قاعدة لا تعاد
ومن القواعد الفقهية قاعدة (لا تعاد الصلاة إلا من خمس) التي تنطبق على فروع كثيرة مذكورة في الفقه، في أبواب الخلل من كتاب الصلاة. ومدرك هذه القاعدة هي الرواية المروية الصحيحة عن أبي جعفر الباقر عليه السلام رواها الفقيه باسناده عن زرارة، عن أبي جعفر الباقر (ع) قال (ع): (لا تعاد الصلاة إلا من خمس: الطهور، والوقت، والقبلة، والركوع، والسجود - ثم قال: - القراءة سنة والتشهد سنة، ولا تنقض السنة الفريضة) (1). ولا يمكن الخدشة فيها من حيث السند والصدور، لصحة سندها وعمل الأصحاب بها، فالعمدة بيان مقدار دلالتها. وتوضيحها في ضمن مباحث: (المبحث) الأول: في أنه هل تشمل اخلال العامد العالم بالحكم، بمعنى أنه لو أخل بشرط أو بجزء بسبب عدم إتيانه بهما عمدا عالما، أو أتى بمانع عمدا مع علمه بأنه مانع، فعقد المستثنى منه - أي قوله عليه السلام (لا تعاد الصلاة) - يدل على عدم لزوم الإعادة وكفاية ما أتى به أم لا ؟
(هامش)
(القواعد) ص 232، (القواعد الفقهية) (مكارم الشيرازي) ج 3 ص 509 (المبادى العامة للفقه الجعفري) ص 244. (1) (الفقيه) ج 1، ص 339، باب أحكام السهو في الصلاة، ح 991، (وسائل الشيعة) ج 4 ص 770، أبواب القراءة في الصلاة، باب 29، ح 5 (*)
أقول: لا ينبغي صدور هذا الاحتمال من أحد في هذا الحديث الشريف، لأنه مخالف لأدلة الأجزاء والشرائط والموانع: إذ معنى جعل شيء جزءا أو شرطا للصلاة أن الصلاة لا تتحقق بدونه، كما أن معنى جعل شيء مانعا هو عدم تحققها وعدم امتثال الأمر الصلاتي مع وجوده فلو كانت الصلاة صحيحة مع الإخلال بأجزائها وشرائطها عمدا مع العلم بالحكم فيلزم الخلف، إذ معناه أن ما هو جزء أو شرط أو مانع بأدلة الأجزاء والشرائط والموانع ليس بجزء ولا بشرط ولا بمانع، وهذا عين الخلف والمناقضة فنفس أدلة الأجزاء والشرائط والموانع مناقضة مع هذا الاحتمال مطابقة أو التزاما، إذ ما كان منها يثبت الجزئية أو الشرطية بلسان (يعيد فيما إذا أخل بها) يكون مناقضا مع هذا الحديث بناء على هذا الاحتمال بالمطابقة. وما كان منها بلسان نفي الصلاة بعدمها كقوله عليه السلام (لا صلاة إلا بفاتحة) (1) يكون مناقضا معه بالالتزام، فمن المقطوع المسلم عدم شمول الحديث للعامد العالم بالحكم. وقد تكلف البعض وهو العالم المدقق المتقي الميرزا محمد تقي الشيرازي (قدس سره) لإمكان ذلك بالالتزام بأمرين: أحدهما متعلق بالخمسة المستثناة وغيرها مما ثبت ركنيته والآخر بإتيان باقي الأجزاء والشرائط معها، فلو أتى بالخمسة وغيرها مما ثبت ركنيته وترك الباقي عمدا مع العلم بوجوب إتيانها فالأمر المتعلق بنفس الخمسة وغيرها مما ثبت ركنيته يسقط بالامتثال، والأمر المتعلق بإتيان باقي الأجزاء والشرائط أيضا يسقط بواسطة عدم بقاء المحل والموضوع له، إذ محله وموضوعه كان إتيان باقي الأجزاء والشرائط مع الخمسة، والمفروض أنه أتى بالخمسة وسقط أمرها. وهذا كما قلنا في الإتيان بالجهر في موضع الإخفات أو بالعكس مع الجهل تقصيرا أنه تعلق أمر بذات الصلاة الجامع بين الجهر والإخفات، وأمر آخر بإتيانها
(هامش)
(1 ((عوالي اللئالي) ج 1، ص 196، ح 2، وج 2، ص 218، ح 13، وج 3، ص 82، ح 65 ص 81 جهرا في الجهرية وإخفاتا في الإخفاتية، فإذا أتى بالجهر في موضع الإخفات أو بالعكس، أو أتى بالإتمام في موضع القصر فقد أتى بما هو المأمور به بأحد الأمرين فيسقط ذلك الأمر بالامتثال، والأمر الآخر أيضا بعدم الموضوع والمحل، لأن محل الجهر أو الإخفات أو القصر في صلاة المسافر هو المأمور به بالأمر الذي سقط بالامتثال. وكذلك فيما نذر أن يأتي بصلاته الواجبة مقرونة بخصوصية مستحبة، وذلك كما لو نذر بصلاة الظهر مثلا جماعة، أو في المسجد فأتي بها منفردا أو في الدار، فالأمر الأول العبادي يسقط بإتيان الفريضة بدون تلك الخصوصية لإتيانه بما هو متعلقة وإلا يلزم طلب الحاصل. والأمر النذري أيضا يسقط، لعدم بقاء المحل والموضوع له، لأن متعلقه كان خصوصية في متعلق الأمر الأول، ومع الإتيان به لا يبقى محل لتلك الخصوصية حتى يأتي بها. نعم الالتزام بالأمرين بالبيان المتقدم لازمه استحقاق العقاب فيما إذا كان عالما بالحكم أو جاهلا مقصرا، لتفويته للواجب باتيانه المأمور به بذلك الأمر بدون الخصوصية في مورد النذر، وبدون أن يقصر في مورد المسافر، وبدون الجهر في مورد الجهر، وبدون الاخفات في مورد الإخفات. ولا بأس بالالتزام بذلك بأن يقال بصحة صلاته وعدم وجوب الإعادة إذا أتى بالمستثنى - أي الخمسة - وغيرها مما ثبت ركنيته وكان مع ذلك مستحقا للعقاب من ناحية تفويته الواجب الآخر، أي سائر الأجزاء والشرائط هذا حاصل ما أفاد في إمكان شمول (لا تعاد) مورد العلم بالحكم. ولكن أنت خبير بأن هذا صرف فرض، وإلافهو أمر مخالف للواقع، والمسلم المقطوع أنه ليس للصلاة إلا أمر واحد متعلق بمجموع هذه الأجزاء والشرائط وإعدام تلك الموانع، بأن ما هو داخل تحت ذلك الأمر قيدا وتقييدا نسميه الجزء، وما هو
داخل تحت ذلك الأمر تقييدا لا قيدا فإن كان التقييد الداخل تحت الأمر هو التقييد بوجود شيء فنسمي ذلك الشيء بالشرط، وإن كان هو التقييد بعدم شي نسمي ذلك الشيء بالمانع فمرادنا من عدم إمكان شمول صحيحة (لا تعاد) لمورد العلم بأجزاء الصلاة وشرائطه وموانعه ولزومه للخلف والمناقضة، هو بعد الفراغ عن أنه ليس للصلاة إلا أمر واحد متعلق بالمجموع. ولا ينافي وحدته في مقام الثبوت بيانه بصورة القطعات في مقام الإثبات والتبليغ إلى المكلفين، فتارة يبين جزئية شيء للصلاة بصورة عدمها بعدمه، كقوله (لا صلاة إلا بفاتحه الكتاب) (1) و (لا صلاة إلا بطهور) (2) و (لا صلاة لمن يقم صلبه) (3) وأمثال ذلك. وتارة بالأمر به فيها، كقوله: فكبر واقرأ سورة من سور القرآن، واغسل ثوبك، واستقبل، وأمثال ذلك. وتارة بصورة أخرى كالنهي عن الصلاة في غير المأكول وأمثاله. وعلى كل حال الأوامر المتعلقة بالأجزاء والشرائط ليست إلا أوامر غيرية مولوية، أو إرشادية إلى أن المركب المأمور به حصوله و - وجوده موقوف على وجود هذا الشيء في الأجزاء والشرائط، وعلى عدمه في الموانع. وأما نقضه ببعض أفعال الحج بأن الحج صحيح لا يجب إعادته مع ترك ذلك الفعل عمدا مع العلم بحكم ذلك الفعل أي بوجوبه في الحج فجوابه أنه لو دل دليل على مثل ذلك من إجماع أو رواية معتبرة فلابد من حمله على كونه من قبيل الواجب في الواجب، أو من قبيل تعدد المطلوب، وإلا يكون من
(هامش)
(1) سبق ذكره في ص 80 (2) (الفقيه) ج 1، ص 33، باب وقت وجوب الطهور، ح 67 (تهذيب الأحكام) ج 1، ص 49 ح، باب اداب الأحداث الموجبة للطهارة، ج 83، (وسائل الشيعة) ج 1، ص 222، أبواب أحكام الخلوة، باب 9، ح 1. (3) (الكافي) ج 3، ص 320، باب الركوع وما يقال فيه من التسبيح و.. ح 6، (تهذيب الأحكام) ج 2، ص 7 8، ح 290، باب كيفية الصلاة وصفتها، ح 58، (وسائل الشيعة) ج 4، ص 939، أبواب الركوع، باب 16، ح 2. (*)
قبيل الخلف والمناقضة، وعلى كل حال لا ينبغي الأرتياب في عدم شمول الصحيحة لحال العمد مع العلم بالحكم. (المبحث) الثاني: في أنها هل تشمل الإخلال العمدي مع الجهل بالحكم، سواء كان الجهل عن تقصير، أو عن قصور مطلقا، أويفرق بينهما بشمولها لمورد الجهل عن قصور دون ما إذا كان عن تقصير، أو لا تشمل مطلقا ؟ وجوه بل أقوال ذهب المشهور إلى عدم شمول الصحيحة للعامد الجاهل مطلقا، قصورا كان أو تقصيرا. وفرق الشيخ الأعظم الأنصاري (قدس سره) بين الجهل عن قصور فقال بالشمول، وبين الجهل عن تقصير فقال بعدم الشمول. (1) ثم إن ما ذهب إليه المشهور من القول بعدم الشمول مطلقا لم يفرقوا بين أن يكون الجهل بالحكم قصورا أو تقصيرا من أول الأمر ولم يكن مسبوقا بالعلم، أو كان مسبوقا به. وبعبارة أخرى: لم يفرقوا بين نسيان الحكم والجهل به من أول الأمر. فالمشهور يقولون بعدم شمول الصحيحة للعامد الجاهل مطلقا، سواء كان منشأ جهله نسيان الحكم أو كان من أول الأمر جاهلا، وأيضا سواء كان جهله عن قصور أو عن تقصير. وربما يستدل للقول المشهور بعدم شمول الصحيحة للإخلال العمدي مطلقا - سواء كان عن قصور أو تقصير، وسواء كان الجهل بالحكم مسبوقا بالعلم به أو لم يكن كذلك - بأن الظاهر والمستفاد من الحديث هو نفي الإعادة في مورد لولا هذا الحديث لكان مأمورا بالإعادة، ونفيه للإعادة في مثل المورد المذكور يكون في غير الخمسة المذكورة كما هو صريح المستثنى فيكون العقد المستثنى منه من الحديث الشريف مفاده الذي هو عبارة عن عدم الإعادة مختصا بمورد السهو ونسيان الموضوع، لانسيان الحكم الذي هو عبارة عن الجهل المسبوق بالعلم وما هو من قبيل
(هامش)
(1) انظر (فرائد الأصول) ج 2 ص 495. (*)
السهو والنسيان، مثل الاضطرار وغيره مما يوجب سقوط الأمر بالمركب التام الأجزاء والشرائط، بحيث لو كانت الإعادة واجبة ويكون الإتيان بالتام الكامل لازما لابد وأن يكون بصورة الأمر بالإعادة بقوله (أعد). وأما لو كان الأمر الأول المتعلق بالمركب التام الأجزاء والشرائط باقيا ولم يسقط، فلا معنى لمجئ أمر جديد من قبل المولى يأمر بالاعادة. وقد عرفت أن مجرى حديث (لا تعاد) هو فيما إذا كان الأمر الأول ساقطا بواسطة السهو والنسيان والاضطرار وأمثال ذلك. فالعامد إلى الإخلال - ولو كان من جهة الجهل بالحكم قصورا أو تقصيرا أو من جهة نسيان الحكم - حيث أن الأمر الأول لم يسقط عنه لأن الجهل بالحكم لا يوجب سقوط الأمر مطلقا، قصورا كان أو تقصيرا أو نسيانا، وذلك للإجماع على اشتراك التكاليف بين العالم والجاهل بها، وبعضهم ادعى تواتر الأخبار على ذلك، ولا فرق في ذلك بين الجهل قصورا أو تقصيرا وإنما الفرق بينهما في أن الجاهل المقصر يستحق العقاب دون القاصر - فلا يكون له خطاب جديد بعنوان (أعد) بل المحرك له نحو الإتيان بالمأمور به الكامل التام الأجزاء والشرائط هو الأمر الباقي إلى زمان ارتفاع الجهل بكلا قسميه، وأيضا إلى زمان ارتفاع نسيان الحكم وحصول العلم به. فإذا كان معنى الحديث كما استظهرنا نفي الإعادة عن مورد لولا هذا الحديث كان مخاطبا بالإعادة فلا يشمل مورد العمد مطلقا، سواء كان عالما بالحكم، أو جاهلا قصورا أو تقصيرا، أو ناسيا للحكم، لعدم الأمر بالإعادة في هذه الموارد ولو لم يكن هذا الحديث، بل كان وجو ب الإتيان بالتام بعد رفع الجهل بنفس الأمر الأول لبقائه وعدم سقوطه بواسطة الجهل ولو كان عن قصور أو كان بواسطة نسيان الحكم. وبهذا البيان قال شيخنا الأستاد (قدس سره) بعدم شمول الحديث للعامد الجاهل مطلقا. (1)
