17 - قاعدة تلف المبيع قبل القبض
قاعدة تلف المبيع قبل القبض * ومن القواعد الفقهية المشهورة قاعدة كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه . والكلام فيها من جهات: الجهة الاولى في مستندها وهو أمور الاول: الروايات: منها: الحديث النبوي الشريف المشهور الذي حكاه في المستدرك عن عوالي اللآلي: كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه 1. منها: رواية عقبة بن خالد التي رواها في الوسائل عنه عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل اشترى متاعا من آخر وأوجبه غير أنه ترك المتاع عنده ولم يقبضه، وقال: آتيك غدا إن شاء الله فسرق المتاع من مال من يكون ؟ قال عليه السلام: من مال صاحب
(هامش)
خزائن الاحكام ش 26، بلغة الفقيه ج 1، ص 149، و 209، القواعد ص 105، قواعد فقه ص 189، قواعد فقهية ص 287، القواعد الفقهية (مكارم الشيرازي) ج 4، ص 351، المبادي العامة للفقه الجعفري ص 226 مجله كانون وكلاء العام 2، ش 16، ص 9 - 14، محمد اعتضاد البروجردي. قاعده تلف مبيع قبل از قبض ماجستير، حقوق خصوصي ، محمد رضا قنبري، جامعة طهران. (1) مستدرك الوسائل ج 13، ص 303، أبواب الخيار، باب 9، ح 15430. (*)
المتاع الذي هو في بيته حتى يقبض المتاع ويخرجه من بيته، فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتى يرد ماله إليه 1. ودلالة الحديث الشريف على هذه القاعدة واضحة، من جهة أنها مدلوله المطابقي. وبعبارة أخرى: الحديث نص في هذه القاعدة، إذ مضمونه ومفاده عين هذه القاعدة وليس هناك - حسب قانون المحاورة وبناء العقلاء في مقام الافادة والاستفادة من استكشاف المراد بظواهر الالفاظ والهيئة التركيبية للجملة - احتمال آخر غير هذه القاعدة كي يكون هو المراد. وأما حجية هذا الحديث: فهو وإن كان مرسلا ليس له سند معتبر لكن تلقى الاصحاب له بالقبول واتفاقهم على الفتوى بمضمونه وكون مفاده من المسلمات عندهم يوجب الوثوق بصدوره الذي هو موضوع الحجية، لا كونه خبر عدل أو ثقة. وقد تكلمنا فيه واثبتناه في كتابنا منتهى الاصول في مبحث حجية الخبر 2 فراجع. فإذا كان الحديث الشريف من الجهتين - أي جهة الدلالة والحجية - لا قصور فيه فيثبت به المطلوب وهو اعتبار هذه القاعدة وصحتها. وأما الرواية: فهي أيضا من حيث السند لا احتياج لها إلى البحث عنها لما ذكرنا في الحديث المبارك. وأما من حيث الدلالة فأيضا حالها حال الحديث الشريف لان الحكم في كليهما على المبيع التالف عند البائع قبل أن يقبض المشتري بانه من مال البايع. نعم في الرواية هذا الحكم معنى بالقبض والاخراج من بيته وهذا أمر مسلم لا يوجب فرقا في المقام بل التلف عند البائع قبل قبض المشتري يرجع إلى هذا المعنى بل هو عينه. وعلى كل حال الحكم في كليهما بان التلف من مال البائع فيه احتمالات ثلاث:
(هامش)
(1) وسائل الشيعة ج 2، ص 358، أبواب الخيار، باب 10، ح 1. (2) منتهى الاصول ج 2، ص 112. (*)
أحدها: أن يكون المراد منه أن القبض دخيل في حصول ملكية المبيع للمشتري وإلا فهو باق على ملك البايع، كما أنه كذلك في بيع الصرف فان القبض في المجلس دخيل وشرط لحصول ملكية العوضين وصحة العقد. ولكن هذا الاحتمال معلوم البطلان إجماعا. الثاني: أن تكون يد البائع يد ضمان فيكون الضمان بالمثل أو القيمة كسائر أبواب الغرامات وايدي العادية. ولكن هذا الاحتمال أيضا باطل لان المفروض أن اليد ليست يد ضمان بل أمانة مالكية، وإلا لو كانت اليد يد ضمان أو أتلف البائع أو نفس المشتري مع عدم قبضه - إن لم تكن الاتلاف قبضا - فليس مربوطا بهذه القاعدة، بل في الاول يكون ضمان البائع ضمانا واقعيا بالمثل أو للقيمة وبقاعدة على اليد وفي الثاني أيضا ضمانا واقعيا وبقاعدة الاتلاف وفي الثالث هو أتلف ماله فلا ضمان على البائع بهذه القاعدة لعدم تحقق موضوعها وهو التلف قبل القبض لانه إتلاف من قبل نفس المالك لا التلف عند البائع قبل أن يقبض المشتري. الثالث: انفساخ المعاملة آنا ما قبل التلف ليكون التلف في ملك البائع فيكون معنى الضمان رجوع الثمن إلى ملك المشتري لا الضمان الواقعي. وهذا الاحتمال - أي انفساخ المعاملة آنا ما قبل التلف - لا محذور فيه بعد وجود الدليل عليه أي الملكية آنا ما للبائع من طرف الشارع فان الامر بيده وله نظائر في الشرع. منها: لو باع داره مثلا ببيع الخياري ففسخه وكان فسخه بأن باعها من غير المشتري الاول أو وقفها فبناء على صحة البيع أو الوقف لابد وأن نلتزم بدخوله آنا ما في ملك الفاسخ ثم يتحقق البيع أو الوقف لانه لا بيع إلا في ملك. ومنها: قوله أعتق عبدك عني بناء على صحة العتق ووقوعه عنه بصرف هذا
الكلام وذلك من جهة أنه لا يمكن وقوعه عنه إلا بأن يصير ملكا له آنا ما قبل وقوع العتق عنه. ومنها: فيما إذا اشترى من ينعتق عليه، فلابد من الالتزام بملكية المشتري آنا ما كي يصح البيع فينعتق عليه، وهذا مقتضى الجمع بين دليلي صحة البيع وانعتاقه عليه. ومنها: ما قيل في باب المعاطاة بناء على القول بالاباحة وجواز عتق من اشتراه بالمعاطاة أو وقفه أو تعلق الزكاة والخمس به فان مقتضى الجمع بين أدلة هذه الاقوال هو الالتزام بملكية آناما. والحاصل أنه بعد ورود الدليل على رجوع الثمن إلى المشتري إذا تلف المبيع قبل القبض فلابد من الالتزام بانفساخ العقد ورجوع المبيع إلى ملك البائع آنا ما، فوقوع التلف كان في ملكه. الثاني: الاجماع على هذا الحكم، وقد ادعاه صريحا في التذكرة وحكى أيضا عن جماعة 1 والظاهر عدم الخلاف واتفاق الاصحاب على هذا الحكم. ولكن قد ذكرنا مرارا من أن مثل هذا الاتفاق والاجماع - الذي من المحتمل بل المظنون بالظن القوي أن يكون مدركه الروايات الواردة في هذا الباب أو الاعتماد على ما سنذكره من بناء العقلاء - ليس من الاجماع المصطلح في الاصول الذي بنينا على حجيته. الثالث: بناء العقلاء على انفساخ العقد لو وقع التلف قبل القبض ورجوع الثمن إلى المشتري وذلك من جهة أن العقلاء في باب العقود المعاوضية وان كانوا ينشأون المبادلة بين المالين - بمعنى أنهم في عالم الاعتبار يملكون أحد العوضين لصاحب العوض الآخر - ولكن بعنوان المعاوضية وكون العوض الآخر عوضا وبدلا، وليس من قبيل الهبة تمليكا مجانيا وبلا عوض وبلا بدل، فما دام كل واحد من العوضين باق ويكون قابلا لان يعطي للآخر بدل ماله الذي أخذ منه هذا العقد باق.
(هامش)
(1) تذكرة الفقهاء ج 1، ص 473. (*)
وأما إن سقط عن قابلية الاعطاء أو عن كونه بدلا فقهرا ينفسخ العقد ويرجع ما هو باق إلى صاحبه. والذي وقع عليه التلف وذهب من البين، أو سقط ماليته في عالم الاعتبار - فيما كان ماليته بصرف الاعتبار كالاوراق المالية التي تسقط عن الاعتبار - يذهب من كيس صاحبه أي صاحبه قبل المعاوضة، وهذا من لوازم إنفساخ العقد. ولكن يرد على هذا الدليل أنه بناء عليه يكون الانفساخ في الرتبة المتأخرة من التلف، إذ التلف صار سببا للانفساخ ولازم ذلك أن التلف وقع في ملك من هو صاحبه بعد العقد لا من كان صاحبه قبل العقد، وهو خلاف مفاد القاعدة ومضمونها كما سيأتي في بيان مفاد القاعدة أي في الجهة الثانية. وأيضا خلاف ما هو ظاهر الروايات وما هو المسلم بين الاصحاب لان ما هو المسلم بينهم في المفروض أن تلف المبيع يكون من مال صاحبه قبل العقد الذي هو البائع في المقام. ويمكن أن يجاب عنه بان أصل انفساخ العقد ورجوع ما هو من العوضين باق ولم يتلف إلى ملك من كان صاحبه قبل العقد يكون على القاعدة ومقتضى طبع المعاوضة وبناء العقلاء في أبواب المعاملات المعاوضية والمبادلات المالية ولكن كونه آنا ما قبل التلف ليكون التلف في ملك المالك قبل العقد حكم تعبدي ودليله الاجماع أو الروايات. فبناء على هذا هذه القاعدة لا تعبدي محض ولا أنها تكون مقتضى قواعد المعاوضات فقط بل تكون مركبة من أمرين أي أصل الانفساخ فيما إذا وقع التلف على أحد العوضين ليس تعبديا بل هو مقتضى طبع المعاوضات والمبادلات المالية كما بينا مفصلا وأما كونه آنا ما قبل التلف فتعبدي صرف. الجهة الثانية في مفاد هذه القاعدة وما هو المراد منها وشرح ألفاظها فنقول: أما المبيع و التلف فمعناهما معلومان ولا يحتاج إلى شرح وايضاح.
وأما ما يقال من أن المبيع في القاعدة هل يشمل الثمن أم لا فليس من جهة الترديد في معنى لفظ المبيع لانه من الواضح ظهوره عرفا في المثمن بل وكذلك لغة وانما احتمال شموله له من ناحية وحدة المناط والملاك خصوصا بناء على ما قلنا في الدليل الثالث على هذه القاعدة من بناء العقلاء في باب المعاوضات على أن يكون الاخذ والاعطاء الخارجيين بعنوان العوضية حالهما فلابد وأن يكون كل واحد منهما قابلا للاعطاء إلى زمان حصول التقابض من الطرفين فلو تلف أحدهما سواءا كان هو المثمن أو الثمن قبل أن يقبض فلا يمكن التقابض فقهرا يتفسخ المعاملة. ولا فرق في حصول الانفساخ من هذه الجهة بين أن يقع التلف قبل القبض على الثمن أو المثمن. نعم لو كان هذا الحكم صرف تعبد من حيث دلالة النبوي عليه فلا مجال للترديد لان لفظ المبيع لا يشمل الثمن قطعا. وأما ما يقال من أن التلف هل يشمل ما يجب إتلافه شرعا كمورد القصاص في العبد الجاني أو مورد ارتداده الفطري حيث انه محكوم شرعا بالاتلاف والقتل ولا تقبل توبته من هذه الجهة وان كان الاصح قبول توبته من غير الجهات الثلاث أي القتل وتقسيم أمواله بين ورثته وابانة زوجته عنه أو مورد صيرورته مقعدا. والحاصل أن كل مورد يكون شرعا محكوما بالتلف أو بوجوب الاتلاف مع بقاء العين تكوينا ووجدانا فليس هذا أيضا ترديدا في معنى التلف لان التلف عبارة عن انعدام الشيء تكوينا إن كان من التكوينيات بل مرادهم أن هذه الامور مشمولة للتلف حكما لا موضوعا أم لا ؟ وبعبارة أخرى: مناط التلف وهو عدم إمكان التقابض الذي قلنا إنه من مقتضيات ذوات عقود المعاوضية فيها موجود وإلا فان الشيء الموجود بعينه كيف يمكن أن يطلق التلف عليه حقيقة. نعم لا مانع من إطلاق التلف عليه مجازا وبالعناية باعتبار سلب الآثار ونفيها عنه
