35 - قاعدة التسامح في أدلة السنن
قاعدة التسامح في أدلة السنن (*) ومن جملة القواعد الفقهية المشهورة قاعدة التسامح في أدلة السنن وفيها جهات من البحث: [ الجهة ] الاولى في شرح مفهوم هذه القاعدة والمراد منها فنقول: المراد منها انه لو كان هناك خبر ضعيف - لا يكون موثوق الصدور لاختلال في سنده، وعدم جابر من عمل المشهور به كي يوجب الوثوق بصدوره - فلا يكون مشمولا لدليل حجية الخبر الواحد. كما حققنا في الاصول من ان موضوع الحجية هو الخبر الذي يثق الانسان بصدوره، سواء حصل الوثوق من صحة السند وكون الراوي عدلا أو ثقة، أو حصل من عمل المشهور به، أو كان مضمونه مطابقا لفتوى المشهور من قدماء الاصحاب. فإذا لم يكن الخبر كذلك، فلا يكون مشمولا لدليل الحجية، فهل مثل هذا الخبر
(هامش)
: (*): الاصول الاصلية والقواعد الشرعية ص 164، عوائد الايام ص 269، عناوين الاصول عنوان 15، الرسائل الفقهية ص 137، اصطلاحات الاصول ص 183، القواعد ص 83، التسامح في ادلة السنن سيد محمد مهدي آل حكيم، اكبر آباد هند، 1307 ق، بحث در قاعدة تسامح سيد علي محمد المدرس الاصفهاني، مجلة كانون وكلاء العام 8، العدد 47، تسامح در ادلة سنن بحثي در اخبار من بلغ سيد أبو الفضل مير محمدي، نشرة مقالات وبررسيها العدد 47 - 48، ص 1 - 17، والعدد 49 - 50، ص 1 - 18. (*).
يثبت به الاستحباب وان لم يثبت به الوجوب لو كان مضمونه ومفاده وجوب شيء ؟ وذلك لاجل التسامح في دليل الاستحباب، فلو اثبتنا انه يمكن إثبات الاستحباب بمثل ذلك الخبر الذى ليس مشمولا لدليل الحجية، فهذا معناه هو التسامح في أدلة السنن. وخلاصة الكلام: ان الخبر الضعيف قد يكون مفاده الوجوب وقد يكون مفاده الاستحباب، وفى كلتا الصورتين - بعد الفراغ عن ان الوجوب لا يثبت به - صار محلا للكلام في ان الاستحباب هل يثبت به أم لا ؟ والقول بثبوته به هو التسامح في أدلة السنن. ولا شك في أن غير الحجة لا يثبت به شيء، وفى هذه الجهة لا فرق بين الوجوب والاستحباب، وثبوت كل واحد منهما يحتاج إلى دليل وحجة معتبرة. ولكن الدعوى ان في باب الاستحباب هل ورد دليل معتبر على التسامح في دليله وانه يثبت ولو كان هناك خبر ضعيف مفاده الاستحباب بل وان كان مفاده الوجوب أم لا ؟ الجهة الثانية في مدركها وهو الاخبار الكثيرة المعتبرة الواردة في هذا المقام المعروفة بعنوان اخبار من بلغ فلنذكر جملة منها: الاول: صحيحة هشام بن سالم عن أبى عبد الله عليه السلام قال: من بلغه عن النبي صلى الله عليه وآله شيء من الثواب فعمله كان أجر ذلك له، وإن كان رسول الله صلى الله عليه وآله لم يقله (1).
(هامش)
: 1 - المحاسن ص 25، ح 2، وسائل الشيعة ج 1، ص 60، ابواب مقدمة العبادات، باب 18، ح 3. (*).
