اَللَّهُمَّ اِنّي اَحْمَدُكَ وَاَنْتَ لِلْحَمْدِ اَهْلٌ عَلى حُسْنِ صُنْعِكَ اِلَيَّ، وَتَعَطُّفِكَ عَلَيَّ وَعَلى ما وَصَلْتَني بِهِ مِنْ نُورِكَ، وَتَدارَكْتَني بِهِ مِنْ رَحْمَتِكَ،
وَاَسْبَغْتَ (1) عَلَيَّ مِنْ نِعْمَتِكَ. فَقَدِ اصْطَنَعْتَ عِنْدي يا مَوْلاىَ ما يَحِقُّ لَكَ بِهِ جُهْدي وَشُكْري لِحُسْنِ عَفْوِكَ وَبَلاءِكَ الْقَديمِ عِنْدي وَتَظاهُرِ نَعْمائِكَ
عَلَيَّ، وَتَتابُعِ اَياديكَ لَدَىَّ، لَمْ اَبْلُغْ اِحْرازَ حَظّي وَلا صَلاحَ نَفْسي. وَلكِنَّكَ يا مَوْلاىَ، قَدْ بَدَأْتَني اَوَّلاً بِاِحْسانِكَ، فَهَدَيْتَني لِدينِكَ،
وَعَرَّفْتَني نَفْسَكَ، وَثَبَّتَّني في اُمُوري كُلِّها بِالْكِفايَةِ وَالصُّنْعِ لي، فَصَرَفْتَ عَنّي جُهْدَ الْبَلاءِ، وَمَنَعْتَ مِنّي مَحْذُورَ الْقَضاءِ، فَلَسْتُ اَذْكُرُ مِنْكَ اِلاَّ
جَميلاً، وَلَمَ اَرَ مِنْكَ اِلاَّ تَفْضيلاً. يا اِلهي كَمْ مِنْ بَلاءٍ وَجُهْدٍ صَرَفْتَهُ عَنّي وَاَرَيْتَنيهِ في غَيْري، وَكَمْ مِنْ نِعْمَةٍ اَقْرَرْتَ بِها عَيْني، وَكَمْ مِنْ
صَنيعَةٍ شَريفَةٍ لَكَ عِنْدي، اِلهي اَنْتَ الَّذي تُجيبُ عِنْدَ الْاِضْطِرارِ دَعْوَتي، وَاَنْتَ الَّذي تُنَفِّسُ عِنْدَ الْغُمُومِ كُرْبَتي، وَاَنْتَ الَّذي تَأْخُذُ لي مِنَ الْاَعْداءِ
بِظُلامَتي (2). فَما وَجَدْتُكَ وَلا أَجِدُكَ بَعيداً مِنّي حينَ اَدْعُوكَ (3)، وَلا مُنْقَبِضاً عَنّي حينَ اَسْأَلُكَ، وَلا مُعْرِضاً عَنّي حينَ اَدْعُوكَ. فَاَنْتَ اِلهي اَجِدُ
صَنيعَكَ عِنْدي مَحْمُوداً، وَحُسْنَ بَلائِكَ عِنْدي مَوْجُوداً، وَجَميعَ اَفْعالِكَ (4) عِنْدي جَميلاً، يَحْمَدُكَ لِساني وَعَقْلي وَجَوارِحي وَجَميعُ ما اَقَلَّتِ الْاَرْضُ مِنّي. يا
مَوْلاىَ اَسْأَلُكَ بِنُورِكَ الَّذِي اشْتَقَقْتَهُ مِنْ عَظَمَتِكَ الَّتِي اشْتَقَقْتَها مِنْ مَشِيَّتِكَ، وَاَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذي عَلا اَنْ تَمُنَّ عَلَيَّ بِواجِبِ شُكْري نِعْمَتَكَ،
رَبِّ ما اَحْرَصَني عَلى ما زَهَّدْتَني فيهِ وَحَثَثْتَني عَلَيْهِ وَاِنْ لَمْ تُعِنّي عَلى دُنْياىَ بِزُهْدي وَعَلى اخِرَتي بِتَقْواىَ هَلَكْتُ. رَبّي دَعَتْني دَواعِي الدُّنْيا مِنْ
حَرْثِ النِّساءِ وَالْبَنينَ، فَاَجَبْتُها سَريعاً، وَرَكَنْتُ اِلَيْها طائِعاً، وَدَعَتْني دَواعِي الْاخِرَةِ مِنَ الزُّهْدِ وَالْاِجْتِهادِ، فَكَبَوْتُ (5) لَها وَلَمْ اُسارِعْ اِلَيْها
مُسارَعَتي اِلَى الْحُطامِ الْهامِدِ، وَالْهَشيمِ الْبائِدِ (6)، وَالسَّرابِ الذَّاهِبِ عَنْ قَليلٍ. رَبِّ خَوَّفْتَني وَشَوَّقْتَني، وَاحْتَجَجْتَ عَلَيَّ، فَما خِفْتُكَ حَقَّ خَوْفِكَ،
وَاَخافُ اَنْ اَكُونَ قَدْ تَثَبَّطْتُ (7) عَنِ السَّعْىِ لَكَ وَتَهاوَنْتُ بِشَيْءٍ مِنِ احْتِجابِكَ. اَللَّهُمَّ فَاجْعَلْ في هذِهِ الدُّنْيا سَعْيي لَكَ وَفي طاعَتِكَ، وَامْلَأْ
قَلْبي خَوْفَكَ، وَحَوِّلْ تَثْبيطي وَتَهاوُني وَتَفْريطي وَكُلَّما اَخافُهُ مِنْ نَفْسي فَرَقاً مِنْكَ وَصَبْراً عَلى طاعَتِكَ وَعَمَلاً بِهِ، يا ذَا الْجَلالِ وَالْاِكْرامِ، وَاجْعَلْ جُنَّتي
مِنَ الْخَطايا حَصينَةً وَحَسَناتي مُضاعَفَةً، فَاِنَّكَ تُضاعِفُ لِمَنْ تَشاءُ. اَللَّهُمَّ اجْعَلْ دَرَجاتي فِي الْجِنانِ رَفيعَةً، وَاَعُوذُ بِكَ رَبّي مِنْ رَفيعِ الْمَطْعَمِ
وَالْمَشْرَبِ، وَاَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ ما اَعْلَمُ وَمِنْ شَرِّ ما لا اَعْلَمُ، وَاَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفَواحِشِ كُلِّها ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ، وَاَعُوذُ بِكَ يا رَبِّ اَنْ اَشْتَرِيَ
الْجَهْلَ بِالْعِلْمِ، كَمَا اشْتَرى غَيْري، اَوِ السَّفَهَ بِالْحِلْمِ، اَوِ الْجَزَعَ بِالصَّبْرِ، اَوِ الضَّلالَةَ بِالْهُدى، اَوِ الْكُفْرَ بِالْايمانِ. يا رَبِّ مُنَّ عَلَيَّ
بِذلِكَ، فَاِنَّكَ تَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ، وَلا تُضيعُ اَجْرَ الْمُحْسِنِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
*******
المصدر: الصحيفة العلوية
(1) اسبغ: اتمّ ووسّع.
(2) الظلامة والظليمة والمظلمة: ما تطلبه عند المظالم.
(3) اريدك (خ ل).
(4) فعلك (خ ل).
(5) كبا يكبو: سقط لوجهه.
(6) باد الشيء يبيد: هلك.
(7) تثبّطت عنه: قعدت وشغلت عنه.