45 - قاعدة يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب
قاعدة يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب [ * ] ومن جملة القواعد الفقهية قاعدة (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب). وفيها جهات من البحث: [ الجهة ] الاولى في الشرح مفهوم هذه القاعدة فنقول: الرضاع بفتح الراء وكسرها، وهكذا الرضاعة بالفتح والكسر مصدر رضع عبارة عن امتصاص الثدي أو الضرع أو مطلق شرب اللبن، سواء أكان منهما أو من غيرهما، واللبن كان من إنسان أو حيوان. ثم إن الرضاع مثل الولادة يوجب وجود إضافة بين شخصين أو أشخاص، والاضافة على قسمين: اعتبارية ومقولية، وذلك لان حقيقة الاضافة عبارة عن نسبة متكررة بين شيئين، بمعنى أن النسبة الموجودة في أحد الطرفين بالنسبة إلى الآخر موجودة أيضا في ذاك الطرف الآخر بالنسبة إلى هذا الطرف فإن كانت النسبتان الموجودتان في الطرفين من سنخ واحد تسمى تلك الاضافة بالاضافة المتشابهة الاطراف كمحاذاة جسم مع جسم آخر، حيث أن لكل واحد من الجسمين
(هامش)
[ * ] (عناوين الاصول) عنوان 94، (بلغة الفقيه) ج 3 ص 119 و 130 و 207، (اصول الاستنباط بين الكتاب و السنة) ص 169، (القواعد) ص 325، (قواعد فقه) ص 175، (قاعدتان فقهيتان اللاضر والرضاع) جعفر السبحاني. (*)
المتحاذيين نسبة مع الآخر. والنسبة من الطرفين تسمى بالمحاذاة أو المقابلة مثلا، فهما من سنخ واحد، وإن كانتا من سنخين تسمى تلك الاضافة بمخالفة الاطراف، كالفوقية والتحتية. فحينئذ إن كانت تلك النسبة المتكررة غير موجودة في عالم الاعيان بل صرف اعتبار اعتبرها العقلاء وأمضاها الشارع أو اعتبار من قبل نفس الشارع إحداثا لا إمضاء فقط كالملكية والزوجية فمثل هذه الاضافة تسمي إضافة اعتبارية لا حقيقية مقولية. وأما إن كانت تلك النسبة خارجية حقيقية وموجودة في عالم الاعيان كالفوقية والتحتية، فتسمى تلك الاضافة إضافة مقولية. والولادة التى هي عبارة عن انفصال قطعة من المني من شخص ثم دخولها واستقرارها في رحم شخص آخر حتى يصير بأمر الله جل جلاله إنسانا سويا فتضعها وتنفصل عنها توجب حدوث إضافات حقيقية ونسب خارجية مقولية بين شخصين أو أشخاص. فلتلك القطعة نسبة مع من انفصل عنه تسمى بالبنوة كما أن لمن انفصل عنه هذه القطعة نسبة معها تسمى بالابوه. وأيضا لتلك القطعة نسبة مع من استقرت في رحمها أيضا تسمى بالبنوة كما أنه لمن استقرت في رحمها نسبة مع تلك القطعة تسمى بالامومة، وهكذا في سائر النسب التي تحصل من الولادة كالبنتية والاختية. وهكذا العناوين الآخر كالجد والجدة والعم والعمة والخال والخالة، وابن الاخ وبنته، وأبن الاخت وبنتها، وإبن العم وبنته، وإبن العمة وبنتها، وإبن الخال وبنته، وإبن الخالة وبنتها. وموضوع تحريم النكاح بالنسب سبعة من هذه العناوين الحاصلة من الولادة بصريح الآية الشريفة (1) وهي: الامهات والبنات والاخوات والعمات
(هامش)
(1) النساء (4): 23. (*)
والخالات وبنات الاخ وبنات الاخت. والرضاع الذي هو عبارة عن امتصاص الثدي، أو الضرع، أو مطلق شرب اللبن - كما بيناه - أيضا يوجب حدوث إضافات حقيقية ونسب خارجية مقولية مثل الولادة طابق النعل بالنعل، فالولد الذي ارتضع من ثدي امرأة له نسبة مع المرضعة تسمى بالبنوة كما أن للمرضعة أيضا نسبة معه تسمى بالامومة، وأيضا للولد المرتضع نسبة مع زوج المرضعة الذي هو صاحب اللبن تسمى أيضا بالبنوة، كما أن لصاحب اللبن نسبة مع الولد المرتضع تسمى بالابوة وهكذا الحال بالنسبة إلى سائر الاضافات التي تحصل من الولادة تحصل كلها من الرضاع أيضا. وكل هذه الاضافات والنسب الحاصلة من الولادة أو من الرضاع خارجية حقيقية ومقولية تكوينية، وليست من الاعتباريات الصرفة التي لا وجود لها في الاعيان أصلا، بل هي موجودة في الخارج سواء أكان في العالم معتبر أو لم يكن. نعم تسمية تلك الاضافات بتلك الاسماء اعتبارات من الواضعين كما هو الحال بالنسبة إلى جميع الالفاظ الموضوعة لمعانيها، ولذلك تختلف باختلاف الامم واللغات وهذا واضح جدا. ثم لا يخفى أن الاضافة الحاصلة من الرضاع ليس أضعف من الاضافة الحاصلة من الولادة بتوهم عدم ترتب جميع الآثار المترتبة على الحاصلة من الولادة على الحاصلة من الرضاع، كالتوارث مثلا. وذلك من جهة أنه من الممكن أن يكون وجه عدم الترتب عدم جعل الشارع إحدى الاضافتين موضوعا مع ترتيبه الاثر على الاخرى بدون أن يكون إختلاف في الاضافتين من حيث الشدة والضعف، بل تصوير الاختلاف بالشدة والضعف في سنخ واحد من الاضافة - كالابوة أو الامومة مثلا - في الحاصلة من الولادة مع الحاصلة من الرضاع لا يخلو من غموض وإشكال.
ثم إن الالفاظ الموضوعة لهذه النسب والاضافات كالاب والام وغيرهما هل موضوعة للجامع بين القسمين ؟ بمعنى أن لفظ الام - مثلا - موضوع للجامع بين الامومة الحاصلة من الولادة والحاصلة من الرضاع كي تكون آية تحريم نكاح العناوين السبعة - أعنى: الامهات والبنات والاخوات والعمات والخالات وبنات الاخ وبنات الاخت - دالة على تحريم ما يحصل من هذه العناوين بالرضاع، كما تدل على تحريم ما يحصل منها بالولادة من دون احتياج إلى دليل آخر. أو مشترك لفظي بينهما، كي لا تكون دالة على ذلك، لان استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد لا يجوز، وإرادة هذه العناوين الحاصلة من الولادة معلوم من الآية فيحتاج - تحريم ما يحصل من هذه العناوين من الرضاع - إلى دليل آخر غير الآية ؟ أو تكون حقيقة في الحاصلة من الولادة ومجاز في ما يحصل من الرضاع. وبناء على هذا أيضا تحريم ما يحصل من الرضاع يحتاج إلى دليل آخر. إحتمالات. الاقرب هو الاخير لان هذا تنزيل شرعي، وإلا عند العرف هذه العناوين ظاهرة في الحاصلة من الولادة، حتى أن الشارع لو لم يجعل الرضاع سببا محرما لما كان يلتفت العرف إلى هذه العناوين بالنسبة إلى الرضاع أصلا، خصوصا في ما عدى الام والاخت. الجهة الثانية في الدليل على هذه القاعدة وهو ثلاثة: الاول: الآية الشريفة وهي قوله تعالى: (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم
من الرضاعة). (1) ولكن في هذه الآية الشريفة لم يذكر مما يحرم بالرضاع إلا موردين: أم الرضاعية والاخت من الرضاعة، وأما سائر ما يحرم بالنسب - كالعمة والخالة وبنات الاخ وبنات الاخت وغيرها - - فيستفاد - حرمتها من الحديث الشريف المروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) (2). الثاني: الاجماع، بل هو من ضروريات الدين ولا خلاف فيه في الجملة بين المسلمين. نعم هناك اختلاف بين الفقهاء في تحقق الرضاع الشرعي الذي جعل موضوعا لحرمة التزويج من حيث شروط الرضاع، بعضها يتعلق بالرضيع، وبعضها بمدة الرضاع، وبعضها بكيفية الارتضاع، وبعضها بالمرضعة، وسنذكرها وما هو المختار منها إن شاء الله تعالى. الثالث: الاخبار. فمنها: النبوي الذي رواه الفريقان: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب). ومنها: ما رواه في الكافي والتهذيب عن عبد الله بن سنان - في الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: (يحرم من الرضاع ما يحرم من القرابة) (3). ومنها: ما رواه في الكافي عن عبد الله بن سنان - في الصحيح أو الحسن - عن أبي عبد الله عليه السلام: (لا يصلح للمرأة أن ينكحها عمها ولا خالها من الرضاعة) (4).
(هامش)
(1) النساء (4): 23. (الفقيه) ج 3 ص 475 ح 4665 باب الرضاع ح 5، (وسائل الشيعة) ج 14 ص 280 أبواب ما يحرم بالرضاع باب 1 ح 1، (صحيح البخاري) ج 3 ص 222 باب الشهادة على الانساب والرضاع المستفيض، (صحيح مسلم) ج 2 ص 1070 ح 1445 كتاب الرضاع ج 2 ص 1070 ح 9 باب تحريم الرضاعة من ماء الفحل، (مسند أحمد) ج 1 ص 454 ح 2486 مسند عبد الله بن عباس. (3) (الكافي) ج 5 ص 437 باب الرضاع ح 1، (تهذيب الاحكام) ج 7 ص 291 ح 1222 باب من أحل الله نكاحه من النساء وحرم منهن في شرع الاسلام ح 58. (4) (الكافي) ج 5 ص 445 باب نوادر في الرضاع ح 10، (وسائل الشيعة) ج 14 ص 300 أبواب ما يحرم (*)
ومنها ما رواه في الكافي والفقيه عن أبي عبيدة الحذاء - في الصحيح - قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها ولا على أختها من الرضاعة) (1). وقال: أمير المؤمنين عليه السلام: (عرضت على رسول الله صلى الله عليه وآله ابنة حمزة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أما علمت أنها ابنة أخي من الرضاعة ؟ وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وعمه قد رضعا من امرأة) (2). ومنها: ما رواه في الكافي: عن عبد الله بن سنان - في الصحيح - عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سئل وأنا حاضر عن امرأة ارضعت غلاما مملوكا لها من لبنها حتى فطمته هل لها أن تبيعه ؟ قال: فقال: (لا هو ابنها من الرضاعة حرم عليها بيعه وأكل ثمنه) قال: ثم قال: (أليس رسول الله صلى الله عليه وآله قال: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ؟) (3). ومنها: ما رواه الشيخ - في الصحيح - عن الحلبي وابن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام في امرأة أرضعت ابن جاريتها قال: (تعتقه) (4). ومنها ما رواه عن أبي بصير وأبي العباس وعبيد كلهم جميعا عن أبي
(هامش)
بالرضاع باب 8 ح 5. (1) (الكافي) ج 5 ص 445 باب نوادر في الرضاع ح 11، (وسائل الشيعة) ج 14 ص 304 أبواب ما يحرم بالرضاع باب 13 ح 1. (2) (الكافي) ج 5 ص 445 باب نوادر في الرضاع ح 11، (الفقيه) ج 3 ص 411 ح 4436 باب ما أحل الله عزوجل من النكاح وما حرم منه ح 21، (تهذيب الاحكام) ج 7 ص 292 ح 1229 باب من أحل الله نكاحه من النساء وحرم منهن في شرع الاسلام ح 65، (وسائل الشيعة) ج 14 ص 300 أبواب ما يحرم بالرضاع باب 8 ح 6. (3) (الكافي) ج 5 ص 446 باب نوادر في الرضاع ح 16، (وسائل الشيعة) ج 14 ص 307 أبواب ما يحرم بالرضاع باب 17 ح 1. (4) (تهذيب الاحكام) ج 8 ص 243 ح 878 باب العتق وأحكامه ح 111، (وسائل الشيعة) ج 14 ص 307 أبواب ما يحرم بالرضاع باب 17 ح 2. (*)
عبد الله عليه السلام قال: (لا يملك أمه من الرضاعة، ولا أخته ولا عمته ولا خالته فإنهن إذا ملكن عتقن). وقال: (كلما يحرم من النسب فإنه يحرم من الرضاع)) (1). ومنها: ما عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: سألت أبا لحسن الرضا عليه السلام عن امرأة أرضعت جارية ولزوجها ابن من غيرها أيحل للغلام ابن زوجها أن يتزوج الجارية التي ارضعت ؟ فقال: (اللبن للفحل) (2). ومنها: ما في الحسن عن الحلبي قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: أم ولد رجل قد أرضعت صبيا وله ابنة من غيرها أيحل لذلك الصبي هذه الابنة ؟ قال: (ما أحب أن أتزوج ابنة رجل قد رضعت من لبن ولده) (3). ومنها: ما في الموثق عن سماعة قال: سألته عن رجل كان له امرأتان فولدت كل واحدة منهما غلاما فانطلقت إحدى امرأتيه فارضعت جارية من عرض الناس أينبغي لابنه أن يتزوج بهذه الجارية ؟ قال: (لا، لانها أرضعت بلبن الشيخ) (4). ومنها: ما رواه الشيخ - في الصحيح - عن صفوان بن يحيى عن أبي الحسن عليه السلام قال: قلت له: أرضعت أمي جارية بلبني فقال: (هي أختك من الرضاعة). قال: قلت: فتحل لاخ لي من أمي لم ترضعها أمي بلبنه، يعني ليس بهذا البطن ولكن ببطن آخر ؟ قال: (والفحل واحد ؟) قلت نعم: هو أخي لابي وأمي قال: (اللبن للفحل صار أبوك
(هامش)
(1) (الفقيه) ج 3 ص 113 ح 3435 باب العتق وأحكامه ح 3، (تهذيب الاحكام) ج 8 ص 246 ح 877 باب العتق وأحكامه ح 110، (وسائل الشيعة) ج 13 ص 29 أبواب بيع الحيوان باب 4 ح 1. (2) (قرب الاسناد) ص 369 ح 1323 أحاديث متفرقة، (الكافي) ج 5 ص 440 باب: صفة لبن الفحل ح 4، (وسائل الشيعة) ج 14 ص 295 أبواب ما يحرم بالرضاع باب 6 ح 7. (3) (الكافي) ج 5 ص 441 باب: صفة لبن الفحل ح 6، (تهذيب الاحكام) ج 7 ص 319 ح 1319 باب ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ح 27، (الاستبصار) ج 3 ص 199 ح 722 باب: ان اللبن للفحل ح 4، (وسائل الشيعة) ج 14 ص 295 أبواب ما يحرم بالرضاع باب 6 ح 8. (4) (الكافي) ج 5 ص 440 باب: صفة لبن الفحل ح 2، (تهذيب الاحكام) ج 7 ص 319 ح 1317 باب: ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ح 25، (الاستبصار) ج 3 ص 199 ح 720 باب: ان اللبن للفحل ح 2، (وسائل الشيعة) ج 14 ص 295 أبواب ما يحرم بالرضاع باب 6 ح 6. (*)
أباها وأمك أمها) (1). ومنها: في الصحيح عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل تزوج امرأة فولدت منه جارية ثم ماتت المرأة فتزوج أخرى فولدت منه ولدا ثم إنها أرضعت من لبنها غلاما أيحل لذلك الغلام الذي أرضعته أن يتزوج ابنة المرأة التي كانت تحت الرجل قبل المرأة الاخيرة ؟ قال: (ما أحب أن يتزوج ابنة فحل قد رضع من لبنه) (2). ومنها: ما عن التهذيب - في الموثق - عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (إذا رضع الرجل من لبن امرأة حرم عليه كل شيء من ولدها وإن كان الولد من غير الرجل الذي كان أرضعت بلبنه، وإذا أرضع من لبن رجل حرم عليه كل شي من ولده وإن كان من غير المرأة التي أرضعته) (3). ومنها: ما عن الكافي - في الصحيح أو الحسن - عن الحلبي وعبد الله ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل تزوج جارية صغيرة فارضعتها امرأته أو أم ولده قال: (تحرم عليه). (4) ومنها: أيضا ما في الكافي - في الصحيح أو الحسن - عن الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لو أن رجلا تزوج جارية رضيعة فأرضعتها امرأته فسد النكاح) (5).
(هامش)
(1) (تهذيب الحكام) ج 7 ص 322 ح 1328 باب: ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ح 36، (وسائل الشيعة) ج 14 ص 299 أبواب ما يحرم بالرضاع باب 8 ح 3. (2) الكافي) ج 5 ص 440 باب: صفة لبن الفحل ح 5، (تهذيب الاحكام) ج 7 ص 319 ح 1318 باب: ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ح 26، (الاستبصار) ج 3 ص 199 ح 721 باب: ان اللبن للفحل ح 3، (وسائل الشيعة) ج 14 ص 294 أبواب ما يحرم بالراضع باب 6 ح 5. (3) (تهذيب الاحكام) ج 7 ص 321 ح 1325 باب: ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ح 33، (وسائل الشيعة) ج 14 ص 306 أبواب ما يحرم بالرضاع باب 15 ح 3. (4) (الكافي) ج 5 ص 444 باب: نوادر في الرضاع ح 4، (وسائل الشيعة) ج 14 ص 305 أبواب ما يحرم بالرضاع باب 15 ح 1. (5) (الكافي) ج 5 ص 445 باب: نوادر في الرضاع ح 6، (وسائل الشيعة) ج 14 ص 303 أبواب ما يحرم بالرضاع باب 10 ح 2. (*)
قال: وسألته عن امرأة رجل أرضعت جارية أتصلح لولده من غيرها ؟ قال: (لا). قلت: فنزلت منزلة الاخت من الرضاعة قال: (نعم من قبل الاب) (1). ومنها: رواية عثمان عن أبي الحسن عليه السلام قال: قلت له: إن أخي تزوج امرأة فأولدها فانطلقت فارضعت جارية من عرض الناس، فيحل لي أن اتزوج تلك الجارية التي أرضعتها امرأة أخي ؟ فقال: (لا إنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) (2). ومنها: رواية مسمع عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: (ثمانية لا يحل مناكحتهم - إلى أن قال: - امتك وهي عمتك من الرضاع امتك وهي خالتك من الرضاع) (3). ومنها: روايته الاخرى عنه عليه السلام قال: (عشر لا يجوز نكاحهن - إلى أن قال: - امتك وهي عمتك من الرضاعه امتك وهي خالتك من الرضاعة) (4). ومنها: رواية مسعدة بن زياد عن أبي عبد الله عليه السلام: (يحرم من الاماء عشر: لا يجمع بين الام والبنت، ولا بين الاختين - إلى أن قال: - ولا امتك وهي عمتك من الرضاعة، ولا امتك وهي خالتك من الرضاعة ولا امتك وهي أختك من الرضاعة) (5).
(هامش)
(1) (الكافي) ج 5 ص 444 باب: نوادر في الرضاع ح 4، (وسائل الشيعة) ج 14 ص 302 أبواب ما يحرم بالرضاع باب 10 ح 1. (2) (تهذيب الاحكام) ج 7 ص 323 ح 1332 باب: ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ح 40، (وسائل الشيعة) ج 14 ص 300 أبواب ما يحرم بالرضاع باب 8 ح 7. (3) (الكافي) ج 5 ص 447 في نحوه (في كتاب النكاح) ح 1، (تهذيب الاحكام) ج 7 ص 293 ح 1230 باب: من أحل الله نكاحه من النساء وحرم منهن في شرع الاسلام ح 66، (وسائل الشيعة) ج 14 ص 300 أبواب ما يحرم بالرضاع باب 8 ح 4. (4) (تهذيب الاحكام) ج 8 ص 198 ح 696 باب: السراري وملك الايمان ح 2، (وسائل الشيعة) ج 14 ص 517 أبواب نكاح العبيد والاماء باب 19 ح 2. (5) (الفقيه) ج 3 ص 451 ح 4559 أحكام المماليك والاماء ح 4، (تهذيب الاحكام) ج 8 ص 198 (*)
ومنها: صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في رجل فجر بامرأة أيتزوج أمها من الرضاعة أو بنتها ؟ قال: (لا) (1). قال في الحدائق: ومن هذه الصحيحة يستفاد أنه لو لاط بغلام حرمت عليه أمه وأخته وبنته من الرضاع، كما يحرمن من النسب تحقيقا لفرعية الرضاع على النسب، كما دلت عليه هذه الاخبار (2). وأنت إذا تدبرت وتأملت في هذه الاخبار وفي الآية الشريفة (3) عرفت أن هذه الاخبار أغلبها وكذلك الآية الشريفة ليست وافية بجميع ما يحرم بالرضاع وشاملة لجميع فروعها، إلا قوله صلى الله عليه وآله: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) وهكذا قوله عليه السلام: (يحرم من الرضاع ما يحرم من القرابة) الذي هو أيضا بمعنى الاول، فإن هذا الكلام الشريف يشمل جميع موارد الرضاع وفروعه، إلا ما شذ مما ورد فيه دليل خاص في مورد مخصوص، كما سنذكره فيما سيأتي إن شاء الله. وذلك من جهة أن الآية الشريفة لم يذكر فيها إلا الامهات من الرضاعة والاخوات منها. وأما الاخبار فكذلك لم يذكر في أغلبها إلا بعض موارد التحريم بالرضاع. وأما قوله صلى الله عليه وآله: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) قضية كلية مفادها أن كل عنوان من العناوين السبعة المعروفة، أو من غيرها التي توجب حرمة نكاح المرأة إذا كان حاصلا من النسب فذلك العنوان بعينه يوجب حرمة النكاح إذا كان حاصلا
(هامش)
ح 695 باب: السراري وملك الايمان ح 1، (وسائل الشيعة) ج 14 ص 517 أبواب نكاح العبيد والاماء باب 19 ح 1. (1) (الكافي) ج 5 ص 416 باب: الرجل يفجر بالمرأة فيترزوج أمها أو ابنتها...، ح 8، (تهذيب الاحكام) ج 7 ص 331 ح 1360 باب: القول في الرجل يفجر بالمرأة ثم يبدو له في نكاحها... ح 18، (وسائل الشيعة) ج 14 ص 325 أبواب ما يحرم بالمصاهرة ونحوها باب 7 ح 1. (2) (الحدائق الناضرة) ج 23 ص 442. (3) النساء (4): 23. (*)
من الرضاع، مثلا الامومة إحدى تلك العناوين التي توجب حرمة نكاح الام على ابنها إذا كانت حاصلة من النسب - أي: الولادة - فهذا العنوان بعينه إذا كان حاصلا من الرضاع أيضا يوجب الحرمة. فمن النسب يحرم عنوان الام والبنت والاخت وغيرها من العناوين المحرمة بوجوداتها السارية في جميع مصاديقها، فكذلك تحرم نفس هذه العناوين إيضا الحاصلة من الرضاع بوجوداتها السارية، فلا حاجة إلى تقدير لفظة (المثل) أو (النظير) بأن يقال: يحرم من الرضاع نظير ما يحرم من النسب كما صنعه شيخنا الاعظم قدس سره في رسالته المعمولة في الرضاع (1) مع اعترافه بأن ظاهر هذا الحديث الشريف هو أن عين ما يحرم بالنسب يحرم بالرضاع. نعم لو كان المراد بالموصول في قوله صلى الله عليه وآله: (ما يحرم بالنسب) النساء الخارجيات المعنونات بهذه العناوين، فلا بد حينئذ من التقدير، ولكن هذا خلاف ظاهر اللفظ، لان ظاهره - كما ذكرنا - أن نفس العناوين التي تحرم من النسب تحرم أيضا إذا كانت من الرضاع. إن قلت: قد تكون الحرمة من جهة المصاهرة الشرعية كام الزوجة أو بنتها مع الدخول بها، أو من جهة الزنا كأم المزني بها وبنتها، أو من جهة الايقاب كأم الغلام الموقب وأخته وبنته، مع أن كل هذه المذكورات تحرم إذا كانت هذه العناوين حاصلة من الرضاع، فالام الرضاعية للزوجة، وبنتها الرضاعية مع الدخول بها، والام والبنت للمزنيتان بها، والام والاخت والبنت الرضاعيات للموقب تحرم هذه كلها مع أن الحرمة آتية من ناحية المصاهرة والزنا والايقاب لا النسب، فيحتاج حرمة هذه المذكورات إلى دليل غير هذا الحديث الشريف. قلت: إن في حرمة أم الزوجة على الزوج - مثلا - إذا كانت الامومة حاصلة من
(هامش)
(1) (كتاب المكاسب) ص 376 و 382. (*)
النسب جهتين: احديهما: المصاهرة، ولاجل ذلك عدها الفقهاء قدس سرهم في المحرمات بالمصاهرة، إذ لو لم يكن بين هذا الرجل وهذه المرأة مصاهرة لما كان يحرم عليه أمها. ثانيهما: النسب أي نسبة الامومة التي بين الزوجة وأمها. فهذه النسبة أيضا دخيلة في حرمة أم الزوجة على الزوج، إذ لو لم تكن بين الزوجة وتلك التي نسميها أمها نسبة، بل كانت أجنبية عنها لما كانت تحرم على الزوج. فثبت أن هناك جهتان يمكن إسناد الحرمة إلى مجموع الجهتين ويمكن إسنادها إلى كل واحدة منهما. وأما عدها الفقهاء في المحرمات بالمصاهرة فلاجل مقابلتها مع ما هو علة الحرمة متمحض في النسب كالعناوين السبعة المعروفة، لا أن علة الحرمة فيها منحصرة في المصاهرة كما توهم. وهكذا الحال في أم المزني بها وبنتها وأم الموقب وأخته وبنته، ففي كل من هذه أيضا جهتان: ففي الاول جهة الزنا وجهة النسب، وفي الثاني جهه الايقاب وجهة النسب ويصح إسناد الحرمة إلى كل واحدة من الجهتين، كما يصح إسنادها إلى مجموعهما. فالحديث الشريف يشمل جميع هذه الموارد، لصدق أن الحرمة في هذه الموارد من جهة النسب، وإن كان يصدق أيضا أنها من جهة المصاهرة أو الزنا أو الايقاب. ولا دليل على أن شمول الحديث لا بد وأن يكون في مورد تكون النسب علة تامة منحصرة للتحريم، بل ظاهره أن في كل مورد تكون العلاقة الحاصلة من النسبة دخيلة في الحرمة تكون تلك العلاقة إذا كانت حاصلة من الرضاع تقوم مقام العلاقة الحاصلة من النسب. فلو كان موضوع الحرمة مركبا من أمرين: أحدهما الاضافة الحاصلة من النسب، وبوجودها وحدها لا يترتب الحكم، بل لا بد من وجود الجزء الآخر وهو
ثانيهما، كذلك تلك الاضافة وحدها لو حصلت من الرضاع لا توجب ثبوت الحكم، بل لا بد من وجود الجزء الآخر أي المصاهرة أو الزنا أو الايقاب. نعم هذا الحديث الشريف لا يشمل العناوين الملازمة للعناوين النسبية المحرمة - كما توهم - ويسمونها بعموم المنزلة، لان ظاهرة هو أن نفس هذه العناوين التي توجب تحريم المعنون بها الحاصلة من النسب توجب التحريم أيضا، إذا كانت حاصلة من الرضاع، لا الملازم لها، فأم الاخ النسبي ملازم لاحد العنوانين الذين كل واحد منهما يوجب التحريم وهما: أم الانسان وزوجة أبيه، وكلتاهما محرمتان عليه، ومع ذلك عنوان أم الاخ ليس من العناوين المحرمة. وسيأتي تفصيل هذه المسألة وما يقول القائل بعموم المنزلة وما يقول من يخالفه. ثم إنه لا يتوهم: أن المراد من النسب هي النسبة التي بين المحرم والمحرم عليه كي لا تشمل المذكورات، لانه لا نسبة بين الرجل وأم زوجته، أو بين الزاني وأم المزني بها، أو بين الموقب وأم الغلام الموقب مثلا، لانه لا وجه لهذا التقييد، بل ظاهر الحديث - كما ذكرنا - هو أن كلما كانت النسبة سببا للحرمة بأن تكون تمام الموضوع أو جزء للموضوع إذا كانت حاصلة من الولادة فيقوم مقامها عين تلك النسبة إذا كانت حاصلة من الرضاع، سواء أكانت النسبة النسبية بين المحرم والمحرم عليه، كالعناوين السبعة المعروفة، أو كان بين شخصين آخرين كالنسبة التي بين الزوجة وأمها أو بين المزني بها وأمها، أو بين الغلام الموقب وأمها. الجهة الثالثة فيما إذا شك في الرضاع من جهة الشبهة المفهومية أو المصداقية فتارة نتكلم من حيث الرجوع إلى الاطلاق ورفع الشك بها وأخرى من جهة الرجوع إلى الاصول العملية.