الثاني: المروي عن صفوان عن الصادق عليه السلام قال: من بلغه شيء من الثواب على شيء من الخير فعمل به كان له أجر ذلك، وإن كان رسول الله صلى الله عليه وآله لم يقله (1). الثالث: خبر محمد بن مروان عن أبى عبد الله عليه السلام قال: من بلغه عن النبي صلى الله عليه وآله شيء من الثواب ففعل ذلك طلب قول النبي صلى الله عليه وآله كان له ذلك الثواب، وان كان النبي صلى الله عليه وآله لم يقله (2). الرابع: خبره الآخر قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول من بلغه ثواب من الله تعالى على عمل ففعله إلتماس ذلك الثواب اوتيه وإن لم يكن الحديث كما بلغه (3). إلى غير ذلك من الاخبار. فنقول: أما الاحتمالات التى ذكروها في مفاد هذه الاخبار - أو يمكن أن يحتمل - فكثيرة منها: أن يكون مفادها حجية خبر الضعيف الذي قام على وجوب شيء، أو استحبابه، بالنسبة إلى استحبابه فيكون حجة على استحباب ذلك الشيء ولو كان ظاهرا في وجوبه. والمراد من الخبر الضعيف هو الخبر الذى ليس مشمولا لدليل الحجية في حد نفسه لولا هذه الاخبار، وهذا الاحتمال هو الظاهر من قولهم بتسامح أدلة السنن، وبيان دلالة هذه الاخبار على هذا الاحتمال هو دلالتها على ترتب الثواب على العمل الذي بلغه أن فيه الثواب. ولا شك أن ترتب الثواب على عمل دليل على استحبابه، والمثبت لهذا
(هامش)
: ثواب الاعمال ص 160، ح 1، وسائل الشيعة ج 1، ص 59، ابواب مقدمة العبادات، باب 18، ح 1، 2 - المحاسن ص 25، ح 1، وسائل الشيعة ج 1، ص 60، ابواب مقدمة العبادات، ب 18، ح 4، 3 - الكافي ج 2، ص 71، باب من بلغه ثواب من الله على عمل، ح 2، وسائل الشيعة ج 1، ص 60: ابواب مقدمة العبادات، باب 18، ح 7. (*).
الاستحباب هو عنوان البلوغ، سواء أكان بالخبر الموثق أو الضعيف، فيكون خبر الضعيف حجة على الاستحباب كالخبر الصحيح والموثق. والانصاف ان خبر الصفوان عن الصادق عليه السلام وصحيحة هشام ابن سالم لهما ظهور في هذا المعنى، حيث رتب فيهما الاجر على نفس العمل عقب البلوغ، وبناء على هذا تكون المسألة اصولية، لان نتيجتها وهي حجية الخبر الضعيف تقع كبرى في قياس الاستنباط. ولكن هذا لا يثبت حجية الخبر الضعيف الذي مفاده الوجوب أو الاستحباب بالنسبة إلى ثبوت الاستحباب به كما ادعاه المدعي، بل الدليل على استحباب هذا الفعل الذي بلغه الثواب على عمله هو نفس اخبار من بلغ، وذلك من جهة أن استكشاف الاستحباب بناء على هذا الاحتمال من طريق الان، لان كون الاجر والثواب له على عمل معلول استحباب ذلك العمل. وحيث ان استكشاف الاستحباب بناء على هذا الاحتمال من ناحية كون الاجر والثواب للعامل الذي بلغه ذلك، فالدليل على كون الاجر والثواب له هو الدليل على الاستحباب، لان الدليل على وجود المعلول والاثر دليل على وجود العلة المؤثر. ولا شك في أن الدليل على استحقاق الاجر والثواب هو اخبار من بلغ، فاثبات الاستحباب يكون باخبار من بلغ لا بذلك الخبر الضعيف. نعم الخبر الضعيف يوجب تحقق موضوع ما هو حجة ودليل على استحباب ذلك العمل أي: يوجب تحقق موضوع اخبار من بلغ. فالقول بأن أخبار من بلغ يوجب حجية الخبر الضعيف - الدال على استحباب عمل أو وجوبه - لا يخلو عن مسامحة، بل ليس بصحيح. وأما حجية نفس أخبار من بلغ فلا احتياج لها إلى البيان، فانها اخبار صحيحة
