مشكلة الغلاة
المؤرّخون ومشكلة الغلاة
يأبى كثير من المؤرّخين إلاّ أن يتأثّروا بالدعايات الكاذبة، ويأخذوا بأقوال المنحرفين عن الحقّ، الذين أصبحوا آلة طيّعة بيد حكام، دفعتهم شهواتهم وحرصهم على سلطان الاستبداد باُمور الاُمة، ألاّ يروا فضيلة لأهل البيت(عليهم السلام)إلاّ ضيّعوها، ولا مكرمة إلاّ أخفوها، حسداً منهم، وخوفاً على سلطانهم.
نعم يأبى كثير من المؤرخين إلاّ أن يسيروا مع التيّار الجارف من آراء قوم يصعب عليهم وحدة الصف، ويثقل على أنفسهم جمع الكلمة، فتعمّدوا إثارة الفتن، وتشويه الحقائق بالدس والافتراء والتقوّل بالباطل، وهدفهم في ذلك أنّهم لا يريدون أن يحصل صفاء بين المسلمين; فربطوا تأريخ الغلاة بتاريخ الشيعة، وعقائدهم بعقائد الشيعة. رغم الحقائق الدالة على خلاف مايذهبون إليه من التجنّي على الشيعة.
إنّ من الواجب على المؤرّخ أن يتصدّى للتمييز بين الأشياء التي يدونها، وأن يضع كل شيء فيمكانه، لئلاّ يحصل الخلط الشنيع بين الاُمور المتناقضة.
وإنّي لا أستطيع أن أتصوّر بعداً عن الحقّ، ومكابرة للواقع، مثل مكابرة من يصف الشيعة بالغلوّ، لأنّ البعض منهم نسبوا إليهم، وماذلك إلاّ خطلاً في الرأي وابتعاداً عن الحقّ.
إنّ مشكلة الغلاة هي أعظم مشكلة أوقعها خصوم الإسلام بين أهله، ولم تعالج هذه المشكلة بحلّ صحيح، على ضوء الواقع من حيث هو، بل استمرّت تعمل عملها، وتؤثر أثرها في شقّ وحدة الصف، وبثّ روح العداء بين المسلمين.
وإنّ مشكلة الغلاة توقع الباحث في صعوبة لا يذلّلها إلاّ حرية رأيه وإنصافه، وابتعاده في البحث عن التقليد الأعمى، والتعصّب الطائفي الذي جرّ على هذه الاُمة بلاء الفرقة ومحن البغضاء والتطاحن.
إنّ أكثر المؤرّخين لم يدرسوا الظروف التي نشأت فيها طوائف الغلاة، ولم يعرفوا أسباب ذلك، كما أنّهم لم يقفوا على العوامل التي بعثت النشاط في دعوتهم; فأثّرت أثرها في تفريق الصفوف، وإيقاد نار البغضاء في القلوب، وإثارة الفتن في المجتمع، ولو أنّ اُولئك المؤرخين الذين ربطوا تاريخ الغلاة بتاريخ الشيعة واستعملوا الأقيسة المعكوسة، ودرسوا ظروف نشأة تلك الأفكار، وأسباب ذلك الاعتقاد، وبواعث ذلك النشاط; لوجدوا أنفسهم خاطئين في سلوكهم، بعيدين عن الواقع، واتّضح لهم البون الشاسع، بين الغلاة وبين الشيعة وبذلك تظهر الحقيقة في البحث - إن كانوا يطلبونها - وإذا ظهرت الحقيقة بطلت الأوهام.
وقد قلت سابقاً : إنّ خصوم الإسلام في عصر الإمام الصادق (عليه السلام) قد عظم عليهم موقفه، في نشر الدعوة الإسلامية، عندما نشطت الحركة العلمية، حيث اتّجه الناس الى التدوين والبحث، وظهر علم الكلام والفلسفة، وبرزت مدرسة الإمام الصادق (عليه السلام) في نشر العلم وبثّ تعاليم الإسلام، وكثر المنتمون إليها، وانتشر ذكرها في جميع الاقطار الإسلامية وقام أصحابه بأداء الرسالة، وكان للكوفة النصيب الأوفى من حملة العلم، ورجال الاصلاح، المنتسبين لتلك المدرسة، فكان عددهم يربو على الألف، منهم تسعمائة محدّث في مسجد الكوفة، كل يقول: حدثني جعفر بن محمد (127).
وحيث كانت الكوفة مركزاً هاماً للتجارة والصناعة ملحوظاً في حياة المجتمع الإسلامي في القرن الأول الهجري، وازدهرت فيها المنسوجات الحريرية وهي ماسمّوها عمل الوشي والخز، وكانت هذه المصنوعات تلقى رواجاً في الاقطار الإسلامية (128) وكانت محاطة بقرى كثيرة، وفيها من غير المسلمين عدد كبير كالنصرانية في الحيرة وغيرها، ووفد عليها أربعة آلاف من رعايا الفرس عرفوا بحمراء الديلم (129) كما كثرت الهجرة إليها من الأقطار النائية من ذوي العقائد الفاسدة والآراء الشاذة، واختلطوا بمجتمع الكوفة فكان نشاطهم محسوساً في استغلال الفرصة لبثّ آرائهم ونشر عقائدهم، وربطها بالعقائد الإسلامية عن طريق الخداع والتضليل حقداً على الإسلام وأهله، واندسّ البعض منهم في حلقات العلم مدّعياً انتماءه لمدرسة الإمام الصادق(عليه السلام)، وهم يكذبون عليه فيما ينسبونه إليه، وغرضهم في ذلك هو الطعن على أهل البيت(عليهم السلام)، وتشويه سمعة أوليائهم، لكي ينفروا القلوب، ويثيروا البغضاء، لتقع الفرقة بين صفوف المسلمين.
فكان الأجدر بالمؤرخين والكتّاب أن يتحرّوا حقيقة الأشخاص الذين بثّوا تلك الأفكار ودعوا الى تلك العقائد، ويخضعوا أقوالهم وأفعالهم للنقد والتمحيص حتى يتبيّنوا الدوافع والأغراض التي تكمن وراء نشاطهم. وإن استعصى عليهم ذلك، فما أسهل الإصغاء الى مواقف أئمة الشيعة وآراء رجالهم في دحض تلك الآراء وفضح تلك العقائد.
أسباب نشأة الغلاة
ويجب أن لا يغيب عن بالنا سبق هذا العداء للإسلام وقدمه قبل عصر الإمام الصادق (عليه السلام) فهو متأصّل منذ فجر الدعوة الإسلامية يتوارثه الأبناء والأحفاد، وذلك لأنّ دعوة النبي (صلى الله عليه وآله) منذ البداية موجهة الى الناس كافة، سواء منهم العرب وغير العرب، وثنيون أو يهود، نصارى أو مجوس، فهي لم تختص بطائفة دون اُخرى، ولا بقوم دون قوم، ولا بقطر دون آخر، بل هي رسالة عامة، ولا بدّ أن تجابه دعوته (صلى الله عليه وآله) بأقوى عدّة وبأكثر عدد من المعارضين الذين قضى الإسلام على عقائدهم الفاسدة، وهدم هياكل عبادتهم التي يعبدونها من دون الله، كما هدم صروح الكبرياء والأنانية، وأزال عروش الظلم والاستبداد، وأذلّ قوماً اعتزّوا بسلطانهم فاستذلوا الآخرين. إلى آخر ما جاء به الإسلام من الاصلاح للعالم، الذي كان يموج بالفتن وتسوده نزعات مختلفة ونحل متنوعة.
وكان الناس يتخبّطون في ظلام حالك كلّه شر ومخاوف، إذ يتغلّب القوي على الضعيف، فتشن الغارات لنهب الأموال وانتهاك الحرمات في التكالب على السيادة، والأثرة والاستغلال.
فلم يخضع لهذه الدعوة جبابرة قريش الذين ملكت الأنانيّة قلوبهم، واستولى حب الذات والأثرة على مشاعرهم، وجعلوا من عبادة الأصنام قواماً لحياتهم.
ولأنّ محمّداً (صلى الله عليه وآله) يدعو الى عبادة ربّ واحد لا شريك له، كما جاء بنظام العدل والمساواة الشاملة، وهدم الفروق الظالمة بين الناس، وسوّى بينهم في الحقوق والواجبات، وقرر أنّ أصل الإنسان واحد والجميع اُخوة في الإنسانية، فلا فضل لأحد على أحد إلاّ بالتقوى، وجاء باحكام شاملة لم يستثنِ منها إنساناً ولا طائفة، بل الكلّ سواء في تطبيقها، وكان طبيعيّاً أن تصطدم تلك المبادئ بعادات العرب القديمة التي ورثوها عن الآباء والأجداد شأن كلّ دعوة ناشئة، كما أزعجتهم سرعة الدعوة في قلوب الناس.
وقد أحسّت العناصر الاُخرى بخطر دعوة النبي (صلى الله عليه وآله) فرمقت ما كسبه الإسلام من تقدّم وانتشار بعين الحقد والحسد، وكانت للنصرانية قوة في الشمال ولها أتباع منبثون في مهد الدعوة، ولليهود عدة قوية في بلد الهجرة، وللمجوس دولة ومعابد، وكلّ هذه العناصر لا يروق لها انتشار هذا الدين وظهوره، فتظاهر الكلّ بالعداء للإسلام، وانتظم عقدهم وتكتّلوا لحرب محمد(صلى الله عليه وآله) ومعارضة دعوته، وبذلوا جهودهم، وعملوا أقصى ما يمكن أن يعملوه، فكانت هناك حروب دامية وغزوات متوالية بينه (صلى الله عليه وآله) وبين المشركين ومن انتظم في عقدهم، حتى نصر الله النبي (صلى الله عليه وآله) فتيقّنوا أن لا أمل لهم مطلقاً في القضاء على الإسلام، فهو يزداد قوة وثباتاً رغم المعارضة في الحروب الدامية.
ودخل البعض منهم في الإسلام اعترافاً بعجزهم عن مقاومته، وآخرون اعتقدوا صدق نبوة محمد (صلى الله عليه وآله)فاستجابوا له، وفئة ثالثة دخلوا نفاقاً وخداعاً فأظهرو الإسلام وأضمروا الكفر، وبقي الحقد يأكل قلوبهم والغيظ يحزّ في نفوسهم، فهم يتحينون الفرص ويتأهّبون للوثبة، ويعملون من وراء الستار، وينتظرون اليوم الذي ينتقمون فيه من الإسلام وأهله.
وبعد أن عجزوا عن مقابلة الإسلام وجهاً لوجه راحوا يعملون من وراء الستار بأيد عابثة، ولعلّ أول عهد حقّق آمالهم هو العهد الاُموي، لأنّ ملوكهم قد رفضوا الخضوع لقوانين الإسلام، ولم يلتزموا بتعاليمه، كما أنّهم من المغلوبين على أمرهم يوم أعلنوا الحرب على النبي (صلى الله عليه وآله). وكانت قيادة تلك العناصر المختلفة بيد زعيمهم أبي سفيان، وبهذا لا يمكننا أن نجزم بزوال تلك الأحقاد عن قلوبهم، وإنّ أعمالهم شاهدة على وجودها، فكان دورهم فتحاً لتلك العناصر المعادية للإسلام، فقد سنحت الفرصة وكان لهم في الأمر متّسع، وقد قرّب الاُمويون إليهم بعض المتدخّلين في صفوف المسلمين، وجعلوا منهم أداة سياسية يستعينون بها على ترويج دعاياتهم، وإظهار مقاصدهم، كما أقام معاوية بن أبي سفيان كعب الأحبار - وهو يهودي أسلم في عهد عمر - قصّاصاً(130). فغيّر مجرى الحوادث والتاريخ وأدخل الاسرائيليات في تاريخ الإسلام.
وعلى كلّ حال فلا تعنينا حركة خصوم الإسلام في العهد الاُموي، الذي كان مسرحاً تظهر على لوحته الاُمور المتناقضة للإسلام، والمخالفة لمبادئه، وإنّما الأمر الذي يهمّنا هو التعرّض لحركتهم في عصر الإمام الصادق (عليه السلام)وأثر براءته منهم، وإعلان ذلك للملأ، وكيف أثّر ذلك في إبادتهم ومحوهم من صفحة الوجود، ولم يبق منهم إلاّ صور خيالية ينظر إليها من أكل الغيظ قلبه.
الدعوة الإسلامية وخصومها
تبيّن ممّا قدّمناه في هذه الابحاث أنّ الدعوة الإسلامية قد ثقلت على كثير من ذوي النفوس المريضة من مختلف العناصر وشتّى الطوائف، وقد قابلوا ذلك بالعداء السافر والحرب الدموية، ولمّا عجزوا عن المقابلة للإسلام وجهاً لوجه، التجأوا الى الحرب السرية، وحمل معاول الهدم والتخريب، واستعمال الوسائل التي تدعو الى إثارة الفتنة بين المسلمين، وقد وجدوا أنّ أقرب طريق يوصلهم الى غاياتهم وتحصيل اُمنيّتهم هو التدخّل في صفوف المسلمين، والعمل على تفريق الكلمة وبثّ روح العداء، وتفرّقوا لهذا الغرض فرقاً وأحزاباً، فمن مستجلب ودّ السلطة لينال مركزاً هاماً في الدولة يستطيع بواسطته أن يفسد بعض الاُمور ويغيّر بعض الحقائق.
ومنهم من سلك طريق إظهار المحافظة على الإسلام، والانتصار له، والرد على ما يلصقه به إخوانه، الذين سلكوا سبيله في تشويه سمعة الإسلام.
ومنهم من ضرب على وتر حساس يستطيع به أن يستميل القلوب، ويحرّك الشعور، وهو اظهار حبّ أهل البيت(عليهم السلام)الذين تألّبت جميع الفئات الحاكمة على ظلمهم من دون مراقبة لله ولا مراعاة لحرمة رسوله.
وصفوة القول انّهم توزّعوا على جميع الطوائف الإسلامية، فاندسوا في صفوفهم وامتزجوا في مجتمعهم.
هذا سوسن النصراني كان أول من نطق بالقدر وقد أظهر الإسلام، وعنه أخذ معبد الجهني وأخذ غيلان عن معبد (131) ثم عاد سوسن الى نصرانيّته بعد أن بثّ فكرته.
وهذا ابن كـلاّب من بابية الحشوية، وكان عباد بن سليمان يقول إنّه نصراني.
قال أبو عباس البغوي: دخلنا على فيثون النصراني وكان في دار الروم بالجانب الغربي، فجرى الحديث إلى أن سألته عن ابن كلاّب فقال فيثون: رحم الله عبد الله ـ اسم ابن كلاب ـ كان يجيئني فيجلس الى تلك الزاوية - وأشار الى ناحية من البيعة ـ وعنّي أخذ هذا القول، ولو عاش لنصّرنا المسلمين .(132) ـ أي لجعلناهم نصارى ـ .
ذكرنا هذا على سبيل المثال لما يفعله أصحاب الديانات الاُخرى; الذين كانوا يستغلون الفرص للتدخل في صفوف المسلمين، فلم يتحد غرضهم في الدخول بطائفة أو الانضمام الى جماعة، بل كانوا متفرقين في أهل الحديث والفقهاء والمؤرخين، وأهل الكلام والفلسفة، وسائر العلوم، وما أكثر الوسائل التي يتبعونها والأثواب التي يتنكرون بها لحماية أنفسهم وتحقيق أهدافهم.
فقد يتنكّر اليهودي في ثوب الإسلام ويدّعي لنفسه أهداف المسلمين وأساليبهم، فيندس وسط جماعات وهيئات وهو أبعد ما يكون أن يؤمن بمبادئها ومثلها، ويأخذ على عاتقه هدم هذه المبادئ والمثل والتشكيك في قيمها وجدواها، فهو إذ يتظاهر في الانضمام الى طائفة معينة، ويكون حريصاً على تحقيق مبادئها ونشر تعاليمها إنما يفعل ذلك لينجح في مهمته، وهي تحقيق أهدافه الدنيئة عن طريق آخر، وكذلك غير اليهودي من نصراني ومجوسي ووثني ومشرك، وكل من في قلوبهم حقد على الإسلام وأهله.
فهم يدّعون الإسلام من جهة، ويعملون على هدمه من جهة اُخرى، ولهم أساليب كثيرة يتوسلون بها لتحقيق أهدافهم وتحصيل أمانيهم. وقبل أن نأتي على استقصاء أساليبهم في المكر والخداع والتضليل، نودّ أن نشير الى أبطال حركة الغلاة في عصر الإمام الصادق (عليه السلام) ومعارضة دعوته الاصلاحية، التي قام بها في عصر ازدهار العلم واتساع نطاق النهضة الفكرية.رؤساء الغلاة ومواقف الإمام ضدّهمأبو الخطاب الأسدي:
وهو محمد بن مقلاص الأسدي الكوفي كان رجلاً من الموالي اشتهر بكنيته دون اسمه، فالشهرستاني يذكره على أنّه محمد بن زينب الأسدي الأجدع (133). والمقريزي يثبته: محمد بن أبي ثور، ويُذكر أنّه قيل في اسمه محمد بن يزيد الأجدع. وأبو جعفر بن بابويه يذكر أن اسم أبي الخطاب زيد، الى آخر ما فيه من الاختلاف .(134)
ظهر هذا الرجل في الكوفة، وكان المجتمع يموج بالتيارات السياسية، والدعوة العباسية تشقّ طريقها الى النجاح بسرعة، فاستغل ذلك الظرف الذي يأمل فيه نجاح مهمته في نشر دعوته الإلحادية، فدعا الى عقيدة عرف أتباعها بالخطابية، وساعدته الظروف المواتية أن يجمع حوله تلاميذ يلقنهم تعاليمه، ويرسم لهم خطط الدعوة والتجمع والظهور، وكانت حركتهم سرية محكمة وهي حركة سياسية من جهة، وعقائدية من جهة اُخرى، وتلتقيان في نقطة العداء للإسلام.
ولم تدوّن عقائد أبي الخطاب في كتاب سطرتها أقلام أتباعه، وإنّما أخذت من غيرهم، وهذا ما يجعلنا نتردد في بعض ما نسب إليه. وقد أجمعت الشيعة على لعن أبي الخطاب وتكفيره والبراءة منه، وإنّه غال ملعون كما هو مذكور في كتب الرجال والحديث والتاريخ.(135)
قد اتّسعت حركة أبي الخطاب في ذلك الجوّ المضطرب، واستغل فرصة الدعوة لأهل البيت(عليهم السلام)، والانتقام من أعدائهم، فأعلن مبدأه وأظهر عقيدته المخالفة لروح الإسلام، والتي لا تتصل بأهل البيت بأيّ صلة، ولما بلغ ذلك إلى الإمام الصادق (عليه السلام) اهتمّ غاية الاهتمام بفتنة أبي الخطاب، وخاف عاقبتها السيّئة التي تعود على صفوف المسلمين بالفرقة وعلى جمعهم بالشتات، وهو(عليه السلام) في ذلك العصر يبذل جهده في التوجيه الى الالتزام بتعاليم الدين لتجتمع كلمة المسلمين، فيكونوا صفّاً واحداً يردّون كلّ خطر يهدّد المجتمع الإسلامي.
ووقف الإمام الصادق (عليه السلام) تجاه هذه الدعوة الإلحادية موقفاً مهمّاً، وأعلن استنكاره على أبي الخطاب، فكان موقفه (عليه السلام) صدمة لموجة الغلوّ الجامحة وقضاءً مبرماً على مزاعم الملحدين، ويتجلّى عظيم اهتمامه من أقواله، وأمره للناس بالابتعاد عنهم.
قال عيسى بن أبي منصور: سمعت أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) يقول - وذكر أبا الخطاب - : اللهمّ إلعن أبا الخطاب فإنّه خوّفني قائماً وقاعداً وعلى فراشي، اللهمّ أذقه حرّ الحديد.(136)
وعن عنبسة بن مصعب قال: قال لي أبو عبد الله: أيّ شيء سمعت من أبي الخطاب؟ قلت: سمعته يقول: إنّك وضعت يدك على صدره وقلت له: عه ولا تنس. وأنت تعلم الغيب، وأنّك قلت: هو عيبة علمنا وموضع سرنا، أمين على أحيائنا وأمواتنا، فقال الإمام الصادق: لا والله ما مسّ شيء من جسدي جسده، وأمّا قوله إنّي قلت: إني أعلم الغيب فو الله الذي لا إله إلاّ هو ما أعلم الغيب. ولا آجرني الله في أمواتي، ولا بارك لي في أحيائي إن كنت قلت له; وأما قوله إنّي قلت: هو عيبة علمنا وموضع سرّنا وأمين أحيائنا وأمواتنا، فلا آجرني الله في أمواتي ولا بارك لي في أحيائي، إن كنت قلت له من هذا شيئاً.(137)
وقال المفضل بن يزيد قال لي أبو عبد الله الصادق (عليه السلام) - وذكر أصحاب أبي الخطاب والغلاة - : يا مفضل، لا تقاعدوهم ولا تواكلوهم ولا تشاوروهم، ولا تصافحوهم ولا توارثوهم .(138)
وقال مرازم: قال لي أبو عبد الله(عليه السلام): قل للغالية تولّوا إلى الله فإنّكم فساق مشركون .(139)
وقال أبو بصير: قال لي أبو عبد الله(عليه السلام): يا أبا محمد أبرأ ممّن يزعم أنّا أرباب، قلت بريء منه، قال (عليه السلام): أبرأ ممّن يزعم أنّا أنبياء. قلت: بريء منه.(140)
وعن أبي بصير قال: قلت لأبي عبد الله إنّهم - أي الخطابية - يقولون: إنّك تعلم قطر المطر وعدد النجوم وورق الشجر ووزن ما في البحر، وعدد ما في التراب. فرفع الإمام الصادق (عليه السلام) يده وقال: سبحان الله سبحان الله والله ما يعلم هذا إلا الله .(141)
وعن سدير عن أبيه قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إنّ قوماً يزعمون أنّكم آلهة يتلون علينا بذلك قرآناً(يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم) قال (عليه السلام): يا سدير، سمعي وبصري وشعري وبشري ولحمي ودمي من هؤلاء براء، برأ الله منهم ورسوله ما هؤلاء على ديني ودين آبائي، والله لا يجمعني وإيّاهم يوم إلاّ وهو عليهم ساخط.(142)
وقال ميسرة: ذكرت أبا الخطاب عند أبي عبد الله (عليه السلام)، وكان متكئاً فرفع إصبعه إلى السماء ثم قال: على أبي الخطاب لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، فأشهد بالله أنّه كافر فاسق مشرك، وأنّه يحشر مع فرعون في أشدّ العذاب غدوّاً وعشيّاً، ثم قال: والله والله إنّي لأنفس على أجساد اُصيبت معه النار.(143)
إنّنا نلحظ في الفقرة الأخيرة تأسّفه على اُولئك القوم الذين غرّر بهم دعاة الإلحاد، فأوردهم موارد الهلكة، عندما انضمّوا تحت لواء تلك الدعوة الباطلة، ولذلك وقف (عليه السلام) في أداء واجبه لشلّ ذلك النشاط المعادي للإسلام، فرفع صوته باستنكار مذهب الغلاة، فكان إعلان براءته صدمة للإلحاد، وقام رجال الشيعة في شلّ تلك الحركة ومعارضة ذلك التيار، و أبعدوهم عن مجتمعهم، وكشفوا الستار الذي كانوا يعملون من ورائه، فأحدث ذلك صدعاً في صفوف الغلاة، أدّى الى فرقتهم وإبادتهم بسرعة.
وقد وقف أبو الخطاب موقف المتصلب تجاه براءة الإمام الصادق منه، وتمكّن من إغراء البسطاء من أصحابه بأنّ يعلن نفسه أنّه نبيّ رسول، وأنّ كلمة الرسل واجب اطاعتها، ويذهب بعض نقلة العقائد أنّه أعلن عن نفسه أنّه إله(144)، وطفق أبو الخطاب يدعو لعقيدته، وقد أحاط به الفشل لأنّ موقف الإمام الصادق(عليه السلام) وتكذيبه لما يدعيه أبو الخطاب كان له الأثر العظيم في شلّ تلك الحركات التي جاءت لإغواء المسلمين، ومحاربة الدعوة الإسلامية وتشويه سمعة أتباع أهل البيت(عليهم السلام)، فكانت معارضة الإمام الصادق(عليه السلام)ضربة قاضية، وخاب أمل ابن الخطاب، وتفرّق أصحابه بعد براءة الإمام الصادق (عليه السلام)منه، وقد أسف أبو الخطاب أن يتفرّق الآخرون عنه فتمحى دعوته، ولكنّه أراد أن يخاطر بهم في الكريهة، وأن يوردهم حياض المنية، وهم على غير دين الإسلام، فحاول الخروج على الدولة بتلك القلة، وأغراهم بقوله: قاتلوهم فإنّ قصبكم يعمل فيهم عمل الرماح، ورماحهم وسيوفهم وسلاحهم لا تضرّكم ولا تعمل فيكم، وخرج بهم الى مسجد الكوفة ودعا الناس الى نبوّته. وفي المسجد لزموا الأساطين كأنّهم يرون الناس أنّهم قد لزموا للعبادة، وكان عيسىبن موسى قائد المنصور المشهور والياً، ولم يكد يسمع حتى أرسل إليهم قوة من جيشه العباسي للقضاء عليهم، فحاربوا عيسى محاربة شديدة بالحجارة والسكاكين، وهم يعتقدون صدق أبي الخطاب بأنّ السلاح لا يضرّهم، فلمّا قتل منهم نحو ثلاثين رجلاً قالوا: ما ترى ما يحلّ بنا من القوم ؟
فقال لعنه الله: إن كان قد بدا لله فيكم فما ذنبي؟ واُسِر أبو الخطاب، فاُتي به الى عيسى بن موسى فقتله في دار الرزق، وصلبه مع جماعة من أصحابه وذلك سنة (138 هـ). وبهذا انتهى دور أبي الخطاب وأصحابه. إذا لم يبق من جماعته سوى سالم بن مكرم الجمّال الملقب بأبي خديجة الذي سقط بين القتلى، فلمّا جنّه الليل خرج ثم تاب، وكنّاه الإمام الصادق بأبي سلمة، وصلح أمره.بزيع بن موسى:
وهو أحد أبطال الدعوة الإلحادية. وإليه تنسب الفرقة البزيعية، وقد أقرّوا بنبوّته كما زعموا أنّهم كلّهم أنبياء، وأنّهم لا يموتون، وأنهم يرفعون، وزعم بزيع أنّه صعد الى السماء، وأنّ الله مسح على رأسه، ومج في فيه، وأنّ الحكمة تنبت في صدره، إلى آخر خرافاته وأكاذيبه.(145)
وزعم جماعة من أصحابه أنّه الإمام بعد أبي الخطاب، ولهذا عدّت فرقة البزيعية من فرق الخطابية، مع أنّ لكلّ منهما بدعة مستقلة وآراء على حدة.(146)
ولما بلغت مقالته للإمام الصادق(عليه السلام) أعلن للملأ لعنه، والبراءة منه ومن أضرابه وقال: لعن الله بزيعاً، والسري، ومعمراً، وبشار الشعيري، وحمزة الزيدي، وصائد النهدي.(147)
وقال (عليه السلام): إنّ بناناً والسري وبزيعاً لعنهم الله قد تراءى لهم الشيطان.
وقال (عليه السلام) عند ذكر هؤلاء: لعنهم الله، فإنّا لا نخلو من كذاب يكذب علينا أو عاجز الرأي، كفانا الله مؤنة كلّ كذّاب، وأذاقهم حرّ الحديد .(148)
ولا زال الإمام يرسل كتبه ويوجّه رسله للأقطار، في التحذير من هؤلاء الذين أقضّوا مضجعه، في بثّ سمومهم في المجتمع الإسلامي.بشار الشعيري:
وكان بشار الشعيري من أهل الكوفة من دعاة الإلحاد، وممّن يقول بمقالة العلياوية، وهم الذين قالوا : إنّ علياً ربّ.
وظهر بالعلوية الهاشمية، وقالوا بالتناسخ والتعطيل، وكان لبشار جماعة يتبعونه على أضاليله وأباطيله.
قال مرازم: قال أبو عبد الله(عليه السلام): يا مرازم، من بشار؟ قلت: الشعيري. قال (عليه السلام): لعن الله بشاراً يامرازم قل لهم: ويلكم توبوا الى الله، فإنّكم كافرون مشركون.
وكان بشار جاراً لمرازم، فقال له الصادق (عليه السلام) : يا مرازم، إنّ اليهود قالوا ووحّدوا الله، وإنّ النصارى قالوا ووحّدوا الله، وإن بشاراً قال قولاً عظيماً، فإذا قدمت الكوفة فأته وقل له يقول لك جعفر: يافاسق، يا كافر، يا مشرك، أنا بريء منك.
قال مرازم: فلما قدمت الكوفة، فوضعت متاعي وجئت إليه، ودعوت الجارية، وقلت قولي لإبي إسماعيل، هذا مرازم، فخرج إليّ. فقلت له: يقول لك جعفر بن محمد: يا كافر، يا فاسق، يا مشرك، أنا بريء منك. فقال بشار: وقد ذكرني سيدي. قال: قلت نعم ذكرك بهذا الذي قلت لك. فقال: جزاك الله خيراً، وجعل يدعو لي.(149)
ومن هذا يتجلّى لنا أنّ هؤلاء الناس كانوا يخفون أغراضهم وراء حبّ آل البيت، فمن عدم اكتراث بشّار ببراءة الإمام منه ولعنه له، ندرك أنّهم يحملون عقائد غرضها الإساءة الى الإسلام، وليس الأمر حبّ أهل البيت، لأنّ الحبّ يؤدي الى اتباع تقاليدهم وأوامرهم والمودة تعني عدم مخالفتهم، وإنّما الأمر يتعلق بجذور دفينة وبذور كامنة حالت دون إيمانهم الصحيح.
وقال إسحاق بن عمار: قال أبو عبد الله(عليه السلام) لبشار الشعيري: اخرج عني لعنك الله. لا والله لا يظلني وإياك سقف أبداً، فلما خرج قال أبو عبد الله: ويله ألا قال بما قالت اليهود؟ ألا قال بما قالت النصارى؟ ألا قال بما قالت المجوس؟ أو بما قالت الصابئة؟ والله ما صغّر الله تصغير هذا الفاجر أحد إنّه شيطان ابن شيطان، خرج من البحر ليغوي أصحابي فاحذروه، وليبلغ الشاهد الغائب، أنّي عبد الله ابن عبد الله، ضمتني الأصلاب والأرحام، وإنّي لميّت ومبعوث، ثم مسؤول، والله لأسألنّ عمّا قال فيّ هذا الكذاب وادعاه، ما له غمه الله، فلقد أمن على فراشه، وأفزعني وأقلقني عن رقادي.(150)
وخلاصة القول انّ بشاراً تزعّم حركة إلحادية، وقد اهتم الإمام الصادق بهم أعظم اهتمام كما تدل عليه أقواله في ذلك، لأنّ هؤلاء الملحدين أرادوا الوقيعة في أهل البيت(عليهم السلام)، ومعارضة الدعوة التي قام بها الإمام الصادق، في إصلاح ما أفسدته الظروف القاسية، التي مرّت بالمسلمين.
أمّا الذين ذكرهم (عليه السلام) مع بشار ولعنهم، وتبرأ منهم، وهم بزيع وتقدّمت الإشارة إليه، ومعمر، والسري، وحمزة الزيدي، وصائد النهدي، وبيان، فكانوا من دعاة الإلحاد، وأبطال إثارة الفتنة بين صفوف المسلمين، والكذب على أهل البيت(عليهم السلام). وكان لكلّ واحد من هؤلاء دور هام في إثارة الفتن، وإشغال مجتمع الشيعة في مقاومتهم، لأنّ اُولئك النفر من الغلاة قد أجهدوا أنفسهم في التلفيق والكذب، وإيجاد سلسلة أفكار تنافي واقع الإسلام، فلم تنجح تلك الخطط; لأنّ أهل البيت أمروا أتباعهم بمقاومتهم.
معمر النهدي: فأمّا معمر فهو زعيم الفرقة المعمرية التي ألفت بعد قتل أبي الخطاب وقد ألفوا لهم عقيدة مستقلة، على نحو ما فعل بزيع، وخرج ابن (اللبان) يدعو الى معمّر، وقال إنّه الله، وصلّى له وصام، وأحلّ الشهوات كلّها، ماحل منها وما حرم، كشرب الخمر، والزنا، والسرقة، والميتة، ولحم الخنزير، وغيرها. وقالوا بالتناسخ وإنّهم لا يموتون، ولكن يرفعون بأبدانهم الى الملكوت، وتوضع للناس أجساد شبه أجسادهم(151). الى آخر ما هنالك من أقوالهم الخرافية ودعاياتهم الإلحادية .
وأما السري: فهو الذي قال فيه أصحابه: إنّه رسول مثل أبي الخطاب: وقالوا:إنّه قوي أمين، وهو موسى القوي الأمين، وفيه تلك الروح الخ .(152)
حمزة الزيدي: وأما حمزة الزيدي فكان يكذب على أبي جعفر الباقر(عليه السلام)، وقد أعلن (عليه السلام) للناس لعنه وكذبه.
وكان حمزة يقول لأصحابه: إنّ أبا جعفر يأتيني في كلّ ليلة، وقد وصفه الإمام الصادق(عليه السلام) بأنّه شيطان ولعنه، وحذّر الناس من كذبه، والذي يظهر أنّ الرجل استعمل سلاح الافتراء والكذب على أهل البيت(عليهم السلام)، ولا شكّ أنّ أثره عظم في الإغراء والتضليل، ولم توجد له آثار تدل على ادعائه بعقيدة خاصة، أو مبدأ مرسوم، أو تأليف جماعة معينة، وإنّما كان داعية ضلال وعدوّاً لأهلالبيت(عليهم السلام) يذيع عنهم ما لا يقولونه.صائد النهدي:
وكذلك صائد النهدي، فالذي يظهر أنّه كان من الكذّابين ولم نقف على ترجمة وافية له نستمدّ منها آراءه ونزعاته(153)، وكان من جملة من لعنهم الإمام الصادق وقال(عليه السلام) لأصحابه في قوله تعالى: (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَـطِينُ* تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاك أَثِيم)(154) قال: هم سبعة، المغيرة بن سعيد، وبيان، وصائد، والحارث الشامي، وعبدالله بن الحارث، وحمزة بن عمارة الزيدي(155)
وقد أظهر الإمام الصادق (عليه السلام) نوايا هؤلاء الذين اتخذوا الكذب على أهل البيت(عليهم السلام)سلاحاً يفتكون به.
قال (عليه السلام): إنا أهل بيت صادقون، لا نخلو من كذاب يكذب علينا ليسقط صدقنا بكذبه علينا عند الناس.(156)
وأما بيان فالذي يظهر أنّه كان من الكذّابين أيضاً، لأنّ الإمام كان يقول لعن بيان التبان، وإنّ بياناً كان يكذب على أبي. ولابدّ هنا من التنبيه إلى شيء، وهو: أنّ هذا الاسم يشتبه مع بيان بن سمعان التميمي أو النهدي الذي قام بحركة إلحادية في عصر الإمام الباقر والصادق، وإليه تنسب الفرقة البيانية، وقالوا: بنبوة بيان وقالوا في ذلك قول الله عز وجل: (هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً).
وادّعى بيان النبوّة بعد أبي هاشم بن محمد بن الحنفية، وكتب إلى الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام) يدعوه إلى نفسه والإقرار له; ويقول في رسالته للإمام الباقر(عليه السلام): أسلم تسلم وترتق في سلم، وتنج وتغنم، فإنّك لا تدري أين يجعل الله النبوة والرسالة وقد أعذر من أنذر.
وحاول بيان أن تكون له شخصيّة لتركيز دعوته ونشر مبادئه، فكان يظهر قدرته على السحر، وأنّ عنده الاسم الأعظم، وبه يهزم العساكر، ويدعو به الزهرة فتجيبه، وادّعى بنفسه الربوبية، وقال: أنا البيان، وأنا الهدى، وأنا الموعظة. واختلف أصحابه في عقيدتهم فيه :
فمنهم من زعم أنّه كان نبيّاً نسخ بعض شريعة محمد (صلى الله عليه وآله) ومنهم من زعم أنّه كان إلهاً.(157)
ويقول النوبختي: إنّ بياناً كان تباناً يتبن التبن بالكوفة، ثم ادّعى أنّ محمد بن علي بن الحسين أوصى إليه، وأخذه خالد بن عبد الله القسري هو وخمسة عشر رجلاً من أصحابه، فشدّهم في أطنان القصب، وصبّ عليهم النفط في مسجد الكوفة، وألهب فيهم النار، فأفلت منهم رجل فخرج بنفسه، ثم التفت فرأى أصحابه تأخذهم النار، فكّر راجعاً الى أن ألقى نفسه في النار فاحترق معهم .(158)
المغيرة بن سعيد:
وهو مولى بجيلة، خرج في أيام أبي جعفر الباقر(عليه السلام)، وقتل في أيام الإمام الصادق (عليه السلام) سنة (119 هـ).
وقد استطاع أن يموّه على كثير من المتطرفين، وأن يخدع جملة من الناس، وكان ماهراً في دسّ الأحاديث ووضعها على أهل البيت(عليهم السلام).
وقد نسبت إليه عقيدة تأليه علي (عليه السلام) ولم يثبت ذلك، لأنّ الثابت أنّه قال: بأنّ علياً مخلوق; ويبدو أنّ المغيرية ألّهوا علياً متأثرين بالخطابية.(159)
وذكر عنه الرواة: أنّه ذهب الى أنّ ماء الفرات محرم، وأنّ كلّ نهر أو عين أو بئر وقعت فيه نجاسة فهو أيضا محرم .(160)
ويقول الشهرستاني: إن المغيرة ادّعى لنفسه الإمامة بعد محمد المعروف بالباقر بن علي بن الحسين، وبعد ذلك ادّعى النبوّة لنفسه وغلا في حقّ علي.(161)
ويقول الطبري: كان المغيرة يخرج الى المقبرة فيتكلّم فيرى مثل الجراد على القبور .(162)
ويقول الأشعري: إنّه زعم أنّه يحيي الموتى بالاسم الأعظم، وأراهم أشياء من اليزنجات والمخاريق.(163)
وقال جرير بن عبد الحميد: كان المغيرة بن سعيد كذّاباً ساحراً.
وقال الجوزجاني: قتل المغيرة على ادعاءه النبوة، كان أسعر النيران بالكوفة على التمويه والشعبذة حتى أجابه خلق كثير.
وقال معاوية: أول من سمعته يتنقص أبا بكر وعمر المغيرة المصلوب.(164)
وقد كانت حركة المغيرة حركة قوية، وكان لخروجه منادياً لعقيدته دوي أزعج خالد القسري والي الكوفة وأذهله، وقد سمع به وهو على المنبر، فنادى أن أطعموني ماء، يريد أن يشرب فهجاه يحيى بن نوفل بقوله :
تقول من النواكه أطعموني *** شراباً ثم بلت على السرير
لأعلاج ثمانية وشيخ *** كليل الحد ذي بصر ضرير(165)
وكان المغيرة أعمى، وقول الشاعر: لأعلاج ثمانية: هو أن أصحاب المغيرة الذين خرج بهم ويدعون الوصفاء كانوا ثمانية، وقيل : سبعة.
براءة الإمامين الباقر والصادق من المغيرة
ومهما يكن من حديث هذا الرجل، فإنّا نودّ أن نكشف واقعه على أضواء أقوال أهل البيت فيه، وفي أضرابه الذين تنكّروا للمسلمين، وتآمروا عليهم; قصد الوقيعة فيهم.
قال كثير النواء: سمعت أبا جعفر الباقر (عليه السلام) يقول: برئ الله ورسوله من المغيرةبن سعيد، وبنان بن سمعان، فإنهما كذبا علينا أهل البيت .(166)
وقال محمد بن عيسى بن عبيد : إنّ بعض أصحابنا سأل يونس بن عبد الرحمن (167) وأنا حاضر: وقال له يا أبا محمد، ما أشدّك في الحديث؟! وأشدّ إنكارك لما يرويه أصحابنا! فما الذي يحملك على رد الأحاديث ؟
فقال يونس: حدّثني هشام بن الحكم أنّه سمع أبا عبد الله الصادق يقول(عليه السلام): لا تقبلوا علينا حديثاً إلا ما وافق القرآن والسنة، أو تجدون معه شاهداً من أحاديثنا المتقدمة، فإن المغيرة بن سعيد لعنه الله دسّ في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدّث بها أبي، فاتقوا الله، ولا تقبلو علينا ما خالف قول ربّنا، وسنّة نبيّنا(صلى الله عليه وآله)(168).
وفي رواية اُخرى: عن يونس بن هشام بن الحكم أنّه سمع أبا عبد الله (عليه السلام)يقول: كان المغيرة بن سعيد يتعمّد الكذب على أبي، ويأخذ كتب أصحابه، وكان أصحابه المستترون بأصحاب أبي يأخذون الكتب، فيدفعونها إلى المغيرة، وكان يدسّ فيها الكفر والزندقة، ويسندها الى أبي ثم يدفعها الى أصحابه، ثم يأمرهم أن يبّثوها في الشيعة، فكلّ ما كان في كتب أبي من الغلو فذاك مما دسه المغيرة بن سعيد في كتبهم.(169)
وعن عبد الرحمن بن كثير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) يوماً لأصحابه: لعن الله المغيرة بن سعيد ولعن الله يهودية كان يختلف إليها، يتعلم منها السحر، والشعبذة، والمخاريق، أنّ المغيرة كذب على أبي فسلبه الله الإيمان، وأنّ قوماً كذبوا عليّ مالهم؟ أذاقهم الله حر الحديد! فو الله ما نحن إلاّ عبيد خلقنا واصطفانا، ما نقدر على ضر ولا نفع، إن رحمنا فبرحمته، وإن عذبنا فبذنوبنا، والله مابنا على الله من حجة، ولا معنا من الله براءة، وإنا لميتون، ومقبورون، ومنشورون، ومبعوثون، وموقفون، ومسؤولون، مالهم لعنهم الله، فلقد آذوا الله، وآذوا رسول الله في قبره، وأمير المؤمنين، وفاطمة، والحسن، والحسين؟ وها أنا ذا بين أظهركم، أبيت على فراشي خائفاً، يأمنون وافزع، وينامون على فراشهم وأنا خائف. ساهر وجل، أبرأ الى الله مما قال فيّ الاجدع، وعبد بني أسد أبو الخطاب لعنه الله، والله لو ابتلوا بنا وأمرناهم بذلك لكان الواجب أن لا يتقبلوه، فكيف وهم يروني خائفاً وجلاً أستعدي الله عليهم، وأبرأ إلى الله منهم؟! إني امرؤ ولدني رسول الله(صلى الله عليه وآله) وما معي براءة من الله، إن أطعته رحمني، وإن عصيته عذّبني عذاباً شديداً.
وعلى أيّ حال: فهو (عليه السلام) كان مهتماً غاية الاهتمام بأضرار هؤلاء المندسين بين صفوف الاُمة، فكان قلقاً منهم، ويعلن للناس براءته منهم، ويبيّن لهم كذب ما يدّعيه اُولئك المخرّبون، الذين أرادوا أن يفسدوا المجتمع وأن يثيروا الفتنة، بادعاء التأليه لأهل البيت مع أنّه (عليه السلام) يعترف بأنّه عبد من عبيد الله، وأنّه ميّت ومبعوث.
كما يتجلّى لنا عظيم اهتمامه بفتنة هؤلاء، وألّمه ممّا يقومون به من الحال التي بات عليها فهو خائف وجل، يبيت على فراشه قلقاً، لا يقرّ به قرار، خشية اتساع هذه الفتنة، وتطاير شررها، فلا يعود ذلك على المسلمين إلاّ بأوخم العواقب.
هذا وقد نشط المغيرة في دعوته الإلحادية، كما قدمنا، وأمر أصحابه بإظهار الدعوة، والانتقال من السر الى العلن، وكانوا سبعة نفر يدعون الوصفاء، وكان خروجهم بظهر الكوفة، فأخبر خالد القسري بخروجهم وهو على المنبر، فقال: أطعموني ماء، لانزعاجه وخوفه، فهجاه ابن نوفل كما تقدّم.
ولما ظفر به خالد أتى به مع سبعة نفر، ثم أمر بسريره فأخرج الى المسجد، وأمر بأطنان القصب ونفط، فأحضروا ثم أمر المغيرة أن يتناول، فكع عنه وتأنى. فصبّت عليه السياط، فتناول طناً فاحتضنه فشدّ عليه، ثم صبّ عليه وعلى الطن نفط، ثم ألهبت فيهما النار فاحترقا، ثم أمر الرهط ففعلوا.(170)
وقال أبو بكر بن عياش: رأيت خالد بن عبد الله القسري حين أتى بالمغيرة ابن سعيد وأتباعه، فقتل منهم رجلاً، ثم قال للمغيرة أحيه ـ وكان يريهم أنّه يحيي الموتى ـ فقال: والله ما اُحيي الموتى. فأمر خالد بطن قصب فأضرم ناراً، ثم قال للمغيرة اعتنقه فأبى، فعدا رجل من أصحابه فاعتنقه والنار تأكله. فقال خالد هذا والله أحقّ منك بالرياسة، ثم قتله وقتل أصحابه، وذلك حدود سنة(119 هـ) .(171)
أبو منصور العجلي:
وهو أبو منصور مشهور بكنيته، نشأ في البادية ثم استوطن الكوفة، وله بها داراً، وكان عربياً من عبد القيس.
جاء هذا الرجل ببدع، ودخل في ميدان ذلك الصراع العنيف، وادّعى أنّ الله عزّ وجل عرج به إليه، فأدناه منه وكلّمه، ومسح على رأسه، وقال له: أي بني، وادّعى أيضاً أنه نبيّ ورسول، وأنّ جبرائيل (عليه السلام) يأتيه بالوحي من عند الله عزّ وجل، وأنّ الله بعث محمداً (صلى الله عليه وآله) بالتنزيل، وبعثه هو "يعني نفسه" بالتأويل. وكان يرى وجوب قتل من خالف دعوته، لأنّهم مشركون فيقول لأصحابه: من خالفكم فهو مشرك كافر فاقتلوه. فإن هذا جهاد خفي.
قام هذا الرجل بنشاط، وعلّم أصحابه الثبات والشجاعة، وراح يطلب الوسائل التي ينجح بها في تقوية حركته، وتركيز زعامته، وأعلن أولاً: أنّه من أتباع أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين، ولكن أمله لم يتحقق فإنّ الإمام أبا جعفر عندما بلغه أمره أظهر لعنه، والبراءة منه، وطرده من حظيرة أتباعه، ولمّا فشل في حيلته هذه ادعى أنّه إمام وحده، ودعا الناس الى اتباعه، وأنّه الإمام الشرعي المستقل، ثم ترائى له الأمر فأصبح نبيّاً، وقال: إنّ الرسالة لا تنقطع أبداً. بمعنى أنّ الانبياء يظهرون في جميع العصور والأوقات. وهذه المقالة تبرر ادّعاءه بالنبوة، وكذلك ادّعى أنّ النبوة في ستة من ولده.
وقد تنبّأ ابنه من بعده، وادعى مرتبة أبيه، وتابعه على رأيه بعض السفلة، وكان مصيره القتل .(172)
واستمرّ أبو منصور ببدعته وغوايته، وقد لقّبه الإمام الصادق (عليه السلام) بأنّه رسول إبليس، عندما أعلن للناس خبث سريرته، وعظم خطره، وقد حذّر الناس منه وأمرهم بالابتعاد عنه، ولعنه ثلاثاً (173) ودعا عليه، ولم يكد يوسف بن عمر الوالي زمن هشام بن عبد الملك يقف على أمرهم، حتى تصدّى له ولأصحابه، فقتلهم صلباً. وتزعّم ولده فيمن لقي من أصحاب أبيه، وادّعى النبوّة أيضاً، فأخذه المهدي، وقتله وتتبع أصحابه.
وهكذا ينتهي آخر دور يلعبه دعاة الفرقة من أعداء الإسلام، الذين أرادوا أن يفتكوا بأهله، إنتصاراً لمبادئهم، وحبّاً للسلطة والنفوذ، فاستعملوا شتّى الوسائل في تحقيق ذلك، ولكن محاولتهم فشلت، لقيام دعاة الإصلاح في إيضاح مفاسدهم، وبيان خطرهم، وسوء نواياهم، حتى زالوا من صفحة الوجود.
وقد أخطأ الاُستاذ محمد جابر عبد العال، مؤلف "كتاب حركات الشيعة المتطرفين"، حيث يذهب الى بقاء تلك الحركة، وإنّ جابر الجعفي تزعمها بقوله: قتل المغيرة وصلب بجوار بيان بواسط، كما قتل أصحابه، ولكن حركته لم تخمد، إذ تزعمها من بعده جابر الجعفي، وأنزله أصحاب المغيرة بمنزلة المغيرة نفسه .(174)
وهذا القول خارج عن حدود الصحة، وبعيد كلّ البعد عن الواقع، وهو تهجّم شنيع، وافتراء فاضح، فإنّ علماء الحديث هم أدرى بجابر وأعرف بمنزلته، وليعرني الاُستاذ سمعه لأنقل له شهادة علماء الرجال الأعلام : يقول ابن المهدي: ما رأيت في الحديث أورع من جابر .
وقال ابن عليه: جابر صدوق في الحديث .
وقال شعبة: إذا قال جابر حدَّثنا وسمعت فهو من أوثق الناس.
وقال وكيع: مهما شككتم فلا تشكّوا في أنّ جابراً ثقة.
وقال ابن عبد الحكم: سمعت الشافعي يقول : قال سفيان الثوري لشعبة: لئن تكلمت في جابر لأتكلّمن فيك.(175)
ولا نطيل الكلام حول منزلة جابر العلمية، فقد روى عنه خلق كثير، منهم: شعبة، والثوري، واسرائيل، والحسن بن حي، وشريك، ومسعر، وأبو عوانة، وغيرهم. وخرّج حديثه الترمذي في صحيحه (176) وأبو داود في سننه (177) وابن ماجة (178).
هذا وإنّ مدحه والثناء عليه من أهل البيت ثابت متواتر، ولا أدري من أين جاء الاُستاذ بهذه الفكرة الخاطئة ولعله اعتمد على البغدادي في الفرق إذ يقول عند ذكره لمن ذهب الى رجعة محمد بن عبد الله بن الحسن، ويقال لهم المحمّدية لانتظارهم محمد بن عبد الله، وكان جابر على هذا المذهب وكان يقول برجعة الأموات الى الدنيا قبل القيامة (179) ا هـ . والبغدادي معروف بتقوّله وكذبه في نقله، فقد أورد في كتابه أموراً لا صحة لها. ولنفترق هنا تاركين الحديث عن كثير من الاخطاء التي وقفنا عليها في مؤلفه، ونقله اُموراً لا صحة لها، وحكمه على أشياء بدون تثبّت، وإنّ الاُستاذ عبد العال قد خالف الحقيقة، فلقد غرّب وشرّق، وتقوّل وتأوّل، والكتاب بمجموعه نقد لاذع، وكذب فظيع، ولقد مثل في كثير من آرائه أفكاره الضيّقة، ونظرته القاصرة، لأنّه أثبت أشياء على غير تأمّل، بل إعراضاً عن الحق، وتجاوزاً عن الحقيقة، واستسلاماً للهدف الذي من أجله يقصده في تأليفه.
ولقد مررت على تلك الاخطاء المتراكمة مرّ كرام، وعسانا نلتقي به مرة اُخرى، وهو واحد من مجموعة كبيرة من الكتاب، الذين يقولون بدون تدبّر وأكثرهم يتقوّل انتصاراً لمذهبه، أو خضوعاً لعاطفته.
دراسة حركة الغلاة ناقصة
وعلى أيّ حال فإنّ حركة الغلاة هي من أخطر العوامل التي لعبت دوراً هاماً في المجتمع الإسلامي، وأنّ دراستها لا تزال حتى اليوم ناقصة بل غامضة، لوجود الكثير من التشويه واللبس، فالوقوف عليها ببيان ووضوح من المشقة بمكان، إذ لم تدوّن آراء اُولئك القوم بأقلام دعاتهم، فلم تكن لهم مؤلّفات تدوّن بها عقائدهم، وذلك لأنّ حركتهم كانت قصيرة العمر سريعة الزوال، لما قام به أهل البيت(عليهم السلام)في تفريق صفوفهم، وصدع شملهم عندما أعلنوا البراءة منهم، ولعنوهم، وحذّروا المجتمع الإسلامي من نواياهم الخبيثة، فكانت عاقبتهم الى الزوال، وجمعهم الى الشتات.
وإنّ كثيراً ممن كتب في هذا الموضوع وتناوله بالبحث، لم يقصد جلاء الغامض، وإظهار الحقيقة، وإنّما القصد من ذلك هو التشويه، والتضليل، ونشر ما يساعد أعداء الدين الإسلامي على الوقيعة في أهله، لأنّ اُولئك الذين تناولوا حركة الغلاة بالبحث لم يتحروا الدقة في إيراد ما جاء في كثير من الروايات، ولم يدرسوا الظروف التي ساعدت على نشر تلك الأفكار الخاطئة والعقائد الفاسدة، التي حاولوا نشرها في المجتمع الإسلامي، وإنّ اُولئك الكتاب يجهلون العوامل التي أدت الى قيام تلك الحركة، أو أنّهم يتعصبون فيحيدون عن الواقع ويتنكرون للحقيقة، وأنّ الجهل والتعصّب هما اللذان يجعلان كثيراً من الكتّاب والمؤرّخين يتجاهلون قيمة إظهار الحقيقة وبيان الواقع، وأنّهم يكتبون لا للتاريخ والحقيقة، وإنّما يكتبون للمغالطة والوقيعة، ولم يدركوا خطر أخطائهم وعظيم جنايتهم على الإسلام، في فتح باب التدخل لأعداء الإسلام.
الغلاة والشيعة
وكيف كان فقد ظهر لنا أنّ حركة الغلاة كانت ضد أهل البيت(عليهم السلام)بصورة خاصة، وضد الإسلام بصورة عامة، فإنّ ما يدعون إليه إنّما هو ضد ما دعا إليه الإسلام، وأهل البيت هم أقطاب الإسلام ودعاته، والذين بذلوا أنفسهم في سبيل إعلاء كلمته، والمحافظة على مبادئه، ونشر تعاليمه، وأنّ التشيّع بمفهومه الواقعي هو اتّباع الإمام علي (عليه السلام) ومشايعته مع أنّ بعض الفئات من الغلاة كانوا يكفّرون علياً (عليه السلام) كالكاملية فكيف يصح عدّهم في عداد الشيعة؟
وقد علمنا من أقوال الإمام الصادق كيف كانت حالته وهو يواجه هذه الحركة حتى وصف قلقه بما يعطينا صورة عن اهتمام الإمام بخطرها واعتبارها من المحن التي أرّقته.
وكيف يصح أن تجعل البيانية من فرق الشيعة، وهذا زعيمهم بيان يحاول أن يكون الإمام الباقر (عليه السلام) من أتباعه، عندما يكتب إليه يدعوه لنفسه، والاقرار له، فيقول في رسالته للإمام الباقر (عليه السلام): أسلم تسلم، وتنج وتغنم، فإنّك لا تدري أين يجعل الله النبوّة والرسالة، وقد أعذر من أنذر.
فهل بعد هذا من مجال لمتقوّل أو زاعم، بأن تجعل هذه الحركة من حركات الشيعة؟ ولكنّ الخصومة توجد من لا شيء شيئاً، وتفسّر الحوادث بما تشتهي.
والمغيرية وأتباعها يذهبون الى تكفير أهل البيت(عليهم السلام)والشيعة أجمع، لأنّهم يرون كفر من خالفهم، ووجوب قتله، وهل وجدت دعوتهم معارضة من قبل فئة، كما وجدت من قبل الأئمة وشيعتهم فكيف يصح عدّهم في سجل الشيعة؟ وهكذا الى آخر ما وقفنا عليه.
والشيء الذي نريد أن نقوله هو: أنّ حركة الغلاة قد شلّت في تلك المعارضة التي صدرت عن الإمام الصادق (عليه السلام) وزالت آثارهم بسرعة. ولكنّ الأغراض السياسية العمياء عندما حاولت الحطّ من كرامة أهل البيت قد جعلت حركة الزنادقة مرتبطة بالتشيّع، (وأنّه كانت هناك رابطة بين الزندقة والشيعة، إذ رأينا كيف كان الانتساب الى الشيعة الرافضة دليلاً على الزندقة، وداعياً إلى الاتهام بها)(180).
وقد قامت الدولة في أيام المهدي بمطاردة من يتّهم بالزندقة والقضاء عليه، فقتل بتلك خلق كثير، ولم يكن كلّ هؤلاء الذين يتهمون بالزندقة زنادقة حقّاً، وإنّما كان منهم من يتّهم بالزندقة لأسباب سياسية، فقد اتخذ الخلفاء من هذا الاتهام وسيلة للقضاء على خصومهم، ممّن لم يساير ركبهم، أو يتحسسون فيه عدم الميل إليهم، كما كانوا يتهمون بذلك بعض الهاشميين الذين يريدون القضاء عليهم، فقد اتّهم ابن من أبناء داود بن علي العباسي، ثم يعقوب بن الفضل واُتي بهما الى الخليفة المهدي.
وعلى هذا النحو فقد فتح باب التشفّي والانتقام بتهمة الزندقة، ليكون ذلك مبرّراً لقتلهم، ولم يقتصر الأمر على الخلفاء في اتهامهم الخصوم بالزندقة; بل كان هناك من الوزراء من يتخذون الاتهام - الباطل غالباً - بالزندقة سبيلاً للكيد والوقيعة بنظرائهم، أو خصومهم الذين يحقدون عليهم .(181)
وبهذا فتحت أبواب التهم على الشيعة، لأنّهم الحزب المعارض للدولة والخصوم لحكام الجور، فكان ماكان من تهم وتقوّل وافتراء.
حركة الغلاة ضد الإسلام
عرفنا أنّ هذه الفئة الضالة، تكمن وراء قوّة الدسّ والوقيعة والتفرقة، وبعث الشك والريبة في النفوس، ولو طال بها الزمن لاستطاعت أن تؤثر بطريق مباشر، أو غير مباشر على ذوي العقول الضعيفة، وتجرفهم بتيارها، ولكن لم يثبت التاريخ أنّهم أثّروا على أحد ممّن له صلة بأهل البيت، فمال إلى أقوالهم.
وليس في مقدور أيّ أحد أن يغفل حقيقة هامة، وهي أنّ هؤلاء المتدخلين في صفوف الاُمة قد دفعهم بغضهم للإسلام على أي لون كان، وأنّ الذين انتحلوا حب أهل البيت منهم، إنّما كان الباعث لهم هو العداء لأهل البيت(عليهم السلام)، وبغض دعوتهم الإصلاحية، وهم يعلمون ما لأهل البيت من أثر في نفوس المسلمين، وإنّ اتساع شهرة الإمام الصادق العلمية، وكثرة الوفود على مدرسته لانتهال العلم; إنّما هو دليل قاطع على قوة تمسك المسلمين بمبادئهم، وهذا أمر لا يروق لفئة تحاول محو تلك المبادئ، وتضليل الناس، وإنّهم اتخذوا الكوفة مقراً لنشر الدعوة الإلحادية، لأنّ في الكوفة نشاطاً شيعياً، وحركة فكرية، وفيها ما يزيد على ألف محدّث، يحدّث عن الإمام الصادق (عليه السلام)، وفيها من العناصر المختلفة، من غير المسلمين، ولكن الكوفة بصفتها العامة عربية مسلمة، توالي أهل البيت(عليهم السلام).
لهذا جعلت الدعوة في مركز من المراكز الحساسة، لكي يبثّوا سمومهم، وينشروا آراءهم وعقائدهم الفاسدة، في تناقلها الناس، ومصدرها الكوفة، والكوفة شيعية، فتسجل تلك العقائد على سجلّ الشيعة، الذين هم شوكة في عيون السلطة، التي يحلو لها أن توسّع هذه الشقة وتؤيد هذه الدعاية.
ولقد راح اُولئك الخصوم يشيعون الأكاذيب ويتقوّلون الأقاويل على أهل البيت(عليهم السلام)، طبقاً للمخطط الذي رسموه في محاربة الدعوة الاصلاحية، التي قام بها الإمام الصادق (عليه السلام) - كما تقدّم ذكرها - وقد وجدوا العون والحماية، من قوم يروق لهم ذلك، وتحلو لهم الوقيعة لشيعة علي (عليه السلام) عندما ترتبط الزمرة الملحدة بعجلة التشيّع، فيكون ذلك دليلاً على ما يتقولونه في ذم الشيعة، وشل نشاط حركتهم، في عصر تحرر الفكر وازدهار العلم .
ولا يفوتنا أن نقول بأنّ هذا التعاون مع خصوم أهل البيت(عليهم السلام)قد بقي الى العصور المتأخرة، فهم ينشرون تلك الافتراءات البالية، ويلبسونها ثوباً جديداً، تضليلاً للناس وحبّاً في إثارة الشغب، فكلّما أراد المصلحون حلّ مشكلة الفرقة والدعوة الى التقارب، ذهب الكثيرون - ممن لا يروق لهم الصفاء والتقارب - الى زيادة التعقيد، واتساع شقّة الخلاف، في نشر دفائن السلف، وعرض الأفكار البالية، وهو أسلوب يتخذونه لشلّ كلّ محاولة ساعية نحو الإصلاح، بحيث يجعلون من المستحيل على القوى المتخاصمة أن تتفق أو تتعاون.
إنّهم يريدون أن نبقى متخاصمين الى أن يحطم أحدنا الآخر، وهذا هو ما يصبو إليه أعداء الإسلام ويسعون بكلّ جهدهم لتحقيقه.
إنّهم يريدون أن يبقى المسلم لا يطمئنّ الى أخيه المسلم ولا يتعاون معه.
إنّنا في أيامنا هذه يتهدّدنا عدوّ قد تزايد خطره، عدوّ قد سطا على مبادئنا ومجتمعنا، يبثّ سمومه ويتستّر بمختلف الأثواب، ويستعمل شتّى الأساليب، فجرف بعض شبابنا بدعايته الكاذبة، وأقواله الفارغة.
إنّنا أمام موجة إلحادية عارمة(182)، تسندها اُمة ذات قوّة وعدة، تحاول أن تفصل بيننا وبين قوّتنا الروحية، وعقيدتنا الإسلامية.
إنّها قوة تنذر بالخطر، وتدعو الى الاهتمام، واتّخاذ التدابير في ردّها ودفع خطرها، ولا يمكننا ذلك ونحن يكفّر بعضنا بعضاً، ويبتعد بعضنا عن بعض، ويتهم بعضنا الآخر، باُمور أكل الدهر عليها وشرب، تلك أشياء وجدت لغاية التفرقة بين المسلمين، لأنّ في اتحادهم هدماً لمعاقل الحكم الجائر، ولا يمكن لحكام الاستبداد أن يعيشوا في مجتمع تسوده مشاعر المحبّة والوئام.
إنّنا أمام تيارات دولية، وأطماع استعمارية، وأعاصير فكرية، فهل ننتبه لهذه الأخطار المحيطة بنا؟ ويكفينا ما حلّ بنا من وراء المنازعات الطائفية، التي اتخذها المتعطشون على السيادة أقوى وسيلة لتحقيق أهدافهم وإشباع رغباتهم.
يجب علينا أن ندرس الظروف القاسية التي حلّت بالمسلمين فأدّت بهم الى هذا التأخر والانحطاط، فكلّ ذلك ناجم عن التفرقة والخصومة والتعصّب.
يجب علينا أن نتفاهم وأن نسعى لإزالة الحواجز التي تحول بيننا وبين تقاربنا، إنّنا على حقّ والحقّ يعلو ولا يُعلى عليه، والإسلام فوق كلّ شيء، وتحت رايته تتحقق السعادة، وفي مبادئه تسعد الإنسانية.
نحن أبناء اليوم، والمطلوب منّا أن نحتفظ بأمانة الإسلام، وأن ندافع عنه بكلّ ما نتمكّن، فإنّ أمامنا أخطار المبادئ الهدّامة، التي تحارب التوحيد، وتنصر الإلحاد، وقد أعدّت العدّة وأكملت القوة، ونحن نبقى عاكفين على نبش الدفائن، وإثارة الضغائن بأفكار بالية وآراء شاذة.
إنّ تلك الخرافات والأوهام قد أصبحت في خبر كان، وقد زالت على أيدي دعاة هدى وأئمّة رشاد، إذ حفروا لها قبوراً بمعاول الحقّ، فزال أثرها ونسي خبرها.
دعونا من فتح سجلاّت الماضي، وليقف كلّ واحد منا الى جانب أخيه المسلم، يشدّ أزره، فإنّ الاُمة الإسلامية أحوج الى وحدة الصف أكثر من أي وقت مضى، لأنّها تمرّ بنفس المراحل الاُولى التي تعرّضت فيها لحملات دعاة الفرقة.حوار وتصويب
ويطول بنا المقام إن أردنا أن نطيل الحديث عن الأساليب التي اتّخذت لاتّهام الشيعة باُمور هي أبعد ما تكون عن الواقع، وقد دعانا الى استعراض هذا البحث، ما وقفنا عليه من الشذوذ عند بعض الكتاب الذين انحرفت أقلامهم عن تسجيل الحقائق العلميّة وجرت في ميدان التعصّب، ولم تجعل للواقع أيّ قيمة، ونحن لم نحاسبهم على ذلك الانحراف والانعطاف نحو جهة معينة، لا الجهة التي يقتضيها الحقّ ويدعو إليها البحث العلمي.
وليس في استطاعتي الآن تعداد اُولئك الكتاب ومناقشتهم، ولكني أودّ أن اُناقش بعضاً منهم، ممّن صدرت كتبهم في العهد القريب، ففيها من التعصّب والتحيّز، ونكران الحقّ، ما يدعونا الى الأسف الشديد، أن يصدر هذا من علماء مثقّفين.
وعلى أيّ حال فإنّا نقف معهم وقفة قصيرة، ونلتقي بهم لقاء ودّياً، ونعاتبهم عتاباً أخويّاً، ونطلب منهم التثبّت فيما ينقلونه، وأن يتحرّوا الصدق فيما ينقلونه، فإنّ وراءهم حساب الأجيال، وحساب الله أعظم.
وها نحن نلتقي بالاُستاذ الشيخ علي الغرابي، وهو اُستاذ في كلية الشريعة بمكة المكرمة، ومؤلف كتاب "الفرق الإسلامية ونشأة علم الكلام عند المسلمين".
يتحدث هذا الشيخ عن تاريخ العقيدة، وعن نشأة علم الكلام، ثم يتحدّث عن الفرق، ويطيل الحديث عن المعتزلة، ولا نودّ أن نطيل الوقوف معه، فالوقت أثمن من ذلك، ولكنا نريد أن نتعرّض لهفواته في ذكر فرق الشيعة، وبذلك نعرف مدى تأثير الأفكار بالإيحاءات الكاذبة، كما نلمس تراكم الترسبات الطائفية، التي لم يستطع الواقع إزالتها من بعض القلوب، وإنّ التنّور وانكشاف الاُمور لم يزدها إلاّ زيفاً وضلالاً.
يقول الشيخ: (ب) الشيعة :
1 - نبذة عن فرقهم وبعض آرائهم.
أصناف الشيعة وعلّة تسميتهم :
إنّما سموا شيعة لأنهم شايعوا علياً وقدّموه على أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)وهم ثلاثة أصناف :
1 - الغالية وسبب تسميتهم :
وإنّما سمّوا غالية لأنّهم غالوا في عليّ، وقالوا فيه قولاً عظيماً، وهم خمس عشرة فرقة.
ثم يعدّد الفرق بأسمائها، وهي أسماء بلا مسمّيات، مع أنّ أكثر هذه الفرق لا ينطبق على تعريفه الأوّل، فهم يغالون في عليّ ولم يدّعوا اُلوهيته، ولكنّ الشيخ لم يكن باحثاً متثبّتاً.
ثم ينتقل الشيخ بحديثه الى الصنف الثاني من أصناف الشيعة، وهم الرافضة، فيقول: وإنما سمّوا رافضة برفضهم أبا بكر وعمر الى أن يقول: والرافضة أربع وعشرون فرقة سوى الكاملية، ويسمّون الإمامية كقولهم بالنصّ على عليّ بن أبي طالب .
ثم يقول: الفرقة الاولى من الرافضة "القطعية".
وإنما سمّوا قطعية لأنّهم قطعوا على موت موسى بن محمد بن علي وهم جمهور الشيعة، وهم يقولون بالنصّ على إمامة علي بن أبي طالب، وأنّ علياً نصّ على إمامة ابنه الحسن، وأنّ الحسن نصّ على إمامة أخيه الحسين، وهكذا يقولون بانتقال الإمامة بالنص في أبناء الحسين إلى محمد بن الحسن بن علي وهو الغائب المنتظر عندهم، وإنّه سيظهر فيملأ الأرض عدلاً بعد أن ملئت جوراً.
ثم يذكر الكيسانية وأنّ فرقهم إحدى عشرة فرقة.
ويتحول الشيخ الى ذكر فرقة الزيدية ويذكر بعض آرائهم، ولا يهمّنا حديثه عن ذلك، والمهم أن ننبهه على بعض أخطائه وما أكثرها! ولا نريد أن نشدد الحساب عليه فهو مقلّد لغيره، أو متعصّب وكلا الأمرين يحولان دون إظهار الحقيقة، وبيان الواقع.
ونحن أولاء نترك إطالة الوقوف معه لنناقشه على آرائه التي استمدّها من مصادر غير موثوق بها، إن كان ينقل عن مصدر، وإلاّ فهو جاهل بحقيقة الحال.
إنّ الشيخ يريد أن يتحف المسلمين بهذا العصر المكفهر بسحب العداء لهم، والمزدحم بأفواج النقمة منهم، والسخط عليهم من قبل خصوم، يريدون أن يفرّقوا الشمل ويثيروا الفتنة.
نعم لا نريد نقاشه، ولكنّا نودّ أن ننبّهه لبعض الأخطاء التاريخية عساه أن يتقبّل ذلك فيرجع عن طريق الإنحراف: أنّه يقول في القطعية: إنّهم قطعوا على موت موسى بن محمد بن علي. وهذا خطأ من عدة جهات :
1 - إنّه لا يوجد إمام من أئمة أهل البيت اسمه موسى بن محمد بن علي، ولا نعرفه ولا يعرفه كلّ أحد، فمن أين جاء الشيخ بهذا الاسم؟! فهل كان يقصد به الإمام موسى بن جعفر، فإن كان كذلك ولكنّه يجهله ولم يتعرف عليه، ولا يدري من هو، فكيف يرجى الصواب من باحث يجهل إماماً له منزلة عظيمة، ومكانة اجتماعية، وشخصية أخافت الدولة، وأقضّت مضاجعها، وهي في عظمتها وأيام عزّتها، فكان الرشيد أيام عظمته وقوة سلطانه يخشى صولة الإمام موسى بن جعفر، وهو في محرابه ومجلس علمه. إذاً فلا يصحّ وصف القطعية بأنّهم قطعوا على موت الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام)،لأنّ القطعية هم الذين قالوا : بأنّ الإمامة انقطعت على الإمام جعفر الصادق في حياته، وصارت في وَلَدِه إسماعيل، فقول الشيخ إنّ القطعية قطعوا على موت موسى أمر مقطوع بكذبه وبطلانه.
2 - مع التنزّل من أنّهم قطعوا على موت موسى، فما معنى قوله في وصفهم بأنهم يقولون بانتقال الإمامة بالنص في أبناء الحسين إلى محمد بن الحسن بن علي، وهو الغائب المنتظر ؟
وعلى هذا فلا يصحّ القول بالقطع على موت الإمام موسى، بل ساقوا الإمامة الى ولده الرضا (عليه السلام)، ومن بعده بولده الهادي، ثم الى الإمام العسكري، ثم الى الغائب المنتظر (عليه السلام)، فهم على هذا يعدّون من الشيعة الاثني عشرية لا القطعية، فكيف يحصل الاتفاق في قوله الاوّل بأنّهم قطعوا الإمامة على موت موسى؟!
3 - يقول: وهم - أي القطعية - جمهور الشيعة.
ونحن نسائله هل وقف على مؤلفات الشيعة فوجد أثراً يُذكر للقطعية، وهل عرف منهم جماعة حتى يصح له أن يعبّر عنهم بأنّهم جمهور الشيعة؟ نعم جمهور الشيعة هم الاثنى عشرية، ولعلّ الشيخ لم يفرق بين قوله بالقطع على موت الإمام موسى، وبين القول بسوق الإمامة الى من بعده من أولاده وأحفاده.
موقف مع شيخ أزهري
وهذا عالم آخر من علماء الأزهر الشريف واُستاذ بكلية اُصول الدين وهو الشيخ محمد أبو زهو نلتقي معه في كتابه "الحديث والمحدّثون" المطبوع سنة (1378 هـ 1959م).
تعرّض الاُستاذ في كتابه الى ذكر الشيعة، وننقل بعض ما قاله ودوّنه، يقول: كانت الفكرة الاُولى في التشيع : أنّ جماعة من الصحابة يرون بعد موت رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّ الخلافة ميراث أدبي لعلي بن أبي طالب، وأنّه أولى بها بعدّة اُمور منها: أنّه أقرب عاصب لرسول الله(صلى الله عليه وآله) بعد عمّه العباس.
ثم يعدد مزايا أمير المؤمنين - الى أن يقول -: رأينا أنّ فكرة التشيّع لعلي تلبس ثوباً جديداً وينضمّ إليها كثير من الزنادقة، وأرباب الأهواء والمنافقين بقصد الإفساد في الدين.
ثم يقول: وعلى الجملة فقد افترقت الشيعة ثلاث فرق "الكيسانية" وتولوا محمد بن الحنفية والإمامية "الجعفرية" وتولوا جعفر الصادق والإمامية "الزيدية" وتولوا زيد بن علي بن الحسين.
ويذكر بعد ذلك عقائد الشيعة ويعدّدها :
1 - الرجعة.
2 - النبوّة: ادّعى بعض الشيعة النبوّة لعلي.
3 - الاُلوهية: ذهبت فرقة من الشيعة الى تأليه علي.
الى أن يقول فضيلته تحت عنوان: التشيّع ستار لأعداء الإسلام: ويقيني أنّ التشيع كان ستاراً احتجب وراءه كثير من أعداء الإسلام من الفرس، واليهود، والروم، وغيرهم، ليكيدوا لهذا الدين، ويقلبوا نظام هذه الدولة الإسلامية، فقد كان الفرس يزعمون أنّهم الأحرار والسادة، وكانت لهم الدولة من قديم الزمان، فلمّا بدّل الله عزهم ذلاًّ، وصيّر ملكهم نهباً، على يد العرب الذين كانوا في نظرهم أقلّ الاُمم خطراً...الخ
ثم يقول: أخذوا - أي الفرس - يتحسّسون أبواب الضعف عند المسلمين فلم يجدوا باباً أنجع لهم من الحيلة والخداع، فأظهر جماعة منهم الإسلام، وانضمّوا الى أهل التشيّع، مظهرين محبة أهل البيت(عليهم السلام)، وسخطهم على من ظلم علياً (رضي الله عنه).
ثم يستمر أبو زهو فيذكر صفات الشيعة بما يروق له وما يوحيه إليه وهمه، الى أن يقول - وما أعظم ما يقول -: كان من وراء الشيعة والخوارج ومن على شاكلتهم الجمهور الأعظم من المسلمين الذين لم يتدنسوا بالتشيّع ولا بالخروج وتمسّكوا بالسُنن.
نضع هذه الفقرات التي اقتطفناها من حديث الشيخ بين يدي كل منصف متجرّد عن التعصّب والتحيّز.
إنّنا نذكر هذه الأقوال والألم يحزّ بنفوسنا، والاستغراب يستولي على مشاعرنا، عجيب - وكم أرانا الدهر من عجب - أن يصدر مثل هذا التعبير النابي، والقول الشائن، من رجل ينتمي لأكبر مؤسسة إسلامية، لها مكانتها في المجتمع الإسلامي، وقد خدمت الاُمة على ممرّ العصور، ولا شكّ أنّها تحرص على جمع الكلمة، ومحاربة الفرقة، إنّها مؤسسة الأزهر الشريف، التي قطعت شوطاً بعيداً في خدمة الإسلام، ونشر مآثره.
عجيب أن تصدر مثل هذه الهفوات، من رجل يعدّ من كبار علمائها إذ اُنيط به تدريس اُصول الدين، وتلك أكبر مهمة ينحو الأزهر بتحقيقها.
عذّرنا تجاهل الشيخ بنصّ حديث الغدير، الذي هو من أهمّ الأحداث الإسلامية، والوقائع التاريخية التي لايمكن جحودها، ومن الصعب انكارها. فلا نريد أن نذكّر الشيخ بالمصادر التي ذكرت هذا النصّ الجليّ، ولا نريد أن نقدّم له قائمة بأسماء الصحابة الذين شهدوا بسماعهم من رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم قام بذلك الحفل الرهيب، والجمع الحاشد، وفي ذلك الهجير المضطرم، في غدير خم، حيث مفترق المدنيين والمصريين، والعراقيين، وعدد الجمع لايقلّ عن مائة ألف، وأعلن للملأ الحاشد بخطبته العظيمة، التي قال فيها: "من كنت مولاه فهذا علي مولاه".
نعم لا نريد أن ننبّه الشيخ لمراجعة الصحاح التي روت ذلك، كصحيح مسلم(183)، والترمذي (184)، والحاكم (185) وغيرها، أو نرشده الى مراجعة الكتب التي ذكر فيها هذا الحديث، وعددها يربو على ستمائة مؤلّف وكتاب.
إنّ حديث الغدير هو نصّ صريح ولم يستطع أحد إنكاره، وإن كان الكثيرون قد وقعوا في كثير من التمحّلات والتأويلات، في المعنى اللغوي للفظ المولى، ولكن ذلك لم يصل بهم الى نتيجة مرضيّة.
نحن نترك هذا للباحث الحرّالمتجرّد عن العاطفة والتحيّز، ولا نطيل الحديث مع الشيخ في هذا الموضوع، كما أنّنا لا نطيل الحديث في قوله: ويقيني أنّ التشيّع كان ستاراً احتجب وراءه أعداء الإسلام من الفرس واليهود والروم وغيرهم الى آخره .(186)
لأنّ هذه العبارة قد مرّت على أسماعنا من كثير ممّن يريد أن يثير الفتنة، وينشر الشغب، و قد ردّدها المستشرقون الذين يريدون في أبحاثهم الوقيعة بين المسلمين، وإنّ فضيلة الشيخ لكثرة اتّباعه لأولئك الكتاب، واقتباسه في تعبيره من عباراتهم، وضع هذه الآراء الشاذة في إطار اليقين، كما أنّ يقيني فيه أنّه قاصر عن إثبات ما يدعم دعواه من الطرق العلمية. ويحقّ لنا أن نسأل فضيلة الشيخ فنقول: لأيّ شيء لا يكون التدخّل من قبل أعداء الدين في صفوف سائر الطوائف هدماً للدين، وتآمراً على أهله ؟
أليست فرق الكرامية التي يبلغ عددها اثنتي عشرة فرقة واُصولها ستة وهم: العابدية، والنونية، والزربنية، والإسحاقية، والواحدية، وأقربهم الهيصمية وهم منتسبون لأهل السنة؟.(187)
وهؤلاء قد ابتدعوا في الدين، وأضلّوا خلقاً كثيراً، وقد اندسّوا في الحنابلة، وانتسبوا لأحمد بن حنبل ،وكان مؤسس هذه الفرقة "الكرامية" هو محمد بن كرام السجستاني المتوفى سنة (255 هـ)، كان أصله من زرنج، ونشأ بسجستان، ثم دخل بلاد خراسان، وجاور بمكة خمس سنين، ثم أظهر بدعته، وتبعه خلق كثير، وشاع ذكره، حتى قال الشاعر في مدحه :
الفقه فقه أبي حنيفة وحده *** والدين دين محمد بن كرام
إنّ الذين لجهلهم لم يقتدوا *** في الدين بابن كرام غير كرام(188)
ذهب محمد بن كرام الى أنّ الإيمان قول باللسان، وإن اعتقد الكفر بقلبه فهو مؤمن، وزعم ابن كرام وأتباعه: أنّ معبودهم محل الحوادث ووصفوه - تعالى الله عما يصفون - بالثقل، وذلك أن ابن كرام قال في كتاب عذاب القبر في تفسير قوله : (إذا السَّمَاءُ انفَطَرَتْ) إنّها انفطرت من ثقل الرحمن عليها، ولهم مزاعم كثيرة وآراء باطلة(189).
ولهم في الفقه أقوال :منها: صلاة المسافر يكفيه تكبيرتان من غير ركوع ولا سجود، ولا قيام ولا قعود، ولا تشهد ولا سلام.ومنها: صحة الصلاة في ثوب كلّه نجس، وعلى أرض نجسة، ونجاسة ظاهر البدن، وإنّما أوجب الطهارة عن الأحداث دون الأنجاس.ومنها: أنّ غسل الميت والصلاة عليه سنة غير مفروضة وإنّما الواجب كفنه، ودفنه.ومنها: القول بصحة الصلاة المفروضة، والحج المفروض بلا نيّة.
قال الشيخ زاهد الكوثري: وكثير من الكرامية قالوا بحلول الحوادث في الله تعالى وحلوله في الحوادث، اندسوا بين الحنابلة، فأضلّوا خلائق، ولله في خلقه شؤون، وكذلك فعل البربهارية والسالمية.(190)
ونحن لا نريد أن نتناول بالبحث جميع الفرق التي نسبت لأهل السنة وتزعمها رجال من الدخلاء، كالمشبّهة والمجسّمة والمريسية وغيرهم، لأنّا لا نودّ أن نتبع طريقة من يسطون على القديم من الشبه والآراء، ويطلونه بطلاء حديث، تغريراً للبسطاء، واستمالة للدهماء، فجمعوا بين جريمتين : جريمة الخيانة، وجريمة الخداع، فوق ما اقترفوا من جريمة الطعن في سيرة أهلالبيت(عليهم السلام) المنزّهين من كلّ عيب والمطهّرين من كلّ دنس، وهم حماة الدين وأعلام المسلمين .
عذّرنا من ذهب لذلك من السلف، وعفى الله عمّا سلف، ولكن ما عذر أبناء العصر الحاضر الذين وقفوا على بواعث تلك الاتهامات الموجهة الى الشيعة، وعرفوا أهداف السياسة في ذلك، وهم يتجاهلون حقيقة لا يمكنهم جهلها؟
وعلى أيّ حال فإنّا لا نريد إطالة الوقوف مع الشيخ أبو زهو في هذا الموضوع.
إذ الأمر يدعونا الى إطالة البحث، وتقديم قوائم بأسماء رجال من أبناء فارس، دخلوا في صفوف فرق المسلمين من غير الشيعة، ونشروا كثيراً من المذاهب، ولو أنّه أطلّ ببحثه على تراجم رجال المذهب الحنفي وأعيانه; لوجدهم من أبناء فارس، فقد قاموا بنشر المذهب الحنفي، وساندوا حركته بكلّ عصر، ولعلّ ذلك يكفي لإقناع الشيخ في بطلان قوله.
نعم لا نريد إطالة النقاش فيما تقوّله على الشيعة، ولم يكن هو أول من يسهم في تجاهل الحقائق، فكم رأينا كثيراً من أمثاله وأعرضنا عن نقاشه؟
والشيء الذي يلزمنا أن نقف عليه وقفة أسف وتألم، وهو قوله بالمبحث الرابع إذ يقول: كان من وراء الشيعة، والخوارج ومن على شاكلتهم، الجمهور الأعظم ممّن لمن يتدنسوا بالتشيع (191)...
وهكذا يقول وما أعظم ما يقول إنّه يرى أنّ الانتساب الى التشيع دنس، ونحن لا نقول في ردّه أيّ شيء، إلا أنّنا نطلب ممّن قرظوا الكتاب ومدحوه، أن يراجعوا ضمائرهم في صحّة هذا القول وهل ارتضوا ذلك؟ ومن العجيب أن يكون كذلك!
أيكون التشيّع دنساً وقد انتمى إليه كبار الصحابة وخيار التابعين؟!
أيكون التشيع دنساً وهو أتباع علي وحبّه وبغض أعدائه، وقد دعا رسول الله(صلى الله عليه وآله) لذلك في بدء دعوته؟!
غريب وأيم الحقّ أن تصدر كلمة كهذه من إنسان يدّعي العلم والمعرفة، ويتصدّر للتدريس في اُصول الدين.
إنّها كلمة خرجت من قلب يحترق غيظاً عندما يبلغه تقارب المسلمين، في عصر يلزمهم ذلك، إنّه يفقد معنوية لا ينالها إلاّ بالتفرقة، وإثارة الفتنة.
أيّ قلم استطاع أن يسطر هذه الحروف لكلمة عظيم وقعها على المنصفين من المسلمين، الذين يسوؤهم ما حل بمجتمعهم، من شحناء وبغضاء، جرّتهما عليهم طائفية رعناء وعصبية عمياء؟
فلنترك حساب هذا الشيخ على ما تجنّاه في كتابه، وما افتعله في أبحاثه، ولنا معه عودة إن شاء الله.
كما أنّنا نترك الوقوف مع غيره من أمثاله، ومن على شاكلته، ممّن تجرّدوا للكذب والافتراء، ونظروا الى الشيعة من زاوية التعصّب الطائفي أو غير ذلك، فسلّوا عليهم سيوف النقمة (وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)(192).
الناقمون على الإسلام وأهل البيت (عليهم السلام)
وعلى أيّ حال، إنّنا إذا أردنا أن نحاسب الناقمين على الشيعة طبقاً للمنطق الصحيح، على مواقع الخطأ في اتّهام الشيعة باُمور لا صلة لها بالواقع، ولا نصيب لها من الصحة; فإنّ الأرقام تقف عن مسايرتنا، وربّما تقف عن الإحصاء، ولا نريد ذلك ولكنّنا نريد منهم التوسّع في التفكير الحرّ، وترك المغالطات، والتثبّت في النقل، فقد مرّت العصور التي تدعوهم الى إثارة الفتن، وإيقاد نار البغضاء بين المسلمين.
لقد رأينا كيف نشأت تلك الفئات، وعرفنا الأسباب التي دعتهم الى الادعاء بالتقرّب من أهل البيت(عليهم السلام).
إنّ العداء المتأصّل في قلوب اُولئك المنهزمين أمام قوّة الإسلام الذاتية، حملهم على مقابلته من طريق غير مباشر، وأنّ انتحال البعض منهم حبّ أهل البيت، والتظاهر بالولاء لهم وإنّما كان هدفهم في ذلك تغرير البسطاء، وتضليل العامة، ممّن ينظرون الى الاُمور نظرة سطحية، مع أنّهم لمسوا رغبة السلطة الحاكمة في تشويه سمعة أتباع أهل البيت(عليهم السلام)،ليحملوا الناس على الابتعاد عنهم، وأن يحرموا أغلبية الاُمّة من الأخذ بتعاليم آل محمد (صلى الله عليه وآله)، لما يدسّونه في أحاديثهم، وما يشوهونه من أقوالهم، وقد أدرك الأئمة(عليهم السلام)هذا الخطر العظيم، فقاموا بمحاربة تلك الفئة الضالّة والزمرة الملحدة، وقد وقف الشيعة الى جنب أهل البيت(عليهم السلام)،في إعلان الحرب على تلك الفئة، والبراءة منهم وحكموا بنجاستهم وعدم الإمتزاج معهم، فكان نصيب تلك الحركة التي قام بها الملحدون ضدّ الإسلام بصورة عامة، وضد أهل البيت(عليهم السلام)بصورة خاصة، الفشل والإنهيار، وإن نالت الفوز الموقت، وأثّرت في عقول لم يكن لها نصيب من الرجحان، فذلك أمر يعود للظروف، ومقتضيات الزمان، وأنّه يدور على تلك القوة الغاشمة، قوة السلطة المتعسفة، التي قضت على الأفكار بالجمود لكي يشغل المسلمون، فيما بينهم بالتناحر والتطاحن، ويسكتوا عمّا هو أخطر وأجدر بالمقاومة والمحاربة، وهو نظام حكمهم الذي وضعوه حسب أهوائهم الجائرة، ورغباتهم الجشعة، ونزعاتهم المتعسفة، والذي جعلوه مرتبطاً بالإسلام، وإنّه النظام الذي لا يمكن مخالفته، لأنّهم انتحلوا لأنفسهم حقّ وراثة الحكم، وحماية الدين وصيانة الإسلام.
وفي النهاية ينبغي أن نضع أمام أعيننا الغاية التي من أجلها إلتحق اُولئك الغلاة بركب الشيعة، في نظر الكثير من الكتّاب والمؤرخين، مع بعد المسافة وعدم التقارب، فإنّ ذلك لا يعدو نظرة التعصب والانتقاص، نظراً لمقتضيات الزمن وعوامل السياسة، كما هو ملموس لمن يطلب الحقيقة، ويحاول الوقوف على الواقع ، ويجعل نفسه حرّاً في ميدان البحث، ولا يعتمد على أقوال من يحاولون بنشر الدعايات الكاذبة غرضاً معيناً، ويدبّرون أمراً مرسوماً، وهم يلتقون جميعاً على هدف واحد، ويجتمعون على غرض واحد، وينسون في سبيل ذلك كلّ ما يقتضيه العلم ويتطلّبه الحقّ والانصاف، من عدم التحيّز وترك التعصّب، والبعد عن المغالطة ليبدو وجه الحقيقة سافراً ويتّضح الحقّ، والحقّ أحقّ أن يتّبع.
ولكن بمزيد الأسف أن يستولي سلطان التعصّب على بعض الناس، فيسلبهم حرية الرأي، ونزاهة النقل، فيقعوا في مأساة الجمود الفكري، بفقد المرونة والصراحة وخدمة الحقيقة، لأنّهم يتحرّكون وسط غيرهم من الناس، ويتنكّرون للحقائق، ويبتعدون عن الواقع، الأمر الذي أدّى الى عواقب وخيمة لا يُحمد عُقباها.
المنحرفون عن الحقّ والشيعة
ونعود الى اُولئك المنحرفين عن الصواب، الذين جعلوا من التشيّع ستاراً لأعداء الدين، بل زاد بعضهم فجعل التشيّع مبدأ تفرق هذه الاُمة، لأنّ اُصول التشيع من ابتداع اليهود، كما يقول السيد رشيد رضا: كان التشيّع للخليفة الرابع علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) مبدأ تفرّق هذه الاُمة في دينها وفي سياستها: وكان مبتدع اُصوله يهودي اسمه عبد الله بن سبأ، أظهر الإسلام خداعاً. ودعا الى الغلوّ في علي كرم الله وجهه، لأجل تفريق هذه الاُمة وإفساد دينها ودنياها.(193)
نعم نعود فنسائلهم عن هذا التجني الفاضح هل أخذوه من مصدر يوثق به؟ أم هل على شيء من ذلك في كتب الشيعة ممّا يؤيّد ما ذهبوا إليه؟
ماذنب الشيعة عندما اقتضت الظروف القاسية أن تحمل أعداءهم على التدخل في صفوفهم، لتشويه السمعة وفتح باب المواخذة؟
وهل كان من يدّعي الانتساب لقوم يؤخذون بجرمه مع بيان الفارق، وعدم العلاقة وإظهار البراءة منه والابتعاد عنه؟
أيّ علاقة بين الشيعة وبين الغلاة، وهل يوجد ربط في العقائد بين الفئتين؟ اللّهم إلا من باب المغالطة والتجاهل، فما هذا التجنّي يا أيها الكتّاب؟ لقد أبيتم إلاّ أن تجعلوا حبّ أهل البيت غلواً، وثبوت الوصاية لعلي خروجاً عن الإسلام!
انظروا الى عواقب هذا التطرف والشذوذ، وكيف أدّى الى تفريق الصف وتشتيت الشمل، وتغلّب أعداء الإسلام عليهم وحكمهم لبلادهم واستغلالهم لثرواتهم، وإنّ تلك الافتراءات التي يصوغها المتحاملون، ويحوكها المتعصبون، لا تقوى على مقابلة الحقّ، بل تذوب أمام أضوائه، وتتحطّم تحت ضرباته، والذين يصرّون على مثل هذه الاُمور، ويأبون التورّع عن مثل هذا الانحدار، إنّما هم أعداء الاُمة الإسلامية جمعاء، وجعلوا من الشيعة هدفاً لأغراضهم، ليثيروا الفتنة والبغضاء بين صفوف المسلمين، فتحقّقت بذلك أغراضهم السيئة.
أمّا قضية ابن سبأ فهي اُسطورة قديمة ولعبة سياسية، وتهمة اُتّهم بها كبار الصحابة من حملة لواء التشيّع، كأبي ذر وعمّار وغيرهم.
يقول الدكتور أحمد أمين في فجر الإسلام بعد ذكر مزدك (194) ومذهبه الثنوي: وقد اعتنق مذهبه آلاف من الناس، ولكن قبّاذ نكل به وبقومه، ودبّر لهم مذبحة سنة (523 هـ) كاد يستأصلهم بها.
ومع هذا فقد ظل قوم يتبعون مذهبه، حتى الى ما بعد الإسلام، الى أن يقول : ونلمح وجه شبه بين رأي أبي ذرّ الغفاري، وبين رأي مزدك في الناحية المالية فقط، فالطبري يحدّثنا أنّ أبا ذرّ قام بالشام وجعل يقول: يامعشر الأغنياء، وأسوا الفقراء، بشّر الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله بمكاو من نار تكوى بها جباههم وظهورهم.(195)
من هذه الدعوة التي قام بها أبو ذرّ الغفاري يستنتج الاُستاذ أحمد أمين أنّ أبا ذرّ أخذ هذا الرأي من مزدك، أو قريب من رأيه. وبعد ذلك يتساءل الاُستاذ عن كيفية أخذ أبي ذر لهذا الرأي، فيستدل بما رواه الطبري: أنّ ابن السوداء لقي أبا ذر فأوعز إليه بذلك، ثم يقول: ونحن نعلم أنّ ابن السوداء هذا لقب به عبدالله بن سبأ، وكان يهودياً من صنعاء، أظهر الإسلام في عهد عثمان، وأنّه حاول أن يفسد على المسلمين دينهم، وبثّ في البلاد عقائد كثيرة ضارّة، قد نتعرّض لها فيما بعد، وكان قد طوّف في بلاد كثيرة: في الحجاز والبصرة، والكوفة، والشام ومصر، فمن المحتمل القريب أن يكون قد تلقّى هذه الفكرة من مزدكية العراق، أو اليمن، واعتنقها أبو ذرّ حَسَن النية، وصبغها بصبغة الزهد التي كانت تجنح إليها نفسه...
ويقول الدكتور حسن إبراهيم في كتابه "تاريخ الإسلام السياسي"بعد أن ذكر بيان الحالة التي كان عليها المسلمون في اُخريات خلافة عثمان: فكان الجوّ ملائماً تمام الملاءمة، ومهيّئاً لقبول دعوة عبد الله بن سبأ، والتأثر بها الى أبعد حدّ.
وقد أذكى نيران هذه الثورة صحابي قديم، اشتهر بالورع والتقوى، وكان من كبار أئمة الحديث، وهو أبو ذر الغفاري(196)، الذي تحدّى سياسة عثمان، ومعاوية وإليه على الشام، بتحريض رجل من أهل صنعاء هو عبد الله بن سبأ، وكان يهودياً فأسلم، ثم تنقّل في البلاد الإسلامية، فبدأ بالحجاز، ثم البصرة، فالكوفة، والشام ومصر .
فأنت ترى أنّ هذا الصحابي الجليل، الذي امتاز بصدق اللهجة، ووضوح الحجة، فاستحق أن يقول الرسول (صلى الله عليه وآله) عن أخلاقه: "ما أقلّت الغبراء ولا أظلّت الخضراء أصدق لهجة من أبي ذر"(197) قد تجنّي عليه بما نسبوه إليه من التأثر بآراء مزدك بواسطة ابن السوداء عبد الله بن سبأ، كما يزعم هؤلاء الأساتذة الذين لا خبرة لهم بالتاريخ ولا معرفة بأحوال الرجال.
ونحن إذ نستعرض مثل هذه الآراء، لا نريد من ورائها إلاّ اعطاء صورة عن الشذوذ الفكري، والخروج عن قواعد الاستنتاج .
كيف يصحّ القول بأنّ أبا ذرّ قد اعتنق رأي مزدك؟! وهو خريج مدرسة محمد (صلى الله عليه وآله) والمنتهل من علومه، والممتثل لتعاليمه، وقد وصفه (صلى الله عليه وآله)بما سمعت آنفاً، كما وصفه الإمام علي (عليه السلام) بقوله "أبو ذر وعاء مُلئ علماً ثم أوكئ عليه"(198)
ومن كان كذلك، أيحتاج بآرائه وأقواله الى يهودي، فيتأثر بأقواله وآرائه؟ فتكون أساساً لدعوته التي قام بها.
ولكن عوامل السياسة، ومؤثّرات الدعاية قلبت المفاهيم وغيّرت من نظرة الناس الى الحقائق، إذ اقتضت الظروف تبرير عمل معاوية، وحمله على الصحة، وأنّ إنكار أبي ذرّ عليه كان بدافع عن اعتقاد خارج عن الإسلام، ولهذا فقد إلتجأ أنصار معاوية والمدافعون عنه أن يلبسوا دعوة أبي ذر بصبغة التأثر بآراء غير المسلمين. ليسلم معاوية من الطعن، وإن أصاب الطعن صميم تعاليم الإسلام.
هذا ومع التنزّل من صحة قصة ابن سبأ الذي جعلوا منه بطلاً لجميع الحركات في ذلك العهد; فهو الذي رفع صوته بالكوفة إنكاراً على عثمان، فاستجابت له الجماهير، ورحل الى مصر فغيّر القلوب، وجهّز الجيوش لحرب عثمان، وأقام في المدينة، فحوّل الاُمور عن مجراها وأغرى بعض الصحابة، أمثال أبي ذر، وعمار بن ياسر(199) ومحمد بن حذيفة (200) وعبد الرحمن بن عديس (201) ومحمد بن أبي بكر(202) وصعصعة بن صوحان العبدي(203) ومالك الأشتر(204): وغيرهم من صلحاء الصحابة وكبار التابعين .
إلى آخر ما نسبوه إليه من أعمال، وكلّ ذلك لا يمت الى الواقع بصلة، لأنّ قصّة ابن سبأ هي من القصص الخرافية، وقد تفرّد الطبري بذكرها مستنداً الى سيف بن عمرو التميمي البرجمي الكوفي، وإذا رجعنا الى ترجمته لنقف على قيمة ما يرويه، فإنّا نجدهم يصفونه بالوضع للحديث، ساقط الرواية، يروي الموضوعات عن الثقاة، عامة أحاديثه منكرة، متّهم بالوضع والزندقة (205) الى آخر ما ورد في وصفه عن علماء الرجال كابن معين وأبي حاتم، وأبي داود، والدارقطني، وابن عدي وابن يحيى، وابن حبان وغيرهم. وذلك لايدع مجالاً للشك بأنّ هذا الرجل قد وضع هذه القصة، ولا يقصد من ورائها إلاّ الوقيعة في رجال المسلمين، وإثارة الفتنة فيما بينهم، طبقاً للخطط التي وضعها الزنادقة في ذلك العصر، وقد نجح هذا المخطط، فأصبح ابن سبأ بطلاً مشهوراً يردده الكتّاب والمؤرخون.
وتجدر الإشارة هنا الى إرتباط هذا الاتهام بذلك التحسس الديني الذي أثارته سياسة عثمان، والتي كانت أوّل البوادر للتحكّم والاستبداد، وأوّل ظاهرة في الحكم الإسلامي، ومن أجل ذلك قام اُولئك الصحابة الذين تخرجوا من مدرسة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) فأنكروا تلك الأفعال، وعارضوا تلك السياسة، فعظم ذلك على الاُمويين، وقابلوا أعمالهم بالعنف من جهة، وبالحطّ من كرامتهم من جهة اُخرى.
وإنّ نظرة بسيطة الى واقع الأمر، فإنّا نجد اتّهام الصحابة بتلك الاُمور، إنّما هو من أعمال أنصار الاُمويين، لتشويه سيرة اُولئك العظماء الذين نقموا على عثمان، وأنكروا عليه سياسته التي جرّت عليه نقد الصحابة وإعلان الثورة.
والحاصل أنّ وضع اُسطورة ابن سبأ هي لغرض الحطّ من كرامة المنكرين على عثمان، ولكن المنصفين من الباحثين لم يستطيعوا السكوت عن هذه الخرافة البالية، والاُسطورة المضحكة، والفرية الباطلة، فصرّحوا بما هو الحقّ، وأظهروا للناس بطلانها، وناقشوا نقاط الضعف التي تحوط بها، فنحن نشكر للمنصفين إنتباههم، كما أنّنا نأسف لاُولئك المخدوعين لإنزلاقهم في هوّة التعصّب، وانقيادهم للهوى واستجابتهم لداعية التفرقة، فنحن نمرّ بلغوهم مرّ الكرام، ولنسدل الستار عن فضائح جناياتهم على الحقيقة، ونكلّ أمرهم لذوي العقول الراجحة، والأفكار الثاقبة الذين يقيسون الاُمور بمقياس العلم، وتقترن أقوالهم بالواقع، ولا يقيمون للخرافات وزناً ولا يجعلون للتقليد الأعمى قيمة، على غرار ما يفعل الشيعة وهم يتلقون هذه التهم وكأنّهم لا تعنيهم لأنّها معروفة المنشأ ومكشوفة الغرض، وإنّما تناقش من باب الغيرة على العلم الذي راح البعض ممّن لا علاقة له به إلاّ بالألقاب والمراكز يستسلمون هذا الاستسلام الشنيع، وقد أشرنا في كل مرة الى أقوال ممن هم من بني جلدتنا، أو تجمعنا وإياهم روابط العقيدة ـ إن شاؤوا ـ ولم نقم وزناً للأصل الذي اعتمده أحمد أمين وغيره ممّا تجنّى به المستشرقون على تاريخ الإسلام وأهل الإيمان والولاء للنبي(صلى الله عليه وآله) وعترته الطاهرة.
إنّ الشيعة يقصدون للغلاة، ويقوم أئمّتهم بحملة مضادة لوأد حركتهم والقضاء عليها، وقد أقضّ مضجعهم نشاط هؤلاء ولم يستقرّوا حتى هدم وجودهم، ولكن غيرهم يستمدّ معلوماته من كتّاب لا تجمعهم بالإسلام جامعة ولا تربطهم رابطة، ويتقبّلون ما يفعله هؤلاء المستشرقون بوقائع التاريخ وتدخلهم في أحداث الاُمة الإسلامية.
فإذا أخذنا الألمانييوليوس فلهوزن في كتاب: (الخوارج والشيعة)، لرأيناه كيف يستنتج ويربط الأحداث وفق غرض ظاهر لا يخفى على ذي نظر، فهو يسمح لنفسه أن يرجح ما بين الأكاذيب والافتراءات، وأنّ مذهب الشيعة يرجع الى اليهود أقرب من أن يرجع الى الفرس، ولو كان غير البيان بأبلغ من هذا لعبّرت عن الاستخفاف والاستهزاء العميقين لمثل هذه الأقوال، وليتها صدرت من مسلم. ثم يؤخذ قول فلهوزن مصدراً ـ وما أبعده عن الحقيقة ـ .
وسنأتي في الجزء الخامس على مناقشة آراء المستشرقين. ولقد بحثنا فيما مضى موقف أئمة الشيعة من الغلاة بما لا مزيد عليه من الوضوح والواقعية وبما يجعل قول فلهوزن اُضحوكة عندما يقول: (إن عبادة الشيعة لله كانت عبادة لبني الإنسان، والنتيجة لذلك قيصرية بابوية معاً، كانوا يعترضون على إمامة السلطة القائمة، ولكن إمامتهم الشرعية القائمة على دم الرسول "ذرية آل البيت" لم تكن أفضل منها إذا كانت تفضي الى إهدار لقانون وكسر شريعة).
ولا نناقش أمراً هو من مفاخرنا ورموز مسيرتنا حتى يظهر صاحب الأمر، والذي قدّم الأئمة الأطهار أنفسهم من أجله، فأكّدوا سياسة محاربة الظلم ومقاطعة الظالمين. ولا التقاء بين إمامة الدين التي هي صلة الرسالة ومنهج النبوّة وبين سلطة الظالمين والقتلة.
(وَمن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ)(206).
(127) بحار الأنوار ج 47 ص 27.
(128) الأغاني ج 2 ص 172.
(129) فتوح البلدان للبلاذري ص 289.
(130) سير أعلام النبلاء ج 5 ص 14 / 333.
(131) انظر الفِرق للبغدادي ص 70.
(132) الفهرست لابن النديم ص255 - 256.
(133) الملل والنحل ج 1 ص 210.
(134) خلاصة الأقوال للعلامة ص 392 / 1581 .
(135) نقد الرجال ج 4 ص 328 / 5092، بين التصوف والتشيع ص 272 - 282 .
(136) رجال الكشي ص 290 / 509 .
(137) رجال الكشي ص 291 / 515.
(138) رجال الكشي ص 297 / 525.
(139) رجال الكشي ص 297 / 527 .
(140) رجال الكشي ص 297 / 529 .
(141) رجال الكشي ص 299 / 532 .
(142) رجال الكشي ص 306 / 551.
(143) رجال الكشي ص 296 / 524.
(144) حركات الشيعة المتطرفين ص 77.
(145) المقالات والفرق ص 52 - 54 .
(146) الملل والنحل للشهرستاني ج 1 ص 301.
(147) رجال الكشي ص 305 / 549.
(148) رجال الكشي ص 305 / 549 .
(149) قاموس الرجال ج 2 ص 314 / 1097.
(150) قاموس الرجال ج 2 ص 315 / 1097.
(151) فِرق النوبختي ص 44.
(152) المقالات والفرق ص 52 / 104 .
(153) فرق النوبختي ص 38.
(154) الشعراء: 221 ـ 222 .
(155) الخصال للصدوق: 402، بالاضافة الى أبيالخطاب هم سبعة، وذكر حمزة بن عمارة البريري وليس الزيدي.
(156) رجال الكشي ص 398 / 743 .
(157) رجال الكشي ص 398 / 743، الفَرق بين الفِرق للبغدادي ص145 .
(158) الفرق للنوبختي ص 28.
(159) الملل والنحل ج 1 ص 294.
(160) لسان الميزان ج 7 ص 23 / 8592.
(161) الملل والنحل ج1 ص294 .
(162) تاريخ الطبري ج 4 ص 174.
(163) لسان الميزان لابن حجر ج 6 ص 76، المقالات الإسلامية للأشعري ج 1 ص7 ـ8 .
(164) لسان الميزان ج 7 ص 24 / 8592.
(165) لسان الميزان ج 6 ص 76.
(166) لسان العرب ج 6 ص 76.
(167) يونس بن عبد الرحمن، أبو محمد مولى علي بن يقطين، المتوفى سنة (208 هـ) كان من تلامذة الإمام موسى بن جعفر وعلي بن موسى الرضا(عليهما السلام) وكان الإمام الرضا يشير إليه في العلم والفتيا ، وكان من خاصة الإمام الرضا ووكيله، وله تصانيف كثيرة منها: كتاب الإرث، كتاب الزكاة، كتاب جوامع الآثار، كتاب الشرائع، كتاب الصلاة، كتاب العلل الكبير، كتاب علل الحديث، كتاب الجامع الكبير في الفقه، كتاب تفسير الميزان، كتاب الرد على الغلاة. وغيرها يبلغ عددها الثلاثين كتاباً. قال أبو جعفر البصري: دخلت مع يونس بن عبد الرحمن على الرضا(عليه السلام) فشكى إليه ما يلقى من أصحابه: فقال (عليه السلام): "دارهم فإن عقولهم لا تبلغ". توفي يونس بالمدينة المنورة سنة (228 هـ).
(168) إختيار معرفة الرجال: 2/489، رقم 401، بحار الأنوار: 96/294 .
(169) اختيار معرفة الرجال: 2/491، رقم 402، بحار الأنوار: 2/250 ح 63.
(170) تاريخ الطبري ج 9 حوادث سنة 119 هـ.
(171) لسان الميزان ج7 ص 23 / 8592 .
(172) المقالات والفرق ص 46 - 47 .
(173) رجال الكشي ص 196.
(174) حركات الشيعة المتطرفين ص 41.
(175) تهذيب التهذيب ج 2 ص 48.
(176) صحيح الترمذي ج 1 ص 401 / 206.
(177) سنن أبي داود ج 1 ص 272 / 1036 .
(178) سنن ابن ماجة ج1 ص 481 / 891 .
(179) الفَرق بين الفِرق ص 37.
(180) تاريخ الإلحاد في الإسلام لعبد الرحمن بدوي ص 39.
(181) تاريخ الطبري ص 490 والجهشياري ص 89 - 90 .
(182) قلنا ذلك ونحن في خضم مواجهةِ مد إلحاديّ وموجة غريبة قذفت إلينا بالسوء وأساءت الى مجتمعنا وقيمنا، وإذا هدأت فإن من الإلحاد ألواناً تهدد مجتمعنا الإسلامي في الصميم، يتهافت الحكّام وكثير من الناس على أدواتها ووسائلها بوعي أو بدون وعي.
(183) صحيح مسلم ج 1 ص 73.
(184) سنن الترمذي ج 5 ص 633 ح 3713 .
(185) المستدرك للحاكم ج 3 ص 118 ح 4576.
(186) الحديث والمحدثون ص 91.
(187) الملل والنحل للشهرستاني ج 1 ص 159.
(188) لسان الميزان ج 5 ص 354.
(189) الفِرق للبغدادي ص 130 - 137.
(190) الفرق بين الفِرق ص 121.
(191) الحديث والمحدثون ص 98.
(192) البروج : 8 .
(193) كتاب السنة والشيعة أو الوهابية والرافضة ص 4 - 6 طبع مصر سنة (1366 هـ 1947) والكتاب يقع في 281 صفحة وكله سباب وتهجّم وتقوّل بالباطل على رجال الشيعة وأعيانهم، وقد وضع له (الشيخ أحمد حامد الفقي) خاتمة، وأي خاتمة هي أنّه قد تكلم بلسان لا عهد له بالآداب، ولا صلة له بالصدق، وقد أعرضنا عن مناقشته تهاوناً واحتقاراً.
(194) ظهر مزدك في فارس سنة (487 هـ) وهو من أهل نيسابور، ودعا الى مذهب ثنوي جديد، وكان يقول بالنور والظلمة، وامتاز بتعاليمه الاشتراكية، وأحلّ النساء وأباح الأموال، وجعل الناس شركة فيها كاشتراكهم في الماء والنار والكلأ، فقوي أمره وعظمت شوكته، واتبعه السفلة، واغتنموا دعوته فرصة، فابتلي الناس بهم وقوي أمرهم حتى كانوا يدخلون على الرجل في داره فيغلبونه على منزله ونسائه وأمواله...
(195) فجر الإسلام ص 110.
(196) أبو ذر هو جندب بن جنادة الغفاري، المتوفى سنة (31 هـ) اُمه اُم رملة بنت الوقيعة الغفارية، وهو رابع أربعة سبقوا الى الإسلام، وكان من المتألهين في الجاهلية الذين عبدوا الله وتركوا الأصنام، ولما أسلم أجهر في إسلامه في البيت الحرام بمكة، فضربه رجال من قريش حتى ضرّجوه بدمه، واُغمي عليه فتركوه ظناً منهم أنه مات، وقد ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله) احاديث كثيرة في مدحه، ورحل الى الشام في خلافة عثمان، فأنكر على معاوية سيرته وسوء عمله، وأعلن بالإنكار عليه، فشكاه معاوية الى الخليفة، وأخرجه من الشام ونفاه الى الربذة حيث توفّي بها وحده، فكان كما قال فيه النبي (صلى الله عليه وآله): "رحم الله أبا ذر يعيش وحده ويموت وحده ويبعث وحده"
ولما انتقل رسول الله (صلى الله عليه وآله) الى جوار ربه كان أبو ذرّ غائباً فعاد وقد ولي أبو بكر، فقال أصبتم قناعة وتركتم قرابة، لو جعلتم هذا الأمر في أهل بيت نبيّكم ما اختلف عليكم إثنان.
(197) الاستيعاب بهامش الإصابة ج 1 ص 216، والإصابة ج 1 ص 64 .
(198) الإصابة ج 4 ص 64.
(199) هو أبو اليقظان عمار بن ياسر بن عامر بن مالك بن قيس من بني ثعلبة واُمه سمية، وهو سابع سبعة أظهروا الإسلام وجاهروا به، وقد قال فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله): "إن عماراً ملئ إيماناً الى مشاشه".
وكان من المعذَّبين في الله هو وأبوه واُمّه، وقد مات والده متأثراً من تعذيب قريش إياه على إسلامه، وكان عمار مع علي في حرب الجمل وصفين، وقتل بصفين مساء الخميس 9 صفر سنة (37 هـ)، قتله أهل الشام، فكان قتله مصداقاً لقول رسول الله: "يا عمار تقتلك الفئة الباغية".
(200) هو أبو القاسم محمد بن حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف، واُمّه سهلة بنت سهيل بن عمر العامرية، ولد بأرض الحبشة على عهد رسول الله، وكان من أشد الناس إنكاراً على عثمان، وذهب الى مصر، فأخرج نائب عبد الله بن أبي سرح من مصر، وبايعه أهل مصر، ولما ولي علي (عليه السلام) أقر محمّد بن حذيفة على مصر، وبقي على إمارته، وقد غدر به معاوية وسجنه بدمشق وقتله.
(201) عبد الرحمن بن عديس البلوي المقتول سنة (36 هـ) كان ممن شهد الحديبية، وبايع تحت الشجرة، وكان ممن أظهر الإنكار على عثمان، وقاد جيش المصريين لحربه يوم الدار، وقد سجنه معاوية، وغدر به بعد المهادنة وقتله.
(202) محمد بن أبي بكر واُمّه أسماء بنت عميس، نشأ في حجر علي، وشهد معه حروبه، ثم ولاّه مصر سنة 37 هـ فجهز إليه معاوية جيشا وقتل صبراً، وادخلوا جسده في بطن حمار ميت فأحرقوه، وذلك سنة (38 هـ).
(203) صعصعة بن صوحان العبدي بن حجير بن الهجرس العبدي، أسلم على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)وكان خطيباً فصيحاً، شهد صفين مع علي (عليه السلام)، ولما إستولى معاوية بعد الصلح نفاه الى البحرين فمات بها.
(204) هو مالك بن الحارث بن عبد يغوث بن مسلمة بن الحرث بن جذيمة بن مالك النخعي، أدرك رسول الله، وكان رئيس قومه، شهد اليرموك فشترت عينه بها، ولقب بالاشتر، صحب علياً وشهد الجمل وصفّين، وأرسله علي والياً على مصر فدس معاوية إليه السم في العسل على يد رجل صحبه في الطريق، أرسله معاوية لهذا الغرض، وتوفي متأثراً من السم وذلك سنة (38 هـ).
(205) ميزان الاعتدال للذهبي ج 1 ص 438، وتهذيب التهذيب ج 4 ص 297، وفهرست ابن النديم ص 137.
(206) المائدة: 56 .