ومعلوم أنه مع إمكان رفع الشك بالاطلاقات لا يبقي مجال للرجوع إلى الاصول العملية، لحكومة الاصول اللفظية عليها. أما التكلم من جهة الاولى: فنقول: إنه فرع أن يكون هناك إطلاق في البين وهو متفرع على أن يكون الرضاع الموجود في الادلة العامة هو ما يكون عند العرف رضاعا، وإلا لو كان معنى شرعيا - استعمل لفظة (الرضاع) فيه مجازا أو بوضع آخر - فلا يمكن التمسك بالاطلاق اللفظي، لان العرف لا طريق له إلا بيان الشارع في فهم مراده، فإذا شككنا في اشتراط الرضاع بشرط أو تقيده بقيد في الشبهة المفهومية فليس إطلاق في البين حتى يرفع هذا الشك. نعم لا بأس بالتمسك بالاطلاق المقامي وهو أن الشارع بصدد بيان تمام ما له دخل في حكمه أي الحرمة في هذا المقام فلو كان شيء آخر غير المذكورات له دخل كان عليه البيان. وقد بينا نظير ذلك في الاصول في باب الصحيح والاعم بالنسبة إلى لفظة (الصلاة) بناء على وضعه للصحيح. وأما الشبهة المصداقية فلا يمكن التمسك لرفعها بالاطلاق على كل حال سواء أكان لفظة (الرضاع) المستعمل في الادلة بمعناه العرفي أم لا، لانه من قبيل التمسك بالعام لما هو مشكوك المصداقية له، وهذا من قبيل إثبات الموضوع بالحكم وهو غير معقول. والظاهر: أن لفظ (الرضاع) في الروايات العامة لم يستعمل إلا فيما هو المراد منه عند العرف، غاية الامر أن الشارع جعله موضوعا لحرمة النكاح مقيدا بقيود. وذلك من جهة أن الرضاع في اللغة ولو كان بمعنى مطلق الامتصاص أو الشرب ولو كان مرة ومقدارا قليلا من اللبن، ولكن المتفاهم العرفي منه لا يبعد أن يكون
الشرب مدة من الزمن حدده الشارع بكذا، مثل السفر والاقامة وغيرهما من الامور المتكممة عند العرف والشرع، وإن كان التحديد الشرعي ربما يكون أوسع مما عند العرف، وربما يكون أضيق. فتلخص مما ذكرنا: أنه يمكن التمسك بالاطلاق اللفظي مثل الاطلاق المقامي لرفع الشك فيما شك في شرطيته وفي مدخليته في الرضاع المحرم. ثم إنه هل يمكن تنقيح موضوع الرضاع الذي جعله الشارع محرما - بعد الفراغ عن أن الشيء الفلاني مثلا شرط له - بالاستصحاب ؟ مثلا بعد الفراغ عن أن الحياة شرط في المرضعة، فإذا شككنا في حياتها فهل يمكن إثبات الموضوع المترتب عليه الحرمة باستصحاب الحياة أم لا ؟ والظاهر: أنه لا مانع من إثباته به، لان الظاهر من الادلة أن الموضوع مركب من شرب اللبن مع هذه القيود والشروط، فيكون من قبيل الموضوعات المركبة التي أحرز بعضها بالاصل وبعضها الآخر بالوجدان لا أن الموضوع للحرمة عنوان بسيط متحصل من هذا المركب الخارجي مثل الطهارة الحاصلة من الغسلات والمسحات في باب الوضوء بناء على أنها من هذا القبيل، كي يكون الاستصحاب مثبتا بالنسبة إلى حصول ذلك العنوان. هذا كله فيما إذا كان المرجع هي الاطلاقات. وأما إذا لم يكن إطلاق في البين ووصلت النوبة إلى الاصول العملية فالشبهة إما حكمية وإما موضوعية مصداقية. فالاول - أي الشبهة الحكمية - كما إذا شككنا في إعتبار شيء فيه شرعا ولم يكن إطلاق نتمسك به إما لعدم كون مفهوم الرضاع الذي جعله الشارع موضوعا لحرمة النكاح مفهوما عرفيا والمفهوم الشرعي غير معلوم على الفرض، للشك في اعتبار هذا الشيء مثلا فيه. وإما من جهة عدم إحراز كون الشارع في مقام البيان في
الادلة العامة، وأيضا لم يكن إطلاق مقامي في البين، وإلا لا تصل النوبة إلى الاصول العملية. وأنت خبير بأن كلما ذكرنا صرف فرض، وإلا من الواضح أن الرضاع بماله من المفهوم العرفي أخذ موضوعا للحكم الشرعي، ومعلوم أن الشارع بصدد بيان تمام ما له دخل في الحرمة، وعلى فرض عدم تمامية هذين لا إشكال في وجود الاطلاق المقامي، فلا تصل النوبة إلى الاصول العملية في الشبهة الحكمية أصلا. ولكن مع ذلك لو فرضنا الوصول إلى تلك المرتبة فربما يتوهم جريان حديث الرفع لرفع شرطية ما هو مشكوك الشرطية للرضاع المحرم، أو جزئية ما هو مشكوك الجزئية. أو قيدية كل ما يحتمل أن يكون قيدا. وفيه: أن حديث الرفع وإن كان يجري لرفع جزئية مشكوك الجزئية وشرطية مشكوك الشرطية - كما حققناه في الاصول - إلا أنه حيث كان في مقام الامتنان فلا يجري إلا في ما كان في رفعه منة على الامة، وهاهنا جريانه ضد الامتنان، لانه يلزم أولا من جريانه ثبوت الحرمة حتى في فاقد المشكوك الشرطية وفي فاقد المشكوك الجزئية. وثانيا أن كون الفاقد موضوعا مشكوك، وإثباته بإجراء حديث الرفع من الاصل المثبت. وأما جريانه في مشكوك الموضوعية بأن يقال: موضوعية مشكوك الموضوعية غير لوم معلوم، فمرفوع، فعلى فرض صحته ينتج عكس المقصود، لان مشكوك الموضوعية هو الفاقد لذلك الجزء أو الشرط المشكوك فينتج مدخلية المشكوك في الموضوع وشرطيته له. وأما استصحاب عدم جزئية جرء المشكوك، أو شرطية شرط المشكوك فليس له حالة سابقة، والعدم المحمولي مثبت بالنسبة إلى الآخر النعتي. وأما استصحاب عدم تحقق ما هو الموضوع للتحريم عند الشارع بالمعنى العدم
النعتي ليس له حالة سابقة، والعدم المحمولي وإن كان لا مانع من جريان لكن مثبت. وأما استصحاب عدم الحرمة - بأن يقال: بأن هذه المرأة لم تكن محرمة على هذا الولد قبل أن يرتضع منها عشر رضعات، وبعد ارتضاعه منها هذا المقدار نشك في التحريم أو حصول الامومة مثلا، فنستصحب عدم تحققهما أي التحريم والامومة مثلا فلا بأس به. وأما ما ربما يتوهم: من أنها قبل وقوع العقد عليها كانت أجنبية ومحرمة عليه لانها أجنبية وبعد العقد نشك في حصول الزوجية وحلية الوطي وسائر آثار الزوجية مثلا فنستصحب تلك الحرمة، أو عدم حصول الزوجية، أو عدم تلك الآثار. ففيه: أن الاستصحاب الاول حاكم على هذا الاستصحاب، لان الشك في بقاء عدم الزوجية - وكونها أجنبية - مسبب عن صيرورتها بهذا المقدار من الرضاع - مثلا - معنونة بأحد العناوين المحرمة، وبعد جريان الاستصحاب في عدم حصول أحد هذه العناوين لا يبقى مجال لهذا الشك أصلا ويرتفع تعبدا، وهذا معنى الحكومة. هذا كله في الشبهة الحكمية. وأما الشبهة الموضوعية المصداقية أي: الثاني من قسمي الشبهة، فإن لم يكن أصلا موضوعيا في البين ينقح موضوع المشتبه، ووصلت النوبة إلى الاصل الحكمي، وذلك لان الاصول الجارية في الموضوعات حاكمة على الاصول الجارية في أحكامها، فمقتضى الاصل الحكمي هي حلية المرأة المشتبهة حليتها وحرمتها، وهو قوله عليه السلام: (كل شيء هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه) (1). إلا أن يقال بعدم جريان أصالة الحل في مثل هذه الشبهة أيضا لاهتمام الشارع بحفظ الاعراض وباب الفروج والدماء.
(هامش)
(1) (الكافي) ج 5 ص 313 باب النوادر (من كتاب المعيشة) ح 40، (تهذيب الاحكام ج 7 ص 226 ح 989 باب من الزيادات ح 9، (وسائل الشيعة) ج 12 ص 60 أبواب ما يكتسب به باب 4 ح 4. (*)
ولكن ذيل رواية مسعدة بن صدقة التي يقول فيها الامام عليه السلام: (أو امرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك، والاشياء كلها على هذا حتى يستبين أو تقوم به البينة) (1) ينفي هذا الاحتمال. اللهم إلا أن يقال بوجود الاصل الموضوعي في مورد الرواية وهو أصالة عدم تحقق العلاقة والاضافة الاختية بينه وبينها نسبية أو رضاعية فتكون حليتها من جهة تنقيح موضوعها وإخراجه عن موضوع الحرمة تعبدا. وأما الاصول الموضوعية في الشبهة المصداقية فمختلفة هي ومواردها وآثارها جدا باعتبار المشكوك ومنشأ الشك. وعلى كل حال لا يبقى مجال لجريان الاصل الحكمي بعد جريانها، لما ذكرنا من حكومتها عليها وإدخالها للموضوع تحت موضوع الحرمة أو الحلية تعبدا فيرتفع الشك تعبدا فمثلا لو شككنا في حياة المرضعة وقلنا إن موضوع حرمة النكاح مركب من الارتضاع من ثدي المرأة وكون المرأة حية، لا أنه أمر بسيط مسبب عن هذه الامور فباستصحاب بقاء الحياة يثبت الموضوع فيحكم بالحرمة فلا يبقى مجال لجريان أصالة الحل، لعدم بقاء الموضوع له تعبدا. وكذا لو شككنا في أن اللبن من نكاح ووطي صحيح أم لا ؟ فبجريان أصالة الصحة في العقد يثبت النكاح الصحيح ويرتفع الشك. وقد يكون الاصل الموضوعي موجبا لرفع موضوع الحرمة، كما هو الحال في أغلب موارد الشك والشبهة المصداقية، لان إستصحاب عدم حصول أحد هذه العناوين السبعة - من المشكوك الرضاعية - يكفي غالبا لارتفاع موضوع الحرمة، إلا إن يكون أصلا جاريا في طرف الموضوع أعني نفس الرضاع مع شرائطها وقيودها يكون موجبا لاحرازها أو إحراز البعض المركب منه ومن غيره فيكون حاكما على (هامش)
(1) تقدم راجع ص 335. (*)
هذا الاصل أعني أصالة عدم حصول أحد هذه العناوين. وحاصل الكلام في هذا المقام: أن الاصل الحكمي بحسب طبعه الاولى هي الحلية لو لم يكن مخصصا بالاجماع على الاحتياط في باب الفروج في الشبهات المصداقية، والاصل الموضوعي حاكم عليه مطلقا سواء أكان موافقا له أو كان مخالفا له. والاصول الجارية في الموضوع غالبا تكون رافعة لموضوع الحرمة، وقد تكون في الموارد القليلة موجبة لاثبات موضوع الحرمة، وذلك في كل مورد يكون الاصل الموضوعي مثبتا لبعض أجزاء الموضوع المركب، أو بعض شرائطه وقيوده، ويكون البعض الآخر من ذلك الموضوع المركب محرزا بالوجدان كي يكون الموضوع المركب بعضه محرزا بالاصل وبعضه بالوجدان. هذا تمام الكلام في حكم الشك في تحقق الرضاع مفهوما ومصداقا من حيث الرجوع إلى الاطلاقات، ومن حيث الرجوع إلى الاصول العملية. الجهة الرابعة في شرائط تحقق الرضاع وهي أمور: [ الشرط ] الاول: يشترط أن يكون اللبن عن نكاح صحيح أي وطي غير محرم، فإذا كان عن الفجور بامرأة فلا يكون محرما وموجبا لنشر الحرمة قطعا إجماعا بقسمية كما عن الجواهر. (1) وقد حققنا في الاصول عدم حجية مثل هذه الاجماعات التي لها مدرك بل مدارك من الاخبار. فالعمدة في دليل هذا الحكم قوله عليه السلام فيما رواه دعائم الاسلام عن علي عليه السلام: أنه
(هامش)
(1) (جواهر الكلام) ج 29 ص 265 و 266. (*)
قال: (لبن الحرام لا يحرم الحلال، ومثل ذلك امرأة أرضعت بلبن زوجها ثم أرضعت بلب 4 ن فجور. قال: ومن أرضع من فجور بلبن صبية لم يحرم من نكاحها، لان اللبن الحرام لا يحرم الحلال) (1). وقد ورد بهذه الجملة تعليلا لعدم حرمة الحلال بالحرام في موارد عديدة وعلى فرض عدم اعتبار ما يتفرد به دعائم الاسلام هناك روايات معتبرة دالة على أن اللبن الذي يوجب الارتضاع منه نشر الحرمة لا بد وأن يكون عن وطي صحيح، بأن تكون زوجته بالعقد الدائم أو المنقطع، أو تكون ملكا للواطي، أو تكون محللة له من قبل المالك مع اجتماع شرائط التحليل، فما ليس عن وطى كما لو درت بدون وطي أصلا لا يوجب الحرمة فضلا عن أن يكون بوطي محرم مثل الحيض والمحلوفة على ترك وطيها وعن الزنا. ومن تلك الاخبار ما رواه في الكافي عن يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن امرأة در لبنها من غير ولادة، فارضعت جارية وغلاما من ذلك اللبن، هل يحرم بذلك اللبن ما يحرم من الرضاع ؟ قال: (لا). (2) ورواه الصدوق بإسناده عن ابن أبي عمير عن يونس بن يعقوب مثله (3). وما رواه الشيخ عن يعقوب بن شعيب قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام امرأة در لبنها من غير ولادة، فأرضعت ذكرانا واناثا أيحرم من ذلك ما يحرم من الرضاع ؟ فقال لي: (لا) (4).
(هامش)
(1) (دعائم الاسلام) ج 2 ص 243 ح 916 ذكر الرضاع. (2) (الكافي) ج 5 ص 446 باب: نوادر في الرضاع ح 2، (وسائل الشيعة) ج 14 ص 302 أبواب ما يحرم بالرضاع باب 9 ح 1. (3) (الفقيه) ج 3 ص 479 ح 4682 باب الرضاع ح 22، (وسائل الشيعة) ج 14 ص 302 أبواب ما يحرم بالرضاع باب 9 ح 1. (4) (تهذيب الاحكام) ج 7 ص 325 ح 1339 باب: ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ح 47، (وسائل الشيعة) ج 14 ص 302 أبواب ما يحرم بالرضاع باب 9 ح 2. (*)
وما رواه الشيخ أيضا في الصحيح عن عبد الله بن سنان قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن لبن الفحل ؟ قال: (هو ما أرضعت امرأتك من لبنك ولبن ولدك ولد امرأة أخرى فهو حرام) (1). وما رواه في الكافي عن بريد العجلي في حديث قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول رسول الله صلى الله عليه وآله: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) فسر لي ذلك ؟ قال: فقال عليه السلام: (كل امرأة أرضعت من لبن فحلها ولد امرأة أخرى من جارية أو غلام فذلك الذي قال رسول الله صلى الله عليه وآله) الحديث (2). ويظهر من هذه الروايات أن الرضاع المحرم لا بد له من أمرين: أحدهما: أن يكون عن ولادة. ثانيهما: أن يكون اللبن لبن فحل المرأة شرعا، فلو در لبنها عن غير ولادة لا يكون محرما، فضلا عن أن يكون اللبن من ذكر أو خنثى المشكل ولو لم يكن من فحل المرأة شرعا أيضا لا يكون محرما. أما الامر الاول، فلقوله عليه السلام (لا) في جواب من قال: امرأة در لبنها من غير ولادة أيحرم ؟ الخ. وأما الثاني، فلقوله عليه السلام - في تفسيره قوله رسول الله صلى الله عليه وآله يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب - (كل امرأة أرضعت من لبن فحلها ولد امرأة أخرى من جارية أو غلام فذلك الذي قال رسول الله صلى الله عليه وآله). ولفظة (الفحل) في هذه الروايات وإن كان ظاهرا في الزوج، سواء أكان حصول
(هامش)
(1) (تهذيب الاحكام) ج 7 ص 319 ح 1316 باب: ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ح 24، (الاستبصار) ج 3 ص 199 ح 719 باب: ان اللبن للفحل ح 1، (وسائل الشيعة) ج 14 ص 294 أبواب ما يحرم بالرضاع باب 6 ح 6. (2) ((الكافي) ج 5 ص 442 باب: صفة لبن الفحل ح 9، (وسائل الشيعة) ج 14 ص 293 أبواب ما يحرم بالرضاع باب 6 ح 1. (*)
الزوجية بالعقد الدائم أو المنقطع، ولكن لا يبعد كونه كناية عن الوطي الشرعي المحلل مقابل الزنا، فيشمل الملك والتحليل، بل وطي الشبهة إن كان المراد من الوطي المحلل المحلل ظاهرا وإن كان حراما واقعيا. ولكن الاخير لا يخلو عن إشكال، لبعد أن يكون المراد من هذه اللفظة هو الوطي الحلال، ولو كان حلالا ظاهريا. وعلى كل حال هذه الروايات تدل على أن اللبن الناشئ من الزنا لا يكون محرما، كما أنها تدل على أن لبن الحاصل من الوطي الحلال واقعا سواء أكان حليته من جهة أن الواطي زوج أو مالك أو محلل عليه من قبل المالك. نعم في شمولها للوطي بالشبهة إشكال كما ذكرنا. وأما قوله عليه السلام - فيما رواه في الصحيح - [ عن ] عبد الله بن سنان (هو ما أرضعت امرأتك) محمول على الغالب، وإن هذه اللفظة أيضا مثل لفظة (فحلها) كناية عن الوطي الشرعي الصحيح، وعبر عن هذا المعنى بامرأتك، لان غالب الوطي الصحيح الحلال واقعا يكن مع امرأته في أغلب الاشخاص وفي أغلب الاعصار والامصار. بقي الكلام في الوطي بالشبهة، وأنه هل ملحق بالوطي الصحيح من جهة حليته الظاهرية أو ملحق بالزناء من جهة حرمته الواقعية ؟ فيه وجهان: قد يقال بأن عمومات التحريم ومطلقاته أنه خصصت أو قيدت - بما ذكر في جملة من الروايات من أن يكون اللبن - بعنوان لبن امرأتك أو عنوان أن يكون لبن فحلها، وهذان العنوانان لا ينطبقان على الوطي بالشبهة. وقد أجبنا عن هذا بأن هذين العنوانين يمكن أن يكونا كنايتين عن الوطي الصحيح الشرعي.
ولا يرد على هذا التوجيه ما ذكره شيخنا الاعظم قدس سره من أنه لو بنينا على ورود التقييد مورد الغالب لينسد باب الاستدلال على اعتبار كثير من الشروط، لتطرق هذا الاحتمال في كثير منها إن لم يكن في جميعها (1). وذلك لان المتبع هي الظهورات، ولا شك في أن القيود تختلف بحسب ظهورها، وليست على نسق واحد، وحيث أن المشهور ذهبوا إلى الالحاق بالزوجة وما في حكمها في نشر الحرمة، وإن تمسك بعضهم بوجوه استحسانية لا يخرج عن كونها قياسا باطلا، إلا أن فهمهم مما يؤيد هذا الوجه الذي ذكرنا في المراد من هذين العنوانين، ولا أقل من الاجمال، فيكون المرجع هي العمومات والاطلاقات. وأما دعوى انصراف العمومات والاطلاقات عن الوطي بالشبهة، فدعوى بلا بينة ولا برهان. ثم إن في نشر الحرمة بالارتضاع من الخنثى المشكل إشكال، لان حصول الولد لها من الوطي الصحيح الشرعي الذي من شرائط نشر الحرمة بناء على عدم وجود طبيعة ثالثة من أمارات أنه امرأة، فليس من الخنثى المشكل، والخنثى المشكل تصوير الوطي الصحيح في حقه مشكل، إلا أن يكون الوطي بالشبهة، فيكون فيه جهتان من الاشكال: من جهة كونه خنثى، ومن جهة أن وطيها وطي بالشبهة. وفي الجواهر استدل على العدم، بقول الباقر عليه السلام: (لا يحرم الرضاع أقل من يوم وليلة، أو خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة) (2). فإحراز كون المرضعة امرأة لازم، وفي الخنثى المشكل لا طريق إلى ذلك حسب الفرض، وإلا ليس بمشكل. ولكن وفيه ما ذكرنا من ورود هذه الالفاظ مورد الغالب.