معتبرة، بل ربما ادعي القطع بصدور بعضها بطور الاجمال ومرجع هذا الادعاء إلى تواترها اجمالا. ومنها: أن مفادها ان الانقياد في ترتب الثواب مثل الاطاعة، غاية الامر ثواب الاطاعة بالاستحقاق وثواب الانقياد بالتفضل، بمعنى: أنه ولو لم يأت بما هو واجب أو مستحب، ولكنه بعدما عمله عقيب قيام الحجة إلتماس ذلك الثواب، فالله تبارك وتعالى يتفضل عليه باعطاء الاجر ولو أخطأت الحجة. وبعبارة اخرى: لا يذهب عمله وتعبه عند خطأ الحجة سدى. ولعل هذا ظاهر خبر محمد بن مروان عن أبي جعفر عليه السلام، بناء على هذا لا ربط لهذه الاخبار بما قالوا: من التسامح في أدلة السنن، ولا بد لهم من التماس دليل آخر. ولكن هذا الاحتمال - أي: كون الثواب على الانقياد والعمل على طبق الحجة وان اخطأت - لا مورد له هاهنا، لان الخبر الضعيف ليس بحجة على الفرض. اللهم إلا ان يقال: ان موضوع الانقياد هو احتمال الوجوب أو الاستحباب وان لم تقم حجة عليهما. والخبر الضعيف الدال على وجوب شيء أو استحبابه موجب لوجود احتمالهما، ولكن على فرض صدق الانقياد - على اتيان محتمل الوجوب أو محتمل الاستحباب لا ربط له بأخبار من بلغ، لان حسن الانقياد مثل الاطاعة عقلي، سواء أكانت اخبار من بلغ أو لم تكن، وكذلك لا ربط له بالتسامح في أدلة السنن كما هو واضح، بل هو حكم عقلي ارشادي. وأما دلالة هذه الاخبار على انه يعطى له الاجر على عمله، فليس من جهة انقياده، بل الصحيح انه من جهة استحباب العمل الذى تعنون بعنوان انه عليه الثواب، ولا شك في اختلاف الاحكام باختلاف العناوين. مضافا إلى ما ذكرنا انه لا انقياد هاهنا، لانه مقابل التجري، فكما ان التجري عبارة: عن مخالفة الحجة غير المصادفة للواقع كذلك الانقياد عبارة: عن موافقة الحجة
غير المصادفة للواقع. والمفروض هاهنا انه ليس حجة في البين، لان الخبر الضعيف ليس بحجة على الفرض وليس مشمولا لادلة حجية الخبر الواحد الموثوق الصدور فليس مفاد هذه الاخبار إلا اعطاء الاجر والثواب على نفس العمل الذي بلغه الثواب على ذلك العمل. ومنها: أن مفادها هو الارشاد إلى ما حكم به العقل، من حسن الاحتياط والترغيب فيه باتيان محتمل المطلوبية، سواء أكان محتمل الوجوب أو محتمل الاستحباب، بأن في الاحتياط واتيان محتمل المطلوبية مطلقا - سواء طابق الواقع أو لم يطابق - أجر وثواب إذا أتاه بهذا الداعي. وبناء على هذا لا تدل هذه الاخبار لا على استحباب العمل الذي يأتي به مطلقا - سواء أكان بداعي التماس الثواب وطلب قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو لم يكن - ولا على حجية الخبر الضعيف على الاستحباب. ويمكن أن يستظهر هذا الاحتمال من خبري محمد بن مروان، حيث قيد العمل في أحدهما بطلب قول النبي صلى الله عليه وآله وفي الآخر بالتماس ذلك الثواب. والذي يبعد هذا الاحتمال ان الارشاد إلى الاحتياط بتوسط عنوان يكون بينه وبين عنوان الاحتياط عموم من وجه - وهو عنوان من بلغ - في غاية البعد، بل الاستهجان. اللهم إلا أن يقال بناء على هذا الاحتمال - أي: كون مفاد هذه الاخبار هو الارشاد إلى حسن الاحتياط باتيان محتمل المطلوبية والترغيب فيه، بأن فيه الاجر والثواب، سواء أكان في الواقع مطلوب أو لم يكن - يكون جعل البلوغ موضوعا لهذا الحكم أي: اعطائه الاجر والثواب، من جهة ان البلوغ محقق لموضوع الاحتياط الذي هو عبارة: عن احتمال كون ذلك العمل مطلوبا وجوبا أو استحبابا، لانه لو لم يكن هذا الخبر الضعيف لم يحتمل الوجوب أو الاستحباب.