أو نفي الاثر المطلوب. وأما لفظ القبض الوارد في هذه القاعدة فهو بالمعنى الذي يذكره الفقهاء في باب البيع أي استيلاء البايع على الثمن مثلا ووقوعه تحت يده بحيث لو أتى من يدعيه يكون هو المدعى ويكون القابض هو المنكر لانه يكون هو ذا اليد. وأما كلمة من مال بائعه المذكورة في هذه القاعدة ففيها إحتمالان: الاول: أن يكون المراد منه أن التلف وقع في مال البائع وذلك بان يكون مرجع ضمير هو هو التلف المعلوم من كلمة تلف المذكورة في هذه القاعدة بصورة الفعل الماضي. ولا شك في أن ظاهر هذا الكلام بناءا على هذا أن التلف من مال البائع لا من المشتري فلابد من القول بانفساخ المعاملة قبل التلف آنا ما حتى يمكن أن يكون التلف من مال البائع وإلا فكيف يمكن أن يكون التلف الواقع في ملك المشتري من مال البائع. أللهم إلا أن يقال: إن المراد من كون التلف من مال البائع مع وقوعه في ملك المشتري هو أن خسارته وضمانه الواقعي عليه. ولكن أنت خبير بأن هذا خلاف ما هو ظاهر الكلام جدا نعم لو كان بدل كلمة من مال لفظة على بائعه كان لهذا الاحتمال وجه. وقد ظهر مما ذكرنا بطلان الاحتمال الثاني وهو أن يكون المراد من هذه الكلمة أي كلمة من مال بائعه أن خسارة التالف وغرامته على البائع لا أن أصل وقوعه في ملك البائع حتى يكون ملازما مع انفساخ العقد آنا ما قبل التلف وقوع التلف في ملك البائع إلا أن يقال بعدم حصول الملكية لكل واحد من المتبايعين قبل وقوع القبض من الطرفين كما أنه نسب ذلك إلى شيخ الطائفة قدس سره. ولكن أنت خبير بعدم صحة هذا الكلام لما هو المذكور في محله واتفاق الكل على خلافه.
فإذا ظهر لك ما ذكرنا من المراد من ألفاظ هذه القاعدة فنقول: إن معنى هذه الجملة ومفاد هذه القاعدة في كمال الوضوح وهو عبارة عن أن كل مبيع من أي سنخ من الاموال إنسانا كان أو حيوانا أو نباتا أو جمادا لو وقع عليه التلف قبل أن يقبضه المشتري يوجب انفساخ البيع آنا ما قبل التلف فيكون من مال بائعه فيرجع الثمن إلى المشتري. وأما بناء على ذلك الاحتمال الآخر الذي قلنا إنه خلاف الظاهر وخلاف فتوى المشهور بل خلاف الاجماع فيكون مفاد القاعدة أن كل مبيع تلف قبل قبضه أي قبل استيلاء المشتري عليه يكون خسارته وضمانه على البائع فيكون البائع يعطي مثله للمشتري إن كان مثليا ومثله موجودا ويعطي قيمته له إن كان قيميا أو كان مثليا ولكن مثله ليس بموجودا وتحصيله متعذر أو متعسر وان كان موجودا. ثم إنه تختلف النتيجة في سعة انطباق القاعدة وفي ضيقه بحسب اختلاف المدرك. فلو كان المدرك هو الروايات فالظاهر المستفاد منها هو الذي تقدم من انفساخ البيع لو تلف المبيع قبل أن يقبضه المشتري ورجوع الثمن إلى ملك المشتري. وأما شموله للثمن - أي لو تلف الثمن قبل أن يقبضه البائع فيكون موجبا لانفساخ العقد - في غاية الاشكال لان لفظ المبيع لا يشمل الثمن لا بحسب الوضع اللغوي ولا بحسب المتفاهم العرفي ولا لفظ البائع يشمل المشتري. وأما شموله لما لو كان التالف بعض المبيع فسنتكلم فيه في الجهة الثالثة إن شاء الله تعالى. وأما لو كان المدرك هو الاجماع فأيضا يكون الحكم مثل ما إذا كان المدرك الروايات إذا كان معقد الاجماع هو مفاده هذه القاعدة كما هو كذلك. اللهم إلا أن يقال: إنه أوسع بناء على انعقاده في الثمن أيضا مثل المبيع. وأما لو كان المدرك هو بناء العقلاء في باب المعاوضات على أن إنشاء المبادلة
والمعاوضة بين العوضين مبني على الاخذ والاعطاء خارجا بحيث يكون هذا المعنى أي التعاطي والتقابض من الطرفين من مقومات المعاملة والعقود المعاوضية وداخلا في حقيقتها. ومن هذه الجهة لو تلف أحد العوضين قبل أن يقبضه الذي صار صاحبه بعدم وقوع المعاوضة فينفسخ المعاوضة قهرا لعدم إمكان تحقق مثل هذا المعنى بعد تلف أحدهما. وبناء على هذا لا اختصاص لهذه القاعدة بالبيع بل تجري في جميع العقود المعاوضية وفي تلف كل واحد من العوضين إذا كانت المعاوضة والمعاملة واقعة على الشخصيين لانه لا معنى لتلف الكليين. نعم لو كان أحد العوضين كليا والآخر شخصيا فالقاعدة تجري في تلك المعاملة لامكان وقوع التلف على ذلك العوض الشخصي. الجهة الثالثة في موارد انطباق هذه القاعدة وعرفت في الجهة الثانية أنها تختلف سعة وضيقا باعتبار اختلاف مدركها فنقول: أما جريانها فيما إذا وقع التلف على تمام المبيع الشخصي قبل أن يقبضه المشتري أو قبل ما كان في حكم القبض وهو كما إذا أتلفه المشتري مثلا فهو القدر المسلم على جميع الاحتمالات أي سواء كان مدركها الروايات أو الاجماع أو مقتضى القواعد الاولية. وأما إذا وقع التلف على بعض المبيع فهل تشمله هذه القاعدة وينفسخ البيع ويرجع تمام الثمن إلى المشتري أو لا ينفسخ أصلا أو يفصل بين ما إذا كان المبيع يقسط عليه الثمن باعتبار الاجزاء وليس لهيئة الاجتماع أثر في مقدار السعر كما إذا باع شاتين بعقد واحد أو منين من طعام متحد الجنس من حيث نوع الطعام ومن حيث الجودة والردائة فإذا تلف أحد الغنمين أو أحد المنين من الحنطة أو الارز مثلا
فينفسخ العقد بالنسبة إلى ذلك المقدار ويرجع ثمن ذلك المقدار إلى البائع وبين ما إذا كان لهيئة الاجتماع أثر في ازدياد السعر أو في أصل السعر كزوج حذاء تلف أحد فرديه احتمالات. والاقوى هو الاخير سواء كان المدرك هو الروايات أو الاجماع أو ما ذكرنا من بناء العقلاء وذلك من جهة أنه كما يصدق المبيع على الكل كذلك يصدق على جميع الاجزاء ولذلك يقولون بصحة البيع بالنسبة إلى الجزء الذي مملوك إذا كان المبيع مركبا مما يملكه ومما لا يملك أو كان مركبا مما يملك ومما لا يملك لانه لا معنى لكون الشيء مبيعا إلا تمليكه للغير بعوض مال ولا شك في أن البائع ملك كل جزء من أجزاء المثمن في الصورتين المتقدمتين بمقدار من ذلك الثمن والعوض المذكور المسمى في العقد فيصدق عليه أنه مبيع نعم لا يصدق عليه أنه مبيع مستقل بل هو مبيع في ضمن كون الكل مبيعا ولكن نفي المقيد لا يستلزم منه نفي المطلق. هذا بناء على أن يكون مدرك هذه القاعدة هو النبوي المشهور أو الرواية فواضح لما ذكرنا من صدق المبيع على ذلك الجزء التالف نعم ينفسخ العقد بالنسبة إلى ذلك الجزء التالف فقط لا بالنسبة إلى الجميع. وأما لو كان المدرك هو الاجماع فان كان معقد الاجماع ما هو الموضوع في القاعدة أي كل مبيع تلف فالامر أيضا كما ذكرنا وأما لو كان معقده مهملا لا إطلاق فيه فلابد وأن يؤخذ بالقدر المتيقن وهو تلف تمام المبيع قبل القبض لا بعضه اللهم إلا أن يدعي الاجماع على الجزء أيضا. وأما لو كان المدرك هو بناء العقلاء فشموله للجزء أوضح لان بناء العقلاء في المعاملات المعاوضية كما بينا هو إنشاء المبادلة بين المالين لاجل الاخذ والاعطاء والتقابض الخارجي فإذا خرج إحد العوضين أو كلاهما عن قابلية القبض والاقباض والاخذ والاعطاء ولو كان بواسطة تلف بعض أحدهما فقهرا ينفسخ
المعاملة. ويمكن أن يقال باختصاص الانفساخ بالنسبة إلى ذلك المقدار التالف من العوضين أو أحدهما. هذا فيما إذا كان وقوع التلف على المبيع كلا أو بعضا. وأما لو وقع التلف على الثمن فان كان مدركها النبوي المشهور فلا تشمل الثمن لظهور المبيع فيما هو مقابل الثمن وما هو حجة في باب الالفاظ والجمل الصادرة عن الشارع في مقام بيان الاحكام ليس إلا ظهورات تلك الالفاظ والجمل التي هي كاشفات عن مرادات المتكلم إذ طريقته في مقام بيان الاحكام ليست إلا طريقة أهل المحاورة ولابد لشمول هذا الحكم للثمن من التماس دليل آخر من نقل أو إجماع أو بناء العقلاء وسنتكلم فيها. وأما إن كان مدركها رواية عقبة بن خالد فصدر الرواية وان كان ظاهرا في خصوص المبيع ولا يشمل الثمن - لانه عليه السلام في مقام سرقة المتاع الذي هو المبيع يحكم بان التلف من مال صاحبه الذي هو في بينه أي البائع فلا ربط له بتلف الثمن قبل أن يقبضه البائع - ولكن ذيلها أي قوله عليه السلام: فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتى يرد إليه . ولا شك في أن ظاهر هذا الكلام أن البائع بعد ما أخرج المبيع من بيته أي أقبضه وسلمه إلى المبتاع أي المشتري فيكون المبتاع أي المشتري ضامن لحقه أي البائع لان المفروض أنه أي المبتاع قبض المبيع فيكون ضامنا بالضمان المعاوضي لا الواقعي لانه قبض المبيع بضمان المعاوضي المسمى بضمان المسمى أي الثمن فلا يمكن له أداء حق البائع أي عوض المبيع الذي هو عبارة عن الثمن فلا يمكن له إتمام المعاوضة والعمل بها فقهرا يرجع المبيع إلى البائع إن كان موجودا وهذا معنى انفساخ العقد. هذا ما أفاده شيخنا الاستاذ قدس سره في هذا المقام ولكن يمكن أن يقال: إن ما أفاده بان معنى جملة فالمبتاع ضامن لحقه حتى يرد ماله إليه وان كان كما ذكره وبيناه أي مفاد