(هامش)
(كتاب الصلاة) ج 2، ص 406، رسالة في صحيحة لا تعاد. (*)
ولكن أنت خبير بأن مفهوم الإعادة عبارة عن إيجاد الشيء بعد إيجاده ثانيا أو ثالثا، وهكذا مقابل الإيجاد ابتداء من غير سبق إيجاده، غاية الأمر أن الإعادة بالمعنى المذكور قد تكون إعادة بالدقة بحيث يكون الوجود الثاني مثل الوجود الأول بالدقة - وأما كون الوجود الثاني نفس الوجود الأول بالدقة فمحال بالضرورة - وقد تكون إعادة عرفا ولو كان المعاد لا يكون على طبق الوجود الأول تماما وطابق النعل بالنعل. وفي الإعادة عرفا قد يكون الوجود الأول مشتملا على زيادات، وقد يكون بالعكس، وقد يكون إعادة ادعاء من حيث ترتيب الآثار. وبناء على هذا ففي موارد الاخلال العمدي - من جهة الجهل بالحكم بكلا قسميه، أو نسيانه - ولو كان لزوم الإتيان بالصلاة التام الأجزاء والشرائط بعد الالتفات إلى أنه أخل بإتيانها كما هي من جهة ترك جزء أو شرط أو ارتكاب مانع يكون بالأمر الاول، ولكن هذا الوجود التام حيث أنه يكون بعد ذلك الوجود الناقص الذي أتى به يصدق عليه أنه إعادة، فلو لم يكن هذا الحديث كان مقتضى الأمر الأول الباقي أن يأتي به ويعيده تام الاجزاء، ولكن هذا الحديث ينفي إعادته ثانيا تاما ويقول بكفاية ذلك الناقص الذي أتى به. فالإنصاف أنه لا قصور في شمول الحديث لموارد الجهل والنسيان للحكم، من جهة صدق الإعادة على الإتيان بها ثانياتام الأجزاء والشرائط. والشاهد على ما ذكرنا ورود لفظ (يعيد) في جملة من الأخبار مع عدم سقوط الأمر الأول. منها: ما ورد فيمن أجهر في موضع الإخفات متعمدا أو بالعكس كذلك (أنه) نقض صلاته وعليه الإعادة.) (1)
(هامش)
(1) (الفقيه) ج 1، ص 344، باب احكام السهو في الصلاة، ح 1003، (تهذيب الأحكام) ج 2، ص 162، ح 635، (*)
ومنها: قوله عليه السلام فيمن صلى أربعا في السفر (أنه إن قرأ عليه آية التقصير وفسرت له فصلى أربعا أعاد) (1) والحاصل أن إنكار شمول حديث (لا تعاد) لموارد الاخلال العمدي الصادر عن الجهل بالحكم قصورا أو تقصيرا، أو الناشئ عن نسيان الحكم استنادا إلى عدم صدق الإعادة على الإتيان بالصلاة التام لأنه بالأمر الأول، لا بخطاب (أعد) مما لا أساس له ولا يمكن الركون إليه. نعم يمكن أن يستدل للمشهور بأن شمول الحديث للإخلال العمدي في مورد الجهل بالحكم - مطلقا، قصورا أو تقصيرا، وكذلك في مورد نسيان الحكم الذي هو أيضا عبارة عن الجهل بالحكم غاية الامر جهل مسبوق بالعلم وإلا في حال النسيان لاشك في أنه جهل - يرجع إلى إبطال الأدلة الدالة على أن ما عدا الخمسة من الأجزاء والشرائط والموانع أيضا لها دخل في الصلاة، إما بوجودها كالأولين أي الجزء والشرط، أو بعدمها كالموانع. وذلك من جهة ما ذكرنا مرارا أن الأحكام الشرعية - وإن لم تكن لها إطلاق - يشمل حال الجهل بها، وذلك لأن التقابل بين الإطلاق والتقييد تقابل العدم والملكة، لا تقابل السلب والإيجاب. وقد شرحنا المسألة في باب المطلق والمقيد في كتابنا (منتهى الأصول) (2) فالدليل على عدم إمكان التقييد بقيد هو بنفسه دليل على عدم إمكان الإطلاق اللحاظي بالنسبة إلى ذلك القيد، ولا شك في عدم إمكان تقييد الحكم بحال الجهل أو العلم به لأن هاتين الصفتين متأخران عن الحكم المتعلق بهما، ومعنى التقييد بهما جعلهما جزءا
(هامش)
باب تفصيل ما تقدم ذكره.. ح 93 (الاستبصار) ج 1، ص 313، ح 1163، باب وجوب الجهر بالقراءة ح 1، (وسائل الشيعة) ج 4 ص 766، أبواب القراءة، باب 26، ح 1. (1) (الفقيه) ج 1، ص 435، باب الصلاة في السفر، ح 1265، (تهذيب الأحكام) ج 3، ص 226، ح 571، باب الصلاة في السفر، ح 80، (وسائل الشيعة) ج 5 ص 531، أبواب صلاة المسافر، باب 17، ح 4. (2) (منتهى الأصول) ج 1، ص 468. (*)
لموضوع فيكون مقدما على الحكم باعتبار كون كل واحد منهما جزء لموضوعه، ومتأخرا عنه باعتبار كون الحكم متعلقا لكل واحد منهما، فيلزم تقدم الشيء على نفسه. فإذا كان التقييد بهما - أي العلم والجهل - غير ممكن فيكون الإطلاق أيضا كذلك، لما ذكرنا من أن التقابل بينهما تقابل العدم والملكة. ولكن هذا في الاطلاق اللحاظي، والإطلاق بنتيجة الإطلاق لا مانع منه كما أن التقييد بنتيجة التقييد أيضا لا مانع منه. ونتيجة الإطلاق في المقام يثبت بإدعاء الاتفاق على اشتراك الجاهل والعالم في التكاليف، فلو شمل هذا الحديث مورد الإخلال العمدي جهلا بكلا قسميه - أي قصورا أو تقصيرا - فيكون معارضا مع تلك الأدلة الكثيرة الدالة على جزئية ما عدا الخمسة من أجزاء الصلاة، وكذلك بالنسبة إلى ما تدل على شرائطها وموانعها: لأن مفاد (لا تعاد) بناء على شموله لحال الجهل ونسيان الحكم نفي الجزئية والشرطية والمانعية عن جميع أجزاء الصلاة وشرائطها وموانعها ما عدا هذه الخمسة المذكورة في الحديث. وذلك من جهة أن لازم جزئية شيء أو شرطيته أو ما نعيته للصلاة في حال الجهل بكلا قسميه لزوم إعادته بعد الالتفات إلى الإخلال به، خصوصا إذا كان الالتفات مع بقاء الوقت. ونفي لازم هذه الأمور بالحديث - كما هو المدعى بناء على شموله لحال الجهل - مستلزم لنفي هذه الأمور، أي الجزئية والشرطية والمانعية في حال الجهل. فيدور الأمر بين رفع اليد عن ظاهر تلك الأدلة الدالة على الجزئية والشرطية والمانعية في حال الجهل، وبين حملها على حال العلم فتكون جزئية تلك الأجزاء وكذلك شرطيتها وما نعيتها مخصوصة بحال العلم - وهذا خلاف الإجماع، بل خلاف ما ادعى من تواتر الأخبار، بل الضرورة على اشتراك الجاهل والعالم - وبين حمل (لا تعاد) على مورد السهو والنسيان، أي لا تجب الإعادة فيما إذا كان الإخلال صدر عن سهو أو عن نسيان الموضوع، حتى لا يشمل مورد الجهل مطلقا.
ولا محذور في هذا الحمل، بل هو المتعين، فيكون من قبيل دليل نفي الضرر والحرج حاكما على الأدلة الأولية، أي يدل على تضييق دائرة الجزئية والشرطية والمانعية، ورفعها ونفيها في حال السهو والنسيان. وذلك مع أن سياق الحديث من أول الأمر ليس إلا في مقام التعرض لحال السهو والخطأ ونسيان الموضوع. والانصاف أن القول بشمول الحديث لحال الجهل، خصوصا إذا كان عن تقصير لا ينبغي أن يصدر عن فقيه، بل لا يتصور تقصير بناء على نفي الجزئية والشرطية والمانعية من غير هذه الخمسة في حال الجهل، إذ ليس في تلك الحال جزء أو شرط أو مانع حتى يجب عليه التعلم، حتى يكون تركه تقصيرا. نعم لو قلنا بأن توجيه التكليف إلى الجاهل القاصر قبيح لعجزه عن الامتثال - كما ربما يخطر بالبال - فيكون مثل السهو والخطأ ونسيان الموضوع مشمولا للحديث، كما أنه ليس ببعيد إن لم يكن إجماع على الخلاف. وأما شموله للجاهل المقصر مع الالتفات في الوقت وبقاء الوقت لأداء الصلاة لا يخلو من غرابة. وأما ما نقل عن الشيخ الأعظم الأنصاري (قدس سره) من التفصيل بين الجهل قصورا وقال بشموله له، وبين الجهل عن تقصير وقال بعدم الشمول. (1) فإن كان وجهه ما احتملناه من عدم صحة توجيه الأمر إلى الجاهل القاصر لعجزه عن الامتثال فله وجه، وإن كان أيضا لا يخلو من إشكال. وأما إن كان وجهه - كما حكى عنه - أن هذه الصحيحة في مقام بيان حكم من كان له تكليف واقعا، فتكليفه في زمان الجهل بالناقص، وعدم وجوب الصلاة التام الأجزاء والشرائط عليه، فلا يشمل الجاهل المقصر، لأنه بسبب تقصيره استحق العقاب فسقط أمره بالتام بواسطة العصيان،
(هامش)
(1) انظر: (فرائد الأصول) ج 2، ص 495. (*)
فليس أمر بالتام متوجه إليه حتى يشمله الحديث، ويكون مفاده أيها الجاهل الذي أنت مأمور بإتيان المركب التام إتيانك بالناقص يكفي ويجزي، ولا يجب عليك الإعادة، لأنه ليس مأمورا به بعد العصيان واستحقاق العقاب. فهذا كلام عجيب لا ينبغي أن يسند إلى مثل شيخنا الأعظم الأنصاري، وحيث أن مواقع الخلل فيه واضح ولذلك لا نتعرض بما فيه. (المبحث) الثالث: في بيان ما هو المستفاد من ظاهر الصحيحة، أي فيما تدل عليه بالدلالة التصديقية: فتارة: نتكلم في عقد المستثنى منه، أي قوله عليه السلام (لا تعاد الصلاة). وأخرى: في عقد المستثنى، أي قوله عليه السلام (إلا من خمس.) أما الأول: فالكلام فيه من جهات: (الجهة) الأولى: ظاهر هذه الجملة أن كل إخلال وقع في الصلاة إذا لم يكن ذلك الإخلال من قبل الخمسة، ولم يكن عن عمد مع العلم بالحكم أو مع الجهل به مطلقا سواء كان عن قصور أو عن تقصير فلا يوجب الإعادة: فينتج رفع الجزئية والشرطية والمانعية عن جزء أو شرط تركهما خطأ أو نسيانا، أو أتى بمانع كذلك. وبعبارة أخرى: في كل مورد سقط الأمر بالصلاة الكاملة التامة بواسطة العذر العقلي أو الشرعي، وكان بمقتضى إطلاق أدلة الأجزاء والشرائط يجب عليه الإعادة في الوقت بل القضاء في خارج الوقت بعد رفع العذر، فحديث (لا تعاد) يرفع الجزئية والشرطية والمانعية، وينفيها بنفي الإعادة، فيكون الحديث حاكما على إطلاق أدلة الأجزاء والشرائط والموانع، بحيث لو لم يكن حديث (لا تعاد) لكان مقتضى تلك الإطلاقات ثبوت الجزئية والشرطية والمانعية حتى في حال السهو والنسيان، ولازمه وجوب الإعادة في الوقت بعد رفع العذر.