فبناء على هذا يكون عنوان البلوغ ملازم عادة مع احتمال المطلوبية، وان كان بالدقة بينهما عموم وخصوص من وجه. ثم ان الظاهر من مفاد مجموع هذه الاخبار هو الاحتمال الاول أي: كون العمل الذى أتى به بداعي التماس الثواب مستحبا. غاية الامر إنما الكلام في معروض هذا الاستحباب هل هو ذات العمل أو العمل المعنون بعنوان البالغ عليه الثواب ؟ بحيث يكون من قبيل العنوان الثانوي للعمل، كعنوان الاكراه والاضطرار، فيكون ذات العمل وحدها غير محكوم بالاستحباب، بل كان مباحا في حد نفسه، ولكن بواسطة طرو هذا العنوان وجدت فيه مصلحة صارت سببا لاستحبابه معنونا بهذا العنوان، بمعنى: أنه واسطة في العروض لا انه واسطة في الثبوت فقط. فالدليل على ثبوت الاستحباب - لهذا العمل المعنون بهذا العنوان - هو اخبار من بلغ، لا الخبر الضعيف، وأخبار من بلغ ؟ في غاية القوة والصحة، بل ربما ادعي قطعية صدورها. نعم الخبر الضعيف يوجب تعنون العمل بهذا العنوان وبعبارة اخرى: يوجب تحقق موضوع الحجة. فبناء على هذا قول المشهور بالتسامح في أدلة السنن لا ينطبق على هذا، وليس كما ينبغي ان كان مرادهم هذا المعنى. نعم لو قلنا ان مفاد هذه الاخبار حجية خبر الضعيف لاثبات الاستحباب وبعبارة اخرى: ان شرائط الحجية في باب الخبر الدال على الاستحباب ليست عين الشرائط التى اخذت في باب الاحكام الالزامية من لزوم كون الراوي عدلا أو ثقة ولم يعرض الاصحاب عن العمل به إلى غير ذلك من القيود والشرائط. بل لو دل خبر ضعيف على استحباب عمل يكون حجة ومثبتا لذلك الاستحباب وعلى هذا ينطبق ما ذكروه من التسامح في أدلة السنن ولكن عرفت أن
مفاد هذه الاخبار غير هذا المعنى. ثم أنه بناء على دلالة هذه الاخبار على حجية الخبر الضعيف في باب السنن فللفقيه أن يفتي باستحباب العمل الذي دل خبر ضعيف على استحبابه فيكون حاله حال سائر الاحكام الشرعية التى قامت حجة معتبرة على ثبوتها فيكون مستحبا في حقه وفى حق مقلديه. ولكن عرفت ان هذه الاخبار لا تدل على حجية الخبر الضعيف بالنسبة إلى ثبوت الاستحباب كي تكون شرائط حجية الخبر في اثبات الواجبات غير شرائط حجيته في باب المستحبات. نعم للفقيه ان يفتي باستحباب ما قام على استحبابه أو وجوبه خبر ضعيف، فيما إذا تعنون بعنوان البلوغ لا بعنوانه الاولي، ولا من جهة ان الخبر الضعيف حجة - كما توهم - بل من جهة دلالة حجة معتبرة وهي اخبار من بلغ على استحباب العمل الذى بلغ عليه الثواب كما استظهرنا هذا المعنى منها. وأما إذا احتمل الاستحباب أو ظن به من فتوى فقيه بل من شهرة أو اجماع منقول أو من غير ذلك مما ليس بحجة شرعا فليس له أن يفتي بالاستحباب من ناحية أخبار من بلغ لعدم صدق البلوغ وعدم دلالة هذه الاخبار على حجية هذه الامور على الفرض بل دلالتها مختصة بحجية الخبر الضعيف. وأما بناء على ما استظهرنا منها من أن مفادها استحباب العمل الذي بلغ إليه من ناحية المعصوم أن عليه الثواب والاجر كي تكون المسألة فقهية بخلاف الصورة السابقة فانها اصولية لان مفادها حجية الخبر الضعيف فيقع كبرى في قياس الاستنباط، وقد تقدم مرارا انه مناط كون المسألة اصولية. فشمولها لفتوى الفقيه والشهرة واجماع المنقول والاستحسانات وغير ذلك مما ليس بحجية شرعا منوط على صدق البلوغ أي: صدق بلوغ الاجر والثواب على ص 335
