46 - قاعدة الصلح جائز بين المسلمين
قاعدة الصلح جائز بين المسلمين * ومن القواعد المشهورة الفقهية قاعدة الصلح جائز بين المسلمين أو الناس كما في بعض الروايات. وفيها جهات من البحث: (الجهة) الاولى في مدركها، وهو أمور الاول: الايات: فمنها: قوله تعالى: (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير) (1) ومنها: قوله تعالى: (فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم) (2) ومنها: قوله تعالى: (إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما) (3) ومنها: قوله تعالى: (انما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم) (4)
(هامش)
عناوين الاصول عنوان 41، مناط الاحكام ص 197. 1. النساء (4): 128. 2. أنفال (8): 1. 3. النساء (4) 35. 4. الحجرات (*)
ومنها: قوله تعالى: (فإن فائت فأصلحوا بينهما بالعدل) (1) ومنها: قوله تعالى: (أو إصلاح بين الناس) (2) وهذه الايات صريحة في إمضاء الشارع الاقدس الصلح المتعارف بين أهل العرف والعقلاء، وتدل على حسنه ومطلوبيته عنده، سواء كان إيقاعه بعقد الصلح، أو كان بعمل، أو قول ليس بعقد. وبعبارة أخرى: حقيقة الصلح عبارة عن التراضي والتسالم والموافقة على أمر، سواء كان ذلك الامر مالا من الاموال، عروضا كان ذلك المال أو كان من النقود على أقسامها، أو كان ذلك الامر الذي اتفقا فيه وتسالما وتراضيا عليه من الاعمال، أو كان غير ذلك، وسواء أنشأ ذلك التسالم بصيغة عقد الصلح أو بغير ذلك، وسواء كان مسبوقا بالخصومة أو ملحوقا بها أو كان متوقعا حصولها، ففي جميع هذه الموارد المذكورة يصدق إطلاق الصلح عليها إطلاقا حقيقيا، لا عنائيا مجازيا. وسنذكر إن شاء الله عدم دخالة هذه الامور في تحقق الصلح وإطلاقه من ناحية هذه القيود. إذا عرفت ما ذكرنا تعرف دلالة جميع الايات المذكور على صحة الصلح، وإمضاء الشارع الاقدس لما عليه بناء العقلاء في باب الصلح من اختصاصه بصنف دون صنف وقسم دون قسم. الثاني: من مداركها الروايات: منها: النبوي الذي رواه العامة والخاصة: الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا . (3)
(هامش)
1. الحجرات (49): 9. 2. النساء (4): 114. 3. الفقيه ج 3، ص 32، باب الصلح، ح 3267، وسائل الشيعة ج 13، ص 164، أبواب كتاب الصلح، باب 3، ح 2، عوالي اللئالي ج 2، ص 257، مستدرك الوسائل ج 13، ص 443، أبواب كتاب الصلح، باب 3، ح 2. (*)
ومنها: ما رواه حفص ابن البختري عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الصلح جائز بين الناس (1). إلى غير ذلك من الروايات الواردة في باب الصلح وهي كثيرة. وعقد في الوسائل بابا لفضله، بل وفي استحبابه، بل مفاد بعضها أنه أفضل من عامة الصلاة والصيام. وروى ذلك في الوسائل عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إصلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام (2). الثالث: من مدارك هذه القاعدة، هو الاجماع المحصل من جميع طوائف المسلمين، بل قيل: إنه لا خلاف بين أهل العلم في ذلك، ولم ينكر أحد من الفقهاء شرعيته بل حسنه واستحبابه. الرابع: العقل. ولا شك في استقلال العقل بحسنه، لان الاصلاح والموافقة والتراضي والتسالم على أمر من تمليك عين أو منفعة أو إسقاط حق أو ثبوته أو غير ذلك بين شخصين أو أزيد قد يكون بالعقد أو بغير العقد، مقابل الافساد والاختلاف والسخط والتخاصم، فكما أن العقل حاكم بقبح الامور الاخيرة، فكذلك حاكم بحسن المذكورات أولا التي تكون الصلح عين تلك الامور، فبقاعدة الملازمة يثبت مشروعيته ومطلوبيته وإن كانت استحبابية. الجهة الثانية في بيان مفادها وشرح حقيقتها أقول: إن الصلح - كما عرفه جماعة من الفقهاء - عقد شرع لقطع التجاذب والتنازع بين المتخاصمين. ولكن أنت عرفت وذكرنا أنه ليس من شرط تحقق الصلح
(هامش)
1. الكافي ج 5، ص 259، باب الصلح، ح 5، التهذيب ج 6، ص 208، ح 479، باب الصلح بين الناس، ح 10، وسائل الشيعة ج 13، ص 164، أبواب كتاب الصلح، باب 3، ح 1. 2. وسائل الشيعة ج 13، ص 164، أبواب كتاب الصلح، باب 1، ح 6، ثواب الاعمال ص 178، ح 1. (*)
سبق خصومة وتنازع في البين، بل ولا توقع وجودهما فيما بعد، وهكذا ليس منحصرا ومختصا بما أنشأ بالعقد. فهذا تعريف بالاخص للصلح لاختصاصه بما ينشأ بالعقد في مورد التخاصم والتنازع. ولكن يمكن أن يقال: إن جعل رفع التنازع وقطع التجاذب غاية لتشريعه، يكون من باب حكمة التشريع لا علته كى يكون شرعيته دائرا مدار وجود هذه العلة، فإذا لم يكن تنازع وتخاصم بين المتسالمين على أمر مالي أو غير مالي لا يصدق عليه الصلح، وذلك من جهة الفرق بين حكمة التشريع وعلته، ففي الاول لا يكون الحكم وما شرع وجوده دائرا مدار حكمة التشريع. وأما في الثاني - أي علة التشريع - يكون وجود الحكم دائرا مدار وجودها، فمثل استبراء الرحم حكمة لتشريع العدة، ولذلك لو كانت المرأة في سن من تحيض ولم يكن زوجها لامسها منذ زمان طويل لمرض أو سفر أو غير ذلك يجب عليها الاعتداد، مع أن الرحم لا يحتاج إلى الاستبراء، وهكذا بالنسبة إلى تشريع وجوب القصر والافطار في السفر، حيث أن في تشريعهما حكمة هي المشقة، وفي كثير من الاسفار لا مشقة، خصوصا في هذه الازمان والسفر مع الطيارة، ومع ذلك عند عدم وجود هذه الحكمة الحكم لا ينعدم. فليكن فيما نحن فيه أيضا كذلك، أي لا ينافي عدم وجود نزاع في البين ومع ذلك يكون الصلح موجودا، فيكون التنازع حكمة تشريع الصلح، لا علة تشريعه. ثم إن هاهنا أمورا يجب أن نذكرها (الامر) الاول: أن الصلح معاملة مستقلة، وليس من فروع البيع تارة، والاجارة أخرى، والعارية ثالثة وهكذا كما توهم، وجه التوهم: أن الصلح على عين متمول بعوض مالي يفيد فائدة البيع، لان البيع
تمليك عين متمول بعوض مالي، والصلح على العين المتمول بعوض مالي يكون عين ذلك الذي ذكرنا، غاية الامر بصيغة الصلح فهو بيع، والاختلاف في اللفظ فقط. وهكذا الصلح على منفعة معلومة بعوض معلوم يكون تمليك منعفة معلومة بعوض معلوم، وهذا عين الاجارة غاية الامر بلفظ الصلح. وإن كان تمليك المنفعة بلا عوض يكون عارية بلفظ الصلح، فليس الصلح عقدا برأسه ومعاملة مستقلة، بل في كل باب يكون من فروع ذلك الباب. هذا غاية ما توهموا. ولكن أنت خبير بأنه أولا: قد يوجد مورد للصلح حسب النصوص الواردة في باب الصلح لا ينطبق لا على البيع، ولا على الاجارة، ولا على العارية، ولا على الهبة كما روى: إذا كان رجلان لكل واحد منهما طعام عند صاحبه، ولا يدري كل واحد منهما كم له عند صاحبه فقال كل واحد منهما لصاحبه: لك ما عندك ولي ما عندي، فقال: لا بأس بذلك إذا تراضيا وطابت أنفسهما . (1) فهذا ليس ببيع، لان العوضين مجهولان من حيث المقدار، ولا هبة، لانه ليس إعطاء مجان بل لكل واحد منهما عوض، ولا عارية وليس بإجارة، لانه تمليك عين لا منفعة، ولا ينطبق على أي واحد من عناوين المعاملات، فلابد وأن يكون عقدا مستقلا، إذ لا يمكن أن يكون من فروع أي عقد آخر ومعاملة أخرى، هذا أولا. وثانيا: أن المنشأ في عقد الصلح عنوان التسالم والموافقة، وفي سائر العقود عناوين أخر. وصرف الاشتراك في الاثر لا يخرج الشيء عما وقع عليه، وحيث أن المنشاء فيه مختلف مع المنشاء في سائر العقود والمعاملات، فلا يصح إطلاق البيع أو الاجارة أو العارية أو الهبة عليه، فالقول بأنه في كل باب يعد من فروع ذلك الباب لا أساس له،
(هامش)
1. الكافي ج 5، ص 258، باب الصلح، ح 2، الفقيه ج 3، ص 33، باب الصلح، ح 3268، تهذيب الاحكام ج 6، ص 206، ص 470، باب الصلح بين الناس، ح 1، وسائل الشيعة ج 13، ص 165، أبواب كتاب الصلح، باب 5، ح 1. (*)
وإن نسب في الجواهر هذا القول إلى الشيخ رحمة الله عليه. (1) وثالثا: ثمرة هذا البحث تظهر في الاثار المترتبة على هذه العناوين، مثلا إذا قلنا بأن صلح الاعيان المتمولة بعوض مالي بيع يثبت فيه خيار المجلس، وإلا فلا بناء على اختصاص هذا الخيار بالبيع وعدم ثبوته في غيره من المعاملات. ولكن يرد عليه: أن الاحكام الشرعية تلحق العناوين التي جعلت موضوعات لها في ألسنة أدلتها، فإذا قال الشارع: البيعان بالخيار ما لم يفترقا، فهذا الحكم جعل موضوعه في لسان دليله عنوان البيعين، وعنوان البيعين غير عنوان المتصالحين والمتسالمين أو المتوافقين وأمثالها، فلا يترتب على هذا البحث هذه الثمرة. فإذا كان الغرض من القول بأن الصلح في كل باب من فروع ذلك الباب ترتيب هذه الثمرة فلا سبيل إلى ذلك. وخلاصه الكلام في هذا المقام: أن الاثار والاحكام المختصة بكل عنوان لا يترتب إلا على نفس ذلك العنوان، لا على ما يفيد فائدته، ولا شك في أن عنوان الصلح والبيع والاجارة والهبة والعارية مختلفات لا يلحق حكم أحدها للاخر، وإن كانت نتيجة الاثنين وفائدتهما واحدة. (الامر) الثاني: أن الصلح يصح مع الاقرار والانكار، أي مع إقرار المدعى عليه بما يدعيه المدعي، وإنكاره لما يدعيه. أما مع إقراره فوجهه أوضح، وذلك من جهة إقراره يثبت عليه ما يدعي المدعي، فلا مانع من أن يصالح المدعي عن حق ثابت بمال. وأما مع إنكاره فإن كان كاذبا في إنكاره فيكون من حيث صحة الصلح مثل إقراره، لانه في الواقع عليه شيء إما عينا أو دينا، فيكون المصالحة على ذلك المال الذي عنده أو على ما في ذمته، والصلح صحيح واقعا.
