أفعَال الصَّلاة واجبَاتها ـ مستحبّاتها ـ مبطلاتها
النيّة
وقع الخلاف في النية ووجوبها، فهل هي شرط في الصلاة أم ركن؟ وهل يشترط التلفظ بها أم يكفي الإخطار في القلب؟
أمّا وجوب النية فلا خلاف فيه، لأنّ الأعمال بالنيات، ولكل امرئ ما نوى، ولكنّهم اختلفوا في اُمور تتعلّق بها من حيث أنّها شرط أم ركن؟ وهل يجب موافقة نية المأموم للإمام وهل يجب تعين الفرض أم مطلق النية بإتيان الصلاة يكفي، إلى غير ذلك من موارد الخلاف، مما يطول شرحه ونبعد عن الاختصار في بيانه.
وكيف كان فإنّ النية هي القصد إلى الفعل بعنوان الامتثال والقربة، ولا يجب التلفظ بها بل يكفي إحضار صورة الفعل في أول الصلاة، واستدامة حكمها، بمعنى أنّه لا ينوي قطعها، وإذا تردّد بين المضي والقطع بطلت الصلاة وإن لم يقطعها كما هو مذهب الشيعة ووافقهم الحنابلة والشافعية.
قال ابن قدامة: وإذا دخل الرجل في الصلاة بنية مترددة بين إتمامها وقطعها لم تصح، لأنّ النية عزم جازم، ومع التردد لا يصح الجزم، وإن تلبّس بها بنية صحيحة ثم نوى قطعها والخروج منها بطلت، وبهذا قال الشافعي؛ وقال أبوحنيفة: لا تبطل بذلك لأنّها عبادة صحّ دخوله فيها فلم تفسد بنية الخروج منهاكالحج (1).
وقال أبو إسحاق الشافعي: ولو نوى الخروج من الصلاة، أو نوى أنّه سيخرج، أو شك يخرج أم لا، بطلت صلاته، لأنّ النية شرط في جميع الصلاة؛ وقد قطع ذلك بما أحدث كالطهارة؛ إذا قطعها بالحدث (2).
ويشترط في النيّة أن تكون مقارنة لتكبيرة الإحرام فلا تصح أن يفصل بينها وبين التكبيرة بشيء، كما لا يصح الإتيان بها بعد التكبير وعلى هذا اتفاق الشيعة(3)، والمالكية (4)، والشافعية (5).
أمّا الحنفية فإنّ الأفضل عندهم المقارنة للتكبير ولو نوى قبله حين توضأ ولم يشتغل بعده بعمل يقطع نيته جاز (6).
قال في الغنية: روي عن محمد بن الحسن؛ أنّ المصلي لو نوى عند الوضوء أن يصلي الظهر أو العصر مع الإمام ولم يشتغل بعد النية بما ليس من جنس الصلاة يعني سوى المشي إلاّ أنّه لما انتهى إلى مكان الصلاة لم تحضر النية جازت صلاته بتلك النية، ومثله عن أبي حنيفة وأبي يوسف رحمه الله فعلم بهذا جواز الصلاة بالنية المتقدّمة (7)، وذهب الكرخي من الحنفية إلى جواز الاعتداد بالنية المتأخرة.
وكذلك يجزي عند الحنابلة إن تقدّمت النية قبل التكبير وبعد دخول الوقت لأنّها عبادة فجاز تقديم النية عليها كالصوم وتقديم النية على الفعل لايخرجه عن كونه منوياً... الخ (8).
قال الشافعي وابن المنذر: يشترط مقارنة النية للتكبير لقوله تعالى: (وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)(9) فقوله مخلصين حال له في العبادة فإنّ الحال وصف هيئة الفاعل وقت الفعل والإخلاص هو النية. وقال النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): إنّما الأعمال بالنيات، ولأنّ النيّة شرط فلم يجز أن تخلو العبادة منها كسائر شروطها.
وقال الشيخ الطوسي في الخلاف: وقت النية مع تكبيرة الافتتاح لا يجوز تأخيرها ولا تقديمها عليها.... إلى أن يقول ـ: دليلنا أنّ النية إنّما يحتاج إليها ليقع الفعل على وجه دون وجه، والفعل في حال وقوعه يصح ذلك فيه، فيجب أن يصاحبه ما يؤثر فيه حتى يصح تأثيره فيه؛ لأنّها كالعلة في إيجاد معلولها فكما أنّ العلة لا تتقدم على المعلول فكذلك ما قلناه، وأيضاً فإذا قارنت صحت الصلاة، وإذا تقدمت لم يقم دليل على صحتها (10).
تكبيرة الاحرام
وهي التي يحصل الدخول بها في الصلاة ويحرم ما كان محللاً قبلها من الكلام وغيره، ويجب التلفظ بها باللفظ العربي وهو: الله أكبر فلا يجزي غيره، كما لا يجزي غير لفظ الله أكبر من سائر ألفاظ التعظيم، لأنه
الوارد عن صاحب الشرع فلا تجوز مخالفته. هذا هو مذهب الشيعة.
وعليه إجماعهم(11).
ووافقهم مالك وذهب إلى أنّه لا يجزي غير هذا اللفظ (12). وكذلك أحمد بن حنبل فإنّ الصلاة لا تنعقد عنده إلاّ بلفظ:الله أكبر (13).
أما الشافعي فهو موافق في الجملة، وأنّ الصلاة لا تنعقد عنده إلاّ بلفظ:الله أكبر. ولكنّه جوّز أن يقال: الله الأكبر، لأنّ الألف واللام عنده لم تغيره عن بنيته ومعناه، وإنّما أفادت التعريف (14).
أما أبو حنيفة فقد ذهب الى انعقاد الصلاة بكلّ اسم على وجه التعظيم كقول: الله العظيم، أو كبير، أو جليل، أو سبحان الله والحمدلله، ولا إله إلاّ الله ونحوه، ووافقه صاحبه محمد بن الحسن الشيباني.
أمّا أبو يوسف فإنّه يوافق بقية المذاهب في اشتراط لفظ: الله أكبر، إلاّ أنّه يجيز قول: الله الأكبر أو الكبير وزاد في الخلاصة جواز الله الكبار (15).
وأجاز أبو حنيفة إتيان التكبيرة بالفارسية نحو خداية بزركست ، كما أجاز الاكتفاء عن التكبير بقول: الله أجلّ أو أعظم، أو رحمن أكبر أو لا إله إلاّ الله أو تبارك الله أو غيره من أسماء الله وصفاته أجزأ (16) ووافقه محمد بن الحسن.
والحنابلة يوافقون الشيعة في تعيين صيغة التكبير وهي: الله أكبر، ولا يجزي غيرها من أسماء الله وصفاته(17).
قال في المغني: (لنا) إنّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: تحريمها التكبير رواه أبو داود، وقال(صلى الله عليه وآله وسلم)ـ للمسيء في صلاته ـ: إذا قمت الى الصلاة فكبر. متفق عليه(18).
وفي حديث رفاعة أنّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لا يقبل الله صلاة امرئ حتى يضع الوضوء مواضعه، ثم يستقبل القبلة، فيقول: الله أكبر، وكان النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) يفتتح الصلاة بقوله: الله أكبر، ولم ينقل عنه عدول عن ذلك، حتى فارق الدنيا، وهذا يدل على أنّه لايجوز العدول عنه، وما قاله أبو حنيفة يخالف دلالة الأخبار، فلا يصار إليه ولا يصح القياس على الخطبة، لأنّه لم يرد عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) فيها لفظ بعينه في جميع خطبه ولا أمر به ولا يمنع من الكلام فيها والصلاة بخلافه (19).
والتكبيرة ركن عند الشيعة فتبطل الصلاة بالإخلال بها عمداً أو سهواً، ووافقهم مالك وأحمد والشافعي؛ وبهذا قال أكثر العلماء كالثوري وربيعة وإسحاق وأبي ثور وابن المنذر وغيرهم (20).
وذهب الحنفية إلى أنّ تكبيرة الافتتاح شرط حتّى لو كان حاملا للنجاسة عند ابتداء التكبير أو مكشوف العورة أو منحرفاً عن القبلة أو قبل دخول الوقت فألقاها (أي النجاسة) واستتر بعمل يسير واستقبل ودخل الوقت مع انتهائه جاز وصح شروعه (21).
وذهب مالك بن أنس الى استئناف الصلاة لمن نسي تكبيرة الافتتاح(22).
والذي يظهر أنّ النسيان عمداً أو سهواً للتكبيرة مبطل للصلاة عندهم، وقد أشار لذلك أبو الوليد بقوله: لأنّ تكبيرة الإحرام ركن من أركان الصلاة فإذا أسقطها الإمام ساهياً أو عامداً لم تصح صلاته وتعدى فساد ذلك إلى صلاة المأموم كما لو ترك الركوع والسجود (23).
وكذلك عند الحنابلة أنّ الصلاة لا تنعقد إلاّ بتكبيرة الإحرام سواء تركها عمداً أو سهواً(24).
وقال الشافعي: فيمن أغفل التكبيرة فصلّى فأتى على جميع أعمال الصلاة منفرداً أو إماماً أو مأموماً أعاد الصلاة... الخ (25).
وبهذا يظهر الاتفاق بين الشيعة وبقية المذاهب في ركنية التكبيرة للصلاة ـ ما عدا الحنفية ـ وإن تركها عمداً أو سهواً مبطل للصلاة؛ وعلى ذلك إجماع الشيعة.
سئل الإمام الصادق(عليه السلام) عن رجل سها خلف الإمام فلم يفتتح الصلاة، قال(عليه السلام): يعيد ولا صلاة بغير افتتاح. وغير ذلك من الأخبار المستفيضة، كصحيح زرارة عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام) عن الرجل ينسى تكبيرة الافتتاح. قال(عليه السلام): يعيد الصلاة(26)
أما رفع اليدين في تكبيرة الإحرام فهو مستحب عند الشيعة (27) ووافقهم مالك، وادعي الإجماع على استحبابه، حكاه النووي، وابن حزم، وابن المنذر(28).
وذهب بعضهم إلى الوجوب، ولكن لا تبطل الصلاة بتركه، كما عن أحمد ابن حنبل، وداود الظاهري. ونقل عن أبي حنيفة ذلك. وبعضهم يذهب إلى بطلان الصلاة بتركه، أما القول بحرمته وعدم جوازه فلا قائل به وما يدّعى عن الزيدية بأنّهم يحرّمونه فغير صحيح وادعاء باطل.
وذهب جمهور من العلماء من الصحابة رضي الله عنهم فمن بعدهم: يستحب أيضاً رفعهما عند الركوع وعند الرفع منه وهي رواية عن مالك...الخ(29).
وبهذا يحصل الاتفاق بين الشيعة وبين سائر المذاهب؛ لأنّ ذلك هو الثابت من فعل النبي(صلى الله عليه وآله وسلم).
وروى معاوية بن عمار قال: رأيت أبا عبدالله الصادق(عليه السلام) يرفع يديه إذا ركع وإذا رفع رأسه من الركوع وإذا سجد وإذا رفع رأسه من السجود وإذا أراد أن يسجد الثانية(30).القيام
لا خلاف بين المسلمين في وجوب القيام وهو عند الشيعة ركن في حال تكبيرة الإحرام، وعند الركوع وهو المعبّر عنه بالقيام المتصل بالركوع، فمن كبر للافتتاح وهو جالس بطلت صلاته، أو ركع لا عن قيام فكذلك.
أما في حال القراءة، فهو واجب غير ركن وكذلك هو بعد الركوع، ويجب فيه الاعتدال والانتصاب عرفاً.
ولا خلاف في ركنية القيام عند جميع المذاهب على تفصيل عندهم، فلا تجوز الصلاة بدونه من غير عذر عند الجميع، إلاّ أبا حنيفة فقد أجاز الصلاة في السفينة قاعداً بدون عذر، وخالفه صاحباه أبو يوسف، ومحمد بن الحسن الشيباني، وقالا: لا تصح إلاّ من عذر، لحديث ابن عمر: إنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) سئل عن الصلاة في السفينة؟ فقال(صلى الله عليه وآله وسلم): صلّ فيها قائماً إلاّ أن تخاف الغرق (31)
واستدل أبو حنيفة لرأيه بفعل أنس إذ صلّى في السفينة جالساً من دون عذر. ولا حجة في فعل صحابي بعد ورود الأمر من الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، وإن قوّى بعض الحنفية هذا القول على قول أبي يوسف (32) فلا وجه لذلك، والأكثر على خلافه.
* * *
فإن عجز المكلف عن القيام أصلا ولو منحنياً أو مستنداً إلى شيء صلّى قاعداً، ويجب الانتصاب والاستقرار، والطمأنينة، والاستقلال، هذا مع الإمكان وإلاّ اقتصر على الممكن، فإن تعذّر الجلوس حتى الاضطراري صلى مضطجعاً على الجانب الأيمن ووجهه إلى القبلة كهيئة المدفون، ومع تعذره فعلى الأيسر عكس الأول، وإن تعذّر صلّى مستلقياً ورجلاه إلى جهة القبلة كهيئة المحتضر.
هذا ما عليه مذهب الشيعة(33)، ووافقهم جميع المذاهب، فالمالكية يذهبون إلى هذه الكيفيات مع اختلاف يسير، كمن عجز أن يصلّي على جنبه الأيمن فهل يصلّي على جنبه الأيسر أو على ظهره؟ قال ابن القاسم: يصلي على ظهره وقال ابن المواز: يصلي على جنبه الأيسر (34).
وكذلك عند الشافعية في العجز عن الجانب الأيمن يصلي مستلقياً على ظهره وأخمصاه للقبلة (35).
أما الحنفية فالفرض عندهم أنّه إذا عجز عن الصلاة قاعداً فإنه يستلقي على ظهره، وجعل رجليه إلى القبلة فأومأ بهما، وإن استلقى على جنبه الأيمن ووجهه إلى القبلة جاز. والاستلقاء أفضل عند القدرة عليه (36).
والحنابلة يوافقون الشيعة في الانتقال عند العجز عن الجانب الأيمن إلى الجانب الأيسر، وعن أحمد رواية في صحة صلاة من صلى على ظهره مع إمكان الصلاة على جنبه لأنه نوع استقبال.
قال ابن قدامة الحنبلي: والدليل يقتضي أنّه لا يصح لأنه خالف أمر النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)في قوله(صلى الله عليه وآله وسلم): فعلى جنب(37) ولأنّه نقله إلى الاستلقاء عند عجزه عن الصلاة على جنبه، فيدل على أنّه لا يجوز ذلك مع إمكان الصلاة على جنبه، ولأنه ترك الاستقبال مع إمكانه (38).
* * *
وعلى أيّ حال فالاتفاق حاصل في هذه المسألة في الجملة، وقد وردت أحاديث عن صاحب الرسالة(صلى الله عليه وآله وسلم) في ذلك.
أمّا الصلاة في السفينة فإنّ العلماء أجازوا القعود فيها للضرورة، وذلك لخوف الغرق، أو لدوران الرأس، أو غير ذلك من الأعذار، ولم يقل أحد بجوازها مطلقاً إلاّ أبو حنيفة وقد مرّ ذلك.القراءة
اختلف المسلمون في القراءة هل تتعين الفاتحة في كلّ الركعات؟ أم في الركعتين الأوليين فقط؟ أو لا تتعين في شيء من ذلك؟ وهل البسملة جزء منهاأم لا؟
أما تعيين الفاتحة دون غيرها في الصلاة فذهب إلى ذلك الشيعة (39)، والمالكية(40) والشافعية(41)، والحنابلة(42)، وعن أحمد بن حنبل رواية بعدم التعيين والاجتزاء بآية من القرآن من أي موضع كان(43)، وهذا مذهب أبي حنيفة كما سيأتي.
وقد وردت أحاديث عن صاحب الرسالة(صلى الله عليه وآله وسلم) بتعيين قراءة الفاتحة دون غيرها فمنها ما رواه عبادة بن الصامت أنّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لا صلاة لمن0 لا يقرأ بفاتحة الكتاب، رواه البخاري (44)، ومسلم (45)، وأصحاب السنن(46)، وهو متفق عليه.
وعن عائشة قالت: سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: من صلى صلاة لم يقرأ فيها باُم القرآن فهي خداج(47) رواه أحمد وابن ماجه، وعن أبي هريرة، أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)أمره أن يخرج فينادي لا صلاة إلاّ بقراءة فاتحة الكتاب، رواه أحمد وأبو داود. وإن كان حديث أبي هريرة لا يصحّ الاستدلال به، ولكن شواهده كثيرة، وفي حديث أبي هريرة هذا من لا يعتمد على روايته(48).
وكيف كان فإنّ الأحاديث متواترة في تعيين فاتحة الكتاب في الصلاة، وأنّه لا يجزي غيرها؛ وقد ذهب علماء المسلمين من الصحابة، والتابعين، فمن بعدهم إلى ذلك.
أما أبو حنيفة فذهب إلى عدم التعيين، والاكتفاء بقراءة آية واحدة، ودليله في ذلك قوله تعالى: (فَاقْرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ)(49) وهو أمر بمطلق القراءة من دون تعيين للفاتحة وليس في شيء من الصلوات قراءة سورة بعينه(50).
ولا حجة فيما احتج به، وقد أبطله علماء المذاهب بأدلة كثيرة(51)، يطول التعرّض لها، والأحاديث النبوية شاهدة على التعيين بالفاتحة.
واختلف مشايخ الحنفية في الآية القصيرة كقوله تعالى: ثم نظر فعند أبي حنيفة ـ في أظهر الروايات عنه ـ أنّها تجزي. وعند صاحبيه: أبي يوسف ومحمد لا يجزي إلاّ ثلاث آيات قصار نحو (ثُمَّ نَظَرَ* ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ* ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ)(52)، أو آية طويلة هو مقدار ثلاث آيات قصار.
أمّا الآية التي هي حرف واحدأو كلمة واحدة مثل ق، ص، ن فإنّ كلّ حرف منها آية عند بعض القرّآء، أو كلمة مدهامتان. فمنهم من جوّز ذلك،ومنهم من لم يجوز.
وكذلك اختلف الحنفية في الآية الطويلة، كآية المداينة وهي قوله تعالى: (يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْن...الآية). فلو قرأ المصلي نصفاً منها في ركعة، والبعض الآخر منها في الركعة الاُخرى. فقال بعضهم: لا يجوز لأنّها دون آية. وقال بعضهم: بالجواز على قول أبي حنيفة (53).
وجوب القراءة بالعربية
تجب القراءة باللغة العربية، ولا يجزي غيرها من اللغات، ويجب التعلم على ما لا يحسنها، هذا ما عليه مذهب الشيعة(54)، ووافقهم الشافعية والحنابلة(55)وهو قول مالك.
أمّا الحنفية فقد أجاز أبو حنيفه القراءة بالفارسية مطلقاً، كما أجاز بها الأذان، والتلبية، والتسمية في الذبح (56).
وأجاز أبو حنيفة قراءة التوراة في الصلاة، إذا كان ما يقرؤه موافقاً لما في القرآن، لأنّه يجوز عنده قراءة القرآن بالفارسية وغيرها من الألسنة، فيجعل كأنّه قرأ القرآن بالسريانية فتجوز الصلاة عنده لهذا(57).
وخالفه أبو يوسف ومحمد، لأنّ القرآن اسم لمنظوم عربي، كما نطق به النص. إلاّ أنّه عند العجز يكتفي بالمعنى كالإيماء(58).
ولا يسع المقام استيفاء جميع موارد الخلاف في المسألة، لأنّ فيها مسائل كثيرة وقع الاختلاف بها.
وقد أجمع الشيعة على وجوب الفاتحة في صلاة الصبح والركعتين الأوليين من سائر الفرائض، وقراءة سورة كاملة غيرها بعدها، إلاّ في المرض، والاستعجال، وضيق الوقت، فيجوز الاقتصار على الحمد.
ولا يجوز تقديم السورة على الحمد، ولا يجوز قراءة السور الطوال التي يفوت الوقت بقراءتها.
والبسملة جزء من كل سورة، فيجب قراءتها إلاّ سورة براءة، وتجب القراءة بالعربية ولا يجوز غيرها، كما تجب عليه القراءة الصحيحة بأداء الحروف وإخراجها من مخارجها على النحو اللازم من لغة العرب، وأن تكون هيئة الكلمة موافقة للأسلوب العربي من حركة البنية وسكونها، وحركات الإعراب والبناء وسكناتها، والحذف والقلب، والإدغام، والمد الواجب فإذا أخلّ بشيء بطلت(59).
ويجب على الرجال الجهر في الصبح والأوليين من المغرب والعشاء، والإخفات في الظهر والعصر.