(هامش)
(1) (كتاب المكاسب) ص 377. (2) (جواهر الكلام) ج 29 ص 267. (*)
وههنا فروع الاول: هل يشترط في نشر الحرمة بقاء المرأة في حبال الرجل إلى تمام الرضاع بحيث لو طلقها قبل ذلك، أو مات عنها قبل أن يتم الرضاع لا يكون الرضاع محرما أو لا ؟ وجهان. وقد ادعى الاجماع على عدم لزوم البقاء، وقد بينا حال هذه الاجماعات فلا نعيد. وجه الاشتراط هو قوله عليه السلام في الروايات السابقة في تفسير الرضاع (هو ما أرضعت امرأتك) والمشتق ليس حقيقة فيما انقضى المبدأ عنه، فلا يصدق على المطلقة والمتوفى عنها زوجها هذا العنوان. وأما عنوان (فحلها) الذي في بعض الروايات الاخر فيصدق حتى مع الطلاق وأن يتوفى عنها زوجها ويرد [ على ] هذا الوجه ما بينا سابقا، من أن هذا العنوان ليس المراد منه إلا الوطي الصحيح الشرعي، وهذا المعنى لا منافاة له مع هذين كما هو واضح، إذ الموت والطلاق لا يقطعان نسبة اللبن عنه، وأيضا لا فرق بين أن يرتضع في العدة أو بعد تماميتها. نعم بناء إلى اعتبار كون الرضاع المحرم في الحولين يلزم أن لا يكون خارجا عن الحولين، ومن هذه الجهة لا فرق بين أن يكون قبل الطلاق والوفاة أو بعدهما، وكذلك لا فرق بين أن يكون في العدة أو في خارجها، لان هذا شرط آخر في الرضاع معتبر بدليل آخر. الثاني: في أنها لو تزوجت بعد أن طلقها أو مات عنها، فإذا لم تجعل من الثاني فالحكم كما لو لم تتزوج، لان صرف يزوجها لم يمنع عن استناد اللبن إلى زوجها
الاول. وأما لو جعلت من الثاني فتارة يكون اللبن مستمرا وبحاله من دون انقطاع ولا زيادة ولا نقيصة فالظاهر أنه من الاول، وإن كان من الممكن عقلا أن يكون من الثاني بقاء، أو يكون للثاني أيضا له دخل، بناء على أن الحمل قبل الوضع أيضا ربما يوجب در اللبن، وإن كان كل هذه احتمالات وفروض ووقوعها مستبعد جدا. وأخرى ينقطع ويعود أو ينقص ويزيد. فربما يتخيل أنه بعد الازدياد يكون المقدار الزائد للثاني، وهكذا بعد الانقطاع تمام ما عاد للثاني، وإلا فلا وجه للنقص ثم الزيادة أو الانقطاع ثم العود، إلا أن يكون المنشأ هو الحمل. ولكن أنت خبير بأن هذه احتمالات ليس لها أساس متين، ولم يدل دليل على حجية هذه الظنون، مضافا إلى أصالة عدم حدوث لبن آخر مستندا إلى سبب آخر. نعم بعد الوضع لا يبقى مجال لهذا الاستصحاب، إذ الظاهر حينئذ أن اللبن غذاء الطفل المتولد، وقد ادعى الاجماع على الامرين: أي: أن اللبن قبل الوضع للزوج الاول وبعده للثاني. الشرط الثاني: كمية الرضاع. أجمعت الامامية على أن للرضاع المحرم تقدير، ولا يكفي فيه مسمى الرضاع ولو بمثل ما يفطر به الصائم. نعم ذهب إلى ذلك جمع كثير من العامة، كأبي حنيفة (1) ومالك (2)
(هامش)
(1) (بداية المجتهد) ج 2 ص 35 في مانع الرضاع نقل عن أبي حنيفة، (اللباب) ج 3 ص 31 كتاب الرضاع. (2) (الموطأ) ج 2 ص 604 كتاب الرضاع ح 11 باب رضاعة الصغير، (المدونة الكبرى)) ج 2 ص 405 (*)
والاوزاعي (1) والثوري (2) والبلخي (3) والليث (4)، حتى الاخير منهم ادعى إجماع أهل العلم على نشر الحرمة بمثل ما يفطر به الصائم، مع أن أكثرهم قائلون بالتقدير. نعم ذهب القاضي نعمان المصري صاحب (دعائم الاسلام) إلى مقالتهم لما رواه في ذلك الكتاب عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: (يحرم من الرضاع قليله وكثيرة المصة الواحدة تحرم) (5). ثم قال في محكي الجواهر: وهذا قول بين صوابه لمن تدبره ووفق لفهمه، لان الله تعالى يقول: (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم) والرضاع يقع على القليل والكثير (6). وفيه: أن الاستدلال لامثال هذه الفتاوى بمطلقات الكتاب والسنة لا وجه له، بعد تقييدها بالمقيدات المستفيضة، كما ستمر عليك إن شاء الله تعالى. وأما ما رواه عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، ومكاتبة علي بن مهزيار - في الصحيح - لابي الحسن عليه السلام يسأله عما يحرم من الرضاع ؟ فكتب عليه السلام: (قليله وكثيره حرام) (7) فلا بد وأن يطرحا أو يأولا، لاعراض الاصحاب عن العمل بظاهر هما ومعارضتهما مع ما هو معمول به بين الاصحاب، وأصح سندا وأكثر عددا مع موافقة
(هامش)
كتاب الرضاع ما جاء في حرمة الرضاعة، (بلغة السالك لاقرب المسالك) ج 1 ص 515 باب في بيان أحكام الرضاع. (1) (فقه الاوزاعي) ج 2 ص 129 في أحكام الرضاع المسألة الاولى: المقدار المحرم في الرضاع، (المحلى) ج 10 ص 12 أحكام الرضاع نقل عن الاوزاعي، (المغني) ج 9 ص 193 كتاب الرضاع (6410) المسألة الاولى نقل عن الاوزاعي. (2) (المغني)) ج 9 ص 193 كتاب الرضاع (6410) المسألة الاولى نقل عن الثوري. (3) (جواهر الكلام) ج 29 ص 269 في شروط الرضاع وأحكامه نقل عن البلخي. (4) (المغني) ج 9 ص 193 متاب الرضاع (6410) المسألة الاولى نقل عن الليث بن سعد. (5): دعائم الاسلام) ج 2 ص 240 ذكر الرضاع. (6) (جواهر الكلام) ج 29 ص 270. (7) (تهذيب الاحكام) ج 7 ص 316 ح 1308 باب: ما يحرم من النكنح من الرضاع وما لا يحرم منه ح 16، (الاستبصار) ج 3 ص 196 ح 711 باب: مقدار ما يحرم من الرضاع ح 16، (وسائل الشيعة) ج 14 ص 285 أبواب ما يحرم بالرضاع باب 2 ح 10. (*)
هذين لكثير من أهل الخلاف، كما حكيناهم عن الجواهر ومخالفة تلك لهم (1). وإن كان يمكن أن يقال: كل واحدة من هاتين الطائفتين مخالف لبعضهم وموافق للبعض الآخر، وعلى كل حال الذي راجع أخبار التقدير يقطع ببطلان هذه الفتوى الذي صدر عن القاضي المصري، ومثله في الشذوذ ما نقل عن الاسكافي: أنه ذهب إلى أن الرضاع المحرم هو الرضعة الكاملة حتى يمتلا بطنه (2). قال: في محكي الجواهر: قد اختلف الرواية من الوجهين جميعا في قدر الرضاع المحرم، إلا أن الذي أوجبه الفقه عندي - واحتياط المرء لنفسه - أن كلما وقع عليه اسم رضعة - وهي: ملا بطن الصبي إما بالمص أو بالوجور - محرم للنكاح (3). وهذا القول وإن كان لا ينافي أصل التقدير، لانه في الحقيقة تقدير برضعة كاملة وليس عبارة عن مسمى الرضاع قليلا كان أو كثيرا، إلا أنه مخالفة المشهور، بل مخالفة إجماع الامامية مثل القول الاول. وما يمكن أن يكون دليلا لهذا القول روايات: منها: رواية زيد ابن علي عن آبائه عن علي عليهم السلام قال: (الرضعة الواحدة كالمائة رضعة لا تحل له أبدا) (4). ومنها: مضمرة ابن أبي يعفور وفيها قال: سألته عما يحرم من الرضاع ؟ قال: (إذا رضع حتى يمتلئ بطنه، فإن ذلك ينبت اللحم والدم، وذلك الذي يحرم) (5).
(هامش)
(1) (جواهر الكلام) ج 29 ص 270 و 271. (2) (مختلف الشيعة) ج 7 ص 30 في المحرمات بالرضاع نقل عل الاسكافي، (جواهر الكلام) ج 29 ص 270 في شروط الرضاع وأحكامه نقل عن الاسكافي. (3) (جواهر الكلام) ج 29 ص 270. (4) (تهذيب الاحكام) ج 7 ص 317 ح 1309 باب: ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ح 17، (الاستبصار) ج ص 197 ح 712 باب: ما يحرم من الرضاع ح 17، (وسائل الشيعة) ج 14 ص 286 أبواب ما يحرم بالرضاع باب 2 ح 12. (5) (تهذيب الاحكام) ج 7 ص 316 ح 1307 باب: ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ح 15، (*)
ومنها: قوله عليه السلام في تفسير الرضاع قال: (الرضاع الذي ينبت اللحم والدم هو الذي يرضع حتى يمتلى ويتضلع) (1). وفيه: أن في دلالة بعض هذه الروايات على دعواه تأمل واضح، وعلى فرض تسليم دلالتها ليست قابلة للمعارضة مع ما هو أقوى وأشهر وأكثر عددا وأصح سندا منها، خصوصا مع إعراض الاصحاب عن العمل بهذه الروايات، بل انعقاد الاجماع على خلافها، فهذا القول في البطلان مثل سابقتها. وعلى كل حال: المشهور بين الاصحاب في تقدير الرضاع طرق ثلاث: الاول: الاثر أعني إنبات اللحم وشد العظم. الثاني: الزمان أعنى يوما وليلة. الثالث: العدد أعنى العشرة أو الخمسة عشر. أما الاول فقد وردت فيه روايات: منها: ما رواه في الكافي عن عبد الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (لا يحرم من الرضاع إلا ما أنبت اللحم وشد العظم) (2). ومنها: ما عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الرضاع ما أدنى ما يحرم منه ؟ قال: (ما ينبت اللحم والدم) ثم قال: (أترى واحدة تنبته ؟) فقلت:
(هامش)
(1) (الاستبصار) ج 3 ص 195 ح 708 باب: مقدار ما يحرم من الرضاع ح 13، (وسائل الشيعة) ج 14 ص 290 أبواب ما يحرم بالرضاع باب 4 ح 1. (1) (الكافي) ج 5 ص 445 باب نوادر في الرضاع ح 7، (تهذيب الاحكام) ج 7 ص 316 ح 1306 باب: ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ح 14، (الاستبصار) ج 3 ص 195 ح 707 باب: مقدار ما يحرم من الرضاع ح 12، (وسائل الشيعة) ج 14 ص 290 أبواب ما يحرم بالرضاع باب 4 ح 2. (2) (الكافي) ج 5 ص 438 باب: حد الرضاع الذي يحرم، ح 1 (وسائل الشيعة) ج 14 ص 289 أبواب ما يحرم بالرضاع باب 3 ح 2. (*)
اثنتان أصلحك الله ؟ قال: (لا)، فلم أزل اعد عليه حتى بلغت عشر رضعات) (1). ومنها: ما عن حماد بن عثمان - في الصحيح أو الحسن - عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا يحرم من الرضاع إلا ما أنبت اللحم والدم) (2). ومنها: ما رواه في الكافي والتهذيب عن عبد الله بن سنان عن أبي الحسن عليه السلام قال: قلت له: يحرم من الرضاع الرضعة والرضعتان والثلاثة ؟ قال: ((لا إلا ما اشتد عليه العظم ونبت اللحم) (3). ومنها: ما عن مسعدة بن صدقة - في الموثق - عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا يحرم من الرضاع إلا ما شد العظم وأنبت اللحم، فأما الرضعة والرضعتان والثلاث حتى بلغ عشرا إذا كن متفرقات فلا بأس) (4). ومنها: ما عن عبيد بن زرارة - في الصحيح - قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: انا اهل بيت كبير فربما كان الفرح والحزن الذي يجتمع فيه الرجل والنساء، فربما استخفت المرأة ان تكشف رأسها عند الرجل الذي بينها وبينه رضاع، وربما استخف الرجل أن ينظر إلى ذلك، فما الذي يحرم من الرضاع ؟ فقال: (ما أنبت اللحم والدم). فقلت: فما الذي ينبت اللحم والدم ؟ فقال: (كان يقال: عشر رضعات). قلت: فهل
(هامش)
(1) (الكافي) ج 5 ص 438 باب: حد الرضاع الذي يحرم ح 2، (وسائل الشيعة) ج 14 ص 288 أبواب ما يحرم بالرضاع باب 2 ح 21. (2) (الكافي) ج 5 ص 438 باب: حد الرضاع الذي يحرم ح 5، (تهذيب الاحكام) ج 7 ص 312 ح 1294 باب: ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ح 2، (الاستبصار) ج 3 ص 193 ح 699 باب: مقدار ما يحرم من الرضاع ح 4، (وسائل الشيعة) ج 14 ص 289 أبواب ما يحرم بالرضاع باب 3 ح 1. (3) (الكافي) ج 5 ص 438 باب: حد الرضاع الذي يحرم ح 6، (تهذيب الاحكام) ج 7 ص 312 ح 1295 باب: ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ح 3، (وسائل الشيعة) ج 14 ص 288 أبواب ما يحرم بالرضاع باب 2 ح 23. (4) (الكافي) ج 5 ص 439 باب: حد الرضاع الذي يحرم ح 10، (تهذيب الاحكام) ج 7 ص 313 ح 1297 باب من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ح 5، (وسائل الشيعة) ج 14 ص 287 أبواب ما يحرم بالرضاع باب 2 ح 19. (*)
تحرم عشر رضعات ؟ فقال: (دع ذا) ثم قال: (ما يحرم من النسب فهو يحرم من الرضاع) (1). (ومنها) ما رواه في التهذيب في الصحيح عن ابن رئاب عن ابي عبد الله عليه السلام قال: قلت ما يحرم من الرضاع ؟ قال: ما انبت اللحم والدم وشد العظم قلت: فيحرم عشر رضعات ؟ قال: لا، لانه لا ينبت اللحم ولا يشد العظم عشر رضعات (2). وظاهر هذه الاخبار، بل صريح بعضها - كخبر الاخير - هو أن المدار على هذين، ولا اعتبار بالعدد الا من جهة كونه طريقا اليهما، فما هو الموضوع الشرعي للتحريم ليس في الحقيقة الا هذين أي انبات اللحم وشد العظم. وأما الاشكال على انه كيف يمكن ان يجعل الشارع شيئا موضوعا لحكمه، مع عدم امكان معرفته لاغلب الناس، لانه ليس المراد منهما المرتبة الكاملة منهما، بحيث كل من ينظر إلى المرتضع يرى وجود هذين فيه، لان تلك المرتبة لا تحصل بارتضاعه يوما وليلة أو خمسة عشر رضعة له قطعا، والمرتبة التي تحصل بهذا المقدار من الارتضاع من الامور غير المحسوسة التي لا يفهمها غالب الناس، فيلزم احالة الحرمة على المجهول. ففيه (أولا): ان كل احد يدري بأن كل غذاء ترد إلى المعدة - بعد هضمها ودفع المعدة للفضول - تتحول إلى الدم ويجري في العروق الشعرية، وبعد وصوله إلى أي عضو من الاعضاء ؟ تتشكل بشكل ذلك العضو من العظم واللحم وغير ذلك من الاجزاء ولاعضاء، فلا محالة كل غذاء يتغذى به الانسان، بل الحيوان بل النبات
(هامش)
(1) (الكافي) ج 5 ص 239 باب حد الرضاع الذي يحرم ح 9 (تهذيب الاحكام) ج 7 ص 313 ح 1296 باب ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ح 4 (الاستبصار ج 3 ص 192 ح 701 باب مقدار ما يحرم من الرضاع ح 6 (وسائل الشيعة) ج 14 ص 287 أبواب ما يحرم بالرضاع باب 2 ح 18 (2) (تهذيب الاحكام) ج 7 ص 313 ح 1298 باب ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ح 6 (وسائل الشيعة) ج 14 ص 283 أبواب ما يحرم بالرضاع باب 2 ح 2. (*)
تكون موجبة لنمو المتغذي، لانه لا معنى للنمو الا هذا المعنى، والقوة الغاذية مشتركة بين جميع الحيوانات والنباتات. فبناء على هذا حتى الرضعة الواحدة تكون موجبة لانبات اللحم وشد العظم، ولكن الشارع لم يجعل مطلق الانبات ولو كان بالدقة العقلية موضوعا لحكمه، بل كل ما يصدق عليه الانبات عند اهل الخبرة من العرف، وتلك المرتبة لا تحصل الا برضاع يوم وليلة أو بخمسة عشر رضعة، اللذان لا يكون الفاصل بينها التغذي بغذاء آخر، إما الانصراف الاطلاق إلى تلك المرتبة أو يفهم ذلك من الجعلين الآخرين أي الزمان والعدد. وعلى كل حال الطريق إلى فهم ما جعله الشارع موضوعا موجود، وهو إما فهم أهل الخبرة أو الطريقين المجعولين اعني الزمان والعدد. (وثانيا) ان الموضوع الواقعي هو الذي يكون فيه مناط الحكم وملاكه، وفي عالم الاثبات يحتاج إلى طريق لمعرفته. وأما في عالم الثبوت فتابع للواقع، أعنى كونه ذا الملاك، فيمكن ان يكون الموضوع الوقعي هو انبات اللحم وشد العظم، ولكن حيث لا طريق إلى معرفته في مقام الاثبات وهو لازم أعم لملزومين: (احدهما) ارتضاع يوم وليلة (ثانيهما) ارتضاع خسمة عشر رضعة جعل الشارع في مقام الاثبات موضوع حكمه أحد العنوانين أي: الزمان والعدد، فانبات اللحم وشد العظم موضوع ثبوتي واقعي، والزمان والعدد موضوع اثباتي، وفي كلية الاحكام المعللة الموضوع الواقعي هي العلة إذا كانت قابلة لتعلق التكليف به. ثم إنه على تقدير كون الموضوع هو إنبات اللحم وشد العظم مطلقا - سواء أكان حصولهما بنفس المقدار المعين من الزمان أو العدد أو باقل منهما أو بأكثر منهما، بأن لا يكون ملازمة بينهما وبين هذا الموضوع أعنى: إنبات اللحم وشد العظم، وكون قول أهل الخبرة طريقا إلى معرفتهما - فهل حجية قولهم من جهة كونه بينة كي يعتبر
فيه العدد والعدالة أو من جهة أن قول اهل الخبرة في نفسه حجة من دون لزوم اندراجه تحت ادلة حجية البينة لبناء العقلاء على حجية قولهم والرجوع إليهم ولو كان واحدا وفاسقا، بل كان كافرا، كل ذلك من جهة بناء العقلاء وعدم ردع الشارع لهذا البناء ؟ الظاهر هو الاخير، لان كلام اهل الخبرة في هذه المقامات ليس من جهة احساسهم بأحد الحواس الخمسة الظاهرية شيئا لا يدركه من عداهم، لانه ربما يكون غير أهل الخبرة أقوى حواسا من أهل الخبرة، بل يكون من جهة اعمال رأيهم و نظرهم، ولو كان هذا الرأي قد حصل لهم من ناحية الاحساس، فبناء على هذا لا يحتاج إلى التعدد ولا إلى العدالة. ثم ان في بعض هذه الاخبار كان بدل شد العظم (إنبات الدم) كما في روايتي عبيد بن زرارة ورواية حماد بن عثمان والظاهر انه ملازمة بين انبات اللحم والدم مع انبات اللحم وشد العظم، لانه ليس المراد من إنبات الدم هو تحول الغذاء إلى الدم، إذ لا يصدق عليه الانبات في ذلك الوقت، بل المراد به الدم الذي يجري في العروق الشعرية ويأخذ كل عضو وجزء من الاعضاء والاجزاء النامية مقدارا منه ويصير من سنخ ذلك الجزء فالعظم أيضا مثل سائر الاجزاء له نصيب من هذا الدم. فمعنى إنبات الدم أي: صيرورة الجارية في العروق الشعرية من سنخ الاعضاء المتغذية بذلك الدم، فيكون العنوانان - أي: عنوان انبات اللحم والدم - مع عنوان انبات اللحم وشد العظم متلازمين لا ينفك احدهما عن الآخر. فلا يبقى مجال لان يقال: هل كل واحد منهما موضوع مستقل أو لابد من اجتماع كلا العنوانين، أو احدهما موضوع دون الآخر ؟ فيقع التعارض بين الاخبار التي مؤداها عنوان انبات اللحم والدم، مع التي مؤداها عنوان انبات اللحم وشد العظم كي نحتاج إلى إعمال قواعد باب التعارض
وقد عرفت مما ذكرنا ايضا انه لا انفكاك بين عنوان انبات اللحم وشد العظم، بل هما متلازمان ومعلولان لعلة واحدة. وهي وصول الدم الذي تحول إليه الغذاء الواردة إلى المعدة بعد طبخها وهضمها فيها إلى كل جزء من اجزاء البدن، فيحصل من هذا الوصول أمران: (احدهما) انبات اللحم (وثانيهما) شد العظم، ولا يمكن ان يتخلف احدهما عن الآخر وإلا يلزم تخلف المعلول عن العلة. نعم تقدم ان لازم هذا البيان ان الرضعة الواحدة، بل المصة الواحدة تكون كافية في التحريم، كما ذهب إليه جمع من أهل الخلاف والقاضي نعمان المصري منا (1) وقد أجبنا عن ذلك، بأن الموضوع للحكم ليس هو مطلق الانبات والشد ولو كان بالدقة العقلية، بل ما هو مصداق بنظر أهل العرف من أهل الخبرة بواسطة انصراف الاطلاق إلى يذلك، أو من جهة اخبار التقدير بالزمان والعدد. فلا حاجة إلى ما ذكره شيخنا الاعظم (قده) من ان مقتضى النصوص المذكورة هو اعتبار تحقق كلا الامرين واجتماعهما أي: انبات اللحم وشد العظم (2)، لما ذكرنا من تلازمهما وعدم انفكاكهما (نعم) لو لم يكن بينهما تلازم كان ما ذكره (قدس سره) وجيها. ولم يكن وجه لما ذكره شيخنا الشهيد (قدس سره) (3) لان عطف شد العظم على انبات اللحم بالواو يدل على ذلك. وينفى ما ذهب إليه الشهيد (قدس سره) من الاجتزاء بكل واحد من الامرين، وذلك لان مفاد العطف بالواو هو الجمع. ثم انه لا وجه لاحتمال ان يكون المراد من انبات اللحم والدم، أو انبات اللحم و شد العظم قابلية الطفل لان يصير كذلك بالارتضاع لو لم يكن عروض عارض وطرو
(هامش)
(1) تقدم راجع ص 323 - 344. (2) (كتاب المكاسب) ج 378. (3) (مسائل الافهام) ج 1 ص 372. (*)
مانع، فيقال في الطفل المريض مثلا لو لم يكن المرض لكان ينبت له اللحم ويشتد له العظم بهذا الارتضاع. وذلك من جهة ظهور كل عنوان اخذ موضوعا للحكم أو من أجزاء موضوعه أو من شرائطه في فعليته، لا انه موضوع بأعم من الفعلية، فقوله تعالى (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين) (1) جعل الارث لمن يكون ولدا بالفعل، لا للنطفة المستقرة في الرحم التي كانت تصير ولدا لولا عروض المانع، وهذا واضح لا يحتاج إلى شرح وايضاح. وأما (الثاني) أي: التحديد والتقدير بالزمان، فقد ورد فيه روايتان: (الاولى): موثقة زياد بن سوقة قال: قلت لابي جعفر عليه السلام هل للرضاع حد يؤخذ به ؟ فقال: (لا يحرم الرضاع أقل من يوم وليلة، أو خمس عشرة رضعة متواليات من امراة واحدة من لبن فحل واحد، ولم يفصل بينها رضعة امرأة غيرها، فلو ان امرأة أرضعت غلاما وجارية عشر رضعات من لبن فحل واحد، وأرضعتهما امرأة اخرى من لبن فحل آخر عشر رضعات لم يحرم نكاحهما) (2). (الثانية) مرسل المقنع سأل الصادق عليه السلام هل لذلك حد ؟ فقال: (لا يحرم من الرضاع إلا رضاع يوم وليلة أو خمس عشرة رضعة متواليات لا يفصل بينهن) (3) والظاهر ان هذا الرواية الثانية غير الرواية الاولى، لان الاولى كانت مروية عن ابي جعفر عليه السلام وهذه الرواية مروية عن الصادق عليه السلام.