هذه الجملة والمتفاهم العرفي منها هو أن المشتري بعد قبض المبيع ضامن للبائع بما هو المسمى في عقد المعاوضة أي الثمن المعين في ذلك العقد ولكن بعد ما وقع التلف على ذلك الثمن لا ملزم لرجوع المبيع إلى البائع وانفساخ العقد بل من الممكن أن يقال ذهب الثمن من كيس البائع بلا عوض لان يد المشتري يد أمانة بعد قبض المبيع ولا إتلاف في البين حتى يكون موجبا للضمان أو ينتقل ضمان المسمى إلى الضمان الواقعي أي المثل إن كان مثليا أو القيمة إن كان قيميا إن كانت يده يد ضمان اللهم إلا أن يدل دليل آخر على انفساخ العقد وسنذكره إن شاء الله تعالى. وأما إن كان مدركها الاجماع فلابد وان ينظر إلى معقد الاجماع وانه هل في خصوص تلف المبيع قبل قبضه قالوا بالانفساخ أو لا فرق في قولهم بالانفساخ بين تلف المبيع قبل قبضه أو تلف الثمن قبل أن يقبضه البائع ؟ والظاهر عدم الفرق في هذا الحكم بين المبيع والثمن والشيخ الاعظم الانصاري قدس سره استظهر نفي الخلاف من عبارات الاصحاب في هذا المقام بالنسبة إلى الثمن أيضا 1. وأما لو كان مدركها بناء العقلاء بالبيان المتقدم فلا فرق بين المبيع والثمن أصلا لوجود ما هو مناط الانفساخ في تلف الثمن أيضا إذا كان الثمن شخصيا لان المبيع والثمن الكليين لا معنى لوقوع التلف عليهما نعم في المبيع الكلي أو الثمن الكلي يمكن أن يكون فردا منحصرا به الكلي بحيث لا يكون مصداقا آخر للكلي غيره وتلف ذلك المصداق. ولكن هذا أيضا ليس من تلف المبيع أو الثمن بل يكون من قبيل عدم وجود المصداق لذلك الكلي الذي هو الثمن أو المثمن. وعلى كل حال عرفت أن مناط الانفساخ بناء على هذا الوجه عدم إمكان التقابض والتعاطي الذي هو من مقتضيات ذات العقد بل لا يتحقق حقيقة المعاملات المعاوضية إلا به كما بينا مفصلا. وفي تحقق هذا المعنى أي امكان التقابض والاخذ
(هامش) *
(1) المكاسب ص 314. (*)
والاعطاء لا فرق بين تلف المبيع وبين تلف الثمن بل وبين تلف بعضه. ثم إنه هل تختص هذه القاعدة بالبيع أو تشمل سائر العقود المعاوضية ؟ فيه تفصيل: وهو أنه لو كان مدركها الحديث الشريف أي النبوي المشهور أو رواية عقبة بن خالد فالظاهر اختصاصها بالبيع وعدم شمولها لسائر المعاملات المعاوضية لان موضوع الحكم فيها عنوان المبيع وهو عنوان مختص بالمثمن في خصوص البيع ولا يشمل العوض ولا المعوض في سائر العقود والمعاملات وحينئذ التعدي إلى سائر المعاملات المعاوضية يحتاج إلى دليل أو تنقيح مناط وإذ ليس في البين شيء منها فالقول بشمولها لها في غاية الاشكال. وأما لو كان مدركها الاجماع فقد حكى الشيخ الاعظم الانصاري قدس سره عن التذكرة عموم الحكم لجميع المعاوضات على وجه يظهر كونه من المسلمات 1 ولكن إثبات عموم الحكم لجميع المعاوضات بالاجماع المصطلح الاصولي في غاية الاشكال لعدم تحققه أولا بادعاء البعض خصوصا إذا كان بالاستظهار من كلام ذلك البعض من دون تصريحه بذلك وعدم حجية مثل هذا الاجماع ثانيا على فرض تحققه. لما ذكرنا مرارا من أن حجية الاجماع من باب الحدس القطعي برأيه عليه السلام من اتفاق الكل وكشفه عنه وكون الاتفاق مسببا عن تلقيهم منه عليه السلام وذلك لا يكون إلا فيما إذا لا يكون معتمد ومدرك آخر في البين يمكن أن يكون اتفاقهم مستندا إليه من بناء العقلاء على التفصيل الذي ذكرنا والنبوى المشهور 2 ورواية عقبة بن خالد 3. والانصاف أن الاجماع على شمول الحكم لجميع المعاملات المعاوضية كالاجارة والصلح بعوض والدين بل الهبة المعوضة ممنوع صغرى وكبرى كما بينا. وأما لو كان مدركها ما ذكرنا من بناء العقلاء والعرف والعادة على أن إنشاء العقود
(هامش)
(1) المكاسب ص 314. (2) سبق تخريجه في ص 79، رقم (1). (3) سبق تخريجه في ص 80، رقم (1). (*)
المعاوضية والمبادلة في عالم الاعتبار والتشريع مبني على الاخذ والاعطاء الخارجي بحيث لو لم يكن قابلا للاخذ والاعطاء الخارجي يكون المبادلة في عالم الاعتبار والتشريع لغوا وعملا غير عقلائي فقابلية الاخذ والاعطاء الخارجي للعوضين مأخوذة في حقيقة العقد حدوثا وبقاء أي حدوثها في حدوث العقد وبقاؤها في بقائه فإذا سقط عن هذه القابلية بعد العقد وقبل القبض فقهرا ينفسخ العقد. وأنت خبير بان مثل هذا المعنى ليس مختصا بالبيع بل يجرى في جميع المعاوضات. ولعل من هذه الجهة جعل التلف قبل القبض في التذكرة في باب الاجارة موجبا لانفساخ العقد وقال إنه من المسلمات. 1 هذا كله فيما إذا وقع التلف على أحد العوضين كلا أو بعضا. وأما لو وقع التلف على صفة أحدهما قبل قبضه سواء كانت - تلك الصفة - فقدانها موجبا لحدوث عيب في ذلك العوض أو لا بل كانت القاعدة صفة كمال بحيث لا يقال لفاقد تلك الصفة أنه معيب وعلى كل حال هل تجري القاعدة في هذه الصورة أم لا ؟ أقول: أما جريان القاعدة بناء على أن يكون مدركها الروايات أو الاجماع فلا وجه له أصلا لانه لا يصدق على فوات الوصف - بكلا قسميه أي سواء كانت الصفة صفة الكم فقط وان لم يكن فقدانها موجبا لحدوث عيب في المبيع أو كان كذلك - أنه تلف المبيع الذي جعل موضوع الحكم في الروايات أو انعقد عليه الاجماع. واما بناء على أن يكون مدركها بناء العقلاء بالبيان المتقدم فأيضا لا وجه لجريانها إذ المناط في جريانها بناء على ذلك المدرك عدم إمكان التقابض الخارجي بالنسبة إلى العوضين بما هما عوضان لان فوات الوصف لا يخرج الموصوف عن كونه عوضا. ولا يقاس بتلف الجزء أي بعض أحد العوضين لان الجزء التالف
