، وظهرت كلمة اهل الالحاد وفعل اولي العناد، فلك الحمد ولك المَنُّ ولك
الشُّكر على نعْمائك واياديك. اللهمّ فصلِّ على محمد وآل ومحمد الذين افترضت علينا طاعتهم، وعقدت في رقابنا ولايتهم، واكرمتنا بمعرفتهم، وشرّفتنا باتِّباع آثارهم، وثبّتَّنا بالقول الثّابت الذي
عرّفونا، فأعنّا على الاخذ بما بصّروناه، واجز محمداً عنّا افضل الجزاء بما نصح لخلقك، وبذل وسعه في ابلاغ رسالتك، واخطر بنفسه في اقامة دينك، وعلى اخيه ووصيّه والهادي الى دينه والقيِّم بسُنَّته،
عليٍّ امير المؤمنين، وصلِّ على الائمّة من ابنائه الصّادقين، الذين وصلت طاعتهم بطاعتك، وادخلنا (7) بشفاعتكم دار كرامتك يا ارحم الرّاحمين.
اللهمّ هؤلاء اصحاب الكساء والعباء يوم المباهلة، اجعلهم شُفعاءَنا، أسألك بحقِّ ذلك المقام المحمود واليوم المشهود ان تغفر لي وتتوب عليَّ انَّك انت التّوّاب الرّحيم. اللهمّ اني اشهد انّ
ارواحهم وطينتهم واحدة، وهي الشّجرة التي طاب اصلها واغصانها، وارحمنا بحقِّهم، واجرنا من مواقف الخزي في الدنيا والآخرة بولايتهم، واوردنا موارد الامن من اهوال يوم القيامة بحُبِّهم، واقرارنا بفضلهم،
واتِّباعنا آثارهم، واهتدائنا بهداهم، واعتقادنا ما عرّفوناه من توحيدك، ووقفونا عليه، من تعظيم شأنك وتقديس اسمائك وشكر آلائك، ونفي الصّفات ان تحُلّك، والعلم ان يحيط بك، والوهم ان يقع عليك، فانّك
اقمتهم حججاً على خلقك، ودلائك على توحيدك، وهداةً تُنَبِّه عن امرك، وتهدي الى دينك، وتوضح ما اشكل على عبادك، وباباً للمعجزات التي يعجز عنها غيرك، وبها تبين حجّتك وتدعو الى تعظيم السّفير بينك وبين
خلقك. وانت المتفضِّل عليهم، حيث قرّبتهم من ملكوتك، واختصصتهم بسرّك، واصطفيتهم لوحْيك، واورثتهم غوامض تأويلك رحمة بخلقك ولطفاً بعبادك، وحناناً (8) على بريّتك، وعلماً بما تنطوي (9) عليه ضمائر
أُمنائك وما يكون من شأن صفوتك، وطهّرْتهم في منشئهم ومُبتدئهم، وحرستهم من نفث نافثٍ اليهم، واَرَيتهم برهاناً على من عرض بسوءٍ لهم. فاستجابوا لامرك، وشغلوا انفسهم بطاعتك، وملؤُوا اجزاءهم من
ذكرك، وعمروا قلوبهم بتعظيم امرك، وجزّءوا اوقاتهم فيما يرضيك، واخلوا دخائلهم من معاريض الخطرات الشّاغلة عنك. فجعلت قلوبهم مكامن لارادتك، وعقولهم مناصب لامرك ونهيك، والسنتهم تراجمة لسُنّتك، ثم
اكرمتهم بنورك حتى فضّلتهم من بين اهل زمانهم والاقربين اليهم، فخصصتهم بوحيك، وانزلت اليهم كتابك، وامرتنا بالتّمسُّك بهم والرَّدِّ اليهم والاستنباط منهم. اللهمّ انّا قد تمسَّكنا بكتابك وبعترة
نبيّك صلواتك عليهم، الذين اقمتهم لنا دليلاً وعلماً، وامرتنا باتِّباعهم. اللهمّ فانّا قد تمسَّكنا بهم فارزقنا شفاعتهم حين يقول الخائبون: «فما لنا من شافعين* ولا صديق حميم» (10) ، واجعلنا من
الصّادقين المُصدِّقين لهم، المنتظرين لايّامهم، النّاظرين الى شفاعتهم، ولا تُضلَّنا بعد اذْ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة انّك انت الوهّاب، آمين ربّ العالمين. اللهمّ صلِّ على محمد وعلى اخيه
وصنوه، امير المؤمنين وقبلة العارفين، وعَلَم المُهْتدين، وثاني الخمسة الميامين الذين فخر بهم الرُّوح الامين، وباهل الله بهم المباهلين، فقال وهو اصدق القائلين: «فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا
جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ»
(11). ذلك الامام المخصوص بمؤاخاته يوم الاخاء، والمؤْثِرُ بالقُوتِ بعد ضُرِّ الطَّوى، ومن شكر الله سعيه في «هل اتى»، ومن شهد بفضله معادوه، واقرَّ بمناقبه جاحدوه، مولى الانام، ومُكسِّر
الاصنام، ومن لم تأخُذُه في الله لوْمة لائم صلّى الله عليه وآله ما طلعت شمس النّهار، واورقت الاشجار، وعلى النُّجُوم المشرقات من عترته، والحجج الواضحات من ذرِّيَّته.
*******
(1) الشورى: 23.
(2) الاحزاب: 33.
(3) التوبة: 119.
(4) آل عمران: 61.
(5) داحضة: باطلة.
(6) الدنس: الذنب.
(7) ادخلتنا (خ ل).
(8) حناناً: رحمة.
(9) تنطوي: تكتم وتخفي.
(10) الشعراء: 100.
(11) آل عمران: 61.