فالحديث يضيق دائرة الإطلاقات، ويخصص هذه الأمور - أي الجزئية والشرطية والمانعية - بغير حال السهو والنسيان، بل بغير الاضطرار. وأما في هذه الموارد فينفي الجزئية والشرطية والمانعية بل ينفي هذه الأمور في كل مورد سقط الأمر، ولو بواسطة التزاحم والإكراه. والسر في ذلك أنه لو كان أمر بالصلاة التام الأجزاء والشرائط فيعارض الحديث، لأن مقتضى ذلك الأمر يكون الإعادة بعد الالتفات، خصوصا إذا كان رفع العذر في الوقت مع بقائه لأدائه، ولا حكومة لدليل (لا تعاد) على دليل ذلك الأمر، بخلاف ما إذا سقط الأمر ولو كان سقوطه بواسطة التزاحم أو الإكراه أو الاضطرار، فليس شيء في البين يعارض هذه الصحيحة إلا دليل الأجزاء والشرائط، وقد تقدم أنها محكومة بلاتعاد، ويكون حال لا تعاد بالنسبة إليها حال أدلة نفي الضرر والحرج بالنسبة إلى العمومات وإطلاقات الأدلة الأولية، فلا تبقى معارضة في البين. (الجهة) الثانية: في أن هذا الحكم، أي عدم وجوب الإعادة في الموارد المذكورة من السهو والنسيان والخطأ والاضطرار وغيرها عند الإخلال بها هل يختص بالنقيصة، أو يشمل الزيادة أيضا فيما إذا كانت الزيادة موجبة للإعادة ؟ الأقوى هو الشمول، وذلك من جهة أن الظاهر والمتفاهم العرفي من هذه الجملة أن الخلل الواقع من غير ناحية هذه الخمسة لا يكون موجبا للإعادة، سواء كان سبب وقوع الخلل نقيصة شيء من الأشياء التي لها دخل في الصلاة وجودا أو عدما، أو زيادته. فلا يرد عليه أن التقدير في طر ف المستثنى منه إما أن يكون وجود الشيء، فيلزم أن يكون مفاد الحديث عدم وجوب الإعادة من وجود كل ما اعتبر في الصلاة إلا من وجود هذه الخمسة. وهذا المعنى واضح البطلان. وإما أن يكون عدم الشيء، فيكون مفاد الحديث لا تجب الإعادة من عدم كل ما اعتبر في الصلاة إلا من عدم هذه
الخمسة. وهذا المعنى وإن كان في حد نفسه صحيحا ولكن خلاف ظاهر الحديث، إذ ظاهره عدم وجوب إعادة الصلاة مطلقا، ومن أي جهة كانت إلا من ناحية هذه الخمسة. إذ الظاهر من كلمة (لا تعاد الصلاة) نفي طبيعة إعادة الصلاة، لا خصوص نفي إعادتها من قبل شيء دون شيء ولو كان معنى الحديث عدم إعادتها من ناحية خصوص عدم كل شيء معتبر وجوده في الصلاة لم تشمل الإعادة من قبل وجود بعض القواطع، كالتكلم فيها سهوا مثلا، وقد عرفت أن ظاهره العموم، خصوصا بقرينة الاستثناء. والمستثنى مما يكون زيادتها ونقيصتها موجبة للإعادة، فبحكم السياقة لابد وأن يكون المسنثنى منه أيضا زيادتها ونقيصتها لا توجب الإعادة. فالانصاف أنه لا ينبغي أن يشك في أن الظاهر والمتفاهم العرفي في معنى الحديث نفي الإعادة مطلقا، من أي سبب وناحية كانت موجبة للإعادة لولا هذا الحديث سواء كان الإخلال من ناحية زيادة شيء فيما إذا كانت الزيادة لولا هذا الحديث موجبة للإعادة، أو كان من ناحية نقيصة شيء وجوده أو عدمه معتبر في الصلاة. (الجهة) الثالثة: في أنه بعد ما عرفت ما ذكرنا من معنى الحديث يظهر لك أنه لا فرق في عدم وجوب الإعادة بين أن يكون الخلل من ناحية فقد جزء - كما لو ترك فاتحة الكتاب مثلا في الركعتين الأوليين، أو في إحديهما ما لم يكن ذلك الجزء من الخمسة المستثناة - أو كان من ناحية ترك شرط سهوا ونسيانا ما لم يكن من الخمسة المستثناة، كالطمأنينة والاستقرار مثلا، أو كان من ناحية وجود مانع أو قاطع ما لم يكن من الخمسة، كالتكلم سهوا أو نسيانا، أو صلى في غير المأكول سهوا أو نسيانا. وأما ما ربما يقال من أن للشئ - المقدر في قوله عليه السلام (لا تعاد الصلاة) أي من شيء - عموم إفرادي وإطلاق أحوالي، فباعتبار العموم الإفرادي حيث أنه نكرة
واقعة في سياق النفي يشمل كل فرد من أفراد الشيء بنحو العام الاستغراقي، وباعتبار إطلاقه يشمل حالة كون ذلك الشيء جزء أو شرطا أو مانعا، فلو شمل الجميع بالإطلاق فبالعموم الافرادي يشمل كل فرد من أفراد الجزء، وكذلك بالنسبة إلى الشرط والمانع. فشموله للموانع والشروط مضافا إلى الأجزاء يحتاج إلى ثبوت إطلاق للشئ مضافا إلى عمومه الافرادي، والدليل على عموم الشيء بنحو الاستغراقي موجود ولكن لا دليل في الحديث على ثبوت الإطلاق له بحيث يشمل الثلاثة - أي الأجزاء والشرائط والموانع - ولكن حيث أن الخمسة المستثناة مشتملة على الأجزاء والشرائط دون الموانع، فبحكم وحدة السياق لابد وأن يكون المراد في طرف المستثنى منه أيضا أعم من الأجزاء والشرائط، ولا دليل على شموله للموانع. ففيه: أولا: أن المقدر هو الإخلال لا الشيء، بمعنى أن العرف يفهم من قوله عليه السلام في عقد المستثنى منه (لا تعاد الصلاة) أي لا تعاد الصلاة من الإخلال بها، فيكون الإخلال له عموم حسب المتفاهم العرفي باعتبار سببه أي إخلال، من أي ناحية وأي سبب إلا من ناحية هذه الخمسة، فيشمل الموانع بنفس العموم من دون احتياج إلى العموم. وثانيا: أن مصب العموم لكلمة (الشيء) على تقدير أن يكون هو المقدر - هو الأجزاء والشرائط والموانع، وذلك من جهة أن المراد من عدم وجوب اعادة الصلاة من الخلل الوارد عليها من ناحية كل شيء أي كل شيء من الأشياء التي لها دخل في تحقق حقيقة الصلاة، إما وجودا أو عدما، فما هو دخيل وجودا قيدا وتقييدا فهو الجزء، وتقيدا لا قيدافهو الشرط، وما هو دخيل عدمه أي الصلاة مقيدة بعدمه بنحو يكون التقييد داخلا دون القيد فهو المانع، فالحديث يشمل بعمومه الأجزاء والشرائط والموانع. ولكن هذا العموم ليس عموما عقليا لا يكون قابلا للتخصيص، بل يمكن أن يرد الدليل بالنسبة إلى بعض الموانع، أو بعض الشرائط، بل بعض الأجزاء غير
الأجزاء المذكورة في عداد الخمسة المستثناة، أعني الركوع والسجود بأن الخلل من ناحيتها سهوا أيضا توجب الإعادة، كما أنه ورد بالنسبة إلى القيام المتصل بالركوع، وتكبيرة الإحرام من الأجزاء. ولذلك قالوا إن الأركان ليست منحصرة بالخمسة المذكورة، إن كان معنى الركن هو الذي يكون تركه عمدا أو سهوا موجبا للاعادة. فلو سلمنا أن وقوع الصلاة في غير المأكول يكون موجبا للإعادة ولو سهوا، فهذا لا يدل على عدم شمول الحديث للموانع بناء على عدم كون المأكولية شرطا إذا كان لباس المصلي من الحيوان، بل كان ما لا يؤكل مانعا كما هو ظاهر موثقة ابن بكير، إذ من الممكن أن يكون فتواهم بالإعادة من جهة وجود دليل خاص عندهم. (الجهة) الرابعة: في شمول الحديث للإعادة والقضاء جميعا، بمعنى أنه يدل على نفي الاعادة في الوقت ونفي القضاء في خارج الوقت. بيان ذلك: أن المراد من نفي الاعادة في عقد المستثنى منه إن كان هو المعنى اللغوي للإعادة، فيكون معناه نفي لزوم إيجادها ثانيا بعد ذلك الايجاد الأول الذي سها عن إيجاد جزء أو شرط، أو سها عن ترك مانع، سواء كان الإيجاد الثاني في الوقت الذي نسميه بالإعادة اصطلاحا، أو كان في خارج الوقت الذي نسميه بالقضاء، لأجل شمول الإعادة بهذا المعنى اللغوي لكليهما بدون فرق أصلا. وأما إن كان المراد منه نفي الإعادة بالمعنى الاصطلاحي للإعادة - أي إيجادها ثانيا في الوقت - فأيضا يدل على نفي القضاء بالدلالة الالتزامية، بل يدل على نفيها بطريق أولى، لأن لازم عدم لزوم الإعادة في الوقت سقوط الأمر عن الكامل التام وكفاية ما أتى به من الفاقد للجزء أو الشرط أو الواجد للمانع، وإيفائه للغرض، فلم يفت شيء منه، لا الواجب لسقوط الأمر بالامتثال بما أتى به من الناقص، ولا الملاك لإ يفاء ما أتى به للغرض، فلا يبقى موضوع لوجوب القضاء.
وأما المقام الثاني أي التكلم في عقد المستثنى من هذا الحديث أي قوله عليه السلام (إلا من خمس: الطهور، والوقت، والقبلة، والركوع، والسجود) أيضا من جهات: (الجهة) الأولى: في شرح الخمسة المذكورة فيه، وأنه ما المراد منها ؟ فنقول: الأول منها (الطهور). وهذه اللفظة وإن كانت لها احتمالات: منها: أن تكون بضم الطاء اسم مصدر مأخوذ من تطهر، كالوضوء من توضأ. ومنها: أن تكون صفة مشبه بمعنى الطاهر، كالعجوز بمعنى العاجز. ومنها: أن تكون صيغة مبالغة، وهذا الوزن في صيغ المبالغة معروفة مشهورة بخلاف الاحتمالين الأولين فإن فيهما كلام ومنها: أن تكون اسم لما يتطهر به، كالوضوء والسحور، والفطور، لما يتوضأ وما يتسحر وما يفطر به. ومنها: أن تكون مصدرا من طهر. وكل هذه الاحتمالات ما عدا الاحتمال الأول فيما إذا قرأت بفتح الطاء. وعلى كل الظاهر منها في هذا الحديث أن يكون إما مصدرا من طهر بضم الهاء، ويكون بمعنى الطهارة، فيكون معنى الحديث أنه لا تعاد الصلاة إلا من أشياء أحدها الطهارة. وإما اسم لما يتطهر به، ويكون معنى الحديث أنه لا تعاد الصلاة الا من أشياء أحدها ما يتطهر به - أي الماء أو التراب - فيكون كناية عن الطهارة الحاصلة عن أحدهما حسب المتفاهم العرفي. وهذا المعنى يناسب قوله عليه السلام (فاقد الطهورين لا
صلاة له) (1). وعلى كل حال لا شك في أن الظاهر من هذه الكلمة هي الطهارة في الحديث الشريف، لأنها إن كانت مصدرا لطهر بضم الهاء فهو مرادف للطهارة، لأن كليها مصدران لطهر بتنصيص أهل اللغة، وإن كانت بمعنى ما يتطهر به كالوضوء بفتح الواو فأيضا لابد وأن يكون المراد منها هي الطهارة، إذ لا معنى لإ عادة الصلاة بواسطة السهو عن الماء والتراب إلا أن يكون المراد الطهارة الحاصلة منهما، فكأنه قال عليه السلام: لا تعاد الصلاة إلا من خمسة أشياء أحدها الطهارة. ثم إن الطهارة وإن كانت أعم من الطهارة الحدثية والخبثية جميعا لكن الظاهر أن المراد منها في الحديث خصوص الطهارة الحدثية لأنه لاشك في أن الحديث في مقام أهمية هذه الخمسة التي ثلاثة منها من الشرائط واثنان منها من الأجزاء من بين سائر الأجزاء والشرائط، فبتركها وإن كان سهوا لا تتحقق الصلاة ولا توجد، ومن هذه الجهة اصطلح الفقهاء على تسميه هذه الأمور ركنا، وعرفوا الركن بأنه ما كان زيادته ونقيصته أو خصوص نقيصته سهوا وعمدا موجبا للبطلان. وحيث أنه من مجموع الأخبار في الموارد المختلفة يفهم أهمية الطهارة الحدثية حتى اشتهر عنهم عليهم السلام أن فاقد الطهورين لا صلاة له، وأيضا قوله عليه السلام (لا صلاة إلا بطهور) (2) فمن باب مناسبة الحكم والموضوع وأهمية الطهارة الحدثية في الصلاة يقطع الفقيه بأن المراد منها هي الطهارة الحدثية، فالطهارة الخبثية للثوب والبدن داخلة في عقد المستثني منه لا المستثنى، فلو أخل بها سهوا ونسيانا لا يوجب الإعادة. الثاني: (الوقت) ولا شك في أن المراد به هو الزمان الذي عين الشارع لكل واحدة من الفرائض الخمس، وذلك الزمان لكل واحدة منها مذكور في الفقه في باب أوقات الفرائض الخمس، وهي مشهورة معروفة عند أغلب المسلمين فلا حاجة إلى (هامش)
(1) لم نجد هذه الرواية في الكتب الاربعة ووسائل الشيعة ومستدرك الوسائل وبحار الأنوار. (2) تقدم تخريجه في ص 82، رقم (2) (*)
ذكر تلك الأوقات وبيانها. ومقتضى هذه الصحيحة أنه لو أتى بها خارج الوقت مقدما عليه، أو مؤخرا عنه عمدا أو سهوا تكون صلواته باطلة. ولكن وجوب القضاء في خارج الوقت الذي هو من المسلمات - بل الضروريات - يدل على صحتها إذا أتى بعنوان القضاء لا الأداء، ولكنه لا شك في أنه لو أتى بها بتمامها قبل الوقت تكون صلاته باطلة، سواء أكان الاتيان بها قبل الوقت عمدا علما، أو جهلا قصورا أو تقصيرا، أو كان سهوا ونسيانا. نعم لو دخل فيها قبل الوقت مع قيام الحجة عنده على دخول الوقت، ودخل الوقت قبل أن يفرغ عنها فالمشهور حكموا بالصحة، اعتمادا على رواية وردت بهذا المضمون، وإلا فمقتضى هذه الصحيحة هو بطلانها، لأن ظاهرها لزوم وقوع الصلاة بتمامها في الوقت، فلو خرج شيء منها عن الوقت - سواء كان المقدار الخارج قبل الوقت أو بعد الوقت - يكون داخلا في المستثنى لا في المستثنى منه. ولكن إذا كان المقدار الخارج قبل الوقت مع قيام الحجة عنده على دخول الوقت (فيدل) على صحتها وعدم بطلانها رواية ابن أبي عمير، عن اسماعيل بن رياح: (إذا صليت وأنت ترى أنك في وقت ولم يدخل الوقت، فدخل الوقت وأنت في الصلاة فقد أجزأت عنك) (1). والإشكال في الرواية بضعف إسماعيل بن رياح مع أن الراوي عنه محمد بن أبي عمير لا وجه له، والمشهور عملوا بها. وعلى كل تقدير الحكم بالصحة بواسطة الدليل الخاص أعني هذه الرواية، وإلا مقتضى الصحيحة بطلانها كما ذكرنا. وأما إذا كان
(هامش)
(1) (الكافي) ج 3، ص 286، باب وقت الصلاة في يوم الغيم والريح...، ح 11 (الفقيه) ج 1 ص 222، باب مواقيت الصلاة، ح 667 (تهذيب الأحكام) ج 2، ص 35، ح 110، باب اوقات الصلاة وعلامة كل وقت منها، ح 61، وص 141، ح 550، باب تفصيل ما تقدم ذكره في الصلاة... ح 8 (وسائل الشيعة) ج 3، ص 15 0، أبواب المواقيت، 25، ح 1 (*).