(هامش)
(1) تذكرة الفقهاء ج 2، ص 322. (*)
عوض وبدل عن مقدار من العوض الآخر فلا يمكن التقابض والاخذ والاعطاء بالنسبة إلى ذلك الجزء التالف ومقابله من العوض الآخر بخلاف الوصف فانه لا يقابل بحصة من العوض الآخر وان كان ربما يوجب زيادة قيمة الموصوف به. نعم يبقى فرع آخر وهو أن العيب الحادث قبل القبض هل هو مثل الحادث بعد القبض حتى لا يكون فيه الخيار ولا الارش أو مثل الحادث قبل العقد حتى يأتيان أي الخيار أو الارش ؟ والحق فيه هو ثبوت الخيار دون الارش وذلك لان الارش حكم تعبدي على خلاف مقتضى القواعد إذ مقتضى القواعد - حتى فيما إذا كان العيب قبل العقد - هو كون من انتقل إليه المعيب مخيرا بين إبرام المعاملة أو حلها لاجل أن التزامه بهذه المبادلة والمعاوضة كان فيما إذا لم يكن ما انتقل إليه فاقدا لوصف الصحة فلا إلتزام له بهذا الموجود فهو مخير بين أن يقبل ما انتقل إليه بنفس العوض المسمى في العقد وتمامه أو يفسخ. وأما أخذ الارش فهذا شيء دلت عليه الروايات وربما يقال في مورد عدم إمكان الرد للتصرف المانع منه كوطئ الجارية المعيبة التي صارت حبلى وام ولد. والحاصل أن أخذ الارش حكم تعبدي في خصوص العيب الحادث قبل العقد وفي ملك صاحبه الاولي فيجب الوقوف في مورده ولا يجوز إسراؤه إلى العيب الحادث بعد العقد وإن كان قبل القبض إلا أن يدل دليل على الاسراء واشتراك العيب الحادث قبل العقد مع الحادث بعده إذا كان قبل القبض وإذ ليس فليس له أخذ الارش بل له الخيار فقط. هذا كله بناء على أن يكون هذا الحكم - أي تلف المبيع قبل القبض من مال البائع - من باب بناء العقلاء وإلا لو كان من باب الروايات أو الاجماع فقد عرفت عدم جريانه في تخلف الوصف بكلا قسميه أي سواء كان الوصف الفاقد وصف كمال أو
كان وصف الصحة فلا يوجب إلا الخيار. ينبغي التنبيه على أمور الاول: في أن النماء الحاصل للمبيع التالف ما بين العقد والتلف هل يرجع مثل المبيع التالف إلى ملك من انتقل عنه أو يبقى على ملك من انتقل إليه قبل التلف وبعد العقد ؟ وكذلك يرجع العوض الذي للتآلف نفسه إلى ملك من انتقل عنه لانمائه بمعنى أن يتلف أحد العوضين يرجع نفس العوض الآخر إلى مالكه قبل العقد اناما لا نماؤه ؟ والحق في هذا المقام بعد أن قلنا بحصول الملكية بنفس العقد وليس حصولها متوقفا على القبض كما نسب إلى الشيخ قدس سره وقلنا إن التلف يوجب انحلال العقد آنا ما قبل التلف لا من أول الامر كما هو الصحيح والمختار فلا يبقى وجه لرجوع النماء المنفصل إلى المالك قبل العقد لان النماء حصلت في ملك من انتقل إليه وليس سبب ناقل في البين حتى نقول برجوعه ثانيا إليه. الثاني: إن ضمان البائع بالنسبة إلى الثمن لو تلف المبيع قبل أن يقبضه المشتري هل يسقط باسقاط المشتري ؟ وكذلك ضمان المشتري للمبيع لو تلف الثمن قبل أن يقبضه البائع هل يسقط باسقاط البائع أم لا ؟ في كلتا الصورتين أي في صورة إسقاط المشتري ضمان البائع للمبيع وفي صورة إسقاط البائع ضمان المشتري للثمن. الظاهر عدم الاسقاط في كلتا الصورتين وذلك من جهة أن انحلال العقد ورجوع العوض الموجود بعد تلف عوض الآخر إلى مالكه قبل العقد أمر قهري بناء على أن يكون مدرك القاعدة هو بناء العقلاء الذي تقدم الكلام فيه وليس من فعل أحد المتعاقدين حتى يكون من قبيل الخيار الذي هو حق حل العقد وإبرامه كي يكون قابلا للاسقاط كسائر الحقوق القابلة للاسقاط. وبعبارة أخرى ليس انفساخ العقد آنا ما قبل التلف من آثار حق المشتري على
حل العقد في تلف المبيع قبل القبض ولا من آثار حق البائع في تلف الثمن قبله حيث أن بقاء العقد منوط عند العقلاء ببقاء قابلية كل واحد من العوضين على الاخذ والاعطاء - كما ذكرنا مفصلا - وفي أي وقت خرج عن هذه القابلية ينحل العقد قهرا فلا معنى لان يكون قابلا للاسقاط. الثالث: أن لا يكون التلف المذكور في هذه القاعدة مسببا عن إتلاف شخص سواء كان هو مالك أحد العوضين أو أجنبي عن هذه المعاملة لانه إن كان المتلف هو الذي انتقل إليه هذا التالف في هذه المعاملة فليس هذا من قبيل التلف قبل القبض لان هذا الاتلاف من مالكه وهو بنفسه يكون قبضا نعم لو كان جاهلا بانه ماله وأوهمه آخر بأنه هبة لك أو مباح عليك فأكله مثلا فيدخل في قاعدة الغرور ويرجع إلى من غره بضمانه الواقعي من المثل أو القيمة كل في محله ولا ينافي ذلك تمامية المعاملة وكون هذا الاتلاف قبضا. وأما لو كان الاتلاف من قبل غير المالك بعد العقد سواء كان هو المالك قبل العقد أي الطرف الآخر للمعاملة أو كان من قبل ثالث أجنبي فبناء على المختار من كون مدرك القاعدة هو بناء العقلاء ينحل العقد لا محالة ويرجع عوضه إلى مالكه قبل العقد لعدم إمكان التقابض. وأما بالنسبة إلى ضمان التالف فان كان المتلف هو مالكه قبل العقد فلا ضمان في البين أصلا لان الانسان لا يضمن لاتلاف مال نفسه لانه بعد فرض انحلال العقد آنا ما قبل التلف يرجع التالف إلى ملكه فيكون إتلافه واقعا على ملكه فلا ضمان. وأما إن كان المتلف هو الاجنبي فيرجع المالك بعد الانحلال إلى ذلك المتلف الاجنبي بضمانه الواقعي من المثل أو القيمة كل في محله. الرابع: لو كان شخص وكيلا عن البائع والمشتري أو وليا عليهما والثمن والمثمن كلاهما تحت يده أو كان هو البائع مثلا ولكن كان وليا على المشتري ففي جميع هذه
الصور لو تلف أحد العوضين بمحض وقوع العقد يكون من التلف بعد القبض لا قبله لان المفروض أن العوضين كلاهما في يده وأيضا المفروض أن يده يد الطرفين إذا كان وكيلا عنهما أو وليا عليهما ويده يد الطرف الآخر إذا كان هو البائع وكان وليا على المشتري أو بالعكس أي كان هو المشتري وكان وليا على البائع فلا يحتاج إلى قبض جديد لانه من قبيل تحصيل الحاصل. نعم الشيء الذي يمكن أن يقال هو أنه هل يحتاج في حصول القبض إلى قصد جديد ونية جديدة بمعنى أن الثمن مثلا كان عنده وفي يده باعتبار أنه ملك لهذا المولى عليه وبعد وقوع العقد ينوي أن يكون عنده وتحت يده باعتبار صيرورته ملكا لذلك المولى عليه الآخر وكذلك الامر في باقي الصور ؟ أم لا يحتاج إلى تجديد القصد والنية ؟ والتحقيق في هذا المقام هو أن في ما يده بالنسبة إلى نفسه قبض بلا إشكال بمعنى أنه نفسه لو كان أحد طرفي المعاملة سواء كان الطرف الآخر موكله أو المولى عليه له والمفروض أن المال المتعلق بأي واحد منهما في يده فالقبض حاصل ولا يحتاج إلى قصد ونية جديدة وذلك لعدم اعتبار القصد والنية في صدق الافعال ولم يؤخذ لا في مادتها ولا في هيأتها فالذي خطى خطوات يصدق أنه مشى سواء قصد المشي أو لم يقصد. نعم لو كان وكيلا عن شخص في كونه طرفا في معاملة أو وليا عليه فصدق القبض عن قبله بدون القصد مشكل من جهة أن استناد فعل صادر من شخص إلى شخص آخر إن لم يكن بتسبيبه وتحريكه فلابد وأن يكون بقصد النيابة عنه وإلا فكيف يستند إلى شخص أجنبي آخر اللهم إلا أن يقال: إن صدور القبض عن الوكيل أو عن الولي فيما إذا كان البيع أو الشراء لهما يكفي من دون الاحتياج إلى استناد القبض إليهما. وربما يشهد لذلك ما روى في الصحيح عن الصادق عليه السلام في رجل تصدق على ولد
له قد أدركوا فقال عليه السلام: إذا لم يقبضوا حتى يموت فهو ميراث فان تصدق على من لم يدرك من ولده فهو جائز لان الوالد هو الذي يلي أمره 1. فمفاد هذه الرواية هو عدم الاحتياج إلى القبض إن كان الواهب وليا على الموهوب له واطلاقه يشمل صورتي القصد وعدم القصد فيدل على أن قبضه يكفي مطلقا سواء قصد كونه عن طرف المولى عليه أم لا. وعموم التعليل يوجب عدم الفرق بين الهبة وسائر أقسام التمليك فان قوله عليه السلام: لان الوالد هو الذي يلي أمره لا اختصاص بمورد التمليك بالهبة ويستفاد منه أن التصرف في جميع أموره راجع إلى الولي أبا كان أو جدا. الخامس: لو فرط وكيل البائع في الاقباض بدون أي عذر فتلف المبيع فلا شك في انفساخ العقد ورجوع المبيع إلى البائع آنا ما قبل التلف بناء على ما هو المختار في مدرك هذه القاعدة لعدم إمكان التقابض بين العوضين بعد التلف بأي سبب كان التلف بل ولو كان بالاتلاف إذا لم يكن من قبل من انتقل إليه بالعقد لما ذكرنا من أن الاتلاف من قبله قبض فليس من التلف قبل القبض بل يكون من التلف بنفس القبض. نعم يبقى الكلام في رجوع البائع إلى الوكيل المفرط بناء على انحلال العقد ورجوع المبيع آنا ما قبل التلف إلى ملك البائع فوقع التلف في ملك البائع بتفريط من الوكيل فيكون ضامنا للبائع من جهة الاتلاف أو اليد ؟ والصحيح هو الثاني لانه لم يتلف ولكن بسبب تأخيره وتفريطه في الاقباض صارت يده يد ضمان وخرج عن كونه يدا أمانية فالضمان - أي ضمان الوكيل للبائع - يكون ضمانا واقعيا أي بالمثل أو القيمة كل في مورده لا ضمان المسمى ولا وجه لاحتماله أصلا.