(هامش)
1. جوهر الكلام ج 26، ص 212. (*)
وأما إن كان صادقا في إنكاره ولم يكن عليه شيء، لا في ذمته ولا عنده عين مال المدعي، فحيث لا يكون شيء في البين يقع الصلح عليه، فهذا الصلاح صحته يكون ظاهرية، ويجب ترتيب آثار الصحة عليه ما لم ينكشف الحال وأن المدعي دعواه كاذبة. كما هو الحال في جميع الاحكام الظاهرية من مؤديات الاصول والامارات، حيث يجب ترتيب الاثار عليها ما لم ينكشف الخلاف. وعلى كل حال صحة هذا الصلح مع الاقرار والانكار إجماعي لا خلاف فيها عندنا، غاية الامر في الصورة الثانية أي صورة إنكار المدعى عليه لابد من القول بالتفصيل المتقدم، وأنه إن كان صادقا في إنكاره فصحة ذلك الصلح ظاهرية لا واقعية، ويجب على المدعي رد ما أخذ بعنوان مال المصالحة، ويكون ما أخذ من المقبوض بالعقد الفاسد، فعليه الضمان، لان المقبوض بالعقد الفاسد يجري مجرى الغصب عند المحصلين إلا في الاثم إذا كان جاهلا بالفساد فإنه حينئذ لا إثم له وهو معذور. هذا ما حكاه الشيخ الاعظم الانصاري (1) عن ابن ادريس (2)، وكلامه هذا حسن وصحيح. ولا فرق في عدم صحة الصلح واقعا بين إن يكون المدعي كاذبا في تمام ما يدعيه أو في بعضه، مثلا لو كان المدعي يدعي أن الدار التي في يدك تمامها لي، وفي الواقع نصفها له ونصفها الاخر لنفس ذي اليد، فأنكر المدعى عليه كون تمام الدار له، ولم يكن له طريق لرد دعواه الكاذبة في النصف الذي لا يملكه، فاضطر للصلح معه على تمام الدار، فهذا الصلح أيضا فاسد واقعا ويكون صحته ظاهرية ومن باب أصالة الصحة والجهل بالحال، ولذلك متى انكشف الحال وعلم أنه كاذب في دعواه وأن تمام الدار له، لا يجب ترتيب آثار الصحة على هذا الصلح. ثم ان هاهنا كلاما: وهو انه هل يجب على المدعي الكاذب رد تمام ما اخذ بعنوان مال المصالحة لفساد هذا الصلح، أو رد نصف ما اخذ لصحة الصلح بالنسبة إلى
(هامش)
1. المكاسب ص 104. 2. السرائر ج 2، ص 326. (*)
النصف الذي كان يملكه، أو لا يجب رد شيء مما اخذ لصحة هذا الصلح وان كانت صحته باعتبار وقوعه مقابل ذلك النصف الذي يملكه لا مقابل تمام الدار؟ وجوه واحتمالات. والحق بطلان هذا الصلح الواحد البسيط، فيجب رد تمام ما اخذ بعنوان مال المصالحة ويرجع إليه نصف الدار الذي كان يملكه. ومرادنا بقولنا: يرجع إلى نصفه الذي يملكه، اي بحسب الظاهر والحكم بصحة ذلك الصلح ظاهرا، وإلا فبحسب الواقع لم يخرج عن ملكه كي يرجع. ولا يتوهم: انه يمكن تصحيحه في النصف الذي يملكه من باب تبعض الصفقة، والفقهاء يلتزمون بذلك في البيع ويقولون، لو باع تمام الدار فتبين ان نصفها ليس له، فالبيع صحيح بالنسبة إلى النصف الذي يملكه، غاية الامر انه يكون للمشتري خيار تبعض الصفقة. فليكن هاهنا ايضا كذلك، فيكون الصلح صحيحا بالنسبة إلى النصف الذي يملكه، غاية الامر يكون الخيار للمصالح له، فالنتيجة ان لا يكون الواجب على المدعي الكاذب رد تمام مال المصالحة، بل الواجب عليه رد النصف الا ان يعمل المصالح خياره ويفسخ الصلح، فيجب عليه رد تمام مال المصالحة ويرجع نصف الدار إليه بالمعنى الذي ذكرنا للرجوع. ودفع هذا التوهم: بان باب الصلح على الاعيان الخارجية غير باب بيعها، و ذلك لان التسالم على كون عين خارجية ملكا لشخص وهو احد المتسالمين لا يتبعض، ولم يقع التسالم والاتفاق على كون كل جزء من هذه العين الخارجية ملكا للمصالح له بازاء ما يساويه من مال المصالحة بحسب المقدار أو القيمة، وهذا بخلاف باب البيع فان حقيقة البيع جعل كل واحد من العوضين بدلا عن الاخر في مقام الملكية، والبدلية تسري إلى كل جزء من العوضين، فكل جزء منها مقابل الجزء الذي يساويه بحسب المقدار أو بنسبة قيمته إلى قيمة المجموع.
وهذا معنى الانحلال في باب تبعض الصفقة. واما هذا المعنى فلا يأتي في الصلح، لان المنشأ فيه التسالم، وهو بسيط لا يتبعض، فبناء على هذا إذا وقع الصلح على عين يدعيها المدعي، فكما انه لو لم يكن المدعي صادقا في دعواه ولم يكن شيء من تلك العين فصالح المدعى عليه بمال عن تلك العين مع المدعي يكون الصلح بحسب الواقع باطلا، فكذلك الصلح يكون باطلا لو لم يكن بعضها له. ولا وجه للقول بصحة الصلح بالنسبة إلى البعض الذي يملكه، وبطلانه بالنسبة إلى البعض الذي لا يملكه، فيصير من باب تبعض الصفقة، لما ذكرنا من ان الصلح الواقع على عين خارجية لا يتبعض بالنسبة إلى اجزائه أو كسوره كالنصف والثلث والربع وامثالها، فتأمل. فظهر مما ذكرنا: ان الاصح من الاحتمالات الثلاث التي ذكرناها هو الاحتمال الاول، وهو وجوب رد تمام ما اخذه المدعي الكاذب في بعض ما ادعاه، وذلك لفساد الصلح. ولا فرق فيما ذكرنا من فساد الصلح لو تبين عدم كون تمام ما يصالح عنه له بين ان يكون الكاذب هو المدعي أو المدعى عليه. ثم ان ها هنا روايتين تدلان على عدم صحة الصلح واقعا، وعدم ذهاب الحق بالمرة فيما إذا لم يقع الصلح بين ما هو الحق الواقعي وبين ما يعطيه المصالح مع خفاء المقدار الواقعي على صاحب المال الذي يريد ان يصالح معه من بيده المال. احديهما: ما رواه علي بن حمزة، عن ابي الحسن عليه السلام قال: قلت لابي الحسن عليه السلام: رجل يهودي أو نصراني ي كانت له عندي اربعة آلاف درهم فمات ألي ان اصالح ورثته ولا اعلمهم كم كان؟ قال عليه السلام: لا يجوز حتى تخبرهم . (1)
(هامش)
1. الكافي ج 5، ص 259، باب الصلح، ح 6، الفقيه ج 3 ص 33، باب الصلح، 3269، 2 تهذيب الاحكام ج 6، ص 206، ح 472، باب الصلح بين الناس، ح 3، وسائل الشيعة ج 13، ص 166، أبواب كتاب الصلح، باب 5، ح 2. (*)
والاخرى: ما رواه عمر بن يزيد، عن ابي عبد الله عليه السلام قال عليه السلام: إذا كان لرجل على رجل دين فمطله حتى مات، ثم صالح ورثته على شيء، فالذي اخذه الورثة لهم وما بقي فهو للميت يستوفيه منه في الاخرة، وفان هو لم يصالحهم على شيء حتى مات ولم يقض عنه، فهو كله للميت ياخذه به . (1) فالرواية الاولى تدل على ان المصالحة على مال مع جهل صاحب المال بمقداره لا يجوز ولا اثر لها، والرواية الثانية تدل على ان المصالحة مع صاحب المال باقل منه لا يوجب برائة ذمته عن الجميع مع جهل صاحب المال، بل تؤثر في المقدار الذي اعطاه فقط والباقي باق في ذمته، وان لم يصالح مع صاحب المال اصلا حتى مات، ولا مع ورثته حتى هلكوا فجميع المال يبقى في ذمته. وهذا الاخير هو مقتضى القواعد الاولية ايضا، اي ولو لم تكن هذه الرواية في البين كان الحكم هكذا وكما ذكرنا. والمقصود من ذكر هاتين الروايتين ان صحة هذا الصلح حكم ظاهري، ولا يحل للمدعي الكاذب التصرف فيما اخذه بعنوان مال المصالحة، إلا فيما إذا احرز رضا من يعطي المال وطيب نفسه على كل حال، لما ذكرنا وتقدم من ان ما يأخذه بعنوان مال المصالحة يكون من المقبوض بالعقد الفاسد واقعا، وان كان بحسب الظاهر صحيحا. الامر الثالث: ان الصلح نافذ وجائز بين الناس فيما إذا لم يكن احل حراما كاسترقاق الحر، أو استباحة المحرمات كبضع المحارم وشرب الخمر وغير ذلك من المحرمات، أو حرم حلالا كما انه لو صالحا وتسالما على ان لا يطأ حليلته أو لا يأكل اللحم أو لا ينتفع بماله وامثال ذلك مما احله الله له. والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وآله: الصلح جائز بين الناس الا صلحا احل حراما أو
(هامش)
1. الكافي ج 5، ص 259، باب الصلح، ح 8، تهذيب الاحكام ج 6، ص 208، باب الصلح بين الناس، ح 11، وسائل الشيعة ج 13، ص 166، أبواب كتاب الصلح، باب 5، ح 4. (*)
حرم حلالا . (1) فالصلح الذي احل حراما، اي كان مفاده لزوم ارتكاب محرم، والصلح الذي حرم حلالا، اي كان مفاده لزوم ترك ما هو حلال، وهذا هو معنى تحريم الحلال وتحليل الحرام، وإلا فالحلال لا يصير محرما واقعا الا بتبديل الحكم من طرف الشارع، فالمراد من تحليل الحرام وتحريم الحلال هو ان يكون مفاد الصلح هو احد الامرين: اما لزوم فعل محرم وهو هو تحليل الحرام، أو لزوم ترك مباح أو ما هو راجح فعله وهذا تحريم الحلال، فمفاد الاستثناء هو عدم نفوذ مثل هذا الصلح الذي يحرم حلالا أو يحلل حراما، وانه ليس بجائز وهذا واضح جدا. الامر الرابع: في ان الصلح صحيح وجائز مع علم الطرفين ومع جهلهما بالمقدار الذي يقع الصلح عنه، فإذا كان احد الوارثين أو احد الشريكين المقدار الذي يمكله من المال المشترك غير معلوم لنفسه ولا لشريكه، فيجوز ان يصطلحا على حصته من ذلك المشترك مع جهل الطرفين، كما انه يجوز الصلح عن حصته مع علمهما ايضا. وهذا الحكم اجماعي، ويدل عليه قبل الاجماع ما رواه محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السلام انه عليه السلام قال في رجلين كان لكل واحد منهما طعام عند صاحبه، ولا يدري كل واحد منهما كم له عند صاحبه، فقال: كل واحد منهما لصاحبه: لك ما عندك ولي ما عندي فقال: لا بأس بذلك إذا تراضيا وطابت انفسهما . (2) فهذه الرواية صريحة في صحة الصلح مع جهلهما بمقدار ما يصالحان عنه ويصطلحان عليه، لان مورد الحكم بعد البأس هو عدم علم المصطلحين بمقدار ما يصطلحان عليه، لان المورد حسب تصريح الراوي وفرضه هو انه كل واحد منهما لا يدري كم له عند صاحبه.
(هامش)
1. تقدم تخريجه في ص 10، (3). 2. تقدم تخريجه في ص 13. (*)
هذا، مضافا إلى شمول المطلقات مثل قوله تعالى: (الصلح خير) (1) ومثل قوله صلى الله عليه وآله: الصلح جائز بين المسلمين (2) - أو الناس كما في رواية اخرى (3) - لكلتا حالتي علمهما وجهلهما، لان الصلح في كلتا الحالتين صلح، وكل صلح خير باطلاق الاية، وهكذا كل صلح جائز ونافذ باطلاق الحديث، فعدم الصحة في صورة جهلهما أو علمهما يحتاج إلى دليل مخصص للعمومات أو مقيد للاطلاقات. ثم انه كما ان جهلهما بالمقدار لا يضر بصحة الصلح، كذلك لا يضر جهلهما بجنس ما يصطلحان عليه، للاجماع والاطلاقات. الامر الخامس: ان الصلح عقد لازم لا ينحل الا بالاقالة من الطرفين وذلك لقوله تعالى: (اوفوا بالعقود) (4) ولا شك في ان الصلح من العقود العهدية، وقد ذكرنا تفصيل شمول (اوفوا بالعقود) للعقود العهدية ودلالتها على اللزوم في قاعدة اصالة اللزوم في العقود، وذكرنا سائر الادلة ايضا هناك من قبيل: الناس مسلطون على اموالهم: (5) وقوله صلى الله عليه وآله: لا يحل مال امرء مسلم الا بطيب نفسه (6) وقوله عليه السلام: حرمة مال المسلم كحرمة دمه (7) واستصحاب بقاء اثر العقد بعد النسخ. واما انحلاله بالاقالة فلا ينافي لزومه، وذلك من جهة ان اللزوم ههنا حقي، بمعنى ان التزام كل واحد من الطرفين بالبقاء عند هذا العقد والعهد والوفاء بمضمونه الذي هو مدلول التزامي للعقد - ولذلك قلنا بعدم هذا الالتزام في المعاطاة، لعدم كون
(هامش)
1. النساء (4): 128. 2. الفقيه ج 3، ص 32، باب الصلح، ج 3267، وسائل الشيعة ج 13، ص 164، أبواب كتاب الصلح باب 3، ح 2. 3. الكافي ج 5، ص 259، باب الصلح، ح 5، وسائل الشيعة ج 13، 164، أبواب كتاب الصلح، باب 3، ص 1. 4. المائدة (5): 1. 5. عوالي اللئالي ج 1 ص 222، ح 99، وص 457، ح 198، وج 2، ص 138، 383. 6. عوالي اللئالي ج 1، ص 222، ح 98، وص 113، ح 309، وج 2، ص 240، ح 6. 7. عوالي اللئالي ج 3، ص 473، ح 4. (*)
الالتزام بالوفاء بمضمون المعاملة مدلولا التزاميا للعمل وإنما هو مدلول التزامي للعقد - ملك للطرف الاخر ومن حقوقه. وهذا معنى اللزوم الحقي مقابل اللزوم الحكمي كما في باب النكاح، وذلك لان اللزوم الحكمي في النكاح عبارة عن حكم الشارع بان هذا العقد لازم لا يقدر احد على حله الا الزوم بالطلاق، وهو ايضا ليس فسخا أو انفساخا، بل هو عبارة عن رفع العلاقة التي اوجدها بعقد النكاح، فكما ان عقد النكاح سبب لوجودها يكون الطلاق سببا لارتفاعها، ولذلك لا يأتي الخيار ولا الاقالة في النكاح، لان الحكم الشرعي لا يرتفع الا برفع الشارع تخصيصا أو نسخا، على اشكال في الاول من حيث التعبير بالرفع في التخصيص، لان التخصيص يدل على ان الحكم في مورد الخاص من اول الامر لم يكن، لا انه كان وارتفع بالتخصيص. وعلى هذا المبنى قلنا في باب النكاح ان الخيار في الموارد السبعة ليس من الخيار بمعناه الحقيقي، بل هو تخصيص في اللزوم الذي حكم الشارع به في باب النكاح. إذا عرفت هذا، فنقول: ان في كل مورد كان اللزوم حقيا: اي كان التزام كل واحد من الطرفين ملكا وحقا للاخر يأتي الاقالة، لان حقيقة الاقالة رفع اليد عن حقه وما ملكه بالعقد من التزام طرفه له، فإذا رفع اليد عن حقه لا يبقى محل الالتزام طرفه، لان هذا الالتزام كان رعاية لحقه ولمراعاته، لا ان الملتزم مجبور من طرف الشارع بالبقاء عند التزامه، والا لو كان كذلك كان اللزوم حكميا - اي بحكم الشارع - لا حقيا ولمراعات طرفه، ففي اللزوم الحقي إذا رفع كلاهما يدهما كل واحد عما التزم له صاحبه فلا يبقى مانع عن الفسخ. واما في اللزوم الحكمي فلا تأتي الاقالة، لان اللزوم حكم شرعي ليس مربوطا بالطرفين كي يقبل كل واحد منهما صاحبه، ولذلك لا تأتي الاقالة في باب النكاح. وبعد ان ثبت ان الصلح من العقود اللازمة العهدية التي لزومه حقي لا حكمي،
فلا مانع من ثبوت الاقالة فيه وتأثيرها في جواز فسخ كل واحد من المصطلحين له. وحيث ثبت ان الاقالة على مقتضى القواعد الاولية فثبوتها في كل معاملة بالخصوص لا يحتاج إلى دليل خاص في تلك المعاملة بالخصوص، فكذلك في باب الصلح لا يحتاج إلى وجود دليل على صحة الاقالة، بل هي مقتضى القواعد الاولية. الامر السادس: قال في الشرايع: إذا اصطلح الشريكان على ان يكون الربح والخسران على احدهما وللاخر رأس ماله صح. (1) والدليل على صحة هذا الصلح اولا شمول الاطلاقات له فان قوله صلى الله عليه وآله الصلح جائز بين المسلمين أو الناس الا صلحا احل حراما أو حرم حلالا يشمل مثل هذا لان هذا صلح ولم يحرم حلالا ولم يحلل حراما فيكون من مصاديق الصلح الصحيح وثانيا هو الاجماع وثالثا روايات منها ما رواه الحلبي عن أبي عبد الله عليه الصلاة والسلام في رجلين اشتركا في مال فربحا فيه وكان من المال دين وعليهما دين فقال أحدهما لصاحبه اعطني رأس المال ولك الربح وعليكخ التوى فقال لا بأس إذا اشترطا فإذا كان شرط يخالف كتاب الله فهو رد إلى كتاب الله عزوجل، (2) وقد روي هذه الرواية بعدة طرق اخر كما هو مذكور في الوسائل ودلالتها على ما نقلناه عن الشرايع واضح لا يحتاج إلى البيان. ثم انه هل مفاد هذه الرواية وغيرها من الروايات الواردة في خصوص المقام هو صحة هذا الصلح بالنسبة إلى الربح والخسران المتقدم كي يكون به انتهاء الشركة
(هامش)
1. شرائع الاسلام ج 2، ص 99. 2. الكافي ج 5، 258، باب الصلح، ح 1، الفقيه ج 3، ص 229، باب المضاربة، ح 3848، تهذيب الاحكام ج 6، ص 207، ح 476، باب الصلح بين الناس، ح 7، وسائل الشيعة ج 13، ص 165، أبواب كتاب الصلح: باب 4، ح 1. (*)
ويكون هذا الصلح في التقسيم، أولا بل صحته مطلقا سواء كان في أول الشركة أو في وسطها أو في آخرها؟ اختار المحقق الثاني قده الاول حيث يقول: هذا إذا انتهت الشركة واريد بها فسخها وكان بعض المال دينا لصحيحة ابي الصباح (1) ثم ذكر الرواية التي نقلناه عن الحلي وكذلك الشهيد الثاني في المسالك حمل الرواية على ما اختاره المحقق الثاني. (2) والانصاف ان صدر الرواية ظاهر في ما ذكراه لان قوله عليه السلام لا بأس ظاهر في نفي الباس عما سأل عنه الراوي وعن فرضه وفرضه في حصول ربح لهما بعد حصول الاشتراك فكأنه قال بعد ان اشتركا في مال واتجرا به فحصل ربح من كسبهما فيه، ان لي رأس مالي والباقي لك فصالح بهذه العبارة انه صالح بجميع حقه في هذا المال المشترك بمقدار رأس ماله وما سوى مقدار رأس ماله للاخر سواء كان زائد على رأس مال الاخر فيكون الربح له أو كان اقل منه فيكون التوى اي الخسارة عليه. فيظهر من هذا الكلام أنه إذا اصطلحا على ان يكون مقدار رأس مال أحدهما له والباقي أي مقدار كان للاخر سواء كان زائدا على رأس مال الاخر أو كان أقل أن بهذا الصلح ينتهي الشركة وهذا شبه تقسيم بالمصالحة ورضا الطرفين ولكن حيث قيد عليه السلام نفي البأس بقوله إذا اشترطا فربما يخرج الصدر عن ظهوره في انتهاء الشركة لان المراد بالاشتراط اما الاشتراط في عقد الشركة أي لا بأس بهذا الصلح إذا كانا اشترطا في عقد الشركة ان يكون رأس مال احدهما له والباقي قليلا كان أم كثيرا للاخر. فهذا الشرط في عقد الشركة ان كان مرجعه إلى أن لا يكون ربح المال له ولا
(هامش)
1. جامع المقاصد ج 5 * ص 413. 2. المسالك الافهام ج 4، 265. (*)
