33 - قاعدة أصالة عدم تداخل الأسباب ولا المسببات
قاعدة أصالة عدم تداخل الاسباب ولا المسببات ومن جملة القواعد الفقهية قاعدة اصالة عدم تداخل الاسباب ولا المسببات وفيها جهات من البحث: [ الجهة ] الاولى في المراد منها فنقول: أما المراد من أصالة عدم تداخل الاسباب هو ان كل سبب له مسبب أي: يتكرر وجود المسبب بتكرر وجود السبب، سواء أكان السبب المكرر وجوده من سنخ واحد أو من اسناخ متعددة، فالاول في الاسباب الشرعية كما إذا تكرر منه البول أو الوطي أو الانزال والاحتلام، والثاني كما إذا بال ونام وخرج منه الريح بالنسبة إلى الوضوء فيجب مثلا في المفروض ثلاث وضوأت: واحد للبول وواحد للنوم وواحد لخروج الريح، وكذلك واحد للغائط. فلا فرق في تعدد المسبب بتعدد وجود السبب بين ان تكون الاسباب المتعدده من سنخ واحد، وبين ان يكون السبب المكرر من اسناخ متعددة. فلو قلنا بأصالة عدم التداخل، فكما ان السبب المكرر لو كان من سنخين أو من اسناخ متعددة تتعدد الكفارة بتعدد السبب كذلك يتعدد المسبب لو كان من سنخ واحد، وهذا معنى عدم التداخل. وأما التداخل فمقابل هذا المعنى أي: عدم تكرر المسبب بتكرر السبب وأيضا
لا فرق بين أن يكون السبب المكرر من سنخ واحد أو يكون من أسناخ متعددة، فالتقابل بين التداخل وعدمه تقابل العدم والملكة، هذا معنى التداخل وعدمه في الاسباب. وأما المراد من التداخل وعدمه في المسببات: الاول: أي التداخل في المسببات فهو عبارة: عن كفاية مسبب واحد عن أسباب متعددة، مثلا كفاية وضوء واحد عن الابوال المكررة أو كفايته عن البول والغائط والنوم ولا فرق في تداخل المسببات ايضا بين ان تكون أسبابها المتعددة من سنخ واحد أو من اسناخ متعددة. وما ذكرنا في معنى التداخل وعدمه مضافا إلى ان المراد منهما عند الفقهاء هو هذا المعنى ونحن في مقام شرح قاعدة فقهية فلا بد وان نتكلم فيها على وفق مرادهم منها موافق لما هو ظاهر لفظ التداخل وعدمه، إذ التداخل مصدر باب التفاعل من دخل فيكون معناه حسب اللغة والمتفاهم العرفي دخول كل واحد من الشيئين في الاخر بحيث يتحدان من حيث المكان والحيز إذا كانا جسمين، ومن حيث التأثير إذا كانا سببين، ومن حيث التاثر إذا كانا مسببين وهكذا. ولذا قالوا: الضرورة قضت ببطلان الطفرة والتداخل أي: تداخل الجسمين، بحيث يكون لهما حيز واحد. فبناء على هذا المعنى المذكور يكون تداخل الاسباب في عالم السببية عبارة: عن اتحاد الاسباب في عالم التأثير أي: يكون لجميعها تأثير واحد، كما انه لو فرض ان جميعها سبب واحد، ومثل هذا المعنى في العلل التامة التكوينية غير ممكن، بل لا بد من ان يرجع إلى كول المجموع سببا واحدا وكل واحد منها جزء السبب. وهذا إذا وجد المجموع دفعة واحدة، وإلا لو كان وجودها تدريجيا وعلى الترتيب فان كان المسبب قابلا للتكرار فيتكرر والا يكون السبب الثاني بلا اثر، لان
فرض وجود ذلك الاثر - الذي وجد اولا - ثانيا يكون من قبيل تحصيل الحاصل. وهذه القاعدة لا تأتي فيما لا يكون المسبب قابلا للتكرار، لان المقصود منها هو انه فيما إذا شك في تعدد المسبب بتعدد السبب هل مقتضى الاصل هو تعدد المسبب - وهذا معناه عدم تداخل السبب، وأيضا عدم تداخل المسبب، لانه لو تداخل السبب فلا يكون وجه لتعدد المسبب، لما ذكرنا من ان معنى تداخل الاسباب كونها بمنزلة سبب واحد في مقام التأثير والسبب الواحد لا يؤثر الا في مسبب واحد، وكذلك الامر مع تداخل المسبب أي: لا وجه لتعدده مع تداخله، لان معنى تداخل المسبب كما ذكرنا كفاية مسبب واحد عن الاسباب المتعددة - أو مقتضى الاصل عدم تعدد المسبب وهذا معناه هو تداخل الاسباب، أو مرجعه إلى تداخل المسببات ؟. مثلا في موجبات الكفارة للافطار في نهار شهر رمضان لو قلنا بان الاصل تداخل الاسباب أو المسببات، ففى مورد الشك يحكم بكفارة واحدة سواء أكانت الاسباب المتعددة من سنخ واحد كما إذا جامع مكررا، أو من اسناخ متعددة كما إذا صدر منه الاكل والشرب والجماع في نهار شهر رمضان. وعلى كل حال هذا البحث - أي: ان مقتضى الاصل هل هو التداخل أو عدمه - لا يأتي الا فيما إذا كان المسبب قابلا للتكرار، وأما إذا لم يكن المسبب قابلا للتكرار - كالقتل بالنسبة إلى موجباته وأسبابه، كما إذا قتل اشخاصا أو قتل واحدا وزنى مع انه محصن ولاط وارتد بالارتداد الفطري - فلا اثر لهذا البحث، لان المسبب أي: القتل ليس قابلا للتكرار. فلو قلنا بان مقتضى الاصل عدم التداخل، لا في الاسباب ولا في المسببات لا يمكن تعدد القتل الذي هو اثر عدم التداخل. فهذا البحث مورده فيما إذا كان المسبب قابلا للتكرار مثل الكفارة. ثم انه لو قلنا بتداخل الاسباب فلا يبقى وجه للقول بتداخل المسببات لانه بناء
على تداخل الاسباب فليس في البين الا مسبب واحد ولا توجد مسببات كي يقال بتداخلها، ويكون كما إذا وجد سبب واحد فهل يمكن البحث في ذلك المورد من ان الاصل هل هو تداخل المسببات أم لا ؟ لا شك في انه لا يمكن، لان مفهوم التداخل سواء أكان مضافا إلى الاسباب أو إلى المسببات لا يتحقق الا مع تعددهما أي الاسباب والمسببات، والا فمع وحدتهما لا معنى للتداخل، كما بينا ان التداخل عبارة: عن دخول كل واحد من الشيئين في الاخر. ثم ان الفرق بين تداخل الاسباب وتداخل المسببات من حيث ثمرة البحث هو انه لو قلنا بان مقتضى الاصل تداخل الاسباب والمسببات جميعا، ففى مورد الشك مثل انه تكرر منه الاكل في نهار شهر رمضان لا يجوز له ان يعطي اكثر من كفارة واحدة بعنوان الوجوب وامتثال الامر، لانه تشريع محرم. ولو قلنا بان مقتضى الاصل تداخل الاسباب دون المسببات فايضا يكون الامر كذلك، من جهة انه وان صدر السبب متعددا سواء أكانت الاسباب المتعددة من سنخ واحد أو من أسناخ متعددة لكنها بمنزلة سبب واحد، لتداخلها على الفرض، فلا يجب عليه الا مسبب واحد ويشتغل ذمته بذلك الواحد فقط، فاتيان غيره بعنوان الوجوب وامتثال الامر يكون تشريعا محرما. ولو قلنا بتداخل المسببات دون الاسباب فانه وان كان له الاكتفاء بالواحد لما ذكرنا من ان المراد من تداخل المسببات الاكتفاء بمسبب واحد عن اسباب متعددة، وذلك كالاكتفاء بوضوء واحد أو غسل واحد عن اسباب وموجبات متعددة ولكن يجوز له ان يأتي بفرد اخر من المسبب، لان المفروض في هذه الصورة عدم تداخل الاسباب، وتأثير كل واحد منها في لزوم ايجاد المسبب. غاية الامر ان الشارع مثلا حكم بكفاية اتيان فرد واحد من طبيعة المسبب ولا يؤاخذ على ترك البقية، فهذا لطف وتسهيل من قبل الشارع على المكلف، واتيانه
بالفرد الآخر من طبيعة المسبب ليس تشريعا كى يكون محرما، بل عمل بمقتضى تأثير الاسباب المتعددة وان كان يجوز له الاكتفاء بفرد واحد منة منه تعالى عن عباده. هذا ما ذكره شيخنا الاستاذ (قده) في هذه الصورة بناء على ما ذكره من ان تداخل المسببات عبارة: عن الاكتفاء بمسبب واحد عن الاسباب المتعددة المؤثر كل واحد منها تأثيرا مستقلا (1). ولكن أنت خبير بأن هذا ليس من تداخل المسببات، بل هو اسقاط ما في ذمة العبد من الافراد المتعددة إلا فردا واحدا، والظاهر من تداخل المسببات هو ان يكون الفرد الواحد من طبيعة المسبب أثرا للجميع وهذا المعنى إما أن يرجع إلى تداخل الاسباب، بمعنى: ان الاسباب المتعددة في عالم التأثير لها اثر واحد، فيكون خارجا عن مفروض الكلام، لان مفروضنا الآن هو تداخل المسببات دون الاسباب. وإما ان يكون المراد ان الآثار المتعددة المسببة عن الاسباب المتعددة يندك بعضها في بعض ويوجد مسبب واحد، وذلك كالسرج المتعددة التى كل واحد منها يؤثر في وجود مرتبة من الضوء في الغرفة مثلا مستقلا، لكن تلك الآثار يندك بعضها في بعض ويتشكل ضوء واحد قوي. فنقول: في الشرعيات مثلا موجبات الوضوء أو الغسل كل واحد منها يؤثر في مرتبة من الحدث، فيوجد حدث واحد قوي اصغرا كان أو اكبرا فيرتفع بوضوء واحد في الاول وبغسل واحد في الثاني، فيصح ان يقال: ان هذا تداخل المسبب من دون تداخل اسبابها. وإلا لو كان لكل سبب تأثير مستقل في وجود فرد من طبيعة المسبب ومع ذلك الافراد الموجودة بحدودها المعينة تصير فردا واحد فهذا محال معناه صيرورة الاثنين واحدا وهو مستلزم لا جتماع النقيضين.
