الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي لَهُ في كُلِّ نَفَسٍ مِنَ الْاَنْفاسِ وخَطْرَةٍ مِنَ الْخَطَراتِ مِنَّا مِنَنٌ لا تُحْصى، وفي كُلِّ لَحْظَةٍ مِنَ اللَّحَظاتِ نِعَمٌ لا تُنْسى، وفي كُلِّ حالٍ مِنَ
الْحالاتِ عائِدَةٌ لا تَخْفى. وَسُبْحَانَ اللَّهِ الَّذي يَقْهَرُ الْقَوِيَّ ويَنْصُرُ الضَّعيفَ، ويَجْبُرُ الْكَسيرَ، ويُغْنِي الْفَقيرَ، ويَقْبَلُ الْيَسيرَ، ويُعْطِي الْكَثيرَ،
وهُوَعَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، ولا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ السَّابِغُ (1) النِّعْمَةِ، الْبالِغُ الْحِكْمَةِ، الدَّامِغُ الْحُجَّةِ، الْواسِعُ الرَّحْمَةِ، المانِعُ الْعِصْمَةِ. وَاللَّهُ
اَكْبَرُ، ذُو السُّلْطانِ الْمَنيعِ والْبُنْيانِ الرَّفيعِ، والْاِنْشاءِ الْبَديعِ والْحِسابِ السَّريعِ، وصَلَّى اللَّهُ عَلى مُحَمَّدٍ خَيْرِ النَّبِيّينَ والِهِ الطَّاهِرينَ وسَلَّمَ تَسْليماً.
اَللَّهُمَّ اِنّي اَسْأَلُكَ سُؤالَ الْخائِفِ مِنْ وَقْفَةِ الْمَوْقِفِ، الْوَجِلِ مِنَ الْعَرْضِ، الْمُشْفِقِ مِنَ الْحِسابِ، الْخَشْيَةِ لِبَوائِقِ (2)الْقِيامَةِ، الْمَأْخُوذِ
عَلَى الْغِرَّةِ (3)، النّادِمِ عَلَى الْخَطيئَةِ، الْمَسْؤُولِ الْمُحاسَبِ الْمُثابِ الْمُعاقَبِ، الَّذي لَمْ يُكِنَّهُ (4) عَنْكَ مكانٌ، ولا وَجَدَ مَفَرّاً اِلاَّ اِلَيْكَ، مُتَنَصِّلاً (5)
مُلْتَجِأً مِنْ سَيِّىءِ عَمَلِهِ، مُقِرّاً بِعَظيمِ ذُنُوبِهِ. قَدْ اَحاطَتْ بِه الْهُمُومُ، وضاقَتْ عَلَيْهِ رَحائِبُ التُّخُومِ (6)، مُوقِنٌ بِالْمَوْتِ، مُبادِرٌ بِالتَّوبَةِ قَبْلَ
الْفَوْتِ، اِنْ مَنَنْتَ بِها عَلَيْهِ وعَفَوْتَ عَنْهُ، فَاَنْتَ اِلهي رَجائي اِذْ ضاقَ عَنِّي الرَّجاءُ، ومَلْجَأي اِذْ لَمْ اَجِدْ فِناءً ِلْاِلْتِجاءِ، تَوَحَّدْتَ سَيِّدي بِالْعِزَّ
والْعَلاءِ، وتَفَرَّدْتَ بِالْوَحْدانِيَّةِ والْبَقاءِ. واَنْتَ الْمُتَعَزِّزُ الْمُتَفَرِّدُ بِالْمَجْدِ (7)، فَلَكَ رَبّي الْحَمْدُ. لا يُواري مِنْكَ مَكانٌ، ولا يُغَيِّرُكَ
دَهْرٌ ولا زَمانٌ (8)، اَلَّفْتَ بِلُطْفِكَ الْفِرَقَ وفَلَقْتَ بِقُدْرَتِكَ الْفَلَقَ، واَنَرْتَ بِكَرَمِكَ دَياجِيَ الْغَسَقِ، واَجْرَيْتَ الْمِياهَ مِنَ الصُّمِّ الصَّياخيدِ (9) عَذْباً
واُجاجاً، واَنْهَرْتَ مِنَ الْمُعْصِرَاتِ (10) مَاء ثَجَّاجًا، وجَعَلْتَ الشَّمْسَ لِلْبَرِيَّةِ سِرَاجًا وَهَّاجًا، والْقَمَرَ والنُجُومَ اَبْراجاً، مِنْ غَيْرِ اَنْ تُمارِسَ فيمَا ابْتَدَأْتَ
لُغُوباً ولا عِلاجاً. وَاَنْتَ اِلهُ كُلِّ شَيْءٍ وخالِقُهُ، وجَبَّارُ كُلِّ مَخْلُوقٍ ورازِقُهُ، فَالْعَزيزُ مَنْ اَعْزَزْتَ، والذَّليلُ مَنْ اَذْلَلْتَ، والسَّعيدُ مَنْ اَسْعَدْتَ،
والشَّقِيُّ مَنْ اَشْقَيْتَ، والْغَنِيٌّ مَنْ اَغْنَيْتَ، والْفَقيرُ مَنْ اَفْقَرْتَ. اَنْتَ وَلِييّ ومَوْلايَ، وعَلَيْكَ رِزْقي، وبِيَدِكَ ناصِيَتي، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ والِ
مُحَمَّدٍ وافْعَلْ بي ما اَنْتَ اَهْلُهُ، وعُدْ بِفَضْلِكَ عَلى عَبْدٍ قَدْ غَمَرَهُ جَهْلُهُ، واسْتَوْلى عَلَيْهِ التَّسْويفُ حَتَّى سالَمَ الْاَيَّامَ فَارْتَكَبَ الْمَحارِمَ والْاثامَ.
وَاجْعَلْني سَيِّدي عَبْداً يَفْزَعُ اِلَى التَّوْبَةِ فَاِنَّها مَفْزَعُ الْمُذْنِبينَ، واَغْنِني بِجُودِكَ الْواسِعِ عَنِ الْمَخْلُوقينَ، ولا تُحْوِجْني اِلى شِرارِ الْعَالَمِينَ،
وهَبْ لي عَفْوَكَ في مَوْقِفِ يَوْمِ الدِّينِ، فَاِنَّكَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ واَجْوَدُ الْاَجْوَدينَ واَكْرَمُ الْاَكْرَمينَ. يا مَنْ لَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى والْاَمْثالُ الْعُلْيا،
وجَبَّارُ السَّماواتِ والْاَرَضينَ، اِلَيْكَ قَصَدْتُ راجِياً، فَلا تَرُدَّ (11) يَدي عَنْ سَنِيِّ مَواهِبِكَ صِفْراً (12)، اِنَّكَ جَوادٌ مِفْضالٌ، يا رَؤُوفاً بِالْعِبادِ، ومَنْ هُوَ لَهُمْ
بِالْمِرْصادِ. اَسْأَلُكَ اَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ والِ مُحَمَّدٍ واَنْ تُجْزِلَ ثَوابي وتُحْسِنَ مَابي، وتَسْتُرَ عُيُوبي، وتَغْفِرَ ذُنُوبي، وتُنْقِذَني مَوْلايَ بِفَضْلِكَ
مِنْ أَليمِ الْعَذابِ (13)، اِنَّكَ جَوادٌ كَريمٌ وَهَابٌ، فَقَدْ اَلْقَتْنِي السَّيِّئاتُ والْحَسَناتُ بَيْنَ ثَوابٍ وعِقابٍ. وَقَدْ رَجْوتُ (14) أَنْ تَكُونَ بِلُطْفِكَ تَتَغَمَّدُ
عَبْدَكَ الْمُقِرَّ بِفَوادِحِ (15) الْعُيُوبِ، الْمُعْتَرِفَ بِفَضائِحِ الذُّنُوبِ، وتَصْفَحَ بِجُودِكَ وكَرَمِكَ يا غافِرَ الذُّنُوبِ عَنْ زَلَلِهِ، فَلَيْسَ لي سَيِّدي رَبٌّ اَرْتَجيهِ
غَيْرُكَ، ولا اِلهٌ اَسْأَلُهُ جَبْرَ فاقَتي ومَسْكَنَتي سِواكَ، فَلا تَرُدَّني مِنْكَ بِالْخَيْبَةِ يا مُقيلَ الْعَثَراتِ وكاشِفَ الْكُرُباتِ. اِلهي فَسُرَّني فَاِنّي لَسْتُ بِاَوَّلِ
مَنْ سَرَرْتَهُ (16) يا وَلِيَّ النِّعَمِ، وشَديدَ النِّقَمِ، ودائِمَ الْمَجْدِ والْكَرَمِ، واخْصُصْني مِنْكَ بِمَغْفِرَةٍ لا يُقارِنُها شَقاءٌ، وسَعادَةٍ لا يُدانيها اَذىً، واَلْهِمْني تُقاكَ
ومَحَبَّتَكَ، وجَنِّبْني مُوبقاتِ مَعْصِيَتِكَ، ولا تَجْعَلْ للِنَّارِ عَلَيَّ سُلْطاناً، اِنَّكَ اَهْلُ التَّقْوى واَهْلُ الْمَغْفِرَةِ، وقَدْ دَعَوْتُكَ كَما اَمَرْتَني وتَكَفَّلْتَ
بِالْاِجابَةِ، فَلا تُخَيِّبْ سائِلَكَ، ولا تَخْذُلْ طالِبَكَ، ولا تَرُدَّ امِلَكَ، يا خَيْرَ مَأْمُولٍ. وَاَسْأَلُكَ بِرَأْفَتِكَ ورَحْمَتِكَ وفَرْدانِيَّتِكَ ورُبُوبِيَّتِكَ، يا مَنْ عَلَى
كُلِّ (17) شَيْءٍ قَدِيرٌ، وبِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ، فَاكْفِني ما اَهَمَّني مِنْ اَمْرِ دُنْيايَ وآخِرتي فَإِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء، لَطِيفٌ لِّمَا تَشاءُ، واَدْرِجْني دَرَجَ مَنْ اَوْجَبْتَ
لَهُ حُلُولَ دارِ كَرامَتِكَ مَعَ اَصْفِيائِكَ واَهْلِ اخْتِصاصِكَ بِجَزيلِ مَواهِبِكَ في دَرَجاتِ جَنَّاتِكَ، مَعَ الَّذينَ اَنْعَمْتَ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ
وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا. وَمَا افْتَرَضْتَ عَلَيَّ يا اِلهي فَاحْتَمِلْهُ عَنّي اِلى مَنْ اَوْجَبْتَ حُقُوقَهُ مِنَ الْاباءِ واْلاُمَّهاتِ واْلاِخْوَةِ
واْلاَخَواتِ، واغْفِرْ لي ولَهُمْ مَعَ الْمُؤْمِنينَ والْمُؤْمِناتِ اِنَّكَ قَرِيبٌ مُّجِيبٌ، واسِعُ الْبَرَكاتِ، وذلِكَ عَلَيْكَ يَسيرٌ يا اَرْحَمَ الرَّاحِمينَ، وصَلَّى اللَّهُ عَلى مُحَمَّدٍ
النَّبِيِّ والِهِ وسَلَّمَ تَسْليماً.
*******
المصدر: الصحيفة العلوية
(1) شيء سابغ: كامل واف.
(2) في البحار: المستعيذ من بوائق القيامة.
(3) الغرّة: الغفلة.
(4) كننت الشيء: سترته.
(5) تنصّل فلان من ذنبه: تبرّء.
(6) الرحب: السعة، رحائب التخوم: سعة اقطار الارض.
(7) ومتعزّز الفرد المتعادل ذوالمجد (خ ل).
(8) ولا يغيّرك زمان (خ ل).
(9) الصمّ جمع اصمّ: هو الشيء الصلب المصمت، الصياخيد جمع الصيخود، وهي الصخرة العظيمة الصلبة الـّتي لا تحرّك من مكانها ولا يعمل فيها حديد.
(10) انهرت: اجريت، المعصرات: السحائب التي حان لها ان تمطر.
(11) تردّني (خ ل).
(12) السنيّ: الرفيع، المواهب جمع الموهبة: العطايا، صفراً: خالياً.
(13) العقاب (خ ل).
(14) رجوتك (خ ل).
(15) الفوادح جمع الفادحة: هو الشيء الثقيل.
(16) كاشف الكربات واسترني فانّـي لست باوّل من سترته (خ ل).
(17) انـّك على كلّ (خ ل).