(هامش)
(1) النساء (4): 11. (2) (تهذيب الاحكام) ج 7 ص 315 ح 1302 باب ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ح 12 (الاستبصار) ج 3 ص 192 ح 696 باب مقدار ما يحرم من الرضاع ح 1 (وسائل الشيعة) ج 12 ص 283 أبواب ما يحرم بالرضاع باب 2 ح 1. (3) (المقنع) ص 110 باب يدو النكاح (وسائل الشيعة) ج 14 ص 286 أبواب ما يحرم بالرضاع باب 2 ح 12. (*)
واحتمال أن يكون الصادق وصفا لابي جعفر عليه السلام خلاف مصطلح الاخبار. ودلالة هاتين الروايتين على المدعي أي: التقدير بالزمان واضح جلي، و صريحهما ان حد الرضاع المحرم بحسب الزمان يوم وليلة، ولا يكون اقل من ذلك، ولا يحتاج إلى اكثر من هذا. وأما سندهما وان كانت الثانية مرسلة لا تشملها أدلة حجية الخبر الواحد في نفسه، لما بينا في الاصول ان مفاد تلك الادلة حجية الخبر الموثوق الصدور، ولكن حيث ان العمل بها مجمع عليه بين الاصحاب ولم يخالف احد منهم في العمل بمفاد هاتين الروايتين، فتدخلان تحت ادلة الحجية من هذه الجهة. هذا مضافا إلى ان الاولى حجة في نفسه لكونها موثقة، وعلى كل حال العمل بهما متعين. وأما الروايات الاخر الواردة في التقرير بحسب الزمان - المعارضة مع هاتين مضمونا ومن حيث المؤدي - فمطروحة أو تؤل، لاعراض الاصحاب عنها وعدم اعتنائهم بها، كالتقدير بثلاثة أيام متواليات في الفقه المنسوب إلى مولانا الرضا عليه السلام قال فيه: (والحد الذي يحرم به الرضاع مما عليه عمل العصابة دون كل ما روى، فانه مختلف ما أنبت اللحم وقوي العظم، وهو رضاع ثلاثة أيام متواليات أو عشرة رضعات متواليات محررات مرويات بلبن الفحل) (1). وكالتقدير بخمسة عشر يوما ولياليهن في مرسلة الصدوق (انه سأل الصادق عليه السلام (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ولا يحرم من الرضاع الارضاع خمسة عشر يوما ولياليهن وليس بينهن رضاع). وكالتقدير وبسنة في صحيح علاء بن رزين عن الصادق عليه السلام سألته عن الرضاع ؟
(هامش)
(1) (فقه الرضا) ص 234 باب النكاح والمتعة والرضاع. (*)
فقال: (لا يحرم من الرضاع الا ما ارتضع من ثدي واحد سنة (1). وكالتقدير بحولين كاملين، كخبر الحلبي عن الصادق عليه السلام: (لا يحرم من الرضاع الا ما كان حولين كاملين) (2) وكخبر عبيد بن زرارة عنه عليه السلام أيضا سألته عن الرضاع ؟ فقال: (لا يحرم من الرضاع إلا ما ارتضعا من ثدي واحد حولين كاملين) (3). فهذه الروايات ولو ان بعضها صحيح بحسب السند، ولكن الاصحاب حيث أعرضوا
عنها قديما وحديثا ولم يعتنوا بها سقطت عن الاعتبار، بل قالوا كلما ازداد صحة ازداد وهنا، وما أحسن عبارة المحقق في المعتبر حيث قال فيه: فما قبله الاصحاب أو دلت القرائن على صحته عمل به وما أعرض الاصحاب عنه، أو شذ يجب طرحه (4). ثم إن ههنا فروع (منها) أنه لو أرضعت الولد يوما وليلة ولكن برضعات ناقصة، هل يؤثر مثل هذا الرضاع في نشر الحرمة، أو يلزم أن يكون برضعات تامة ؟ والجواب انه لا فرق بين ان يكن ارضاعها بالرضعات الكاملة أو الناقصة، إذ
(هامش)
(1): (الفقيه) ج 3 ص 477 ح 4673 باب الرضاع ح 13 (تهذيب الاحكام) ج 7 ص 318 ح 1315 باب ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ح 23: (الاستبصار) ج 3 ص 198 ح 718 باب مقدار ما يحرم من الرضاع ح 23 (وسائل الشيعة) ج 14 ص 286 أبواب ما يحرم بالرضاع باب 2 ح 13. (2) (الفقيه) ج 3 ص 477 ح 4674 باب الرضاع ح 15 (وسائل الشيعة) ج 14 ص 292 أبواب ما يحرم بالرضاع باب 5 ح 10. (3) (الفقيه) ج 3 ص 477 ح 4674 باب الرضاع ح 14 (تهذيب الاحكام) ح 7 ص 317 ح 1310 باب ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ح 18 (الاستبصار) ج 3 ص 197 ح 713 باب مقدار ما يحرم من الرضاع ح 18 (وسائل الشيعة) ج 12 ص 292 أبواب ما يحرم بالرضاع باب 5 ح 8. (4) (المعتبرة) ج 1 ص 29 مقدمة الكتاب الفصل الثالث في مستند الاحكام. (*)
أن هذه الكلمة - أي: رضاع يوم وليلة بعد معلومية انه ليس المراد منها اتصال الرضاع في هذه المدة أي: يكون الطفل مشغولا بالارتضاع في تمام هذه المدة كي يكون المجموع رضعة واحدة لان هذا المعنى غير ممكن وقوعها عادة ظاهرة في ان يكون الولد في تمام هذه المدة يرتضع بنحو المتعارف، بحيث يشبع إذا جاع، فلا فرق بين أن يكون اشباعه بعد ان جاع برضعات كاملة، أو كان برضعات ناقصة فلو ارضعته رضعة ناقصة ثم اكملته برضعة اخرى، وهكذا إلى تمام يوم وليلة يصدق انه رضاع يوم وليلة، أو انه ليس بأقل منها. ومنها: انه هل لابد من ان يكون ابتداء الرضاع في اول النهار إلى تمام الليل، أو ابتدائه من أول الليل إلى انتهاء النهار، أو يكفي الملفق منهما ؟ الظاهر كفاية التلفيق لصدق رضاع يوم وليلة على الملفق منهما، لانه لا خصوصية لعنوان اليوم الكامل أو الليلة الكاملة، بل المراد امتداد زمان الرضاع حتى ينبت اللحم ويشد العظم، ولا اثر لخصوصية بياض اليوم وسواد الليل، حتى انه لو كان من الممكن امتداد زمان الرضاع اربعة وعشرين ساعة متصلة - كله من الليل أو كله من النهار - لكان كافيا لكنه غير ممكن. ويمكن ان يقال كما أفاده شيخنا الاعظم قدسر سره (1) ان قوله عليه السلام لا يكون أقل من رضاع يوم وليلة) أظهر في صدقه على الملفق من صدق رضاع يوم وليلة، لان لفظة (لا يكون أقل من زمان كذا) ربما يكون قرينة على أن المراد من اليوم والليلة ليس عنوان اليوم الكامل والليلة هكذا. (منها) انه لو أطعمه في اثناء اليوم والليلة بطعام آخر، هل يكون مضرا بصدق رضاع يوم وليلة أم لا ؟ الظاهر عدم كفاية ذلك الرضاع حينئذ، لان الظاهر من هذه الكلمة - أن يكون
(هامش)
(1) الشيخ الانصاري في (كتاب المكاسب) ص 379 في شروط انتشار الحرمة بالرضاع. (*)
غذاؤه بحسب المتعارف مدة يوم وليلة) هو هذا الرضاع (نعم) لو كان الطعام الآخر قليلا، بحيث لا ينافي صدق هذا العنوان فليس بمضر. (ومنها) انه هل يعتبر حال هذا الطفل في الارضاع أو أوساط الاطفال ؟ والظاهر هو ما ذكرنا من إشباع شخص هذا الطفل، سواء أكان شربه لللبن أكثر من المتعارف أو أقل، أو كان على المتعارف (ومنها) انه هل يعتبر احتمال تأثير هذا الرضاع في انبات اللحم وشد العظم أم لا ؟ الظاهر لزوم هذا الاحتمال، كما هو مفاد بعض الاخبار السابقة (1). (الثالث) التقدير بالعدد: وقد عرفت عدم صحة ما حكى عن القاضي نعمان المصري من التحريم بمسمى الرضاع (2)، وهكذا ما حكى عن الاسكافي من كفاية الرضعة الواحدة في نشر الحرمة (3) وقلنا إن الروايات التي استدلوا بها لهذين القولين مأول أو مطروح (4)، لاعراض الاصحاب عنها. والمشهور بين الامامية في التحديد بالعدد قولان: احدهما: العشر رضعات ثانيهما: خمسة عشر رضعة، ولعله أشهر القولين، بل ما هو المشهور بين المتأخرين هو الاخير أي: الخمسة عشر رضعة. والمدرك لكل واحد من القولين هي الروايات الواردة في هذا الباب. فمدرك القول بالعشر أخبار (هامش)
(1) تقدم راجع ص 348. هامش رقم (2). (2) تقدم راجع ص 344. (3) تقدم راجع ص 345 هامش رقم (2). (4) تقدم راجع ص 392 - 396. (*)
(منها) رواية فضيل بن يسار عن الباقر عليه السلام قال: (لا يحرم من الرضاع الا ما كان مخبورا) قلت: وما المخبور ؟ قال: ام مربية ام تربي أو ظئر تستاجر أو خادم تشتري أو ما كان مثل ذلك موقوفا عليه) (1) (ومنها) الموثق عن عمر بن يزيد قال: سألت الصادق عليه السلام عن الغلام يرضع الرضعة والثنتين ؟ فقال: (لا يحرم) فعددت عليه حتى اكملت عشر رضعات ؟ قال: (إذا كانت متفرقة فلا) (2). (ومنها): خبر عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام عن الرضاع ما ادنى ما يحرم منه ؟ قال: (ما ينبت اللحم والدم) ثم قال: (أترى واحدة تنبته ؟) فقلت: اثنتان أصلحك الله، فقال: (لا) فلم أزل أعد عليه حتى بلغت عشر رضعات) (3). (ومنها) خبره الآخر أيضا في حديث إلى أن قال: فما الذي يحرم من الرضاع ؟ فقال: (ما أنبت اللحم والدم فقلت: وما الذي ينبت اللحم والدم ؟ فقال: (كان يقال عشر رضعات). قلت: فهل تحرم عشر رضعات ؟ وقال: (دع ذا ما يحرم من النسب فهو يحرم من الرضاع) (4) ومدرك القول بالخمسة عشر ايضا أخبار. (منها) ما تقدم عن زياد بن سوقة في القسم الثاني من تحديد الرضاع أي: التقدير بالزمان في الموثق: وهو قوله عليه السلام فيه لا يحرم الرضاع اقل من رضاع يوم وليلة، أو
(هامش)
(1) (معاني الاخبار) ص 214 باب: معنى قول الصادق عليه السلام (لا يحرم من الرضاع إلا ما كان مجبورا) (تهذيب الاحكام) ج 7 ص 324 ج 1334 باب: ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ح 42 (وسائل الشيعة) ج 14 ص 284 أبواب ما يحرم بالرضاع باب 2 ح 7. (2) (الكافي) ج 5 ص 439 باب حد الرضاع الذي يحرم ح 8 تهذيب الاحكام ج 7 ص 312 ح 1302 باب ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ح 10 (الاستبصار) ج 3 ص 194 ح 703 باب مقدار ما يحرم من الرضاع ح 8 (وسائل الشيعة) ح 14 ص 283 أبواب ما يحرم بالرضاع باب 2 ح 5 (3) تقدم راجع ص 347 هامش رقم (1). (4) تقدم راجع ص 348 هامش رقم (1). (*)
خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة من لبن فحل واحد ولم يفصل بينها رضعة امرأة غيرها، فلو أن امرأة أرضعت غلاما أو جارية عشر رضعات من لبن فحل واحد وارضعتهما امرأة اخرى من لبن فحل آخر عشر رضعات لم يحرم نكاحهما (1). (ومنها) مرسل مقنع الذي تقدم في ذلك المقام أيضا وهو: سئل الصادق عليه السلام هل لذلك حد ؟ فقال عليه السلام: (لا يحرم من الرضاع إلا رضاع يوم وليلة أو خمس عشرة رضعات متواليات لا يفصل بينهن) (2). (ومنها) موثقة عبيد بن زرارة عن ابي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول (عشر رضعات لا يحرمن شيئا (3) (ومنها) صحيحة علي بن رئاب عن الصادق عليه السلام قال: قلت: ما يحرم من الرضاع ؟ قال: (ما انبت اللحم وشد العظم) قلت: فيحرم عشر رضعات ؟ قال: لا، لانه لا تنبت اللحم ولا تشد العظم عشر رضعات (4). (ومنها) ما في التهذيب عن ابن بكير عن ابي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقال: (عشر رضعات لا تحرم) (5). هذه جملة من الروايات الواردة في مدرك هذين القولين.
(هامش)
(1) تقدم راجع ص 352 هامش رقم (2). (2) تقدم راجع ص 352 هامش رقم (3). (3) (تهذيب الاحكام) ج 7 ص 313 ح 1299 باب ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ح 7 (الاستبصار) ج 3 ص 195 ح 706 باب مقدار ما يحرم من الرضاع ج 11 (وسائل الشيعة) ج 14 ص 283 أبواب ما يحرم بالرضاع باب 2 ح 3. (4) تقدم راجع ص 348 هامش رقم (2). (5) (قرب الاسناد) ص 170 ح 622 أحاديث متفرقة (تهذيب الاحكام) ج 7 ص 313 ح 1300 باب ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ح 8 (وسائل الشيعة) ج 14 ص 283 أبواب ما يحرم بالرضاع باب 2 ح 4. (*)
وهناك وردت رواية اخرى مفادها عدم التحريم بخمسة عشر رضعة، وهو ما رواه عمر بن يزيد قال: سمعت ابا عبد الله يقول (خمسة عشر رضعة لا تحرم) (1) ولكنها مؤلة أو مطروحة للاجماع على خلافها. ففي التقدير بالعدد يدور الامر بين هذين القولين، فإذا بطل احدهما يثبت الآخر للاجماع على عدم تحريم اقل من العشرة، ولا لزوم الزيادة على الخمسة عشر، وعدم القول بتحريم ما زاد على العشرة مع كونه دون الخمسة عشر، الا من جهة كون العشرة محرما ومندرجا تحته، والا فالمتوسط بين العشرة والخمسة عشر لم يجعل موضوعا للتحريم اجماعا. إذا عرفت هذا فنقول: ذهب المفيد (2) والمعاني (3) وسلار (4) والقاضي (5) والتقي (6) وابن حمزة (7) والعلامة في المختلف (8) وولده (9) والشهيد في اللمعة (قدس سره) إلى التقدير بالعشر، ومستندهم في ذلك - بعد الاطلاقات - الروايات المتقدمة أي: رواية فضيل بن يسار باعتبار ذيلها أي: قوله عليه السلام (ثم ترضع عشر رضعات يروي الصبي وينام) (11) وموثق
(هامش)
(1) (تهذيب الاحكام) ج 7 ص 312 ح 1301 باب ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ح 9 (الاستبصار) ج 3 ص 193 ح 697 باب مقدار ما يحرم من الرضاع ح 2 (وسائل الشيعة ج 14 ص 284 أبواب ما يحرم بالرضاع باب 2 ح 6. (2) (المقنعة) ص 502. (3) (مختلف الشيعة) ج 7 ص 29 في المحرمات بالرضاع حكى عن العماني. (4) (المراسم) ص 149. (5) (المهذب) ج 2 ص 190. (6) (الكافي في الفقه) ص 285. (7) (الوسيلة) ص 301. (8) (مختلف الشيعة) ج 7 ص 30. (9) (إيضاح الفوائد) ج 3 ص 26. (10) (اللمعة الدمشقية) ص 187 كتاب النكاح الفصل الثالث في المحرمات. (11) تقدم راجع ص 357 هامش رقم (1). (*)
عمر بن يزيد وخبري عبيد بن زرارة (2) وفيه ان الاطلاقات على فرض وجودها مخصصة بالروايات المتقدمة في التقدير بالاثر وما تقدم في اول هذا العنوان - أعني: صحيحة علي بن رئاب (3)، وموثقة عبيد بن زرارة (4)، وخبر ابن بكير (5) - فلا يبقى وجه للتمسك بالاطلاقات أصلا. أما الروايات، فعمدتها زواية فضيل بن يسار، حيث انها تدل بمنطوقها على تحريم عشر رضعات بخلاف سائرها، فانها لو كانت دالة تكون دلالتها بالمفهوم، مع وجود مناقشات كثيرة فيها سنذكر بعضها إن شاء الله تعالى. وهذه الرواية مخدوشه من جهات: فأولا من جهة سندها، لان فيه محمد بن سنان، وقال النجاشي في حقه: وهو رجل ضعيف جدا لا يعول عليه ولا يلتفت إلى ما تفرد به، وحكى عن الكشي عن محمد بن قتيبة النيشابوري عن الفضل بن شاذان انه قال: لا اصل لكم ان ترووا أحاديث محمد بن سنان (6)، وطعن عليه الكشي ايضا (7). (وثانيا) من جهة مضمونها باعتبار حصرها المحرم في المجبور، مع انه ليس كذلك إجماعا، لانه لو لم تكن المرضعة اما ولا مستأجرة ولا امة ايضا يوجب ارضاعها التحريم اجماعا. (وثالثا) من جهة متنها، فان الصدوق (قدس سره) رواها بدون ذلك الذيل أي: قوله عليه السلام:
(هامش)
(1) تقدم راجع ص 357 هامش رقم (2). (2) تقدم راجع ص 348 هامش رقم (1) وص 348 هامش رقم (1). (3) تقدم راجع ص 348 هامش رقم (2). (4) تقدم راجع ص 347 هامش رقم (1). (5) تقدم راجع ص 358 هامش رقم (5). (6) (رجال النجاشي) ص 328 رقم (888). (7) (رجال الكشي) ص 389 ح 729 وص 507 ح 979 و 980. (*)
ثم ترضع عشر رضعات يروي الصبي وينام (1) والتهذيب مع ذلك الذيل (2). وإذا دار الامر بين الزيادة والنقيصة ولو ان اصالة عدم الزيادة مقدمة على أصالة عدم النقيصة عند العقلاء والاعتبار، ولكن لا يجرى ذلك في هذا المقام، لانه كيف يمكن لمثل الصدوق (قدس سره) الذي هو خريت هذه الصناعة، ومن أحذق حذاق هذا الفن ترك مثل هذه الفقره من الرواية وإسقاطها، مع انها مدار الحكم، وتترتب عليه آثار مع انهم صرحوا بأن الفقيه أضبط عند وقوع الاختلاف من التهذيب. واحتمل الشيخ الاعظم (قدس سره) أن تكون هذه الزيادة من محمد بن سنان. لانه داخل في أسناد التهذيب، وليس واقعا في سند الفقيه (3) وهناك اضطرابات اخر في المتن من حيث الاختلاف الواقع في لفظة المجبور ففي بعض النسخ بالحاء المهملة، وفي البعض الآخر بالخاء المعجمة، وفي نسخة الفقيه بالجيم (4)، ويرجحه - على الاحتمالين الاخرين - في الوافي (5)، ومن حيث مقابلة المجبور مع الخادم والظئر في بعض نسخ التهذيب، وجعلهما قسما له في نسخة اخرى (6). (ورابعا) من جهة ترك ظاهرها وعدم العمل به، لانه لم يفت أحد - بلزوم نوم الصبي بعد ان ارتضع وروى - في التحريم، فلذلك لا يبقى حجية لهذه الرواية أصلا كي تكون مدركا ومستندا لهذا القول. ولولا ما ذكرنا من الاشكالات على هذه الرواية كان يمكن أن يقال: ان رواية فضيل بن يسار - بعد تخصيص عموم العشر رضعات بالمتواليات بواسطة منطوق
(هامش)
(1) (تقدم راجع ص 357 هامش رقم (1). (2) (تهذيب الاحكام) (ج 7 ص 315 باب ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ح 13. (3) (كتاب المكاسب) ص 380. (4) (الفقيه) ج 3 ص 477 ح 2672 باب الرضاع ح 12. (5) (الوافي) 21 ص 239 ح 21154 أبواب بدء النكاح والحث عليه ح 23. (6) (تهذيب الاحكام) ج 7 ص 316 ح 1305 باب ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ح 13. (*)
موثق عمر بن يزيد وخبري عبيد بن زرارة - تكون اخص من الروايات الدالة على عدم تحريم العشر، لان تلك الروايات تدل على عدم تحريمه، سواء أكانت متواليات أو متفرقات، وهذه الرواية تدل على تحريمه إذا كانت متواليات بعد تخصيصها بما ذكرنا، فتكون أخص من تلك. ولكن مع ذلك أيضا لا يفيد لانه حتى على فرض غض النظر عن هذه المناقشات تعارضها رواية زياد بن سوقة. التي مضمونها عدم التحريم بما هو اقل من خمسة عشر متواليات (1)، فهو صريح في أن العشرة المتوالية وما زاد عليها إلى أن يبلغ خمسة عشرة المتوالية لا تكون محرما، وعلى فرض التكافؤ يتساقطان، فيرجع إلى الاخبار الدالة على عدم تحريم العشرة المتقدمة. وهذا الوجه كما يجري في رواية فضيل بن يسار يجري في موثق عمر بن يزيد وخبري عبيد بن زرارة، لانها أيضا طرف المعارضة، فتسقط أيضا بالمعارضة. مضافا إلى أن دلالتها بالمفهوم والمنطوق أقوى من المفهوم، مع أنه يمكن الخدشة في أصل دلالتها، لانه من الممكن أن تكون في مقام عدم تحريم ما هو أقل من العشرة، لا في مقام تحريم العشرة. هذا كله مع أن القول بالعشرة موافق لمذهب بعض أهل الخلاف، بخلاف القول بالخمسة عشر، فإنه لا يقول به أحد منهم، لان التحديد بالعدد عند من يقول منهم بالعدد أربعة: الرضعة الواحدة - بناء على أن يكون الواحد من الاعداد - والثلاثة، والخمسة، وعشرة. ومما يؤيد ورود هذه الاخبار في مورد التقية قوله عليه السلام في إحدى روايتي عبيد بن زرارة، في بيان ما هو المحرم، كأن يقال (عشر)، ومعلوم أن هذا التعبير يناسب التقية لا بيان حكم الله الواقعي، خصوصا بضميمة قوله عليه السلام في جواب السائل بقوله قلت
(هامش)
(1) تقدم راجع ص 352 هامش رقم (2). (*)
فهل يحرم عشر رضعات ؟ (دع ذا ما يحرم من النسب يحرم من الرضاع). فظهر من جميع ما ذكرنا أن القول بتحريم عشرة رضعات ليس له مستند يمكن الاعتماد عليه والركون إليه. وقد ذكرنا أن الامر يدور بين هذين القولين، فإذا بطل أحدهما يتعين الآخر، فيتعين قول الخمسة عشر. ثم إنهم اعتبروا في الرضاع المحرم من حيث العدد - سواء قلنا بأنه العشر أو الخمسة عشر - شروطا: [ الشرط ] الاول: أن يكون كل رضعة من تلك الرضعات رضعة كاملة، بمعنى أن يكون الطفل بعد أن جاع واشتهى وطلب يرتوي ويشبع بتلك الرضعة. ولعل هذا مراد من حددها، بأن يرتوي فيصدر من نفسه، يعني يرتوي بعد أن جاع، فيرفع اليد عن الثدي باختياره من دون أن يبعد عنه. وذلك من جهة ظهور هذه الكلمة في هذا المعنى في متفاهم العرف الذي هو المناط في باب تشخيص الظهورات. مضافا إلى أنه فسر في الاخبار أيضا بهذا المعنى كقوله عليه السلام في رواية فضيل بن يسار، (ثم ترضع عشر رضعات يروي الصبي وينام) (1) وكقوله عليه السلام في مضمرة ابن أبي يعفور: (إذا رضع حتى يمتلي بطنه، فإن ذلك ينبت اللحم والدم وذلك الذي يحرم (2). وكقوله عليه السلام في تفسير الرضاع المحرم (الرضاع الذي ينبت اللحم والدم هو الذي
(هامش)
(1) تقدم راجع ص 357 هامش رقم (1). (2) تقدم راجع ص 345 هامش رقم (5). (*)
يرضع حتى يمتلي ويتضلع) (1). وفي مرسلة ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام: (الرضاع الذي ينبت اللحم والدم هو الذي يرضع حتى يتضلع ويمتلي وينتهي من نفسه) (2). وأنت خبير بأن مفاد هذه الروايات مطابق مع ما يفهمه العرف من هذه اللفظة في هذا المقام، أي: في مقام التحديد بالعدد، وبناء على هذا لو مص الثدي وأعرض عنه فتارة يكون إعراضه لارتوائه بعد أن كان جائعا فهذا هي الرضعة الكاملة. وأخرى يكون لابعاده عن الثدي، أو للسعال، أو لغلبة الوجع. أو الانتقال من ثدي إلى ثدي، أو للالتفات إلى ملاعب وأمثال ذلك، فلا يعد رضعة من تلك الرضعات، وإن عاد بغير فصل طويل فالمجموع يحسب رضعة وإلا فلا. الشرط الثاني: توالي الرضعات، بمعنى أن لا يكون رضاع امرأة أخرى يفصل بين تلك الرضعات. والدليل عليه قوله عليه السلام في رواية زياد بن سوقة: (أو خمس عشر رضعات متواليات من امرأة واحدة) (3). في مرسل المقنع قوله عليه السلام: (أو خمسة عشر رضعات متواليات لا يفصل بينهن) (4). هذا مع أنه لو كان المناط الحقيقي لنشر الحرمة هو إنبات اللحم وشد العظم بمرتبة خاصة تحصل من رضاع يوم وليلة أو من رضاع خمسة عشر رضعة، فالفاصل مطلقا سواء أكان هو رضاع امرأة أخرى أو أي غذاء آخر يكون مضرا بحصول ما هو الموضوع. نعم لو كان الغذاء الفاصل قليلا، بحيث لا يكون مضرا باستناد تلك المرتبة من إنبات اللحم وشد العظم إلي تلك الرضعات، فلا بأس بذلك.