مقدار الخارج بعد الوقت فإن أدرك من الوقت مقدار ركعة كان كمن أدرك الوقت جميعا، وهذا أيضا بالأدلة الخاصة الواردة في هذا المقام، وإلا فمقتضى عقد المستثني لزوم إعادتها وإن كان إتيانها في خارج الوقت سهوا إن كان بعنوان الأداء. وتفصيل المسألة في الفقه في باب أوقات الفرائض. الثالث: (القبلة) وهي معلومة معروفة عند جميع المسلمين حتى صار أهل القبلة عنوانا لهم، وهي عبارة عما أمر الله تعالى بتولية الوجه إليها في الصلاة بقوله تعالى (فولوا وجوهكم شطره) (1) أي المسجد الحرام. نعم وقع الخلاف في أنها للبعيد عين الكعبة أو سمتها وجانبها ؟ وعلى أي التقادير وأي قول اخترناه يكون مفاد عقد المستثنى بطلان الصلاة لو وقعت إلى غير القبلة وإن كان سهوا ونسيانا. نعم - كما قلنا في الوقت - هناك أدلة خاصة تدل في بعض الصور والفروض على صحة الصلاة وإن وقعت إلى غير القبلة من باب تخصيص الحديث أو الحكومة بالتوسعة فيها تعبدا، كقوله عليه السلام: (ما بين المشرق والمغرب كله قبلة) (2) ومعلوم أن مقتضى عقد المستثنى كان لزوم الإعادة إذا صلى سهوا أو نسيانا إلى غير القبلة، لكن هذه الرواية حاكمة على عقد المستثني، لأن مفادها توسعة القبلة إلى ما بين المشرق والمغرب، كما أنه في الثاني من الخمسة التي مذكورة في عقد المستثنى - أي الوقت - أيضا قوله عليه السلام: (من أدرك ركعة من الصلاة في الوقت فقد أدرك الوقت) (3) يكون حاكما على عقد المستثنى بسبب توسعة في الوقت تعبدا. ولا يخفى أن التوجه إلى القبلة حيث أنه شرط في جميع حالات الصلاة
(هامش)
(1) البقرة (2) 150
(2) (الفقيه) ج 1 ص 278، باب القبلة، ح 855 (وسائل الشيعة) ج 3 ص 217، أبواب القبلة، باب 12، ح 9.
(3) (الاستبصار) ج 1، ص 275، ح 999، باب وقت صلاة الفجر، ح 10، (وسائل الشيعة) ج 3، ص 158، أبواب المواقيت، باب 30، ح 4. (*)
والاشتغال بها من أول الدخول فيها إلى آخرها، فإذا خرج جزء صغير منها عن القبلة ولم يأت به إليها تكون الصلاة فاقدة لهذا الشرط، وتكون داخلة في عقد المستثنى لا المستثنى منه. فلا فرق بين خروجها بتمامها عن القبلة وبين خروج مقدار منها عنه وان كان ذلك المقدار يسيرا. الرابع: (الركوع) والخامس (السجود) وهما من مقولة الوضع، وكل واحد منهما عبارة عن هيئة خاصة حاصلة لجسم الإنسان من نسبة أجزاء جسمه بعضها إلى بعض ومجموعها إلى الخارج، فيكونان كالقيام والقعود والانبطاح والاستلقاء، فهذه كلها أوضاع للجسم الإنساني. وهذه المفاهيم كلها مفاهيم عرفية، يحمل ما يفهم العرف منها، إلا إذا أتى دليل على أن الشارع تصرف فيها في عالم موضوعيتها لأحكامه بالزيادة أو النقيصة مما يفهمه العرف، وأما إذا أطلق فيحمل على ذلك المعنى العرفي. فالركوع عند العرف له مصاديق بل مراتب، فمن أول خفض الرأس مع أول مرتبة من انحناء البدن إلى الانحناء والنفوس التام يسمى عند العرف بالركوع، فإن اطلق الشارع في حكمه عليه وقال مثلا: (إركع في كل ركعة من صلاتك) فإذا أتى بأي مصداق من مصاديقه العرفية وأية مرتبة من مراتبه فقد امتثل، ما لم يكن انصراف أو قرينة على إرادة أحد المصاديق أو المراتب بالخصوص. نعم إذا جاء تحديد من قبل الشارع في عالم موضوعيته لحكمه، فلابد من أن ينظر إلى مقدار دلالة ذلك الدليل وقد وقع الخلاف في ما يستفاد من أدلة تحديد الركوع: فقال بعضهم: إنه عبارة عن الانحناء إلى حد تصل يداه إلى ركبتيه وصولا لو أراد وضع شيء منهما عليهما لوضعه. وفي المنتهى: ويجب فيه الانحناء بلا خلاف وقدره أن تكون بحيث تبلغ يداه إلى
ركبتيه، وهو قول أهل العلم كافة إلا أبا حنيفة (1) وقال في التذكرة: ويجب فيه الانحناء إلى أن تبلغ راحتاه إلى ركبتيه إجماعا، إلا من أبي حنيفة، انتهى (2). والظاهر من العبارة التي في المنتهى - كما هو الصريح فيما حكينا عن التذكرة - ادعاء الإجماع على هذا التحديد من العامة والخاصة ما عدا أبي حنيفة، والظاهر أن أبي حنيفة في قوله (بأن الركوع عبارة عن مطلق الانحناء) ناظر إلى مفهومه العرفي. وبعضهم اعتبر الوضع الفعلي للكفين على الركبتين. وبعضهم اكتفى بإمكان وصول أطراف الأصابع إلى الركبتين. ومنشأ اختلاف تفاسيرهم اختلاف تعابير الأخبار. وعلى كل حال لسنا في مقام تحقيق هذه المسألة الفقهية - وإن كان الأقرب بنظري مما يستفاد من الأخبار بلوغ الانحناء إلى حد وصول أطراف الأصابع إلى الركبتين: لصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: (فإن وصلت أطراف أصابعك في ركوعك إلى ركبتيك أجزأك ذلك، وأحب إلي أن تمكن كفيك من ركبتيك فتجعل أصابعك في عين الركبة وتفرج بينها) (3) وأخبار أخر بهذا المضمون - بل المقصود ما هو المراد من الركوع في عقد المستثني. ؟ فنقول: إن الظاهر المراد أنه إذا وقع خلل في الصلاة من ناحية الركوع فتجب الإعادة سواء أكان بالنقيصة أو بالزيادة، فلو فات منه الركوع وصلى بلا ركوع في جميع الركعات، أو في بعضها يجب عليه الإعادة، لا كلام في ذلك.
(هامش)
(1) (منتهى المطلب) ج 1، ص 281 (2) تذكرة الفقهاء) ج، 1، ص 118 (3) (الكافي) ج 3، ص 335، باب القيام والعقود في الصلاة، ح 1، (تهذيب الأحكام) ج 2، ص 83، ح 308 باب كيفية الصلاة وصفتها، ح 76، (وسائل الشيعة) ج 4، ص 675، أبواب افعال الصلاة، باب 1، ح 3. (*)
وإنما الكلام في جهات أخر:. منها: أنه هل وجوب الإعادة فيما إذا ترك الركوع بجميع مراتبها بحيث لم يأت به أصلا، أو فيما إذا لم يأت بالمرتبة الكاملة وإن أتى بسائر المراتب ؟ والصحيح هو أنه وجوب الإعادة يكون فيما إذا لم يأت بما حدده الشارع وإن أتى بما دون ذلك من المراتب، لأن الحكم الشرعي إذا كان موضوعه الركوع فيكون ثبوت ذلك الحكم في ظرف وجود ما يراه الشارع ركوعا، لا ما يراه العرف ركوعا. نعم لو لم يكن تصرف من قبل الشارع، بمعنى أنه لم يكن تحديد من قبل الشارع لكان حينئذ المرجع في تعيين الموضوع هو العرف، لكن الأمر ليس كذلك، فإن الشارع حدد الركوع المعتبر في الصلاة، فإذا ركع في صلاته ولم يصل إلى حد الذي حدده الشارع به فيصدق أنه فات منه الركوع وإن أتى به ببعض مراتب المعني العرفي ولكن ذلك لا يفيد، لأنه ليس موضوعا للحكم الشرعي، فيدخل في المستثنى مع صدق الركوع العرفي على ما أتى به، فتجب عليه الإعادة. ثم إنه مقتضى هذا الحديث لزوم إعادة الصلاة عند عدم الإتيان وفوته وعدم إمكان تدار كه في نفس الصلاة، ومقتضى القاعدة الأولية صدق الفوت بعدم الإتيان به في محله الذي عين الشارع له، فلو تجاوز عن ذلك المحل ولم يأت به يصدق أنه فات منه، لا أن الشارع تصرف في المستفاد عرفا عن مفهوم تجاوز المحل، وفرق في إمكان التدارك بين احتمال عدم الإتيان والقطع به في أجزاء الصلاة، فجعل محل تدارك احتمال العدم عدم المضي عن الشيء والتجاوز عنه أو عدم الدخول في غيره، ومحل تدارك القطع بالعدم عدم الدخول في الركن الذي بعده. وبعبارة أخرى: محل التجاوز في الجزء المنسي وعدم إمكان التدارك - بعد ما التفت إلى نسيانه وعدم الإتيان به قطعا سواء أكان ذلك الجزء المنسي ركنا أو لم يكن بركن - هو الدخول في الركن الذي بعده، لأنه ان لم يدخل فيه فيرجع ويعيد ولا يلزم
محذور أما إن كان غير ركن، كما لو نسي فاتحة الكتاب وتذكر قبل أن يدخل في الركوع بعد قراءة السورة أو بعد القنوت في الركعة الثانية مثلا فيرجع ويتدارك، ثم يأتي بما بعدها، كل ذلك امتثالا لأوامرها المتعلقة بالأجزاء والشرائط. ولا يتوهم أنه يلزم زيادة بعض الأجزاء غير الركني إذا أتى بما بعد المنسى مما أتى بها قبلا في حال نسيان فاتحة الكتاب في المفروض، ويلزم النقيصة إن لم يأت بها ثانيا، لوقوع ما أتى بها قبلا في غير محلها لأنه يجب عليه أن يأتي بها ثانيا ولا يلزم محذور أصلا، لأن الإتيان بها ثانيا بواسطة بقاء أمرها وعدم سقوطه بالإتيان السابق لعدم إتيانها في محالها، فلم يحصل الامتثال، ولم يسقط الأمر، فيجب أن يأتي بها ثانيا. وأما ما أتى بها أولا فلا يضر زيادتها، لأنها زيادة سهوية ومشمول للعقد المستثنى منه، فالتدارك لا يوجب الإعادة فلم يفت منه شيء. وأما بعد الدخول في الركن فيلزم أحد المحذورين: إما نقيصة الركن إن لم يأت به بعد تدارك المنسي، ومعلوم أنه يوجب البطلان، أو زيادته إن أتى به ثانيا. ولا يمكن أن يقال في هذا الفرض ما قلنا في الفرض الأول أن ما أتى به زيادة سهوية فيشمله الحديث ولا يجب الإعادة، لأن المفروض أن ما أتى به أولا ركن فداخل في عقد المستثني لا المستثني منه، فعلى كلا التقديرين تبطل الصلاة. وهكذا الكلام فيما إذا كان الجزء المنسي ركنا، فلو تذكر قبل الدخول في الركن الذي بعده يأتي بالركن المنسي، فلو نسي السجدتين من ركعة الثانية وتذكر قبل أن يدخل في ركوع الركعة الثالثة يأتي بهما وبما بعدهما، ولا يلزم محذور كما عرفت في الجزء غير الركني حرفا بحرف. وأما إن تذكر بعد الدخول في الركن الذي بعده، كما أنه في المثال المذكور لو تذكر
نسيان السجدتين من الركعة الثانية بعد الدخول في ركوع الركعة الثالثة، فتدارك السجدتين موجب للبطلان على كل حال، لأنه إن لم يأت بركوع الركعة الثالثة بعد اتيانه بالسجدتين فيكون من نقيصة الركن، لأن ما أتى به كان في غير محله فهو في حكم العدم. وإن أتى به يكون من زيادة الركن، وزيادة الركن ولو كان سهوا موجب للبطلان كما عرفت. فظهر مما ذكرنا أن نسيان الجزء، ركنا كان أو غيره يكون مشمولا لحديث (لا تعاد) بالدخول في ركن آخر، غاية الأمر إن كان الجزء المنسي ركنا يكون داخلا في المستثني، وإن كان غير ركن يكون داخلا في المستثنى منه وأما نسيان الجزء مطلقا - ركنا أو غير ركن مع عدم الدخول في الركن الذي بعده - فليس مشمولا لحديث (لا تعاد) بل يجب تداركه، وليس بداخل في المستثنى منه إن كان غير ركن حتى لا يوجب الإعادة ولا يجب تداركه، ولا في عقد المستثنى إن كان ركنا حتى توجب الإعادة. نعم بعد تجاوز المحل أي الدخول في الركن الذي بعده لا يمكن التدارك، فإن كان ركنا يكون داخلا في المستثني وتجب الإعادة، وإن كان غير ركن لا تجب الإعادة بل لا يجب شيء أصلا، ووجوب القضاء أو سجدة السهو لنسيان بعض الأجزاء شيء آخر بدليل آخر. والحاصل: أن الركوع والسجود وإن كانا من الخمسة المستثناة ولكن لا يشملهما عقد المستثني إذا نسى المصلي عنهما، لا إذا كان تذكره لنسيانهما بعد الصلاة أو بعد الدخول في الركن المتأخر عنهما. ثم لا يخفى أنه لو كان المنسي هو الركوع فالدخول في الركن المتأخر عنه الذي هو عبارة عن السجدتين ليس بالدخول في السجدة الأولى، لأن المحذور الذي ذكرناه لا يلزم في هذا الفرض، والمحذور كان عبارة عن أحد أمرين: إما نقيصة الركن عمدا، أو زيادته سهوا. وكلاهما موجب للبطلان، لأن السجدة الواحدة لا زيادتها زيادة
الركن، ولا نقيصتها نقيصة الركن، فلا يحصل الدخول في الركن إلا بالدخول في السجدة الثانية، فحينئذ يكون التدارك مستلزما لأحد المحذورين. ومنها: أن كون الركوع والسجود من الخمسة المستثناة باعتبار نفس الركوع والسجود وحقيقتهما وما هيتهما، وأما شرائطهما - والواجبات التي فيهما الخارجة عن حقيقتهما وماهيتهما - فهي داخلة في المستثني منه كسائر الأجزاء والشرائط للصلاة، وذلك من جهة أن الحكم في جانب عقد المستثني على نفس هذه العناوين الخمسة، فلا يشمل ما هو خارج عن حقيقتهما إلا بدليل خاص أخر. وأما عقد المستثني منه فهو عام يشمل كل ما هو من أجزاء الصلاة أو شرائطها إذا لم يكن من هذه الخمسة، فواجبات الركوع أو السجود والشرائط التي لهما ما لم يكن لها دخل في تحقق حقيقتهما تكون خارجة عن عقد المستثني وداخلة في عقد المستثني منه. مثلا لو قلنا بأن وضع الكفين على الركبتين واجب في الركوع وليس من محققاته ومتمماته، فإذا نسى المصلي ولم يضع كفه على ركبتيه فلا تجب عليه الإعادة بحكم (لا تعاد) وكذلك الأمر في سائر الواجبات، كالذكر الواجب، والطمأنينة، بل ورفع الرأس، والانتصاب بعده. وكذلك الأمر في السجود، فما هو محقق لحقيقة السجدة كوضع الجبهة مثلا حاله في الركنية حال أصل السجود، لأن السجود كما بينا عبارة عن الهيئة الحاصلة لجسم الإنسان بواسطة نسبة أجزائه بعضها إلى بعض ونسبة المجموع إلى الخارج، فإذا لم يكن بذلك الوضع الخاص لا يتحقق السجود. وأما سائر واجباته التي ليست داخلة في حقيقة السجدة كوضع اليدين والركبتين وأنامل إبهامي الرجلين فهي أمور واجبة في حال السجود، وهي خارجة عن حقيقته وليست بركن.
وصرح بذلك السيد الطباطبائي بحر العلوم (قدس سره) في منظومته: وواجب السجود وضع الجبهة * وأنه الركن بغير شبهة ووضعه للستة الأطراف فانه فرض بلا خلاف (1) ولا يخفى أن في قوله: (وواجب السجود وضع الجبهة) نحوتسامح، حيث يظهر منه عدم وجوب باقي السبعة. وعلى كل حال فمثل الذكر الواجب فيه والطمأنينة والجلوس بعده مطمئنا كلها لو نسيها المصلي تكون داخلة في عقد المستثني منه لا المستثني، فلا تجب الإعادة بتركها سهوا ونسيانا، وقد عرفت وجهه. (الجبهة) الثانية: في أن الظاهر من عقد المستثنى انحصار الأركان في هذه الخمسة، وأنها فقط هي التي توجب تركها أو زيادتها - وإن كان سهوا - الإعادة ولكن هناك أركان اخر وهي من المسلمات عند الفقهاء، وهي النية، وتكبيرة الإحرام، والقيام حالها، والقيام المتصل بالركوع، فهذه الأربعة أيضا عندهم أركان يوجب الإخلال بها الإعادة ولو كان سهوا، فيكون الدليل الدال على ركنية هذه الأربعة مخصصا آخر - مثل استثناء الخمسة - لعموم عقد المستثني منه، لأن مفاد العموم - كما تقدم - عدم وجوب الإعادة بوقوع الإخلال سهوا من ناحية جميع أجزاء الصلاة وشرائطها، وكما خصص هذا العموم بواسطة استثناء الخمسة بما عداها، كذلك خصص بواسطة تلك الأدلة الدالة على ركنية هذه الأربعة بما عداها، فالخارج عن تحت عموم المستثني منه تسعة لا خمسة: الخمسة المستثناة وهذه الأربعة، فخروج هذه الأربعة بدليل خاص ومخصص آخر، كما هو الشأن في أغلب العمومات حيث ترد عليها مخصصات متعددة. مع أنه يمكن أن يقال بالنسبة إلى القيام المتصل بالركوع لا يحتاج إثبات وجوب الإعادة بتركه مطلقا - ولو كان سهوا - إلى دليل منفصل، لأن تركه ولو كان سهوا
(هامش)
(1) (الدرة النجفية (ص 126. (*)
موجب لترك الركوع، لما قيل من أن حقيقة الركوع عبارة عن الانحناء عن القيام وبعبارة أخرى: الهوى من القيام إلى حد الركوع داخل في حقيقة الركوع، فعدم القيام ملازم مع عدم الركوع. ولكن قد عرفت أن الركوع والسجود هما هيئتان حاصلتان للجسم بواسطة الوضع الخاص، كالقيام والقعود، فالهوى من القيام واجب آخر ويكون من مقدمات الركوع وليس داخلا في حقيقته، فلو دل دليل على أن القيام المتصل بالركوع ركن فهو، وإلا فالاستثناء في الحديث لا يشمله. فالحق في المقام أن يقال: بأن أركان الصلاة - أي الأجزاء والشرائط التي تكون تركها سهوا أيضا توجب بطلان الصلاة - تسعة، خمسة منها هي الخمسة المستثناة في هذا الحديث، وأربعة منها وهي النية وتكبيرة الاحرام والقيام حال التكبيرة والقيام المتصل بالركوع، تستفاد ركنيتها من أدلة أخرى. (الجهة) الثالثة: فيما إذا كان المنسي هو الركوع، فدخل في السجدة الثانية فلا شك في أنه إذا تذكر بعد الدخول في السجدة الثانية فتجاوز عن محل التدارك ولا يمكن تداركه، لما ذكرنا من لزوم أحد المحذورين: إما زيادة الركن إن أتى بالسجدتين بعد تدارك الركوع، وإما نقيصته إن لم يأت بهما، لأن إتيانهما قبل تدارك الركوع حيث كان في غير محله كان لغوا وبلا فائدة. وأما لو تذكر قبل أن يدخل في السجدة الثانية فمحل التدارك باق وإن تمت السجدة الأولى، وذلك لعدم محذور في أن يتدارك الركوع ثم يأتي بالسجدتين، ولا يلزم منه إلا زيادة سجدة واحدة ولا يضر ذلك، لعدم كون السجدة الواحدة ركنا، وإن كان ظاهر الاستثناء ركنيتها، وذلك من جهة حكومة لا تعاد الصغير، أعني قوله عليه السلام في خبر منصور بن حازم، عن الصادق عليه السلام في رجل استيقن أنه زاد سجدة،
قال عليه السلام: (لا يعيد الصلاة من سجدة، ويعيدها من ركعة)، (1) فيقيد لا يعيد عن السجدة الواحدة - الذي في هذا الخبر وجوب الإعادة عن السجود الذي هو مستفاد من الاستثناء في الحديث - بغير السجدة الواحدة، أي يكون المراد مما في الإستثناء وجوب الإعادة عن السجدتين لا السجدة الواحدة. وسمي هذا الخبر ب (لا تعاد الصغير) لأن الحكم بعدم وجوب الإعادة فيه مخصوص بالخلل في السجدة الواحدة ولا يشمل غيرها، بخلاف (لا تعاد الكبير) فإن الحكم بعدم وجوب الإعادة عام يشمل جميع أجزاء الصلاة وشرائطها بل وموانعها، ما عدا الخمسة المستثناة. وربما يقال: بأن مورد هذا الخبر ومفاده عدم وجوب الإعادة عن نسيان سجدة واحدة فيما إذا كان نفس السجدة الواحدة متعلقة للسهو والنسيان ابتداءا، لا أن السهو تعلق بشيء آخر ابتداء وأولا بالذات كما في المقام، فإن المفروض أن المصلي سها عن الركوع ابتداء، وأتى بالسجدة الواحدة عمدا واختيارا، فإذا قلنا أتى بها سهوا ونسيانا في غير محله يكون معناه أن إتيانه بها في غير محلها الذي هو عبارة عن لزوم كونها بعد الركوع بواسطة نسيان الركوع، فإسناد السهو والنسيان إلى السجدة في المفروض من قبيل الوصف بحال متعلق الموصوف ويكون إسنادا مجازيا فلا يشمله الخبر الذي نسميه ب (لا تعاد الصغير) حتى يكون حاكما أو مخصصا للعموم الذي يستفاد من المستثني في (لا تعاد الكبير) فبناء على هذا تجب الإعادة في المفروض كما ذهب إليها المشهور. وفيه: أن سهو الركوع في المفروض من قبيل الواسطة في الثبوت لاالواسطة في العروض، بمعنى أن سهو الركوع صار سببا لنسيان محل السجدة، لأن محلها بعد الركوع، وحيث أنه غافل عن إتيان الركوع، أو تخيل إتيانه فيتخيل أنه محل إتيان
(هامش)
(1) (الفقيه) ج 1، ص 346، باب أحكام السهو والشك، ح 1009، (تهذيب الأحكام) ج 2، ص 156، ح 610، باب تفصيل ما تقدم ذكره.. ح 68، (وسائل الشيعة) ج 4، ص 983، أبواب الركوع، باب 14، ح 2. (*)
السجدة، وهذا هو السهو والنسيان عن محل السجدة حقيقة وواقعا. نعم ذات السجدة في هذا الفرض ليست منسية. اللهم إلا أن يقال: إن رواية منصور بن حازم ظاهرها أن تكون ذات السجدة منسية لا محلها، فيكون فتوى المشهور بلزوم الإعادة في محلها فتأمل. (الجهة) الرابعة: وقع الخلاف في أنه لو سجد على أرض نجسة نسيانا وسهوا، هل تجب عليه إعادة الصلاة لعدم إتيانه بالسجدة الصحيحة لأنها مشروطة بطهارة محلها، أو لا تجب لأن طهارة المحل من شرائط صحة السجدة وليست من مقوماتها، فليست داخلة في المستثني، فيشملها عموم المستثني منه ؟ والأظهر عدم وجوب الإعادة بناء على كون المراد من الطهور في عقد المستثني هي الطهارة الحدثية، لا الأعم منها ومن الطهارة الخبثية، إذ حينئذ تكون طهارة محل السجدة من شرائط الركن الذي هو عبارة في المقام عن السجدتين، وحال شرائط الركن حال شرائط نفس الصلاة التي تقدم أنها داخلة في عموم المستثني منه في الحديث ما لم تكن من الخمسة، فلا تجب إعادة الصلاة. وإن شئت قلت: إن شرائط الأركان على قسمين: ركني، بمعنى أن بتركها ينعدم الركن، إذ هي من مقومات الركن، أو جاء الدليل على بطلان ذلك الركن بترك ذلك الشرط. وقسم آخر: غير ركني، فلا ينعدم الركن بانعدامه. والقسم الأول حيث أن الخلل فيه موجب لوقوع الخلل في نفس الركن، فلا يكون مشمولا لعموم المستثني منه في الحديث. وأما القسم الثاني فلا مانع من شمول العقد المستثني منه له، إذا ليس داخلا في المستثني ولا من مقومات ما هو داخل في المستثني، فلا مانع من شمول المستثني منه له وما نحن فيه - أي طهارة محل السجدة من القسم الثاني، وهذا أمر واضح. (الجهة) الخامسة: في ذكر بعض الفروعات، والموارد التي ينطبق الحديث عليها
بحسب عقد المستثني منه أو المستثني، واستخراج حكمها منه. فنقول: بعد ما عرفت أن مفاد الحديث هو عدم وجوب الإعادة بوقوع خلل فيها من ناحية جميع الأجزاء والشرائط والموانع سهوا، ما لم يكن من الخمسة المذكورة في المستثني، ووجوب الإعادة بوقوع الخلل من ناحية تلك الخمسة وإن كان الخلل بالزيادة أو النقيصة سهوا، أن: هاهنا فروع كثيرة نذكر جملة منها الأول: أن الخلل العمدي وان كان بسبب عدم إخراج حرف من مخرجها، بحيث يكون الخارج حرفا آخر في نظر عرف العرب، مثل أن ينطق بالضاد زاء أو ذالا أو ظاء، أو كان بتبديل حركة من الأعاريب إلى غيرها ولم يكن على طبقها قراءة من القراءات السبعة. كل ذلك في قراءة فاتحة الكتاب، بل وفي قراءة السورة الواجبة، بل في الأذكار الواجبة يكون مبطلا. وذلك من جهة أن امتثال المركب بإتيانه بجميع أجزائه وشرائطه تامة كاملة كما أخذت فيه، فإن وقع إخلال عمدي في بعض تلك الأجزاء أو الشرائط - سواء كانت شرائط نفس الصلاة، أو شرائط أجزائها، أو شرائط شرائطها - فلا يقع الامتثال، وتجب الإعادة بمقتضى أدلة اعتبار تلك الأجزاء والشرائط. وحديث (لا تعاد) تقدم أنه لا يشمل الإخلال العمدي، بل قلنا أنه لا يعقل أن يشمل بعد الفراغ عن كونها أجزاء وشرائط. ولا فرق في البطلان بين أن يكون إخلال العمدي بالنسبة إلى الأركان، أو كان بالنسبة إلى غيرها. الثاني: إذا ترك جزء من الصلاة، أو أتى به بوجه غير صحيح لوجود خلل فيه وإن كان الخلل بسبب عدم خروج حروف ذلك الجزء من مخارجها إذا كان ذلك
الجزء قراءة أو ذكرا واجبا، أو كان الخلل بسبب لحن في الأعاريب - أي الحركات والسكنات - فيما إذا كانت خارجة عن موازين اللغة للعربية، أو ترك شرطا من شرائط الصلاة، أو شرائط أجزائها، أو شرائط شروطها على أنواعها وأقسامها، سواء كانت الأجزاء والشرائط ركنا كالأركان التسعة - أي الخمسة المستثناة في الحديث مع النية، وتكبيرة الإحرام، والقيام حالها، والقيام المتصل بالركوع - أو أتى بمانع من الموانع، كأن صلى في الذهب أو الحرير أو غير المأكول جهلا بالحكم قصورا أو تقصيرا، على كلام تقدم في الجاهل القاصر، ففي جميع ذلك تبطل الصلاة وتجب الإعادة. وأيضا لا فرق في البطلان بالإخلال جهلا بالحكم قصورا أو تقصيرا بين أن يكون الإخلال بالزيادة أو كان بالنقصية، ووجه ذلك أن حديث (لا تعاد) لا تشمل موارد الجهل بالحكم بكلا قسميه، على كلام في الجهل قصورا وقد تقدم جميع ذلك. ومقتضى أدلة الأجزاء والشرائط والموانع وجوب الإعادة بفقد أي جزء أو شرط، وبوجود أي مانع. وحيث أن الجهل ليس مانعا عن توجه الخطاب، بل هو مانع عن تنجزه إذا كان بعد الفحص أو كان عن قصور، وإلا فليس بمانع حتى عن التنجز واستحقاق العقاب على مخالفة الواقع وإن كان جاهلا، فتجب الإعادة. نعم إذا جاء دليل خاص أو عام على الأجزاء، وعدم وجوب الإعادة فيما إذا وقع الإخلال جهلا بالحكم قصورا أو تقصيرا بنحو يكون حاكما أو مخصصا يؤخذ به، والمفروض أن حديث (لا تعاد) لا يشمل صورة الجهل لما ذكرنا مفصلا وليس هناك دليل آخر إلا في بعض الموارد، كباب الجهر والإخفات والاتمام في موضع القصر، وكذلك في بعض الأجزاء والشرائط في الحج مما هو مذكور في الكتب الفقهية. الثالث: لو أخل بالصلاة سهوا ونسيانا فالإخلال إما بالزيادة أو بالنقيصة، وكل واحدة منهما إما في الأجزاء والشرائط الركنية وإما في غيرها مما ليس بركن.
فإن كان بالنقيصة وكان من الأجزاء أو الشرائط الركنية فإما أن يلتفت إلى سهوه بعد الفراغ من الصلاة وإتيان المنافي فتجب عليه الإعادة قطعا بمقتضى الأدلة الأولية التي يبين الأجزاء والشرائط، وبالنسبة إلى الخمسة المذكورة في المستثني نفس عقد المستثني يدل على وجوب الإعادة، مضافا إلى أدلة الأجزاء والشرائط هذا إذا كان التفاته إلى جزئية المسهو أو شرطيته بعد الفراغ عن الصلاة. وأما إن كان التفاتة في أثناء الصلاة فإن لم يتجاوز محل المنسي يأتي به بعد الالتفات وبالأجزاء التي بعده وكان قد أتى بها نسيانا، ولا شيء عليه، لما ذكرنا مفصلا. وأما إن كان تجاوز المحل بدخوله في الركن الذي بعد المنسي، فيكون حاله حال الالتفات إليه بعد الصلاة فتجب عليه الإعادة لأنه لا يمكن التدارك، لما ذكرنا من لزوم أحد المحذورين: إما نقص الركن، وإما زيادته، وكلاهما مبطلان. فبناء على هذا لو نسى النية بناء على إمكان نسيانها حتى كبر تكبيرة الإحرام. فالتفت إلى نسيانها بعد تكبيرة الإحرام يجب عليه الإعادة، لأن التدارك لا يمكن للزوم أحد المحذورين. وكذلك لو نسى التكبيرة حتى دخل في الركوع يجب عليه الإعادة أيضا لعين ما ذكرنا. وكذلك يجب عليه الإعادة لو نسى القيام حال التكبيرة بناء على كونه ركنا، لعين ما ذكرنا لأن تداركه مستلزم لزيادة التكبيرة. ولا يخفي أن نسيان تكبيرة الإحرام والنية يرجع إلى عدم دخوله في الصلاة، فعلى فرض إمكان نسيان النية - بناء على أنها عبارة عن الخطور بالبال - لو نسى النية فلم تنعقد الصلاة، لأنه لا فرق بين الصلاة وبين سائر الحركات اللغوية والألعاب إلا بها. وأما بالنسبة إلى التكبيرة فلقول الصادق عليه السلام في رجل سها خلف الإمام، فلم
يفتتح الصلاة قال عليه السلام: (يعيد الصلاة ولا صلاة يغير افتتاح) (1) وعلى كل حال لا شك في أن النية ركن من أركان الصلاة، فإن أمكن وقوع السهو فيها فتجب الإعادة، ولا تشملها عقد المستثني منه من حديث (لا تعاد) لأنها وإن لم تكن مذكورة في عقد المستثني إلا أنها داخلة حكما، للأدلة الدالة على ركنيتها، فتخصص تلك الأدلة عقد المستثني منه كالاستثناء. وكذلك تكبيرة الافتتاح وإن لم تكن مذكورة في الحديث في عقد المستثني إلا أن أدلة ركنيتها تجعلها بحكم المستثني في تخصيصها لعقد المستثني منه والحاصل أنه لو نسى النية والتكبيرة يجب عليه استئناف الصلاة متى تذكر، سواء دخل في الركن الذي بعدهما أي الركوع أم لا، والقيام حال التكبيرة بحكم التكبيرة، وأما القيام حال النية فتابع للقول بركنيته وعدمه. وأما لو نسى الركوع قبل تجاوز المحل أي قبل الدخول في السجدة الثانية فيرجع ويأتي به وبما بعده، لما ذكرنا من عدم لزوم محذور في البين. وإن نسيه بعد تجاوز محله - وبينا أن تجاوز محله بدخول السجدة الثانية لما ذكرنا من أن زيادة سجدة واحدة سهوا لا توجب الإعادة، كما تدل عليه رواية منصور بن حازم، فإن فيها قول الصادق عليه السلام: (لا يعيد الصلاة من سجدة ويعيدها من ركعة) (2) فلا يلزم محذور من تدارك الركوع ما لم يدخل في السجدة الثانية وإن أتم السجدة الأولى ورفع رأسه عنها واستقر. وعلى كل حال فلو تذكر نسيان الركوع بعد تجاوز محله الذي لا يمكن تداركه فيجب عليه الإعادة، كما أنه لو تذكر بعد الصلاة. والمناط فيهما واحد وهو عدم إمكان التدارك في الصورتين.
(هامش)
(1) (تهذيب الأحكام) ج 2، ص 353، ح 1466، باب أحكام السهو، ح 54، (وسائل الشيعة) ج 4 ص 716، أبواب تكبيرة الإحرام، باب 2، ح 7.
(2) تقدم تخريجة في ص 106. (*)
نعم هاهنا روايات: منها: صحيح ابن مسلم يدل على عدم بطلان الصلاة بترك الركوع نسيانا ولو تذكر بعد تجاوز المحل أي بعد الفراغ عن السجدتين، والصحيح هو المروي عن أحدهما عليهما السلام في رجل شك بعد ما سجد أنه لم يركع قال عليه السلام: (فإن استيقن فليلق السجدتين اللتين لا ركعة لهما فيبني على صلاته على التمام، وإن كان لم يستيقن إلا بعد ما فرغ وانصرف فليقم وليصل ركعة وسجدتين ولا شيء عليه) (1). ومن جهة اختلاف الأخبار نشأت في المسألة أقوال وتفاصيل مذكورة في الكتب الفقهية لا حاجة إلى ذكرها بعد ما عرفت أن حديث (لا تعاد) وأخبار أخر تدل على وجوب الإعادة، وقد عمل بها الأصحاب، وعليه فتوى المشهور، فالصحيح هو ما ذكرنا من التدارك بإتيان الركوع وما بعده مما أتى به لو لم يدخل في السجدة الثانية و إن كان أتم السجدة الأولى. وأما إن كان تذكره بعد الفراغ من الصلاة، أو بعد تجاوز المحل بأن يكون دخل في السجدة الثانية فيجب عليه الإعادة. وأما لو كان المنسي قيام المتصل بالركوع - وقد عرفت أنه ركن - وحيث أنه لا يمكن تداركه إلا بإتيان الركوع ثانيا، وإلا لا يكون قيام المتصل بالركوع فيكون مبطلا مطلقا، سواء تذكر قبل تجاوز محل تدارك الركوع - أي قبل الدخول في السجدة الثانية - أو بعده، أو بعد الفراغ عن الصلاة، لأنه في جميع الأحوال تداركه مستلزم لزيادة الركن أي الركوع ولا يخفي أن في جميع موارد إمكان تدارك ما فات سهوا إذا كان مستلزما للزيادة السهوية يجب سجدة السهو لكل زيادة. هذا كله في نسيان الركوع، أو القيام المتصل بالركوع.
