عن عليّ بن يقطين انّه قال: أنمى الخبر الى ابي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام وعنده جماعة من اهل بيته، بما عزم عليه موسى بن المهديّ في أمره، فقال لأهل بيته: ما ترون؟ قالوا: نرى ان
تتباعد منه وان تغيب شخصك عنه، فانّه لا يؤمن شرّه، فتبسّم ابو الحسن عليه السلام ثمّ قال: زَعَمَتْ سخينة ان ستغلب ربّها فليغلبنَّ مغالب الغُلاّب ثمّ رفع يده الى السماء وقال: الهي كم
من عدوٍّ شحذ لي ظُبَة(1) مُدْيته، وارهف لي شبا حدّه(2)، ودافَ(3) لي قواتل سمومه، ولم تنم عنّي عين حراسته، فلمّا رأيت ضعفي عن احتمال الفوادح(4)، وعجزي عن ملمّات(5) الجوائح، صرفت ذلك عنّي بحولك
وقوّتك، لا بحول منّي ولا قوّة، فالقيته في الحفير الذي احتفره لي، خائباً ممّا امّله في الدُّنيا، متباعداً ممّا رجاه في الآخرة، فلك الحمد على ذلك قدر استحقاقك سيّدي. اللهمّ فخذه بعزّتك، وافلل
حدّه(6) عنّي بقدرتك، واجعل له شغلاً فيما يليه وعجزاً عمّا يناويه(7)، اللهم واعدني عليه عدوى(8) حاضرة تكون من غيظي شفاء ومن حنقي(9) عليه وفاء، وصِل اللهم دُعائي بالاجابة، وانظم شكايتي بالتّغيير،
وعرِّفه عمّا قليل ما اوعدت الظّالمين، وعرِّفني ما وعدت في اجابة المضطرّين، انّك ذو الفضل العظيم والمنِّ الكريم. قال: ثمّ تفرّق القوم، فما اجتمعوا الاّ لقراءة الكتاب بموت موسى بن المهديّ.
دعاء آخر
عن عليّ بن يقطين قال: كنت واقفاً على رأس هارون الرّشيد اذا دعى موسى بن جعفر، وهو يتلظّى(10) عليه، فلمّا دخل حرّك شفتيه بشيء، فأقبل هارون عليه ولاطفه وبرّه وأذن له في الرّجوع، فقلت له: يا ابن رسول
الله! جعلني الله فداك، انّك دخلت على هارون وهو يتلظّى عليك فلم أشكّ الاّ انّه يأمر بقتلك، فسلّمك الله منه، فما الذي كنت تحرّك به شفتيك؟ فقال: انّي دعوت بدعائين، احدهما خاصّ والآخر عامّ، فصرف
الله شرّه عنّي، فقلت: ما هما يا ابن رسول الله؟ فقال: أمّا الخاصّ: اللهمّ انّك حفظت الغلامين لصلاح اَبَويهما، فاحفظني لصلاح آبائي. وأمّا العامّ: اللهمّ انّك تكفي من كلّ
احد، ولا يكفي منك احد، فاكفنيه بما شئت وكيف شئت وانّى شئت. فكفاني الله شرّه.
*******
(1) شحذ السكين: اذا حدّها، الظبة: حدّ السيف او السنان ونحوها.
(2) ارهف السيف: رقّق حدّها، الشباة: حدّ كلّ شيء.
(3) داف الدواء ونحوه: خلطه.
(4) الفادح: الصعب المثقل.
(5) الملمّات: الشدائد.
(6) فلّه: كسره، حدّه: شدّته.
(7) ينويه (خ ل)، اقول: يناويه: يقصده ويطلبه.
(8) العدوى: استغاثتك وطلبك الى زعيم او وال ليعديك ويعينك على من ظلمك فينتقم لك منه، يقال: اعدى على فلان: نصره وأعانه وقوّاه.
(9) حنقي: شدّة غيظي.
(10) تظلّى فلان: اغتاظ.