(هامش)
(1) تقدم راجع ص 346 هامش رقم (1). (2) تقدم راجع ص 346 هامش رقم (1). (3) تقدم راجع ص 352 هامش رقم (2). (4) تقدم راجع ص 352 هامش رقم (3). (*)
وأما في خصوص رضاع امرأة أخرى حيث أنه منصوص فإن كان فلا بد وأن يكون من القلة، بحيث لا يصدق أنه فصل رضاع امرأة أخرى. هذا مع احتمال أن يكون المراد من رضاع امرأة أخرى الرضعة الكاملة، فغير الكاملة لا تكون بها بأس أصلا. ولكن ادعى في الحدائق الاتفاق على أن الفصل بغير الرضاع لا يكون منافيا مع التوالي المعتبر فيها (1). الشرط الثالث: أن تكون تلك الرضعات الكاملة المتوالية من امرأة واحدة، فلو ارتضع من امرأة بعض العدد وكان لصاحب اللبن - أي: الفحل - امرأة أخرى ذات لبن لنفس ذلك الفحل، فارتضع ما بقي من العدد من هذه الاخرى لا يؤثر في التحريم، ولا يصبر ابنا أو بنتا له أي لذلك الفحل. وأما المرضعتان فكل واحدة منهما لا تصير أما بالضرورة، لان الامومة لا تحصل إلا بذلك العدد من نفس الام لا بعضه منها وبعضه من امرأة أخرى، ولذلك لو لم يكن الفحل أيضا واحدا فالامر أوضح. والدليل على هذا الشرط قوله عليه السلام في موثقة زياد المتقدمة (أو خمسة عشر رضعة متواليات من امرأة واحدة من لبن فحل واحد) (2). وهناك روايات أخر تدل على هذا المعنى كقوله عليه السلام في صحيحة بريد العجلي: (كل امرأة أرضعت من لبن فحلها ولد امرأة أخرى) (3) وقوله عليه السلام في صحيحة عبد الله بن سنان: (ما أرضعت امرأتك من لبنك ولبن ولدك ولد امرأة أخرى فهو حرام) (4).
(هامش)
(1) (الحدائق الناضرة) ج 23 ص 358. (2) تقدم راجع ص 358 هامش رقم (1). (3) تقدم راجع ص 339 هامش رقم (2). (4) تقدم راجع ص 339 هامش رقم (1). (*)
ومعلوم أن المراد من ارضاع الامرأة بحسب العدد هو الخمسة عشر رضعة أو العشر رضعات. فتدل هذه الروايات على أمرين: اتحاد المرضعة، واتحاد الفحل، فنتيجة هذه الروايات هو أنه لا بد في تحقق الرضاع المحرم من أن تكون المرضعة واحدة والفحل واحدا، ففي صورة عدم اتحاد كليهما لا تحريم كما إذا ارتضعت جارية مثلا من امرأة بعض العدد المعتبر في التحريم ومن امرأة أخرى لفحل آخر ما بقي من تمام العدد، أو عدم اتحاد الفحل فقط، كما إذا أرضعت امرأة رجل ولدا ببعض العدد من لبن زوجها، وبعد ذلك طلقها زوجها أو وهبها أو باعها لو كانت أمته، فتزوجت من رجل آخر بعد انقضاء عدتها، وحبلت بعد ذلك من زوجها الثاني أو من مولاها الثاني، ودر لبنها من الزوج الثاني أو من مولاها الثاني، فكملت العدد من لبن الفحل الثاني. لكن صحة هذا الفرض منوط بأن يكون الفاصل بين الرضعات بغير ارضاع امرأة أخرى، أي: لو كان بسائر الاغذية لا يكون مناقيا مع التوالي الذي اعتبر فيها، ولو كان ذلك الفاصل من الاغذية الآخر مدة طويلة، فلا تحريم في هذه الصورة أيضا، كما أنه لو كان الفحل واحدا والمرضعة متعددة، كأن تكونا زوجتين أو أمتين أو مختلفتين لشخص واحد، ويكون كلا اللبنين له، فلا تحريم أيضا. ثم إنه يمكن تصوير تعدد الفحل مع وحدة المرضعة بشكل لا يكون الفاصل في البين أصلا لا بالارضاع من امرأة أخرى ولا بغذاء آخر. وهو فيما إذا طلق امرأته وتزوجت بعد انقضاء عدتها من رجل آخر فحبلت من ذلك الرجل، ولكن اللبن كان مستمرا من زمان أنها كانت زوجة للزوج الاول إلى زمان وضع الحمل الذي صار من الزوج الثاني وبعده أيضا. فبناء على ما اخترناه - تبعا لجمع من المحققين - من أن اللبن قبل الوضع للزوج الاول وبعد الوضع للزوج الثاني، فيمكن أن يكون بعض الرضعات العشر أو الخمسة
عشر من لبن الزوج الاول، أي ما كان قبل الوضع، وبعضها الآخر من الزوج الثاني أي ما كان بعد الوضع فمجموع الرضعات حصلت من امرأة واحدة، ولكن اللبن لفحلين من دون فاصل في البين. الشرط الرابع: أن تكون تلك الرضعات من الثدي لا بالوجور في حلقه. وذلك لعدم صدق الرضاع والارتضاع عرفا إلا بامتصاص الثدي ولو شككنا في الصدق فقد تقدم حكم الشبهة الحكمية فراجع. وأما ما يقال: من أن الغرض من الارتضاع هو شد العظم وإنبات اللحم حاصل من الوجور أيضا، لانه لا فرق في حصول هذه النتيجة بين الامتصاص وبين الوجور. ففيه: أن الموضوع في لسان الدليل هو عنوان الرضاع أو الارضاع الذي يكون أثره إنبات اللحم أو الدم وشد العظم لا مطلق الانبات ولو كان حاصلا من غير الرضاع، فما ذهب إليه الاسكافي - من كفاية الوجور في حلقه في نشر الحرمة (1) - مضافا إلى أنه مخالف لما ذهب إليه معظم الاصحاب - لا وجه له أصلا، بل الوجه على خلافه كما عرفت. وأما مرسل الفقيه عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (وجور الصبي اللبن بمنزلة الرضاع) (2)، مع أنه ضعيف، فلا حجية له في حد نفسه وأعرض المشهور عن العمل به معارض برواية زرارة عن الصادق عليه السلام: (لا يحرم من الرضاع إلا ما ارتضعا من ثدي واحد حولين كاملين) (3) بناء على أن لا يكون حولين كاملين تحديدا للرضاع بحسب مقدار الرضاع وكميته بحسب الزمان بل يكون ظرفا لاصل الرضاع المقدر بأحد التقديرات الثلاثة كي لا تكون معرضا عنها للاصحاب، فلا تكون قابلة للمعارضة.
(هامش)
(1) ابن الجنيد الاسكافي في (الفتاوى) ص 236. (2) (الفقيه) ج 3 ص 479 ح 4683 باب الرضاع ح 23. (3) تقدم راجع ص 353. (*)
هذا مضافا إلى أن الاعراض عن الذيل لا يلازم الاعراض عن صدر الرواية، بل هو يبقى على حجيته. ولكن لا يخفى أن هذا الشرط ليس مختصا بالتقدير بالعدد بل يعتبر في التقديرات الثلاثة، ولذلك ينبغي أن يعد هذا من شرائط الرضاع لا من شرائط العدد. الشرط الخامس: أن تكون المرضعة حية، فلا اعتبار بما يرتضع الطفل منها بعد موتها. هذا ما ذهب إليه معظم الاصحاب. واستدلوا عليه: بأن لفظة (الارضاع) في الآية والرواية ظاهر بحسب متفاهم العرف في الارتضاع من الحي، فهو المحرم، وأما الارتضاع من الميت فلا دليل على تحريمها، فيبقى تحت أصالة الاباحة ولو كانت بمعنى استصحاب عدم حدوث الحرمة كما تقدم في حكم الشك في الشبهة الحكمية. وفيه أولا: أن هذه دعوى بلا بينة ولا برهان، بل البرهان على خلافه، لانه لو كانت المرأة نائمة أو غافلة وسعى إليها الطفل والتقم ثديها من دون التفاتها إلى ذلك تحصل الحرمة إذا حصل أحد التقديرات الثلاثة كذلك مع أنه لا فرق بين الميت ومثل النائمة والغافلة بحسب الاعتبار، لان من يدعي اعتبار الحياة من طريق ظهور لفظة (الارضاع) في ذلك، من جهة اعتبار الاختيار والمباشرة والالتفات والقصد إلى صدور هذا الفعل عنها، وحيث أنه ليس في الميت مثل هذه العناوين، فلا يصدق على الارتضاع منه أنها أرضعت. ولكن أنت خبير بأن جميع هذه العناوين مفقودة في المثال الذى فرضنا ففي النائمة أو الغافلة كل ذلك ليس، فليس هناك مباشرة ولا اختيار ولا التفات إلى الفعل ولا قصد إلى صدوره، فصدق الارضاع مع ذلك يدل على عدم أخذ هذه الامور في ذلك المفهوم، بل لم تؤخذ هذه العناوين في مفهوم أي فعل من الافعال، لان مادتها موضوعة للحدث الكذائي، وهيآتها على اختلافها لانحاء النسب التي بين المادة
والذات، وليس شيء آخر في البين كي يكون موضوعا لهذه العناوين، أو تكون هذه العناوين مأخوذة فيه. وثانيا: لو سلمنا عدم شمول لفظة (الارضاع) - الذي في الآية والرواية - للارتضاع من الميت، فمع ذلك لا تصل النوبة أيضا إلى أصالة الحل، أو استصحاب عدم حدوث الحرمة، أو قوله تعالى: (وأحل لكم ما وراء ذلكم) (1) لان لفظة (الرضاعة) في قوله تعالى (وأخواتكم من الرضاعة) (2) وهكذا لفظة (الرضاع) في قوله صلى الله عليه وآله: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) (3)، وفي سائر الروايات لا مانع من شموله للميت أيضا. وأما ربما يقال: من أن الميت يخرج من كونه متعلقا وموردا للاحكام بواسطة الموت فالرضاع منه لا يترتب عليه ثمرة شرعية أصلا. فعجيب إلى الغاية، لان عدم صلاحية الميت لكونه متعلقا وموردا للاحكام إنما هو بالنسبة إلى تعلق حكم بنفسه، لانه ليس قابلا لتوجيه خطاب إليه. وأما تعلق الاحكام بشخص آخر أو أشخاص آخرين - لوجود إضافة ونسبة بينه أو بينهم وبين الميت - فمما لا كلام فيه فمن ذلك إرثه منه وجواز تغسيله لو كان مماثلا أو محرما، وإجراء الحد عليه لو زنى به، وأخذ الدية منه لو جنى عليه، إلى غير ذلك من الاحكام الكثيرة. وأما دعوى انصراف الادلة والاطلاقات عن الرضاع من الميتة فليس له وجه، إلا قلة وجود هذا القسم وندرة وقوعه، ولو كان مثل هذا انصرافا ومضرا بالالطلاق ففي جميع الاطلاقات يلزم أن تكون الافراد النادرة الوجود خارجة عن تحت
(هامش)
(1) النساء (4): 24. (2) النساء (4): 23. (3) تقدم راجع ص 323 هامش رقم (2). (*)
الاطلاقات، ولا يلتزم به أحد. هذا مضافا إلى أن بعض أقسام الرضاع من الميتة لا يمكن فيه دعوى الانصراف، كما إذا كان مثلا إربعة عشر رضعة في حال الحياة ورضعة واحدة - بناء على القول بالخمسة عشر - في حال الممات، فمثل هذا المورد لا يمكن أن يقال بعدم شمول الاطلاقات له وانصرافها عنه، فحينئذ بعدم القول بالفصل يتم المطلوب. إلا أن يقال بقلب هذا الدليل، بأنه في كثير من الصور تكون الاطلاقات منصرفة عنها، فتدخل تلك الصور تحت آية التحليل، أي قوله تعالى: (وأحل لكم ما وراء ذلكم) (1) وبعدم القول بالفصل يتم المطلوب، ولو سقط كلا الدليلين بواسطة التعارض عن الاعتبار فالمرجع أصالة الحل بالمعنى الذي ذكرنا. ولكن أنت خبير بأن مسألة عدم القول بالفصل غير الاتفاق والاجماع المركب على عدم الفصل، والذي موجود فيما نحن فيه هو الاول وهو غير مفيد، والمفيد هو الثاني وليس بموجود فيما نحن فيه، فلا مانع من الاخذ بالاطلاقات فيما تشمله، والرجوع إلى أصالة الحل أو آية التحليل في موارد الانصراف. الشرط السادس: ذهب معظم الاصحاب إلى أن الرضاع الذي يكون سببا لنشر الحرمة لا بد وأن يكون في حولي الرضاعة، أي لا يكون الرضيع له أزيد من الحولين. والدليل عليه - قبل الاجماع المدعى في المقام - قوله صلى الله عليه وآله فيما رواه الكافي عن صور من بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا رضاع بعد فطام). (2) وحسنة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا رضاع بعد فطام) (3) (هامش)
(1) النساء (4): 24. (2) (الكافي) ج 5 ص 443 باب: أنه لا رضاع بعد فطام ح 5، (وسائل الشيعة) ج 14 ص 290 أبواب ما يحرم بالرضاع باب 5 ح 1. (3) (الكافي) ج 5 ص 443 باب: أنه لارضاع بعد فطام ح 1، (وسائل الشيعة) ج 14 ص 291 أبواب (*)
ورواية حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لا رضاع بعد فطام). قلت: جعلت فداك وما الفطام ؟ قال: (الحولين الذين قال الله عزوجل) (1) ورواية فضل بن عبد الملك قال: (الرضاع قبل الحولين قبل أن يفطم) (2). هذه هي الروايات المروية الواردة في هذا المقام. والمراد من (الفطام) في هذه الروايات ظاهرا هي المدة التي جعلها الشارع ظرفا للرضاع الكامل، أي الحولين في قوله تعالى: (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة) (3) لا بمعنى الانقطاع عن الرضاع، سواء أكان قبل انقضاء الحولين أو بعدهما كما ربما يظهر من هذه اللفظة حسب الوضع اللغوي، وإن كان في بعض كتب اللغة فسره بزمن الفطم، وذلك لتفسير الصادق عليه السلام هذه الكلمة بما ذكرنا من الحولين في خبر حماد بن عثمان. فبناء على هذا لو فطم الولد قبل تمام المدة وتغذى بغذاء آخر، ثم حصل الرضاع بعد انفطامه وقبل تمام الحولين تنشر الحرمة، لان مفاد هذه الروايات بناء على ذلك التفسير المروي عدم التحريم بعد انقضاء الحولين. فقبل ذلك لا تدل على عدم حصول الرضاع المحرم، فتشمله الاطلاقات ولو كان منفطما. فما نسب إلى العماني من لزوم أمرين: أحدهما عدم تمامية المدة والثاني عدم الانفطام فكما أنه بتمامية المدة لا رضاع، كذلك بالانفطام - ولو كان قبل تمامية المدة –
(هامش)
ما يحرم بالرضاع 5 ح 2. (1) (الكافي) ج 5 ص 443 باب: أنه لا رضاع بعد فطام ح 3، (تهذيب الاحكام) ج 7 ص 318 ح 1313 باب: ما يحرم من النكاح في الرضاع وما لا يحرم منه ح 21، (الاستبصار) ج 3 ص 198 ح 716 باب: مقدار ما يحرم من الرضاع ح 21، (وسائل الشيعة) ج 14 ص 291 أبواب ما يحرم بالرضاع باب 5 ح 5. (2) (الكافي) ج 5 ص 443 باب: أنه لا رضاع بعد فطام ح 2، (تهذيب الاحكام) ج 7 ص 318 ح 1312 باب: ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ح 20، (الاستبصار) ج 3 ص 198 ح 715 باب: مقدار ما يحرم من الرضاع ح 20، (وسائل الشيعة) ج 14 ص 291 أبواب ما يحرم بالرضاع باب 5 ح 4. (3) البقرة (2): 233. (*)
لا رضاع (1). لا وجه له، لما ذكرنا من أن المراد من الفطام هي مدة الرضاع، لا الفطم والقطع الخارجي. ولا يتوهم أن قوله عليه السلام في رواية فضل بن عبد الملك (الرضاع قبل الحولين قبل أن يفطم) (2) يدل على ما ذهب إليه العماني، لانه عليه السلام أخذ في موضوع الرضاع قيدين: أحدهما أن يكون قبل الحولين. والثاني أن يكون قبل أن يفطم، لانه بعد ما فسر الامام عليه السلام الفطام بما ذكرناه يكون المراد من القيد الثاني عين ما هو المراد من القيد الاول. ولعل وجه ذكره مع الاستغناء عنه هو الاشارة إلى قوله صلى الله عليه وآله: (لا رضاع بعد فطام) (3) وأن ما هو قبل الحولين قبل الفطام، فالمراد من الفطام ليس إلا انقضاء الحولين، ولذلك قال في الجواهر: بل لم نتحقق خلاف الحسن أي: ابن أبي عقيل وهو العماني، لان المحكي عنه اعتبار الفطام ويمكن ارادته سن الفطام (4). ثم إنه نسب إلى الاسكافي قدس سره ثبوت التحريم قبل أن يفطم، ولو كان الارتضاع بعد مضي حولين عن سن المرتضع. (5) ولعل مدركه رواية داود بن الحصين المروية في الفقيه والتهذيب عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (الرضاع بعد الحولين قبل أن يفطم محرم) (6).
(هامش)
(1) (مختلف الشيعة) ج 7 ص 35 - 36 مسألة: 3 كتاب النكاح في الرضاع حكى قول ابن أبي عقيل العماني. (2) تقدم راجع ص 371 هامش رقم (2). (3) تقدم راجع ص 371 هامش رقم (1). (4) (جواهر الكلام) ج 29 ص 296 في شروط الرضاع وأحكامه. (5) (جواهر الكلام) ج 29 ص 297 في شروط الرضاع وأحكامه حكى عن الاسكافي. (6) (الفقيه) ج 3 ص 476 ح 4667 باب الرضاع ح 7، (تهذيب الاحكام) ج 7 ص 318 ح 1314 باب: (*)
وأنت خبير بأن هذا خبر شاذ مخالف للاجماع والاخبار: ولا يمكن الركون إليه. وقال الشهيد قدس سره إن هذه الفتوى - أي فتوى ابن الجنيد، وهو أن يكون الارتضاع بعد مضي حولين من سن المرتضع وقبل أن يفطم يكون موجبا لنشر الحرمة - مسوقة بالاجماع على الخلاف وملحوقة به (1). وربما قيل في توجيه هذه الرواية بأن المراد من (بعد الحولين) أي: بعد مضي الحولين من عمر ولد المرضعة وقبل أن يفطم المرتضع، ويكون المراد من هذه الرواية أنه يمكن أن يقع الرضاع هكذا لا أنه من شروط الرضاع أن يكون هكذا كي يكون منحصرا في كونه هكذا، كما هو ظاهر الرواية لو كان المراد من الحولين صفة ولد المرضعة لا المرتضع كما ذكرنا، فيكون ردا على ابن بكير. ولكن هذا التوجيه عجيب. ثم إنه هل يعتبر هذا الشرط - أي: عدم انقضاء الحولين ومضيهما عن عمره - في خصوص المرتضع أو يكون شرطا لولد المرضعة أيضا ؟ فيه خلاف، فالمشهور بين المحققين والفقهاء هو الاول، وحكى عن أبي الصلاح (2) وابن زهرة (3) وابن حمزة (4) بل ادعى في الغنية الاجماع عليه (5) كما حكى عنه في الجواهر (6) هو الثاني. وهؤلاء الذين يقولون بالاشتراط حتى في ولد المرضعة يتمسكون بالاجماع وبإطلاق قوله صلى الله عليه وآله: (لا رضاع بعد فطام) حيث أطلق الفطام ولم يقيده بفطام المرتضع،
(هامش)
ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ح 22، (وسائل الشيعة) ج 14 ص 292 أبواب ما يحرم بالرضاع باب 5 ح 7. (1) الشيخ الاعظم في (كتاب المكاسب) ص 378 في شروط انتشار الحرمة بالرضاع حكى قول الشهيد. (2) (الكافي في الفقه) ص 285. (3) (الغنية) ضمن (الجوامع الفقهية) ص 547. (4) (الوسيلة) ص 301. (5) (الغنية) ضمن (الجوامع الفقهية) ص 547. (6) (جواهر الكلام) ج 29 ص 297. (*)
فيشمل فطام الاثنين، فإذا انقضى فطام ولد المرضعة أيضا فلا فطام للاصل، لانه بعد انقضاء فطام ولد المرضعة إذا شككنا في التحريم فمقتضى أصالة الحل أو عدم حدوث الحرمة عدم تأثير مثل ذلك الرضاع، ويفهم ابن بكير من قوله صلى الله عليه وآله: (لا رضاع بعد فطام) فطام ولد المرضعة أيضا. وذلك حيث سأل ابن فضال عن ابن بكير في المسجد فقال: ما تقولون في امرأة أرضعت غلاما سنتين ثم أرضعت صبية لها أقل من سنتين حتى تمت السنتان أيفسد ذلك بينهما ؟ قال: (لا يفسد ذلك بينهما، لانه رضاع بعد فطام) وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (لا رضاع بعد فطام) أي: أنه إذا تم للغلام سنتان أو الجارية فقد خرج من حد اللبن ولا يفسد بينه وبين من شرب من لبنه (1). وفيه: أن حال هذا الاجماع - مع ذهاب الاكثر على خلافه مضافا إلى تمسك المجمعين بهذه المدارك التي ذكروها - معلوم. وأما إطلاق قوله صلى الله عليه وآله: (لا رضاع بعد فطام) فممنوع شموله لولد المرضعة، لانه خارج عن مورد البحث والكلام، بل ظهور الحديث في فطام المرتضع فقط من الواضحات. وعلى فرض الشك فالمرجع هي الاطلاقات الواردة في باب تحريم الرضاع كقوله صلى الله عليه وآله: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) لصدق الرضاع عليه يقينا والشك في تقييد الاطلاق لاجمال مفهوم المقيد. وأما فهم ابن بكير: فأولا هو اجتهاد منه وليس بحجة. وثانيا معارض بفهم الصدوق (2) والكليني خلاف ما فهمه. وقال الاخير في معنى قوله صلى الله عليه وآله: (لا رضاع بعد فطام) إن الولد إذا شرب لبن
(هامش)
(1) (تهذيب الاحكام) ج 7 ص 317 ح 1311 باب: ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ح 19، (الاستبصار) ج 3 ص 197 ح 714 باب: مقدار ما يحرم من الرضاع ح 19، (وسائل الشيعة) ج 14 ص 291 أبواب ما يحرم بالرضاع باب 5 ح 6. (2) (الفقيه) ج 3 ص 476 ح 4666 باب الرضاع ح 6. (*)
المرأة بعد ما تفطمه لا يحرم ذلك الرضاع التناكح (1). وحيث أنه في مقام تفسير هذا الكلام فلا مجال لتوهم أنه بين إحدى الصورتين، ولا ينافي ذلك وجود صورة أخرى ومصداق آخر وهو فيما إذا شرب الولد لبن المرأة بعد فطام ولد نفسها لا بعد فطام المرتضع. وأما الاصل فلا أصل له أصلا، لما ذكرنا من شمول الاطلاقات لصورة حصول الرضاع مع انقضاء الحولين ومضيهما من عمر ولد المرضعة. فتلخص من مجموع ما ذكرنا أن الاقوى هو القول الاول. ثم إن المراد من الحولين هو أربعة وعشرين أشهر هلالية، كما هو الحال في باب البلوغ وحلول الحول في الزكاة وأمثالهما من نظائر المقام. فإن كانت الولادة في أول الشهر فينتهي في آخر الشهر الرابع والعشرين، وإن كانت في الاثناء فيكمل مقدار النقص من الشهر الخامس والعشرين. واحتمال العدد حينئذ في جميع الشهور - بأن يحسب من يوم الولادة إلى ثلاثين يوما شهرا وهكذا - بعيد إلى الغاية، بل مما يقطع بخلافه ويزيد على سنتين قطعا، لان أشهر السنة الهلالية ليست كلها ثلاثين يوما يقينا، كما أن احتمال أن يكون مبدأ الحولين من أول الرضاع لا من أول الولادة معلوم العدم، وذلك لانه عليه السلام فسر الفطام بالحولين الذين قال الله عزوجل، (2) ومعلوم أنهما في الآية الشريفة من حين الولادة، لقوله تعالى: (وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) (3). الشرط السابع: أن يكون اللبن خالصا غير ممزوج بشئ جامد أو مايع، وأن لا يصير جبنا، كل ذلك لاجل عدم صدق اللبن أو انصرافه عنه، مع ما تقدم أن حقيقة
(هامش)
(1) (الكافي) ج 5 ص 444 باب: لارضاع بعد فطام ح 5. (2) تقدم راجع ص 371 هامش رقم (1). (3) الاحقاف (46): 15.