(هامش)
(1) (تهذيب الأحكام) ج 2، ص 149، ح 585، باب تفصيل ما تقدم ذكره...، ح 43، (الاستبصار) ج 1، ص 356، ح 1348، باب من نسى الركوع، ح 6، (وسائل الشيعة) ج 4، ص 934، أبواب الركوع، باب 11، ح 2. (*)
وأما لو نسى السجدتين فإما أن يكون تذكره بعد تجاوز محلهما أي بعد الدخول في ركوع الركعة التالية، وإما أن يتذكر قبله، أي يكون تذكره قبل الدخول في ركوع الركعة التالية. فإن كان الأول فتكون صلاته باطلة وتجب عليه الإعادة لما ذكرنا من لزوم أحد المحذورين في التدارك، ومع عدم التدارك بطلانها وفسادها واضحة لفوات الركن. وإن كان الثاني - أي كان تذكره قبل الدخول في ركوع الركعة - فيرجع ويأتي بهما وبما بعدهما مما أتى بها في غير محلها، لأن إتيانها قبلا حيث كان في غير محلها كان في حكم العدم، والزيادة التي تحصل في الصلاة من إتيان تلك الأجزاء مرتين لا تضر بصحة الصلاة، لأنها زيادة سهوية في غير الأركان. نعم يجب عليه لكل زيادة من تلك الزيادات السهوية سجدتان للسهو عنها، بناء على وجوب سجدتي السهو لكل زيادة ونقيصة. ولا يكون وجوبهما مخصوصا بالستة المعروفة، أي: الكلام سهوا بكلام الآدميين، والسلام في غير محله، ونسيان سجدة واحدة، ونسيان التشهد، والشك بين الأربع والخمس بعد إكمال السجدتين والقيام في موضع القعود وبالعكس. وأما إن كان نسيان السجدتين من الركعة الأخيرة حيث لا ركن بعدهما حتى يأتي هذا التقسيم، أي التذكر والالتفات إلى سهوه قبل الدخول في الركن الذي بعدهما أو بعد دخوله فيه. فنقول: تارة يكون الالتفات إلى سهوه وتذكره بعد السلام وإتيان ما هو المنافي عمدا وسهوا، فصلاته باطلة يجب عليه الإعادة: ويدل عليه عقد المستثنى من هذا الحديث، لأنه: ترك الركن ولا يمكن تداركه، لأن تذكره بعد السلام وبعد إتيان ما هو المنافي عمدا وسهوا. وأما لو كان تذكره قبل السلام فلا إشكال في إمكان تداركه: لأنه ما دخل في
ركن إذ ليس ركن بعدهما حتى يستلزم أحد المحذورين الذين تقدم ذكرهما، من زيادة الركن أو نقيصته وكلاهما موجب للبطلان، فيأتي بهما ويعيد ما أتى مما بعدهما حسب الجعل الشرعي من الترتيب بين الأجزاء، ويسجد سجدتي السهو لكل جزء من الأجزاء التي أتى بها سهوا في غير محلها، بناء على وجوب الإتيان بهما لكل زيادة ونقيصة كما تقدم. وأما لو كان تذكره لنسيانهما بعد السلام وقبل إتيان المنافي والمبطل، فالأمر يدور مدار أن السلام مخرج تعبدا ولو لم يقع في محله - لأن محله بعد إتيان الصلاة بتمام أجزائها وشرائطها، وفي المفروض لم يأت بالركعة الأخيرة بتمامها، إذ المفروض أنه سهل عن إتيان السجدتين - أولا، بل إنه مخرج لأنه الجزء الأخير، فليس تعبد من حيث مخرجيته في البين، بل كل مركب كان بين أجزائه ترتيب في عالم الإيجاد فإذا أتى بجميع أجزائه على الترتيب المقرر، فبإتيان جزئه الأخير قهرا يخرج عن ذلك المركب. فإن قلنا بالأول فإذا تذكر بعد السلام تكون صلاته باطلة، وتجب الإعادة لترك الركن وعدم إمكان التدارك، لأن كل ما يأتي به بعد السلام لا يحسب منها ولو كان السلام في غير محله، لأنه مخرج تعبدي. وأما إن قلنا بالثاني - أي أنه مخرج لأنه الجزء الأخير - فيمكن التدارك، لأنه لم يخرج عن الصلاة بعد لعدم وقوع السلام في محله الذي هو مناط الخروج، فلا تكون الصلاة باطلة، بل يأتي بالسجدتين وبما بعدهما مما أتى بها ويسجد سجدتي السهو لكل زيادة سهوية صدرت منه قبل أن يتذكر، أو لخصوص التشهد والتسليم، على التفصيل المتقدم. هذا كله بحسب مقام الثبوت، وأما في مقام الإثبات فظاهر قوله عليه السلام في صحيح الحلبي عن الصادق (ع): (وإن قلت السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فقد
انصرفت) (1) وقوله عليه السلام أيضا في خبر أبي كهمس هو هيثم بن عبد الله أو عبيد: (إذا قلت السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين فهو الانصراف) - وإن كان أنه خرجت بهذه التسليمة عن الصلاة ولكن هذا الظهور متوقف على إطلاق هذه الجملة، أي قوله عليه السلام (انصرفت) أو قوله (ع) (فهو الانصراف) أي سواء وقعت هذه التسليمة في محله أو لم تقع، ومن أين يثبت هذا الاطلاق. فالانصاف أن الفتوى في هذا المفروض - أي فيما إذا كان تذكره لنسيان السجدتين بعد السلام الواجب وقبل صدور المبطل لبطلان الصلاة ولزوم الإعادة - مشكل جدا، بل لا بأس بأن يقال بلزوم التدارك بإتيان السجدتين ثم يأتي بجميع ما أتى بها حتى التسليمة، لوقوع ما أتى بها أولا في غير محلها فهو في حكم العدم. نعم يجب عليه سجدتا السهو لكل زيادة سهوية من تلك الزيادات على التفصيل المتقدم، ولا أقل من الاحتياط بالجمع بين التدارك على التفصيل المذكور والإعادة، لا الحكم بالبطلان والإعادة فقط. هذا كله فيما إذا نسى السجدتين من الركعة الأخيرة وأما لو نسى تمام الركعة الأخيرة من القيام وذكرها وركوعها وسجدتيها فأيضا له صور ثلاث: الأولى: أن يتذكر ويلتفت إلى نسيانه قبل التسليم وبعد التشهد الثانية: أن يكون تذكره بعد التسليم ولكن قبل إتيان المنافي المبطل. الثالثة: أن يكون تذكره بعد إتيان المنافي المبطل. أما الصورة الأولى: فالأمر فيها واضح، فإنه يقوم ويأتي بها ويسجد سجدتي السهو للتشهد الذي صدر عنه سهوا في غير محله الذي يكون ذلك الإتيان بحكم
(هامش)
(1) (الكافي) ج 3 ص 337، باب التشهد في الركعتين الاولتين و.. ح 6 (تهذيب الأحكام) ج 2، ص 316، ح 1293، باب كيفية الصلاة وصفتها، ح 149، (وسائل الشيعة) ج 4، ص 1012، أبواب التسليم، باب 4، ح 1. (*)
العدم، ويجب عليه أن يعيد التشهد. وأما الصورة الثانية: أي لو تذكر بعد التسليم الواجب وقبل فعل المنافي المبطل، فيأتي فيها جميع ما ذكرنا في الفرع السابق، أي فيما إذا نسى السجدتين من الركعة الأخيرة من القولين من لزوم التدارك ومن لزوم الإعادة وبطلان ما أتى به، وبينا احتمال وجوب الاحتياط بالجمع. هذا بحسب القواعد الأولية، ولكن وردت روايات تدل على عدم بطلان الصلاة بل يقوم ويأتي بالركعة. كصحيح العيص: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل نسي ركعة من صلاته حتى فرغ منها، ثم ذكر أنه لم يركع، قال عليه السلام: (يقوم فيركع ويسجد سجدتين) (1). والمراد من قول السائل (ثم ذكر أنه لم يركع) أي لم يأت بالركعة، والتعبير عن عدمها بعدم الركوع من جهة أن الركوع هو الجزء المقوم للركعة في نظر العرف، ولأجل ذلك سميت بالركعة، وأيضا لو كان المراد به عدم الركوع فقط وإتيان البقية فيكون قوله عليه السلام (ويسجد سجدتين) تكرار للسجدتين ولا شك في أن زيادتهما ولو سهوا مبطل، فهذه أيضا قرينة أخرى على أن المراد بقول السائل (لم يركع) عدم الإتيان بالركعة لا الركوع فقط. وكخبر محمد بن مسلم في نقصان الركعتين، عن الباقر عليه السلام في رجل صلى ركعتين من المكتوبة، فسلم وهو يرى أنه قد أتم الصلاة وتكلم، ثم ذكر أنه لم يصل غير ركعتين، فقال (ع): (يتم ما بقي من صلاته ولا شيء عليه) (2) وهذه الرواية بإطلاقها
(هامش)
(1) تهذيب الأحكام) ج 3، ص 350، 1451، باب أحكام السهو، ح 39، وص 149، ح 586، باب تفصيل ما تقدم ذكره... ح 44، (وسائل الشيعة) ج 5، ص 309، أبواب الخلل في الصلاة باب 3، ح 8 (2) (تهذيب الأحكام) ج 2، ص 191، ح 757، باب أحكام السهو في الصلاة، ح 58 (الاستبصار) ج 1، ص 379، ح 1436، باب من تكلم في الصلاة، ح 4، (وسائل الشيعة) ج 5، ص 309، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 3، ح 9. (*)
تشمل نقصان ركعة أو ركعتين، وكصحيح زرارة عن الباقر عليه السلام أيضا في الرجل يسهو في الركعتين ويتكلم، فقال عليه السلام: (يتم ما بقي من صلاته، تكلم أو لم يتكلم). (1) بناء على أن السلام في غير محله كلام لا يضر بالصلاة لو وقع سهوا، لا أنه مخرج حتى لا يمكن التدارك ويكون ما بقي من صلاة من ركعة أو ركعتين خارجا عن الصلاة لو أتى به. وحاصل الكلام في نقصان الركعة فما زاد أنه إن قلنا بأن السلام الواقع سهوافي غير محله ليس بمخرج - كما أنه هو الصحيح - فإن كان تذكر النقصان بعد السلام ولكن قبل إتيان المبطل - أي ما هو المنافي عمدا وسهوا - فمقتضي القاعدة هو تدارك ما فات من الركعة أو الركعتين، ولا شيء عليه إلا سجدات السهو لما زادسهوا من التشهد والتسليم. وأما إن قلنا بأنه - أي السلام - مخرج، فأيضا يجب تدارك الركعة فما زاد، لكن للروايات لا للقواعد الأولية. وأما الصورة الثالثة: أي إن كان تذكر النقصان بعد فعل المبطل وما هو المنافي عمدا وسهوا، كما أنه لو أحدث وتذكر النقصان، فلا شك في وجوب الإعادة. والكلام إلى هنا كان في نقيصة الأركان سهوا، أو نقصان الركعة فما زاد المشتمل على الأركان. وبعبارة أخرى: كان الكلام في نسيان النية بناء على إمكان نسيانها، أو نسيان تكبيرة الإحرام، أو القيام حالهما، أو نسيان الركوع، أو القيام المتصل به، أو نسيان السجدتين، أو نسيان الركعة أو ما زاد. وأما لو كان المنسي غير الأركان - من أجزاء الصلاة وشرائطها - فلا تبطل
(هامش)
(1) (تهذيب الأحكام) ج 2، ص 191، ح 756، باب أحكام السهو في الصلاة، ح 57، (الاستبصار) ج 1، ص 378، ح 1434، باب من تكلم في الصلاة، ح 2، (وسائل الشيعة) ج 5 ص 308، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 3، ح 5. (*)
الصلاة على كل حال من هذه الجهة، أي من جهة سهو غير الأركان، وذلك مفاد صحيحة (لا تعاد) وإن كان هناك أخبار خاصة أيضا تدل على عدم وجوب الإعادة في بعضها، لكن هذه الصحيحة بمنزلة كبرى كلية في كلا عقديها، أي عقد المستثني منه وعقد المستثني، لحكم نسيان الأركان الخمسة، ولحكم ما عدا الأركان الخمسة إذا وقع السهو فيها زيادة ونقيصة. فنقول: لو نسي جزءا أو شرطا ما عدا الأركان فإما أن يكون محل تداركه باقيا، فيجب أن يتدار ك ويأتي به وبجميع ما أتى بها سهوا في غير محلها مما هي متأخرة عن ذلك المنسي، وقد بينا أن بقاء محل التدارك في الأجزاء بعدم دخوله في الركن الذي بعد ذلك الجزء المنسي، بعد دخوله فيه يلزم من التدارك أحد المحذورين: إما ترك الركن لو لم يأت به بعد تدارك ذلك الجزء المنسي، لأن الإتيان به قبلا يكون في حكم العدم لعدم كونه في محله، وإما زيادة الركن إن أتى به بعد تدارك المنسي، وهي مضرة ولو كانت سهوا. وإما لو لم يكن محل تداركه باقيا فالصلاة صحيحة من ناحية سهو ما عدا الأركان على أي حال نعم المنسي إذا كان مما عدا الأركان وفات محل تداركه يكون على ثلاثة أقسام: (قسم يجري فيه (لا تعاد) وبعض الروايات الخاصة - إن كانت وليس عليه شيء مطلقا، لا سجدة السهو ولا القضاء. وقسم منها عليه سجدة السهو فقط. وقسم عليه القضاء أيضا مضافا إلى سجدة السهو والقسم الأول الذي قلنا أنه ليس عليه شيء مطلقا لا السجدة ولا القضاء مبني على عدم وجوب سجدة السهو إلا للخمسة أو الستة التي تقدم ذكرها، وإلا لو قلنا بوجوبهما لكل زيادة ونقيصة سهويتان فليس إلا قسمين فقط: أحدهما: ما فيه سجدة
السهو فقط، والثاني: قضاؤه أيضا مضافا إلى وجوب سجدة السهو. فنتعرض لأجزاء غير الركنية على الترتيب. الأول: نسيان القراءة فإذا تذكر بعد فوات محل التدارك، إما لفراغه عن الصلاة وإما لدخوله في الركن المتأخر عنها أي الركوع فصلاته صحيحة على كل حال من طرف هذا النسيان، ولا تكون باطلة إلا أن يكون فيها خلل آخر، ولا شيء عليه بناء على اختصاص وجوب سجدتي السهو بسهو الستة المذكورة، لا أنهما تكونان واجبتين لكل زيادة ونقيصة. هذا، ووردت أخبار خاصة مضافا إلى صحيحة (لا تعاد) كصحيح زرارة، عن أحدهما عليهما السلام: (من ترك القراءة متعمدا أعاد الصلاة ومن نسى فلا شيء عليه) (1) وخبر محمد بن مسلم، عن الباقر عليه السلام (من نسى القراءة فقد تمت صلاته ولا شيء عليه) (2) وغيرهما مما هو بهذا المضمون. ولا يخفى أن قولهما عليهما السلام في هاتين الروايتين وأمثالهما (فلا شيء عليه) أو (ولا شيء عليه) ظاهر بإطلاقه في نفي وجوب سجدتي السهو أيضا، مضافا إلى نفي وجوب الإعادة للصلاة ونفي وجوب قضاء القراءة بعد الصلاة، فتكون هذه الروايات معارضة مع الرواية التي مفادها وجوب سجدتي السهو لكل زيادة ونقيصة بناء على عدم حملها على الاستحباب، والنسبة بينهما عموم من وجه فيتساقطان، والمرجع هي البرائة، أو يجمع بينهما بحمل تلك الطائفة على استحباب سجدتي السهو لكل زيادة و نقيصة. ولعل هذا هو الجمع العرفي في أمثال المقام. وأما ما تكلفوا لإثبات أن النسبة بينهما عموم وخصوص مطلق - هذه
(هامش)
(1) (الفقيه) ج 1، ص 345، باب أحكام السهو والشك، ح 1005، (تهذيب الأحكام) ج 2، ص 146، ح 569، باب تفصيل ما تقدم ذكره، ح 27، (وشائل الشيعة) ج 4، ص 766، أبواب القراءة في الصلاة، باب 27، ح 1.