(هامش)
(1) الفقيه ج 4، ص 247، باب الوقف والصدقة والنحل، ح 5585، تهذيب الاحكام ج 9، ص 137، ح 577، باب الوقوف والصدقات، ح 24، الاستبصار ج 4، ص 102، ح 390، باب من تصدق على ولده الصغار...، ح 6، وسائل الشيعة ج 13، ص 299،، أبواب الوقف والصدقات، باب 4، ح 5. (*)
نعم فيما إذا كان قيمة المسمى أزيد من الضمان الواقعي للتالف يمكن أن يقال بتضمين الوكيل المفرط بالنسبة إلى تلك الزيادة وهذا الامر ليس مختصا بالموكل المفرط بل يأتي في كل متلف أجنبي عن المعاملة فينحل العقد لاجل عدم أمكان التقابض الذي هو شرط بقاء العقد ويقع التلف في ملك من انتقل عنه التالف آنا ما قبل التلف ويرجع عوضه إلى الطرف الآخر. والمالك آنا ما قبل التلف يرجع إلى المتلف الاجنبي بالضمان الواقعي من المثل والقيمة. ولو كان المسمى له زيادة على الضمان الواقعي يمكن أن يقال بالرجوع إليه في تلك الزيادة لاجل تفويته تلك الزيادة على المالك. ومما ذكرنا ظهر أنه لو كان مال تحت يده سواء كانت يده يد أمانة أو يد عادية فاشتراه من مالكه لا يحتاج إلى قبض جديد ولا يكون تلفه بعد وقوع العقد وبمحض وجوده إلا التلف بعد القبض لما ذكرنا من أن القبض عبارة عن اليد والسيطرة الخارجية على شيء وهذا المعنى حاصل قبل وقوع العقد على الفرض. السادس: فيما إذا تعارض هذه القاعدة مع قاعدة التلف في زمن الخيار من مال من لا خيار له كما إذا وقع التلف قبل قبض المشتري للمبيع ولكن كان في زمان خيار البائع دون المشتري فبمقتضى هذه القاعدة ينحل العقد ويكون تلف المبيع من مال البائع بان يدخل في ملكه آنا ما قبل التلف فيقع التلف في ملكه وقهرا يرجع ثمن المسمى إلى المشتري. ومقتضى قاعدة التلف في زمان الخيار من مال من لا خيار له هو أن يكون التلف في ملك المشتري ولا يرجع الثمن إليه. ولا يمكن الجمع بين مفادهما في عالم الجعل والتشريع وهذا معنى التعارض بين الدليلين وحيث أن بينهما عموم من وجه فمقتضى القاعدة تساقطهما في مورد الاجتماع والرجوع إلى الاصول العملية إن لم تكن أمارة أخرى في البين.
وقد يقال بعدم كون النسبة بينهما عموم من وجه لان قاعدة التلف في زمن الخيار من مال من لا خيار له مورد تشريعه بعد القبض فالتلف إذا كان قبل القبض يكون من مال البائع وان كان في زمان خيار البائع ولم يكن للمشتري خيار. ويستشهد لذلك بقوله عليه السلام في مورد خيار الشرط للمشتري دون البائع في صحيحة ابن سنان: وان كان بينهما شرط أياما معدودة فهلك في يد المشتري فهو مال البائع 1. ففرع عليه السلام ضمان البائع على الهلاك في يد المشتري الذي هو عبارة أخرى عن كون التلف بعد القبض. وكذلك قول الراوي في رواية عبد الرحمن فماتت عنده أي بعد أن قبضها المشتري فجواب الامام عليه السلام بانه ليس على الذي اشترى ضمان حتى بمضي بشرطه 2 ظاهر في أنه في نفس المورد أي بعد القبض وإذا كان هناك بين الاخبار الدالة على هذه القاعدة مطلق فيقيد بهذين الخبرين والنتيجة أن التلف إذا كان بعد القبض يكون من مال من لا خيار له فلا يقع تصادم ولا تعارض بين القاعدتين. وذكروا وجوها أخر لتقديم قاعدة التلف قبل القبض على قاعدة التلف في زمن الخيار من مال من لا خيار له تركنا ذكرها لئلا يطول المقام. والاحسن بل التحقيق في هذا المقام أن يقال: بناء على ما هو التحقيق في مدرك هذه القاعدة أي قاعدة كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه من أن انحلال العقد بتلف أحد العوضين أو كلاهما قهري لبناء المعاوضة على القبض والاقباض الخارجي، فإذا خرج أحدهما أو كلاهما عن هذه القابلية تكون المعاوضة لغوا وغير عقلاني. فمتى لم يكن العوضان قبل أن يحصل القبض والاقباض قابلين للاخذ والاعطاء،
(هامش)
(1) تهذيب الاحكام ج 7، ص 24، ح 103، باب عقود البيع، ح 20. (2) الكافي ج 5، ص 171، باب الشرط والخيار في البيع، ح 9، تهذيب الاحكام ج 7، ص 24، ح 104، باب عقود البيع، ح 21، وسائل الشيعة ج 12، ص 351، أبواب الخيار، باب 5، ح 1. (*)
العقلاء يرون مثل هذه المعاملة منحلة وباطلة، فالتلف قبل القبض - سواء أكان لكلا العوضين أو لاحدهما - موجب وعلة لانحلال العقد قهرا ويترتب الانحلال على التلف قبل القبض ترتب المعلول على علته. ويكون في زمان التلف، وإلا يلزم الانفكاك الباطل بالضرورة فلا يبقى موضوع لتلك القاعدة، لان موضوع تلك القاعدة، أي قاعدة التلف في زمن الخيار من مال من لا خيار له هو زمن الخيار المتوقف على وجود العقد، وإلا فلا معنى للخيار مع انحلال العقد وانعدامه والمفروض أن موضوع هذه القاعدة أي قاعدة كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه الذي هو التلف قبل القبض معدم لموضوع تلك القاعدة فلا يبقى مجال للتعارض لان التعارض فرع وجود الموضوع ثم وجود حكمه كي يتعارضان ولذلك اتفقوا على أنه لا تعارض بين الحاكم والمحكوم. بل في المقام يمكن أن يقال بورود هذه القاعدة على تلك القاعدة لانحلال العقد بالتلف قبل القبض واقعا لا تعبدا فقط بل يمكن القول بالتخصص لان الانحلال ليس بتصرف من قبل الشارع بالتعبد به بل هو أمر تكويني. والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.