ويتخيّر المصلي في ثالثة المغرب وأخيرتي الرباعيات بين الفاتحة والتسبيح وصورته:
سبحان الله والحمدلله ولا إله إلاّ الله والله أكبر. ويجزي مرّةً واحدة وقيل ثلاثاً وتجب المحافظة على العربية فيها.
وأمّا الخلاف في:بسم الله الرحمن الرحيم هل هي آية من الفاتحة فقط؟ أو هي آيه من كلّ سورة؟ أو أنّها ليست بقرآن؟ وهل قراءتها سراً أم جهراً؟
وقد كثر الخلاف بين الطوائف، حتى أفرد بعض العلماء هذه المسألة في التصنيف، فصنف فيها أبو أسامة المقدسي مجلداً ضخماً، وقبله سليم الرازي، وابن عبد البر وغيرهم، وصنّف الدار قطني بمصر كتاباً في الجهر بالبسملة، وأورد في سننه للاستدلال على الجهر بها عدة أحاديث (60).
وقد ذهب العلماء فيها إلى مذاهب: فأبو حنيفة ومالك وأحمد ـ في رواية عنه ـ انّ بسم الله الرحمن الرحيم ليست بآية في الفاتحة ولا أوائل السور(61).
وقال الشافعي: هي آية في أول الفاتحة قولاً واحداً، وأنّ من تركها في الصلاة أو حرفاً واحداً منها لم تجزه الركعة التي تركها فيها(62). واختلف قوله في غيرها من السور (63).
وكان مالك يستفتح القراءة بالحمد دون البسملة، ويقرؤها بعد ذلك بين كلّ سورتين إلاّ سورة براءة، وأصحابه يقرؤونها في النوافل(64).
وأمّا كيفية قراءتها على جهة الوجوب أو الاستحباب؟ فقد اختلفوا في ذلك أيضاً فمذهب أبي حنيفة وأحمد: أنّ قراءتها سراً لا جهراً، ومذهب الشافعي الجهر بها في الجهرية، ومذهب مالك عدم قراءتها سراً وجهراً.
وذهب ابن أبي ليلى وإسحاق والحكم، إلى التخيير فمن شاء جهر، ومن شاء خافت (65).
وعند الشيعة هي جزء من كلّ سورة، فيجب قراءتها عدا سورة براءة. ووافقهم الشافعية، فإنّ الصحابة أجمعوا على إثباتها في المصحف بخطه في أوائل السور سوى براءة فلو لم تكن قرآناً لما أجازوا ذلك لكونه يحمل على اعتقاد ما ليس بقرآن قرآنا، ولو كانت لمجرد الفصل لأثبتت أول براءة.
ولا حجّة للنافين بحديث أنس أنّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وأبا بكر وعمر كانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله ربّ العالمين.
وفي رواية عنه: صليت مع أبي بكر، وعمر وعثمان، فلم أسمع أحداً منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم (66).
وفي رواية عنه أيضاً: لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءتها ولا في آخرها (67).
فهذه الروايات لا تدل على شيء يصح الاستدلال به هذا بالإعراض عن مناقشتها سنداً.
قال ابن عبد البر في الاستذكار بعد سرده روايات حديث أنس ما لفظه: هذا اضطراب لا يقوم معه حجة لأحد الفقهاء الذين يقرأون بسم الله الرحمن الرحيم والذين لا يقرأون بها وقد سئل أنس عن ذلك فقال: كبرت ونسيت(68).
وعن أبي سلمة سعيد بن زيد قال: سألت أنس بن مالك أكان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يستفتح بالحمد لله ربّ العالمين أو بسم الله الرحمن الرحيم. فقال: إنك تسألني عن شيء لا أحفظه، ولا سألني عنه أحد قبلك (69).
وقد روى البخاري عن قتادة قال: سئل أنس كيف كانت قراءة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)؟ فقال: كانت مداً، ثم قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم... الخ(70). وفي هذا دلالة على مشروعية البسملة، وأنّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) كان يمدّ قراءته بها، وقد استدل به القائلون باستحباب الجهر بقراءة البسملة في الصلاة.
وأما ما ذكروه عن ابن مغفل ونهي أبيه له عن قراءة: بسم الله الرحمن الرحيم. فلا حجة فيه لجهالة الراوي وضعف الحديث وطعن الحفاظ بصحته.
وإنّ الأحاديث التي وردت عن قراءة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) لها وإنها من القرآن كثيرة منها:
حديث اُم سلمة عندما سئلت عن قراءة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، فقالت: كان يقطع قراءته آية آية بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم مالك يوم الدين.
رواه أحمد وأبوداود ومنها حديث ابن عباس قال: كان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يفتتح: ببسم الله الرحمن الرحيم أخرجه الترمذي (71). وغير ذلك من الأحاديث الواردة عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وقد جاء من طريق أهل البيت ما يؤيدها ويدل دلالة صريحة على أنها جزء من كل سورة.
قال الشوكاني وذكر البيهقي في الخلافيات أنّها أجمع آل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)على الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم. ومثله في الجامع الكافي وغيره من كتب العترة، وقد ذهب جماعة من أهل البيت إلى الجهر بالبسملة (72).
وقد أنكر الصحابة على معاوية عندما ترك قراءة البسملة قبل السورة وقالوا: سرقت الصلاة أم نسيت؟ ! وبهذا استدل الشافعي وبغيره من الأحاديث(73).قال الشيخ محمد رشيد: فالحق الصريح مع القائلين بأنّ البسملة آية من الفاتحة، وأن قراءتها واجبة، فإنه لا يوجد في ديننا ولا في شيء مما تناقله البشر خلفاً عن سلف أصح من نقل هذا القرآن بالكتابة، ثم بحفظ الألوف له، ولا سيما فاتحته في عصر التنزيل، ثم حفظ كل ما دخل في الإسلام لها جيلاً بعد جيل.
وأظهر ما قيل في الأحاديث النافية لقراءة بسملتها في الصلاة أن المراد عدم الجهر بها، وعدم سماع الراوي، وأكثر الناس لا يسمعون أول قراءة الإمام لاشتغالهم بالتكبير ودعاء الافتتاح، ولأنّ العادة الغالبة على الناس أن القارئ يرفع صوته بالتدريج. ثم إنّ هذا النفي معارض بإثبات قراءتها وسماع المأمومين لها ومنهم أنس(74) الذي اعتمد النافون على روايته. وهذه المسألة من المسائل التي كثر فيها الخلاف حتى قالوا: هل يكفر من يقول بجزئيتها أو نفيه، لأنه إثبات ما ليس من القرآن أو نفي ما هو منه؟ ولكنهم نقلوا الإجماع على عدم التكفير لكثرة الخلاف.
الركوع
وهو التواضع والتذلل وفي الصلاة الانحناء بصورة مخصوصة، وقد اتفق المسلمون على وجوبه في الصلاة واختلفوا في مقدار الواجب منه والطمأنينة وهي السكون واستقرار جميع الأعضاء حين الركوع.
وهو ركن عند الشيعة تبطل الصلاة بزيادته ونقيصته عمداً أو سهواً عدا صلاة الجماعة فلا تبطل بزيادته للمتابعة؛ بمعنى لو رفع رأسه قبل الإمام ظاناً أنّه رفع رأسه ثم عاد للركوع.
وكذلك النافلة فلا تبطل بزيادته سهواً، ويجب فيه اُمور:
1 ـ الانحناء بقصد الخضوع قدر ما تصل أطراف الأصابع إلى الركبتين.
2 ـ الذكر، ويجب منه سبحان ربّي العظيم وبحمده، أو سبحان الله ثلاثاً، ويشترط فيه العربية.
3 ـ الطمأنينة كما تقدم.
4 ـ رفع الرأس منه حتى ينتصب قائماً.
5 ـ الطمأنينة حالة القيام.
ويستحب فيه التكبير، ورفع اليدين حال التكبير، ووضع الكفين على الركبتين، اليمنى على اليمنى، واليسرى على اليسرى، ممكّناً كفيه من عينيهما وردّ الركبتين إلى الخلف، وتسوية الظهر؛ ومد العنق موازياً للظهر، وأن يكون نظره بين قدميه، وأن يجنح بمرفقيه وتكرار التسبيح ثلاثاً، أو خمساً، أو سبعاً، وأن يدعو بالمأثور: اللّهم لك ركعت... الخ، وأن يقول بعد الانتصاب: سمع الله لمن حمده.
ويُكره فيه أن يطأطئ رأسه أو يرفعه إلى فوق ويضم يديه إلى جنبيه، وأن يقرأ القرآن فيه وأن يجعل يديه تحت ثيابه فيه (75).
* * *
ولا خلاف بين المذاهب في ركنية الركوع، وركنيته عند أبي حنيفة ومحمد متعلقة بأدنى ما يطلق عليه اسم الركوع، وعلى هذا فلا يشترط الطمأنينة(76).
وبهذا يظهر خلاف أبي حنيفة لبقيّة المذاهب في اشتراط الطمأنينة؛ لأنّها عنده سنة وعند الشيعة والمالكية والشافعية والحنابلة الطمأنينة فرض(77).
وعند أبي يوسف الطمأنينة مقدار تسبيحة واحدة فرض (78).
أمّا رفع الرأس من الركوع والاعتدال فهو واجب عند الشيعة وبه قال الشافعي، وأحمد، وهو المشهور والمعوّل عليه من مذهب مالك (79).
وقال أبو حنيفة: لا يجب بل يجزي أن ينحط من الركوع إلى السجود(80).
وأمّا الذكر فهو واجب عند الشيعة ووافقهم الحنابلة في وجوبه.
وصورته عندهم: سبحان ربي العظيم وبحمده ثلاثاً، وهي أدنى الكمال وإن قال مرة أجزأه(81).
وعند الشافعية أنّ ذلك على الاستحباب (82) وليس بواجب، وقال مالك: ليس عندنا في الركوع والسجود شيء محدود، وقد سمعت أنّ التسبيح في الركوع والسجود (83).
وقد ذهب إلى وجوب التسبيح إسحاق بن راهويه وعنده: أن تركه عمداً موجب للإعادة (84).
وقال الظاهري: إنّه واجب مطلقاً (85).
واحتجّ الحنابلة للوجوب برواية عقبة بن عامر قال: لما نزلت (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ)(86) قال النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): اجعلوها في ركوعكم (87)
وعن ابن مسعود أنّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: إذا ركع أحدكم فليقل ثلاث مرات: سبحان ربي العظيم وذلك أدناه؛ أخرجهما أبو داود وابن ماجة (88).
وروى حذيفة أنّه سمع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يقول إذا ركع: سبحان ربي العظيم ثلاث مرات؛ رواه الأثرم ورواه أبو داود ولم يقل ثلاث مرات، ويجزيء تسبيحة واحدة لأنّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أمر بالتسبيح في حديث عقبة، ولم يذكر عدداً، فدل على أنّه يجزي أدناه... الخ (89).
وقال الشوكاني: والحديث ـ أي حديث حذيفة ـ يدل على أنّ التسبيح في الركوع والسجود بهذا اللفظ فيكون مفسراً لقوله(صلى الله عليه وآله وسلم) في حديث عقبة: اجعلوها في ركوعكم، اجعلوها في سجودكم، وإلى ذلك الجمهور من أهل البيت وبه قال جميع من عداهم.
وقال الهادي والقاسم والصادق: إنّه سبحان الله العظيم وبحمده في الركوع وسبحان الله الأعلى وبحمده في السجود، واستدلوا بظاهر قوله تعالى: فسبح باسم ربّك العظيم وسبح باسم ربّك الأعلى... الخ(90).أقول: والصحيح هو قول سبحان ربي العظيم وبحمده وسبحان ربي الأعلى وبحمده، كما هو المشهور عند الشيعة والمروي عن أهل البيت وعليه العمل.
وقد وافقهم أحمد بن حنبل بذلك وأنّه لا بأس به، وقد سأله أحمد بن نصر عن تسبيح الركوع والسجود أيّهما أحبّ أو أعجب إليك؟ سبحان ربي العظيم أو سبحان ربي العظيم وبحمده؟.
فقال أحمد بن جنبل: قد جاء هذا وجاء هذا وما أدفع منه شيئاً. وقال أيضاً: إن قال ـ المصلي ـ: وبحمده في الركوع والسجود أرجو أن لا يكون به بأس، وذلك لأنّ حذيفة روى في بعض طرق حديثه أنّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) كان يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم وبحمده، وفي سجوده سبحان ربي الأعلى وبحمده، وهذه زيادة يتعيّن الأخذ بها ... الخ(91).
السجود
وهو سجدتان في كل ركعة وهما ركن من أركان الصلاة ولا خلاف بين المسلمين في وجوبهما ولكنّ الخلاف في الكيفية.
وقد اتفق علماء الإسلام على وجوب السجود على الجبهة ووضعها على الأرض ولم يخالف في ذلك إلاّ أبو حنيفة فإنّه ذهب إلى التخيير بين الجبهة والأنف(92).
أمّا بقية أعضاء السجود وهي الكفان والركبتان وإبهاما الرجلين، فقد اختلفوا في وجوب السجود عليها، فعند الشيعة والحنابلة والشافعي في أحد قوليه أنّه واجب، وعند مالك أنّ الفرض يتعلق بالجبهة والأنف فإن أخل به أعاد في الوقت(93).
وعند الحنفية أنّ وضع اليدين والركبتين في السجود ليس بواجب بل يجب وضع القدمين أو أحدهما، فلو سجد ولم يضع قدميه أو أحدهما على الأرض لا يجوز سجوده، ولو وضع أحدهما جاز كما لو قام على قدم واحدة (94).
والأحاديث الواردة عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)؛ تدل على وجوب وضع الأعضاء السبعة على الأرض، منها قوله(صلى الله عليه وآله): اُمرت أن أسجد على سبعة أعظم: اليدين، والركبتين، والقدمين، والجبهة، وهذا الحديث متفق عليه وأخرجه البخاري ومسلمو الجماعة(95).
وقوله(صلى الله عليه وآله وسلم): إذا سجد العبد سجد معه سبعة أراب: وجهه، وكفّاه وركبتاه وقدماه. رواه الجماعة(96) إلاّ البخاري.
وقال الإمام الباقر(عليه السلام): قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): السجود على سبعة أعظم: الجبهة، واليدين، والركبتين؛ والإبهامين من الرجلين، وترغم أنفك إرغاماً، أمّا الفرض فهذه السبعة وأما الإرغام بالأنف فسنة (97).
وأمّا ما روي من أحاديث فيها ذكر الأنف كحديث عكرمة (98) فهو لا يصحّ الاستدلال به لإرساله، ولا يقاوم الأحاديث الصحيحة، وحمل ورود السجود على الأنف في بعض الأخبار على الاستحباب.
وقد تمسّك أبو حنيفة ببعضها، ولعلّه ذهب إلى أنّ الجبهة والأنف عضو واحد ولم يذهب إلى ذلك أحد.
قال ابن المنذر: لا أعلم أحداً سبقه إلى هذا القول ولعلّه ذهب إلى أنّ الجبهة والأنف عضو واحد، لأنّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) لما ذكر أشار إلى أنفه، والعضو الواحد يجزئه في السجود على بعضه، وهذا قول يخالف الحديث الصحيح والإجماع الذي قبله فلا يصحّ(99).
وقد نقل ابن المنذر إجماع الصحابة على أنّه لا يجزي السجود على الأنف وحده، وخالفه صاحباه أبو يوسف ومحمد الشيباني فقالا: لا يجوز إلاّ من عذر(100).
وامّا مباشرة الجبهة للأرض فهو واجب عند الشيعة.(101) وقال النووي: إنّ العلماء مجمعون على أنّ المختار مباشرة الجبهة للأرض، وأمّا المروي عن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)أنّه سجد على كور عمامته فليس بصحيح، قال البيهقي: فلا يثبت في هذا شيء، وأمّا القياس على باقي الأعضاء أنّه لا يختص وضعها على قول، وإن وجب ففي كشفها مشقة بخلاف الجبهة(102) وعلى أيّ حال فإنّ عمل النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وأقواله تدلّ على ذلك، وكان الصحابة يسجدون على الأرض، وشكوا إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) حرّ الرمضاء فلم يشكهم وكانوا يسوون التراب للسجود عليه(103)وكان بعضهم إذا خرج يخرج بلبنة يسجد عليها في السفر(104).
وقد تقدّم الكلام في هذا الكتاب(105) حول موضع الجبهة في السجود فلا حاجة إلى الاطالة.
أمّا واجبات السجود عند الشيعة فهي:
1 ـ وضع المساجد السبعة على الأرض كما تقدّم الكلام فيه.
2 ـ الذكر الواجب والكلام فيه كالركوع.
3 ـ الطمأنينة بمقدار الذكر الواجب وخلاف المذاهب كالخلاف في الركوع.
4 ـ رفع الرأس ثم الجلوس بعده مطمئناً ثم الانحناء للسجدة الثانية(106).
ووافقهم الشافعي ومالك وأحمد(107)، وقال أبو حنيفة: لا يجب ذلك بل هو سنة(108).
5 ـ كون المساجد السبعة في محالها إلى تمام الذكر الواجب فلو رفع بعضها بطل وأبطل إن كان عمداً، ويجب تداركه إن كان سهواً.
6 ـ مساواة موضع الجبهة للموقف بمعنى عدم علوّه وانخفاضه أزيد من مقدار لبنة أو أربعة أصابع. وعند الحنفية مقدار ارتفاع لبنتين منصوبتين والمراد بهما لبنة بخارى وهي ربع ذراع عرضه ستة أصابع فمقدار ارتفاع اللبنتين المنصوبتين نصف ذراع إثنتا عشرة إصبعاً.
7 ـ وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه من الأرض وما نبت منها غير المأكول والملبوس، وقد تقدم الخلاف فيه.
8 ـ طهارة موضع الجبهة(109).
9 ـ المحافظة على العربية، والموالاة في الذكر.
التشهد
واختلفوا في التشهد الأوّل فقال الشيعة بوجوبه (110) ووافقهم أحمد بن حنبل(111)، وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي باستحبابه (112).
وصورة التشهد الواجب عند الشيعة: أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ على محمّد وآل محمد.
أمّا غيرهم فاتفقوا على أنّه يجزي كلّ واحد من التشهد الوارد من طريق الصحابة: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس.
فاختار الشافعي وأحمد تشهد ابن عباس(113)؛ وأبو حنيفة تشهد ابن مسعود(114) ومالك تشهد ابن عمر (115).
فتشهد ابن عباس صورته: التحيات المباركات الصلاة الطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلاّ الله وأشهد أن محمداً رسول الله، رواه مسلم في صحيحه(116).
وأما تشهد ابن مسعود: التحيات لله والصلاة والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، إلى آخر ما رواه البخاري (117).
وتشهّد ابن عمر: بسم الله التحيات لله الصلوات لله الزاكيات لله السلام على النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، شهدت أن لا إله إلاّ الله، شهدت أن محمداً رسول الله. يقول هذا في الركعتين الأوليين (118).
التسليم
اختلفوا في وجوب التسليم فهو عند الشيعة واجب وجزء من الصلاة فيجب فيه جميع ما يشترط فيها، وبه يخرج المصلي من الصلاة وتركه عمداً مبطل(119)، ووافقهم في الوجوب مالك، والشافعي، وأحمد (120).
وقال أبو حنيفة: هو سنّة لو تركه صحت صلاته، ولو فعل فعلا منافياً للصلاة من حدث وغيره في آخرها صحت صلاته (121).
وصورة التسليم عند الشيعة، أن يقول المصلي ـ بعد أن يفرغ من صلاته ويشهد الشهادتين ويصلي على النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) ـ كما في التشهد الأوّل: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
والواجب منه إحدى الصيغتين، فإن قرأ الصيغة الأولى ـ وهي السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ـ كانت الثانية مستحبة، وإن قرأ الثانية وهي: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته اقتصر عليها، وأما السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته فليس من صيغ السلام بل هو من توابع التشهد وليس واجباً بل هو مستحب، وقيل: إنه واجب.
ويجب فيه المحافظة على أداء الحروف والكلمات على النهج الصحيح مع العربية والموالاة (122).
واختلفوا في الواجب من السلام فقال أبو حنيفة وأحمد: هو تسليمتان(123)، وقال مالك: واحدة. وللشافعي قولان أصحهما تسليمتان، وقال مالك: التسليمة الأولى فرض على الإمام والمنفرد، وزاد الشافعي وعلى المأموم، وقال أبو حنيفة: ليست بفرض. وعن أحمد روايتان المشهور منهما أن التسليمتين جميعاً واجبتان، والتسليمة الثانية سنة عند أبي حنيفة (124).
نية الخروج من الصلاة
اختلفوا في نيّة الخروج من الصلاة، فالشيعة لم يشترطوا ذلك لأنّ السلام هو المخرج قهراً، إذ الصلاة تحريمها التكبير وتحليلها التسليم (125).، ووافقهم الشافعي في أصح الأقوال عنه (126).