ذلك العمل الذي دل أحد هذه الامور على استحبابه فإذا صدق البلوغ يكون مستحبا بأخبار من بلغ وإذ ليس فليس. ولا شك في عدم صدق بلوغ الثواب والاجر عن النبي صلى الله عليه وآله أو الائمة عليهم السلام بالنسبة إلى فتوى الفقيه والشهرة، وذلك لان فتوى الفقيه عبارة: عن الاخبار عن رأيه لا عن المعصوم (ع) والشهرة ايضا كذلك عبارة: عن اخبار جمع كثير من الفقهاء (قدهم) عن آرائهم لا عن النبي صلى الله عليه وآله. فلا يتحقق بهما - أي: الشهرة وفتوى الفقيه - موضوع الاستحباب المستفاد من اخبار من بلغ. وأما الاجماع المنقول ان قلنا بأنه حجة وكاشف عن رأي الامام (ع) فيكون خارجا عن محل البحث، وان قلنا بعدم حجيته كما هو كذلك فيكون حاله حال الشهرة بل هو هو. وأما بناء على أن يكون مفادها أن ثواب الانقياد مثل الاطاعة تفضلا - بدون أن يكون طلب استحبابي في البين - فلا تدل هذه الاخبار على استحباب ما دل على استحبابه خبر ضعيف، فضلا عما إذا كان منشأ احتمال الاستحباب شيئا آخر - غير الخبر الضعيف - مما ذكرنا من مثل الشهرة واجماع المنقول وغيرهما. بل تدل على أن في كل مورد يصدق عنوان بلوغ الثواب - إذا كان البلوغ بسبب حجة على أحد الاحتمالين أو مطلقا على احتمال آخر - ففعله التماس ذلك الثواب، فالله تبارك وتعالى يتفضل عليه بذلك الاجر والثواب وإن لم يكن البلوغ مطابقا للواقع. فليس للفقيه أن يفتي - بناء على هذا الاحتمال - بالاستحباب حتى يقلده العامي ويأتي به بعنوان انه مستحب، وليس له أيضا أن يأتي به بعنوان أنه مستحب، بل له أن يأتي برجاء الواقع والتماس ذلك الاجر والثواب كما أن له أن يرشد العامي إلى ما
هو مضمون ومفاد هذه الاخبار، بأن يقول أو يكتب: من بلغه عن المعصوم سلام الله عليه ثواب أو أجر على عمل فأتى بذلك العمل رجاء، يكون له أجر ذلك العمل. وهذا ليس من باب الافتاء واظهار الحكم الشرعي، بل من قبيل الارشاد إلى أمر يترتب عليه الثواب. ثم أنه بناء على استفادة الاستحباب لا فرق بين أن يكون الخبر الضعيف مفاده استحباب الشيء أو وجوبه، لاتحاد المناط فيهما وهو بلوغ الثواب والاجر فيهما، كما انه بناء على سائر الاحتمالات أيضا لا فرق في تحقق الموضوع وصدق البلوغ بينهما. نعم بناء على استفادة حجية الخبر الضعيف في باب الاستحباب - كي تكون المسألة اصولية كما بينا - فالخبر الضعيف الدال على وجوب شيء لا يثبت به مؤداه أعني: وجوب ذلك الشيء، وهل يثبت به الاستحباب ؟ بناء على هذا الاحتمال لا يبعد ذلك. أما الاول أي: عدم ثبوت الوجوب به، فمن جهة أن المفروض دلالة هذه الاخبار على حجية الخبر الضعيف بالنسبة إلى الاستحباب، لا فيما إذا كان مفاده الوجوب. وأما الثاني فمن جهة ان الخبر الضعيف الذي دل على وجوب شيء يدل بالدلالة التضمنية على مطلوبيته ورجحانه في ضمن دلالته على وجوبه بالدلالة المطابقية. ويمكن أن يكون حجة باعتبار دلالته التضمنية بواسطة هذه الاخبار وان لم يكن حجة في مدلوله المطابقي، ولا ملازمة في الحجية بين الدلالتين ولكنه لا يخلو عن اشكال. ثم انه هل تدل هذه الاخبار على كراهة ما دل الخبر الضعيف على كراهته أو حرمته ؟ فيكون حال الحرمة والكراهة حال الوجوب والاستحباب في التسامح بمعنى: انه تثبت الكراهة بالخبر الضعيف الدال على الكراهة أو الحرمة
الظاهر عدم دلالتها على ذلك، فلا يجري التسامح في أدلة المكروهات لان غاية ما يمكن ان يقال في هذا المقام أن الخبر الضعيف الذى قام على كراهة شيء أو حرمته يدل بالدلالة الالتزامية على أن في ترك ذلك الشيء أجر وثواب، كما هو كذلك في تروك الصوم والاحرام، فيدل على استحباب الترك ورجحانه، فيكون الفعل مرجوحا. وهذا معنى الكراهة فيما لا يكون الفعل حراما، كما هو المفروض في المقام، لان الخبر الضعيف إذا كان ظاهرا في الكراهة فلا وجه لحرمة الفعل وإذا كان ظاهرا في الحرمة فلا تثبت الحرمة به لعدم حجيته لضعفه. وانت خبير بأن هذا الكلام - على فرض تماميته وصحته - لا يثبت إلا استحباب الترك، لا كراهة الفعل، لعدم الملازمة بينهما فعلا وتركا، فيمكن أن يكون الفعل أو الترك مستحبا ولا يكون الطرف الآخر مكروها وكذلك يمكن ان يكون الفعل أو الترك مكروها. ولا يكون الطرف المقابل مستحبا. هذا مع انه لو كان الفعل حراما أو مكروها معناه أن فيه مفسدة ملزمة في الاول وحزازة في الثاني، لا أن في الترك مصلحة كي يكون له أجر وثواب. هذا مضافا إلى ان ظاهر هذه الاخبار ترتب الاجر والثواب على عمل عمله التماس ذلك الاجر، والعمل ظاهر في الامر الوجودي ولا يشمل التروك. نعم ربما يكون مفاد الخبر الضعيف استحباب ترك أو وجوبه، كما انه ربما يقع ذلك في باب الصوم وباب الاحرام فحينئذ يمكن التمسك لاستحباب ذلك الترك بهذه الاخبار، لكن هذا خارج عن محل البحث والكلام. ثم انه بناء على ما استظهرنا من هذه الاخبار - من استحباب العمل الذي صار معنونا بعنوان بلوغ الاجر والثواب عليه - فلا بد من صدق البلوغ عرفا لتحقق موضوع الاستحباب به وذلك لا يكون إلا بدلالة الخبر الضعيف عليه باحدى
الدلالات اللفظية الوضعية حسب الظهور العرفي. فلو كان الخبر الضعيف غير ظاهر في البلوغ فلا يثبت به الاستحباب. وبناء على هذا لو ورد خبر ضعيف مطلق بالاطلاق الشمولي أو كان عاما اصوليا على اكرام جميع العلماء وجوبا أو ندبا وورد مقيد أو مخصص بالنسبة إلى بعض الحالات أو بعض الافراد أو الاصناف، فان كان المقيد أو المخصص متصلا، حيث انهما يمنعان عن انعقاد الظهور بالنسبة إلى المقدار الخارج عن تحت العام أو المطلق الذي دل على عمومه أو اطلاقه خبر الضعيف، فلا يصدق البلوغ بالنسبة إلى المقدار الخارج، فلا يمكن اثبات استحباب ذلك المقدار باخبار من بلغ، وذلك لعدم تحقق موضوعه أي البلوع. وأما لو كان التقييد أو التخصيص بالمنفصل، فحيث أن الظهور لا ينثلم بالمنفصل يمكن أن يقال حيث أن ظهور المطلق في الاطلاق والعام في العموم باق بعد ورود المقيد والمخصص