الرضاع هو شرب اللبن بامتصاص الثدي، فلا بد من تحقق عنوان شرب اللبن، لانه من مقوماته، فكلما يخرجه عن هذا العنوان فتحقق الرضاع يكون مشروطا عقلا بعدمه كامتزاجه بجسم آخر جامد أو مائع، بحيث يخرجه عن كونه لبنا. ومن هذا القبيل ما يصنع من اللبن، كالمخبض والجبن وأمثال ذلك، مما هو من فروع اللبن. هذا تمام الكلام في شرائط الرضاع. الجهة الخامسة في عموم المنزلة والبحث فيه تارة بلحاظ عموم المنزل عليه وخصوصه أي السعة والضيق في التنزيل باعتبار السعة والضيق في المنزل عليه، فمن يقول بعموم المنزلة يقول: ليس التنزيل فقط باعتبار العناوين السبعة النسبية المعروفة أي الام والبنت والاخت والعمة والخالة وبنات الاخ وبنات الاخت، بل يشمل جميع العناوين النسبية التي تعرضها الحرمة، ولو من جهة ملازمتها للعناوين النسبية التي جعلها الشارع موضوعا للحرمة، كعنوان أم ولد البنت نسبا، أو عنوان أم السبط نسبا المتلازمان مع البنتيه في باب النسب، أو عنوان أم الاخ للابوين الملازم مع كونها أما له أيضا في النسب، أو عنوان أخت الاخ للابوين الملازم لكونها أختا له أيضا وهكذا بالنسبة إلى سائر العناوين الملازمة للعناوين السبعة المعروفة التى جعلها الشارع موضوعا للحرمة في باب النسب. ومن يقول بخصوص المنزلة يقول: المنزل عليه هي العناوين السبعة فقط أي أن الشارع نزل بقوله صلى الله عليه وآله: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) هذه العناوين السبعة الحاصلة من الرضاع منزلة نفس هذه العناوين الحاصلة من النسب، لانها فقط
موضوع الحرمة في لسان الدليل، لا العناوين الملازمة لتلك العناوين وجودا. وأخرى: يكون البحث فيه باعتبار عموم آثار النزل عليه أو خصوص بعض الآثار، فمن يقول بالعموم من هذه الجهة يقول: بأن كل أثر كان يترتب على الام النسبي - مثلا - يترتب على الام الرضاعي، إلا ما خرج بالدليل، كالارث، لانه من المسلم أنه لا يرث من أمه الرضاعية ولكنه كما أن أمه النسبية مثلا إذا كانت أمه واشترها تنعتق عليه، هل كذلك تكون أمه الرضاعية إذا اشتراها تنعتق عليه أم لا ؟ فمن يقول بعموم المنزلة بالنسبة إلى جميع الآثار إلا ما خرج يقول بالاول، ومن يقول: إن التنزيل بلحاظ خصوص تحريم النكاح يقول بالثاني. أما البحث الاول: أي عموم المنزلة بلحاظ عموم المنزل عليه فالمشهور عدمه، وأن التنزيل بلحاظ العناوين السبعة المعروفة المذكورة في الآية الشريفة (1). وذهب جملة من المتأخرين منهم المحقق الداماد ونسب إلى الشيخ الشهيد أيضا - ولو ناقش بعض في هذه النسبة - إلى عموم المنزلة، وقالوا: إن كل إمرأة تحرم من جهة وجود نسبة بينها وبين الرجل - سواء أكانت تلك النسبة من العناوين السبعة المعروفة أو لم تكن، بل كانت من العناوين المستلزمة لاحد هذه العناوين المعروفة - إذا حصل مثل تلك النسبة من الرضاع يحرم أيضا، سواء أكانت تلك النسبة الحاصلة من الرضاع أيضا من تلك العناوين السبعة المعروفة أو كانت من غيرها مما هي مستلزمة لاحدى تلك العناين السبعة إذا كانت حاصلة من النسب. مثلا أم ولد الولد في النسب محرمة عليه من جهة أنها إما بنته وإما زوجة ابنه، وكلتاهما حرام عليه، فلو أرضعت أجنبية ولد ولده فتصير أم ولد ولده، ولكن لا تصير بنته من الرضاع ولا حليلة ابنه من الرضاعة. فبناء على عدم عموم المنزلة بالمعنى الذي ذكرنا لا وجه لتحريم مثل هذه
(هامش)
النساء (4): 23. (*)
المرضعة عليه، لانه لم يحصل بينه وبينها أحد تلك العناوين السبعة، لا من النسب ولا من الرضاع. وبناء على العموم ولو لم يحصل أحد هذه العناوين لا من النسب ولا من الرضاع، ولكن حصل عنوان بالرضاع أعني عنوان أم ولد الولد الذي لو كان حاصلا من النسب لكانت تلك المرأة حراما عليه، لملازمة ذلك العنوان مع أحد العنوانين الذين كل واحد منهما محرم: أحدهما عنوان البنت والاخرى عنوان زوجة الولد. هذا ولكن الحق ما ذهب إليه المشهور، وذلك لان قوله صلى الله عليه وآله: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) ظاهره كما بينا في ما تقدم أن كل عنوان جعله الشارع موضوعا للحرمة إذا كان حاصلا من النسب، فعين ذلك العنوان يكون موضوعا للحرمة أيضا إذا كان حاصلا من الرضاع. نعم هذا المعنى موقوف على أن العناوين السبعة المعروفة، كما أنها تحصل من النسب كذلك كانت حاصلة من الرضاع أيضا عند العرف، كي يكون التنزيل بلحاظ الآثار والاحكام. بمعنى: أن عنوان الام - مثلا - يكون عنوانا عاما، يحصل تارة من النسب أي الولادة وأخرى من الرضاع، فيكون الموصول كناية عن تلك العناوين السبعة، لانها هي التي حكم الشارع عليها في الآية الشريفة بالتحريم، لا العناوين المستلزمة لاحدى تلك العناوين، فإن الشارع لم يجعل عنوان أم ولد الولد مثلا، أو عنوان أخت الاخ للابوين، وهكذا غيرهما من العناوين المستلزمة لاحد تلك العناوين موضوعا للحرمة أصلا، فلا يشمل عنوان ما يحرم مثل تلك العناوين، فالمراد مما يحرم هي موضوعات الحرمة في لسان الدليل، وملازم الموضوع ليس بموضوع، فليست تلك العناوين المستلزمة لاحد تلك العناوين مما يحرم في النسب كي يكون مما يحرم في الرضاع. وهذا واضح جدا، وإن وقع جماعة من المحققين في الاشتباه. ثم إن هذه القاعدة وإن كانت لا تشمل بعض الموارد، كعنوان أخت الابن - مثلا
- ما لم تكن بنتا أو ربيبة، ولكن وردت روايات تدل على عدم جواز نكاح أبي المرتضع في أولاد صاحب اللبن، ولا في أولاد المرضعة (1) وإلا كان بيوز وإن كانت أختا للمرتضع من الرضاعة، وبالنسبة إلى أبي المرتضع تكون أختا لابنه، فلو لم تكن تلك الروايات كان مقتضى القاعدة - كما شرحنا - جواز نكاحها لابي المرتضع، لانها ليست بنتا له ولا ربيبة وقلنا: إن عنوان المحرم هو البنت أو الربيبة، لا عنوان أخت الابن، وكانت حرمة أخت الابن في النسب من جهة ملازمتها مع عنوان البنت أو الربيبة، وإلا فهو بنفسه ليس من المحرمات. وأما الروايات: فمنها: صحيحة على بن مهزيار قال: سأل عيسى ابن جعفر أبا جعفر الثاني عليه السلام أن امرأة أرضعت لي صبيا فهل يحل لي أن اتزوج ابنة زوجها ؟ فقال لي: (ما أجود ما سألت من هاهنا يؤتي أن يقول الناس حرمت عليه امرأته من قبل لبن الفحل، هذا هو لبن الفحل لا غيره). فقلت له: الجارية ليست ابنة المرأة التي أرضعت لي هي ابنة غيرها ؟ فقال: (لو كن عشرا متفرقات ما حل لك شيء منهن وكن في موضع بناتك). (2) ومنها: في الصحيح عن أيوب بن نوح قال: كتب علي بن شعيب إلى أبي الحسن عليه السلام: امرأة أرضعت بعض ولدي هل يجوز لي أن أتزوج بعض ولدها ؟ فكتب عليه السلام: (لا يجوز ذلك لك، لان ولدها صارت بمنزلة ولدك) (3).
(هامش)
(1) (الكافي) ج 5 ص 441 باب: صفة اللبن الفحل ح 8، (تهذيب الاحكام) ج 7 ص 320 ح 1320 باب: ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ح 28، (الاساتبصار) ج 3 ص 199 ح 723 باب: ان اللبن للفحل ح 5، (وسائل الشيعة) ج 14 ص 296 أبواب ما يحرم بالرضاع باب 6 ح 10. (2) (الكافي) ج 5 ص 441 باب صفة لبن الفحل ح 8، (تهذيب الاحكام) ج 7 ص 320 ح 1320 باب ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ح 28، (الاستبصار) ج 3 ص 119 ح 723 باب ان اللبن للفحل ح 5، (وسائل الشيعة) ج 14 ص 296 أبواب ما يحرم بالرضاع باب 6 ح 10. (3) (الفقيه) ج 3 ص 476 ح 4668 باب الرضاع ح 8، (تهذيب الاحكام) ج 7 ص 321 ح 1324 باب: (*)
منها: ما روى الكليني - في الصحيح - عن عبد الله بن جعفر قال: كتبت إلى أبي محمد عليه السلام: امرأة ارضعت ولد الرجل، هل يحل لذلك الرجل أن يتزوج ابنة هذه المرضعة أم لا ؟ فوقع عليه السلام: (لا تحل له) (1). فبناء على العمل بهذه الروايات تحرم الزوجة على زوجها لو أرضعت أمها ولدها الذي من هذا الزوج، لان الزوجة تكون من أولاد صاحب اللبن، فتحرم على أبي المرتضع الذي هو زوجها. ومما ذكرنا ظهر عدم حرمة إخوة المرتضع على أولاد الفحل، أي صاحب اللبن، لان إخوة المرتضع تكون بالنسبة إلى أولاد صاحب اللبن أخوات أخيهم. وليس أخت الاخ من العناوين المحرمة في النسب كي يكون الرضاع مثله، وهكذا بنات صاحب اللبن ليس محرمات على أولاد أبي المرتضع، لانهن أيضا بالنسبة إلى أولاد أبي المرتضع أخوات أخيهم وهذا العنوان ليس من العناوين السبعة المعروفة التي يكون التنزيل بين حصول هذه العناوين بالرضاع وبين حصولها من النسب، بمعنى: أن حرمة النكاح التي رتبها الشارع على هذه العناوين عند حصولها من النسب يرتب على مثل هذه العناوين إن حصلت من الرضاع، الذي استظهرناه من مثل قوله عليه السلام: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) (2). فإن ظاهر الحديث النبوي - الذي رواه الفريقان - أن المراد من الموصول أي كلمة (ما) في قوله صلى الله عليه وآله: (ما يحرم من النسب) هذه العناوين المعروفة التي جعلها الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز موضوعا لحرمة النكاح عليهن وتزويجهن من النسب،
(هامش)
ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ح 32، (الاستبصار) ج 3 ص 201 ح 727 باب: ان اللبن للفحل ح 9، (وسائل الشيعة) ج 14 ص 306 أبواب ما يحرم بالرضاع باب 16 ح 1. (1) (الكافي) ج 5 ص 447 باب نوادر في الرضاع ح 18، (وسائل الشيعة) ج 14 ص 307 أبواب ما يحرم بالرضاع باب 16 ح 2. (2) تقدم راجع ص 323 هامش رقم (2). (*)
فحكم بحرمة هذه العناوين الحاصلة من الرضاع. وبعبارة أخرى: جعل الرضاع مثل النسب في ترتب حرمة النكاح على هذه العناوين الحاصلة منها. وأما العناوين الملازم لهذه العناوين في النسب - كعنوان أخت الابن، بحيث يكون الابن ابنا نسبيا، والاخت لذلك الابن أيضا إذا كان أختا نسبيا - فلا محالة لا يخلو من أحد أمرين: إما أن تكون بنتا له إذا كانت الاخت اختيته لذلك الابن باعتبار تولدهما من هذا الاب، وإما أن تكون ربيبة له إن كانت أختيته باعتبار تولدهما من أم واحد، ولا يشتركان في الاب. فالحرمة التي في أخت ابنه من جهة أحد الامرين: إما من جهة أنها إبنته أو من جهة أنها ربيبته، وإلا لم يجعل الشارع عنوان أخت الابن موضوعا للحرمة، ولذلك لو فرضنا - محالا - وجود أخت ابن في النسب مع عدم كونها ربيبة ولا بنتا لا تحرم ولكن هذا وقوعه في النسب محال. وأما في الرضاع فليس بمحال، كما قلنا إن بنات المرضعة أو بنات صاحب اللبن وان كن من غير المرضعة أخوات من الرضاعة للمرتضع، وليست بنتا ولا ربيبة لابي المرتضع، ولذلك لو لم تكن تلك النصوص الخاصة لم نقل بحرمتهن على أبي المرتضع. ولعمري هذا واضح لا يحتاج إلى إطالة الكلام. الجهة السادسة في أن الرضاع كما أنه إن حصل أحد العناوين المحرمة به قبل النكاح والتزويج يكون موجبا لحرمة التزويج يكون موجبا لبطلان الزوجية كذلك لو حصل بعد التزويج - بمعنى: أنه إن كانت زوجته غير محرمة عليه لعدم تعنونها واتصافها بأحد العناوين المحرمة لا نسبا ولا رضاعا - أحد العناوين المحرمة بواسطة الرضاع يكون
موجبا لصيرورة الزوجة المحللة محرمة. كما أنه في النسب لو فرضنا أنه يمكن انقلاب عنوان المحلل إلى أحد العناوين المحرمة، لكنا نقول بالحرمة بعد. ما كانت محللة. ولكن هذا الانقلاب في النسب لا يمكن بخلاف الرضاع، فإنه من الممكن أن لا تكون المرأة معنونة بعنوان محرم، ثم يطرأ عليها عنوان المحرم بواسطة الرضاع بعد التزويج. ومعلوم أنه متى ما وجد موضوع الحكم يترتب الحكم عليه، فالمايع الذي كان خمرا وكان نجسا وحراما شربه متى صار خلا يصير طاهرا ويكون شربه حلالا، وكذلك الامر في العكس متى صار الخل خمرا يصير نجسا ويكون شربه حراما، فتغيير النسبة يرجع إلى تغير الموضوع، غاية الامر في النسب لا يمكن وفي العناوين الحاصلة من الرضاع يمكن. والسر في ذلك: أن العناوين الحاصلة من النسب من لوازم الوجود، ولا يمكن انفكاكها عن موضوعاتها، بخلاف العناوين الحاصلة من الرضاع، فإنها ليست من لوازم الوجود. وقد وردت في هذا المعنى - أي: في كون العنوان الحاصل من الرضاع اللاحق على النكاح محرما - روايات: منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لو أن رجلا تزوج جارية رضيعة، فأرضعتها امرأته فسد النكاح) (1). فكل عنوان محرم حصل من الرضاع بالنسبة إلى زوجته التي كانت قبل الرضاع زوجة له بالنكاح الصحيح يفسد نكاحه، كما أن هذا العنوان لو كان حاصلا قبل
(هامش)
(1) (الكافي) ج 5 ص 444 باب نوادر في الرضاع ح 4، (وسائل الشيعة) ج 14 ص 302 أبواب ما يحرم بالرضاع باب 10 ح 1. (*)
النكاح لكان يمنع عن التزويج بها. فلا فرق بين أن يكون حصول العنوان المحرم قبل التزويج أو بعده أو مقارنا له، فلو تزوج بصغيرة فأرضعتها أم ذلك الزوج يفسد نكاح الصغيرة، لانها تصير أختا له، إذ لا معنى للاخت إلا بنت الابوين أو بنت أحدهما، وهاهنا زوجته الصغيرة بنتا لامه من جهة الرضاع كما أنه لو أرضعتها جدة الزوج - أي أم أبيه - تصير عمة له، لانها تصير بواسطة إرضاع أم أبيه لها أختا لابيه، فتكون عمة له، لانه لا معنى للعمة إلا كونها أختا لابيه، كما أنه لو أرضعتها جدته - أي أم أمه - تصير خالته، لانها بإرضاع أم أمه لها تصير بنتا للجدة، فتكون أختا لامه، وهذا معنى الخالة. ومعلوم أنه في جميع هذه الصور يفسد نكاح الصغيرة بواسطة الرضاع الطارئ واللاحق. فهاهنا نذكر فروعا للرضاع اللاحق على العقد الذي صار سببا لفساد النكاح السابق: منها: أنه لو كان له زوجتان إحديهما صغيرة والاخرى كبيرة، فأرضعت الكبيرة الصغيرة تحرم الكبيرة، لانها تصير أم زوجته، وكذلك تحرم الصغيرة إن كان رضاعها من لبنه، أو دخل بالكبيرة وإن لم يكن من لبنه، لكونها بنتا له في الاول وربيبة أي بنت زوجته المدخول بها - في الثاني. وليس حرمة الكبيرة موقوفا على كون المشتق حقيقة فيما انقضى عنه المبدأ، يتوهم أن ظرف حصول الامومة ظرف سقوط الزوجية، فلا يمكن حصول هذا العنوان إلا في ظرف سقوط الزوجية بواسطة الرضاع المحرم، فلا تجتمع الامومة مع الزوجية في زمان كي يصدق عليها عنوان أم الزوجة، إلا بناء على كون المشتق حقيقة فيما انقضى عنه المبدأ.
وفيه: أن سقوط زوجية الصغيرة معلول لاتيان عنوانها المحرم، وهي البنتية على تقدير، وكونها ربيبة دخل بأمها على تقدير آخر، وهذان العنوانان مع عنوان الامومة للكبيرة من قبيل المتضايفين وفي رتبة واحدة، وفي تلك الرتبة زوجية الصغيرة لم تسقط، لما قلنا من أن سقوطها من ناحية البنتية وكونها ربيبة اللتان في عرض أمومة الكبيرة، فانفساخ الزوجية متأخر رتبة عن الامومة، وهذا المقدار يكفي في صدق عنوان أم الزوجة الذي هو موضوع حرمة النكاح. هذا ولكن يمكن أن يقال: إن المدار على حصول الامومة في زمان كونها زوجة، بمعنى: أن (أم الزوجة) أو عنوان (أمهات نسائكم) عند العرف عبارة عن أم المرأة التي تكون زوجة في زمان الذي هي أم لها، وفيما نحن فيه لا يمكن ذلك، لما قلنا من أن حصول نسبة الامومة للمرضعة في زمان حصول نسبة البنتية - أو كونها ربيبة - للمرتضعة، فزمان البنتية وكونها ربيبة متحد مع زمان الامومة، فلو كانت الزوجية أيضا حاصلة في زمان حصول الامومة يرجع إلى أن تكون بنتا أو ربيبة مع كونها زوجة في زمان واحد، وهذا مما لا يمكن وواضح الفساد. اللهم إلا أن يقال: يكفي في التحريم عنوان أم من كانت زوجته، غاية الامر في باب النسب لا ينفك هذا العنوان عن اجتماع الامومة مع الزوجية وإن كان زمان الاجتماع قليلا، لان الامومة في النسب إذا كانت حاصلة في مورد تكون من أول وجود البنت إلى الابد، فلا محالة في أي زمان حصلت زوجيتها تكون أمومة الاخرى أيضا موجودة، ولكن في الامومة الحاصلة من الرضاع ليس الامر كذلك، لانه من الممكن حصول الزوجية في زمان - مع عدم وجود أمومة المرضعة - ثم تحصل الامومة بواسطة الرضاع المحرم مع عدم كونها زوجة في ذلك الزمان، وإلا تكون حرمة المرضعة متوقفة على كون المشتق حقيقة فيما انقضى عنه المبدأ. ومنها: أنه لو كانت زوجة أحدهما كبيرة وزوجة الآخر صغيرة، فطلق كل واحد منهما زوجته وتزوج بزوجة الآخر، فأرضعت الكبيرة الصغيرة، فبناء على ما
قلنا من تحريم أم من كانت زوجته مثل تحريم أم الزوجة الفعلية، فتحرم الكبيرة على الاثنين، أما على زوجها الفعلي، لانها بالرضاع المحرم صارت أم من كانت زوجته أي قبل أن يطلقها. وأما بالنسبة إلى زوجها السابق، لانها أم من هي زوجته فعلا. وإن كنا أشكلنا على هذا في الفرع السابق، بأن ظرف حصول الامومة ظرف سقوط الزوجية، والحق: أن في كليهما - أي: الزوج الفعلي والزوج السابق - منشاء التحريم هو أنها - أي الكبيرة المرضعة - تصير أم من كانت زوجته قبل حصول الامومة، لان حال حصولها حال سقوط الزوجية. هذا بالنسبة إلى الكبيرة. وأما بالنسبة إلى الصغيرة فحرمتها على الزوج السابق واضح، لانها تصير بنتا له بالرضاع إن كان اللبن لبنه، وأما إن لم يكن اللبن لبنه فالحرمة جمعا أيضا واضح، سواء دخل بزوجته الكبيرة المرضعة أم لا، لانه لا يجوز الجمع بين الربيبة وأمها وإن لم يدخل بأمها. وأما حرمتها - ولو في صورة الانفراد بها بأن يطلق أمها الرضاعية ويتزوج بها - فمشروط بالدخول بها أي بالكبيرة المرضعة، وإلا فلا. وأما بالنسبة إلى زوجها الفعلي، فإن كان اللبن لبنه فالحرمة من جهة أنها تصير بنته الرضاعية. وأما إن لم يكن اللبن لبنه فمع الدخول سابقا بالكبيرة التي كانت زوجته أيضا تحرم الصغيرة، لانها بنت زوجته المدخولة بها، ومع عدم الدخول تحرم جمعا مع أمها، وأما انفرادا فلا. ومنها: أنه لو كانت له أمة موطوءة فارضعت زوجته الصغيرة أما الامة فتحرم عليه على كل حال، لانها أم زوجته. والاشكال بأنها لا تصير أما للمرتضعة إلا بعد سقوط زوجيتها بالرضاع المحرم - فلا يتحقق عنوان أم الزوجة في الخارج - أجبنا عنه فلا نعيد. وأما زوجته الصغيرة فهي أيضا تحرم، لانها بواسطة هذا الرضاع المحرم تصير إما
بنتا له - لو كان اللبن له - وإما ربيبته، لانها بنت الرضاعي لامرأة دخل بها بوطي شرعي. بقي الكلام في مسألة مهر هذه الزوجة الصغيرة التي سقطت زوجيتها بواسطة الرضاع، هل تستحق تمام المهر أو نصفها - بناء على أن يكون مثل الطلاق قبل الدخول، لان الصغيرة التي سقطت زوجيتها بواسطة الرضاع غير مدخولة بها - أو لا تستحق شيئا منه ؟ وجوه وأقوال: والاظهر هو استحقاق تمام المهر، لما هو المختار من صيرورة المهر ملكا لها بنفس العقد، ولذلك قالوا: إن الطلاق قبل الدخول موجب لرجوع نصف المهر إلى الزوج بناقل جديد وهو الطلاق قبل الدخول، فإذن استحقت الصغيرة بنفس العقد تمام المهر، وسقوطه كلا أو نصفا يحتاج إلى دليل حاكم على استصحاب بقاء ملكيتها لها، وليس شيء في البين إلا استحسانات قياسية التي لا اعتبار بها. مثل أن يقال: كما أن الطلاق قبل الدخول يوجب التنصيف فهاهنا أيضا ذلك الملاك موجود وهو سقوط الزوجية قبل أن يدخل بها وبعبارة أخرى: ذهاب الزوجية قبل أن ينتفع منها صار سببا للتنصيف، وفيما نحن فيه يكون الامر أيضا كذلك، فإن الرضاع المحرم صار سببا لذهاب الزوجية قبل أن ينتفع منها. ولا شك في أن هذا قياس باطل في مذهبنا، بل الدليل على التنصيف هي الآية الشريفة (1) والاخبار الشارحة لها (2)، فالظاهر هو استحقاقها لتمام المهر، لان القول بالتنصيف قياسا على الطلاق قبل الدخول باطل. وأما ما ذكره صاحب الجواهر قدس سره من القول بسقوط المهر مستندا إلى المشهور (3) –
(هامش)
البقرة (2): 237. (2) (البرهان في تفسير القرآن) ج 1 ص 228 الاحاديث 1 - 4. (3) (جواهر الكلام) ج 29 ص 235. (*)