خسارته عليه بل يكون ربحه لشريكه وخسارته أيضا على شريكه يكون باطلا لانه خلاف مقتضى اصل العقد لا انه خلاف مقتضى اطلاق العقد كي يكون صحيحا فلا يمكن أن يكون تقييده عليه السلام عدم البأس بالاشتراط بهذا المعنى اي بالاشتراط بالشرط الباطل. وحيث قيده به فلابد وان يكون بمعنى آخر يلائم مع هذا التقييد وهو ان يكون انشاء هذا المعنى أي كون رأس ماله له والباقي لطرفه بعقد لازم كنفس الصلح أو يكون في ضمن عقد لازم آخر كي يكون لازما وواجب الوفاء لا وعدا ابتدائيا أو صرف قول ومذاكرة من دون عقد وعهد كي لا يكون واجب الوفاء بل لا يصير ملكا للطرف لعدم خروج الربح عن ملكية صاحب المال الرابح بصرف هذا القول. وكذلك الامر في الخسارة تتبع المال وبصرف القول والمذاكرة لا يصير خسارة مال شخص على شخص آخر خصوصا مع فرض سكوت الطرف الاخر وعدم اظهار رضاه كما هو ظاهر الرواية. فلابد وان نفرض المقام ان صاحب أحد المالين اللذين حصل الاشتراك بينهما إما بعقد الشركة أو بمزجهما أو بخلطهما فيما يحصل للاشتراك بالخلط صالح ماله للطرف الاخر بمقداره بدون زيادة ولا نقيصة في ذمته ونتيجة مثل هذا الصلح هي صيرورة تمام المال ملكا للطرف الاخر فقهرا يكون الربح له والخسارة عليه غاية الامر تكون ذمته مشغولة للمصالح المذكور فلو خسر تمام المال المشترك ولم يبق له شيء يكون عليه تفريغ ذمته باعطاء جميع رأس المال الذي تعلق بذمته. وأما الاشكال بان الشرط والاشتراط لا يطلق على مثل هذا الصلح ففيه ما ذكرنا تفصيله في قاعدة اصالة اللزوم أن الشرط والاشتراط يطلق على كل عقد لازم من العقود العهدية. إذا ظهر لك ما ذكرنا، تعرف أن هذا المعنى أي الصلح بالصورة المذكورة يمكن
أن يقع في ابتداء حصول الشركة وفي وسطه وفي انتهائه ولا يجب أن يكون عند القسمة ويكون عند انتهاء الشركة. ولكن أنت خبير بأن لازم هذا الوجه في معنى الاشتراط أيضا انتهاء الشركة غاية الامر يحصل الانتهاء بنفس الصلح المذكور ويبطل الشركة إذ لا يعقل بقاء الشركة مع تعلق مال أحد الشريكين بذمة الاخر وصيرورة تمام المال له نعم احداث هذا الصلح يمكن أن يكون في ابتداء حصول الشكرة ويمكن ان يكون في وسطها ويمكن ان يكون بعد انتهائها وفسخها، وعلى كل حال به ينتهي الشركة اللهم إلا ان المراد من الاشتراط نفس الصلح كما ذكرنا بناء على صحة اطلاقه على العقود العهدية الضمنية والصلح في هذا المورد يكون على استحقاق أحدهما من المال المشترك مقدار رأس ماله والباقي أي مقدار كان للاخر ربح أو خسر. وهذا المعنى ليس فيه اشكال لان الصلح عبارة عن التسالم على امر كما تقدم ولا مانع من تسالمهما على مثل هذا الامر لان الناس مسلطون على أموالهم وليس هذا التسالم موجبا لتحريم حلال أو تحليل حرام كي يكون موجبا لبطلانه كما هو مفاد النص وليس من باب معاوضة حقه بما يساوي مقدار رأس ماله في ذمة الاخر كي يكون تمام مال المشترك للاخر فيكون بهذه المصالحة انتهاء الشركة. وهذا المعنى بعد ان فرغنا عن صحته وشمول اطلاقات الصلح له لا ينافي بقاء الشركة بعد هذا الصلح لان المفروض أن مفاده كون حق المصالح في هذا المال المشترك مقدار رأس ماله وان بقى الاشتراك بعد ذلك سنين فيجوز هذا الصلح في ابتداء الشركة وفي أوساطها وعند انتهائها وليس مختصا بحال القسمة ولا يحصل به الفسخ بل يمكن بقاء المال على الاشتراك لشمول الاطلاقات لمثل هذا الصلح بل لا يبعد أن يكون ظاهر الروايات الخاصة أيضا هذا المعنى بناء على أن يكون المراد من قوله عليه السلام إذا اشترطا فلا بأس هو نفس عقد الصلح لصحة اطلاق الشرط والعهد على العقود اللازمة العهدية.
فظهر مما ذكرنا أن تقييد كلمة صح التي في المتون بقيد هذا إذ انتهت: أي الشركة كما في جامع المقاصد (1) و عند انتهائها كما في المسالك (2) ليس كما ينبغي. وكذلك ما أفاده الشهيد قدس سره في الدروس (3) بقوله: ولو جعلا ذلك - أي الصلح المذكور - في ابتداء الشركة فالاقرب المنع لمنافاته مع موضوعها، أي الشركة وقبل هذه العبارة يحكم بصحة هذا الصلح إذا كان عند إرادة الفسخ. وأنت عرفت ما في كلامه هذا وما في كلام غيره مما يشابه هذا الكلام. وخلاصة الكلام أنه إن كان المراد من قوله عليه السلام: إذا اشترطا أي في ضمن عقد الشركة، فلا بد وان نقول على فرض صحة السند وحجية تلك الروايات الخاصة أن هذا حكم تعبدي إذ لا يمكن تصحيحه بالقواعد المقررة بل مقتضى القواعد بطلان هذا الشرط، لانه مناف لمقتضى ذات العقد لا لاطلاقه وأما إذا كان المراد منه هو الصلح كما هو ظاهر عبارة المتون فلا اشكال في صحة مثل هذا الصلح سواء كان في ابتداء الشركة أو في أوساطها أو في انتهائها. [ الامر ] السابع: لو ظهر وبان ان أحد العوضين مما وقع الصلح عليهما إما للغير أي ليس للطرف في عقد المصالحة وإما مما لا يملك كالخمر والخنزير. والنتيجة في كلا الشقين انه لا يملكه الذي هو طرف المصالحة اما لانه ملك الغير أو لعدم ماليته عرفا كالاشياء الخسيسة التى لا يعتبرها العقلاء كالخنفساء مثلا أو لاسقاط الشارع ماليته العرفية كالخمر والخنزير وآلات الملاهي وادوات القمار كادوات النرد والشطرنج فيبطل الصلح قطعا. وذلك من جهة أن حقيقة المعاوضة في أي عقد معاوضي كانت عبارة عن تبديل
(هامش)
(1) جامع المقاصد ج 5، ص 413. (2) مسالك الافهام ج 4، ص 265. (3) الدروس ج 3، ص 333. (*)
المالين في علم الاعتبار فقوام المعاوضة بهذا الامر فلابد وأن يكون كل واحد منهما مالا كي يكون قابلا للعوضية في عالم الاعتبار وأن يكون كل واحد من طرفي عقد المعاوضة موجبا أو قابلا له السلطنة على مال المعاوضة فهذان ركنان في كل معاوضة وبفقد أي واحد منهما لا يتحقق المعاوضة. فإن كان مما لا يملك أي أسقط الشارع ماليته العرفية كالخمر والخنزير وأمثالهما أو لم يكن مالا حتى عرفا لخسته كالخنفساء فينتفي الركن الاول وان كان مستحقا للغير سواء كان ملك الغير أو كان متعلقا لحق الغير فلا يكون طرف المعاوضة مسلطا عليه فينتفي الركن الثاني وعلى كلا التقديرين لا يبقى مجال للمعاوضة فيبطل الصلح لو بان ان أحد العوضين مستحق للغير أو ليس له مالية. وهذا الحكم جار في جميع المعاوضات ولا شبهة ولا خلاف فيما إذا كان جميع أحد العوضين كذلك أما لو كان بعض أحد العوضين المعينين في الخارج أي كان بعض العين الخارجة التي وقعت عوضا في الصلح للغير أو كان مما لا يملك كالعبد الذي نصفه حر أو للغير، فهل الصلح باطل في المجموع أو صحيح في المجموع أو يبعض وصحيح في النصف الذي له وباطل في النصف الاخر الذي ليس له أو يكون متعلق حق الغير؟ وجوه. قد تقدم في الامر الثاني ان الارجح هو بطلان الصلح في المجموع حتى في النصف الذي يملكه الطرف وذكرنا برهانه هناك فلا نعيد. وربما يتوهم الفرق بين العقود المعاوضية وبين الصلح بان العقود المعاوضية كالبيع - مثلا - حيث ان المنشأ فيها هو المبادلة بين المالين فمع عدم مالية أحد العوضين أو عدم كونه له لا يتحقق حقيقة المبادلة التي لابد منها في تلك العقود. وأما الصلح الذي عبارة عن التسالم والموافقة على امر لم يؤخذ فيه كونه بعوض، بل يمكن ان يقع بلا عوض ومجانا فإذا كان الامر كذلك فكما يمكن ان يقع من أول ص 28
الامر مجانا وبلا عوض فلا يضر بصحته صيرورته كذلك - أي مجانا - بعد ظهور أن العوض المذكور ليس بمال أو ليس له وان كان مالا. لكنه توهم عجيب: لان الصلح وان لم يؤخذ في حقيقته كونه ذا عوض ويمكن أن يقع مجانا وبلا عوض ولكن إذا انشأ التسالم والموافقة على امر بعوض يصل إلى المصالح، فإذا لم يصل إليه شيء اما لاجل أنه ليس بمال أو ليس له فقد تخلف ما وقع عما هو مقصود الطرفين، فما قصد لم يقع وما وقع لم يقصد والعقود تابعة للقصود. فكما ان التمليك لم يؤخذ في حقيقته ان يكون بعوض ولذلك قد يكون بلا عوض كالهبة الغير المعوضة ولكن إذا انشئ بعوض كالبيع مثلا ولم يكن العوض للطرف، بعد العقد بان أنه ليس له أو ظهر أنه ليس بمال عرفا أو شرعا وان كان ملا عند العرف لكن الشارع اسقط ماليته فذلك العقد باطل. فكذلك فيما نحن فيه - أي الصلح - وإن لم يؤخذ في حقيقته العوض لكن إذا انشأ بعوض، يكون العوض من أركان ذلك العقد ومع فقده يبطل ذلك العقد. وأما النقض بالنكاح بأن المهر المعين في عقده إذا بان انه ملك للغير أو متعلق حق الغير كأن يكون مرهونا مثلا فجعله مهرا بدون إذن المرتهن أو كان غير مال شرعا كالخمر والخنزير فلا يبطل العقد بل يرجع إلى بدله أو إلى مهر المثل أو غير ذلك مما قيل في تلك المسألة فلا ينبغي أن يتوهم لان المرأة ليست عوضا عن المهر ولا المهر عوض منها. وقوله عليه السلام: إنما يشتريها بأغلى الثمن (1) من باب التشبيه بالبيع، وإلا فذات المرأة حرة لا أمة ليتقدر بمال والبضع من منافعها وليست عينا كي يصح بيعه. وبعبارة أخرى: النكاح ليس من العقود المعاوضية بل لزوم المهر فيه حكم
(هامش)
(1) الكافي ج 5، ص 365، باب النظر لمن أراد التزويج، ح 1، وسائل الشيعة ج 14، ص 59، أبواب مقدمات النكاح وآدابه، باب 36، ح 1. (*)
شرعي، ولذلك لو عقد على امرأة ولم يذكر المهر أصلا لا يبطل العقد ولكن يرجع إلى مهر المثل، تعبدا لان البضع لا تستباح مجانا. ففي رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا تزوج الرجل المرأة فلا يحل له فرجها حتى يسوق إليها شيئا درهما فما فوقه (1). وفيما رواه زرارة قال: لا تحل الهبة إلا لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم وأما غيره فلا يصلح له نكاح إلا بمهر . (2) والروايات على لزوم المهر في النكاح كثيرة وما ذكرنا كله كان فيما إذا كان العوض عينا شخصيا، فإذا بان انه مستحق للغير أو ليس قابلا لان يملك شرعا أو عرفا فالصلح باطل. وأما لو كان في الذمة فدفع ما كان كذلك فلا وجه للبطلان بل يجب عليه ان يدفع غيره من مصاديق ما في الذمة مما يكون مالا عرفا ولا يكون متعلقا لحق الغير ولا يكون للغير ولم يسقط الشارع ماليته أيضا. وأما إذا ظهر في عوض الصلح عيب ونقص فلا يوجب البطلان ولا الخيار. أما عدم البطلان لانه ليس بلا عوض وتلك العين الشخصية التي جعلت عوضا للعقد موجودة ولذلك لا يوجب البطلان حتى في البيع الذي هو الاصل في باب المعاوضات وحقيقيته تبديل العين المتمول بعوض. وأما عدم ايجابه الخيار فلان عمدة دليل الخيار، إذا ظهر عيب ونقص في المبيع الشخصي أو الثمن الشخصي، هو الشرط الضمني أي بناء البايع على بيع هذه العين الموجودة بما يساويها في القيمة أي هذا الثمن الموجود في الخارج وكذلك الامر في
(هامش)
(1) تهذيب الاحكام ج 7، ص 357، ح 1452، باب المهور والاجور...، ح 15، الاستبصار ج 3، ص 220، ح 779، باب انه يجوز الدخول بالمرأة...، ح 2، وسائل الشيعة ج 15، ص 12، أبواب المهور، باب 7، ح 1. (2) تهذيب الاحكام ج 7، ص 364، ح 1487، باب المهور والاجور....، ح 41، وسائل الشيعة ج 15، ص 28، أبواب المهور، باب 19، ح 1. (*)
طرف المشتري، أي يشتري هذه العين التي تساوي هذا الثمن بحسب القيمة بهذا الثمن. وهذا الشرط من الطرفين البايع والمشتري ارتكازي لا يحتاج إلى الذكر أو البناء خارجا، ولذلك لو أتى شخص غير المتبايعين وقال هذا المبيع لا يساوي هذا الثمن يتأذى البايع وربما يترك المشتري هذه المعاملة لو سمع هذه المقالة وكذلك الامر في طرف الثمن. فمن هذا يعلم ان كليهما أي البايع والمشتري بنائهما على تساوي العوضين، وانهما بلا عيب ونقص وبفقد الشرط الضمني الاول أي التساوي في القيمة يثبت خيار الغبن وبفقد الثاني أي السلامة عن العين والنقص يأتي ويثبت خيار العيب. هذا في البيع أو سائر المعاوضات التي بناء للمتعاقدين فيها على تساوي العوضين. وأما في الصلح فليس الامر كذلك بل بناء المتعاقدين فيها على التسامح، لانه شرع في الاصل لقطع المنازعات وقطع المنازعات لا يمكن غالبا إلا بالتسامح وإلا لو كان بنائهما على المداقة فلا يحصل الصلح غالبا. وهذا في خيار الغبن واضح، وأما خيار العيب إذا وقعت المصالحة على عين خارجي، فالانصاف أن بنائهما على صحتها وسلامتها فلا يبعد اتيان خيار العيب في الصلح إذا ظهر مال المصالحة معيبا ولكن بالنسبة إلى حق الفسخ لا اخذ الارش وإنما هو حكم تعبدي في خصوص البيع للاجماع والروايات. ولكن الروايات لا تدل على التخيير بين الرد واخذ الارش ابتداء بل دلالتها على أخذ الارش بعد عدم امكان الرد لوجود تغيير في المعيب بعد تسلمه من صاحب المبيع المعيب مثلا وعلى كل حال التخيير بين الرد والارش مختص بالبيع للاجماع والرواية وإلا فصرف تخلف الشرط الضمني لا يوجب إلا الخيار فالخيار يثبت في الصلح إذا كان العوض معيبا واما الارش فلا. [ الامر ] الثامن: يصح الصلح على عين بعين أو منفعة وعلى منفعة بعين أو منفعة.
والدليل على صحة المذكورات هي العمومات واطلاقات ادلة الصلح فقد تقدم ان الصلح عبارة عن التسالم والموافقة على امر بشئ سواء كان ذلك الامر عينا أو دينا أو منفعة أو حقا على نقل هذا الاخير أو اسقاطه وحيث ان كل حق قابل للاسقاط حتى عرف بذلك مقابل الحكم فانه غير قابل للاسقاط فكل حق قابل لان يقع الصلح عليه، سواء كان على نقله أو على اسقاطه. وعمومات الصلح وإطلاقاته كقوله: (والصلح خير)، وقوله صلى الله عليه وآله: الصلح جايز بين الناس الا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا يشمل جميع ما يقع التسالم والتوافق عليه ولو كان اسقاط حق أو نقله فيما كان قابلا للنقل إذ بعض الحقوق غير قابل للنقل كحق البضع والمضاجعة وامثالهما من الحقوق القائمة بشخص خاص. هذا إذا علم أنه قابل للنقل وأما إذا شك في أنه قابل للنقل فهل يصح الصلح على نقله أو يحتاج إلى الاحراز؟ الظاهر عدم الصحة ولزوم الاحراز وذلك من جهة أنه لا بد من احراز مشروعية متعلقة وذلك للاستثناء الذي في قوله صلى الله عليه وآله: إلا صلحا أحل حراما فبعد هذا الاستثناء يقيد موضوع ما هو جايز ونافذ بالصلح على امر مشروع، فإذا شككنا ان الحق الفلاني مشروع نقله أم لا فلا يجوز التمسك لجوازه ونفوذه بإطلاقات أدلة الصلح. فلو شككنا في ان حق السبق في الوقف في الاوقاف العامة - كما إذا سبق شخص إلى مكان في أحد المساجد أو في الحرم الشريف أو إلى مكان في خانات الوقف بين الطرق على المسافرين أو غير ذلك هل قابل للنقل أم قائم بشخص السابق فالصلح على نقل مثل ذلك الحق مشكل ولا يشمله عمومات واطلاقات ادلة الصلح لمكان ذلك الاستثناء نعم لا مانع من وقوع الصلح على اسقاط كل حق بناء على أن كل حق قابل للاسقاط، فالاسقاط خاصة شاملة للحق.