المنفصلين - فيصدق البلوغ وتشمله أخبار من بلغ. هذا فيما إذا كان المقيد والمخصص خبرا ضعيفا غير حجة، وأما إذا كان مشمولا لدليل الحجية فربما يقال: حيث يسقط ظهور المطلق والعام عن الحجية في تلك القطعة بواسطة تقديم ظهور المقيد والمخصص على ظهورهما فلا يصدق البلوغ بالنسبة إلى الظهور الذى ليس بحجة. ولكن أنت خبير بأن بلوغ شيء عن شخص بواسطة الاخبار عنه ليس إلا أن يكون كلام المخبر واخباره ظاهرا في أنه قال كذا سواء كان صادقا في اخباره أو كاذبا وسواء كان خبره حجة أولا. ولذلك يمكن أن يقال في المتعارضين بعد التساقط أيضا كما إذا كان أحدهما ظاهرا في الوجوب أو الاستحباب والآخر في نفيهما وان كان يسقط ما هو ظاهر في الوجوب أو الاستحباب عن الحجية إلا أن ظهوره في أحدهما باق فباخبار من بلغ
يثبت استحبابه. فلا فرق في صدق البلوغ وشمول أخبار من بلغ لتلك القطعة بين أن يكون ظهورهما حجة فيها أو لم يكن. نعم لو كان مفاد دليل المقيد والمخصص المعتبر حكما تحريميا، فلا يمكن القول باستحباب تلك القطعة بأخبار من بلغ. ثم انه هل تشمل أخبار من بلغ فتوى الفقيه باستحباب شيء أو وجوبه فيكون حاله حال الخبر الضعيف أم لا ؟ الظاهر عدم الشمول لان الفقيه يخبر عن رأيه بالوجوب أو الاستحباب وربما يكون منشأ رأيه وحدسه شيئا آخر غير الاخبار المروية عنهم عليهم السلام من الاستحسانات وتنقيح المناطات بنظره فلا ربط حينئذ بين الاخبار عن رأيه وفتواه وبين البلوغ عن النبي صلى الله عليه وآله مع انه لو كان منشأ رأيه وفتواه هي الاخبار أيضا لا يفيد لانه فرق بين رأيه المستنبط عن الاخبار وبين نقل ما قاله النبي فالاول ليس اخبارا عن النبي صلي الله عليه وآله ولا يصدق عليه البلوغ عن النبي بخلاف الثاني كما هو واضح. ثم أنه هل تشمل هذه الاخبار مورد الخبر الضعيف الذي مفاده وقوع بعض المصائب لاهل البيت عليهم السلام أو للنبي صلى الله عليه وآله بأن يقال حيث أنه من المسلم والمقطوع أن البكاء على مصائبهم عليهم السلام له أجر وثواب عظيم، فمفاد هذا الخبر الضعيف ينتهي إلى الاجر والثواب على البكاء في هذه المصيبة. ولكن انت خبير بأن هذا الكلام مغالطة عجيبة لان كون البكاء على مصائبهم موجبا للاجر والثواب أمر مسلم مقطوع فالمهم اثبات الصغرى وهي وقوع هذه المصيبة في الخارج وهي حيث أنها من الموضوعات الخارجية فلا يثبت بالخبر الصحيح الواحد فضلا عن الخبر الضعيف. نعم يمكن ان يقال إذا كان البكاء لظن وقوع مصيبة أو احتماله عليهم عليهم السلام يوجب الاجر والثواب، فكما أن الخبر الصحيح موجب لتحقق موضوع الاجر
والثواب - أي الظن أو احتمال وقوع تلك المصيبة - فكذلك الخبر الضعيف. وهذا لا ربط له بأخبار من بلغ، وما قلنا جار في جميع الموضوعات الخارجية التى دل على وجودها خبر ضعيف وان كان العمل المتعلق بذلك الموضوع كان له أجر وثواب وأما جواز نقل ما هو مضمون الخبر الضعيف الوارد في مصائبهم عليهم السلام واستناده إليهم صلوات الله عليهم فأجنبي عن مقامنا. والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا