الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي هَداني لِلْاِسْلامِ وَاَكْرَمَني بِالْايمانِ، وَبَصَّرَني فِي الدّينِ، وَشَرَّفَني بِالْيَقينِ، وَعَرَّفَنِي الْحَقَّ الَّذي عَنْهُيُؤْفَكُونَ (1)، وَالنَّبَإِ
الْعَظِيمِ، الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ. وَسُبْحَانَ اللَّهِ الَّذي يَرْزُقُ الْقاسِطَ وَالْعادِلَ، وَالْعاقِلَ وَالْجاهِلَ، وَيَرْحَمُ السَّاهِيَ وَالْغافِلَ، فَكَيْفَ الدَّاعِيَ
السَّائِلَ، وَلا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ اللَّطيفُ بِمَنْ شَرَدَ عَنْهُ مِنْ مُسْرِفي عِبادِهِ لِيَرْجِعَ عَنْ عُتُوِّهِ وَعِنادِهِ، الرَّاضي مِنَ الْمُنيبِ الْمُخْلِصِ بِدُونِ الْوُسْعِ
وَالطَّاقَةِ. وَاللَّهُ اَكْبَرُ، الْحَليمُ الْعَليمُ الَّذي لَهُ في كُلِّ صِنْفٍ مِنْ غَرائِبِ فِطْرَتِهِ وَعَجائِبِ صَنْعَتِهِ ايَةٌ بَيِّنَةٌ تُوجِبُ لَهُ الرُّبُوبِيَّةَ، وَعَلى كُلِّ
نَوْعٍ مِنْ غَوامِضِ تَقْديرِهِ وَحُسْنِ تَدْبيرِهِ دَليلٌ وَاضِحٌ وَشاهِدٌ عَدْلٌ يَقْضِيانِ لَهُ بِالْوَحْدانِيَّةِ. اَللَّهُمَّ اِنّي اَسْأَلُكَ يا مَنْ يَصْرِفُ الْبَلايا،
وَيَعْلَمُ الْخَفايا، وَيُجْزِلُ الْعَطايا، سُؤالَ نادِمٍ عَلَى اقْتِرافِ الْاثامِ، وَسالِمٍ عَلَى الْمَعاصي مِنَ اللَّيالي وَالْاَيَّامِ، اِذْ لَمْ يَجِدْ مُجيراً سِواكَ لِغُفْرانِها، وَلا
مَوْئِلاً يَفْزَعُ اِلَيْهِ لِارْتِجاءِ كَشْفِ فاقَتِهِ اِلاَّ اِيَّاكَ، يا جَليلُ اَنْتَ الَّذي عَمَّ الْخَلائِقَ مَنُّكَ وَغَمَرَتْهُمْ سَعَةُ رَحْمَتِكَ وَسَوَّغْتَهُمْ سَوابِغَ نِعْمَتِكَ
(2). يا كَريمَ الْمَابِ وَالْجَوادُ الْوَهَّابُ وَالْمُنْتَقِمُ مِمَّنْ عَصاهُ بِاَليمِ الْعَذابِ، دَعَوْتُكَ مُقِرّاً بِالْاِساءَةِ عَلى نَفْسي، اِذْ لَمْ اَجِدْ مَلْجَاً اَلْجَأُ اِلَيْهِ
فِي اغْتِفارِ مَا اكْتَسَبْتُ مِنَ الْاثامِ، يا خَيْرَ مَنِ اسْتُدْعِيَ لِبَذْلِ الرَّغائِبِ (3)، وَاَنْجَحَ مَأْمُولٍ لِكَشْفِ اللَّوازِبِ (4)، لَكَ عَنَتِ الْوُجُوهُ فَلاتَرُدَّني مِنْكَ
بِالْحِرْمانِ، اِنَّكَ تَفْعَلُ ما تَشاءُ وَتَحْكُمُ ما تُريدُ. اِلهي وَسَيِّدي وَمَوْلايَ، اَيَّ رَبٍّ اَرْتَجيهِ سِواكَ، اَمْ اَيَّ اِلهٍ اَقْصُدُهُ اِذا اَلَمَّ بِيَ النَّدَمُ،
وَاَحاطَتْ بِيَ الْمَعاصي وَنَكائِبُ (5)خَوْفِ النِّقَمِ، وَاَنْتَ وَلِيُّ الصَّفْحِ وَمَاْوَى الْكَرَمِ، اِلهي اَتُقيمُني مَقامَ التَّهَتُّكِ وَاَنْتَ جَميلُ السِّتْرِ، وَتَسْأَلُني عَنِ
اقْتِرافي عَلى رُؤُوسِ الْأَشْهادِ، وَقَدْ عَلِمْتَ مَخْبِيَّاتِ (6) السِّرِّ. فَاِنْ كُنْتُ يا اِلهي مُسْرِفاً عَلى نَفْسي، مُخْطِئاً عَلَيْها بِانْتِهاكِ الْحُرُماتِ، ناسِياً لِمَا