الجهة الثالثة في بيان بعض فروع هذه القاعدة أي قاعدة الصلح جائز بين المسلمين إلا ما أحل حراما أو حرم حلالا : فمنها: أنه لو كان هناك درهما ورجلان فادعى أحدهما الاثنين والاخر أحدهما، قال في الشرائع: لمدعي الاثنين درهم ونصف والباقي - أي نصف الدرهم للاخر. (1) ولابد فرض المسألة فيما إذا كان الدرهما في يدهما أو جميعا أو كانا مطروحين في مكان مباح ليس له مالك ولم يكن لاحد يد عليه وإلا لو كانا في يد مدعي الاثنين يحكم له بهما مع حلفه أو نكول الطرف المدعي لواحد كما أنه لو كان في يد مدعي الواحد يعطى واحد لمدعي الاثنين لانه مدع بلا معارض والدرهم الآخر يعطى لذي اليد مع يمينه أو نكول مدعي الاثنين. ولا بد أن يحمل صحيح عبد الله بن المغيرة عن غير واحد من اصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام في رجلين كان معهما درهمان فقال احدهما الدرهمان لي وقال الاخر: بيني وبينك فقال أبو عبد الله عليه السلام: أما الذي قال هما بيني وبينك فقد أقر بان أحد الدرهمين ليس له فيه شيء وأنه لصاحبه ويقسم الدرهم الثاني بينهما نصفين (2) على ما قلنا من أن الدرهمين إما لا يد لاحد عليهما وإما في يد الاثنين جميعا كما أن ظاهر الرواية هو الاخير لفرض الراوي ان الدرهمين كان معهما أي في يد كليهما. ففي هذه الصورة ما اجاب به الامام عليه السلام هو مقتضى القواعد الاولية أيضا،
(هامش)
1. شرائع الاسلام ج 2، ص 99. 2. الفقيه ج 3، ص 35، باب الصلح، ح 3274، تهذيب الاحكام ج 6، ص 208، ح 481، باب الصلح بين الناس، ح 12، وسائل الشيعة ج 13، ص 169، أبواب كتاب الصلح، باب 9، ح 1. (*)
وحكمه عليه السلام بتقسيم الدرهم الثاني بينهما الظاهر في التقسيم بالسوية هو مقتضى قاعدة العدل والانصاف التي استعملها الفقهاء في موارد كثيرة فيكون ما ذكره في الشرايع مطابقا لما هو مضمون الرواية وكون الدرهم ونصفه لمدعي الاثنين ايضا مقتضى قاعدة الاقرار من مدعي الواحد فانه نفى عن نفسه قاعدة سماع قول المدعي بلا معارض بدون تكليفه بالبينة. وما ذكره جمع من الاساطين كالعلامة في التذكرة، (1) والشهيد في الدروس (2) من حلف كل واحد منهما فيحلف مدعي الاثنين لمدعي الواحد بان نصف الدرهم مما صار بيدي ليس لك ولو نكل يؤخذ منه ويعطى لمدعي الواحد ويحلف مدعي الواحد على الاشاعة لمدعي الاثنين ان هذا النصف الذي صار بيدي ليس لك ولو نكل يعطى لمدعي الاثنين. والسر في ذلك: أن كل واحد منهما مدع ومنكر فمدعي الواحد مدع للنصف من الدرهم الذي صار في يد مدعي الاثنين وهو منكر ومدعي الاثنين مدع للنصف الذي يعطى لمدعي الواحد على الاشاعة وهو منكر فيجب اجراء القاعدة المعروفة البينة على المدعي واليمين على من أنكر فهاهنا مدعيان ومنكران وحيث ان المفروض عدم وجود بينة في المقام فيجب ان يحلف كل واحد منهما للاخر فلو لم يحلف احدهما لا يعطى ذلك النصف المتنازع فيه كما أنه لو رد كل واحد من المنكرين الحلف إلى الطرف الذي هو مدع وهو نكل فلا يستحق ذلك النصف ولو حلفا جميعا أو نكلا جميعا أيضا، يقسم بينهما بالسوية لقاعدة العدل والانصاف المذكورة. وخلاصة الكلام: أن من بيده النصف مدع للنصف الآخر ومن بيده الدرهم والنصف منكر، ومن بيده الدرهم والنصف مدع للنصف الآخر الذي بيد طرفه، وهو منكر فيكون الامر كما ذكرنا.
(هامش)
1. تذكرة الفقهاء ج 2، ص 191. 2. الدروس ج 2، ص 333. (*)
هذا ما ذكره هؤلاء الاساطين مع اختلاف بين ما ذكروه وهو تخصيص الحلف بالثاني أي مدعي الواحد إذا ادعى مشاعا. ولكن التحقيق أنه لا فرق في صيرورة كل واحد منهما مدعيا ومنكرا في المفروض أي فيما إذا كان لكليهما اليد على الدرهمين بين أن يكون دعوى المدعي للواحد على الاشاعة أو على التعيين. وتوضيح ذلك موقوف على بيان مقدمة وهي أنه لا شك في أن ذا اليد منكر لو ادعى المال من ليس له يد على المال وليس له حجة أخرى على أن المال له. وذلك الاخر الذي ليس له يد على المال يكون مدعيا ان لم يكن له حجة أخرى على أن المال المتنازع فيه له. فبناء على هذا يكون ذو اليد منكرا ومقابله يكون مدعيا. ثم إن ذا اليد لو كان شخصا واحدا فالذي يدعيه يكون مدعيا ويكون ذو اليد منكرا وأما لو كان ذو اليد متعددا كما إذا ادعى أحد غير هؤلاء الذين لهم اليد على المال أيضا يكون مدعيا وذوو الايدي يكونون منكرين ان لم يصدقوه. وأما إن كان مدعي لجميع ما في يدهم أحدهم فيكون مدعيا بالنسبة إلى البعض ومنكرا بالنسبة إلى بعض آخر. بيان ذلك: أن ذا اليد على مال واحد إن كان متعددا فلا يمكن أن تكون يد كل واحد منهم يدا تامة مستقلة وذلك لان اليد التامة المستقلة كما أن لها التصرفات المشروعة في المال كذلك له المنع عن تصرف الغير وفي الايدي المتعددة ليس لها المنع عن تصرفات سائر الايادي ولذلك لا يحسبها العرف يدا مستقلة بل يعتبرون اليد الناقصة المستقلة على المجموع يدا مستقلة على البعض بنسبة عدد الايادي. مثلا لو كان شريكان لكل واحد منهما يد على مال فحيث أن يد كل واحد منهما غير تامة فالعرف يعتبرونها تامة بالنسبة إلى البعض بنسبة عدد الايدي وحيث أن ذا اليد اثنين فيد كل واحد منهما الناقصة على جميع المال يعتبر يدا تامة على نصف
المال وإن كان ذوو الايدي والشركاء ثلاثة يعتبر يد كل واحد منهم الناقصة يدا تامة على ثلث المال، وهكذا. إذا تبين ما ذكرنا، فنقول: إذا ادعى أحدهما أن أحد هذين الدرهمين بالخصوص لي وعينه ولم يكن دعواه بنحو الاشاعة فهذا المدعي بالنسبة إلى نصف هذا الواحد المعين مدع وبالنسبة إلى نصفه الاخر منكر. بيان ذلك: أن مفروض المسألة ان كليهما لهما اليد على هذا الدرهم الذي يدعيه أحدهما وحيث أن يد كل واحد منهما على مجموع هذا الدرهم غير تامة وناقصة، وفي اعتبار العرفي وبنظرهم يد كل واحد منهما على المجموع حيث انها ناقصة تكون بمنزلة اليد التامة على نصف ذلك الدرهم فتكون أمارة على ملكية نصف ذلك الدرهم. وذلك لان اليد التي هي امارة الملك هي اليد التامة المستقلة غير الناقصة فإذا كان الامر كذلك فالمدعي لهذا الدرهم المعين يكون بالنسبة إلى النصف الذي تحت يد مدعي الاثنين مدع ومدع الاثنين بالنسبة إلى هذا النصف الذي تحت يده منكر، كما أن مدعي الاثنين بالنسبة إلى النصف الذي تحت يد مدعي الواحد المعين مدع، وهو أي مدعي الواحد منكر. فكل واحد منهما مدع ومنكر ويجري في حقهما قاعدة البينة على المدعي واليمين على من أنكر وحيث أن المفروض عدم البينة في المقام فيجب حلف كل واحد منهما لرد دعوى الاخر فان حلفا جميعا أو نكلا جميعا سقط كلا الدعويين ويقسم ذلك الواحد المعين بينهما بالسوية لقاعدة العدل والانصاف. وأما إن حلف أحدهما دون الاخر فيكون الدرهم المتنازع فيه للذي حلف. وكذلك الامر في مدعي الشركة مثل المدعي للواحد المعين في وجوب الحلف على كل
واحد منهما. اللهم إلا أن يقال إن يد المدعي للشركة تامة بالنسبة إلى ما يدعيه أي الشركة ومالك النصف أي الدرهم الواحد مشاعا فالذي يدعي الجميع يكون مدعيا لان يده على الجميع ليست تامة كما ذكرنا ومدعي الشركة منكر لما ذكرنا من أن يده تامة بالنسبة إلى ادعائه الشركة فهو منكر ووظيفة المنكر هو الحلف فيختص الحلف بالثاني أي المدعي الواحد إذا كان يدعيه اشاعة أي الشركة بالمناصفة. وهذا الحكم جار في كل من يدعي الشركة في مال مقابل المدعى لمجموع ذلك المال مع كون ذلك المال بيدهما جميعا، كما ذهب إليه الشهيد في الدروس. (1) وقال في جامع المقاصد إنه متجه. (2) والانصاف أن العرف مساعد لكون يد كل واحد من الشخصين اللذين لهما اليد على مال امارة الشركة فيكون من يدعي جميع الدرهمين بالنسبة إلى أحد الدرهمين من قبيل المدعي بلا معارض لان الاخر لا يدعيه بل هو مقر بانه له وأما بالنسبة إلى الدرهم الاخر فيكون مدعيا بلا حجة في مقابل دعوى الشركة من الاخر لان يده امارة على الشركة لا على أن جميع المال له. فقوله: إن جميع المال له مخالف للحجة الفعلية وهو يد من يدعي الشسركة وقد حققنا في كتاب القضاء ان المدعى هو من يكون قوله مخالفا للحجة الفعلية والمنكر مقابله وهو من يكون قوله موافقا للحجة الفعلية، وفي المقام حيث يكون قول من يدعي الشركة موافقا للحجة الفعلية ومن يدعي الجميع مخالفا لها فيكون الاول - أي من يدعي الشركة منكرا ومن يدعي الجميع مدعيا فيكون المدعي للشركة وظيفته الحلف، والاخر أي مدعي الجميع وظيفته البينة وهذا الحكم جار في جميع
(هامش)
1. الدروس ج 3، ص 333. 2. جامع المقاصد ، 5، ص 436. (*)
موارد مدعي الشركة مع مدعي الجميع ولعل هذا ما اراده الشهيد قده في الدروس. وعلى كل حال، الحكم في هذه المسألة ما افتى به المشهور من كون أحد الدرهمين للذي يدعيهما جميعا وتنصيف الاخر بينهما فيكون درهم ونصف لمن يدعيهما ونصف درهم للذي ادعى الواحد سواء كان دعوى الاخير على نحو الاشتراك أو كان يدعي واحدا معينا وذلك للنص المتقدم وهو صحيح عبد الله بن المغيرة المذكور آنفا. (1) والتمسك بهذه القواعد للاحتياج إلى الحلف والعمل بميزان القضاء يكون من قبيل الاجتهاد في مقابل النص وهذا مما يطعن به على المتمسك مع أن هذا الحكم ليس مخالفا للقواعد المقررة في كتاب القضاء. بيان ذلك: أنه حيث أن مفروض المسألة فيما يكون لكل واحد من المدعيين يد على المتنازع فيه أو مطروح في مكان ليس لاحدهما يد عليه ولا فرق بين الصورتين فيما هو المهم في المقام وهو أنه ليس ها هنا مدع ومنكر في البين بل ها هنا مدعيان ليس لهما حجة على ما يدعيان اما من أول الامر كما إذا كان مطروحا وليس لاحدهما يد عليه أو من جهة سقوط كلا المدركين بالتعارض وذلك فيما كان لكل واحد منهما يد على المال المتنازع فيه فتتعارض اليدان وتتساقطان وعلى كل واحد من التقديرين دعويان بلا مستند لكل واحد منهما وليس المورد مورد المدعي والمنكر والمال بينهما فلابد من تنصيف محل النزاع ولو لم يكن تلك الصحيحة لقاعدة العدل والانصاف التي يجريها الفقهاء في كل مورد يكون المال بينهما وليس لاحدهما مدرك وليس مدع ومنكر في البين. فلا يمكن قطع نزاعهما بموازين القضاء ولا بد من قطع الخصومة فيقطع بتطبيق هذه القاعدة بالتنصيف أو بالتثليث أو بالتربيع وهكذا بنسبة عدد المدعين فلو كان
(هامش)
1. سبق ذكره في ص 32، رقم (2). (*)
عشرين كل واحد منهم يدعي تمام المال الذي ليس لاحدهم يد عليه ولا لغيرهم عليه يد وليس لاحد منهم مدرك آخر أن هذا المال له فلابد وأن يقسم بينهم بقاعدة العدل والانصاف عشرين لكل واحد منهم واحد من ذلك العشرين. ومما ذكرنا يظهر لك أن ما افتى به المشهور من أنه لو وادعه انسان درهمين وآخر درهما وامتزج الجميع ثم تلف درهم يعطي لذي الدرهمين درهم من الدرهمين الباقيين وينصف الدرهم الباقي فتواهم على طبق القاعدة وهي قاعدة العدل والانصاف لان الاثنين لا يدلهما على الدرهم اما يد الودعي فليست امارة الملكية وأما المدعيان فلا يد لاحدهما على المتنازع فيه واليد السابقة على الايداع متعلقها غير معلوم وليس المقام مقام المدعي والمنكر فلا يمكن العمل بموازين القضاء ولا يمكن قطع الخصومة إلا بتطبيق قاعدة العدل والانصاف بتنصيف المنازع فيه لانهما اثنان ولو كان عدد المدعين اكثر كان التقسيم بعددهم كما عرفت. وهذا ربما يسمى بالصلح القهري ووجه التسمية واضح ولعل هذه التسمية صارت سببا لذكر هذه الفروع في كتاب الصلح فهذا الحكم على طبق القواعد ويؤيده ما رواه السكوني عن الصادق عليه السلام في رجل استودعه رجل دينارين واستودعه آخر دينارا فضاع دينار منها قال عليه السلام: يعطى صاحب الدينارين دينارا، ويقسم الاخر بينهما نصفين . (1) أقول: هذا احد الاحتمالات في هذه المسألة وقد افتى به المشهور. وهاهنا احتمالات أخر: منها: أن يصير المال أي الدراهم مشتركة بينهما بواسطة الاختلاط والاجتماع في مكان واحد أو بواسطة عدم التمييز الحاصل عن الاختلاط والاجتاع في محل
(هامش)
1. الفقيه ج 3، ص 37، باب الصلح، ح 3278، وسائل الشيعة ج 13، ص 171، أبواب كتاب الصلح، باب 12، ح 1. (*)
واحد خصوصا إذا كانت من الدراهم المسكوكة بسكة واحدة وبوزن واحد وشكل واحد. ومنها أن يكون موردا للقرعة لاجل أن القرعة لكل أمر مجهول أو مشتبه، وهاهنا اشتبه الدرهم الضايع ولا يعلم أنه لصاحب الدرهم الواحد كي يكون الدرهمان الباقيان لصاحب الدرهمين أو أنه لصاحب الدرهمين كي يكون الباقي أحدهما لهذا والآخر لذاك. ومنها الصلح القهري حيث لا يمكن معرفة صاحب المال الموجود، فلابد للحاكم أن يجبرهما على الصلح لرفع الخصومة وقطع النزاع، فلابد للفقيه أن ينظر إلى هذه الوجوه، ويرى أن أيها أوجه وبالقواعد أوفق. أقول: أما احتمال الاشتراك بواسطة الاختلاط وعدم الامتياز وإن كان اثره هو أن يكون من كل درهم ثلثه لصاحب الدرهم الواحد وثلثاه لصاحب الدرهمين فإذا ضاح واحد الثلاثة وبقى اثنان يكون لصاحب الدرهم الواحد ثلث من كل واحد من من الدرهمين الباقيين، وثلثان من كل واحد منهما لصاحب الاثنين فمجموع حصة صاحب الدرهم الواحد ثلثا درهم ومجموع حصة صاحب الاثنين أربعة أثلاث أي درهم وثلث درهم. فبناء على حصول الاشتراك يصير حصة صاحب الدرهمين أقل مما في الرواية وأيضا مما أفتى به المشهور وهو درهم ونصف، لان حصته بناء على ما في رواية السكوني وفي فتوى المشهور اربعة أثلاث ونصف ثلث وبناء على الاشتراك أربعة أثلاث فقط من دون نصف ثلث، ويصير حصة صاحب الدرهم الواحد أزيد مما في الرواية ومما أفتى به المشهور لانه بناء على الاشتراك يكون نصيب صاحب الدرهم الواحد نصفا ونصف ثلث، وبناء على مفاد الرواية وفتوى المشهور يكون نصف درهم فقط من دون نصف الثلث.
فمرجوح جدا أولا: من جهة أن وجود المناط في حصول الشركة القهرية - التي لا بد أن يكون هو المراد في المقام في مثل الدراهم والدنانير في غاية الاشكال. وثانيا الحكم بوقوع الشركة في المفروض مع وجود رواية عمل بها الاصحاب وصارت معتبرة لو من هذه الجهة على خلافها لا يخلو من نظر وتأمل. وأما الاحتمال الثاني أي كون المسألة موردا للقرعة من جهة قوله عليه السلام: القرعة لكل أمر مشكل. وفي بعض الروايات: لكل أمر مشتبه، وفي بعضها الاخر: لكل أمر مجهول (1)، والمورد مشكل ومشتبه ومجهول. أما كونه مشكلا من جهة العلم بأن المتنازع فيه إما لصاحب الدرهم الواحد وإما لصاحب الاثنين ولا طريق إلى معرفة صاحبه كي يرد إليه وأما كونه مجهولا فصاحبه مجهول، وأما كونه مشتبها فلان مالكه مشتبه يحتمل أن يكون هذا ويحتمل أن يكون الاخر. ففيه: أنه أوضحنا في قاعدة القرعة أن الاخذ بعموم كل أمر مشكل أو مشتبه مما يقطع بخلافه. وأما الامر المشكل في الاحكام فهو أيضا مما يعلم بعدم اعتبار القرعة وقلنا إن المستفاد من أدلة القرعة هو أن يكون المورد معلوما بالاجمال ويكون في الشبهة الموضوعية لا الحكمية ولا يمكن الاحتياط أو يكون الاحتياط حرجيا أو ضرريا. فالاول كما إذا طلق إحدى زوجاته فاشتبهت عليه المطلقة والثاني كما لو علم أنه نذر زيارة الرضا عليه السلام أو زيارة الائمة المدفونون في البقيع عليهم السلام، والثالث كما لو علم بأن في قطيع غنمه موطوءا فالاحتياط بالاجتناب عن جميع غنمه ضرري قطعا،
(هامش)
1. الفقيه ج 3، ص 92، باب الحكم بالقرعة، ح 3389، تهذيب الاحكام ج 4، ص 240، ح 593، باب البينتين يتقابلان أو...، ح 24، النهاية ص 346، وسائل الشيعة ج 18، ص 189، أبواب كيفية الحكم، باب 13، ح 11 و 18. (*)
وفوق ذلك كله يكون قد عمل بها الاصحاب في ذلك المورد، ومعلوم أنه في هذا المورد لم يعمل بها الاصحاب لان فتوى المشهور على التنصيف فلم يعملوا بها قطعا مضافا إلى أن مع وجود الرواية المعمول بها عند الاصحاب لا يبقى إشكال ولا جهل ولا اشتباه في حكم المورد، فليس ما نحن فيه موردا للقرعة. وأما الصلح القهري مع وجود تلك الرواية المعمول بها فلا وجه له ولا تصل النوبة إليه فالمتجه هو الاحتمال الاول، والعمل بالرواية، والاخذ بفتوى المشهور. ومنها أي من فروع هذه القاعدة لو أتلف على رجل ثوبا قيمته درهم مثلا فصالحه بأقل من قيمته أو بأزيد فهذا الصلح صحيح وإن قلنا بأن الربا المعاملي يدخل في الصلح، وليس مختصا بالبيع كما هو الصحيح عندنا، وذكرنا وجهه في قاعدة لا رباء إلا في المكيل والموزون لان الصلح قد وقع عن الثوب على أقل من قيمته أي درهم واحد أو على أزيد منه، ولم يقع على نفس القيمة على الاقل أو الاكثر منه، كي يلزم الرباء. وادعى في الدروس أن صحة هذه المعاملة على الوجه الذي ذكرنا هو المشهور. وقد يقال إن صحته وفساده دائر بين أن يكون التلف في القيميات في اليد الغير المأذونة، أو إذا أتلف كما هو المذكور في عنوان المسألة هل يوجب اشتغال الذمة بقيمة التالف أو بمثله ويكون أدائه بالقيمة، أو التالف بنفسه بوجوده الاعتباري في الذمة ويكون أداؤه بالقيمة. فان قلنا بالاول أي حين التلف في اليد الغير المأذونة أو حين الاتلاف تشتغل الذمة في القيميات بالقيمة فيكون واقعا عن القيمة على الاقل منه أو على الاكثر منها فيكون من الربا الباطل. وأما إن قلنا إن الذمة تشتغل بمثل التالف أو بنفسه بوجوده الاعتباري وإنما يكون أدائه بالقيمة أي الدرهم أو الدينار فالصلح صحيح لان الصلح وقع عن
نفس التالف الذي ليس من المكيل والموزون كالثوب كما هو المفروض، وإنما أداؤه بالدرهم أو الدينار، فلا رباء، أو وقع من مثل التالف الذي اشتغلت ذمته به، وإنما أداؤه بالقيمة ففي هذا الفرض أيضا لا رباء، ففي هذين الوجهين لا إشكال في صحة الصلح. هذا في مقام الثبوت، وأما في مقام الاثبات، فالظاهر أن ما يأتي في الذمة بواسطة التلف في اليد الغير المأذونة أو بواسطة الاتلاف مطلقا في القيميات هي القيمة كما حققناه في قاعدة اليد، (1) فصحة هذا الصلح إذا كان التالف من القيميات في غاية الاشكال. اللهم إلا أن يقال على فرض القول في ضمان القيميات أنه تشتغل الذمة من حين التلف أو الاتلاف بالقيمة لا بنفسه بوجوده الاعتباري ولا بمثله، ولكن القيمة التي تشتغل الذمة بها ليست خصوص النقدين المعروفين، أي الدرهم والدينار، بل المراد منها مالية التالف، سواء قدر بالنقدين المعروفين أي الدرهم والدينار أو قدر بالاجناس الاخر التي لا يكال ولا يوزن، كما إذا كانت من المعدودات أو مما يباع بالذراع والامتار أو كانت مما يباع بالمشاهدة كانواع الحيوانات كالغنم والابل وغيرهما. فلو صالحه أي صالح الذي أتلف عليه عن متاعه الذي من القيميات على مبلغ أزيد أو أقل من تلك القيمة الكلية القابلة للانطباق على النقدين وعلى غيرهما مما لا يكال ولا يوزن، فلا يكون من الربا الباطل، لان ذلك الكلي ليس من الاجناس الربوية، لانه قابل للانطباق على الاجناس الغير الربوية. وخلاصة الكلام أنه بناء على هذا الذي ذكرنا كما أنه لو كان التالف مثليا الصلح عنه على الاقل أو الازيد منه لا يكون من الربا الباطل، كذلك لو كان من القيميات، وإن قلنا باشتغال ذمته بالقيمة من حين التلف، وذلك لان المراد من القيمة ليس
(هامش)
1. راجع القواعد الفقهية ج 1، ص 131. (*)
خصوص النقدين ومنها أنه لو كانت دار مثلا في يد المعروفين بل المراد مطلق المالية. شخص وادعاها اثنان بسبب مشترك بينهما كالارث مثلا، وقالا ورثنا هذه الدار من أبينا، فكل واحد يدعي نصف تلك الدار و أنه له بسبب مشترك وهو الارث من أبيهما فصدق المتشبث أي ذو اليد أحدهما دون الآخر بمعنى أنه أقر لاحدهما المعين بان نصف هذه الدار لك وصالحه عن ذلك النصف المقر به له على مال، فتارة يجيز الاخر هذا الصلح بعد وقوعه أو باذن قبله، فهذا الصلح صحيح في تمام نصف الدار ويكون المال مشتركا بينهما لان كل واحد من المدعيين مقر بأن النصف الذي وقع الصلح عنه على ذلك المال مشاع بينهما، فبعد الاذن أو إجازة الشريك الاخر وصحة الصلح يكون العوض لهما على الاشاعة. واخرى لا يمضي الآخر ولا يقبله، فيكون الصلح في نصف ذلك النصف - اي الربع صحيحا وفي الربع الذي للاخر فضوليا وباطلا لرده وعدم امضائه. هذا كله فيما إذا اتفقا على وحدة سبب استحقاقهما وأما إذا لم يتفقا في ذلك بل ادعى أحدهما أن نصف هذه الدار مشاعا لي من جهة اشترائي من فلان والاخر ايضا ادعى ان نصفها المشاع لي بسبب آخر كارثه من ابيه أو اتهابه من فلان أو اشترائه وأمثال ذلك من اسباب التمليك غير سبب ملكية فلو صالح أحدهما على نصفه مثلا على مال يكون الصلح في تمام حصته صحيحا ويكون تمام العوض له، وهذا واضح جدا. وأما لو كان شرائهما لتلك الدار معا بمعنى أن صاحب الدار قال لهما بعتكما هذه الدار فقبلا دفعة أو قبل وكيلهما عنهما أو اتهابها معا وكذلك قبضها دفعة ومعا. فهل هذا مثل كون ملكهما عن سبب واحد، فإذا أقر ذو اليد لاحدهما بنصف الدار مثلا وصالح المقر له عن ذلك النصف على مال يكون نصف مال المصالحة لذلك الاخر الذي هو شريك مع هذا الذي صالحه إن أذن في الصلح قبلا أو أجاز بعد
وقوعه، وإن لم يأذن ولم يجز، فالصلح باطل في حصته وصحيح في نصف ذلك النصف الذي وقع الصلح عنه أي في ربع الدار لمفروض ويرجع نصف مال المصالحة إلى مالكه قبل وقوع الصلح اي المصالح المذكور. أولا؟ بل يكون ملحقا بما إذا كان ملكية الشريكين من سببين متغايرين فيكون الصلح صحيحا في تمام حصة المقر له ولا دخل للشريك الاخر في هذا الصلح وليس لامضائه ولا لرده أثر في صحة هذا الصلح، ولا في بطلانه؟ ربما يقال بأن ذا اليد لو أقر بملكية احدهما مرجعه إلى قوع الاتهاب أو الابتياع بالنسبة إليه ولا يمكن التفكيك بين وقوع الاتهاب أو الابتياع بالنسبة إلى المقر له دون الاخر لان المدعيين متفقان في وحدة سبب ملكيتهما وهو الاتهاب مع القبض منهما دفعة فيكون الاخر غير المقر له مقرا ومعترفا بأن كل نصف من الانصاف المتصورة في هذه الدار يكون له وللاخر فإذا كان ذو اليد يعلم فلازم اقراره لاحدهما اقراره لكليهما نعم يمكن لذي اليد دعوى ان الاتهاب والابتياع لم يقع الا في نصف هذه الدار. وأما الشريكان فالمفروض اتفاقهما على أن هذه الدار جميعها ابتياعا بصيغة واحدة أو اتهابا بقبول واحد وقبض واحد مشاع بينهما فإذا رفع الغاصب يده عن نصف الدار فقهرا يكون ذلك النصف لكليهما لا لاحدهما، فيكون الصلح مع أحدهما عن نصف الدار فضوليا بالنسبة إلى نصف ذلك النصف اي ربع تلك الدار موقوفا على احازة المالك وهو الشريك الاخر غير المقر له. ولكن التحقيق أن الاقرار لاحد الشريكين إذا كان سببها اي الشركة واحدا لا ينصرف إلى حصة المقر له وحده، بل الغاصب لما رفع اليد عن نصف مال المغصوب من الشريكين يكون لهما ولا وجه لاختصاصه باحد الشريكين وان اقر بانه لاحدهما. هذا في الاقرار وأما بالنسبة إلى البيع والصلح، فان باع أحد الشريكين النصف
المشاع من المال المشترك الذي يملكه، فان صرح بان المبيع هو نصف نفسه أو نصف شريكه يكون هو المبيع لانه عين المبيع، وأما إن اطلق فالظاهر أنه ينصرف إلى نصف نفسه، وقد حققنا هذه المسألة في مسألة من باع نصف الدار وله ملك نصفها ينصرف إلى ما يملكه من نصفها المشاع. وبعبارة اخرى تارة يعين في مقام البيع حصة شريكه أي يبيع نصف الدار الذي لشريكه واخرى النصف المشاع الذي يملكه هو فيقع البيع عمن قصده نفسه أو شريكه وثالثة يطلق لا يقصد بين نصف نفسه ولا نصف شريكه. ولعل هذه الصورة صارت محل البحث في مسألة من باع نصف الدار وله ملك نصفها، فالمدعى أن الظاهر في هذه الصورة انصراف البيع إلى ما يلمكه لا أن يبيع مال غيره بدون ذكره والانتساب إليه. هذا حال البيع وكذلك الصلح إذا وقع عن حصة مشاعة بين من يصالح معه وبين غيره، فالظاهر أنه ينصرف إلى حصة من يصالح معه فيكون الصلح بالنسبة إلى تمام ما يصالح عنه وهي الحصة المشاعة التي لمن يصالحه صحيحا ويكون تمام المال المصالحة له ولا يستحق شريكه شيئا منه. قال في جامع المقاصد (1) في قمام ترجيح صحة الصلح المذكور في تمام ما صالح عنه ووقوعه عن تمام حصة المصالح معه وبعبارة كونه كالصلح عن مال غير مشاع مشخص معين أو المشاع بسبب غير سبب الحصة التي للشريك. قال: ولقائل أن يقول لا فرق بين تغاير السبب وكونه مقتضيا للتشريك في عدم الشركة لان الصلح إنما هو على استحقاق المقر له وهو أمر كلي يمكن نقله عن مالكه إلى آخر، ولهذا لو باع احد الورثة حصة من الارث صح ولم يتوقف على رضا الباقين.
(هامش)
1. جامع المقاصد ج 5، ص 434. (*)
ثم اعلم أن الفروع التي ذكرها الفقهاء في كتاب الصلح كثيرة، ولكن البحث عنها غالبا يرجع إلى قواعد اخر غير قاعدة الصلح جائز بين المسلمين ولذلك تركنا ذكرها لكي يكون البحث عنها في كتاب الصلح كما هو ديدن الفقهاء رضوان الله تعالى عليهم. والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا.