اَللَّهُمَّ يا مَنْ بِرَحْمَتِهِ يَسْتَغيثُ الْمُذْنِبُونَ، ويا مَنْ اِلى اِحْسانِهِ يَفْزَعُ الْمُضْطَرُّونَ، ويا مَنْ لِخيفَتِهِ يَنْتَحِبُ (1) الْخاطِئُونَ. يا اُنْسَ كُلِّ
مُسْتَوْحِشٍ غَريبٍ، يا فَرَجَ كُلِّ مَكْرُوبٍ كَئيبٍ (2)، يا عَوْنَ كُلِّ مَخْذُولٍ فَريدٍ، يا عاضِدَ (3) كُلِّ مُحْتاجٍ طَريدٍ. اَنْتَ الَّذي وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وعِلْماً،
واَنْتَ الَّذي جَعَلْتَ لِكُلِّ مَخْلُوقٍ في نِعْمَتِكَ سَهْماً، واَنْتَ الَّذي عَفْوُهُ اَعْلى مِنْ عِقابِهِ، واَنْتَ الَّذي رَحْمَتُهُ اَمامَ غَضَبِهِ، واَنْتَ الَّذي اِعْطاؤُهُ اَكْبَرُ مِنْ
مَنْعِهِ. وَاَنْتَ الَّذي وَسِعَ الْخَلائِقَ كُلَّهُمْ بِعَفْوِهِ، واَنْتَ الَّذي يَرْغَبُ في غِنى مَنْ اَعْطاهُ، واَنْتَ الَّذي لا يَفْرُطُ (4) في عِقابِ مَنْ عَصاهُ. واَنَا يا
سَيِّدي عَبْدُكَ الَّذي اَمَرْتَهُ بِالدُّعاءِ فَقالَ: لَبَّيْكَ وسَعَدَيْكَ، واَنَا يا سَيِّدي عَبْدُكَ الَّذي اَوْقَرَتِ (5) الْخَطايا ظَهْرَهُ، واَنَا الَّذي اَفْنَتِ الذُّنُوبُ عُمْرَهُ،
واَنَا الَّذي بِجَهْلِهِ عَصاكَ، ولَمْ يَكُنْ اَهْلاً مِنْهُ لِذلِكَ. فَهَلْ اَنْتَ يا مَوْلايَ راحِمٌ مَنْ دَعاكَ فَاَجْتَهِدَ فِي الدُّعاءِ، اَمْ اَنْتَ غافِرٌ لِمَنْ بَكى لَكَ،
فَاُسْرِعَ فِي الْبُكاءِ، اَمْ اَنْتَ مُتَجاوِزٌ عَمَّنْ عَفَّرَ لَكَ (6) وَجْهَهُ تَذَلُّلاً، اَمْ اَنْتَ مُغْنٍ مَنْ شَكا اِلَيْكَ فَقْرَهُ تَوَكُّلاً. اَللَّهُمَّ فَلاتُخَيِّبْ مَنْ لا
يَجِدُ مُعْطِياً غَيْرَكَ، ولا تَخْذُلْ مَنْ لا يَسْتَغْني عَنْكَ بِاَحَدٍ دُونَكَ. اَللَّهُمَّ لا تُعْرِضْ عَنّي وقَدْ اَقْبَلْتُ عَلَيْكَ، ولا تَحْرِمْني وقَدْ رَغِبْتُ اِلَيْكَ، ولا
تَجْبَهْني (7) بِالرَّدِّ وقَدِ انْتَصَبْتُ بَيْنَ يَدَيْكَ.
اَنْتَ الَّذي وَصَفْتَ نَفْسَكَ بِالرَّحْمَةِ، واَنْتَ الَّذي سَمَّيْتَ نَفْسَكَ بِالْعَفْوِ، فَارْحَمْني واعْفُ عَنّي، فَقَدْ تَرى يا سَيِّدي فَيْضَ دُمُوعي مِنْ خيفَتِكَ، ووَجيبَ (8)
قَلْبي مِنْ خَشْيَتِكَ وانْتِفاضَ جَوارِحي مِنْ هَيْبَتِكَ، كُلُّ ذلِكَ حَياءً مِنْكَ بِسُوءِ عَمَلي، وخَجَلاً مِنْكَ لِكَثْرَةِ ذُنُوبي، قَدْ كَلَّ لِساني عَنْ مُناجاتِكَ وخَمَدَ (9) صَوْتي عَنِ
الْجَأْرِ (10) اِلَيْكَ. يا اِلهي فَكُمْ مِنْ عَيْبٍ سَتَرْتَهُ عَلَىَّ فَلَمْ تَفْضَحْني، وكَمْ مِنْ ذَنْبٍ غَطَّيْتَ عَلَىَّ فَلَمْ تَشْهَرْني، وكَمْ مِنْ عائِبَةٍ اَلْمَمْتُ بِها
فَلَمْ تَهْتِكْ عَنّي سِتْرَها، ولَمْ تُقَلِّدْني مَكْرُوهَ شَنارِها (11)، ولَمْ تُبْدِ عَلَىَّ مُحَرَّماتِ سَوْاتِها، فيمَنْ يَلْتَمِسُ مَعايِبي مِنْ جيرَتي وحَسَدَةِ نِعْمَتِكَ عِنْدي، ثُمَّ
لَمْ يَنْهَني ذلِكَ حَتّى صِرْتُ اِلى أَسْوَءِ ما عَهِدْتَ مِنّي. فَمَنْ اَجْهَلُ مِنّي يا سَيِّدي بِرُشْدِكَ، ومَنْ اَغْفَلُ مِنّي عَنْ حَظِّهِ مِنْكَ، ومَنْ اَبْعَدُ مِنّي مِنِ
اسْتِصْلاحِ نَفْسِهِ حينَ اَنْفَقْتُ ما اَجْرَيْتَ عَلَىَّ مِنْ رِزْقِكَ فيما نَهَيْتَني عَنْهُ مِنْ مَعْصِيَتِكَ. ومَنْ اَبْعَدُ غَوْراً (12) فِي الْباطِلِ، واَشَدُّ اِقْداماً عَلَى
السُّوءِ مِنّي حينَ اَقِفُ بَيْنَ دَعْوَتِكَ ودَعْوَةِ الشَّيْطانِ، فَاَتَّبِعُ دَعْوَتَهُ عَلى غَيْرِ عَمىً عَنِ الْمَعْرِفَةِ بِهِ، ولانِسْيانٍ مِنْ حِفْظي لَهُ، واَنَا حينَئِذٍ مُوقِنٌ اَنَّ
مُنْتَهى دَعْوَتِكَ الْجَنَّةُ، ومُنْتَهى دَعْوَتِهِ النَّارُ.
سُبْحانَكَ فَما اَعْجَبَ ما اَشْهَدُ بِهِ عَلى نَفْسي، واُعَدِّدُهُ مِنْ مَكْنُونِ اَمْري، واَعْجَبُ مِنْ ذلِكَ اَناتُكَ (13) عَنّي، واِبْطاؤُكَ عَنْ مُعاجَلَتي، ولَيْسَ ذلِكَ مِنْ كَرَمي
عَلَيْكَ، بَلْ تَأَنِّياً مِنْكَ بي، وتَفَضُّلاً مِنْكَ عَلَىَّ، لِاَنْ اَرْتَدِعَ عَنْ خَطيئَتي، ولِاَنَّ عَفْوَكَ اَحَبُّ اِلَيْكَ مِنْ عُقُوبَتي. بَلْ اَنَا يا اِلهي اَكْثَرُ
ذُنُوباً، واَقْبَحُ اثاراً، واَشْنَعُ اَفْعالاً، واَشَدُّ فِي الْباطِلِ تَهَوُّراً (14)، واَضْعَفُ عِنْدَ طاعَتِكَ تَيَقُّظاً، واَغْفَلُ بِوَعيدِكَ انْتِباهاً، مِنْ اَنْ اُحْصِيَ لَكَ عُيُوبي،
واَقْدِرَ عَلى تَعْديدِ ذُنُوبي. وَاِنَّما اُوَبِّخُ بِهذا نَفْسي طَمَعاً في رَأْفَتِكَ الَّتي بِها صَلاحُ اَمْرِ الْمُذْنِبينَ، ورَجاءً لِعِصْمَتِكَ الَّتي بِها فَكاكُ رِقابِ
الْخاطِئينَ. اَللَّهُمَّ وهذِهِ رَقَبَتي قَدْ اَرَقَّتْهَا (15) الذُّنُوبُ فَاَعْتِقْها بِعَفْوِكَ، وقَدْ اَثْقَلَتْهَا الْخَطايا، فَخَفِّفْ عَنْها بِمَنِّكْ.
اَللَّهُمَّ اِنّي لَوْ بَكَيْتُ حَتّى تَسْقُطَ اَشْفارُ (16) عَيْنَىَّ، وانْتَحَبْتُ حَتّى يَنْقَطِعَ صَوْتي، وقُمْتُ لَكَ حَتّى تَتَنَشَّرَ (17)قَدَماىَ، ورَكَعْتُ لَكَ حَتّى يَنْخَلِعَ
صُلْبي، وسَجَدْتُ لَكَ حَتّى تَتَفَقَّأَ حَدَقَتاىَ، واَكَلْتُ التُّرابَ طُولَ عُمْري، وشَرِبْتُ ماءَ الرَّمادِ اخِرَ دَهْري وذَكَرْتُكَ في خِلالِ ذلِكَ حَتّى يَكِلَّ
لِساني. ثُمَّ لَمْ اَرْفَعْ طَرْفي اِلى افاقِ السَّماءِ اِسْتِحْياءً مِنْكَ لَمَا اسْتَوْجَبْتُ بِذلِكَ مَحْوَ سَيِّئَةٍ واحِدَةٍ مِنْ سَيِّئاتي، فَاِنْ كُنْتَ تَغْفِرُ لي
بِالْاِسْتِحْقاقِ، ولا اَنَا اَهْلٌ لَهُ عَلَى الْاِسْتيجابِ اِذْ كانَ جَزائي مِنْكَ مِنْ اَوَّلِ ما عَصَيْتُكَ النَّارَ، فَاِنْ تُعَذِّبْني فَاِنَّكَ غَيْرُ ظالِمٍ. اِلهي فَاِنْ
تَغَمَّدْتَني (18) بِسِتْرِكَ فَلَمْ تَفْضَحْني، واَمْهَلْتَني بِكَرَمِكَ فَلَمْ تُعاجِلْني، وحَلُمْتَ عَنّي بِتَفَضُّلِكَ فَلَمْ تُغَيِّرْ نِعَمَكَ عَلَىَّ ولَمْ تُكَدِّرْ مَعْرُوفَكَ عِنْدي،
فَارْحَمْ طُولَ تَضَرُّعي، وشِدَّةَ مَسْكَنَتي (19)، وسُوءَ مَوْقِفي. اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ والِ مُحَمَّدٍ، واَنْقِذْني مِنَ الْمَعاصي، واسْتَعْمِلْني بِالطَّاعَةِ،
وارْزُقْني حُسْنَ الْاِنابَةِ، وطَهِّرْني بِالتَّوْبَةِ واَيِّدْني بِالْعِصْمَةِ، واسْتَصْلِحْني بِالْعافِيَهِ، وارْزُقْني حَلاوَةَ الْمَغْفِرَةِ واجْعَلْني طَليقَ عَفْوِكَ. وَاكْتُبْ
لي اَماناً مِنْ سَخَطِكَ وبَشِّرْني بِذلِكَ فِي الْعاجِلِ دُونَ الْاجِلِ بُشْرىً اَعْرِفُها، وعَرِّفْني لَهُ عَلامَةً اَتَبَيَّنُها، اِنَّ ذلِكَ لا يَضيقُ عَلَيْكَ في وُسْعِكَ ولا يَتَكَأَّدُكَ
(20) في قُدْرَتِكَ، واَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
*******
المصدر: الصحيفة العلوية
(1) ينتحب: الطبع والدنس.
(2) مكروب كئيب: مهموم حزين.
(3) عاضد: معين.
(4) يفرط: يسرف.
(5) اوقرت: اثقلت.
(6) عفـّر: مرّغ وجهه في التراب.
(7) تجبهني: تستقبلني.
(8) الوجيب: الخفقان والاضطراب.
(9) خمد: سكن.
(10) الجأر: رفع الصوت والاستغاثة.
(11) شنارها: عارها.
(12) غوراً: عمقاً.
(13) اناتك: حلمك.
(14) التهّور: الوقوع في الشيء بقلّة مبالات.
(15) ارقـّتها: ملكتها.
(16) الشفر: اصل منبت شعر الجفن.
(17) تنتشر: تنتفخ.
(18) تغمّدتني: غمرتني.
(19) مسكنتي: خضوعي وذلّي.
(20) يتكأدك: يشقّ عليك.