(هامش)
: 1 - فوائد الاصول ج 1، ص 49. (*).
وإذا كان تداخل المسببات بهذا المعنى فايجاد المسبب ثانيا بعنوان الوجوب والامتثال يكون تشريعا محرما، لان المفروض في المثال ان الحدث إذا كان هو الاصغر ارتفع بالوضوء الواحد، وإذا كان هو الاكبر ارتفع بالغسل الواحد فيكون الوضوء أو الغسل الثانيين بعنوان امتثال الامر تشريعا محرما، كما في تداخل الاسباب بلا فرق بينهما أصلا. وإذا كان مرجع تداخل المسبباب إلى تداخل الاسباب فالامر أوضح لانه ليس هناك أصلان كي يفرق بين ثمرتيهما، بل هناك أصل واحد وهو أصالة عدم تداخل الاسباب، وثمرتها معلومة وقد بيناها، ولو قلنا بعدم تداخل الاسباب ولا المسببات فيجب ان ياتي بالمسبب بعدد الاسباب وهذا واضح جدا، فلو جامع مرارا أو أكل كذلك فعليه الكفارات بعدد الجماع أو الاكل. الجهة الثانية في بيان الادلة التى اقاموها على هذه القاعدة، وبيان ما هو الصحيح منها وما ليس بصحيح منها وقبل الشروع في ذكر الأدلة نقدم امورا: الاول: لو وصلت النوبة إلى الشك، أي: لم نجد دليلا لا على ان الاصل يقتضي عدم تداخل الاسباب والمسببات ولا على انه يقتضي تداخلها فما حكمه ؟ فنقول: أما الشك في تداخل الاسباب فمرجعه إلى الشك في التكليف، فيكون مجرى البرائة. بيانه: لو شككنا في ان الاسباب المتعددة للكفارة سواء أكانت من سنخ واحد أو من أسناخ متعددة هل يقتضي تعدد الكفارة أم لا ؟ فمعناه انه يشك في وجوب كفارة
اخرى غير الاولى أم لا ؟ فهذا شك في التكليف بالنسبة إلى الكفارة الثانية، فيكون مجرى البرائة. واما الشك في تداخل المسببات، فان كان المراد من تداخل المسببات ما ذكره شيخنا الاستاذ (قده) من الاكتفاء بمسبب واحد وان كان في ذمته مسببات متعددة بواسطة عدم تداخل الاسباب فلا شك في ان المراجع بناء على هذا قاعدة الاشتغال، لان الشك يكون في مرحلة الامتثال بعد الفراغ عن اشتغال الذمة بالمتعدد وانه في مقام الامتثال هل يكفي الاتيان بالمسبب الواحد أم لا ؟ واما لو كان مرجع تداخل المسببات إلى تداخل الاسباب، وان تداخل المسببات بدون تداخل الاسباب محال كما ذكرنا، فيكون المرجع هي البرائة، لان الشك فيه حيث انه يرجع إلى الشك في تداخل الاسباب فيكون الشك في ان ذمته هل اشتغلت بالمتعدد أم لا ؟ فيكون الشك في ثبوت التكليف بايجاد المسبب ثانيا وهو مجرى البرائة. وأما لو كان المراد من تداخل المسبب هذا المعنى الاخير الذي بيناه - أي يندك تأثيرات الاسباب ويتشكل مسبب قوي واحد أي: حدث أصغر أو اكبر واحد قوي - فلا يبقى شك في البين اصلا بعد اتيانه بالوضوء أو بالغسل لارتفاع ذلك الحدث الاصغر القوي بالوضوء والاكبر القوي بالغسل. الا أن ياتي دليل على عدم ارتفاع ذلك المسبب الشديد بوضوء واحد أو بغسل واحد مثلا. والذي يسهل الخطب انه لو قلنا بعدم تداخل الاسباب فتداخل المسببات خلاف الاصل يقينا، ولا يمكن المصير إليه الا باتيان دليل على ارتفاع اثار الاسباب المتعددة بوجود واحد مما نسميه مسببا كوضوء واحد وكغسل واحد إذا وجدت لكل واحد منهما اسباب متعددة. ثم ان ما ذكرنا - من ان الشك في تداخل الاسباب ان لم نجد دليلا على ان مقتضى
الاصل هو التداخل أو عدمه فمرجعه إلى البرائة - يكون في باب التكاليف. وأما في باب الوضعيات كما إذا وجد سببان للخيار ولم يدل دليل على التداخل ولا على عدمه، فالظاهر انه يكون مورد الاستصحاب لا البرائة مثلا لو ظهر في المبيع الذي هو حيوان، عيب، فما دام يكون البايع والمشتري في مجلس البيع وظهر العيب تجتمع للخيار أسباب ثلاثة: المجلس وكون المبيع حيوانا، والعيب. فإذا أسقط الخيار المضاف إلى احد هذه الاسباب فبناء على التداخل لا يبقى له خياران الاخران، لانه بناء على هذا ليس له الا خيار واحد وقد اسقطه. وبناء على عدم التداخل فيكون الخياران الاخران موجودا، فإذا شك في التداخل وعدمه ولم يكن دليل عليه ولا على عدمه فيشك في بقاء طبيعة الخيار، فيكون مجرى الاستصحاب. ولكن يمكن أن يقال: ان الخيار الذي هو عبارة: عن حق خاص به يكون له السلطنة على حل العقد وإبرامه. ومثل هذا الحق ليس قابلا للتكرار، فإذا اسقط فلا يبقى احتمال البقاء كي يستصحب، بل البحث عن التداخل وعدم تداخل الاسباب لا يأتي هاهنا، كما ذكرنا ان مورد هذا البحث هو فيما إذا كان السبب قابلا للتكرار، لان ما ليس قابلا للتكرار في مقام الثبوت فالبحث عنه في مقام الاثبات - بان مقتضى الاصل هل هو عدم التداخل ؟ اي التكرار مع عدم امكانه - لا مجال له أصلا. ان قلت: ان الخيار وان لم يكن قابلا للتكرر بتعدد الاسباب من حيث تعدد وجوده، ولكنه قابل للتعدد بواسطة اضافته إلى اسباب متعددة فقابل لان يبحث فيه إذا تعدد اسبابه كما ذكرنا ان مقتضى الاصل هل تداخل الاسباب كى يكون خيار واحد عند اجتماع تلك الاسباب أو مقتضى الاصل عدم التداخل كي تكون خيارات باعتبار اضافتها إلى اسبابها. قلنا: ان هذا وان كان كلاما صحيحا ولكن ليس مصححا لجريان الاستصحاب
بعد سقوطه أو اسقاطه باعتبار اضافته إلى بعض الاسباب، وذلك من جهة ان الشك في التداخل وعدمه وان كان موجبا للشك في وجود الخيار بعد سقوطه أو اسقاطه، مضافا إلى أحد أسبابه ولكنه ليس شكا في بقاء ما هو كان موجودا يقينا الذي هو موضوع الاستصحاب، لانه على تقدير التداخل حيث انه كان خيار واحد له ارتفع يقينا بالاسقاط أو السقوط، ولم يبق شيء ولو من حيث اضافته إلى سائر الاسباب غير ما اسقط أو سقط، وعلى تقدير عدم التداخل فموجود يقينا من حيث اضافته إلى سائر الاسباب. وحيث ان المفروض هو الشك في التداخل وعدمه، فما عدا الساقط مشكوك الحدوث، لا مشكوك البقاء ومتيقن الحدوث كي يجري الاستصحاب وأما استصحاب بقاء الجامع - بين ما سقط والمضاف إلى سائر الاسباب لانه مشكوك البقاء - وان كان صحيحا من حيث تمامية اركانه لكنه من القسم الثالث من اقسام استصحاب الكلي الذي اثبتنا عدم صحة جريانه. وخلاصة الكلام ان الوضعيات ان لم تكن قابلة للتكرر ولا للتأكد فعند اجتماع الاسباب وتعددها لا ياتي بحث التداخل وعدمه، وايضا لا حكم للشك في التداخل وعدمه، بل لا موضوع له، لان المفروض ان عدم التداخل بمعنى تعدد المسبب أو تأكده غير ممكن فيه. ولعله تكون الجنابة والنجاسة من هذا القبيل، فإذا وجدت للجنابة أو النجاسة اسباب متعددة سواء أكانت تلك الاسباب من سنخ واحد كما إذا جامع مرارا أو لاقى مكانا من بدنه البول مرارا، أو كانت من اسناخ متعددة، كما إذا جامع بدون انزال وانزل بدون الجماع، هذا بالنسبة إلى الجنابة، أو لاقى مكانا من بدنه أو من ثوبه أو شيء اخر البول والمني أو نجس اخر، ففي جميع هذه الصور لا تؤثر هذه الاسباب تعددا في الجنابة أو في نجاسة المحل ولا تأكدا فيهما
وأما ان كان قابلا للتعدد أو التأكد وان كان تعدده باعتبار اضافة إلى اسبابه، كما قلنا في الخيار، فهذا البحث وان كان يأتي ولكن عند الشك وعدم وجود دليل على التداخل ولا على عدمه فالاستصحاب لا يجري فيما هو قابل للتعدد، لما ذكرنا في الخيار. وأما فيما هو قابل للتأكد دون التعدد فعدم فرد اخر مقطوع فلا مجرى للاستصحاب. وأما بالنسبة إلى احتمال بقاء مرتبة منه بعد القطع بزوال مرتبة منه - كما انه لو غسل مرة ما تنجس بالدم أولا ثم لاقى البول ايضا، فاحتملنا بقاء مرتبة من النجاسة بعد زوال مرتبة منها يقينا بناء على تأكد النجاسة فيكون الاستصحاب حينئذ من القسم الثالث من استصحاب الكلي، ولا يجري الا فيما إذا كانت وحدة القضية المشكوكة مع المتيقنة محفوظة عرفا، والمسألة مشروحة على التفصيل في كتابنا منتهى الاصول (1) وان شئت فراجع. ثم ان ما ذكرنا بالنسبة إلى النجاسة من التاكد وزوال مرتبة منها يقينا واحتمال بقاء مرتبة منه صرف فرض ومن باب المثال، والا فلا واقعية له. نعم لو كانت لهذه المسببات التى من الوضعيات اثار تكليفية كوجوب الغسل - بالضم - أو الغسل - بالفتح - وكان الشك فيه وانه مرة أو مرتين ؟ فالمرجع وان كان هي البرائة من حيث التكليف ولكن لا مانع من استصحاب نفس الوضع، وذلك كما إذا شك في ان النجاسة الحاصلة من ملاقاة البول هل يزول بالغسل مرة أم لا ؟ فاستصحاب النجاسة لا مانع منه، ومعلوم حكومة هذا الاستصحاب على البرائة عن وجوب الغسل مرة اخرى. الثاني: في ان هذا البحث والنزاع هل يأتي في الاسباب والعلل التكوينية بالنسبة إلى مسبباتها أو يختص بالاسباب والمسببات الشرعية ؟
(هامش)
: 1 - منتهى الاصول ج 2، ص 448. (*).
ثم ان هذا البحث في الاسباب والعلل التكوينية على تقدير اتيانه لا يكون الا فيما إذا كان لتكرر المسبب اثر شرعي، والا يكون البحث لغوا وبلا ثمرة. وقد عرفت ان هذا البحث لا يأتي الا فيما إذا كان المسبب قابلا للتكرار أو التأكد، وإلا ففيما لم يكن كذلك فقلنا ان عدم التداخل - أي: تعدد المسبب مع انه ليس قابلا للتكرار - محال فالبحث عنه باطل، فهذا البحث على تقدير جريانه واتيانه في الاسباب التكوينية مشروط بهذين الامرين. فنقول: المراد من الاسباب التكوينية ان كانت هي العلل التامة، فمع كون المسبب قابلا للتكرار فالتداخل محال، فلا محالة يتكرر المسبب بتكرر السبب، والا يلزم توارد علتين تامتين على معلول واحد. واما مع عدم كونه قابلا للتكرار فقلنا ان هذا البحث لا يأتي مطلقا لا في الاسباب الشرعية ولا في الاسباب التكوينية. والحاصل ان احتمال التداخل في العلل التامة التكوينية محال. واما المعدات فليست المسببات مترتية عليها حتى نتكلم ان مقتضى الاصل هل هو التداخل أم لا ؟ فهذا البحث مختص بالاسباب الشرعية. ولكن ربما يقال: بان إتيانه في الاسباب الشرعية ايضا مشروط بأن تكون معرفات لا مؤثرات وعلل حقيقية، وإلا يكون حالها حال العلل التكوينية في عدم جريان هذا البحث لعين ما ذكرنا، لعدم جريانه هناك. وفيه: ان ما نسميها بالاسباب الشرعية ليست هي إلا موضوعات الاحكام التكليفية والوضعية، فلا مؤثرات ولا معرفات لما هو العلة حقيقة وذلك من جهة ان الشارع هو الذي يوجد هذه الاحكام التكليفية والوضعية وهي اعتبارات من قبل الشارع ومجعولات له في عالم الاعتبار والتشريع. وكما ان الموجودات الخارجية كلها مخلوقات له تعالى في عالم الخارج والتكوين كذلك جميع الاحكام الشرعية وضعية كانت ام تكليفية مجعولات من طرفه تعالى
في عالم الاعتبار والتشريع، فالمؤثر والعلة في وجود الاحكام هو الله تعالى. وهذه الاسباب التي نسميها بالالسباب لا علل حقيقية للاحكام كما هو واضح، لما عرفت ان علتها الحقيقية هو الشارع، ولا معرفات للعلل الحقيقية لان هذه الاسباب ليست معرفات للشارع، لان المراد من المعرف هاهنا ظاهرا هو الدال والمبين، وهذه الاسباب ليست دالا ومبينا للعلة الحقيقية بحيث يعرف العلة الحقيقية وانها هو الشارع. فحديث دوران الامر بين ان تكون اسباب الاحكام وشرائطها إما علل حقيقة لها أو معرفات إليها لا اساس له، وبناء على هذا فما فرعوا على هذا الدوران من أن مقتضى الاصل هو التداخل بناء على انها معرفات وعدم التداخل بناء على انها علل حقيقية كلام فارغ لا محصل له، إذ مقصودهم - من ابتناء التداخل على انها معرفات و ابتناء عدم التداخل على انها علل حقيقة ومؤثرات واقعية - هو ما اشرنا ليه، وهو ان توارد علتين تامتين حقيقيتين على معلول واحد محال، فبناء على انها علل حقيقية يكون التداخل محالا. وأما بناء على انها معرفات فلا مانع من التداخل، إذ من الممكن ان يكون للشئ الواحد معرفات متعددة وامارات وعلامات كثيرة وكواشف مختلفة. هذا إذا كان المراد من العلل الحقيقية هو موجدها في عالم الاعتبار والتشريع - أي: الشارع - فقد عرفت انه بناء على هذا ليست هذه التي نسميها الاسباب والشروط علل حقيقية ولا معرفات لها ولا كواشف عنها ولا امارات عليها. وأما لو كان المراد منها المصالح والمفاسد التى قد تكون من قبيل علة الجعل، وقد تكون من قبيل حكمته، فانه وان كان من الممكن ان تكون هذه الاسباب والشرائط مؤثرات في وجود المصالح والمفاسد التى هي اما علة جعل الاحكام أو حكمته، في كون الافطار في نهار شهر رمضان متعمدا موثرا في وجود مصلحة في اعطاء الكفارة التي هي العلة الحقيقية لجعل وجوبها وايضا يمكن ان تكون معرفات لوجود
المصلحة والمفسدة في ذلك الفعل الذي نسميه بالمسبب لا مؤثرات حقيقية. ولكن هذا التفصيل لا وجه له، لانه على كلا التقديرين يمكن التداخل وعدم التداخل، لانه على تقدير ان تكون موثرات في وجود المصلحة والمفسدة يمكن ان يكتفي - مثلا - بغسل أو وضوء واحد عند اجتماع اسباب متعددة كما انه بناء على ان تكون معرفات يمكن ان يكون هذا السبب مثل البول في كل وجود له معرفا لوجود مصلحة في وجود فرد اخر من طبيعة الوضوء أو الغسل كذلك بالنسبة إلى اسبابه. هذا مضافا إلى ان هذه الاسباب والشرائط مرجعها إلى قيود الموضوع مثلا السرقة ليست سببا للقطع، بل السرقة من قيود موضوع وجوب قطع اليد، لان موضوع وجوب قطع اليد هو الانسان المقيد بكونه سارقا، كما ان موضوع وجوب الحج هو الانسان المقيد بكونه مستطيعا، ولا شك في ان الموضوع وقيوده ليس علة للحكم ولا معرفا له. فهذا الكلام - أي: القول بأن الاصل عدم التداخل ان كانت هذه الاسباب والشرائط علل ومؤثرات حقيقية، والتداخل ان كانت معرفات - لا اساس له، لانها من قيود الموضوعات لا علل للاحكام ولا معرفات لها. الثالث: ربما يتوهم التنافي بين قولي المشهور، فها هنا يقولون بأصالة عدم تداخل الاسباب، ونتيجة هذا القول هو تعدد المسببات عند تعدد الاسباب وأيضا يقولون فيما إذا تعلق الطلب بفعل - أي: بطبيعة - مرتين، كما إذا قال صم يوما، ثم قال ايضا صم يوما، أو قال: اكرم عالما، ثم قال ايضا: اكرم عالما، وهكذا في سائر المقامات التي يتعلق الطلب بطبيعة مرتين أو مرات - بان ما بعد الطلب الاول تأكيد له مع ان الطلب سبب للتكليف، فإذا تعدد يجب تعدد التكليف ولزوم ايجاد المكلف به متعددا بمقدار عدد الطلب. فقولهم بان ما بعد الطلب الاول تأكيد له وكفاية صوم يوم واحد واكرام عالم
واحد وعدم تعدد التكليف ولا المكلف به مع القول بعدم تداخل الاسباب وان تعدد السبب موجب لتعدد المسبب متنافيان لا يجتمعان. ولكن التحقيق ان هذا التوهم باطل، وذلك من جهة ان الطلب - فيما مثلنا من المثالين وما هو من هذا القبيل - تعلق بصرف الوجود من طبيعة الصوم والاكرام، وكذلك بالنسبة إلى متعلقيهما - أي: اليوم والعالم - فلفظ صم يوما وكذلك أكرم عالما ظاهر في طلب صرف الوجود من طبيعة الصوم، وكذلك في صرف الوجود من اليوم في المثال الاول، وكذلك الامر في المثال الثاني - اي: الطلب - تعلق بصرف الوجود من طبيعة الاكرام وصرف الوجود من طبيعة العالم. وصرف الوجود من كل شيء يتحقق باول وجود منه، إذ هو نقيض عدمه المطلق، ولو لم يصدق صرف الوجود للشئ على اول وجود من ذلك الشيء يلزم اجتماع النقيضين، إذ المراد من صرف وجود الشيء وجوده المطلق من دون اي تقييد فيه وهو نقيض عدمه المطلق أي: من دون تقييد في ذلك العدم، ومعلوم ان الوجود المطلق والعدم المطلق المحمولان على شيء نقيضان لا يجتمعان، فالوجود الثاني أو الثالث وهكذا، وكذلك الوجود المعنون بعنوان الآخر للطبيعة ليس جميع ذلك مصداقا لمفهوم صرف الوجود، وهذا مرادهم من قولهم: صرف الشيء لا يتكرر ولا يتثنى. فلو اراد الآمر وجود طبيعة مرة اخرى لا بد له ان يقيد مطلوبه بكلمة ثانيا أو الآخر ، أو مرة اخرى ، والا لو تعلق الطلب بوجود شيء من دون أي تقييد في المطلوب يكون متعلقا بصرف وجود ذلك الشيء، وحيث ان صرف الوجود لا يتكرر فلا بد من حمل الطلب الثاني والثالث - وهكذا - على التأكيد لا التأسيس. ومثل هذا خارج عن مورد هذا البحث، لما ذكرنا ان مورده فيما إذا كان المسبب قابلا للتعدد والتكرار، فعلى فرض تسليم ان المفروض من قبيل الاسباب والمسببات لا يأتي ذلك البحث هاهنا، إذ الشك في وقوع شيء فرع امكانه، والا فالعاقل الملتفت
لا يشك في وقوع اجتماع النقيضين أو وجود سائر الممتنعات. وحيث كان مفاد الطلب المتعلق بوجود شيء - من دون تقييد المطلوب باي قيد - متعلقا بصرف وجود الشيء - وصرف وجود الشيء ليس قابلا للتكرر، فالبحث عند الشك في ان الاصل هل تعدد وجود المطلوب عند تعدد الطلب أو مقتضى الاصل عدم التعدد باطل لا ينبغي ان يصدر عن عاقل. نعم لو صدر الطلب المتعلق بصرف الوجود ثانيا بعد امتثال الطلب الاول فيدل على لزوم ايجاده ثانيا، لان ذلك الوجود مصداق صرف الوجود في ذلك الوقت. وبعبارة اوضح: كل طلب تعلق بصرف الوجود - من دون تقييد المطلوب بقيد مثل ثانيا أو مكررا أو آخر وامثال ذلك، فاول وجود من تلك الطبيعة بعد صدور الطلب مصداق صرف الوجود، وبعده وجود تلك الطبيعة ليس مصداق صرف الوجود. وأما ايجاد تلك الطبيعة قبل صدور الطلب لا يكون مضرا بمطلوبية صرف الوجود بعد صدور الطلب، فلو صدر من الآمر طلب اخر متعلق بصرف الوجود قبل ايجاد متعلق الطلب الاول، لا بد وان يكون تأكيدا، ولا يمكن أن يكون تأسيسا. إذا عرفت هذه المقدمات فنقول: ان الاصل يقتضي عدم تداخل الاسباب والمسببات، وذلك أما بالنسبة إلى عدم تداخل الاسباب فمن جهة ما ذكرنا ان مرجع الاسباب والشرائط إلى قيود الموضوعات. فإذا قال الآمر: ان ظاهرت فاعتق رقبة، وان افطرت في نهار رمضان فاعتق رقبة يكون هاهنا موضوعين وحكمين احدهما: المظاهر يجب عليه عتق رقبة والثاني: المفطر في نهار رمضان متعمدا بدون ان يكون له عذر يجب عليه عتق رقبة، وظاهر هاتين القضيتين ان لكل واحد من الموضوعين هذا الحكم ثابت، سواء اجتمع
مع الموضوع الآخر أم لا، ففى مورد الاجتماع يكون له طلبان ومطلوبان احدهما مترتب عليه باعتبار كونه مظاهرا والآخر باعتبار كونه مفطرا في نهار شهر رمضان، وهكذا معنى عدم التداخل بالنسبة إلى الاسباب أي: كل من السببين يقتضي حكما غير حكم الاخر. ان قلت: قد ذكرت ان صرف الوجود ليس قابلا للتكرار، وهاهنا ايضا تعلق الطلب بصرف الوجود في كلتا القضيتين وبعبارة اخرى: ما الفرق بين ان يقول اعتق رقبة ثم يقول ثانيا اعتق رقبة وتقول يكفي في امتثال كلتا القضيتين عتق رقبة واحدة - وبين ان يقول ان ظاهرت فاعتق رقبة وان أفطرت فاعتق رقبة ؟ وتقول في هذا الفرض بلزوم عتق رقبتين، لان الاصل عدم تداخل الاسباب. قلت: الفرق بين الصورتين هو انه في الصورة الاولى - أي: فيما لا يكون طلب وجود طبيعة مسبوقا بوجود السبب - يكون الحكمان على موضوع واحد، والحكم هو طلب صرف الوجود الذى لا تكرار فيه، فلا بد وان يكون الثاني تأكيدا للاول. وأما في الصورة الثانية - أي: ما يكون الطلب مسبوقا بذكر السبب - يكون الحكم على موضوعين، فيكون لكل موضوع حكمه، وان كان هو طلب صرف وجود الطبيعة ولكن طلب صرف وجود الطبيعة لموضوع غير طلب صرف وجود الطبيعة لموضوع آخر. فقهرا يتقيد المطلوب في الطلب الثاني بقيد - مثل آخر أو ثانيا وامثال ذلك - إذا كانت الطبيعة المطلوبة لها افراد، فقوله: ان ظاهرت فاعتق رقبة بعد قوله: ان افطرت فاعتق رقبة قهرا تتقيد الرقبة فيه باخرى مثلا، فيخرج المطلوب عن كونه صرف الوجود. وهذا فيما إذا كانت الاسباب المتعددة من اسناخ مختلفة في غاية الوضوح وأما إذا كانت من سنخ واحد، كما إذا افطر في يوم واحد متعددا بالاكل مثلا أو بالجماع أو بالارتماس فظاهر القضية الشرطية هو الانحلال وان كل وجود وفرد من افراد طبيعة
الشرط موضوع للحكم المنشأ في الجزاء. فظاهر قوله عليه السلام - ان جامعت اهلك في نهار رمضان فاعتق رقبة (1) أو قوله من جامع اهله في نهار رمضان فعليه عتق رقبة (2) هو ان كل فرد من افراد الجماع الواقع في نهار رمضان موضوع مستقل لوجوب عتق الرقبة فلا فرق في ان الاصل يقتضي عدم تداخل الاسباب بين أن تكون الاسباب من سنخ ونوع واحد أو من انواع مختلفة بعد ان عرفت ان القضية الشرطية ظاهرة في ان كل فرد من افراد ما اخذ شرطا أو سببا موضوع مستقل للحكم المذكور في الجزاء ولا يجوز قياسها بالحكم المكرر في القضية غير المسبوقة بالشرط والسبب، لما ذكرنا من ان القضية المتكفلة للحكم على موضوع ان لم تكن مسبوقة بشرط فان تكررت تلك القضية من دون اختلاف في جانب الموضوع ولا في جانب المحمول باخذ
قيد أو وصف في موضوع احديهما أو محمولها دون الاخرى فلا محالة تكون القضية الثانية تأكيدا للاولى، لان الوجود المطلق لطبيعة من دون تقيده باي قيد لا تكرر فيه يصدق باول وجود منها. واما إذا كانت القضية مسبوقة بشرط أو سبب، أو قيد موضوعها بقيد - لم يكن في موضوع القضية الاخرى - فظاهرة في ان كل واحد من الموضوعين له حكم مستقل وجزاء غير الجزاء الاخر الا ان لا يكون الجزاء قابلا للتكرار - كالقتل في قوله المرتد يقتل والزاني المحصن يقتل واللائط يقتل سواء - كانت تلك القضايا بصورة القضية الحملية أو كانت بصورة القضية الشرطية - أو الا ان يأتي دليل على كفاية الجزاء الواحد لجميع تلك الموضوعات أو تلك الشروط والاسباب مثل قوله ان بلت فتوضأ وان نمت فتوضأ.
(هامش)
1 - لم نجده في بحار الانوار ووسائل الشيعة ومستدرك الوسائل. 2 - مستدرك الوسائل ج 7، ص 326، باب 7، ح 8308، وص 327، ح 8309. (*)
فتلخص من جميع ما ذكرنا ان تعدد السبب والشرط - في القضايا الشرطية وان اتحد الجزاء سواء كانت تلك الاسباب والشروط من سنخ واحد أو من اسناخ متعددة - ظاهر في ان كل فرد من افراد السبب والشرط له تأثير مستقل في الجزاء إذا كان الجزاء قابلا للتكرار ولم يكن دليل على ان جزاء واحدا يكفي للجميع اي لم يكن دليل على تداخل المسببات. ويكون هذا الظهور قرينة على عدم ارادة صرف الوجود من الجزاء في القضيتين كي لا يكون قابلا للتكرار. ولا فرق في هذا الامر بين ان تكون القضيتان اللتان جزائهما واحد بصورة القضية الشرطية أو كانتا بصورة القضية الحملية مع تقييد موضوع احدى القضيتين بقيد أو وصف دون الاخرى أو كانت قضية واحدة حملية ولكن تكرر وجود افراد موضوعها، كما إذا قال من جامع أهله في نهار رمضان متعمدا من غير عذر فعليه عتق رقبة ثم تكرر منه الجماع في يوم واحد فظهر ان مقتضى الاصل اي الادلة اللفظية - عدم تداخل الاسباب. واما تداخل المسببات فايضا مقتضى الاصل اللفظي عدمه فيكون مقتضى الاصل تعدد المسبب بتعدد السبب وذلك من جهة انه بعد ما عرفت ان الاصل عدم تداخل الاسباب وان كل سبب يؤثر في مسبب مختص به غير المسبب عن السبب الآخر. وان شئت قلت ان الموضوع لكل واحد من الحكمين في الجزائين في القضيتين الشرطيتين غير ما هو الموضوع في الاخرى بواسطة تعدد السبب أو الشرط بل يتعدد الموضوع بواسطة القيد والوصف وان كانت القضية حملية فيكون تعدد السبب أو الشرط أو تعدد الموضوع بناء على هذا الاخير قرينة على عدم ارادة صرف الوجود في طرف الجزاء.
فإذا قال الامر ان ظاهرت فاعتق رقبة أو قال بصورة القضية الحملية يجب عتق رقبة على المظاهر ثم قال ان اكلت في نهار رمضان فاعتق رقبة أو قال بصورة القضية الحملية يجب عتق رقبة على الذي اكل في نهار رمضان من غير عذر. يكون الجزاء في القضية الثانية سواء كانت بصورة القضية الشرطية أو كانت بصورة القضية الحملية مقيدا باخرى أو بالثانية أو بامثالهما. مثلا يكون الجزاء في القضية الثانية هكذا ان اكلت في نهار رمضان من غير عذر فأعتق رقبة ثانية أو اخرى ان قلت: ان المترتب على الشرط في القضية الشرطية هو الحكم المتعلق بفعل المكلف لا نفس الفعل فالمترتب على الظهار أو الاكل هو وجوب العتق لا نفس العتق الذي هو متعلق الوجوب والوجوب المتعلق بالعتق ليس قابلا للتكرار وان كان قابلا للتأكيد. فغاية ما يمكن ان يكون هو تأكد وجوب العتق عند تعدد الاسباب واما تعدد العتق فلا فيرجع إلى ان تعدد الاسباب يوجب تأكد وجوب عتق رقبة واحدة وهذا غير ما هو مقصودهم من عدم تداخل المسببات. لان مقصودهم من هذا الكلام هو تعدد المسبب بمقدار تعدد السبب قلنا: ان تعدد الحكم اما بتعدد موضوعه وان كان المتعلق واحدا مثل يا زيد يجب عليك عتق رقبة ويا عمرو يجب عليك عتق رقبة واما بتعدد متعلقه وان كان موضوعه واحدا مثل يا زيد يجب عليك عتق رقبة، وأيضا يا زيد يجب عليك اطعام ستين مسكينا واما يكون بتعددهما كما فيما نحن فيه. فالموضوع في احدى القضيتين للمظاهر مثلا سواء كانت القضية بصورة الشرطية أو الحملية وفي الاخرى الاكل في نهار رمضان من غير عذر ايضا مع عدم الفرق في القضية بأي صورة كانت واما المتعلق في احداهما نفس عتق الرقبة مثلا من دون قيد
وفي الاخرى مقيدا بقيد الاخرى أو ثانية كما ذكرنا مفصلا. فلا يحتاج الجواب عن هذا الاشكال إلى ما تكلفه شيخنا الاستاذ بأن المعلق على الشرط هو محصل جملة الجزاء ومفاد مجموعها لا خصوص مفاد الهيئة اي الوجوب بل المترتب على الشرط طلب ايجاد مادة المتعلق (1). ففى المثال المذكور علق الآمر على الظهار أو على الاكل في نهار رمضان مطلوبية ايجاد العتق عن الخاطب بهذا الخطاب وذلك من جهة ان نفس الوجوب الذي هو مفاد الهيئة معنى حرفي ليس قابلا للتقييد ولا التعليق. وانت خبير بأن ما ذكره شيخنا الاستاذ (قده) لا يخلو عن تأمل فظهر مما ذكرنا ان مقتضى القاعدة اي الدليل اللفظي فيما إذا تعدد السبب - إذا كانت الاسباب المتعددة من اسناخ مختلفة أو تكرر وجوده إذا كانت من سنخ واحد - تعدد المسبب وجودا لا صرف تأكد وجوبه مع وحدته خارجا وهذا فيما إذا كان المسبب قابلا للتعدد والتكرر وهذا الذي قلنا من اصالة عدم تداخل الاسباب والمسببات لا ينافي اتيان دليل خارجي على التداخل فيهما أو في احدهما فيكون اصلا ثانويا وذلك كما في باب الوضوء لو اجتمعت اسباب متعددة من البول والغائط والنوم والريح يكفي وضوء واحد. وكذلك في الغسل بناء على ما ذكروه من كفاية الغسل الواحد مطلقا عن الاسباب المتعددة أو فيما إذا نوى الجميع بدلك الغسل الواحد أو فيما إذا كان ذلك الغسل بقصد غسل الجنابة بناء على الاقوال المتعددة المختلفة في هذه المسألة. ولكن كل ذلك لقيام الدليل على الاكتفاء بالواحد على خلاف الاصل الاولي في
(هامش)
: 1 - فوائد الاصول ج 1، ص 495 (*).
باب تداخل الاسباب والمسببات. ثم انه قد يكتفي بايجاد المسبب الواحد من جهة كونه مصداقا لعنوانين بينهما عموم من وجه مثلا لو نذر ان يطعم عالما وايضا نذر ان يطعم هاشميا فلو اطعم عالما هاشميا وفي بنذريه من جهة كونه مصداقا لكلا العنوانين. ان قلت ان امتثال الحكمين اي: الواجبين منوط بشمول كلا الدليلين لمورد الاجتماع ومورده في المثال المفروض حيث ان التركيب بين العنوانين فيه اتحادي لا يمكن ان يشمله العمومان أو الاطلاقان وان كانا بدليين، لامتناع اجتماع المثلين في واحد مثل الضدين فلا بد من سقوط كلا الوجوبين أو احدهما في مورد اجتماع العنوانين واتحادهما. قلنا ان الفرق بين الضدين والمثلين هو ان الحكمين الضدين لا يمكن اتحادهما وصيرورتهما حكما واحدا مؤكدا بخلاف المثلين فانهما بعد اجتماعهما سواء أكانا وجوبين أو حرمتين أو استحبابين يتحدان ويصيران حكما واحدا مؤكدا فامتثالهما جميعا باتيان مادة الاجتماع. ثم ان ما حكي عن العلامة (قده) من المقدمات الثلاث دليلا وبرهانا على ان الاصل عدم تداخل الاسباب ولا المسببات يرجع إلى ما ذكرنا بل عينه غاية الامر الفرق هو الاجمال والتفصيل. والمقدمات الثلاث هذه: الاولى: ان ظاهر القضية الشرطية وتعدد الاسباب هو كون كل شرط وسبب مؤثر مستقل في الجزاء لا أنه جزء سبب حتى يكون المجموع عند اجتماعهما سببا واحدا وهذه المقدمة هي الركن الركين في مسألة عدم تداخل الاسباب والمسببات. الثانية: ان ظاهر كل شرط ان يكون اثره غير اثر الشرط الاخر لا ان يكون
شيئا واحدا اثر الاثنين. الثالثة: هو ان التعدد والغيرية في الاثرين للشرطين يكون بنحو انفصال كل واحد من الاثرين عن الآخر لا الاندكاك كي يكون بنحو التأكد والاشتداد مثل آثار المصابيح المتعددة في الغرفة لانها وان كان كل واحد منها سبب مستقل لمرتبة من الضياء لا انه جزء سبب لتلك المرتبة وايضا اثر كل واحد من تلك المصابيح غير اثر الآخر لكن مجموع آثارها وجد بنحو ضياء واحد مؤكد شديد بمعنى: ان حدود تلك المراتب اندكت وذهبت من البين بعد اجتماعهما وحصلت مرتبة اكمل واشد. وهذا في الكم المنفصل كالاعداد تصويره اوضح، فلو ان اشخاصا متعددة كل واحد منهم اتى مثلا بعدد من التفاح أو الرمان فبعد اجتماع تلك المراتب تسقط الحدود ويحصل حد مرتبة أزيد من العدد وهكذا في الكم المتصل بل في كل ما يقبل الزيادة والنقيصة والشدة والضعف، وان شئت قلت في كل ما يقبل الكمال والنقص. واثبات هذه المقدمات بالاستظهار من الادلة اللفظية في كمال الوضوح وترتب اصالة عدم تداخل الاسباب والمسببات عليها اوضح كما بينا وشرحناه مفصلا. نعم استشكل على ترتب اصالة عدم التداخل على هذه المقدمات فخر المحققين (قده) (1) بأن ما ذكر صحيح في العلل والاسباب التكوينية واما الاسباب و الشرائط الشرعية فليست من هذا القبيل بل هي امارات ومعرفات وتبعه جمع ممن تأخر عنه. وخلاصة كلامهم ان ما هو الموثر - في وجوب الكفارة مثلا أو الوضوء أو الغسل والسبب الحقيقي لهذه الامور أو سائر المسببات الشرعية - ليست هذه الاسباب المذكورة في لسان الادلة أو هذه الشرائط المذكورة في أدلة المسببات.
(هامش)
: 1 - حكى الشيخ الاعظم نسبته الى فخر المحققين واحتمل تبعية النراقي له في العوائد. راجع: مطالع الانظار ص 175. (*).
فليست الاستطاعة مثلا لها تأثير حقيقي في وجوب الحج وكذلك البول أو النوم وغيرهما من اسباب الوضوء ليس لها تأثير حقيقي في وجوب الوضوء وكذلك بالنسبة إلى أسباب الغسل والكفارة وغيرهما بل المذكورات كواشف عن السبب الحقيقي وتعدد المسبب انما يكون بتعدد السبب الحقيقي وما هو المؤثر تكوينا وإلا فتعدد الكواشف لا يوجب تعدد المنكشف وما هو العلة حقيقة. وقد تقدم الجواب عن هذا الكلام وان الاسباب والشرائط للاحكام الشرعية ليست ألا قيودا لموضوعات تلك الاحكام وان كانت بصورة القضية الشرطية فمعنى ان استطعت فحج اي يجب الحج على المستطيع وكذلك قوله ان بلت، فتوضأ أي يجب الوضوء على من بال أو نام وكذلك قوله ان قتلت مؤمنا خطأ فكفر بكذا اي تجب الكفارة على من قتل مؤمنا خظأ. فتعدد الاسباب الشرعية في لسان الادلة مرجعه إلى تعدد الموضوع ومعلوم ان نسبة الحكم إلى موضوعه نسبة العلة إلى معلوله فإذا تعدد الموضوع فلكل موضوع حكمه وقهرا يتعدد الحكم بتعدد موضوعه فلا ربط لمسألة اصالة عدم التداخل بأنها اي الاسباب الشرعية معرفات أو مؤثرات حقيقية لانها ليست إلا قيودا للموضوعات لا معرفات ولا مؤثرات في الاحكام الشرعية. فلا يبتني هذا البحث على ما ذكره فخر المحققين وتبعه على ذلك محقق الخونسارى (1) والفاضلان صاحب اللوامع وصاحب المستند النراقيان (2) (قدهم) وقد ظهر من مجموع ما ذكرنا ثبوت ان مقتضى الاصل الاولي أي الظهور اللفظي فيما إذا تعدد السبب سواء كانت الجملة بصورة الجملة الشرطية كما إذا قال ان بلت فتوضأ وان نمت فتوضأ أو كانت بصورة القضية الحملية كما إذا قال يجب الوضوء
(هامش)
: 1 - مشارق الشموس ص 61 - 69. 2 - انظر المستدرك ج 2، ص 371، وص 367. (*).
على من بال وكذا يجب على من نام - هو تعدد المسبب وعدم التداخل لا في جانب الاسباب ولا في جانب المسببات. نعم ورد الدليل في باب الوضوء (1) وكذا في باب بعض الكفارات من كفارة افطار شهر رمضان (2) على عدم تعد المسبب تعدد السبب وكفاية وضوء واحد أو كفارة واحدة وان تعددت اسبابهما فلا بد من رفع اليد عن ظهور القضية اللفظية شرطية كانت ام حملية في تعدد المسبب بتعدد اسبابه والقول بأن المسبب هو صرف الوجود من طبيعة المسبب فليس قابلا للتكرار ولا للتأكيد فيكون خارجا عن موضوع البحث. لان البحث في هذا الاصل - كما تقدم - كان فيما إذا كان المسبب قابلا للتكرار ولو بواسطة الاضافة إلى سببه كما قلنا في باب الخيارات فانها قابلة للاسقاط باعتبار الاضافة إلى اسبابها أو للتأكد فإذا لم يكن قابلا لهما فلا مورد لهذا الاصل اللفظي لان الاثبات فرع امكان الثبوت وإلا يكون البحث فيه باطلا. ولكن هذا الوجه لا يأتي في باب الوضوء لان الوضوء قابل للتأكد يقينا لقوله (ع): الوضوء على الوضوء نور على نور (3) خصوصا إذا كان اسما لذلك الامر المعنوي أي الطهارة الحاصلة للنفس بواسطة تلك الافعال أي الغسلتان والمسحتان الصادرتان عن قصد القربة والاخلاص له تعالى. ويمكن توجيه كفاية وضوء واحد عن اسباب متعددة والنواقض المختلفة بوجه آخر وهو ان سبب الوضوء في الحقيقة امر واحد غير قابل للتعدد ولا للتأكد وهو الحالة النفسانية ويمكن ان يعبر عنها بالقذارة النفسانية مقابل الطهارة النفسانية.
(هامش)
: 1 - وسائل الشيعة ج 1، ص 263، ابواب الوضوء، باب 7. 2 - وسائل الشيعة ج 7، ص 27، ابواب ما يمسك عنه الصائم، باب 11. 3 - الفقيه ج 1، ص 41، ح 82، باب صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وسائل الشيعة ج 1، ص 265، ابواب الوضوء، باب 8، ح 8. (*).
وهذه النواقض محصلات لتلك الحالة، وحيث ان تلك الحالة ليست قابلة للتعدد ولا للتأكد فهذه النواقض لو وجدت مترتبة وواحد بعد الاخر وفي طوله فباول وجود منها تحصل تلك الحالة فيكون حصولها بعد وجودها بأول ناقض من تلك النواقض من قبيل تحصيل ما هو حاصل الذي هو محال فقهرا وجود سائر النواقض بعد وجود الاول منها يكون بلا اثر ولغوا من هذه الجهة. ولكن هذا منوط بأن لا تكون تلك الحالة اي القذارة النفسية قابلة للتأكد وإلا فبالثاني والثالث وهكذا تشتد وان شئت مثل هذا بأن الطهارة المعنوية والنورانية النفسانية التى هي اما مسببة عن الوضوء أو تكون عبارة عن نفس الغسلتين والمسحتين بمنزلة النور المتولد عن سراج واحد أو عن اسرجة متعددة والنواقض بمنزلة هبوب ريح يطفأ ذلك السراج أو تلك الاسرجة فإذا انطفى ذلك السراج أو تلك الاسرجة بهبوب اول ريح فلا يبقى مجال لتأثير سائر الهبوبات بعد هبوب الاول وهذا المعنى مناسب مع اطلاق النواقض عليها فخذ واغتنم هذا في باب الوضوء. واما في باب الكفارات فبالنسبة إلى كفارة افطار شهر رمضان لمن ليس له عذر فالمشهور قالوا بوجوب كفارة واحدة في غير الجماع وان تعدد وجود المفطر وان كانا من سنخين كالاكل والشرب مع ان الكفارة التى هي المسبب قابلة للتكرر. فيمكن ان يقال ان السبب للكفارة هو الافطار في نهار رمضان الصادر عن الصائم وهذا المعنى يصدق على اول وجود من المفطر وبصدوره من المتعمد إلى الافطار يبطل الصوم وينعدم فالوجود الثاني من الفطر - سواء أكان من سنخ الاول كالاكل بعد الاكل أو الشرب بعد الشرب أو كان من سنخ آخر كالاكل بعد الشرب أو الشرب بعد الاكل - لا يصدق عليه انه افطر صومه لانه بافطاره الاول ابطل صومه وليس بصائم بعد ذلك ومن الواضح المعلوم ان موضوع الكفارة هو افطار الصوم لا مطلق الاكل والشرب مثلا في نهار رمضان وان لم يكن صائما
ففي الحقيقة هاهنا سبب واحد للكفارة وهو اول وجود من المفطرات فليس من قبيل تداخل الاسباب أو المسببات. وعلى كل حال هذا اصل اولي ومقتضى اصالة عدم تداخل الاسباب هو تعدد المسبب ما لم يأت دليل على خلافه. واما اتيان دليل على التداخل فلا ينافي هذه القاعدة لان هذه القاعدة مفاد ظاهر القضية اللفطية فإذا جاء الدليل على خلافه لا يبقى مجال للاخذ بذلك الظهور أو كان المسبب غير قابل للتكرار ولا للتأكد أو كان المسبب المأتي به مصداقا لعنوانين وامتثالا لامرين كما قلنا فيما لو نذر اطعام عالم ونذر ايضا اطعام هاشمي فأطعم عالما هاشميا فقد اوفى بكلا نذريه وامتثل الامرين جميعا. ثم انهم بمناسبة البحث عن اصالة عدم تداخل الاسباب في باب الاغسال تكلموا في مسألة تعدد حقائق الاغسال واتحادها فذهب المشهور إلى انها حقائق مختلفة وبعض اخر إلى انه حقيقة واحدة وهو المحكي عن الاردبيلي وتلامذته (1) (قدهم). ومعنى كونها حقيقة واحدة تارة باعتبار انفسها واخرى باعتبار اتحاد اسبابها وثالثة باعتبار آثارها. أما الاول فلا شك في ان الغسل عبارة عن غسل جميع البدن باجراء الماء عليه مع النية اي قصد القربة بهذا الفعل ولا فرق بين ان يكون اجراء الماء على جميع البدن غسلا ارتماسيا أو ترتيبيا. والعمدة انه هل قصد العنوان لازم في هذه الاغسال وبه يتحقق وبدونه لا يوجد، مثلا غسل الجنابة أو الجمعة أو مس الميت لا يتحق بدون قصد هذه العناوين وان كان بعنوانه الاجمالي مثل ما في الذمة مما يشير إلى ذلك العنوان فيكون حال الغسل
(هامش)
: 1 - مجمع الفائدة والبرهان ج 1، ص 130، مدارك الاحكام ج 1، ص 98، و 194. (*). ص 235
حال الصلوات الرباعية مثلا حيث لا يتحقق إلا بقصد عناوينها من الظهر والعصر والعشاء ولو اجمالا وبعنوان ما في الذمة فان كان الامر كذلك فلا بد وان نقول باختلاف حقيقتها، إذ قصد العنوان يكون بمنزلة الفصل المنوع لها كما يكون كذلك في باب الصلوات واما الثاني اي وحدتها باعتبار اسبابها اي تداخل اسبابها في عالم التأثير اي يكون اثر كل واحد من تلك الاسباب قذارة معنوية يعبر عنها بالحدث الاكبر. ولا فرق في تلك القذارة المعنوية بين ان يكون حصولها من الجنابة أو من الحيض أو من مس الميت أو من غير ذلك كما قلنا في الوضوء ان موجباتها توجب حدوث ظلمة في النفس ترتفع بواسطة الوضوء ولا شك في ان مقتضى القاعدة اختلافها من هذه الجهة ايضا وإلا يلزم تأثير المتعدد في الواحد. ولكن يمكن ان يقال ان هذا يلزم لو لم تكن تلك القذارة المعنوية قابلة للتأكد وألا فكل واحد من تلك الاسباب يؤثر في مرتبة من تلك القذارة فتشتد ولا يلزم هذا المحذور ولكن الذي يلزم هو أنه في بعض موجبات الغسل لا يمكن الالتزام بمثل هذا الاثر كغسل الجمعة فان موجبه يوم الجمعة وهو لا يوجب قذارة معنوية قطعا بل جميع الاغسال الزمانية ذلك الزمان الذي يوجبها لا يمكن ان يكون موجبا لوجود ظلمة أو قذارة معنوية في النفس كغسل ليالي شهر رمضان خصوصا ليلة القدر. فالقول باتحاد حقيقة الاغسال من هذه الجهة مما لا يمكن الالتزام به. واما الثالث اي اتحادها باعتبار اثارها بأن يقال اثر جميعها واحد وهو وجود نورانية نفسانية كما قلنا في الوضوء مستدلا بقوله (ع) الوضوء نور والوضوء على الوضوء نور على نور . وفيه ان وحدة الاثر تكشف عن وحدة المؤثر فيما إذا لم يكن ذلك الاثر قابلا للاشتداد واما إذا كان فيمكن ان يكون كل مرتبة من مراتب ذلك الاثر مستندا إلى
غسل من تلك الاغسال فعند اجتماع الاغسال المتعددة مرتبة من تلك النورانية تكون مستندة إلى غسل الجنابة واخرى إلى غسل الجمعة وهكذا فلا يمكن استكشاف كون الاغسال حقيقة واحدة من وحدة الاثر بهذا المعنى. فالانصاف ان الحكم باتحاد الاغسال من حيث حقائقها وكون الاختلاف من ناحية اضافتها إلى موجباتها - كقولك غسل الجنابة وغسل الجمعة وغسل مس الميت وغسل ليلة القدر وهكذا - مما لا دليل عليه بل ظاهر قوله (ع): إذا اجتمعت لله عليك حقوق اجزئها عنك غسل واحد (1) - تعدد الحقوق غاية الامر ان الرواية تدل على كفاية الامتثال للجميع باتيان غسل واحد ولا ينافي الاكتفاء بواحد مع تعدد حقوق المجتمعة واختلاف حقائقها كما هو صريح رواية حريز. وخلاصة الكلام في المقام ان ظاهر تعدد الاسباب - والموجبات للغسل كالجنابة والحيض والاستحاضة في بعض اقسامها ومس الميت ونفس الميت اي كون موت المسلم موجبا للغسل وغسل الاحرام والجمعة والزيارة والاغسال الزمانية على كثرتها ورؤية المصلوب إلى غيرها من الاسباب المذكورة في الكتب الفقهية - هو تعدد الغسل وانها حقائق مختلفة ومن آثارها عدم اجزاء واحد منها عن الباقي سواء نوى بذلك الواحد سائر الاغسال أو لم ينو وسواء كان ذلك الواحد الذي يأتي به غسل الجنابة أو غيرها. ولكن وردت روايات متعددة تدل على ان اتيان واحد منها يكون مجزيا عن الباقي إذا كان ما في ذمته متعددا خصوصا إذا كان باتيان ذلك الواحد ينوي جميع ما في ذمته، وخصوصا إذا كان ما يأتي به بعنوان غسل الجنابة وينوي الباقي في ضمنه وتبعا له.
(هامش)
: الكافي ج 3، ص 41، باب ما يجزئ الغسل منه إذا اجتمع، ح 1، تهذيب الاحكام ج 1، ص 107، ح 270، باب الاغسال المفترضات والمسنونات، ح 11، وسائل الشيعة ج 1، ص 525، ابواب الجنابة، باب 43، ح 1. (*).
ومنها ما ذكرنا من رواية حريز عن زرارة عن احدهما عليهما السلام المروي في الكافي والتهذيب قال (ع) إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر اجزأك غسلك ذلك للجنابة والجمعة وعرفة والنحر والحلق والذبح والزيارة فإذا اجتمعت عليك حقوق الله اجزئها عنك غسل واحد ثم قال وكذلك المرأة يجزيها غسل واحد لجنابتها واحرامها وجمعتها وغسلها من حيضها وعيدها (1). وايضا عن الكافي باسناده عن جميل بن دراج عن بعض اصحابنا عن احدهما انه (ع) قال: إذا اغتسل الجنب بعد طلوع الفجر اجزء عنه ذلك الغسل من كل غسل يلزمه في ذلك اليوم (2) وايضا في الكافي والتهذيب باسنادهما عن عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (ع) قال: سألته عن المرأة تحيض وهي جنب هل عليها غسل الجنابة ؟ قال: غسل الجنابة والحيض واحد (3). وروايات كثيرة مثل ما ذكرنا واردة في هذا الباب. الجهة الثالثة في بيان موارد تطبيق هذه القاعدة فنقول: موارد تطبيقها في الفقه كثيرة: فمنها: مسألة تداخل الاغسال وكذلك الوضوءات ولكن لا أثر لهذه القاعدة فيما
(هامش)
: 1 - هي نفس الرواية المتقدمة في ص 236. 2 - الكافي ج 3، ص 41، باب ما يجزئ الغسل منه إذا اجتمع، ح 2، وسائل الشيعة ج 1، ص 526، ابواب الجنابة، باب 43، ح 2. 3 - الكافي ج 3، ص 83، باب المرأة ترى الدم وهي جنب، ح 2، تهذيب الاحكام ج 1، ص 395، ح 1223، باب الحيض والاستحاضة والنفاس، ح 46، وسائل الشيعة ج 1، ص 527، ابواب الجنابة، باب 43، ح 9. (*).
ورد الدليل على التداخل كما في هذين البابين. ومنها: لو تعددت اسباب النزح في باب البئر بأن وقعت فيها نجاسات عديدة هل تتداخل ويكفي للجميع نزح واحد غاية الامر بالاكثر منها أم لا تتداخل ؟ بل يجب لكل واحد من النجاسات النزح الخاص به فيتعدد النزح بتعدد النجاسات الواقعة فيها فينزح المقدر لكل واحد منها. ومنها: لو تعدد ورود النجاسات الخبثية على محل فهل تتداخل أم يجب الغسلات المتعددة لكل واحد منها الغسل المختص بها مثلا لو لاقى بدنه أو ثوبه الدم والبول فبناء على التداخل يغسل مرتين أي يأخذ بالاكثر منهما تقديرا وهو البول بناء على وجوب التعدد فيه وبناء على عدم التداخل يجب غسله ثلاث مرات مرة للدم ومرتين للبول. ومنها: لو تعدد نذره بالنسبة إلى فعل من الافعال وذلك كما نذر مرتين ان يصوم يوما أو نذر مرتين ان يزور الحسين (ع) فبناء على التداخل يكفي صوم يوم واحد وزيارة واحدة وبناء على عدم التداخل يجب ان يصوم يومين ويزوره (ع) مرتين. ومنها: لو تعدد موجبات الكفارة في نهار شهر رمضان لمن يجب عليه الصوم كما إذا اكل أو شرب مرارا أو اكل وجامع وارتمس فبناء على اصالة عدم التداخل تكون عليه كفارات متعددة بعدد اسبابها وبناء على التداخل ليس عليه إلا كفارة واحدة وهكذا الامر بالنسبة إلى كفارات الحج وكفارات الاحرام تعدد الكفارة بتعدد اسبابها لو قلنا بأصالة عدم التداخل وتكفى كفارة واحدة لو قلنا بالتداخل. ومنها: تعدد الاسباب في باب الحدود بالنسبة إلى الجلد فلو قذف متعددا أو زنى غير محصن متعددا فبناء على عدم التداخل يجلد مرات بعدد اسباب الجلد ثمانين أو مائة وان قلنا بالتداخل لا يجلد إلا مرة واحدة. وخلاصة الكلام ان هذا الاصل كثير الدوران في الفقه وله موارد كثيرة
واستيفاء تمامها موجب للتطويل ولذلك نكتفي بما ذكرنا ونحيل الباقي على الكتب الفقهية المفصلة ونختم الكلام في هذه القاعدة بذكر امور لا غناء عن ذكرها. الاول: في انه هل هذه القاعدة من القواعد الفقهية أم من القواعد الاصولية ؟ ام من القواعد العقلية الكلامية ؟ ولا ربط لها بالفقه ولا بالاصول اصلا. اقول: التحقيق ان الجهات الثلاث موجودة فيها. اما جهة كونها قاعدة اصولية فمن جهة ان البحث فيها لو كان ناظرا إلى ان القضية الشرطية لو كان فيها الشرط متعددا والجزاء متحدا هل لها ظهور في تعدد الجزاء بتعدد الشرط ام لا ؟ فيكون البحث فيها من هذه الجهة كالبحث فيها من حيث دلالتها على انتفاء الجزاء بانتفاء الشرط اي يكون حال البحث فيها من هذه الجهة حال البحث فيها من حيث انها هل لها مفهوم ام لا ؟ فتكون بناء على هذا مسألة اصولية. واما كونها عقلية وكلامية فمن جهة ان البحث فيها لو كان من حيث ان الاسباب والشروط المتعددة هل يمكن ان تؤثر في واحد بمعنى ان المسبب الواحد اثرا ومعلولا لاسباب وعلل متعددة أو لا يمكن لان تأثير العلل المتعددة بما هي متعددة في الواحد بما هو واحد غير معقول. وبعبارة اخرى كما ان صدور المتعدد بما هو متعدد عن الواحد بما هو واحد محال كذلك صدور الواحد بما هو واحد عن المتعدد بما هو متعدد محال إلا ان يكون المجموع علة واحدة مركبة من اجزاء وهو خلاف الفرض فيما نحن فيه. وأما كونها فقهية فباعتبار ان البحث فيها عن انه هل مقتضى القاعدة الاولية هو وجوب ايجاد المسببات المتعددة عند وجود اسباب متعددة أو كفاية الاتيان
بواحد منها وعلى هذا الاخير ذكرناها في القواعد الفقهية. وخلاصة الكلام ان جهة بحثنا عن هذه القاعدة هو ان الموارد التي ذكر الشارع اسباب متعددة لحكم من الاحكام وقد ذكرنا جملة كثيرة منها هل يجب في تلك الموارد ايجاد مسببات متعددة بعدد الاسباب ام لا يجب الا ايجاد واحد منها ؟ كما انهم يذكرون في باب الغسل انه إذا تعددت الاسباب سواء أكانت من سنخ واحد - كما إذا جامع مرارا، أو من اسناخ متعددة كما إذا جامع واحتلم ونظر إلى المصلوب هل يكون عليه غسل واحد ام لا بل عليه اغسال متعددة بعدد الاسباب التي وجدت. وهكذا بحثهم في باب الكفارات وفي باب الحدود لو تعدد وجود اسباب الكفارة أو تعددت اسباب الحد يبحثون في انه هل عليه كفارة واحدة وكذلك هل عليه جلد واحد أو عليه كفارات وجلدات متعددة بعدد أسبابهما. الثاني: في انه هل هذا البحث - في ان مقتضى القواعد الاولية هو أصالة عدم التداخل وان تعدد السبب يوجب تعدد المسبب ام لا - مختص بما إذا وجد السبب الثاني والثالث وهكذا قبل الاتيان بالمسبب عقيب السبب الاول ام لا بل يأتي هذا البحث ولو أتى بالمسبب عقيب السبب الاول ثم وجد السبب الثاني وهكذا في الثالث والرابع وما زاد مثلا لو شرب في نهار شهر رمضان متعمدا مع انه صائم وكفر مثلا باطعام ستين مسكينا أو تحرير رقبة ثم اكل فكفر ثم جامع وهكذا فيأتي هذا البحث اي بحث تداخل الاسباب أو لا ؟. الظاهر انه لا يجري البحث في هذه الصورة وذلك من جهة ان المسبب الموجود قبل وجود هذا السبب المتأخر لا يمكن ان يكون من آثاره بل لا بد وان يكون من آثار السبب الذى وجد قبله وإلا يلزم تقدم المعلول على علته أو بناء على ما حققناه من ان هذه الاسباب والشروط يرجع إلى قيود الموضوع - يلزم تقدم الحكم على الموضوع وهو ايضا محال كالاول.
واما ما حكي عن بعض من اتيان هذا البحث في مسألة وطئ الحائض من انه لو وطئ الحائض وكفر ثم وطئ ثانيا بعد ان كفر عن الوطئ الاول يأتي هذا البحث بمعنى انه بناء على تداخل الاسبات لا تجب الكفارة للوطئ الثاني وبناء على عدم التداخل تجب كفارة اخرى للوطئ الثاني. فلا يبعد ان يكون مراد القائل هو ان سبب الكفارة في وطي الحائض هو صرف الوجود من طبيعة الوطئ في حال الحيض ولا شك في ان صرف الوجود من تلك الطبيعة يتحقق بأول وجود منها ولا يصدق بعد الوجود الاول على الوجود الثاني لان معنى صرف الوجود لطبيعة هو وجودها المطلق عاريا عن كل قيد وهو الذي ربما يعبر عنه بعادم العدم وهو نقيض العدم المطلق اي العدم غير المقيد بقيد ولا شك في ان العدم المطلق اي العدم المحمولي لشئ ليس قابلا للتعدد فنقيضه اي الوجود المطلق اي صرف الوجود ليس قابلا للتعدد وإلا يلزم ارتفاع النقيضين. فإذا كان الامر كذلك فبالوطئ الاول يتحقق صرف وجود طبيعة الوطئ والمفروض انه موضوع وجوب الكفارة وسائر افراد هذه الطبيعة لا توجب الكفارة فلو كفر بعد الوطئ الاول لا يجب عليه الكفارة ولو صدر منه الوطئ الف مرة وبناء على ما ذكرنا لو وطئ في حال الحيض ولم يكفر ثم وطئ ثانيا وثالثا وهكذا لا يجب عليه إلا كفارة واحدة للوطئ الاول الذي هو مصداق صرف الوجود دون سائر الافراد. فهذه المسألة اجنبية عن مسألة اصالة عدم تداخل الاسباب وعلى هذا الاساس قلنا لو نذر شخص ان لا يشرب الشاي ويكون متعلق نذره هو ترك صرف الوجود من طبيعة شرب الشاي لا ترك جميع وجودات هذه الطبيعة فلو شرب مرارا يحصل الحنث بأول وجود من هذه الطبيعة وتجب عليه كفارة حنث النذر ولا تجب كفارات اخر بايجاد سائر افراد تلك الطبيعة إذ لا يحصل بتلك
الايجادات حنث ولا يصدق عليها صرف الوجود الذي تركه متعلق نذره. وايضا على هذا الاساس قلنا ان النواهي على قسمين: احدهما: ان يكون متعلق النهي هي الطبيعة السارية فيكون النهي انحلاليا ينحل إلى قضايا متعددة حسب تعدد الافراد ولكل قضية من تلك القضايا اطاعة مستقلة وعصيان مستقل مثل لا تشرب الخمر واغلب النواهي بل جميعها - إلا ما شذ وندر - من هذا القبيل. ولا فرق في كون اغلب النواهي انحلاليا بين ان يكون لمتعلقاتها التي هي افعال المكلفين مساس وتعلق بالموضوع الخارجي مثل لا تشرب الخمر ولا تغتب المؤمن وبين ان لا يكون لها ذلك مثل لا تكذب. ثانيهما: ان يكون متعلقه صرف الوجود كقوله لا تشرب ماء الدجلة بناء على ان يكون الاثر المبغوض لصرف وجوده وهذا الذي ذكرنا من كون موضوع وجوب الكفارة في وطئ الحائض صرف الوجود من طبيعة وطئها انما هو كان في مقام امكان ان يكون كذلك في عالم الثبوت فلا ينافي في مقام الاثبات استظهار ان الموضوع للكفارة هي الطبيعة السارية لوطئ الحائض. فما رواه في الاستبصار باسناده عن أبى بصير عن ابي عبد الله (ع) قال من أتى حائضا فعليه نصف دينار يتصدق به (1) فانه ظاهر في الانحلال وان وجود طبيعة وطئ الحائض - اي وجود كان - سواء كان الاول أو غيره - سبب لوجوب الكفارة وما في فقه مولانا الرضا عليه السلام أوضح وأصرح في ان الطبيعة في ضمن اي وجود منها كانت تكون سببا للكفارة وهو قوله (ع): ومتى جامعتها وهي حائض فعليك
(هامش)
: 1 - تهذيب الاحكام ج 1، ص 163، ح 467، باب حكم الحيض والاستحاضة والنفاس، ح 40، الاستبصار ج 1، ص 133، ح 456، باب ما يجب على وطي امرأة حائضا، ح 2، وسائل الشيعة ج 2، ص 575، ابواب الحيض، باب 28، ح 4. (*).
ان تتصدق بدينار (1). الثالث: هو ان الكلام والبحث فيما إذا كان المسبب واحدا بالنوع وكان من الممكن تعدد وجوده بحسب الخصوصيات الفردية واما إذا كان المسبب عند وجود كل سبب من الاسباب غير ما هو المسبب عند وجود السبب الآخر بالنوع مثلا قال: إذا بلت فتوضأ وايضا قال إذا جامعت فاغتسل فمن أوضح الواضحات خروج هذا القسم عن محل النزاع لا كلام في هذا كما انه لا كلام في دخول الصورة الاولى في محل النزاع. وانما الكلام في انه - اي المسبب - لو كان من الكميات المختلفة بحسب المراتب كما انه لو قال إذا جامعت الحائض في اول الحيض فعليك دينار وان كان في وسطه فنصف دينار وان كان في آخره فربع دينار فهل هذا ملحق بالمتحد نوعا الذي يمكن ان يتعدد ويكون له وجودات وافراد لذلك النوع الواحد كي يكون داخلا في محل النزاع أو يكون ملحقا بالمسبب المختلف نوعا كي يكون خارجا عن محل البحث ؟ لا يبعد ان يكون ما ذكر - أي: المسبب الواحد بالنوع ولكن المختلف بحسب الكمية كصوم يوم أو يومين أو اعطاء مد في الكفارة أو مدين أو صدقة دينار أو نصف دينار أو ربع دينار في الوطئ في أول الحيض وفي وسطه وفي آخره وأمثال ذلك واشباهه - ملحقا بالمختلف نوعا لان الملاك في الاثنين واحد وهو اختلاف الحكم والموضوع جميعا في كليهما. فكما ان في قوله ان بلت فتوضأ الموضوع هو المكلف الذي بال والحكم هو وجوب الوضوء، وفي قوله ان جامعت فاغتسل الموضوع هو المكلف الذي جامع والمحمول هو وجوب الغسل، فالقضيتان مختلفتان موضوعا ومحمولا فلا وجه للبحث عن التداخل وعدمه، لان واحدة من القضيتين اجنبية عن الاخرى موضوعا
(هامش)
: 1 - فقه الرضا (ع) ص 31، مستدرك الوسائل ج 2، ص 7 21 ابواب الحيض، باب 23، ح 1. (*).
ومحمولا، وهذا البحث مورده اتحاد المحمول في القضيتين وان كانتا بحسب الموضوع مختلفين. فكذلك ما نحن فيه ايضا القضيتان مختلفتان موضوعا ومحمولا لان الموضوع في احديهما مثلا الوطئ في اول الحيض والمحمول صدقة دينار والموضوع في الاخرى الوطئ في وسط الحيض أو في آخره والمحمول صدقة نصف دينار أو ربعه، مثل ما إذا كان المحمول مختلفا بالنوع. بل بناء على القول بأصالة الماهية - وان مراتب الكم والكيف انواع - يكون ما ذكر من مصاديق ما يكون المسبب مختلفا بالنوع حقيقة وان كان هذا المبنى فاسدا كما هو مذكور في محله. الرابع: بعد ما عرفت ان مقتضى القاعدة الاولية اصالة عدم التداخل فاعلم ان هذا ما لم يأت دليل على كفاية مسبب واحد عن الاسباب المتعددة واما إذا اتى - كما في باب الاغسال - ان الغسل الواحد يكفي عن الاسباب المتعددة فلو اجنبت ثم حاضت وانقطع حيضها يوم الجمعة وطهرت في ذلك اليوم ومست بدن الميت
فاجتمعت عليها اسباب متعددة يكفيها غسل واحد للجميع لما تقدم من رواية حريز وروايات كثيرة بهذا المضمون لا كلام في هذا. انما الكلام في انه هل صرف اتيان الغسل الواحد كاف عن الجميع أو في خصوص ما إذا نوى الجميع أو التفصيل بين ما إذا نوى خصوص غسل الجنابة يكفي عن الجميع، وأما إذا نوى غير الجنابة فلا يكفي وجوه واحتمالات. والمستفاد من اخبار الباب ان نية الجميع بالغسل الواحد يكفي عن الجميع. كما انه ايضا يستفاد مما رواه في الكافي - عن محمد بن يحيى باسناده عن جميل بن دراج عن بعض اصحابنا عن احدهما عليهما السلام انه (ع) قال إذا اغتسل الجنب بعد
طلوع الفجر اجزء عنه ذلك الغسل من كل غسل يلزمه في ذلك اليوم (1) ان نية غسل الجنابة تكفي عن كل غسل. واما لو لم ينو الجميع ولم ينو الجنابة ايضا لو لم تكن فيها الجنابة سواء نوى واحدا غير الجنابة - خصوصا إذا كان الغير هو غسل الحيض - أو لم ينو اصلا فالقول بكفاية مثل ذلك الغسل عن الجميع لا يخلو عن اشكال إذ الدليل على كفاية غسل واحد لا يرفع اعتبار النية. والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا
(هامش)
: 1 - تقدم تخريجه في ص 237، رقم (2). (*).