وعند أبي حنيفة: الخروج من الصلاة بفعل المصلي فرض، وخالفه صاحباه(127)ومراده بفعل المصلي: هو كلّ فعل اختياري بأيّ وجه كان من قول،أو فعل ينافي الصلاة بعد تمامها، أو يضحك قهقهة، أو يحدث عمداً، أو يتكلم أو يذهب (128).
واختلف الحنفية في فرضيته فذهب البردعي إلى ذلك، وتبعه كثير منهم، وإذا قعد المصلي قدر التشهد فأحدث عمداً، أو تكلّم أو عمل عملاً ينافي الصلاة، كالأكل والشرب تمّت صلاته بالاتفاق عندهم، لتمام جميع فرائضها، وإن سبقه الحدث من غير تعمّد منه في هذه الحالة فكذلك تمّت صلاته عند أبي يوسف ومحمد.
وقال أبو حنيفة: يتوضأ، ويخرج عن الصلاة بفعله قصداً، فلو لم يتوضأ ولم يخرج بصنعه تبطل صلاته (129).
وهذه المسألة عندهم أصل تبتنى عليه مسائل تلقب بالإثني عشرية(130).
الصلاة على النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)
وأمّا وجوب الصلاة على النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في الصلاة فقد أوجبه الشيعة كما تقدّم في التشهد، والتسليم، ووافقهم الشافعية والحنابلة(131).
قال الشافعي: فرض الله الصلاة على رسوله فقال تعالى : (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا)(132). فلم يكن فرض الصلاة عليه أولى منه في الصلاة... الخ(133).
وقال أبو إسحاق في المهذب: فإذا فرغ المصلي من التشهد صلّى على النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وهو فرض في الجلوس، لما روت عائشة رضي الله عنها: أنّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: لا يقبل الله صلاة إلاّ بطهور وبالصلاة عليّ(134) . والأفضل عندهم أن يقول: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم وبارك على محمدوعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد(135).
وأمّا الحنابلة فيوجبون هذه الصورة، وهي التي رواها كعب بن عجرد (136).
وممّن قال بوجوب الصلاة على النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) بعد التشهد: عمر بن الخطابوابنه عبد الله وابن مسعود وجابر بن زيد والشعبي ومحمد بن كعب القرضي وغيرهم(137).
وذهب الشافعي وأحمد في قوله الأخير إلى بطلان الصلاة بتركه في التشهد وقال: كنت أتهيب ذلك فإذا الصلاة واجبة (138).
وقد اختلفوا في صورة الصلاة على النبي؛ فمنها ما رواه البخاري ومسلم وبقية الجماعة ما صورته عن كعب بن عجرد قال: قلنا يا رسول الله، قد علمنا ـ أو عرفنا ـ كيف السلام عليك فكيف الصلاة؟ قال(صلى الله عليه وآله وسلم): قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد(139)...الخ؛ وهي الصورة المتقدمة التي اختارها الشافعي وأحمد.
ومنها ما أخرجه البخاري في الأدب المفرد ص 63 من طريق أبي هريرة عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) من قال: اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وترحم على محمّد وآل محمد كما تحرمت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم شهدت له يوم القيامة بالشهادة وشفعت له.
ومنها: ما رواه أبو بكر قال: كيف يصلّى عليك يا رسول الله؟ قال: يقول: اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد في الأولين والآخرين وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين(140)
ومنها: عن زيد بن خارجة قال: سألت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) كيف الصلاة عليك؟ قال: صلّوا واجتهدوا ثم قولوا: اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد (141)
ومثله عن بريدة الخزاعي، وطلحة بن عبيد الله أخرج ذلك أحمد في مسنده، وكثير من الأخبار في ذلك مع اختلاف في الألفاظ.
وذكر الفيروز آبادي في سفر السعادة قول الإمام إبراهيم المروزي أنّ أفضلها اللهم صلِّ على محمد وآل محمد(142).
وهذا ما اختارته الشيعة، ونحن لا نقف هنا طويلاً حول بيان المقصود من الآل المشمولين لهذا الحكم، فإنّ ذلك يستوجب نقاشاً طويلاً، إذ البحث يدعو إلى استعراض الأقوال الشاذة التي نجمت عن التعصّب، وظهرت على صفحة الأغراض السياسية، والمطامع الدنيوية، في تحريف لفظ الآل عن مصداقه الصحيح، وانطباقه الحقيقي على أهل البيت الذين أنزل الله فيهم: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) وقد بيّن(صلى الله عليه وآله وسلم)المقصود منهم في عدة بيانات وهم: علي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم، وقد تقدّم بيان ذلك(143).
مستحبّات الصلاة
أمّا مستحبات الصلاة فهي كثيرة، ولا يسعنا بسط القول فيها، ونحن هنا نذكر مستحبات الصلاة عند كلّ مذهب من المذاهب، إتماماً للفائدة؛ فقد ذكرنا الواجبات قبلها ـ التي مرّ بعضها ـ على سبيل الاختصار وبعدها المستحبات ليطّلع القارئ على المفارقات بين كلّ مذهب، أمّا الواجبات عند الحنفية فاقتصرنا على ذكر الأركان منها لكثرة الخلاف فيها، واكتفينا بما ذكرناه مفصلا في فصل البحث عن الواجبات.
* * *
الشيعة
واجبات الصلاة عند الشيعة أحد عشر:
النيّة، والقيام وتكبيرة الإحرام، والركوع، والسجود، والقراءة، والذكر، والتشهد، والتسليم، والترتيب، والموالاة.
منها أربعة هي أركان تبطل الصلاة بتركها عمداً أو سهواً وهي: تكبيرة الإحرام، والقيام، والركوع، والسجود. والباقي أجزاء غير ركنية تبطل الصلاة بتركها عمداً.
وفي ضمن هذه الواجبات، واجبات يجب الإتيان بها، والإخلال بها عمداً مبطل، كوجوب الطمأنينة في أداء الأفعال من ركوع وسجود وغيرها، وقد تقدّم ذلك.
وكذلك واجبات القراءة، وتكبيرة الإحرام، ممّا لا حاجة لإعادته.
المستحبات
وهي كثيرة منها ما يأتي في كلّ فعل من أفعال الصلاة.
ومنها ما هو مستقل كالقنوت في كلّ ثانية قبل الركوع وبعد القراءة.
ومنها التّوجّه بست تكبيرات مضافة إلى تكبيرة الإحرام، بأن يكبر ثلاثاً، ثم يدعو، ثم يكبر إثنتين، ثم يدعو، ثم يكبر إثنتين، ثم يدعو ويتوجه.
ومنها شغل النظر فيحال قيامه إلى موضع سجوده، وفي حال القنوت إلى باطن كفيه، وفي حال الركوع إلى ما بين رجليه، وفي حال السجود إلى طرف أنفه، وفي حال التشهد إلى حجره.
ومنها شغل اليدين: بأن يكونا في حال قيامه على فخذيه بحذاء ركبتيه، وفي حال القنوت إلى تلقاء وجهه، وفي حال الركوع على ركبتيه، وفي حال السجود بحذاء اُذنيه وفي حال التشهد على فخذيه.
ومنها التعقيب بالأدعية والأذكار الواردة، وتسبيح الزهراء صلوات الله عليها(144).
وأمّا بقية المستحبات التي هي في ضمن الأفعال فكثيرة وقد ذكرنا بعضاً منها.
الحنفية
أركان الصلاة عندهم ثمانية، ستة على الوفاق بين أئمتهم، وإثنان على الخلاف بينهم.
أمّا المتفق عليها فهي: تكبيرة الافتتاح. وهي شرط لا ركن، ولكنها عُدت مع الأركان لشدّة اتصالها بها، والقيام، والقراءة، والركوع، والسجود والقعدة الأخيرة مقدار قراءة التشهد.
أمّا المختلف فيها فهي: الخروج من الصلاة بصنعة، والطمأنينة في الصلاة، فذهب أبو يوسف إلى أنّها فرض، وعند غيره أنّها ليست بفرض، إذ المقصود إيجاد مسمى الركوع أو السجود وغيره.
وأمّا السنن فهي كثيرة لأنّ أكثر أفعال الصلاة مستحبة غير واجبة، بمعنى يجوز تركها، وليس عليه شيء في عدم فعلها، وقد ذكر بعضهم أنّها خمسون، ولكن الصحيح أنّ أكثرها ليست سنناً، ولكنّها آداب كما يقولون، وذكر صاحب المنية أنّها عشرون وهي: الأذان، ورفع اليدين عند تكبيرة الافتتاح مع التكبير، ونشر الأصابع عند التكبير،وجهر الإمام بالتكبير، والثناء وهو قول: سبحانك اللهم...الخ والتعوّذ، والتسمية، والتأمين، والاخفاء بهن، ووضع اليمين على الشمال، وكون ذلك الوضع تحت السرة للرجل وعلى الصدر للمرأة، والتكبيرات التي يؤتى بها في خلال الصلاة، وتسبيحات الركوع والسجود، وأخذ الركبتين باليدين في الركوع وافتراش الرجل اليسرى والقعود عليها، والصلاة على النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) بعد التشهد في القعدة الأخيرة، والدعاء في آخر الصلاة بما يشبه القرآن، والإشارة بالمسبحة (وهي السبابة) عند الشهادتين.
واختلفوا في قراءة الفاتحة في الركعتين الأخيرتين. فقيل سُنّة، وقيل واجب، وكذلك الخروج من الصلاة بلفظ السلام، وقد تقدم، والسلام عن اليسارسنّة.
ومن السنن رفع الرأس من الركوع، والقيام بعده مطمئناً وغير ذلك.
وذكرها بعضهم وبلغ عددها إلىخمسين أو أكثر ولكن فيضمنها آداب لا سنن(145).
الشافعية
فروض الصلاة عند الشافعية أربعة عشر:
النية، وتكبيرة الإحرام، والقيام، وقراءة الفاتحة، والركوع مطمئناً، والرفع من الركوع معتدلا، والسجود مطمئناً والجلوس بين السجدتين كذلك، والجلوس في آخر الصلاة، والتشهد فيه، والصلاة على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)والتسليمة الأولى، ونية الخروج، وترتيب أفعالها.
السنن
وسنن الصلاة عندهم خمس وثلاثون: رفع اليدين في تكبيرة الإحرام وعند الركوع، والرفع منه، ووضع اليمين على الشمال، والنظر إلى موضع السجود، ودعاء الاستفتاح والتعوّذ، والتأمين، وقراءة السورة بعد الفاتحة والجهر والإسرار، والتكبيرات، سوى تكبيرة الإحرام، والتسميع والتحميد في الرفع من الركوع، والتسبيح في الركوع، والتسبيح في السجود، ومجافاة المرفق عن الجنب في الركوع والسجود، وإقلال البطن عن الفخذ في السجود والدعاء في الجلوس بين السجدتين، وجلسة الاستراحة، ووضع اليدين على الأرض عند القيام والتورك في آخر الصلاة، والافتراش في سائر الجلسات ووضع اليد اليمنى على الفخذ اليمنى مقبوضة، والإشارة بالمسبحة ـ وهي السبابة ووضع اليد اليسرى على الفخذ اليسرى مبسوطة، والتشهد الأول، والصلاة على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) فيه، والصلاة على آله في التشهد الأخير، والدعاء في آخر الصلاة، والتسليمة الثانية (146).
المالكية
وعند المالكية فروض الصلاة ثلاثة عشر وعدّها بعضهم خمسة عشر وهي: النية، وتكبيرة الإحرام، والقيام لها، وقراءة الفاتحة، والقيام لها، والركوع، والرفع منه، والسجود، والرفع منه، والجلوس بقدر السلام، والسلام المعرّف بالألف واللام، والطمأنينة، والاعتدال في الفصل بين الأركان، ومنها نيةالصلاة المعينة، ونية الاقتداء، وترتيب الأداء، يعني أداء الأفعال بأن يأتي بالنية قبل الإحرام، والإحرام قبل القراءة، وهكذا (147).
السنن
وأما السنن فهي اثنتا عشرة: السورة بعد الفاتحة، والقيام لها، والسر فيما يسر فيه والجهر فيما يجهر فيه وهو الصحيح، وأولتا المغرب وأولتا العشاء، وكلّ تكبيرة سنة إلاّ تكبيرة الإحرام، وقول سمع الله لمن حمده للإمام والمفرد والجلوس الأول على المشهور وقيل: واجب، والزائد على قدر السلام من الجلوس الثاني ورد المقتدي على إمامه السلام، وكذا رد السلام على من على يساره إن كان على يساره أحد، والسترة للإمام والفذ، وأمّا المأموم فالإمام سترته (148).
الحنابلة
وعند الحنابلة فروض الصلاة أربعة وعشرون، خمسة عشر منها أركان والباقي واجبات وعددها في العمدة إثنا عشر والواجب سبعة وفي غاية المنتهى الأركان أربعة عشر، أما الأركان فهي:
القيام مع القدرة، وتكبيرة الإحرام، وقراءة الفاتحة، والركوع والطمأنينة فيه، والرفع منه، والسجود على سبعة أعضاء، والجلوس عنه، والطمأنينة في هذه الأركان، والتشهد الأخير، والجلوس له، والتسليمة الأولى، وترتيبها على ما ذكر.
فهذه الأركان لا تتم الصلاة إلاّ بها ولا تسقط عمداً أو سهواً أو جهلاً.
والواجبات سبعة وقيل: تسعة وهي: التكبير غير تكبيرة الإحرام، والتسبيح في الركوع والسجود مرة مرة، والتسميع، والتحميد في الرفع من الركوع وقول ربي اغفر لي بين السجدتين، والتشهد الأول، والجلوس له والصلاة على النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)في التشهد الأخير.
فهذه الواجبات إن تركها بطلت صلاته، وإن تركها سهواً سجد لها وما عدا هذا فسنن وهي:
الاستفتاح، والتعوّذ، وقراءة: بسم الله الرحمن الرحيم، وقول آمين، وقراءة السورة، وبعد الفاتحة، وقول ملء السماء بعد التحميد، وما زاد على التسبيحة الواحدة على الركوع، والسجود على أنفه، وجلسة الاستراحة على إحدى الروايتين فيها، والدعاء في التشهد الأخير، والقنوت في الوتر (149).
مبطلات الصلاة
وهي اُمور كثيرة متفق عليها ومنها مختلف فيها، ونحن نتعرض هنا للبعض اختصاراً للموضوع، ثم نفرد لكلّ مذهب ما يذهبون إليه في ذلك مقتصرين على نقل عبارة كتب المذاهب:
1 ـ الكلام: وأقلّه ما كان مركباً من حرفين ولو مهملين غير مفهمين للمعنى، أو بحرف واحد مفهم للمعنى إن كان عن عمد هذا ما عليه الشيعة(150)، ووافقهم الشافعي، وأحمد، ومالك(151).
أما الحنفية فلم يفرّقوا في الحكم ببطلان الصلاة بالكلام بين صدوره عمداً، أو سهواً(152).
2 ـ كلّ فعل ماح لصورة الصلاة، وهذا مبطل بالاتفاق ومنهم قيده بالكثرة، ومنهم من قيد العمل باليدين كبعض الحنفية.
3 ـ الأكل والشرب بالاتفاق، ولكنّ الخلاف في المقدار المبطل منهما والسهو والعمد.
4 ـ الحدث الأكبر والأصغر باتفاق، أينما وقع، ولو قبل الأخير بحرف من غير فرق بين العمد والسهو والاضطرار عدا المسلوس، وللشافعي قولان في الاضطرار، والأصح البطلان.
وعند الحنفية أنّ الحدث إذا حدث قبل القعدة بقدر التشهد وإذا طرأ بعده فلا.
واختلفوا هل يقتضي الإعادة من أوّلها إذا كان قد ذهب منها ركعة أو ركعتان قبل طروء الحدث؟ أم يبني على ما قد مضى؟ وإليك تفصيل ذلك عند كلّ مذهب.الحنفية
ويفسد الصلاة عندهم اُمور هي:
التكلم بحرفين أو حرف مفهم، عمده وسهوه قبل قعوده قدر التشهد، ورد السلام بلسانه لا بيده.
والتنحنح بلا عذر بحرفين، أو غرض صحيح كتحسين صوته أو للإعلام والدعاء بما يشبه كلام الناس، والأنين، والتأفيف، والبكاء إلاّ لذكر جنة أو نار.
ويفسدها تسميت العاطس لغيره، وجواب خبر سوء بالاسترجاع، وكذا كل ما قصد به الجواب أو الخطاب (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّة)(153). وفتحه على غير إمامه، بخلاف فتحه على إمامه.
والأكل والشرب مطلقاً، إلاّ إذا كان بين أسنانه مأكول فابتلعه، والقراءة في المصحف، وكلّ عمل كثير، والسجود على نجس، وعند أبي يوسف أنّ الصلاة لا تفسد بل تفسد السجدة، فلو أعاد السجدة على طاهر لم تفسد، ويفسدها أداء ركن، أو تمكنه منه مع كشف عورة، أو نجاسة عند أبي يوسف.
وأن يصلّي على مصلى مضرب نجس البطانة بخلاف غير مضرب، ومبسوط على نجس، إن لم يظهر لون أو ريح، وتحويل صدره عن القبلة بغير عذر، والمشي الكثير، ولو كان معه حجر فرمى به طائراً لم تفسد، ولو رمى إنساناً تفسد، وارتداد بقلبه، وموت، وجنون، وإغماء؛ وكل موجب لوضوء وترك ركن بلا قضاء، وشرط بلا عذر، ومسابقة المؤتم بركن لم يشاركه فيه إمامه، كأن ركع ورفع رأسه قبل إمامه ولم يعد معه (154).
الشافعية
مبطلات الصلاة عندهم هي :
النطق بحرفين أو حرف مفهم ، وكذا مدّة بعد حرف في الأصحّ والتنحنح، والضحك، والبكاء، والأنين، إن ظهر به حرفان وإلاّ فلا، ويعذر في يسير الكلام، إن سبق لسانه أو نسي الصلاة، أو جهل تحريمه؛ إن قرب عهده بالإسلام لا كثيره في الأصح، ولو اُكره على الكلام بطلت في الأظهر، ولو نطق بنظم القرآن بقصد التفهيم، كـ يا يحيى خذ الكتاب، إن قصد معه قراءة لم تبطل، وإلاّ بطلت ولا تبطل بالذكر والدعاء، إلاّ أن يخاطب كقوله للعاطس: يرحمك الله، ولو سكت طويلاً بلا غرض لم تبطل في الأصح.
ويسنّ لمن نابه شيء كتنبيه إمامه، وإذنه، وإنذاره أعمى أن يسبح وتصفق المرأة بضرب اليمين على ظهر اليسار، ولو فعل في صلاته غيرها، إن كان من جنسها بطلت إلاّ أن ينسى وإلاّ فتبطل بكثيره لا قليله، والكثرة بالعرف، فالخطوتان أو الضربتان قليل والثلاث كثير إن توالت، وتبطل بالوثبة الفاحشة، لا الحركات الخفيفة المتوالية، كتحريك أصابعه أو حك في الأصح.
وسهو الفعل الكثير كعمده في الأصح، وتبطل بقليل الأكل إلاّ أن يكون ناسياً أو جاهلا تحريمه، فلو كان بفمه سكرة فبلع ذوبها بطلت في الأصح...الخ(155).
وقال أبو إسحاق الشيرازي: إذا قطع شرطاً من شروطها كالطهارة والستار وغيرهما بطلت صلاته، فإن سبقه الحدث ففيه قولان قال في الجديد: تبطل صلاته، لأنّه حدث يبطل الطهارة. وقال في القديم: لا تبطل صلاته، بل ينصرف ويتوضأ ويبني على صلاته... الخ(156).
المالكية
والمبطلات عند المالكية هي:
ترك ركن من أركانها عمداً، وترك ركن من أركانها سهواً، ولم يتذكر حتى سلّم معتقداً الكمال وطال الأمر عرفاً.
أما إذا سلّم معتقداً الكمال ثم تذكّر عن قرب فإنّه يلغي ركعة النقص، ويبني على غيرها، وتصح صلاته، وأما إذا لم يسلم معتقداً الكمال بأن لم يسلم أصلا أو سلم غلطاً؛ فإن كان الركن المتروك من الركعة الأخيرة فإنّه يأتي به ويتمّم صلاته، وإن كان من غير الأخيرة إن لم يعقد ركوع الركعة التالية لركعة النقص فإن عقد ركوع الركعة التالية ألغى ركعة النقص، ولا يأتي بالركن المتروك، وعقد الركوع يكون برفع الرأس منه مطمئناً إلاّ في ترك الركوع فإن عقد التالية يكون بمجرد الانحناء في ركوعها.
ومنها: رفض النية وإلغاؤها، وزيادة ركن، والقهقهة عمداً أو سهواً، والأكل والشرب عمداً، والكلام لغير إصلاح الصلاة عمداً، فإن كان الكلام لإصلاحها فإن الصلاة تبطل بكثيره دون يسيره، وتعمد النفخ بالفم، والتصويت والقيء عمداً ولو كان قليلا، والسلام حال الشك في تمام الصلاة، وطروء ناقض للوضوء، وسقوط النجاسة على المصلي أو علمه بها أثناء الصلاة وفتح المصلي على غير إمامه، والعمل الكثير الذي ليس من جنس الصلاة، وطروء شاغل عن إتمام فرض كاحتباس بول يمنع من الطمأنينة مثلا. وترك ثلاث سنن من سنن الصلاة سهواً(157) مع ترك السجود لها حتى سلم وطال الأمر عرفاً.
الحنابلة
تبطل الصلاة عندهم باُمور هي:
من زاد فعلا من جنس الصلاة عمداً بطلت، وسهواً يسجد له، وإن قام لزائدة جلس متى ذكر وتشهد إن لم يكن تشهد وسجد وسلم، وإن نبهه ثقتان فلم يرجع بطلت صلاته إن لم يجزم بصواب نفسه، وصلاة من تبعه عالماً لا جاهلا أو ناسياً، ولا من فارقه، وعمل متوال مستكثر عرفاً من غير جنسها بلا ضرورة سهواً، ولا تبطل بيسير أكل وشرب سهواً، ولا نفل بيسير شرب عمداً.
وإن سلم قبل اتمامها عمداً بطلت، وسهواً فإن ذكر قريباً ولو خرج من المسجد أو شرع في اُخرى، وبقطعها تكلّم يسير لمصلحتها أتمّها وسجد، وإن أحدث أو قهقه بطلت كفعلهما في صلبهما، وإن نفخ أو انتحب لا من خشية الله تعالى أو تنحنح بلا حاجة فبان حرفان بطلت، ومن ترك ركناً غير تكبيرة الإحرام فذكره بعد شروعه في قراءة ركعة اُخرى بطل المتروك فيها، وصارت التي شرع في قراءتها مكانها، وإن قبله يعود فيأتي به وبما بعده وبعد سلامه فكترك ركعة ما لم يكن تشهداً آخر، وكره إن استتم قائماً، وحرم رجوعه، وبطلت ان شرع في القراءة لا أن نسي أو جهل تحريم رجوعه، ويجب السجود لذلك السهو مطلقاً.
ويبني على اليقين من شك في ركن أو عدد، ولا سجود لشك في ترك واجب أو زيادة، إلاّ إذا شك في وقت فعلها، ولا على مأموم إلاّ تبعاً لإمامه، لكن لو ترك الإمام السجود المترتب عليه سجد المأموم وهو لما تبطل بعمده واجب، وكذا اللحن في السورة يحيل المعنى سهواً أو جهلا.
وتبطل بترك ما قبل السلام إن كان واجباً، ما لم يأت به مع قرب، ويكفي لجميع السهو سجدتان، ومحله قبله (أي قبل السلام) ندباً، إلاّ إذا سلم عن نقص ركعة فأكثر، فالسجود بعد السلام ندباً، ومتى سجد بعده، كبر وسجد ثم جلس فتشهد وجوباً وسلم، وقبله يسجد بعد التشهد الأخير ويسلم(158).
الشيعة
مبطلات الصلاة عندهم هي:
فقد بعض الشرائط في أثناء الصلاة كالستر، وإباحة المكان، واللباس ونحو ذلك وقد تقدّم بيانه.
الحدث الأكبر والأصغر فإنّه مبطل أينما وقع فيها ولو قبل الآخر بحرف، من غير فرق بين أن يكون عمداً أو سهواً أو اضطراراً، عدا المسلوس والمبطون والمستحاضة.
تعمّد الالتفات بتمام البدن إلى الخلف أو اليمين أو اليسار بل وإلى ما بينهما على وجه يخرج عن الاستقبال.
تعمّد الكلام بحرفين ولو مهملين غير مفهمين للمعنى أو بحرف واحد بشرط كونه مفهماً للمعنى نحو ق فعل أمر من وقى.
ويجوز رد التحية في أثناء الصلاة، بل يجب، ويكون الرد بمثل ما سلم، ولو سلم على جماعة منهم المصلي فرد الجواب غيره لم يجز له الرد، ويكره السلام على المصلي.
تعمّد القهقهة، وهي الضحك المشتمل على الصوت والمدّ.
تعمّد البكاء المشتمل على الصوت، إلاّ أن يكون من خوف الله ولاُمور الآخرة.
كل فعل ماح لصورة الصلاة قليلا كان أو كثيراً مما هو مناف للصلاة، وكذا السكوت الطويل الماحي لصورة الصلاة.
الأكل والشرب عمداً كانا أو سهواً.
الشك في ركعات الثنائية والثلاثية والأوليين من الرباعية، على ما سنبينه إن شاء الله.
زيادة جزء أو نقصانه عمداً، إن لم يكن ركناً ومطلقاً إن كان ركناً.
تنبيه
لم نتعرّض هنا لكثير من المسائل التي وقع الخلاف فيها بين المذاهب خشية الإطالة في الموضوع، كبيان الاختلاف في وضع اليمين على الشمال في الصلاة، إذ الشيعة يرون بطلانه، أو أنّ حرمته حرمة تشريعية (159).
كما أنّ الخلاف واقع بين المذاهب الاُخرى، فمنهم من يرى استحبابه، كأبي حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وغيرهم(160).
ومنهم من لا يرى استحبابه، وكان يرسل يديه في الصلاة، كالحسن البصري، والنخعي؛ وابن سيرين وغيرهم(161).
وقال الأوزاعي بالتخيير، وروى ابن القاسم عن مالك: الإرسال وهو الأشهر وعليه جميع أهل المغرب من أصحابه، واحتجوا بحديث المشي صلاته وبأنّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) علمه الصلاة ولم يذكر اليمين على اليسار (162).
وقال ابن المنذر في بعض تصانيفه: لم يثبت عن النبي في ذلك شيء فهو مخيّر.
والمسألة تحتاج إلى نقاش للأحاديث الواردة من طريق أبي هريرة، وقد صحّ عند الشيعة من طرق أهل البيت(عليهم السلام) حرمة ذلك، وأنّه لم يرد فيه عن النبي شيء.
وأما ما رواه أبو داود عن علي(عليه السلام) أنّ من السُنة في الصلاة وضع الأكف على الأكف في الصلاة، فإنّ هذا لم يوجد إلاّ في نسخة ابن الأعرابي دون غيرها (163)، ومع ذلك فإنّ الراوي لا يعتمد على حديثه، وقد ورد عن الإمام(عليه السلام) ما يدل على حرمته(164) ولنترك هذا لمناسبة اُخرى.
كما إنّنا لم نتعرّض للحديث حول كلمة آمين بعد الفاتحة وأنّها مستحبة للإمام أو المأموم أو للجميع والأحاديث الواردة لا تصلح للمشروعية، فذهب الشيعة إلى البطلان (165)؛ وحكى المهدي في البحر عن العترة جميعاً: أنّ التأمين بدعة واستدل بحديث معاوية بن الحكم السلمي (166).
والموضوع يدعو إلى بسط القول في الدلالة، فلنترك ذلك، كما نترك كثيراً من المسائل، ونتحول إلى البحث عن صلاة المسافر ومن الله التوفيق.
صلاة المسافر
اختلف المسلمون في حكم قصر الصلاة في السفر على أقوال:أحدها: أنّ المسافر فرضه المتعين عليه هو قصر الصلاة، وهو مذهب الشيعة(167) ووافقهم أبو حنيفة وأصحابه(168)، والكوفيون بأسرهم على خلاف في تحقيق المسافة الموجبة لقصر الصلاة كما سيأتي.الثاني: أنّ القصر والإتمام كلاهما فرض مخير له كالخيار في واجب الكفارة، وبذا قال بعض أصحاب الشافعي(169).الثالث: أنّه سنة، وبه قال مالك في أشهر الروايات عنه (170).الرابع: أنّ القصر رخصة، وأنّ الإتمام أفضل ، وإليه ذهب الشافعي في أشهر الروايات عنه .الخامس: جواز القصر، وأنّه أفضل من الإتمام، وإليه ذهب الحنابلة (171).
وهذه المسألة من مهمّات المسائل التي وقع فيها الخلاف بين السنة والشيعة حتى ظنّ بعض الناس أنّ ذلك من المسائل التي انفرد بها الشيعة.
ولا بدّ لنا هنا من استعراض المسألة، لينكشف لنا كثير من المفارقات فيها باستعراض الأدلة من الكتاب والسنة والإجماع في أصل هذه المسألة.
أمّا الكتاب فقوله تعالى: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِى الاَْرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ...)(172).
قال يعلى بن اُمية: قلت لعمر بن الخطاب: أليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا؟! وقد أمن الناس.
فقال عمر: عجبت مما عجبت منه، فسألت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال(صلى الله عليه وآله وسلم): صدقة تصدّق بها الله عليكم، فاقبلوا صدقته (173)
وروي أنّ زرارة بن أعين ومحمد بن مسلم سألا الإمام أبا جعفر محمد الباقر (عليه السلام)فقالا له: ما تقول في الصلاة في السفر؟ كيف هي؟ وكم هي؟. قال(عليه السلام): إنّ الله سبحانه يقول: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِى الاَْرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ) فالتقصير واجب في السفر كوجوب التمام في الحضر.
قالا: إنّه تعالى قال: (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاةِ) ولم يقل قصروا فكيف أوجب ذلك كما أوجب التمام؟ قال(عليه السلام): أو ليس قال تعالى في الصفا والمروة: (فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا)(174). ألا ترى أنّ الطواف واجب مفروض لأنّ الله ذكره في كتابه وصنعه نبيه(صلى الله عليه وآله وسلم) وكذا التقصير في السفر شيء صنعه رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وذكره الله في الكتاب.
قالا: قلنا فمن صلّى في السفر أربعاً أيعيد أم لا؟ قال(عليه السلام): إذا كانت قرئت عليه آية التقصير وفسّرت له فصلّى أربعاً أعاد، وإن لم يكن قرئت عليه ولم يعلمها فلا إعادة عليه وقال(عليه السلام): الصلاة في السفر كل فريضة ركعتان، إلاّ المغرب فإنّها ثلاث ليس فيها تقصير تركها رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في السفر والحضر ثلاث ركعات(175).
قال الشيخ الطبرسي ـ بعد إيراد هذا الخبر ـ: وفي هذا دلالة على أنّ فرض المسافر مخالف لفرض المقيم، وقد اجمعت الطائفة الشيعية على ذلك، واجمعت على أنّه ليس بقصر وقد روي عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: فرض المسافر ركعتان غير قصر (176).
وأما السنّة
فهي كثيرة تدلّ بصراحة على وجوب التقصير، وقد رويت من طريق صحاح الجمهور ونصوص أهل البيت(عليهم السلام).
فمن الصحاح ما أخرجه مسلم عن ابن عمر أنّه قال: صحبت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)في السفر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وصحبت أبا بكر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وصحبت عمر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، ثم صحبت عثمان فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وقد قال الله تعالى: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)(177).
وأخرج عن ابن عباس أنّه قال: إنّ الله فرض الصلاة على لسان نبيكم(صلى الله عليه وآله وسلم)على المسافر ركعتين وعلى المقيم أربعاً وفي الخوف ركعة(178).
وأخرج البخاري عن انس قال: خرجنا مع النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) من المدينة إلى مكة فكان يصلي ركعتين ركعتين، حتى رجعنا إلى المدينة (179).
وقال ابن مسعود: صلّيت مع النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ركعتين،ومع أبي بكر ركعتين، ومع عمر ركعتين، ثم تفرقت بكم الطرق ووددت أن لي من أربع ركعتين متقبلتين(180).
وقال أنس: خرجنا مع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) إلى مكة فصلّى ركعتين حتى رجع وأقمنا بمكة عشراً نقصر الصلاة. متفق عليه (181).
وقال ابن قدامة: وشدّد ابن عمر على من أتمّ الصلاة فروى أنّ رجلا سأله عن صلاة السفر؛ فقال ابن عمر: ركعتان فمن خالف السنة كفر.
وقال بشر بن حرب: سألت ابن عمر: كيف صلاة السفر يا أبا عبدالرحمن؟ قال: أما أنتم تتبعون سنّة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أخبرتكم وأمّا لا تتبعون سنّة نبيّكم فلا اخبركم، قلنا، فخير ما نتبع سنة نبيّنا يا أبا عبد الرحمن. قال: كان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)إذا خرج من المدينة لم يزد على ركعتين حتى يرجع إليها (182).
وروى مسلم بسند عن يحيى الهنائي قال: سألت أنس بن مالك عن قصر الصلاة، فقال: كان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ ـ الشك من الراوي ـ صلّى ركعتين (183).
وروى البخاري عن عبد الرحمن بن يزيد يقول: صلّى بنا عثمان بن عفان بمنى أربع ركعات فقيل ذلك لعبد الله بن مسعود فاسترجع ثم قال: صليت مع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بمنى أربع ركعات... الحديث(184).
وأخرج مالك عن عمر بن الخطاب أنّه صلّى بالناس بمكة ركعتين، فلما انصرف قال: يا أهل مكة أتمّوا صلاتكم فإنّا قوم سفر (185).
وعن حارثة بن وهب قال:صلّى بنا رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ـ ونحن أكثر ما كنّا قط وآمنه ـ بمنى ركعتين. أخرجه مسلم(186) وأصحاب السنن.
وعن ابن عباس قال: خرج رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) من المدينة إلى مكة لا يخاف إلاّ ربّ العالمين فصلّى ركعتين ركعتين. أخرجه الترمذي وصحّحه النسائي(187).
وأخرج مسلم عن حفص بن عاصم عن ابن عمر قال: صلّى النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)بمنى صلاة المسافر وأبو بكر وعمر وعثمان ثماني سنين أو قال ست سنين وهو قيد لصلاة عثمان .
قال حفص: وكان ابن عمر يصلي بمنى ركعتين ثم يأتي فراشه، فقلت: أي عم لو صليت بعدها ركعتين. قال: لو فعلت لأتممت الصلاة(188).
وعن كعب بن عجرد قال: قال عمر بن الخطاب صلاة الأضحى ركعتان وصلاة الفطر ركعتان وصلاة المسافر ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم وقد خاب من افترى (189).
وعن محمد بن المنكدر وإبراهيم بن ميسرة سمعا أنس بن مالك يقول: صليت مع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) الظهر بالمدينة أربعاً والعصر بذي الحليفة ركعتين(190).
وأخرج الدارمي في سننه عن أنس قال: صلّى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بالمدينة أربعاً وبذي الحليفة ركعتين(191).
وأخرج عن سالم عن أبيه أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) صلّى بمنى ركعتين وأبا بكر ركعتين، وعمر ركعتين، وعثمان ركعتين صدراً من إمارته ثم أتمّها بعد ذلك(192).
وأخرج مالك في الموطّأ عن ابن شهاب، عن اُمية بن عبدالله بن خالد بن أسيد أنّه سأل عبدالله بن عمر فقال: يا أبا عبد الرحمن، إنا نجد صلاة الخوف، وصلاة الحضر في القرآن، ولا نجد صلاة السفر. فقال ابن عمر: يابن أخي إنّ الله عزّوجلّ بعث إلينا محمداً(صلى الله عليه وآله وسلم) ولا نعلم شيئاً فإنّما نفعل كما رأيناه يفعل(193).
وعلى هذا فإنّ صلاة السفر في نظر ابن عمر هي ثابتة بالسنة لا بالقرآن وهو خلاف ما يذهب إليه الصحابة، ومنهم أبوه وقد تقدّم جوابه ليعلى بن اُمية قريباً.
وكيف كان فالأحاديث متواترة من صحاح الجمهور، ونصوص أهل البيت(عليهم السلام)بأنّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ما سافر إلاّ صلّى ركعتين إلاّ المغرب ولم يثبت عنه(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه أتمّ في السفر، ولو كان هناك تخيير لما ترك(صلى الله عليه وآله وسلم) العمل به، ولاختار الإكمال في كثير من أسفاره، تعليماً لذلك في حقّ الاُمة.
ولمّا صلّى(صلى الله عليه وآله وسلم) بمكة قاصراً قال(صلى الله عليه وآله وسلم): أتمّوا يا أهل مكة، فإنّما نحن قوم سفر فلو جاز الأربع لما اقتصر على الركعتين أولا لاغتنام زيادة العمل في الحرم، لما للعبادة فيه من تضاعف؛ وثانياً أنّه كان إماماً، وخلّفه المقيمون من أهل مكة، فكان ينبغي أن يتمّ كيلا يحتاج اُولئك القوم الى الانفراد وتفوتهم فضيلة الإتمام معه (194).
وأمّا ما يروى أنّ عثمان أتمّ في السفر، وكذلك روي عن عائشة أنّها قالت: افطرت وصمت وقصّرت واتممت.. الخ مع أنّ المشهور عنها أنّها قالت: فرضت الصلاة ركعتين ركعتين في الحضر والسفر، فأقرّت صلاة السفر، وزيد في صلاة الحضر.
قال الزهري: قلت لعروة: فما بال عائشة تتم؟! قال: تأولت كما تأول عثمان رحمه الله (195).
قال القاضي أبو الوليد المالكي: وقداختلف في تأويل ذلك. فقيل: تأول ـأي عثمان ـ أنّه لما كان الخليفة، وأنّ كلّ موضع يمرّ فيه فهو قطره، وأن من فيه ملتزم لطاعته، فهو بمنزلة استيطانه فيه، فحكمه لذلك أن يتم.
وتأولت عائشة أنّها لمّا كانت اُم المؤمنين وأنّ كل منزل تنزله فهو منزل لمن يحرم عليها بالبنوّة، كان حكمها لذلك أن تتم(196).
وقال أبو الوليد: ويحتمل عندي أن يكون عثمان وعائشة اعتقدا في ذلك التخيير على ما ذهب اليه الشافعي فآثرا الإتمام، وتأولا أفعال النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في القصر أنّه قصد به التخفيف عن اُمته كالفطر(197).
وأنت ترى ما في هذه التأويلات من البعد عن الواقع، فلم يك عثمان أولى من النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) بالمؤمنين، ولم لم يكن صاحباه بهذه المنزلة؟ فقد كانا يقصران الصلاة في السفر.
وقد استغرب ابن مسعود فعل عثمان، واسترجع عند ما بلغه أنّ عثمان صلّى أربعاً في السفر، وقال: صلّيت مع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ركعتين، ومع أبي بكر ركعتين، ومع عمر ركعتين، ثم تفرقت بكم الطرق.
وأمّا اُمّ المؤمنين عائشة فليس لها مزيد اختصاص عن سائر أزواج النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، وهنّ اُمهات المؤمنين، ولم يعرف عن واحدة منهن أنّها أتمت في السفر.
وأحسن وجه يتأوّل به فعل عثمان وعائشة في إتمام الصلاة في السفر هو: احتمال أن يكون عثمان وعائشة إنّما أتمّا بمنى بعد المقام بمكة مدة الإتمام، كما لم يكن في الخروج الى عرفة مسافة قصر لمن احتسب في القصر بالخروج خاصة دون الرجوع. كما ذكر ذلك القاضي أبو الوليد المالكي (198).
ويؤيّد ذلك ما روي أنّ عثمان لمّا أتمّ الصلاة بمنى فأنكر عليه أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) حتى قال لهم: إنّي تأهلت بمكة، وقد سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يقول: من تأهّل بقوم فهو منهم (199).
وعلى أيّ حال لا يصلح الاستدلال بفعل عثمان، فإنّ إنكار الصحابة عليه، واعتذار عثمان يدلان على أنّ الفرض هو القصر دون التمام، ولولا ذلك لما كان محلاًّ للإنكار، ولا موجب للاعتذار عن شيء جائز في الشرع، ومرخّص على فعله.
وقد روي عن ابن عباس أنّه قال:لا تقولوا قصراً فإنّ الذي فرضها في الحضر أربعاً هو الذي فرضها في السفر ركعتين (200).
وروي عن عمر بن الخطاب أنّه قال: صلاة المسافر ركعتان، وصلاة الجمعة ركعتان، تمام غير قصر، على لسان نبيكم محمد(صلى الله عليه وآله)(201).
حجة الشافعي
وذهب الشافعي إلى عدم وجوب القصر في السفر، وأنّ قوله تعالى: (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاةِ)إنّما هو تخفيف من الله عزّ وجلّ عن خلقه، لا أنّ فرضاً عليهم أن يقصروا.