اجْتَرَمْتُ مِنَ الْهَفَواتِ، فَاَنْتَ لَطيفٌ تَجُودُ عَلَى الْمُسْرِفينَ بِرَحْمَتِكَ وَتَتَفَضَّلُ عَلَى الْخاطِئينَ بِكَرَمِكَ، فَارْحَمْني يا اَرْحَمَ الرَّاحِمينَ. فَاِنَّكَ
تُسَكِّنُ يا اِلهي بِتَحَنُّنِكَ رَوْعاتِ قُلُوبِ الْوَجِلينَ، وَتُحَقِّقُ بِتَطَوُّلِكَ اَمَلٍ الْامِلينَ، وَتُفيضُ سِجالَ (7) عَطاياكَ عَلى غَيْرِ الْمُسْتَاْهِلينَ، فَامِنّي بِرَجاءٍ لا
يَشُوبُهُ قُنُوطٌ وَاَمَلٌ لا يُكَدِّرُهُ يَأْسٌ، يا مُحيطاً بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً، وَقَدْ اَصْبَحْتُ سَيِّدي وَاَمْسَيْتُ عَلى بابٍ مِنْ اَبْوابِ مِنَحِكَ سائِلاً، وَعَنِ التَّعَرُّضِ لِسِواكَ
بِالْمَسْأَلَةِ عادِلاً، وَلَيْسَ مِنْ جَميلِ امْتِنانِكَ رَدُّ سائِلٍ مَأْسُورٍ مَلْهُوفٍ، وَمُضْطَرٍّ لاِنْتِظارِ خَيْرِكَ الْمَأْلُوفِ. اِلهي اَنْتَ الَّذي عَجَزَتِ الْاَوْهامُ عَنِ
الْاِحاطَةِ بِكَ، وَكَلَّتِ الْاَلْسُنُ عَنْ نَعْتِ ذاتِكَ، فَبِالائِكَ وَطَوْلِكَ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَالِ مُحَمَّدٍ وَاغْفِرْ لي ذُنُوبي، وَاَوْسِعْ عَلَيَّ مِنْ فَضْلِكَ الْواسِعِ رِزْقاً
وَاسِعاً حَلالاً طَيِّبًا في عافِيَةٍ، وَاَقِلْنِي الْعَثْرَةَ، يا غايَةَ اَمَلِ الْامِلينَ، وَجَبَّارَ السَّماواتِ وَالْاَرَضينَ، وَالْباقي بَعْدَ فَناءِ الْخَلْقِ اَجْمَعينَ، وَدَيَّانَ يَوْمِ
الدِّينِ. وَاَنْتَ يا مَوْلايَ ثِقَةُ مَنْ لَمْ يَثِقْ بِنَفْسِهِ لِاِفْراطِ خَلَلِهِ (8)، وَاَمَلُ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَاْميلٌ لِكَثْرَةِ زَلَلِهِ، وَرَجاءُ مَنْ لَمْ يَرْتَجِ
لِنَفْسِهِ بِوَسيلَةِ عَمَلِهِ. اِلهي فَاَنْقِذْني بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْمَهالِكِ، وَنَجِنّي يا مَوْلايَ مِنْ ضيقِ الْمَسالِكِ، وَاَحْلِلْني دارَ الْاَخْيارِ، وَاجْعَلْني مِنْ مُرافِقِي
الْاَبْرارِ، وَاغْفِرْلي ذُنُوبَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، يا مُطَّلِعاً عَلَى الْاَسْرارِ، اِحْتَمِلْ عَنّي يا مَوْلايَ اَداءَ مَا افْتَرَضْتَ عَلَيَّ لِلْاباءِ وَالْاُمَّهاتِ، وَالْاِخْوانِ
وَالْاَخَواتِ، بِلُطْفِكَ وَكَرَمِكَ يا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِِ، وَاَشْرِكْنا في دُعاءِ مَنِ اسْتَجَبْتَ لَهُ مِنَالْمُؤْمِنينَ وَالْمُؤْمِناتِ، اِنَّكَ عالِمٌ جَوادٌ كَريمٌ وَهَّابٌ،
وَصَلَّى اللَّهُ عَلى مُحَمَّدٍ وَالِهِ وَسَلَّمَ تَسْليماً.
*******
المصدر: الصحيفة العلوية
(1) افكه: قلبه وَصرفه عن الشيء.
(2) شملتهم سوابغ نعمك (خ ل).
(3) الرغيبة ج الرغائب: الامر المرغوب فيه.
(4) اللوازب: البلايا اللازمة المزمنة.
(5) النكبة: المعصية، نكبة الدهر: بلغ منه او اصابه بنكبة.
(6) المخبيات: المستورات.
(7) سجل فلان على فلان ماء: صبّه عليه، اصل السجل: الصبّ.
(8) حاله (خ ل).