بل ربما يظهر من عبارته عدم وجدانه الخلاف صريحا إلا ما عن التذكرة بأن السقوط أقوى (1). قال: ولعله يؤذن باحتمال عدم السقوط - فعلى كل حال مستندهم في سقوط المهر هو أن انفساخ العقد - وانحلاله. وان شئت قلت بطلانه - يقتضي رجوع كل ما انتقل منه إلى طرفه إليه ثانيا بمعنى: عوده إليه، وذلك من جهة أن بقاء كل من العوضين على ملك من انتقل إليه موقوف على بقاء العقد واستمراره، إذ أن بقاء الاثر تابع لبقاء مؤثره وعلته، وتبعية المعلول لعلته حدوثا وبقاءا - كاد أن يكون من البديهيات، ولذلك ترى أن كل عقد تعقبه الفسخ - بإقالة أو خيار - يرجع كل مال إلى صاحبه قبل العقد، ففساد العقد من أي سبب كان نتيجته ارتفاع آثار العقد من حين البطلان والفساد. ولا شك في أن ثبوت المهر من آثار صحة عقد النكاح. نعم النماء الذي وجد للمهر إلى حين الفساد هي للمرتضعة، لما قلنا إن ارتفاع آثار العقد من حين وقوع الفساد لا من أول الامر، فإذا ارتفع العقد وصار النكاح فاسدا وباطلا فقهرا يرتفع أثره الذي هو عبارة عن ثبوت المهر. هذا غاية ما يمكن أن يقال في هذا المقام. ولكن أنت خبير بأن باب النكاح ليس من قبيل باب المعاوضات بالنسبة إلى الزوجية والمهر، بحيث يكون التعهد من طرف الزوج بأن يكون المهر الذي هو ملك الزوج يكون للزوجة على أن تكون زوجيتها أو بضعها للزوج عوض المهر، بحيث يكونان - أي: الزوج والزوجة - يتبادلان بين المهر والبضع أو الزوجية. وذلك من جهة أن حقيقة عقد النكاح عبارة: عن تعهد الزوجة بأن تكون زوجة للرجل، فالمنشأ في عقد النكاح في الايجاب هي زوجية المرأة لزوجها، وحيث أنها من الامور الاعتبارية قابلة للجعل والانشاء، وفي القبول يتعهد الزوج قبول هذه
(هامش)
(1) (جواهر الكلام) ج 29 ص 325. (*)
الزوجية المنشأة من قبل الزوجة أو وكيلها أو وليها، والالتزام بلوازمها وأحكامها، وليس معاوضة في البين أصلا. ولو كان من قبيل المعاوضات كان لازمه سقوط مهر المسمى بعد فساد النكاح بالرضاع المحرم، حتى وإن كانت التي فسد نكاحها هي الكبيرة المدخولة. ولا يمكن القول به فيما لا يكون الفساد من قبلها، بل بثبوت المهر في النكاح حكم شرعي، فإن عينوا في العقد فهو وإلا فالشارع حكم بمهر المثل، فليس مقتضى انفساخ العقد وبطلانه رجوع المهر إلى الزوج بعد ذهاب الزوجية، وقياس فساد النكاح بباب فسخ المعاوضات وانفساخها - كما صدر عن صاحب الجواهر قدس سره (1) - ليس في محله. فالاظهر - كما قلنا - أن المهر صار ملكا للزوجه بنفس العقد، غاية الامر ملكا متزلزلا لا مستقرا، واستقراره بأحد أربعة أشياء: إما الدخول، وإما ارتداد الزوج، أو موته أو موت الزوجة، وهذا حكم الشارع في المهر، وليس فساد النكاح وسقوط الزوجية من أسباب سقوط المهر. ولو شك في بقائه بعد فساد العقد وبطلان النكاح يستصحب، إلا أن يأتي دليل حاكم على هذا الاستصحاب، وليس في المقام شيء من هذا القبيل. نعم هيهنا فرع آخر، بل فروع ذكرها صاحب الجواهر قدس سره وهو أن: المرتضعة لو ارتضعت من ثدي المرضعة من قبل نفسها بدون مداخلة المرضعة بل بدون التفاتها وشعورها بذلك، كما أنها لو كانت نائمة أو مثل النوم مما يوجب عدم الالتفات كالاغماء مثلا وسعت هي - أي: المرتضعة - وامتصت ثديها فهل يكون لها مهر أم لا ؟ بل يسقط حتى على القول بعدم سقوط المهر لو لم يكن الارتضاع من قبل نفسه، بل أرضعتها الكبيرة، وذلك من جهة أنها هي التي أفسدت النكاح من دون مدخلية الكبيرة في ارتضاعها، فهي التي فوتت منافع الزوجية على زوجها، فلا تستحق المهر
(هامش)
(1) (جواهر الكلام) ح 29 ص 325. (*)
الذي هو في الحقيقة مقابل البضع (1). ولكن أنت خبير بأنه بناء على ما ذكرنا وتقدم، ليست الزوجية ولا البضع مالا كي يكون إتلافهما موجبا للضمان، ولو كان من غير قصد وشعور، ولا يقابلانه كي يكون إتلافهما موجبا لرجوع مقابلهما - أي المهر - إليه. نعم يمكن أن يتمسك في بعض الموارد بقاعدة لا ضرر، بأن يقال مثلا - فما إذا أرضعت زوجته الكبيرة زوجته الصغيرة بقصد بطلان زوجية نفسها وزوجية الصغيرة، فحكم الشارع ببقاء المهر، وعدم سقوطه ضرر على الزوج، لان بقاء المهر إن كان مع بقاء الزوجية ففي نظر العرف ليس ضررا، والعقلاء يقدمون على ذلك وإن لم يكن كذلك بمعنى أن المهر كان باقيا في عهدته أو كان متعينا في عين خارجي وكانت خارجة عن تحت ملكية الزوج مع عدم الزوجية وبطلانها فهي خسارة عندهم. إن قلت: هذه الخسارة نشأت من إقدام الزوج، والحديث (2) لا يشمل هذا الضرر، بل التحقيق - كما بينا في محله - أن حديث (لا ضرر) يرفع الحكم الذي نشأ من قبله الضرر، وهاهنا لم ينشأ الضرر من قبل حكم الشارع ببقاء المهر، بل نشأ من إقدامه على جعل هذا المقدار من ماله مهرا وإخراجه عن ملكه. قلت: إقدامه على إخراج هذا المقدار من ماله وصيرورته ملكا للزوجة مبني على دوام الزوجية وعدم بطلانها ما دام حيين، ولم يقدم على إعطاء المهر لزوجية يوم بلا أي انتفاع في البين، فحكمه ببقاء المهر في ظرف سقوط الزوجية ضرري، ولا شك في أن هذا الضرر نشأ من قبل حكم الشارع لا من اقدام الزوج. ولكن مع ذلك كله التسمك بقاعدة لا ضرر لسقوط المهر لا يخلو من نظر وتأمل،
(هامش)
(1) (جواهر الكلام) ج 29 ص 324 في أحكام الرضاع المسألة الرابعة. (2) (الكافي) ج 5 ص 292 باب الضرار ح 2 ا (وسائل الشيعة) ج 12 ص 364 أبواب الخيار باب 17 ح 3 - 4. (*)
بل لا يخلو من غرابة، وذلك من جهة أن الشارع لم يحكم ببقاء المهر في ظرف سقوط الزوجية وذهابها كي يكون هذا الحكم المجعول ضرريا، بل الشارع حكم بأن الزوجية بدون المهر لا يمكن، وأيضا حكم أن مهر المسمى به في العقد يدخل في ملك الزوجة، وأيضا حكم ببقاء الملكية لمالكه ولا يخرج إلا بناقل شرعي، فإذا جاء دليل وناقل شرعي على خروج المهر تماما أو بعضه عن ملك الزوجة فهو كما أنه في الطلاق قبل الدخول جاء الدليل على خروج نصف المهر عن ملكها ورجوعه إلى الزوج، وأيضا في ارتداد الزوجة برجوع الجميع، فهذه الاحكام الثلاثة - أي: حكمه بلزوم المهر، وحكمه بدخول المهر في ملك الزوجة بمحض العقد، وحكمه ببقاء كل مال في ملك مالكه وعدم خروجه عنه إلا بناقل شرعي، أو جاء دليل على سقوط ملكيته - ليس واحد منها ضرريا كي يرتفع بقاعدة لا ضرر. وأما القول: بأن هذه الخسارة وقعت بفعلها - أي الكبيرة لانها أرضعت أي إذا كان حصول الرضاع بفعل الكبيرة بغير أمر الزوج، بل بدون رضاه، أو بفعل الصغيرة كما إذا ارتضعت من قبل نفسها أي إذا كان حصول الرضاع بفعل الرضيعة من دون مدخلية الكبيرة، كما إذا كانت الكبيرة نائمة وهي سعت إليها وارتضعت، فيجب أن تغرم للزوج الكبيرة أو الصغيرة. وبعبارة أخرى: التي سببت حصول الرضاع المحرم، سواء أكانت الغرامة مساوية للمهر أو اكثر أو انقص هي احديهما. ففيه أولا: أن هذا غير سقوط المهر وعدمه الذي هو الآن محل الكلام. وثانيا: ليس كل إضرار يتدارك بالمال، بل لا بد أن ينطبق عليه أحد أسباب الضمان، من الاتلاف أو يد العادية أو غير ذلك من أسبابه. وفيما نحن فيه إرضاع الكبيرة أو ارتضاع الصغيرة - بدون مدخلية الكبيرة - لا يوجب تلف مال كي يكون ضامنا لذلك التالف، لان الزوجية ليست من الاموال، والبضع وإن كان في بعض الموارد يقابل بالمال، ولكن مع ذلك ليس من الاموال كي يكون تفويته موجبا للضمان.
ومما ذكرنا ظهر لك حال الفروع الاخر التي ذكروها في هذا المقام، مثل ما ذكروا فيما إذا كانت مختارة في الارضاع بدون ملزم شرعي، كما إذا خافت على حياة الرضيعة إن لم ترضعها، وكذا بدون إجبار أو إكراه وأمثال ذلك، مما يخرجها عن الاختيار والاستقلال، هل للزوج أن يرجع إليها فيما يغرمه من المهر للرضيعة أم لا بناءا على عدم السقوط ؟ ووجهوا الرجوع إليها بأنها سببت فوات زوجية الرضيعة والانتفاع بها. وذلك لما عرفت من عدم كون الزوجية أو البضع مالا كي يكون إتلافهما موجبا للضمان. وأيضا ما ذكروا من أن الرضيعة لوسعت إليها وامتصت ثديها وهي مكنتها ولم تمنعها هل هذا التمكين بمنزلة فعلها وإرضاعها استقلالا، فعليها غرامة جميع ما يؤدي الزوج للصغيرة أو ينصف بينهما ؟ بمعنى أن نصف المهر يسقط بواسطة سعي الصغيرة بنفسها إليها وارتضاعها من لبنها، فسقوط الزوجية بفعلها، فلا تستحق نصف المهر لشركتها مع الكبيرة في إسقاط الزوجية، والنصف الآخر تغرمه الكبيرة لشركتها في إسقاط الزوجية بتمكينها الرضيعة من الامتصاص والارتضاع. ولكن أنت خببر بأن جميع هذه الوجوه والكلمات ظنون استحسانية غير معتبرة لا ينطبق على قواعد باب الضمان، وعرفت أنه لا وجه لسقوط المهر. هذا كله بالنسبة إلى المرتضعة الصغيرة، وأما المرضعة الكبيرة التي سقطت زوجيتها وبطل نكاحها بواسطة الرضاع المحرم، فإن كان الزوج دخل بها فلا مورد للشك في ثبوت مهرها وعدم سقوطه، وأما إن لم تكن مدخولة وفسد نكاحها بالرضاع المحرم - وكان إرضاعها باختيارها بدون ملزم شرعي ولا إجبار ولا إكراه - فربما يقال بسقوط مهرها، لانها سببت سقوط زوجيتها من دون إجبار ولا إكراه
ولا ملزم شرعي في البين، فيكون حالها حال المرتدة قبل الدخول، وقد أفتى بذلك سيدنا الاستاذ قدس سره في كتابه وسيلة النجاة (1). ولكن أنت خبير بأن إجراء حكم المرتدة قبل الدخول عليها قياس باطل اللهم إلا أن يكون إجماع على السقوط في هذه الصورة، وإلا قد عرفت أن مقتضي القواعد الاولية عدم السقوط مطلقا، وعدم ضمان المرضعة مطلقا. الجهة السابعة في أنه كما أن العناوين السبعة النسبية المعروفة المذكورة في الآية الشريفة - وهي الام والبنت والاخت والعمة والخالة وبنت الاخ وبنت الاخت - إن حصلت بالرضاع تكون موجبة للحرمة كذلك أربع عناوين أخر أي عنوان حليلة الابن، وعنوان أم الزوجة، وعنوان زوجة أبيه، وعنوان الربيبة بشرط الدخول بأمها، لان هذه العناوين الاربعة أيضا مما حرم الله نكاحهن، ومذكورات في الكتاب العزيز. غاية الامر: أن العناوين المحرمة على قسمين: قسم منها تارة يحصل بالنسب وحدها وأخرى بالرضاع وحده - كعنوان الام والبنت والاخت - وقسم منها لا يحصل بالرضاع وحده، بل لا بد من انضمام نسب أو سبب إليه، كالعناوين الاربعة المتقدمة فإن هذه العناوين الاربعة لا تحصل بالرضاع وحده، ولا بد في تحققها من وجود سبب في البين، كما أنها لا تحصل بالنسب وحده أيضا. والحاصل: أن العنوان الذي جعل الشارع موضوعا لحرمة النكاح، كما أنه لو حصل بالنسب وحده أو به وبالنسب مركبا منهما - كالعناوين الاربعة المتقدمة - يكون محرما كذلك لو حصل بالرضاع وحده أو به وبالسبب مركبا منهما كالعناوين الاربعة المذكورة يكون محرما، لقوله صلى الله عليه وآله: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)
(هامش)
(1) (وسيلة النجاة) ج 2 ص 373 كتاب النكاح القول في الرضاع مسألة: 14. (*)
ولا يلزم أن يكون حصول العنوان بالرضاع وحده. ولكن فليعلم أنه في الموضوعات المركبة من السبب والنسب إنما يقوم الرضاع مقام ما هو دخيل في الموضوع باعتبار النسب لا باعتبار السبب، مثلا في الموضوعات الاربعة المذكورة، كحليلة الابن مثلا، حيث أنه مركب من أمرين: أحدهما: نسب وهو أن الزوج ابن له والآخر أن هذه المرأة حليلة وزوجته، فالابن الرضاعي يقوم مقام ابن النسبي. وأما كون هذه المرأة حليلته لا بد وأن يتحقق بسببه، ولا يمكن أن يحصل بالرضاع، كما أنه لا يحصل بالنسب أيضا. والحاصل: أن معنى قوله صلى الله عليه وآله: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) أن كل ما تحرم بواسطة النسب - أي: العنوان الحاصل من النسب، سواء أكان جزء للموضوع أو كان تمام الموضوع - يقوم مقامه ذلك العنوان إذا حصل من الرضاع، فإن كان ذلك العنوان الحاصل من النسب تمام الموضوع يكون الحاصل عن الرضاع أيضا تمام الموضوع، وإن كان جزءا فيكون هو أيضا كذلك، ويحتاج في ترتيب حكمه إلى وجود جزئه الآخر بسببه. ثم إن الموضوع المركب تارة يكون الجزءان حاصلين من النسب كبنت الاخ والاخت، فيقوم الرضاع مقام الاثنين، فالاخ والاخت الرضاعيين إذا كان لكل واحد منهما بنت رضاعي تكون كالبنت النسبي للاخ والاخت النسبيين، غاية الامر برضاعين: رضاع لحصول الاخية أو الاختية، ورضاع آخر لحصول البنتية. وأخرى: أحدهما من النسب والآخر من الرضاع، كالبنت الرضاعي للاخ النسبي أو لاخت النسبي أو بالعكس، كالبنت النسبي للاخ أو الاخت الرضاعيين. والحاصل: أن الاضافة الحاصلة بين شخصين أو الاشخاص قد يحصل من النسب أي: الولادة من أب وأم، أو من أحدهما وقد يحصل من الرضاع أي من
الارتضاع من ثدي امرأة لبنها يكون من فحل بالشرائط المتقدمة، بمعنى أنه تحصل إضافة بين المرتضع والمرضعة، وبينه وبين صاحب اللبن، وحيث أن الاضافة من الطرفين وليست متشابهة الاطراف، كإضافة الاخ إلى الاخ أو الاخت إلى الاخت، فإن الاضافة في الاول من الطرفين يعبر عنها بالاخوة، وفي الثاني من الطرفين يعبر عنها بالاختية، فكل واحدة منهما أخت بالنسبة إلى الاخرى. وتحصل إضافة بين المرتضع وبين أب المرضعة، وبينه وبين أمها، وبينه وبين أخ المرضعة، وبينه وبين أخت المرضعة، وهكذا سائر أقارب المرضعة النسبيين لها أو الرضاعيين، فالاضافة التي تحصل بين المرضعة وبينه تسمى من طرفه ابنا إن كان المرتضع ذكرا، أو بنتا إن كانت انثى، ومن طرف المرضعة تسمى أما. وهذه الاضافة تسمى متخالفة الاطراف. والاضافة التي تحصل بينه وبين صاحب اللبن أيضا متخالفة الاطراف، ومن طرفه تسمى ابنا، ومن طرف صاحب اللبن تسمى أبا، والاضافة التي تحصل بينه وبين أخوة صاحب اللبن من طرفهم تسمى عمة أو عما، ومن طرف المرتضع تسمى بابن الاخ أو ابنته، كما أن الاضافة التي تحصل بينه وبين أب صاحب اللبن أو أمه من طرفهما تسمى بالجد والجدة، ومن طرفه تسمى بالحفيد أو الحفيدة. والاضافة التي تحصل بينه وبين أب المرضعة أو أمها من طرفهما أيضا تسمى بالجد أو الجدة، ومن طرفه بالسبط أو الحفيدة. وهكذا بالنسبة إلى سائر الاضافات الحاصلة من النسب تحصل من الرضاع أيضا مثلها ويكون الاسم مثل ذلك الاسم. والفرق أن العناوين الحاصلة من النسب ينسب إلى النسب، والحاصلة من الرضاع ينسب إلى الرضاع، ففي الاول يقال: الاب والام والابن والبنت والاخ والاخت والعم والعمة والخال والخالة والجد والجدة النسبيون، وفي الثاني يقال أيضا
بنفس تلك العناوين والاسماء، ولكن بإضافة قيد الرضاعيون. والحاصل: أن كل إضافة تحصل بين شخصين أو أشخاص بواسطة النسب - أي: الولادة من أب وأم أو الولادة من أحدهما - تحصل من الرضاع أيضا أي من الامتصاص من ثدي امرأة ذات لبن بالشرائط المتقدمة، فإذا كان ذلك العنوان الحاصل من النسب موضوعا للحرمة فمثل ذلك العنوان إذا حصل من الرضاع أيضا يكون موضوعا لحرمة النكاح، وإذا كان ذلك العنوان النسبي الذي هو موضوع لحرمة النكاح مركبا من جزئين، كلاهما حاصلان من النسب، فالرضاع يقوم مقام كل واحد منهما، غاية الامر برضاعين. وأما إذا كان أحد الجزئين يحصل من النسب والآخر من السبب، فالرضاع يقوم مقام الجزء الذي يحصل من النسب وأما الجزء الآخر الذي يحصل من السبب فلا بد من حصوله بسببه، كي يتم الموضوع، وذلك من جهة أن التنزيل في باب الرضاع باعتبار النسب، كما تقدم مفصلا. وأما العناوين التي لم تجعل موضوعا للحرمة - ولكنها في النسب لا تنفك عن أحد العناوين المحرمة، وتستلزمها إذا حصلت من الرضاع، كعنوان أخت البنت مثلا، حيث أنه في النسب لا تنفك عن كونها إما بنتا وإما ربيبة مدخولة بأمها، وكلاهما من العناوين المحرمة - فلا توجب التحريم من جهة حصول هذا العنوان، إلا أن يكون هناك دليل آخر على التحريم كما أنه في المثل المذكور ورد: (لا ينكح أبو المرتضع في أولاد صاحب اللبن) (1). ولكن جماعة قالوا: بأنها أيضا توجب التحريم، هذا هو المعروف عندهم بعموم المنزلة.
(هامش)
(1) تقدم راجع ص 361 هامش رقم (1). (*)
ولنذكر فروعا يختلف الفتوى عند من يقول بعموم المنزلة وعند من لا يقول وينكر عموم المنزلة، وإن تقدم الكلام فيها مفصلا. الاول: ما تقدم من المثال أعني زوجتك لو أرضعت بلبنك أختها، فتصير تلك الاخت بنتك الرضاعية، فتصير زوجتك أخت بنتك الرضاعية، وأخت البنت في النسب تستلزم أحد العنوانين المحرمين، أي إما بنته أو ربيبته المدخولة بأمها، وكلاهما من العناوين المحرمة، فمن يقول بعموم المنزلة يقول بالتحريم، ومن لا يقول بعموم المنزلة لا يقول بالتحريم، وقد بينا فيما تقدم بطلان عموم المنزلة. الثاني: لو أرضعت زوجتك بلبنك ابن أخيها أو بنت أخيها، فذلك الابن أو البنت يصير ابنك أو بنتك، فتصير زوجتك عمة لولدك الرضاعي، وعمة الولد في النسب ملازمة مع العنوان المحرم أي أخت الانسان، فلو قلنا بعموم المنزلة تصير زوجته حراما عليه، وإلا فلا. الثالث: لو أرضعت زوجتك بلبنك عمها أو عمتها أو خالها أو خالتها، فتصير أم هؤلاء، وعنوان أم عم الزوجة أو أم عمتها في النسب ملازم مع كونها جدة للزوجة من طرف الاب، وهو عنوان محرم، وكذلك أم خال الزوجة وخالتها في النسب ملازم مع كونها جدة الزوجة من طرف الام، وهو عنوان محرم، فإذا قلنا بعموم المنزلة تصير تلك الزوجة حراما على زوجها، وإلا فلا. الرابع: لو أرضعت زوجتك بلبنك أحد أولاد عمها، أو أحد أولاد خالها، فتصير أبا لهم، أي أبا لابن عمها وأبا لابن خالها، وفي النسب عنوان أب ابن عم الزوجة ملازم مع كونه عما لها، وعنوان أب ابن خالها ملازم مع كونه خالا لها، فتصير زوجها عما أو خالا لها، بناء على صحة عموم المنزلة، قلنا بصحة عموم المنزلة تكون تلك الزوجة حراما على زوجها وإلا فلا. الخامس: لو أرضعت زوجتك أخاك أو أختك لابويك، فتصير أما لهما أي أم
أخيك أو أم أختك لابوين، ولا شك في أن هذين العنوانين في النسب ملازمان مع كونها أما له فلو حصلا من الرضاع وقلنا بعموم المنزلة - تصير زوجته في المفروض حراما، لصيرورتها بمنزلة أم النسبي. وأما إن لم نقل به فلا تحرم، لان عنوان أم الاخ الابويني أو أم الاخت الابويني لم يجعل في النسب موضوعا لحرمة النكاح وإن كان كل واحد منهما ملازم مع العنوان المحرم أي عنوان الام. السادس: لو أرضعت زوجتك ابن ابنتك، أو ابنة ابنتك، فتصير أما لكل واحد منهما، ولا شك أنه في النسب هذان العنوانان أي عنوان أم ابن البنت، أو عنوان أم بنت البنت ملازمان لكونها بنتا له، ولكن نفس هذين العنوانين لم يجعلا موضوعا للحرمة. فإن قلنا بعموم المنزلة تصير زوجتك حراما عليك، لانها تصير بمنزلة ابنتك النسبي، وإن لم نقل فلا تحرم، لان هذين العنوانين الحاصلين من الرضاع المفروض أي: عنوان أم ابن البنت، أو عنوان أم بنت البنت ليسا من العناوين المحرمة، وإن كانا ملازمين في النسب للعنوان المحرم أي البنتية. السابع: لو أرضعت زوجتك ابن أختك أو بنتها، فتصير أم ابن أختك أو أم ابنة أختك، ومعلوم أنه في النسب هذان العنوانان ملازمان للاختية التي هي من العناوين المحرمة، وإن لم يكونا بنفسهما من العناوين المحرمة. فإن قلنا بعموم المنزلة تصير زوجتك حراما عليك، لانها تصير بمنزلة أختك للنسب، وإن لم نقل - كما أوضحناه فيما تقدم - فلا تحرم، لان العنوانين الحاصلين من الرضاع ليسا من العناوين المحرمة. الثامن: لو أرضعت زوجتك عمك أو عمتك أو خالك أو خالتك، فتصير أما لهم من الرضاعة، ولا شك في أن عنوان أم العم وعنوان أم العمة في النسب ملازمان لكونها جدة للانسان من طرف أبيه، إن كان العم والعمة مع أبيه من أم واحدة، وكذا
عنوان أم الخال وأم الخالة في النسب ملازمان لكونها جدة من طرف أمك، إن كان الخال والخالة مع أمك من أم واحدة. فإن قلنا بعموم المنزلة فتصير زوجتك حراما عليك، من جهة أنها تصير بمنزلة جدتك من طرف أبيك، أو جدتك من طرف أمك، وهما من العناوين المحرمة أي يكونان من مصاديق عنوان الامهات. وأما إن لم نقل بعموم المنزلة فلا تحرم، لان عنوان أم العم والعمة والخال والخالة ليس من العناوين المحرمة، وإن كانت ملازمة لعنوان المحرم. ولا يخفى أنه جميع الامثلة المذكورة الثمانية من قسم لحوق الفساد بواسطة الرضاع المحرم للعقد الصحيح، كما أنه لو فرضنا أن المرضعة ليست امرأة للشخص المفروض، بل أجنبية عنه، ويجوز نكاحها، فبعد الرضاعات المذكورة تصير محرمة، فيمنع الرضاع عن وقوع النكاح الصحيح. الجهة الثامنة في طريق إثبات الرضاع فتارة يكون دليل الاثبات هو الاقرار كأن يقول: هذه المرأة أختي أو بنتي من الرضاعة وهكذا في سائر العناوين المحرمة. وأخرى: يكون هي البينة أي شهادة عدلين من الرجال. وثالثة: شهادة النساء. أما الاول - أي: في صورة الاقرار - فلا شك في لزوم الاخذ بما أقر إن كان على ضرره، لقوله صلى الله عليه وآله: (إقرار العقلاء على أنفسهم نافد) (1).
(هامش)
(1) (التنقيح الرائع) ج 3 ص 485، (جواهر الكلام) ج 35 ص 3، (عوالي اللئالي) ج 1 ص 223 ح 104 (*)
وأمارية الاقرار لاثبات ما أقربه إن كان على ضرره ربما كان أقوى من البينة على ثبوت ما أقر به، لان العاقل لا يقدم على الاضرار بنفسه، فلا بد وأن يكون الاقرار على نفسه للفرار عن المفاسد المترتبة على مخالفة الواقع، فإذا لم يعلم بكذبه - من جهة العلم بأن إقراره لدواعي أخر غير بيان الواقع والاخبار عنه - لابد وأن يحمل على أنه بصدد بيان الواقع. وعلى كل حال حجية الاقرار - وأنه طريق إلى إثبات ما أقربه - أمر مفروغ عنه فيما إذا كان على ضرره، وعليها بناء العقلاء في مقام القضاء، حتى إنهم يرون الاقرار من نفس الجناة أقوى دليل على صدور الجناية منه. وخلاصة الكلام في المقام: أن الاقرار بكون هذه المرأة المعلومة إحدى محارمي من أم أو أخت أو بنت أو غيرها تارة يلاحظ بالنسبة إلى عمل نفس المقر مع تلك المرأة فلا أثر لاقراره أصلا، بل العمل تابع لما هو الواقع، فإن أحرز بمحرز وجداني أو تعبدي - وبعبارة أخرى: قام عنده حجة على ثبوت ما أقربه - يعمل على طبقها، وإلا يكون من قبيل الشك في الموضوع، فيجري أصالة الحل إلا في مواضع المستثناة التي حكم الشرع فيها بالاحتياط، كما هو المعروف في باب الفروج والدماء بل قد يقال في الاموال أيضا. هذا فيما إذا لم يعلم بخلاف ما أقربه، وإلا فواضح لزوم العمل على طبق علمه. وعلى كل حال لا أثر لاقراره بالنسبة إلى عمل نفسه، فإذا أقربان هذه المرأة التي تحته وزوجته إحدى محارمه أما رضاعيا مثلا وهو يعلم بأنه ليس كذلك، أو قام عنده حجة على أنه ليس كذلك مع كونه شاكا فيجب ترتيب آثار الزوجية، من لزوم إعطاء مهرها، ويجب عليه نفقتها وسائر الآثار المذكورة في محلها.
(هامش)
الفصل التاسع، (وسائل الشيعة) ج 16 ص 133 أبواب الاقرار باب 3 ح 2. (*)
نعم لو أقر عند الحاكم وحكم الحاكم بالانفصال فيدخل في المسألة المعروفة، وهي أنه هل يجب ترتيب الاثر على حكم الحاكم حتى مع علم المحكوم عليه بالخلاف أو قيام الحجة عنده على الخلاف أم لا ؟ وأخرى: يلاحظ هذا الاقرار بالنسبة إلى عمل المرأة التي تحته، فإن صدقته في هذا الاقرار فيرجع إلى إقرارها بثبوت ما أقربه هذا الزوج. وحال هذا الاقرار حال إقرار الزوج في جميع ما ذكرنا، ولا يجوز لها أن تتزوج بغير هذا الزوج إن كانت تعلم بكذب إقرار الزوج وتصديقها له، ومع الشك وعدم قيام حجة على الوجود ولا على العدم ترجع إلى الاصول العملية، وعلى أي حال لا أثر لاقراره ولا لاقرارها لها. وثالثة: يلاحظ هذا الاقرار بالنسبة إلى عمل غيرهما الذي لا يعلم كذبه. فلا شك في أنه لو أقر عند الحاكم يؤخذ بإقراره بالنسبة إلى فيما ضرره، لا فيما نفعه، ويكون حال الاقرار عند الحاكم بأن زوجته إحدى محارمه رضاعا حال الاعتراف بأنه مديون لزيد مثلا بكذا، ويثبت ما أقربه بالنسبة إلى الاحكام والآثار التي للمقربه، إذا كانت تلك الآثار عليها، وكذلك يثبت بإقراره بالنسبة إلى الآثار التي عليها لا لها لغير الحاكم أيضا إذا لم يعلم بكذبه. والحاصل: أن الاقرار عند العقلاء نافذ بالنسبة إلى ما عليه لا بالنسبة إلى ماله، وإلا فكل مدع في مقام الدعوى مقر ومعترف بما يدعيه، والشارع أمضى ما سلكه العقلاء في إنفاذ الاقرار بما عليه. نعم هاهنا كلام في إنكاره للرضاع المحرم بعد ما أقر واعترف به، وأنه هل يسمع منه هذا الانكار أم لا بل يعد من قبيل الانكار بعد الاقرار في باب الدعاوي والمخاصمات، فلا يسمع ؟.
والتحقيق في هذا المقام: أنه وجه عدم سماع الانكار بعد الاقرار هو أنه يرجع إلى الاقرار والاعتراف بماله لا بما عليه، والعقلاء بناؤهم على سماع الاقرار إذا صدر عن عاقل، ونفوذه إذا كان الاقرار عليه لا له، والشارع أمضى ما هو بناء العقلاء عليه، ففي الحقيقة يرجع الانكار لما أقر به مما يكون عليه إلى دعوى عدم ثبوت ما أقر به مع وجود الامارة على ثبوته، أعني إقراره، فيصير هذا الانكار بعد إقراره مثل أن يدعى شيئا تكون البينة على خلافه، ومعلوم مثل هذه الدعوى لا يسمع. هذا فيما إذا كان متعلق إنكاره نفي ما أقر به، وأما لو كان مرجع إنكاره إلى دعوى بطلان مدرك إقراره، كما إذا ادعى أن مدرك إقراري كان إخبار فلان، مع اعتقادي أنه صادق القول، ثم تبين لي أنه كذاب أو كان إخباره بذلك الغرض كذا، فهذه دعوى جديدة يسمع منه، بمعنى أنه يطالب بالبينة بخلاف الصورة الاولى أي: فيما إذا كان متعلق الانكار نفس ما أقر به، لانه لا أثر للبينة مع إقراره وثبوته به. وأما الثاني أي إثبات الرضاع بالبينة - فبعد الفراغ عن حجية البينة وإثباتها لجميع الموضوعات عند الشك فيها، سواء أكان في مقام المخاصمة وعند الحاكم أم لا وإن لم يكن مخاصمة في البين، بل حجيتها مطلقة وعند أي شخص كان. ومع ذلك كله ذكر جماعة من الاصحاب عدم قبول الشهادة على ثبوت الرضاع إلا مفصلة، بأن يشهد بوقوع الرضاع الذي هو عبارة عن كذا وكذا، بأن يذكر حقيقته وماهيته وجميع القيود المعتبرة فيه، حتى ولو شهد الشاهدان بوقوع الرضاع المحرم لا يثبت بها، فضلا عن أن يكون شهادتهما بالرضاع المطلق من دون قيد المحرم. وعللوا ذلك بأن الرضاع المحرم يختلف عند الفقهاء من حيث اعتبار الشروط قلة وكثره، فربما يكون ارتضاع خاص رضاعا محرما عند فقيه، من جهة عدم اعتبار ذلك الشرط المفقود عنده، وهذا الارتضاع بعينه لا يكون محرما عند فقيه آخر لاجل اعتبار ذلك الشرط المفقود عنده، فمن الممكن أن يكون المشهود به رضاعا عند
الشاهدين اجتهادا أو تقليدا ولا يكون رضاعا عند الحاكم، فلو حكم على طبق شهادتهما فقد حكم على خلاف معتقده واجتهاده. وبطلان هذا معلوم، لان جعل الحاكم لاجل الحكم على طبق ما استنبطه من الادلة، ولذلك قال عليه السلام: (انظروا إلى رجل منكم روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا، فليرضوا به حكما، فإني قد جعلته عليكم حاكما) إلى أن يقوله عليه السلام: (فإذا حكم بحكمنا فالراد عليه) كذا وكذا الى آخره (1). فلا بد للحاكم أن يحرز بمحرز وجداني أو تعبدي أن ما يحكم به يكون حكمهم عليه السلام كي يكون الرد عليه حراما، والمفروض فيما نحن فيه أنه ليس في المقام محرز وجداني ولا تعبدي على أن المشهود به هو الرضاع المحرم ولو صرح بأنه رضاع محرم، إذ الرضاع المحرم مختلف عند الفقهاء من حيث الكمية والكيفية. ولا يمكن أن يدعى أن لفظ للرضاع المطلق أو الرضاع المحرم ظاهر في الرضاع الذي جعله الشارع موضوعا للحرمة، فبعد الفراغ عن حجية البينة وحجية الظواهر كلام الشاهدين يكون محرزا تعبديا لموضوع الحرمة أعني ما جعله الشارع محرما. وذلك من جهة أن حجية الظواهر من جهة بناء العقلاء على إرادة ما هو ظاهر اللفظ منه في مقام التفهيم والتفهم. وهذا فيما إذا كان المعنى الذي هو ظاهر اللفظ معلوما عندهم. وأما لو كان معنى اللفظ مختلفا عند المتكلم والمستمع، ومعلوم أن الظاهر من اللفظ حينئذ أن المراد هو الذي يكون معنى اللفظ عنده أي المتكلم، فلو كان ما هو المعنى عنده - أي المتكلم - معلوما فيحمل عليه. وأما إذا لم يكن ما هو معنى اللفظ عنده معلوما كما فيما نحن فيه، فيصير مجملا
(هامش)
(1) (الكافي) ج 1 ص 54 باب: إختلاف الحديث ح 10، وج 7 ص 412 باب: كراهية الارتفاع الى قضاة الجور ح 5، (الاحتجاج) ص 355، (تهذيب الاحكام) ج 6 ص 218 ح 514 باب من إليه الحكم وأقسام القضاة والمفتين ح 6، (وسائل الشيعة) ج 18 ص 99 أبواب صفات القاضي باب 11 ح 1. (*)
ومن قبيل استعمال اللفظ المشترك في بعض معانيه بدون قرينة معينة لذلك البعض، فلا بد للشاهدين حينئذ من التفصيل وشرح ما هو مراده من لفظة الرضاع المطلق، أو الرضاع المحرم كي يفهم من يقوم عنده البينة مراد الشاهدين، وأن المشهود به هو ماذا. نعم لو علم الحاكم من الخارج أن معنى الرضاع عند الشاهدين هو المعنى المختار عنده فلا يحتاج في حكمه بتحقيق الرضاع إلى الشرح والتفصيل، وكذلك الامر في صورة العلم بأن معنى الرضاع عند الشاهد اجتهادا أو تقليدا كذلك في غير الحاكم أيضا بالنسبة إلى ترتيب الاثر، فإن علم بالموافقة أو المخالفة فالامر واضح، وإن لم يعلم فيحتاج في ترتيب الاثر مثل الحكم إلى التفصيل، كي يعلم الموافقة أو المخالفة، ويرتب أثر كل واحد منهما عليه. ثم إن الذي ذكرنا - من لزوم تفصيل الشاهد مراده من الرضاع - يجري في كل ما هو من هذا القبيل أي ما كان معنى اللفظ مختلفا عند أهل المحاورة، خصوصا عند المتكلم والسامع وعند الشاهدين ومن تقوم عنده البينة، كلفظ (الكر) مثلا فإن فيه اختلافا كثيرا بين الفقهاء من حيث الوزن والمساحة، ولو شهد الشاهدان العادلان على كرية ماء وكان ما هو معنى الكر عندهما معلوما عند من تقوم عنده البينة فلا إشكال، لانه إن كان موافقا مع مختاره اجتهادا أو تقليدا يرتب أثر الكرية على ذلك الماء، ويثبت كريته عنده، وإلا فلا. وأما إذا كان ما هو المعنى للفظ الكر - اجتهادا أو تقليدا - غير معلوم، فبناءا على ما ذكرنا - من لزوم التفصيل في الشهادة على الرضاع يجب التفصيل هاهنا أيضا، لكن ظاهر الاصحاب هاهنا قبول الشهادة مطلقا، وترتيب آثار الكر الواقعي، مع أنه لا فارق في البين. وأما الثالث - أي إثبات الرضاع بشهادة النساء - فالمسألة ذات قولين:
فذهب جماعة منهم الشيخ (1) والعلامة قدس سره (2) في بعض كتبه إلى عدم قبول شهادتهن فيه. وذهب جماعة أخرى إلى القبول، منهم الشيخ الاجل المفيد (3) والمرتضى قدس سره. ولا شك في أن مقتضى القواعد الاولية عدم ثبوت الرضاع إلا بالعلم الوجداني أو البينة، هو مفاد قوله عليه السلام: (الاشياء كلها على هذا حتى يتبين لك أو تقوم به البينة). (4) والظاهر أن المراد بالبينة معناها المصطلح عند الفقهاء وهو شهادة رجلين عادلين، فقبول قول النساء وشهادتهن في باب الرضاع يحتاج إلى دليل يدل عليه. وما يمكن أن يكون أمران. الاول: مرسلة ابن بكير عن الصادق عليه السلام في امرأة أرضعت غلاما وجارية ؟ قال عليه السلام: (يعلم ذلك غيرها ؟) قلت: لا قال: فقال: (لا تصدق إن لم يكن غيرها) (5). فمفهوم قوله عليه السلام (لا تصدق إن لم يكن غيرها) هو أنها تصدق إن كان غيرها وهذا بإطلاقه يشمل فيما إذا كان ذلك الغير امرأة أخرى، فينتج أنه لو كانت هناك امرأة أخرى مع المرضعة وشهدوا بوقوع الرضاع يقبل قولها وتصدقان. وفيه: أن ظاهر قوله عليه السلام: (لا تصدق إن لم يكن هناك حجة أخرى) غير إخبارها، فالمرسلة في مقام نفى حجية إخبار المرضعة، واحتياج إثبات الرضاع إلى حجة أخرى، وهي كالبينة مثلا، لا أن قولها وحدها ليس بحجة ومع انضمامها إلى
(هامش)
(1) (النهاية) ص 462. (2) (تحرير الاحكام) ج 2 ص 11. (3) (المقنعة) ص 727. (4) (الكافي) ج 5 ص 313 باب النوادر (من كتاب المعيشة) ح 40، (وسائل الشيعة) ج 12 ص 60 أبواب ما يكتسب به باب 4 ح 4. (5) (تهذيب الاحكام) ج 7 ص 323 ح 1330 باب: ما يحرم من النكاح من الرضاع وما لا يحرم منه ح 38، (وسائل الشيعة) ج 14 ص 304 أبواب ما يحرم بالرضاع باب 12 ح 3. (*)
امرأة أخرى حجة، ولا أقل من تكافوء الاحتمالين. هذا مضافا إلى أن إثبات هذا الحكم المخالف للاصول والقواعد الاولية بمثل هذه المرسلة لا يخلو من إشكال. الثاني: أنه أي الرضاع - من الامور التي لا يعلم في الاغلب إلا من قبلهن، فلو لم يقبل شهادتهن يقع الناس كثيرا في مخالفة الواقع، لانه إذا لم تصدقن ولم تقبل شهادتهن فيكون المرجع عمومات الحل، لجريان الاصل الموضوعي، لعدم إمكان قيام البينة أي شهادة رجلين عدلين، بحيث يشهدان بأن هذا الطفل ارتضع من ثدي هذه المرأة بالتقام الثدي والامتصاص منه، من جهة أن مثل هذه الشهادة تحتاج إلى أن يكون هناك رجلين عدلين من محارم المرضعة، ينظران إلى ثدييها، وأن الطفل التقمه وامتص منه، وهذا الامر تكرر خمسة عشر مرة متوالية، في كل مرة رضعة كاملة. ولكن أنت خبير بأن وقوع مثل هذا في غاية القلة بل الندرة فلا بأس بأن يقال: بأن شهادتهن تقبل فيما لم يكن متهمات، كما أنه ربما يستفاد من بعض الاخبار، حيث أنه عليه السلام علل عدم تصديق المرضعة - التي هي أم ولده - بأنها متهمة. وفي دعائم الاسلام عن جعفر بن محمد عليه السلام أن رجلا سأله عن جارية له ولدت عنده، فأراد أن يطأها، فقالت أم ولد له: إني قد أرضعتها ؟ قال عليه السلام: (تجر إلى نفسها وتتهم لا تصدق) (1). ثم إن هاهنا أمور نذكرها تتميما للفائدة [ الامر ] الاول: لو ملك الرجل إحدى المحرمات عليه نسبا، كالام والبنت
(هامش)
(1) (دعائم الاسلام) ج 2 ص 242 ح 908 فصل (10) ذكر الرضاع. (*)
والاخت والعمة والخالة وغيرهن، فينعتقن عليه، فهل إذا حصلت هذه العناوين من الرضاع وملكهن ينعتقن عليه أم لا ؟ قال في الشرائع: فيه روايتان أشهرهما العتق انتهى (1). وفي المسألة قولان أشهرهما من حيث الرواية والفتوى انعتاقهن، بل قال في الجواهر: أنه المشهور بين المتأخرين، وحكى عن بعضهم دعوى الاجماع عليه (2). وهذا القول - أي اتحاد حكم المحارم الرضاعية مع المحارم النسبية - في هذا الحكم - أي الانعتاق بعد حصول ملكيتهن - هو الاقوى، وذلك لورود روايات خاصة في هذا المقام: منها: صحيح أبي بصير وابي العباس وعبيد بن زرارة كلهم عن الصادق عليه السلام: (ولا يملك أمه من الرضاعة ولا أخته ولا عمته ولا خالته، إذا ملكن عتقن) وقال: (ما يحرم من النسب فإنه يحرم من الرضاع) وقال: (يملك الذكور ما خلا والدا أو ولدا، ولا يملك من النساء ذات رحم محرم) وقلت: يجري في الرضاع مثل ذلك ؟ قال: (نعم يجري في الرضاع مثل ذلك) (3). وهناك أخبار أخر أيضا تدل على هذا المعنى لا حاجة إلى ذكرها (4). هذا مضافا إلى إمكان ادعاء شمول لفظة الام وسائر العناوين الرضاعية مثل النسبية بدون عناية ورعاية علاقة. وبعبارة أخرى: يكون المتفاهم العرفي من هذه الالفاظ معنى عام ينطبق على
(هامش)
(1) (شرائع الاسلام) ج 3: ص 113 كتاب العتق الفصل الثالث في: الملك. (2) (جواهر الكلام) ج 24 ص 142. (3) (الفقيه) ج 3 ص 113 ح 3435 باب العتق وأحكامه ح 3، (تهذيب الاحكام) ج 8 ص 243 ح 877 في العتق وأحكامه ح 110، (وسائل الشيعة) ج 13 ص 29 أبواب بيع الحيوان باب 4 ح 1. (4) (الكافي) ج 6 ص 178 باب ما لا يجوز ملكه من القرابات ح 5، (تهذيب الاحكام) ج 8 ص 243 ح 878 في العتق وأحكام ح 111، (وسائل الشيعة) ج 13 ص 29 أبواب بيع الحيوان باب 4 ح 3 - 4. (*)
الاضافة الحاصلة من الرضاع ومن الولادة، فإذا كان كذلك فالاخبار المطلقة - التي مفادها انعتاق الام أو أحد العناوين الاخر من هذه العناوين من دون التقييد بالنسب أو الرضاع - أيضا تشمل المقام. وأما الاخبار المعارضة لهذه الاخبار كصحيح الحلبي عن الصادق عليه السلام في بيع الام من الرضاع ؟ قال عليه السلام: (لا بأس بذلك إذا احتاج) (1). فيتقدم عليه تلك الاخبار المتقدمة، ويتعين الاخذ بها دون هذه الاخبار، لاعراض المشهور عنها بناء على أن يكون القول بالانعتاق هو المشهور بين المتأخرين، كما ادعاه صاحب الجواهر قدس سره (2). ولكن الترجيح بمثل هذه الشهرة مشكل، لما ذكرنا في الاصول من أن المدار في الجارية والكاسرية هي الشهرة الفتوائية بين المتقدمين، وكذلك في الاعراض، لا الشهرة أو الاعراض فيما بين المتأخرين، فالمتعين أن يقال بترجيح الاخبار التي تدل على الانعتاق، لمخالفتها للعامة، وحمل تلك الاخبار المعارضة لها على التقية. وفي هذا الفرع جهات من البحث، والمقصود بالذكر هاهنا جهة وحدة حكم الرضاع مع النسب بالنسبة إلى هذا لحكم أي انعتاقهن لو ملكهن الذي بينه وبينهن إحدى هذه العلاقات. وأما البحث من الجهات الاخر ففي كتاب البيع في باب بيع الحيوان. الامر الثاني: في أنه هل يقع الظهار بالعناوين الحاصلة من الرضاع - إذا كانت مثل تلك العناوين الحاصلة من النسب التي يقع بها الظهار كعنوان الام والاخت أو إحدى المحرمات الاخر بناء على عدم اختصاص وقوعه بخصوص الام - أم لا ؟ والاقوى عدم الوقوع، لان وقوع الظهار بها إما لاجل كون هذه العناوين حقيقة في ما إذا حصلت من الرضاع كما إذا حصلت من النسب، فيكون الحكم المترتب على
(هامش)
(1) (تهذيب الاحكام) ج 8 ص 245 ح 886 في العتق وأحكامه ح 119. (2) (جواهر الكلام) ج 24 ص 142. (*)
هذه العناوين - أعني حرمة الوطي قبل التكفير - مترتبا عليها إذا حصلت من الرضاع أيضا. وفيه: أن المتفاهم العرفي لا يساعد هذا المعنى. وإما لاجل قوله صلى الله عليه وآله: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب). ولكن أنت خبير بأن التنزيل بلحاظ حرمة النكاح من ناحية حصول هذه العناوين، لا كل أثر مترتب على هذه العناوين. وإما من جهة قوله عليه السلام: (هو - أي الظهار - من كل ذي محرم). ومعلوم أن ذي محرم عنوان عام يشمل المحارم الرضاعية. وفيه: أن عنوان ذي محرم بحسب المتفاهم العرفي ظاهر في المحارم النسبية وفي صحيحة زرارة سأل أبا جعفر عليه السلام من الظهار ؟ فقال: (هو من كل ذي محرم أم أو أخت أو عمة أو خالة). الخ (1) وظاهر التفسير هي المحارم النسبية. الامر الثالث: في أن كثيرا من الاحكام التي يترتب على هذه العناوين إذا كانت حاصلة من النسب لا ترتب عليها إن كانت حاصلة من الرضاع، ومن جملتها التوارث، فلا يرث الابن أو البنت الرضاعيين من أبيهما أو أمهما الرضاعيين وهكذا الامر في سائر العناوين الحاصلة من الرضاع ومن جملتها عدم وجوب نفقة الاقارب عليهم، مثلا لا يجب نفقة الابن أو البنت الرضاعيين على أبيهما الرضاعي إن كانا فقيرين، وكذلك بالعكس. وكذلك الامر في سائر العناوين الحاصلة من الرضاع مما يوجب إعطاء النفقة في مثلها إذا كانت حاصلة من النسب.
(هامش)
(1) (الكافي) ج 6 ص 153 باب الظهار ح 3، (الفقيه) ج 3 ص 526 ح 4828 باب الظهار ح 3، (تهذيب الاحكام) ج 8 ص 9 ح 26 باب حكم الظهار ح 1، (وسائل الشيعة) ج 15 ص 511 أبواب الظهار باب 4 ح 1. (*)
ومن جملتها: عدم قود الوالد بقتل ولده، فإنه في الولد نسبا لا يقتل الوالد إن قتل ولده، وإن ثبت ذلك ببينة أو إقرار، ولكن الاب الرضاعي لو قتل ابنه الرضاعي أو بنته يقتل بهما. ومن جملتها: أن الوالد نسبا لا يقطع يده بسرقة مال ولده نسبا ولكن الاب الرضاعي لو سرق مال ولده الرضاعي يقطع. ومن جملتها: عدم ولاية الاب الرضاعي على ابنه أو ابنته الرضاعيين، بخلاف الاب النسبي، فإنه له الولاية عليهما وعلى مالهما ما دام كانا صغيرين. وكذلك ليس للام الرضاعية حق الحضانة، لا للابن الرضاعي ولا لابنتها الرضاعية، بخلاف الام النسبي، فإن لها حق حضانة ابنها سنتين وحق حضانة ابنتها ست سنين. والسر في ذلك كله: أن الادلة الدالة على هذه الاحكام رتب فيها هذه الاحكام على نفس هذه العناوين، وهذه العناوين إما حقيقة في خصوص ما إذا كانت حاصلة من النسب - واستعمالها في الاضافة الحاصلة من الرضاع يكون بالعناية وبرعاية مع المعنى الحقيقي، فتكون الحاصلة من الرضاع خارجة عن تحت تلك المفاهيم ولا تشملها - أو تكون تلك المفاهيم منصرفة عن الحاصلة من الرضاع، وان قلنا بأنها حقيقة فيها أيضا. وقوله صلى الله عليه وآله: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) (1) فالظاهر منه أن التنزيل بلحاظ حرمة النكاح فقط، وفي ترتب غير حرمة النكاح من آثار هذه العناوين إذا كانت حاصلة من
(هامش)
(1) (الكافي) ج 5 ص 437 بابا الرضاع ح 2، (الفيه) ج 3 ص 475 ح 4665 باب الرضاع ح 5 ا (تهذيب الاحكام) ج 7 ص 291 ح 1223 باب من أحل الله نكاحه من النساء وحرم منهن في شرع الاسلام ح 59، (وسائل الشيعة) ج 14 ص 280 أبواب ما يحرم بالرضاع باب 1 ح 1 - 3 - 4. (*)
النسب على الحاصلة من الرضاع يحتاج إلى وجود دليل خاص يدل عليه، كما ادعيناه في الانعتاق إذا ملكهن. والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا.