عوذة مولانا الكاظم عليه السلام لمّا اُلقي في بركة السباع: بسم الله الرّحمن الرَّحيم لا اله الاّ الله وحده وحده وحده، انجز وعده، ونصر عبده، واعزّ جُنده، وهزم الاحزاب وحده، والحمد لله ربّ
العالمين، اصبحت وامسيت في حِميَ الله الذي لايُستباح، وستره الذي لاتهتكه الرّياح، ولا تخرقه الرّماح، وذَمّة الله التي لاتخفر، وفي عزّة الله التي لاتستذلُّ ولاتُقْهر، وفي حزبه الذي لايُغلب، وفي
جنده الذي لايُهزم. بالله استفتحت، وبه استنجحت وتعزّزت وانتصرت وتقوّيت واحترزت، واستعنت بالله، وبقوّة الله ضربت على اعدائي، وقهرتهم بحول الله، واستعنت عليهم بالله، وفوّضت امري الى الله، حسبي
الله ونعم الوكيل، وتراهم ينظرون اليك وهم لا يبصرون، شاهت وجوه(1) اعدائي فهم لايبصرون، صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فهم لا يرجعون. غلبت اعداء الله بكلمة الله، فَلجَتْ حُجَّة الله(2) على اعداء الله
الفاسقين وجنود ابليس اجمعين، لن يضروُّكُم الاّ اذىً، وان يقاتلوكم يُولُّوكم الادبار ثُمَّ لا ينصرون، ضُرِبَت عليهم الذّلّة اينما ثُقِفُوا اُخذُوا وقتِّلوا تقتيلاً، لا يقاتلونكم جميعاً الاّ في
قرىً محصّنة او من وراء جُدُر، بأسُهُم بينهم شديد تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتّى، ذلك بانّهم قوم لا يعقلون. تحصّنت منهم بالحصن الحصين فما اسطاعوا ان يظهروه وما استطاعوا له نقباً، فأوَيْتُ الى
رُكْن شديد والتجأْتُ الى الكهف المنيع، وتمسّكت بالحبل المتين، وتدرَّعْت بهيبة امير المؤمنين، وتعوَّذْت بعوذة سليمان بن داود، واحترزت بخاتمه. فانا اين كنت كنت آمناً مُطْمئناً وعَدُوّي في
الاهوال حيران، قد حُفَّ بالمهابة واُلْبِس الذُّلَّ وقُمِع بالصَّغار، وضربت على نفسي سرادق الحياطة، ودخلت في(3) هيكل الهيبة، وتتوّجت بتاج الكرامة، وتقلّدت بسيف العزّ الذي لايُفلَّ، وخفيت عن
الظُّنون، وتواريت عن العيون، واَمِنت على روحي، وسلمت من اعدائي، وهُم لي خاضعون، ومنّي خائفون، وعنّي نافرون، كأنَّهم حُمُر مستنفرة فرَّت من قسورة.
قصُرت ايديهم عن بُلُوغي، وصمَّت آذانهم عن استماع كلامي، وعميت ابصارهم عن رؤيتي، وخرست السنتهم عن ذكري، وذهلت عقولهم عن معرفتي، وتخوّفت قلوبهم، وارتعدت فرائصهم من مخافتي، وانفلّ حدُّهم،
وانكسرت شوكتهم، ونُكّست رؤوسهم، وانحلّ عزمهم، وتشتّت جمعهم، واختلفت كلمتهم، وتفرّقت امورهم، وضعف جندهم، وانهزم جيشهم، وولّوا مدبرين، سيهزم الجمع ويُولُّوم الدُّبر، بل السّاعة موعدهم والسّاعة ادهى
وامرُّ. علوت عليهم بمحمد بن عبد الله صلّى الله عليه وآله وسلم، وبعلوِّ الله الذي كان يعلو به عليٌّ صاحب الحروب، منكِّس الفرسان، مبيد الاقران، وتعزّزت منهم باسماء الله الحسنى وكلماته العليا،
وتجهّزت على اعدائي ببأس الله، بأس شديد وامر عتيد، واذللتهم وقمعت رؤوسهم، ووطئت رقابهم، فظلّت اعناقهم لي خاضعين. خاب من ناواني، وهلك من عاداني، وانا المؤيّد المحبور، المظفَّر المنصور، قد
كرّمتني كلمة التّقوى، واستمسكت بالعروة الوثقى، واعتصمت بالحبل المتين، فلن يضرَّني بغي الباغين، ولا كيد الكائدين، ولا حسد الحاسدين ابد الآبدين، فلن يصل اليَّ احد، ولن يضرَّني احد، ولن يقدر عليَّ
احد، بل انا ادعو ربّي ولا اشرك به احداً.
يا متفضَّل تفضَّل عليَّ بالامن(4)، والسّلامة من الاعداء، وحُلْ بيني وبينهم بالملائكة الغلاظ الشّداد، ومدَّني بالجُنْد الكثيفة والارواح المطيعة، يصحبونهم(5) بالحجّة البالغة، ويقذفونهم
بالاحجار الدّامغة، ويضربونهم بالسّيف القاطع، ويرمونهم بالشّهاب الثّاقب والحريق الملتهب، والشُّواظ المحرق والنُّحاس النّافذ، ويقذفون من كُلّ جانب دحوراً(6) ولهم عذاب واصب. ذلَّلتهم وزجرتهم
وعلوتهم ببسم الله الرّحمن الرّحيم، بطه ويس والذّاريات، والطّواسين وتنزيل والحواميم، وكهيعص وحم، عسق، وق والقرآن المجيد، وتبارك، ون والقلم وما يسطرون، وبمواقع النُّجوم، وبالطُّور وكتاب مسطور في
رقٍّ منشور، والبيت المعمور، والسّقف المرفوع، والبحر المسجور، انّ عذاب ربِّك لواقع، ما له من دافع، فولّوا مدبرين، وعلى اعقابهم ناكصين(7)، وفي ديارهم جاثمين، فوقع الحقُّ وبطل ما كانوا يعملون،
فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين، واُلْقيَ السَّحرة ساجدين، فوقاه الله سيّئات ما مكروا، وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون، وحاق بآل فرعون سوء العذاب، ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين، الذين قال لهم
النّاس انّ النّاس قد جمعوا لكم فاخشوْهم فزادهم ايماناً وقالوا حسبُنا الله ونعم الوكيل، فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتّبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم. اللهمّ اني اعوذ بك من
شرورهم، واَدْرَأُ بك في نحورهم، واسألك خير(8) ما عندك، فسيكفيكهم الله وهو السّميع العليم، جبرئيل عن يميني، وميكائيل عن يساري، واسرافيل من ورائي، ومحمّد صلى الله عليه وآله شفيعي من بين يديَّ،
والله مُظِلٌّ عليَّ.
يا من جعل بين البحرين حاجزاً، اُحْجز بيني وبين اعدائي، فلن يصلوا اليَّ بسوء ابداً، بيني وبينهم ستر الله الذي ستر به الانبياء عن الفراعنة، ومن كان في ستر الله كان محفوظاً، حسبي الله الذي
يكفيني مالا يكفيني احد من خلقه، واذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً. وجعلنا على قلوبهم اَكِنَّة ان يفقهوه وفي آذانهم وقراً، واذا ذكرت ربّك في القرآن وحده
ولّوْا على ادبارهم نُفُوراً، اِنّا جعلنا في اعناقهم اغلالاً فهي الى الاذقان فهم مقمحون، وجعلنا من بين ايديهم سدّاً ومن خلفهم سدّاً فاَغْشيناهم فهم لا يُبصرون. اللهمّ اضرب عليَّ سُرادق حفظك
الذي لاتهتكه الرّياح، ولا تخرقه الرّماح، ووقِّ روحي بروح قُدْسِك الذي من القيته عليه كان معظّماً في اعين النّاظرين وكبيراً في صدور الخلق اجمعين، ووفّقني باسمائك الحسنى وامثالك العُليا لصلاحي في
جميع ما اُؤمِّلُهُ من خير الدُّنيا والآخرة، واصرف عنّي ابصار النّاظرين، واصرف عنّي قلوبهم من شرِّ ما يضمرون الى مالا يملكه احد غيرك. اللهم انت ملاذي فبك الوذ، وانت معاذي فبك اعوذ، اللهمّ انّ
خوفي امسى واصبح مستجيراً بوجهك الباقي الذي لايبلى يا ارحم الرّاحمين، سبحان من اَلَجَّ البحار بقدرته، واطفأ نار ابراهيم بكلمته، واستوى على العرش بعظمته، وقال لموسى: «اقبل ولا تخف انّك من الآمنين»
(9)، «انّي لا يخاف لديَّ المرسلون» (10)، «لا تخف نجوت من القوم الظّالمين» (11)، «لا تخاف دركاً ولا تخشى» (12)، «ولا تخف انّك انت الاعلى» (13). وما توفيقي الاّ بالله عليه توكّلت واليه اُنيب،
ومن يتّق الله يجعل له مخرجاً، ويرزقه من حيث لا يحتسب، ومن يتوكّل على الله فهو حسبه انّ الله بالغ امره قد جعل الله لكل شيء قدراً، اَلَيْس الله بكافٍ عبده ولا حول ولا قُوّة الاّ بالله العليِّ
العظيم، ما شاء الله كان.
*******
(1) شاهت الوجوه: قبحت.
(2) افلج الله حجتّه: أظهرها.
(3) علقت عليّ، دخلت هيكل الهيبة (خ ل).
(4) بالامن على روحي (خ ل).
(5) يحصبونهم: يرمونهم.
(6) دحره: طرده.
(7) نكص: رجع.
(8) من خير (خ ل).
(9) القصص: 21.
(10) النمل: 10.
(11) القصص: 25.
(12) طه: 77.
(13) طه: 68.