وقال: فالاختيار والذي أفعل مسافراً، وأحبّ أن يفعل قصر الصلاة في الخوف والسفر، وفي السفر بلا خوف، ومن أتمّ الصلاة فيهما لم تفسد عليه صلاته، جلس في مثنى قدر التشهد أو لم يجلس، وأكره ترك القصر...الخ(202).
وقال: وأكره ترك القصر رغبة عن السنة، فأمّا أنا فلا أحبّ أن اُقصر في أقل من ثلاثة أيام احتياطاً على نفسي، وإن كان ترك القصر مباحاً لي قصّر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وأتم (203).
والصحيح أنّ النبيّ لم يتم في السفر ولم يرو عنه ذلك أبداً، إلاّ ما أخرجه الدارقطني عن عائشة أنّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) كان يقصر في السفر، ويتم، ويفطر ويصوم.
وقد أنكر الحفاظ هذا الحديث وكذّبوه، ولأنّه مخالف لما عليه فعل النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في جميع أسفاره.
وقد أجاب ابن حزم عن جميع ما احتج به الشافعية فيما ذهبوا اليه بقوله: احتج الشافعيون في قولهم: إنّ المسافر مخيّر بين ركعتين، أو أربع ركعات، بهذه الآية وإنّها جاءت بلفظ لا جناح وهذا يوجب الإباحة لا الفرض.
وبخبر رويناه من طريق عبد الرحمن بن الأسود، عن عائشة: أنّها اعتمرت مع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) من المدينة إلى مكة، فلمّا قدمت مكة قالت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي قصرت وأتممت، وأفطرت وصمت. قال: أحسنت يا عائشة.
ومن طريق عطاء عن عائشة: كان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يسافر فيتمّ الصلاة ويقصر.
وبأنّ عثمان أتم الصلاة بمنى بحضرة جميع الصحابة رضي الله عنهم فأتموها معه.
وبأن عائشة ـ وهي روت: فرضت الصلاة ركعتين ركعتين ـ كانت تتم في السفر.
قال علي بن حزم: هذا كلّ ما احتجّوا به، وكله لا حجة فيه: أمّا الآية فإنّها لم تنزل في القصر المذكور بل في غيره على ما نبيّنه بعد هذا إن شاء الله.
أمّا الحديثان فلا خير فيهما:
أمّا الذي من طريق عبد الرحمن بن الأسود فانفرد به العلاء بن زهير الأزدي، لم يروه غيره وهو مجهول.
وأمّا حديث عطاء فانفرد به المغيرة بن زياد ولم يروه غيره، وقال فيه أحمد بن حنبل: هو ضعيف كل حديث أسنده فهو منكر.
وأما فعل عثمان وعائشة فإنّهما تأوّلاً تأويلاً خالفهما فيه غير هما من الصحابة (204).
ثم أورد ابن حزم أخباراً خرّجها من طرقه منها: قول صفوان بن محرز: قلت لابن عمر حدثني عن صلاة السفر قال: أتخشى أن تكذب علي؟ قلت: لا. قال ابن عمر: ركعتان من خالف السنة كفر.
ومنها قول ابن عباس: من صلّى في السفر أربعاً كمن صلى في الحضر ركعتين.
ومنها ما أخرجه من طريق سفيان بن عيينة عن جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام)عن أبيه(عليه السلام) قال: اعتل عثمان وهو بمنى فأتى علي فقيل له: صلِّ بالناس. فقال علي(عليه السلام): إن شئتم صليت لكم صلاة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم). يعني ركعتين. قالوا لا: إلاّ صلاة أمير المؤمنين يعنون عثمان ـ فأبى عثمان(205) وفي نسخة فأبى بدون ذكر عثمان ـ أي فأبى علي(عليه السلام) ـ وهكذا عمن بعدهم روينا عن عمر بن عبدالعزيز وقد ذكر له الإتمام في السفر لمن شاء، فقال: لا. الصلاة في السفر ركعتان حتمان لا يصح غيرهما.
فإذا اختلف الصحابة فالواجب ردّ ما تنازعوا فيه إلى القرآن والسنّة(206).
* * *
والحاصل أنّ القصر هو الواجب على المسلم، لأنّ فعل النبيّ كان في جميع أسفاره هو قصر الصلاة ولم يتمّها يوماً ما ولم يثبت عنه غير قصر الصلاة في السفر البتة، ولنا في رسول اُسوة حسنة.
قال الخطابي: كان مذاهب أكثر علماء السلف وفقهاء الأمصار على أنّ القصر هو الواجب في السفر،وهو قول علي(عليه السلام) وعمر وابن عمر وابن عباس وأكثر الصحابة، وروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز وقتادة والحسن.
وقال حماد بن أبي سليمان: يعيد من يصلي في السفر أربعاً، وقال مالك: يعيد مادام في الوقت (207).
حجة الحنابلة
المشهور عن أحمد بن حنبل: أنّ المسافر إن شاء صلى ركعتين وإن شاء أتمّ، وروي عنه أنّه توقف وقال: أنا اُحبّ العافية من هذه المسألة.
واستدلوا على جواز الإتمام بالآية الكريمة وهي قوله تعالى: (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ)
وكذلك استدلّوا بما ورد عن عائشة أنّها قالت: خرجت مع رسول الله في عمرة رمضان فأفطر وصمت، وقصر وأتممت، فقلت: يا رسول الله، بأبي أنت واُمي أفطرت وصمت، وأتممت وقصرت فقال أحسنت(208).
رواه أبو داود الطيالسي في مسنده وقالوا: هذا صريح في الحكم، وروي أيضاً بإسناد عن عطاء عن عائشة أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) كان يتم في السفر ويقصر(209).
وكلّ هذا لا يصحّ الاحتجاج به: أمّا الآية فقد تقدّم الجواب عنها في حجة الشافعية.
وأمّا ما ورد عن عائشة: فأما الحديث الأول ففيه العلاء بن زهير وهو لا يحتج بحديثه، لأنّه كان يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الإثبات، فبطل الاحتجاج به مع أن فيه مخالفة صريحة من عائشة لفعل النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، والواجب يقضي عليها اتباعه، فكيف يصحّ أنّ النبيّ كان يفطر وتصوم هي، ويقصر وتتم؟! هذا من جهة ومن جهة اُخرى أنّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) لم يعتمر إلاّ أربع عمر ليس منهن شيء في شهر رمضان.
قال في البدر المنير: إنّ في متن هذا الحديث نكارة؛ وهو كون عائشة خرجت معه(صلى الله عليه وآله وسلم) في عمرة رمضان، والمشهور أنّه لم يعتمر الا أربع عمر ليس منهن شيء في رمضان، بل كلّهن في ذي القعدة الاّ التي مع حجته فكان إحرامها ـ أي العمرة ـ في ذي القعدة، وفعلها في ذي الحجة قال: هذا هو المعروف في الصحيحين وغيرهما... الخ.
وأما الخبر الثاني: فهو كالأول لا يصلح للاستدلال لمعارضته لما في الصحاح ومخالفته لعمل النبي والصحابة، وعمل اُم المؤمنين عائشة وقد طعن فيه بطعون توجب سقوطه زيادة على ما فيه من المخالفات.
يقول ابن تيمية: إن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)فى جميع اسفاره كان يصلي الرباعية ركعتين، ولم ينقل عنه أحد أنّه صلّى الرباعية أربعاً، بل وكذلك أصحابه معه، والحديث الذي يُروى عن عائشة أنّها أتمّت وأفطرت حديث ضعيف، بل قد ثبت عنها فى الصحيح: أن الصلاة أول ما فرضت كانت ركعتين ركعتين، ثم زيد في صلاة الحضر وأقرّت صلاة السفر.
وثبت في الصحيح عن عمر بن الخطاب أنّه قال: صلاة السفر ركعتان، وصلاة الجمعة ركعتان، وصلاة الأضحى وصلاة الفطر ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيّكم(صلى الله عليه وآله وسلم) .
وأمّا قوله تعالى: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِى الاَْرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ)(210) فإن نفي الجناح بيان الحكم وإزالة الشبهة، لا يمنع أن يكون القصر هو السنة كما قال تعالى: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا)(211) نفي الجناح لأجل الشبهة التي عرضت لهم من الطواف بينهما، لأجل ما كانوا عليه في الجاهلية من كراهية بعضهم للطواف بينهما، والطواف بينهما مأمور به باتفاق المسلمين، وهو إما ركن وإما واجب، وإما سنة مؤكدة، وهو سبحانه ذكر الخوف في السفر لأنّ القصر يتناول قصر العدد، وقصر الأركان، فالخوف يبيح قصر الأركان ، والسفر يبيح قصر العدد ... الخ(212).المسافة
وقع الخلاف بين علماء الإسلام في مقدار المسافة التي يقصر فيها الصلاة، وورد فيها نحو من عشرين قولاً.
أمّا الخلاف بين المذاهب في ذلك فقد ذهب الحنفية إلى أنّ المسافة التي يصير بها المقيم مسافراً سير ثلاثة أيام سير الإبل، ومشي الأقدام، قال الكاساني:
وأمّا بيان ما يصير به المقيم مسافراً: فالذي يصير به المقيم مسافراً نية مدة السفر، والخروج من عمران المصر، فلا بدّ من اعتبار ثلاثة أشياء:أحدها: مدة السفر وأقلها غير مقدر عند أصحاب الظواهر، وعند عامة العلماء مقدر، واختلفوا في التقدير، قال أصحابنا ـ أي الحنفية : ثلاثة أيام سير الابل ومشي الأقدام، وهو المذكور في ظاهر الروايات ،وروي عن أبي يوسف يومان وأكثر الثالث، وكذا روى الحسن عن أبي حنيفة، وابن سماعة عن محمد الشيباني، ومن مشايخنا من قدره بخمسة عشر فرسخاً، وجعل لكلّ يوم خمسة فراسخ، ومنهم من قدّره بثلاث مراحل(213).
وأكثر الحنفية لا يعتبر التقدير بالفراسخ، وقدر أبو حنيفة المسافة بالمراحل وأبو يوسف قدرها بيومين، وأكثر اليوم الثالث. ودليلهم في تقدير المسافة بثلاثة أيام بلياليها ـ ومنهم من حذف الليالي ـ هو ما ورد عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): يمسح المقيم كمال يوم وليلة، والمسافر ثلاثة أيام ولياليها(214).
وقوله(صلى الله عليه وآله وسلم) : لا يحلّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر ثلاثة أيام إلا مع محرم أو زوج (215).
وليس فيما أوردوه ما يصلح للاستدلال: فخبر المسح لا يصحّ مطلقاً، وإن صح فهو بيان الفعل وليس فيه بيان لحد السفر.
وأما الدليل الثاني فإنه لم يكن لبيان مسافة السفر، بل لبيان النهي للمرأة عن الخروج وحدها، هذا إن كان بلفظ ثلاثة أيام وإلاّ فإنّ ألفاظ الحديث مختلفة؛ فمنها يوم وليلة كما روي عن أبي هريرة.
وفي آخر عن أبي هريرة أيضاً تسافر مسيرة يوم وفي لفظ تسافر بريداً وفي آخر لا تسافر إلاّ ليلة ... الخ .
فاضطراب الحديث واختلاف ألفاظه لا يصلح للاستدلال. إن كان يصحّ ذلك.
وقد ورد هذا الحديث عن ابن عباس عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: لا يخلون رجل بامرأة. ألا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة ألا مع ذي محرم، بدون تقييد في مدة بل هو لعموم السفر.
وكيف كان فما استدلوا به من ألفاظ حديث أبي هريرة لا يصح.
وقال الشافعي: فللمرء عندي أن يقصر فيما كان مسيرة ليلتين قاصدتين وذلك ستة وأربعون ميلاً بالهاشمي ولا يقصر فيما دونها ... (216).
ونقل النووي عن الشافعي : أنّه لا يجوز القصر إلاّ في مسيرة مرحلتين قاصدتين، وهي ثمانية وأربعون ميلا هاشمية، والميل ستة آلاف ذراع والذراع أربع وعشرون إصبعاً معترضة، والإصبع ست شعيرات معترضات معتدلات (217).
وجاء في نهاية المحتاج أن المسافة ثمانية وأربعون ميلاً ذهاباً تحديداً لا تقريباً (218).
وقال أبو إسحاق الشيرازي: ولا يجوز ذلك ـ أي القصر ـ إلاّ في مسيرة يومين وهو أربعة برد وكلّ بريد أربعة فراسخ فذلك ستة عشر فرسخاً، لما روي عن ابن عمر وابن عباس كانا يصليان ركعتين ويفطران في أربعة برد فما فوق ذلك... الخ(219).
والمشهور عن مالك أنّه يوافق الشافعي في ثمانية وأربعين ميلاً.
وروي عنه مسيرة يوم وليلة، وروى ابن القاسم أن مالكاً رجع عنه.
وعن مالك أنّه بلغه أنّ عبد الله بن عباس كان يقصر الصلاة في مثل ما بين الطائف ومكة، وفي مثل ما بين مكة وعسفان، وفي مثل ما بين مكة وجدة، قال مالك: وذلك أربعة برد، وذلك أحبّ ما تقصر إليّ فيه الصلاة (220).
قال الزرقاني في شرحه: أحبّ عائد لاختياره يعني أنّه لا يقصر في أقل منها وهي: ستة عشر فرسخاً، ثمانية وأربعون ميلاً.
وروى أشهب عن مالك القصر في خمسة وأربعين ميلاً، وروى أبو زيد عن ابن القاسم: أنّ من قصر في ستة وثلاثين ميلاً لا يعيد.
وقال ابن المواز: يعيد، وعن ابن الحكم: يعيد في الوقت فإن قصر في أقل من ذلك أعاد أبداً (221).
ووافقهم أحمد بن حنبل في تحديد المسافة بستة عشر فرسخاً أو ثمانية وأربعين ميلاً بالهاشمي؛ فإنه سئل في كم تقصر الصلاة؟ قال: في أربعة برد.
قيل له مسيرة يوم تام؟ قال: لا، أربعة برد ستة عشر فرسخاً ومسيرة يومين.
قال ابن قدامة: فمذهب أبي عبد الله ـ أحمد بن حنبل ـ : إن القصر لا يجوز في أقل من ستة عشر فرسخاً، والفرسخ ثلاثة أميال فتكون ثمانية وأربعين ميلا. قال القاضي والميل إثنا عشر ألف قدم وذلك مسيرة يومين قاصدين (222).
ولا يخفى ما في المسألة من خلاف وكثرة أقوال، فإنّهم اختلفوا في تحديد المسافة بالزمن وبالتقدير بالأميال أو الفراسخ.
أمّا التقدير في الزمن فهو يوم وليلة أو يومان وأكثر الثالث أو ثلاثة أيام بلياليها كما تقدّم.
وأمّا الاختلاف في تقدير المسافة فإن اختلافهم في الميل وتحديده ومقداره.
فمنهم من قال: إنّ الميل هو من الأرض منتهى مدّ البصر، لأنّ البصر يميل عنه على وجه الأرض حتى يفنى إدراكه.
وقيل: أن ينظر إلى الشخص في أرض مستوية فلا يدري أرجل هو أم امرأة أو ذاهب أو آت.
وقال النووي: الميل ستة آلاف ذراع والذراع أربع وعشرون إصبعاً متراصة معتدلة، والاصبع ست شعيرات معترضة معتدلة.
ومنهم من عبّر عن ذلك باثني عشر ألف قدم بقدم الانسان.
وقيل: هو أربعة آلاف ذراع وقيل: ثلاثة آلاف ذراع وقيل خمسمائة وقيل: ألفا ذراع، ومنهم من عبّر عن ذلك بألف خطوة للجمل(223).
وقيّدوا الأميال بالهاشمية وحددوه باثني عشر ألف قدم، ستة آلاف ذراع أربعة آلاف خطوة.
أمّا الأميال الاُموية فالميل منها ينقص عن الهاشمي بنسبة واحد من ستة، أي أنّ الفرسخ الاُموي ميلان ونصف (224).
أمّا المسافة التي يجب معها القصر عند الشيعة فهي : ثمانية فراسخ امتدادية أو ملفّقة من أربعة ذهاباً وأربعة إياباً، والفرسخ ثلاثة أميال والميل أربعة آلاف ذراع بذراع اليد وهو من المرفق إلى أطراف الأصابع (225).
وذلك هو الوارد عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) من طريق أهل البيت(عليهم السلام) .الإقامة
اختلف علماء الإسلام في تحديد المدة التي يصير بها المسافر مقيماً؛ فيجب عليه إتمام الصلاة وأداء الصيام على أقوال:
فعند الشيعة أنّ المسافر إذا عزم على الإقامة عشرة أيام متوالية في مكان واحد أو أنّه يعلم ببقائه المدة المذكورة فيجب عليه الإتمام والصيام ؛ لانقطاع السفر في ذلك.
وكذا لو تردد في البقاء وعدمه ثلاثين يوماً فإنه يجب عليه القصر إلى نهاية الثلاثين، وبعدها يجب عليه التمام إلى أن يسافر سفراً جديداً(226).وذهب أبو حنيفة إلى أنّ مدة الإقامة خمسة عشر يوماً، وهو أحد قولي ابن عمر(227) وله قول آخر وهو: إذا أجمعت إقامة اثنتي عشرة ليلة فأتم الصلاة، وبه قال سعيد بن المسيب في أحد أقواله، وقوله الآخر: إذا أقمت أربعاً فصل أربعاً، وله قول آخر إذا أقمت ثلاثاً فأتم .
وذهب مالك بن أنس إلى أن مدة الإقامة التي يباح بها التمام هي أربع ليال.
حدث يحيى عن مالك عن عطاء الخراساني أنّه سمع سعيد بن المسيب قال: من أجمع إقامة أربع ليال وهو مسافر أتمّ الصلاة. قال مالك: وذا أحب ما سمعت إلي(228).
قال ابن حزم: ـ بعد أن ذكر قول ابن المسيب ـ إذا أقمت أربعاً فصل أربعاً وبه يأخذ مالك، والشافعي؛ والليث، إلاّ أنهم يشترطون أن ينوي إقامة أربع فإن لم ينوها قصّر وإن بقي حولاً(229).
وقال أبو الوليد: اختلف أصحابنا ـ أي المالكية ـ فروى ابن القاسم أنّه يراعى فيها أربعة أيام كاملة. قال عنه عيسى ولا يعتد بيوم دخوله إلاّ أن يدخل في أوله. وقال الماجشون وسحنون : إذا نوى مقام زمان تجب فيه عشرون صلاة فإنه يتم.
قال أبو الوليد: وجه رواية ابن القاسم أنّ الخبر المستفاد منه حكم المقام إنّما ورد بلفظ الأيام ، وذلك يقتضي تعلق الحكم بها.
ووجه الرواية الثانية: أنّ الحكم إنّما يتعلق بالأيام من أجل الصلاة فوجب أن يعتبر بها (230).
ولا يخفى أنّ لفظ الخبر الوارد في قول أبي الوليد لم يكن خبراً عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)إذ ربما أن يتوهم ذلك، إذا لا خبر في الموضوع وإنّما يقصد الخبر الوارد عن مالك، فليتأمل.
* * *
والشافعي يختار تحقيق الإقامة في أربعة أيام كما جاء في كتاب الاُم وحكي عنه ذلك، قال في الاُم:
إذا أزمع المسافر بموضع أربعة أيام ولياليهن ليس فيهن يوم كان فيه مسافراً فدخل في بعضه ولا يوم يخرج في بعضه أتمّ الصلاة، واستدلالاً بقول رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): يقيم المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثاً. وإنّما يقضي نسكه في اليوم الذي يدخل فيه، والمسافر لا يكون دهره سائراً ولا يكون مقيماً مقام سفر وسائراً(231)... الخ. وهذا عين ما استدل به مالك .
واُجيب عن هذا الاستدلال: بأنّه لا حجة لهم فيه؛ لأنّه ليس في هذا الخبر نص ولا إشارة إلى المدة التي إذا أقامها المسافر أتم، وإنّما هو في حكم المهاجر، فما الذي أوجب أن يقاس المسافر يقيم على المهاجر يقيم؟! هذا لو كان القياس حقاً، وكيف وكلّه باطل؟!
والمشهور عن أحمد بن حنبل أنّ المدة التي تلزم المسافر الإتمام بنية الإقامة فيها هي: ما كان أكثر من إحدى وعشرين صلاة .
وعنه أيضاً إذا نوى إقامة أربعة أيام أتم، وإن نوى دونها قصر، وهذا قول مالك والشافعي وأبي ثور.
واستدلوا له بدليل قول النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) يقيم المهاجر بعد قضاء منسكه ثلاثاً .
واستدلوا أيضاً بأنّ عمر لما أخلى أهل الذمة ضرب لمن قدم منهم تاجراً ثلاثاً وقال: إنّ الثلاث بحكم السفر وما زاد في حكم الإقامة(232).
* * *
وكيف كان فقد اختلفت أقوال الصحابة والتابعين في هذه المسألة فعن ابن عباس القول بأنّ الإقامة عشرة أيام والمتردد إلى تسعة ـ عشر يقصر فإذا زاد أتم، وله قول آخر وهو: إن الإقامة خمسة عشر يوماً وله قول: بأنّ المتردد إلى سنة يصلّي قصراً .
وقال ابن عمر بمثل قوله هذا، وله قول آخر وهو؛ أنّ الإقامة إثنتا عشرة ليلة، وله قول إنّ المتردد إلى ستة أشهر يصلي قصراً.
وذهبت عائشة إلى أنّ وضع الزاد والمزاد موجب للتمام، وإليه ذهب الحسن البصري فقال: صلِّ ركعتين ركعتين إلى أن تقدم مصراً فأتم الصلاة وصم.
وقال ربيعة الرأي: إنّ الإقامة يوم وليلة.
وقال الأوزاعي: إنّ الإقامة ثلاث عشرة ليلة .
وقال سعيد بن المسيب إنّ الإقامة أربع. وله قول آخر: إنّها ثلاث(233).
وقال سعيد بن جبير إن الإقامة أكثر من خمسة عشر، وله قول آخر إنّ الإقامة تحصل بمجرد وضع الرحل إلى آخر الأقوال والآراء التي لا يعرف لهم فيها مستند شرعي وإنّما ذلك اجتهاد من أنفسهم، كما قيل عنهم ذلك .
وصفوة القول أنّ الأقوال في هذه المسألة مختلفة، ولا يكاد الإنسان أن يلمس منها قولاً يمكن أن يكون عمدة في الباب ولم يكن هناك أثر يدل على ما تطمئن النفس إليه وحيث كان الأمر كذلك، فلا بدّ من الرجوع إلى أهل البيت وهم أدرى به، لأنّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قرنهم بكتاب الله فمن اتبعهم اهتدى، فهم أعلام الإسلام وحكّام الأنام؛ ولهذا فإنّ الشيعة يأخذون بما ورد عنهم(عليهم السلام)ويستمدون تعاليمهم منهم .
وقد وردت في هذه المسألة نصوص عن أهل البيت أخذ بها الشيعة وعملوا بموجبها، فقد روي عن الإمام علي(عليه السلام) أنّه قال: يتم الذي يقيم عشراً، والذي يقول: اليوم أخرج، غداً أخرج، يقصر شهراً(234).
قال الشوكاني: وذهبت القاسمية والإمامية والحسن بن صالح وهو مروي عن ابن عباس أنّه لا يتم الصلاة إلاّ من نوى إقامة عشر واحتجوا بما روي عن علي(عليه السلام)وذكر الحديث(235).وقال ابن قدامة: وروي عن علي(رضي الله عنه) قال: يتم الصلاة الذي يقيم عشراً ويقصر الصلاة الذي يقول: أخرج اليوم أخرج غداً شهراً. وهذا قول محمّد بن علي الباقر وابنه جعفر الصادق والحسن بن صالح(236).قال الإمام الباقر (عليه السلام): وإن لم تدرِ ما مقامكم بها، تقول غداً أخرج أو بعد غد فقصر ما بينك وبين أن يمضي شهر فإذا تمّ لك شهر فأتم الصلاة وإن أردت أن تخرج من ساعتك(237).وقال الإمام الصادق(عليه السلام): إن شئت فانوِ المقام عشراً وأتم، وإن لم تنوِ المقام فقصر ما بينك وبين شهر فإذا مضى لك شهر فأتم الصلاة(238)
وفي بعض الأخبار عنهما(عليهما السلام) تحديد مدّة التردد ثلاثين يوماً .
وروى معاوية بن وهب عن الإمام الصادق(عليه السلام) قال: إن أقمت تقول غداً أخرج أو بعد غد ولم تجمع على عشر فقصر ما بينك وبين شهر فإذا تم الشهر فأتم الصلاة(239)
وقال (عليه السلام): إذا عزم الرجل أن يقيم عشراً فليتم الصلاة، وإن كان في شكّ لا يدري ما يقيم فيقول: اليوم أو غداً فليقصر ما بينه وبين شهر فإن أقام بذلك البلد أكثر من شهر فليتم الصلاة .
وبهذا أخذ الشيعة وعليه العمل، فهم يحكمون على من نوى إقامة عشرة أيام يجب عليه القصر، وإن كان متردداً فإنّه يقصر حتى يمضي شهر فإذا مضى شهر أتم .
ووافقهم سفيان الثوري وجماعة آخرون، والذي يظهر من الخرقي الحنبلي اختيار القول في مدة التردد إلى شهر دون تحديد الإقامة بعشر كما جاء في مختصره قال: وإذا نوى المسافر الإقامة في بلد أكثر من إحدى وعشرين صلاة أتم، وإن قال: اليوم أخرج غداً أخرج قصر وإن أقام شهراً(240).
وذهبت الحنفية إلى أنّ المسافر الذي لم ينو إقامة خمسة عشر يوماً ويقول: غداً أخرج أو بعد غد أخرج واستمر على ذلك لا يصير مقيماً عندهم ولو بقي سنين عديدة(241).وللشافعية أقوال في ذلك: إنّه إذا أقام في بلد على حاجة إذا تنجزت رحل ولم ينو مدة فقيل: إنّه يقصر سبعة عشر يوماً. وقيل يقصر أبداً. وخرّج أبو إسحاق قولاً ثالثاً أنّه يقصر إلى أربعة أيام(242).وعند الحنابلة: أن من لم يجمع الإقامة مدة تزيد على إحدى وعشرين صلاة فله القصر ولو أقام سنين، والذي يظهر من عبارة ابن قاسم الخرقي أنّ مدة التردد إلى الشهر(243) .
السفر المبيح للقصر
اختلفوا في السفر المبيح للقصر، فعند الشيعة أنّ سفر المعصية لا تقصر فيه الصلاة لأنّه سفر محرّم، سواء أكان بنفسه حراماً كالفرار من الزحف وإباق العبد، وسفر الزوجة بدون إذن زوجها في غير الواجب، وسفر الولد مع نهي الوالدين في غير الواجب، وكما إذا كان مضراً لبدنه .
أم كان السفر غايته أمراً محرّماً: كما إذا سافر لقتل نفس محرمة، أو للسرقة أو للزنا، أو لإعانة الظالم، أو لأخذ أموال الناس ظلماً ونحو ذلك(244). ووافقهم الشافعي وأحمد .
قال الشافعي: وليس لأحد سافر في معصية أن يقصر، ولا يمسح مسح المسافر، فإن فعل أعاد(245).وقال الرملي ـ المعروف بالشافعي الصغيرـ : لا يترخص العاصي بسفره كآبق، وناشزة، وقاطع طريق ومسافر بلا إذن، إذ مشروعيّة الترخّص في السفر للإعانة، والعاصي لا يعان، لأنّ الرخص لا تنال بالمعاصي... الخ(246).وأما أحمد بن حنبل فإنّه نصّ على عدم جواز القصر لمن كان سفره سفر معصية كإباق العبد، وقطع الطريق؛ والتجارة في الخمر والمحرمات(247).وقال أيضاً: إذا خرج الرجل إلى بعض البلدان تنزّهاً وتلذّذاً، وليس في طلب حديث ولا حج ولا عمرة ولا تجارة فإنّه لا يقصر الصلاة، لأنّه إنّما شرع إعانة على تحصيل المصلحة، ولا مصلحة في هذا(248).
* * *
أما الحنفية فذهبوا إلى الجواز، وأنّ العاصي والمطيع في سفرهما واحد، ويستوي المقدار المفروض على المسافر من الصلاة سفر الطاعة من الحج والجهاد، وسفر المباح كسفر التجارة ونحوه، وسفر المعصية كقطع الطريق والبغي(249).
وعن مالك روايتان: فالمشهور من مذهبه أنّ سفر المعصية لا تقصر فيه الصلاة، لأنّ سفر المعصية ممنوع منه مأمور بالرجوع عنه، فلا يصح تناول النية الشرعية لمسألة القصر فيه .
والرواية الثانية: جواز القصر، لأنّ هذا معنى يترخص به سفر الطاعة؛ فجاز أن يترخص به في سفر المعصية.
* * *
هذا ما تعلّق الغرض ببيانه حول صلاة المسافر وأنّ فرضه المتعين هو القصر، كما أجمعت عليه الشيعة ووافقهم كثير من علماء المسلمين في ذلك، وأنّ الذي يتمّ في السفر مع حصول شرائط القصر عليه الإعادة .
وهنا لا بد أن نشير بإيجاز إلى حكم الصائم في السفر، وقد أجمع المسلمون على جواز الإفطار في شهر رمضان لكل من سافر فيه سفراً تقصر فيه الصلاة، كما جاء في كتاب الله العزيز بقوله تعالى: (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَر فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّام أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ... الآية)(250).
وقد اختلفوا في الإفطار في السفر هل هو رخصة أم عزيمة؟ فذهب الشيعة إلى أنّه عزيمة، ولا يصح الصوم في السفر، كما لا يصح إتمام الصلاة فيه، لأنّه هو الذي شرّعه الله في دين الإسلام، وأنّ المقتضى من السفر لأحدهما هو بعينه المقتضى للآخر. كما ورد ذلك عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) إذ قال: إن الله وضع عنه الصيام ونصف الصلاة، أخرجه النسائي عن عمر بن اُمية الضمري(251).
وأخرج مسلم في صحيحه عن جعفر بن محمّد الصادق عن أبيه محمّد الباقر عن جابر بن عبدالله الأنصاري أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان فصام حتى بلغ كراع الغميم فصام الناس، ثم دعا بقدح من ماء فرفعه حتى نظر الناس إليه ثم شرب، فقيل له بعد ذلك إن بعض الناس قد صام. فقال(صلى الله عليه وآله وسلم): اُولئك العصاة اُولئك العصاة(252)
وأخرج البخاري عن جابر بن عبدالله الأنصاري قال: كان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)في سفر فرأى زحاماً ورجلاً قد ظلّل عليه فقال(صلى الله عليه وآله وسلم): ما هذا؟ فقالوا صائم. فقال(صلى الله عليه وآله وسلم): ليس من البر الصوم في السفر(253)
وأخرج أبو داود عن قزعة قال: أتيت أبا سعيد الخدري وهو يفتي الناس وهم مكبّون عليه، فانتظرت خلوته، فلما خلا سألته عن صيام رمضان في السفر، فقال: خرجنا مع النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في رمضان عام الفتح، فكان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يصوم ونصوم، حتى بلغ منزلاً من المنازل فقال(صلى الله عليه وآله وسلم): إنكم قد دنوتم من عدوكم، والفطر أقوى لكم، فأصبحنا منا الصائم، ومنا الفاطر. قال: ثم سرنا فنزلنا منزلاً فقال(صلى الله عليه وآله وسلم): إنكم تصبحون عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطرو فكانت عزيمة من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)(254).وأخرج الترمذي عن رجل من بني عبدالله بن كعب بن مالك اسمه أنس بن مالك قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): إن الله وضع شطر الصلاة عن المسافر ورخّص له في الإفطار(255)
وأخرج مسلم عن ابن عباس أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) خرج عام الفتح فصام حتى بلغ الكديد ثم أفطر، وكان صحابة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يتبعون الأحدث فالأحدث من أمره(256) وفي لفظ وإنّما يؤخذ من أمر رسول الله بالآخر فالآخر(257).
* * *
وكيف كان فإن الشيعة قد أجمعوا على أن الإفطار في السفر عزيمة ولا يجزي الصوم عن الفرض، بل من صام في السفر وجب عليه قضاؤه في الحضر(258).وقال الشوكاني: وهذا هو قول بعض الظاهرية، وحكاه في البحر عن أبي هريرة وداود والإمامية، قال في الفتح: وحكي عن عمر وابن عمر، وأبي هريرة، والزهري، وإبراهيم، والنخعي وغيرهم(259).وقال ابن حزم ـ بعد أن استدل على وجوب الإفطار في السفر ـ : ولم يبق علينا إلاّ أن نذكّر من قال بمثل قولنا لئلاّ يدعي علينا خلاف الإجماع، فالدعوى لذلك منهم سهلة، وهم أكثر خلافاً للاجماع..
روينا من طريق سليمان بن حرب عن حماد بن سلمة عن كلثوم بن جبر عن رجل من بني عبدالقيس أنّه صام في السفر فأمره عمر بن الخطاب أن يعيد. ومن طريق سفيان بن عيينة عن عاصم بن عبيدالله عن عبدالله بن عامربن ربيعة عن عمر بن الخطاب أنّه أمر رجلاً أن يعيد صيامه في السفر.
وروي عن عبدالرحمن بن عوف قال: نهتني عائشة اُم المؤمنين عن أن أصوم في السفر. وعن ابن عمر أنّه سئل عن الصوم في السفر فقال: (من كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام اُخر) .
وسئل عن الصوم أيضاً فقال: إنّما هو صدقة تصدّق بها الله عليك، أرأيت لو تصدقت بصدقة فردت عليك؟ ألم تغضب ؟
وأن امرأة صحبته في السفر فوضع الطعام فقال لها: كلي. فقالت إنّي صائمة. قال ابن عمر: لا تصحبينا.
وعن ابن عباس أنّه سئل عمّن صام رمضان في السفر، قال: لا يجزئه. يعني لا يجزئه صيامه .
وعن عبدالرحمن بن عوف أنّه قال: الصائم في السفر كالمفطر في الحضر.
وعن سعيد بن المسيب أنّ رجلاً سأله: أتم الصلاة في السفر وأصوم؟ قال: لا. فقال: إني أقوى على ذلك. فقال سعيد: رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)كان أقوى منك، قد كان يقصّر ويفطر .
وعن الزهري قال: كان الفطر آخر الأمرين من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، وإنّما يؤخذ من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بالآخر .
وعن عبدالرحمن بن عوف عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه قال: الصائم في السفر في رمضان كالمفطر في الحضر .
وعن محمّد بن علي بن أبي طالب أنّ أباه كان ينهى عن صيام رمضان في السفر... الخ(260).وعلى أي حال فإنّ الأخبار متواترة في وجوب الإفطار على المسافر في شهر رمضان وحسبنا حجة لذلك قوله تعالى: (وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَر فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّام أُخَرَ)(261).قال سيدنا شرف الدين: فإنّ في الآية دلالة على وجوب الإفطار من وجوه: أحدها: أنّ الأمر بالصوم في الآية إنّما هو متوجه للحاضر دون المسافر، ولفظه كما تراه: فمن شهد منكم الشهر ـ أي حضر في الشهر ـ فليصمه وإذاً فالمسافر غير مأمور، فصومه إدخال في الدين ما ليس من الدين تكلّفاً وابتداعاً.ثانيها: أنّ المفهوم من قوله تعالى: فمن شهد منكم الشهر فليصمه؛ أي من لم يحضر في الشهر لا يجب عليه الصوم، ومفهوم الشرط حجة كما هو مقرر في اُصول الفقه، وإذاً فالآية تدلّ على عدم وجوب الصوم في السفر بكلّ منطوقها ومفهومها. ثالثها: أنّ قوله عز وجل: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)تقديره فعليه عدة من أيام أخر، هذا إن قرأت الآية برفع عدة، وإن قرأتها بالنصب كان التقدير فليصم عدة من أيام أخر، وهذا يقتضي وجوب إفطار السفر إذ لا قائل بالجمع بين الصوم والقضاء على أنّ الجمع ينافي اليسر المدلول عليه بالآية .رابعاً: قوله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) واليسر هنا إنّما هو الإفطار، كما أنّ العُسر هنا ليس إلاّ الصوم، وإذاً فمعنى الآية يريد الله منكم الإفطار ولا يريد منكم الصوم(262) .
الجمع بين الصلاتين
لا خلاف بين المسلمين في جواز الجمع بعرفة وقت الظهر بين الفريضتين: الظهر والعصر، كما لا خلاف بينهم في جواز الجمع في المزدلفة وقت العشاء للحجاج بين الفريضتين: المغرب والعشاء .
واختلفوا فيما عدى ذلك فمنهم من جوّز الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء تقديماً وتأخيراً بعذر السفر عند مالك والشافعي وأحمد .
أما أبو حنيفة فمنع من ذلك وقال: لا يجوز الجمع بين الصلاتين بعذر السفر بحال .
قال في الغنية: ولا يجوز الجمع عندنا ـ الحنفية ـ بين صلاتين في وقت واحد، سوى الظهر والعصر بعرفة، والمغرب والعشاء بمزدلفة وعند الثلاثة يجوز الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في وقت واحد بعذر السفر أو المطر، تقديماً أو تأخيراً، بأن يصلي المتقدمة في وقت المتأخرة(263).
أما عذر المطر فقد أجاز الشافعي الجمع بين الصلاتين تقديماً في وقت الاُولى منهما.
قال أبو إسحاق الشيرازي: ويجوز الجمع بين الصلاتين في المطر لما روى ابن عباس(رضي الله عنه) قال: صلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) الظهر والعصر والمغرب والعشاء جمعاً من غير خوف ولا سفر، قال مالك: أرى ذلك في وقت المطر... الخ(264).وحديث ابن عباس ـ الذي سيأتي ـ لا حجة لهم في جعل المطر مسوّغاً للجمع بل هو مطلق؛ وإنّما كان رأي مالك أن يكون الجمع لعلة المطر، والحديث كماترى دليل لمن يقول بجواز الجمع مطلقاً؛ لأنّ تعليل ابن عباس لذلك هو أنّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أراد أن لا يحرج اُمته(265).قال ابن المنذر: لا معنى لحمل الأثر على عذر من الأعذار، لأنّ ابن عباس أخبر بالعلة وهو قوله: أراد أن لا يحرج اُمته .
مع أنّ مالك بن أنس لم يجز الجمع بين الظهر والعصر بعذر المطر، وقد اختلف أصحابه في ذلك فقال أشهب: أحبّ إليّ أن لا يجمع بين الظهر والعصر في سفر ولا حضر إلاّ بعرفة .
وقد روي عن ابن قاسم في المجموعة ما يقرب من قول أبي حنيفة أنّه قال: من جمع بين المغرب والعشاء في الحضر لغير عذر مرض أعاد العشاء أبداً(266). وكذلك روي عن مالك كراهية جمع الظهر والعصر بضرورة المطر أو أنّه لا يجوزه كما تقدّم .
وأحمد يوافق مالك في جواز الجمع بين العشائين فقط لعذر المطر، لا بين الظهر والعصر سواء قوي المطر أو ضعف إذا كان المطر يبل الثوب ويوجد معه مشقّة، وكذلك يجوز للوحل وريح باردة شديدة في ليلة مظلمة(267).قال النووي في شرح صحيح مسلم: ـ بعد ذكر أخبار الجمع ـ وأمّا حديث ابن عباس فلم يجمعوا على ترك العمل به بل لهم أقوال :
منهم من تأوّله على أنّه(صلى الله عليه وآله وسلم) جمع بعذر المطر، وهذا مشهور عن كبار المتقدمين وهو ضعيف بالرواية الاُخرى: من غير خوف ولا مطر .
ومنهم من تأوّله على أنّه كان في غيم فصلى الظهر ثم انكشف الغيم، وبان وقت العصر دخل فصلاها. وهذا أيضاً باطل، لأنّه وإن كان في أدنى احتمال في الظهر والعصر، لا احتمال فيه في المغرب والعشاء.
ومنهم من تأوله على تأخير الأولى إلى آخر وقتها، فلما فرغ منها دخلت الثانية فصلاها فصارت صلاته صورة جمع، وهذا أيضاً ضعيف أو باطل؛ لأنّه مخالف للظاهر مخالفة لا تحتمل، وفعل ابن عباس الذي ذكرناه حين خطب، واستدلاله بالحديث لتصويب فعله، وتصديق أبي هريرة له، وعدم إنكاره صريح في رد هذا التأويل .
ومنهم من قال: هو محمول على الجمع بعذر المرض أو نحوه ممّا هو في معناه عن الأعذار، وهذا قول أحمد بن حنبل والقاضي حسين من أصحابنا واختاره الخطّابي والمتولي والروياتي من أصحابنا وهو المختار في تأويله لظاهر الحديث، ولفعل ابن عباس، وموافقة أبي هريرة، ولأنّ المشقة فيه أشد من المطر .
وذهب جماعة من الأئمة إلى جواز الجمع في الحضر للحاجة لمن لا يتخذه عادة، وهو قول ابن سيرين، وأشهب من أصحاب مالك، وحكاه الخطابي عن القفال، عن أبي إسحاق المروزي، عن جماعة من أصحاب الحديث، واختاره ابن المنذر ويؤيّده ظاهر قول ابن عباس: أراد أن لا يحرج اُمته. فلم يعلله بمرض ولا غيره والله أعلم(268).وقال أشهب: إنّ للمقيم رخصة الجمع بين الصلاتين لغير عذر المطر ولا مرض .
قال الباجي: وهذا هو قول ابن سيرين(269).وقال الفخر الرازي ـ في تفسير قوله تعالى: (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ الَّيْلِ) ـ بعد أن فسّر الدلوك والغسق ـ ما هذا لفظه: فإن فسرنا الغسق بظهور أول الظلمة كان الغسق عبارة عن أول المغرب وعلى هذا التقدير يكون المذكور في الآية ثلاثة أوقات: وقت الزوال ووقت المغرب ووقت الفجر، وهذا يقتضي أن يكون الزوال وقتاً للظهر والعصر، فيكون هذا الوقت مشتركاً بين الصلاتين، وأن يكون أول المغرب وقتاً للمغرب والعشاء، فيكون هذا الوقت مشتركاً أيضاً بين هاتين الصلاتين فهذا يقتضي جواز الجمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء مطلقاً، إلاّ أنّه دل الدليل على أنّ الجمع في الحضر من غير عذر لا يجوز فوجب؛ أن يكون الجمع في السفر وعذر المطر وغيره(270).
وقال البغوي: حمل الدلوك على الزوال أولى القولين لكثرة القائلين به؛ ولأنّا إذا حملنا عليه كانت الآية جامعة لمواقيت الصلاة كلّها، فدلوك الشمس يتناول صلاة الظهر والعصر، وإلى غسق الليل يتناول المغرب والعشاء وقرآن الفجر هو صلاة الصبح(271) .
الأخبار
أخرج مسلم عن أنس قال: كان النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) إذا أراد أن يجمع بين الصلاتين في السفر أخّر الظهر حتى يدخل وقت العصر، ثم يجمع بينهما .
وأخرج عن ابن شهاب عن أنس: أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) إذا عجّل به السفر يؤخر الظهر إلى أول وقت العصر، فيجمع بينهما، ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء حين يغيب الشفق(272).وأخرج البخاري عن أنس بن مالك قال: كان النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) يجمع بين صلاة المغرب والعشاء في السفر(273).
وأخرج مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: صلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)الظهر والعصر جميعاً، والمغرب والعشاء جميعاً، من غير خوف ولا سفر.
وأخرج أيضاً عن سعيد بن جبير عن ابن عباس بلفظ: صلى رسول الله(صلى الله عليه وآله)الظهر والعصر جميعاً في المدينة من غير خوف ولا سفر، وأخرجه مالك في الموطأ.
قال أبو الزبير فسأل سعيداً لم فعل ذلك؟ فقال سعيد: سألت ابن عباس كما سألتني فقال: أراد أن لا يحرج أحداً من اُمته(274).
وأخرج عن معاذ قال: خرجنا مع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في غزوة تبوك فكان يصلي الظهر والعصر جميعاً، والمغرب والعشاء جميعاً. وعن عامر بن واثلة ـ أبو الطفيل ـ : حدثنا معاذ بن جبل قال جمع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في غزوة تبوك بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء(275).قال أبو الطفيل: فقلت له ما حمله على ذلك؟ فقال: أراد أن لا يحرج اُمته .
وأخرج عن ابن عباس قال: صليت مع النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ثمانياً جميعاً وسبعاً جميعاً .
وأخرج مالك بن أنس عن أبي هريرة: أن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) كان يجمع بين الظهر والعصر في سفره إلى تبوك(276).وأخرج مالك عن معاذ بن جبل: أنّهم خرجوا مع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) عام تبوك فكان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يجمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء قال: فأخر الصلاة يوماً، ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعاً: ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعاً(277).
وأخرج أبو داود عن جابر: أن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) غابت له الشمس بمكة فجمع بينهما بسرف(278) وهو موضع قريب من مكة.
وأخرج مسلم عن جابر بن زيد عن ابن عباس: أن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) صلى بالمدينة سبعاً وثمانياً: الظهر والعصر، والمغرب والعشاء(279).وعن عبدالله بن شقيق قال: خطبنا ابن عباس يوماً بعد العصر حتى غربت الشمس، وبدت النجوم، وجعل الناس يقولون: الصلاة الصلاة. قال فجاء رجل لا يفتر ولا ينثني فقال: الصلاة الصلاة. فقال ابن عباس: أتعلمني بالسنة؟ لا اُم لك! ثم قال: رأيت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء .
وقال عبدالله بن شقيق فحاك من ذلك في صدري شيء فأتيت أبا هريرة فسألته فصدّق مقالته(280).وفي رواية اُخرى قال رجل لابن عباس: الصلاة فسكت ثم قال: الصلاة فسكت، ثم قال: الصلاة، فسكت، ثم قال ابن عباس: لا أم لك! أتعلمنا بالصلاة؟ كنا نجمع بين الصلاتين على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، أخرجه مسلم من طريق عبدالله بن شقيق(281).وأخرج البخاري عن سهل بن حنيف قال سمعت أبا اُمامة يقول: صلينا مع عمر بن عبدالعزيز الظهر ثم خرجنا حتى دخلنا على أنس بن مالك فوجدناه يصلي العصر، فقلت: يا عم ما هذه الصلاة التي صليت؟ قال: العصر، وهذه صلاة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) التي كنا نصلي معه(282).وأخرج ابن جرير عن ابن عمر قال: خرج علينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فكان يؤخر الظهر، ويعجّل العصر، فيجمع بينهما، ويؤخر المغرب ويعجل العشاء، ويجمع بينهما(283).
وعن أبي الشعثاء: أنّ ابن عباس صلّى بالبصرة الظهر والعصر ليس بينهما شيء، والمغرب والعشاء ليس بينهما شيء فعل ذلك من شغل(284).
* * *
هذه الآثار تدلّ بصراحة على جواز الجمع بين الصلاتين وأنّه مشروع، وعلة تشريعه هي التوسعة على الاُمة وعدم إحراجها بسبب التفريق.
وهذه الآثار منها ما يدل على الجواز في السفر، ومنها ما هو مطلق لا يختص بمورد، وهذا يدلّ على ما نقوله؛ وأنّ تأويلها على خلاف ذلك أو حملها على شيء غيره أمر لا يتفق مع الواقع، وقد تقدّم ذلك فيما ذكره النووي .
والأحاديث الواردة في جواز الجمع متفق على صحتها، ولزوم الأخذ بها وإن كان البخاري قد أهمل الكثير منها، فذلك لا يضر بعد أن كان تخريجها صلاة المسافر على شرطه .
وكيف كان فإنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) شرّع ذلك لئلاّ يحرج اُمته، كما نطقت به الأخبار السابقة وورد ذلك عن أهل البيت(عليهم السلام).
قال الإمام الصادق(عليه السلام): إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين، وجمع بين المغرب والعشاء في الحضر من غير علة بأذان واحد وإقامتين .
وعنه(عليه السلام) قال: إن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) صلى الظهر والعصر في مكان واحد من غير علة ولا سفر، فقال له عمر: أحدث في الصلاة شيء؟ قال(صلى الله عليه وآله وسلم): لا، ولكن أردت أن أوسّع على اُمتي.
وعنه(عليه السلام) قال: صلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بالناس الظهر والعصر حين زالت الشمس في جماعة من غير علة، وصلى بهم المغرب والعشاء الآخرة قبل سقوط الشفق من غير علة في جماعة، وإنّما فعل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ليتسع الوقت على اُمته(285) إلى غير ذلك من الأخبار الواردة في هذا الباب .
* * *
وعلى أيّ حال فإنّ المتتبع المنصف لا يجد دليلاً على منع الجمع في الحضر من غير عذر، وإنّما كان هناك تأويلات وظنون، أو حمل للأخبار على غير مؤداها.
وقد جمع النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في حال العذر كما جمع في حال عدمه؛ لئلا يحرج أمته. وقد وردت عنه(صلى الله عليه وآله وسلم) سنة صحيحة صريحة، ونطق الكتاب به كقوله تعالى: (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ الَّليْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً)(286) كما تقدم بيانه في كلمة الرازي السابقة وعليه جمع من المفسرين.
وقد أخذ الشيعة بتلك النصوص الصريحة فجوزوا الجمع، ووافقهم جمع من علماء المسلمين، ولا خلاف بينهم بأنّ التفريق أفضل .
والذي يظهر من مجموع الأقوال وموارد الخلاف أنّ المراد بالجمع بين الصلاتين هو إيقاعهما في وقت واحد تقديماً أو تأخيراً من غير وقوع شيء بينهما من نافلة وأوراد مستحبة .
وإذا نظرنا بعين الواقع فإنّ عمل أكثر الشيعة يقع على جهة التفريق من حيث الالتزام بالنوافل، وأداء المستحبات، وبذلك تقع الصلاة في وقت الفضيلة، ويحصل التفريق. وسنوضّح ذلك إن شاء الله في بيان أوقات الصلاة في الأبحاث الفقهية المستقلة عن هذا الكتاب .
* * *
ولنقف عند هذا الحد من البحث في موضوع الفقه؛ لأنّنا قد آثرنا أن نبرز كتاباً مستقلاً في الفقه الإسلامي، ونستعرض فيه آراء علماء المذاهب الإسلامية في جميع أبواب الفقه، من عبادات، ومعاملات وغير ذلك. ولعل ما نقوم به في البحث حول موضوع الفقه الإسلامي، والتعرّض لآراء علماء المذاهب هو أعظم خدمة للاُمة الإسلامية، من حيث التقارب والتفاهم في أمر لا بدّ وأن يكشف الخلاف حوله للوقوف على الحقيقة التي احتجبت وراء سحب النعرات الطائفية وحملات المعادين للشيعة ممّن هدد منهج الشيعة مصالحهم وأغراضهم.
ولا أقول بأنّ ما قمت به الآن أو أقوم به فيما بعد ـ إن شاء الله ـ قد انفردت به: أو إنني السابق لسد تلك الثغرة، بل أنا أحد من ساهم في هذه الخدمة، وقد سبق إلى ذلك رجالنا من علماء الدين، ممن لهم السبق في معالجة مشاكل الخلافات الطائفية، وممن أوقفوا أنفسهم لخدمة المسلمين، فألّفوا كتباً في الفقه المقارن قديماً وحديثاً.
ونحن نأمل أن يتّسع هذا المجال وأن لا يستغل الفقه لطائفة دون اُخرى وان يدرس هذا الموضوع بعناية خاصة، بجميع نواحيه؛ لنصل إلى نتائج مثمرة، تعود على الاُمة بالنفع الكثير من حيث التقارب والتفاهم، وأن يعطي الدارس لنفسه حرية الرأي، والابتعاد عن نزعات الطائفية، ومرديات التعصب.
* * *
وإنّ الفقه الشيعي الذي يستند إلى كتاب الله وسنة رسوله، ويستمد من ينبوع أهل البيت الذين هم عدل القرآن، وورثة صاحب الرسالة، قد أهمله كثير من الكتّاب غير المنصفين، ومنهم من حكم عليه بأحكام خاطئة، مما يدل على الجهل الناشئ من عدم الاطلاع على مصادر الفقه الشيعي، أو الاكتفاء بالاطلاع على مصادر خصومهم، من دون تحري الصدق فيما يجدونه في كتب الخصوم، تحرياً دقيقاً يوصلهم إلى الحقيقة ذاتها.
* * *
وقد تعرضنا فيما سبق إلى بعض الأحكام الجائرة التي حكموا بها على الشيعة، سواء في عقائدهم، أو فقههم، ممّا لا يستند إلى أدلة أو شواهد نقلية جديرة بالثقة، وقد تداول بعض الناس ذلك دون أن يسائلوا أنفسهم عن صحتها أو خطئها.
وما الفائدة من التجافي عن العدل وإغفال الأمانة وإهمال روابط الأخاء فليس عن ضعف يصدر القول منّا في إهمال أو إغفال الفقه الشيعي، فكل ما يتصل بالشيعة فقهاً وتاريخاً واجه ما هو أعظم من الإهمال والإغفال، فليس وراء الحرب واستهداف القضاء على وجود الشيعة من قِبَل الحكام والمتسلطين وسيلة أشد وأبلغ، وكلنا ندعو ـ رعاية للعلم وحرصاً على عطاء اُمة الإسلام ـ شباب المسلمين أن يلقوا نظرة على الفقه الشيعي ويحكموا بأنفسهم على ما تضمّه اُصولهم ومصادرهم، وأن ينزعوا قيود التقليد والتأثر بمواقف آخرين وقعوا في فخ التفرقة والتعصب دون أن يدركوا ماذا يعني إهمال ثروة من العلم وكنوز من المعرفة وذخيرة من الحِكَم تنبع كلها من ينبوع الرسالة. فلقد كان رجال الشيعة أسبق الناس عملاً لنصرة الحقّ وحرية العقول والحضّ على العطاء.
ونأمل أن لا تكون خطوة وحيدة لا اُخت لها تلك التي أقدمت عليها حكومة مصر، فأخذت من الفقه الجعفري أحكاماً وأدخلتها في قانون الأحوال الشخصية، كما أن طبع كتاب المختصر النافع وهو من كتب فقه الشيعة، من قبل وزارة الأوقاف المصرية يحيي الأمل في إدانة سياسة الحكّام الأقدمين الذين سنّوا سنّة سيئة بمحاربتهم الفقه الشيعي.
ولا تعجب إذا قلت إن شيخ السلفية والتعصب أخذ ببعض آراء الشيعة وأحكامهم، ويبدو أنها كانت باردة وعي قصيرة الأمد.
* * *
ولعلّ في هذا البيان من ذكر اختلاف الآراء وكثرة الأقوال التي تعرضنا لها في الموضوع يسهّل على من يستوعبها أن يتبين انحراف من صوّر الفقه الشيعي في غير صورته الواقعية، وأبرزه على خلاف أغراضه ومبانيه، وما ذلك إلاّ من جرّاء التعصّب الأعمى .
ولسنا نشك بأنّ الحقيقة ستنكشف على نحو لا يقبل الدجل والتمويه، وذلك لما نلمسه من الوعي الاسلامي، والشعور المتزايد بوجوب تدارك خطر الفرقة، وأضرار التعصّب الطائفي، وأنّ ذلك الركام الذي حجب الحقيقة أخذ ينهار يوماً بعد آخر، ويندك ساعة بعد ساعة.
إنّ تلك الأقوال التي أطلقها أصحابها حول الشيعة من دون قيد أو شرط لم تكن صادرة عن تفكير وتدبر، بل أطلقها متحيز غير منصف، أو جامد لا يتمتع بحرية الرأي بل هو آلة صماء تتحرك في حيز محدود من غير أن يكون لها دافع أو ضابط من عقل، وذوق سليم .
ولا أشكّ بأن أكثر المنحرفين عن الواقع قد سلكوا في أبحاثهم طريق التقليد للمستشرقين الذين هم دعاة الفرقة، وخدمة الاستعمار وأبطال معركة الخلاف، وهم كما يقول الدكتور أبو الوفاء التفتازاني:
وكان من بين العوامل التي أدّت إلى عدم إنصاف الشيعة أيضاً أن الاستعمار الغربي أراد في عصرنا هذا أن يوسع هوة الخلاف بين السنة والشيعة، وبذلك تصاب الاُمة الإسلامية بداء الفرقة والانقسام، فأوحى إلى بعض المستشرقين من رجاله بتوخي هذا الغرض باسم البحث الأكاديمي الحر، وممّا يؤسف له أشد الأسف أن بعض الباحثين من المسلمين في العصر الحاضر تابع اُولئك المستشرقين في آرائهم دون أن يتفطن إلى حقيقة مراميهم(287).وقد تعرضت في الجزء الخامس لبعض ما يتعلق بآراء بعض المستشرقين ونواياهم السيئة ولهذا آثرت أن أعود ـ والعود أحمد ـ إلى البحث عن نهجهم في دراساتهم لأنّهم قد دسّوا السمّ بالعسل، ولقّنوا كثيراً من كتّابنا ما يكدر صفو الأخوة الإسلامية .
أهمّ المراجع
إنّ الكتب الفقهية التي اعتمدنا عليها في نقل الأقوال ـ في هذا الجزء وفي الجزء الخامس ـ كثيرة لا يمكن حصرها ونحن نشير إلى الأهم منها :
1 ـ المهذب لأبي إسحاق الشيرازي الشافعي ـ مطبعة الحلبي .
2 ـ شرح موطأ مالك للزرقاني ـ مطبعة الاستقامة .
3 ـ شرح موطأ مالك للقاضي أبي الوليد الباجي ـ مطبعة السعادة .
4 ـ غنية المتملي شرح منية المصلي لإبراهيم الحلبي الحنفي ـ طبع استانبول.
5 ـ الهداية للشيخ علي الفرغاني الحنفي ـ مطبعة الحلبي .
6 ـ بدائع الصنائع لعلاء الدين أبي بكر الكاساني ـ مطبعة شركة المطبوعات العلمية سنة (1327 ـ 1328 هـ ).
7 ـ حاشية ابن عابدين الطبعة الاُولى .
8 ـ بداية المجتهد لابن رشد القرطبي المالكي ـ مطبعة الاستقامة بالقاهرة سنة 1371 هـ.
9 ـ المغني لابن قدامة الطبعة الثالثة ـ مطبعة دار المنار سنة 1367هـ
10 ـ أحكام القرآن لأبي بكر بن العربي ـ مطبعة الحلبي 1376هـ
11 ـ المبسوط لشمس الدين السرخسي ـ مطبعة السعادة سنة 1324هـ
12 ـ شرح صحيح مسلم للنووي ـ مطبعة حجازي بالقاهرة .
13 ـ شرح العشماوية ـ المطبعة العلمية سنة 1316هـ
14 ـ زوائد الكافي والمحرر على المقنع لعبدالرحمن بن عيدان الحنبلي المطبوع بدمشق .
15 ـ مختصر خليل في الفقه المالكي ـ مطبعة محمد علي صبيح سنة 1346هـ
16 ـ ضوء الشمس للسيد محمّد أبي الهدى الرفاعي الحنفي المطبوع سنة 1301 هـ.
17 ـ نيل الأوطار لمحمّد بن علي الشوكاني ـ الطبعة الأولى سنة 1357 هـ.
18 ـ المحلى لعلي بن حزم الأندلسي ـ إدارة الطباعة المنيرية بمصر .
19 ـ غاية المنتهى للشيخ مرعي بن يوسف الحنبلي ـ مطبعة دار السلام بدمشق .
20 ـ التنقيح المشبع في تحرير أحكام المقنع لعلاء الدين علي بن سليمان المرداوي الحنبلي ـ المطبعة السلفية .
21 ـ الروض الندي في شرح كافي المبتدي لمفتي الحنابلة بدمشق أحمد ابن عبدالله البعلي ـ المطبعة السلفية .
22 ـ السراج الوهاج في شرح متن المنهاج للشيخ محمّد الزهري طبع مصر سنة 1352 هـ.
23 ـ مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج شرح الشيخ محمّد الشربيني الشافعي ـ مطبعة مصطفى البابي 1377 هـ .
24 ـ نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج لأحمد بن حمزة الرملي الشهير بالشافعي الصغير ـ مطبعة الحلبي 1357 هـ.
25 ـ الجوهر النقي في الرد على البيهقي لعلاء الدين علي بن عثمان بن إبراهيم المارديني الشهير بابن التركمان الحنفي .
26 ـ شرح المواهب اللدنية لمحمد بن عبدالباقي الزرقاني .
27 ـ الهادي أو عمدة الحازم في المسائل الزوائد عن مختصر أبي القاسم لابن قدامة .
وغيرها من كتب الحديث والفقه كالصحاح وكتب السنن مما لا يسعنا ذكره كمدونة مالك، والاُم للشافعي، ومختصر المزني، والمجموع للنووي والوجيز للغزالي وشرحه، ومنهاج الطالبين وما يتعلق به من شروح، وملتقى الأبحر، ومراقي الفلاح وغير ذلك، وقد أشرنا للبعض منها في هامش الصفحات .المصادر الشيعية
أما مصادرنا في البحث عن فقه الشيعة فهي من الكثرة بمكان لا يمكن عدها هنا، ولكن أهمها هي:
1 ـ شرائع الإسلام: للشيخ المحقق أبي القاسم الحلي المتوفى سنة 676 هـ.
2 ـ المعتبر له رحمه الله، طبع إيران .
3 ـ المختصر النافع: له، طبع مصر نشرته وزارة الأوقاف بمصر .
4 ـ الخلاف: لشيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي المتوفى سنة 460 هـ.
5 ـ الانتصار: لعلم الهدى الشريف المرتضى المتوفى سنة 436 هـ .
6 ـ كشف الغطاء: للشيخ الأكبر الشيخ جعفر الكبير المتوفى سنة 1228 هـ .
7 ـ وسائل الشيعة: للمحدث الشهير الحر العاملي المتوفى سنة 1104(288).8 ـ جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام: للشيخ المحقق الشيخ محمّد حسن النجفي المتوفى سنة 1266 هـ(289).9 ـ الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة: للفقيه المحدث الشيخ يوسف البحراني المتوفى سنة 1186 هـ(290).10 ـ تذكرة الفقهاء: للشيخ جمال الدين الشهير بالعّلامة الحلي المتوفى سنة 726 هـ(291).
11 ـ تبصرة المتعلمين: له، تغمده الله برحمته .
12 ـ اللمعة الدمشقية: للشهيد الأول وشرحها للشهيد الثاني المتوفى سنة 786هـ.
13ـ الوسيلة: لعماد الدين محمّد بن علي بن محمّد بن حمزة الطوسي من أعيان القرن الخامس .
14 ـ رياض المسائل في بيان الأحكام بالدلائل: للحجة السيد علي الطباطبائي طبع إيران .
15 ـ نكت النهاية: لأبي القاسم جعفر بن سعيد الحلي .
16 ـ مستمسك العروة الوثقى: للإمام الحكيم دام ظله .
17 ـ منهاج الصالحين: له أيضاً .
18 ـ الغنية: لعز الدين حمزة بن علي بن زهرة الحلبي ـ طبع إيران .
19 ـ النهاية: لشيخ الطائفة أبي جعفر الطوسي ـ طبع إيران .
وغير هذه الكتب التي لا نستطيع تعدادها الآن .
(1) انظر المغني في الفقه الحنبلي ج 1 ص 466.
(2) انظر المهذب ج 1 ص 70.
(3) تذكرة الفقهاء ج 3 ص 106 مسألة 204.
(4) أسهل المدارك ج 1 ص 119.
(5) كتاب الاُم ج 1 ص 99 ـ 100 المهذب للشيرازي ج 1 ص 77 الوجيز ج 1 ص 40.
(6) انظر المبسوط للسرخسي ص1 ـ 10.
(7) غنية المتملي 127.
(8) المغني 1 ـ 469.
(9) البيّنة 5.
(10) الخلاف ج 1 ص 312 مسألة 61.
(11) تذكرة الفقهاء ج 3 ص 111 مسألة 208.
(12) شرح الموطأ للباجي ج 1 ص 142.
(13) المغني لابن قدامة ج 1 ص 460.
(14) المصدر السابق.
(15) انظر غرر الحكام في شرح در الأحكام للقاضي محمد بن فراموز الحنفي ج 1 ص 66.
(16) غنية المتملي ص 128.
(17) الفقه على المذاهب الأربعة ومذهب أهل البيت ج1 ص322، صفحة تكبيرة الاحرام.
(18) المغني لابن قدامة ج 1 ص 506، سنن أبي داود ج 1 ص 224 ح 856 .
(19) المغني ج 1 ص 460.
(20) تذكرة الفقهاء ج 3 ص 111 مسألة 208.
(21) غنية المتملي 128.
(22) شرح الموطأ للباجي ص1 ـ 146.
(23) شرح الموطأ للباجي ص1 ـ 146.
(24) المغني لابن قدامة 1 ـ 461.
(25) كتاب الاُم ص1 ـ 101.
(26) التهذيب ج 2 ص 143 ح 557.
(27) ذكرى الشيعة ج 3 ص 258.
(28) نيل الأوطار ج 2 ص 198.
(29) شرح صحيح مسلم للنووي ج4 ص95.
(30) التهذيب ج 2 ص 75 ح 279.
(31) نيل الأوطار ج 2 ص 158 ـ 159.
(32) انظر مراقي الفلاح ص 76.
(33) ذكرى الشيعة ج 3 ص 271.
(34) شرح الموطأ لابن الباجي 1 ـ 242.
(35) انظر مغني المحتاج للشربيني 1 ـ 155.
(36) الغنية ـ 131.
(37) الحديث أخرجه البخاري وأبوداود والنسائي وهو قوله(صلى الله عليه وآله) ـ لعمران بن حصين ـ صلِّ قائماً فإن لم تستطع فقاعداً فإن لم تستطع فعلى جنب وزاد النسائي فإن لم تستطع فمستلقي.
(38) المغني لابن قدامة 2 ـ 146.
(39) تذكرة الفقهاء ج 3 ص 128 مسألة 218.
(40) بداية المجتهد ج 1 ص 126 بلغة السالك ج 1 ص 112.
(41) كتاب الاُم ج 1 ص 107 فتح العزيز ج 3 ص 308.
(42) المغني لابن قدامة ج 1 ص 520 مغني المحتاج ج 1 ص 156.
(43) المغني لابن قدامة ج1 ص 476.
(44) صحيح البخاري ج 1 ص 192.
(45) صحيح مسلم ج 1 ص 295 ح 394.
(46) مثل سنن ابن ماجة ج 1 ص 273 ح 837.
(47) سنن النساني ج 2 ص 137، سنن الدار قطني ج 1 ص 321، سنن أبي داود ج 1 ص 214ح 821.
(48) نيل الأوطار ج2 ص214.
(49) المزمل: 20.
(50) الهداية ج1 ص 36.
(51) نيل الأوطار ج2 ص214.
(52) انظر الغنية ص137 و 138.
(53) انظر الغنية ص137 ـ 138.
(54) ذكرى الشيعة ج3 ص302 ـ 305.
(55) انظرالمهذب ج1 ص73، والمغني لابن قدامة ج1 ص487.
(56) المبسوط ج1 ص37.
(57) انظر المبسوط ج1 ص234.
(58) الهداية ج1 ص30.
(59) ذكرى الشيعة ج3 ص297 و 304.
(60) كتاب الاُم ج14 ص107، ومختصر المزني ص14.
(61) نيل الأوطار ج 2 ص 224.
(62) العدة ج2 ص410.
(63) أحكام القرآن لابن العربي ج 1 ص 2 ـ 3.
(64) المنتقى ج1 ص151.
(65) المجموع ج 3 ص 342، نيل الأوطار ج 2 ص 224.
(66) سنن الدار قطني ج 1 ص 249 ح 1187.
(67) نيل الأوطار ج 1 ص 223.
(68) انظر سبل السلام في شرح بلوغ المرام للكحلاني ج1 ص182.
(69) العدة للسيد محمد بن اسماعيل الصنعاني ج1 ص410.
(70) صحيح البخاري ج 4 ص 1925 ح 4759.
(71) صحيح الترمذي ج2 ص 14 ح 245.
(72) انظر نيل الأوطار ج2 ص200.
(73) انظر كتاب الأم ج1 ص108.
(74) انظر المغني لابن قدامة ج1 ص478 تعليقة.
(75) ذكرى الشيعة ج 3 ص 371 ـ 372.
(76) الغنية ص139.
(77) الرحمة في اختلاف الأئمة لعبد الرحمن الدمشقي ج1 ص45.
(78) بدائع الصنائع ج1 ص162.
(79) بداية المجتهد ج1 ص135 حلية العلماء ج2 ص99.
(80) بدائع الصنائع ج1 ص75.
(81) تذكرة الفقهاء ج 3 ص 169 ـ 170.
(82) المهذب ج1 ص75.
(83) المغني لابن قدامة ج 1 ص 542.
(84) نيل الأوطار ج 2 ص 273.
(85) نيل الأوطار ج 2 ص 273.
(86) الواقعة: 74.
(87) المغني لابن قدامة ج 1 ص 542، مسند أحمد ج 4 ص 155.
(88) سنن أبي داود ج 1 ص 232 ح 886، سنن ابن ماجة ج 2 ص 158 ح 890.
(89) المغني لابن قدامة ج1 ص501.
(90) نيل الأوطار ج2 ص245.
(91) المغني ج1 ص502.
(92) المجموع للنووي ج3 ص424.
(93) المجموع ج3 ص400، المغني لابن قدامة ج 1 ص 555، نيل الأوطار ج 2 ص 288.
(94) الغنية ص140.
(95) صحيح البخاري ج 1 ص 206، صحيح مسلم ج 1 ص 354 ح 490، سنن ابن ماجةج 1 ص 286 ح 883.
(96) صحيح مسلم ج2 ص52، باب أعضاء السجود باختلاف يسير، سنن ابن ماجةج1 ص286، ح885، سنن الترمذي ج1 ص170 ح271، سنن النسائي ج2 ص210، السنن الكبرى للبيهقي ج2 ص101، سنن أبيداود ج1 ص204 ح892 ، نيل الأوطار ج2 ص286، كتاب الاُم للشافعي ج1 ص136.
(97) التهذيب ج 2 ص 299 ح 1204.
(98) سنن البيهقي ج 2 ص 437 ح 2708.
(99) المغني لابن قدامة ج1 ص517.
(100) الاختيار لتعليل المختار ج1 ص50.
(101) تذكرة الفقهاء ج 3 ص 204 مسألة 275.
(102) المجموع ج3 ص426.
(103) شرح صحيح مسلم ج5 ص37.
(104) طبقات ابن سعد ج6 ص79 ط 2.
(105) انظر ج5 ص281 من هذا الكتاب.
(106) ذكرى الشيعة ج 3 ص 390.
(107) الوجيز ج 1 ص 44، المغني لابن قدامة ج 1 ص 541.
(108) حلية العلماء ج 2 ص 102، المغني لابن قدامة ج 1 ص 541.
(109) انظر الجزء الخامس من الكتاب ص388.
(110) تذكرة الفقها ج 3 ص 227.
(111) المغني لابن قدامة ج 1 ص 571.
(112) المصدر السابق.
(113) نيل الأوطار ج 2 ص 313.
(114) المغني لابن قدامة ج 1 ص 573.
(115) نيل الأوطار ج 2 ص 313.
(116) صحيح مسلم ج 1 ص 302 ح 403.
(117) صحيح البخاري ج 1 ص 211 ـ 212.
(118) شرح الموطأ للزرقاني ج1 ص188.
(119) رياض المسائل ج 3 ص 241.
(120) نيل الأوطار ج 2 ص 340، المغني لابن قدامة ج 1 ص 588.
(121) بدائع الصنائع ج 1 ص 194، المغني لابن قدامة ج 1 ص 588.
(122) العروة الوثقى ج 1 ص 415.
(123) نيل الأوطار ج 2 ص 333.
(124) مغني المحتاج ج 1 ص 177، القوانين الفقهية ص 68.
(125) تذكرة الفقهاء ج 3 ص 247 مسألة 302.
(126) كفاية الاخيار ج 1 ص 69، فتح العزيز ج 2 ص 520، مغني المحتاج ج 1 ص 177.
(127) الغنية ص144.
(128) انظر ضوء الشمس لأبي الهدى ج1 ص175.
(129) الغنية ص144.
(130) المصدر السابق.
(131) الشرح الكبير ج 1 ص 613 و 614.
(132) الأحزاب: 56.
(133) كتاب الاُم ج1 ص117.
(134) سنن الدار قطني ج 1 ص 355 ح 4.
(135) المهذب ج1 ص79.
(136) انظر عمدة الفقه ص19.
(137) نيل الأوطار ج2 ص285.
(138) المغني لابن قدامة ج1 ص542.
(139) أخرجه الخطيب في تاريخه ج14 ص305.
(140) كشف الغمة للشعراني ج2 ص220.
(141) أخرجه أحمد في مسنده ج 2 ص162 ط 2.
(142) سفر السعادة ص 175.
(143) تقدّم البحث حول آية التطهير في الجزء الأول من هذا الكتاب ص114.
(144) تذكرة الفقهاء ج 3 ص 265 مسألة 315.
(145) مراقي الفلاح ص 94.
(146) نهاية المحتاج ج 1 ص 546 ـ 553.
(147) أسهل المدارك ج 1 ص 119 ـ 127.
(148) بلغة السالك ج 1 ص 211 ـ 216.
(149) الكافي في فقه الإمام أحمد ج 1 ص 263.
(150) العروة الوثقى ج 1 ص 528.
(151) المجموع ج 4 ص 80 ـ 81 ، الوجيز ج 1 ص 49، كفاية الأخيار ج 1 ص 60 و 67، أسهل المدارك ج 1 ص175.
(152) المبسوط للسرخسي ج 1 ص 170 و 171، الكفاية ج 1 ص 345.
(153) مريم: 12.
(154) انظر حاشية ابن عابدين شرح تنوير الأبصار ج1 ص641.
(155) انظر منهاج الطالبين للنووي ص11.
(156) المهذّب ج1 ص88.
(157) انظر مختصر خليل في الفقه المالكي ص 24، والجواهر الزكية في حل ألفاظ العشماوية ص151، والفقه على المذاهب الأربعة ج1 ص222.
(158) الروض الندي ص85 ـ 88 .
(159) تذكرة الفقهاء ج 3 ص 295 مسألة 330.
(160) بدائع الصنائع ج 1 ص 201، عمدة القارئ ج 5 ص 279، المبسوط للسرخسي ج 1 ص 23، رحمة الاُمة ج1 ص 41.
(161) انظر نفس المصادر المتقدّمة.
(162) المجموع للنووي ج3 ص213.
(163) نيل الأوطار ج 2 ص 188.
(164) التهذيب ج 2 ص 84 ح 309 و 310.
(165) تذكرة الفقهاء ج 3 ص 162 مسألة 245.
(166) نيل الأوطار ج 2 ص 223 و 224.
(167) الخلاف ج 1 ص 567 مسألة 319.
(168) المبسوط للسرخسي ج 1 ص 239، اللباب ج 1 ص 107، المجموع ج 4 ص 337.
(169) كتاب الاُم ج 1 ص 179، المجموع ج 4 ص 337.
(170) بداية المجتهد ج 1 ص 161، بدائع الصنائع ج 1 ص 91.
(171) نيل الأوطار ج 3 ص 200.
(172) النساء: 101.
(173) صحيح مسلم ج5 ص196 شرح النووي.
(174) البقرة: 158.
(175) مجمع البيان ج5 ص211 ط بيروت.
(176) مجمع البيان ج3 ص 127.
(177) شرح صحيح مسلم ج5 ص198.
(178) المصدر السابق.
(179) صحيح البخاري ج2 ص51 .
(180) المغني لابن قدامة ج 2 ص 255.
(181) البخاري ج3 ص 51.
(182) المغني لابن قدامة ج 2 ص 270.
(183) صحيح مسلم ج1 ص481، ح691.
(184) صحيح مسلم ج1 ص20.
(185) تيسير الوصول للشيباني ج2 ص286.
(186) انظر صحيح مسلم ج5 ص205 .
(187) سنن النسائي ج 3 ص 117.
(188) المصدر السابق ص204، وصحيح البخاري ج2 ص51.
(189) انظر المحلى لابن حزم ج4 ص265.
(190) أخرجه أبو داود في سننه ج1 ص274، والدارمي ج1 ص354.
(191) سنن الدارمي ج1 ص354.
(192) المصدر السابق.
(193) شرح الموطأ للزرقاني ج1 ص295.
(194) بدائع الصنائع ج1 ص92.
(195) شرح الموطأ للزرقاني ج1 ص442.
(196) شرح موطأ مالك ج1 ص261.
(197) انظر شرح الموطأ للزرقاني ج1 ص442، نيل الأوطار ج 3 ص 240 و 241.
(198) شرح الموطأ ج 1 ص 261.
(199) بدائع الصنائع ج 1 ص 92.
(200) بدائع الصنائع ج1 ص92.
(201) بدائع الصنائع ج 1 ص 92.
(202) كتاب الاُم ج1 ص179.
(203) مختصر المزني ص 24.
(204) انظر المحلّى ج 4 ص 269.
(205) المصدر السابق ص270.
(206) المحلّى ج4 ص271.
(207) المحلى ج4 ص265.
(208) سنن النسائي ج 1 ص 213.
(209) مسند ابي داود ص 209 ج 1492.
(210) النساء 101.
(211) البقرة 158.
(212) فتاوى ابن تيمية ج1 ص122.
(213) بدائع الصنائع ج1 ص93.
(214) المصدر السابق .
(215) الهداية ج1 ص56.
(216) كتاب الاُم ج1 ص182.
(217) شرح مسلم للنووي ج5 ص195.
(218) انظر نهاية المحتاج ج2 ص245.
(219) المهذب ج1 ص102.
(220) موطأ مالك شرح الزرقاني ج1 ص299.
(221) المنتقى ج1 ص292.
(222) المغني لابن قدامة ج2 ص255.
(223) نيل الأوطار ج4 ص205.
(224) غاية المنتهى ج1 ص195.
(225) العروة الوثقى ج 1 ص 680.
(226) العروة الوثقى ج 1 ص 711.
(227) المبسوط للسرخسي ج1 ص236.
(228) شرح الموطأ للزرقاني ج1 ص301.
(229) المحلى ج5 ص23 .
(230) شرح الموطأ لابن الباجي ج1 ص265.
(231) كتاب الاُم ج1 ص186 .
(232) المغني لابن قدامة ج1 ص288 .
(233) نيل الأوطار ج3 ص237 .
(234) انظر نيل الأوطار للشوكاني ج3 ص208 والمغني لابن قدامة الحنبلي ج2 ص288 .
(235) نيل الأوطار ج3 ص237 .
(236) المغني ج2 ص288 .
(237) التهذيب ج3 ص219 ح546 .
(238) المستمسك للإمام الحكيم ج8 ص138 .
(239) التهذيب ج3 ص220 ح551 .
(240) المغني ج1 ص292.
(241) الغنية ص241 .
(242) المهذب للشيرازي ج1 ص103 .
(243) المغني لابن قدامة ج2 ص137 ـ 139 .
(244) العروة الوثقى ج1 ص734 مسألة 26 .
(245) مختصر المزني ص25 .
(246) نهاية المحتاج ج2 ص253 .
(247) المغني لابن قدامة ج1 ص262 .
(248) المغني لابن قدامة ج2 ص103 .
(249) اُنظر بدائع الصنائع ج1 ص93 والهداية ج1 ص57 .
(250) البقرة 185 .
(251) سنن النسائي ج4 ص491 ح2271 .
(252) صحيح مسلم شرح النووي ج7 ص232 .
(253) صحيح البخاري ج3 ص43 .
(254) سنن أبي داود ج1 ص560 .
(255) تيسير الوصول للشيباني ج2 ص337 .
(256) صحيح مسلم ج7 ص130 .
(257) انظر نيل الأوطار ج4 ص223 .
(258) تذكرة الفقهاء ج6 ص151 مسألة 93 .
(259) نيل الأوطار ج4 ص223 .
(260) انظر المحلى ج5 ص256 ـ 258 ذكرنا هذه الأخبار بحذف الإسناد اختصاراً .
(261) البقرة 185 .
(262) انظر مسائل فقهية ص51 ـ 52 .
(263) غنية المتملي ص244 .
(264) الذخيرة في فروع المالكية ج2 ص199 .
(265) انظر الجوهر النقي في الرد على البيهقي ج1 ص226 .
(266) شرح الموطأ للباجي ج1 ص257 .
(267) الروض الندي ص111 .
(268) شرح النووي لصحيح مسلم ج5 ص218 ـ 219 .
(269) شرح موطأ مالك ج1 ص255 .
(270) التفسير الكبير ص21 ـ 22 .
(271) معالم التنزيل بهامش تفسير الخازن ج4 ص141 .
(272) صحيح مسلم ج5 ص114 ـ 215 شرح النووي .
(273) صحيح البخاري ج2 ص55 .
(274) صحيح مسلم ج5 ص215 شرح النووي .
(275) صحيح مسلم ج5 ص216 .
(276) موطأ مالك ج1 ص291 شرح الزرقاني .
(277) شرح الموطأ للزرقاني ج1 ص291 .
(278) سنن أبي داود ج1 ص277.
(279) صحيح مسلم ج5 ص217 .
(280) صحيح مسلم ج5 ص217 .
(281) المصدر السابق ص218 .
(282) البخاري ج1 ص137 .
(283) نيل الأوطار ج3 ص217 .
(284) شرح الموطأ للزرقاني ج1 ص294 .
(285) انظر الوسائل ج5 ص277 طبع مصر.
(286) الإسراء 78.
(287) انظر مقدمة وسائل الشيعة ج3 طبع مصر .
(288) يقع الكتاب في أكثر من عشرين مجلداً وقد اُعيد طبعه في مصر ولم ينته .
(289) يقع في أكثر من أربعين مجلداً وقد اُعيد طبعه في النجف الأشرف ـ مطبعة النجف .
(290) يقع في أكثر من عشرين مجلداً وقد اُعيد طبعه في النجف الأشرف ـ مطبعة النجف .
(291) طبع في إيران في مجلدين واُعيد طبعه في النجف في عدة أجزاء ـ مطبعة النجف .