(2) (الكافي) ج 3، ص 347، باب السهو في القراءة، ح 1، (وسائل الشيعة) ج 4، ص 767، أبواب القراءة في الصلاة، باب 27، ح 2. (*)
الروايات أخص من تلك الطائفة فتخصصها بغير القراءة - فمما يأباه الذوق السليم، ولذلك تركنا ذكره. وحاصل ما ذكرنا: أنه إن تذكر لنسيان القراءة قبل أن يركع يأتي بها، وإن كان تذكره بعد الدخول والوصول إلى حد الركوع فيتم صلاته ولا شيء عليه، لا اعادة الصلاة ولا قضاء القراءة بعدها ولا سجدتي السهو. أما نفي القضاء وسجدتي السهو فبهذه الروايات، وأما نفي إعادة الصلاة فأيضا بها وبحديث (لا تعاد). هذا كله فيما إذا كان المنسي نفس القراءة. وأما لو كان المنسي هو الجهر فيها في صلوات الجهرية، أو الإخفات فيها في الصلوات الإخفاتية، فبناء على كون كل واحد منهما في موضعه شرطا لنفس القراءة لا للصلاة حال القراءة - كما هو الظاهر بل الصحيح - فحالهما في صدق تجاوز المحل وعدم إمكان تداركه، أو عدم تجاوز المحل وإمكان تداركه حال نفس القراءة، وذلك من جهة انعدام المشروط بانعدام شرطه فنسيان كل واحد منهما في محله يرجع إلى نسيان نفس القراءة وقد عرفت الحال فيه وأما بناء على كونهما شرطا للصلاة في حال القراءة فالتجاوز عن محلهما بالتجاوز عن نفس القراءة وان لم يدخل في الركوع المتأخر عنها، وذلك من جهة أنه بعد إتيانه القراءة وإن كانت إخفاتا في الجهرية، أو كانت جهرا في الإخفاتية فقد أتى بها صحيحة، لإن الجهر والإخفات لم يكن كل واحد منهما في موضعه شرطا لها حتى تنتفي بانتفائهما، وبعد الإتيان بها صحيحة لا يبقى محل لتدارك الجهر والإخفات، لأنه مستلزم للزيادة العمدية في القراءة لو أعاد القراءة وبدون إعادتها لا يمكن تداركهما، هذا بحسب القواعد. وربما يدل على هذا صحيح زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام في رجل جهر فيما لا ينبغي الإجهار فيه، وأخفي فيما لا ينبغي الإخفاء فيه، فقال (ع): (أي ذلك فعل متعمدا فقد
نقض صلاته وعليه الإعادة، فإن فعل ذلك ناسيا أو ساهيا أو لا يدري فلا شيء عليه وقد تمت صلاته) (1). والضابط الكلي في نسيان الواجبات في حال الإتيان بأجزاء الصلاة أنها إن كانت شرطا لتحقق ذلك الجزء، فحيث أن بنسيانها ينعدم ذلك الجزء - لأنه بإنعدام الشرط ينعدم المشروط - فيكون حال نسيان ذلك الواجب في حال إتيان ذلك الجزء حال نسيان نفس ذلك الجزء، فإن كان قبل تجاوز محل ذلك الجزء يتدارك بالإعادة، وإلا فتكون صلاته باطلة لو كان المنسي ركنا، لما ذكرنا من لزوم أحد المحذورين. وأما لو لم يكن المنسي ركنا فلا تبطل الصلاة، بل تجب سجدة السهو لكل نقيصة على التفصيل المتقدم، وفي خصوص نسيان التشهد والسجدة الواحدة مضافا إلى سجدتي السهو يجب قضائهما أيضا. أما في التشهد فلصحيح محمد، عن أحدهما عليهما السلام في الرجل يفرغ من صلاته وقد نسي التشهد حتى ينصرف، فقال عليه السلام: (إن كان قريبا رجع إلى مكانه فتشهد، وإلا طلب مكانا نظيفا فتشهد فيه) (2) وخبر علي بن أبي حمزة، قال أبو عبد الله عليه السلام: (إذا قمت في الركعتين الأولتين ولم تتشهد فذكرت قبل أن تركع فاقعد وتشهد، وإن لم تذكر حتى تركع فامض في صلاتك كما أنت، فإذا انصرفت سجدت سجدتين لا ركوع فيهما، ثم تشهد التشهد الذي فاتك) (3).
(هامش)
(1) (الفقية) ج 1 ص 344، باب أحكام السهو والشك، ح 1003، (تهذيب الأحكام) ج 2 ص 162، ح 635، باب تفصيل ما تقدم ذكره.. ح 93 (الاستبصار) ج 1 ص 313، ح 1163، باب وجوب الجهر بالقراءة، ح 1، (وسائل الشيعة) ج 4 ص 766، أبواب القراءة في الصلاة، باب 26، ح 1.
(2) تهذيب الأحكام) ج 2، ص 157، ح 617، باب تفصيل ما تقدم ذكره... ح 75، (وسائل الشيعة) ج 4، ص 995، أبواب التشهد، باب 7، ح 2.
(3) (الكافي) ج 3، ص 357، باب من تكلم في صلاته أو انصرف.. ح 7 (تهذيب الأحكام) ج 2، ص 344، ح 1430، باب أحكام السهو، ح 18، (وسائل الشيعة) ج 5 ص 341، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 26، ح 2. (*)
وأما قضاء السجدة الواحدة فيدل عليها صحيح ابن جابر، عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل نسي أن يسجد السجدة الثانية حتى قام فذكر - وهو قائم - أنه لم يسجد، قال (ع) (فليسجد ما لم يركع، فإذا ركع فذكر بعد ركوعه أنه لم يسجد فليمض على صلاته حتى يسلم ثم يسجدها، فإنها قضاء) (1) وهناك تفاصيل في المسألة ومعارضات لهذا الخبر وما يشابهه من الحكم بقضاء السجدة إن تجاوز عن محل تداركها إما بالدخول في الركن الذي واقع بعدها، وإما أن يكون تذكره بعد إتيان السلام الواجب. ولكن محل هذه التفاصيل والنقض والإبرام فيها هو باب الخلل في كتاب الصلاة. وأما إن كانت تلك الواجبات في حال الاشتغال بالأجزاء شرطا لأصل الصلاة لا لتلك الأجزاء، فالتجاوز عن محلها وعدم إمكان تداركها بالتجاوز عن نفس ذلك الجزء، لأن ذلك الجزء يقع صحيحا بعدما لم يكن مشروطا بوجود ذلك الواجب، فلا يبقى محل لتدارك ذلك الواجب، لأنه مع إعادة ذلك الجزء تلزم الزيادة العمدية، ومع عدم إعادته يبقى المظروف بلا ظرف. فإن كان ذلك الواجب من الأركان كالقيام حال تكبيرة الإحرام تبطل الصلاة لو نسيه، ولا يشمله حديث (لا تعاد) من جهة تخصيص عقد المستثني منه فيه بأدلة ركنية القيام في حال تكبيرة الإحرام. وأما إن لم يكن من الأركان كذكر الواجب في الركوع مثلا، وكنسيان القيام حال القراءة، أو الطمأنينة حال الأجزاء والأذكار كالطمأنينة حال التشهد والسجود وغير ذلك، فإذا نسيها وفات محل تداركها على الفرض، أي بناء على كون هذه الأشياء شرطا للصلاة لا لنفس الجزء فحيث أنه أتى بالجزء صحيحا فات محل تدارك ذلك
(هامش)
(1) (تهذيب الأحكام) ج 2، ص 153، ح 602، باب تفصيل ما تقدم ذكره في الصلاة، ح 60، (الاستبصار) ج 1، ص 359، ح 1361، باب من ترك سجدة، ح 2، (وسائل الشيعة) ج 4، ص 968، أبواب السجود، باب 14، ح 1. (*)
الواجب. فعدم بطلان الصلاة بنسيان الواجبات حال الأجزاء متوقف على أمرين: أحدهما أن لا يكون ذلك الواجب ركنا، كالقيام المتصل بالركوع، وكالقيام حال تكبيرة الإحرام وثانيهما: أن يكون شرطا للصلاة ويكون ظرف إتيانه حال الاشتغال بذلك الجزء لا شرطا لنفس الجزء، فحينئذ لا يجوز اعادة ذلك الجزء وتكون صلاته صحيحة، وإلا لو كان ذلك الواجب ركنا ولم يكن شرطا لتحقق ذلك الجزء كالقيام حال التكبيرة فالصلاة باطلة على كل حال. وكذلك لو كان شرطا لنفس الجزء ولم يعد ذلك الجزء تكون صلاته باطلة. نعم لو لم يفت محل تدارك ذلك الجزء، بأن لم يدخل بعد في الركن المتأخر عنه، أو لم يسلم سلام الواجب يجب عليه إتيان ذلك الجزء مع ذلك الواجب، وتكون صلاته صحيحة. وأنت تقدر بعد التأمل فيما ذكرنا استخراج جميع فروع الخلل، فلا حاجة إلى تطويل المقام. وأما لو كان المنسي هو السلام الواجب فإن تذكر قبل الإتيان بما هو مناف مطلقا، سواء صدر عمدا أو سهوا فيأتي به ويتم صلاته. وأما إن تذكربعد إتيان ذلك المنافي المذكور فالتدارك لا يمكن، لأن المفروض بطلان الصلاة بوجود المنافي المذكور، لأنه لا يخلو الحال من أحد أمرين: إما أن وقع هذا المنافي في الصلاة فيبطل الصلاة، فإتيان السلام المنسي وتداركه بعد بطلان الصلاة لا معنى له. وإما أن وقع في خارج الصلاة، مع أنه خلاف المفروض أيضا لا معنى لتدارك السلام، لأنه في خارج الصلاة. ولكن مع عدم إمكان تداركه وعدم دخوله في عقد المستثني لا تشمله صحيحة (لا تعاد) وذلك لما قلنا مرارا إن مفاد الصحيحة عدم
وجوب إعادة الصلاة بالنسبة إلى الأجزاء والشرائط التي سها المصلي عنها إذا لم يكن من الخمسة المستثناة، وكانت بحيث لو لم تكن هذه الصحيحة كان يجب الإعادة وكان بطلان الصلاة مستندا إليها. وأما فيما نحن فيه فليس الأمر كذلك، لأن البطلان ليس مستندا إلى ترك التسليم بل إلى وجود ذلك المنافي، وإلا كان التدارك ممكنا وكان يجب عليه التسليم، وهو خلاف المفروض أي وجود المنافي المطلق أي سواء كان عمدا أو سهوا. وبعبارة أخرى: نسيان التسليم بمحض وقوعه لا يوجب سقوطه عن الجزئية بحديث (لا تعاد) قطعا، ولذا لو تذكر قبل وجود المنافي المطلق أي سواء كان عمدا أو سهوا يجب عليه أدائه، فلا يكون موردا لشمول حديث (لا تعاد) إلا بعد وجود ذلك المنافي. وقد عرفت أن بعد وجود المنافي أيضا لا يشمله، لما ذكرنا من أن معنى الحديث هو أن الجزء أو الشرط الذي نسى عنه الذي كان كل واحد منهما كان موجبا للإعادة لنسيانه بحيث تكون الإعادة معلولة لنسيانه فلا تجب الإعادة، فتكون جزئية ذلك الجزء وشرطية ذلك الشرط ساقطة لكن موضوع الحكم بسقوطهما نسيان المتصف بكذا، أي النسيان الذي لولا (لا تعاد) كان موجبا للإعادة وبطلان الصلاة، فبلاتعاد يرتفع البطلان ووجوب الإعادة. وفيما نحن فيه من الواضح الجلي أنه لو لم يكن (لا تعاد) أصلا في البين لم يكن البطلان مستندا إلى التسليم، بل كان مستندا إلى الحدث: لوقوعه في أثناء الصلاة قطعا، فاستناد البطلان إلى نسيان التسليم لولا (لا تعاد) متوقف على شمول (لا تعاد) لهذا المورد حتى لا يكون التسليم جزءا، فلا يكون البطلان ووجوب الإعادة مستندا إلى الحدث لعد م وقوعه في الأثناء لنفي الجزئية، وإلا فبدون جريان (لا تعاد) وعدم شموله للمورد يكون السلام جزء ا ويكون الحدث واقعا في الأثناء، فيكون البطلان
مستندا إليه. فظهر من مجموع ما ذكرنا: أن شمول (لا تعاد) لنسيان التسليم، والحكم بعدم وجوب الإعادة في مورده متوقف على أن يكون بطلان الصلاة ووجوب الإعادة مستندا إليه، لا إلى الحدث لولا (لا تعاد)، واستناد البطلان ووجوب الإعادة إليه لا إلى الحدث متوقف على شمول (لا تعاد) للمورد، وهذا دور واضح. وإن شئت عبر بأن شمول (لا تعاد) للمورد موقوف على شموله للمورد. وحاصل الكلام في المقام: أن صرف نسيان الجزء أو الشرط بمحض وجوده وتحققه لا يوجب سقوط الجزئية والشرطية عن المنسي بواسطة حديث (لا تعاد)، وإلا لو صار متذكرا قبل التجاوز عن محله لم يكن التدارك واجبا، مع أنه ليس كذلك قطعا ولا يمكن الالتزام به، فشمول الحديث في المفروض متوقف على مجئ المبطل حتى لا يمكن التدارك، وإلا يجب أن يسلم ويتدارك، ومع مجئ المبطل - أي الحدث - وإن كان التدارك لا يمكن وقد تجاوز عن محل التدارك ولكن لا يبقى محل لمجئ قاعدة (لا تعاد)، لأن مفاد قاعدة (لا تعاد) تصحيح العمل وسقوط الإعادة وعدم وجوبها. وفيما نحن فيه لا يمكن ذلك: لأن شمول قاعدة (لا تعاد) موقوف على بطلان العمل، فيرجع إلى أن صحة العمل متوقف على بطلان العمل، وهذا مما ينبغي أن يضحك عليه لاأن يصغى إليه. نعم وردت هاهنا أخبار تدل على صحة الصلاة إذا نسى السلام وأحدث، فلعل من يفتي بصحة الصلاة نظره إلى هذه الأخبار، لا إلى قاعدة (لا تعاد) لما ذكرنا من عدم صحة التمسك بها في هذه الصورة، أي في نسيان السلام. وهذه الأخبار هي: منها: ما في صحيحة زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام، سأله عن الرجل يصلي ثم
يجلس فيحدث قبل أن يسلم، قال عليه السلام: (تمت صلاته) (1) ومنها: خبر حسن بن جهم قال سألته - يعني أبا الحسن عليه السلام - عن رجل صلى ببببا لظهر أو العصر فأحدث حين جلس في الرابعة، قال عليه السلام: (إن كان قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله فلا يعد، وإن كان لم يتشهد قبل أن يحدث فليعد) 2) ومنها: صحيح الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام: (إذا التفت في صلاة مكتوبة من غير فراغ فأعد الصلاة إذا كان الالتفات فاحشا، وإن كنت قد تشهدت فلا تعد) (3). ومنها: موثق غالب بن عثمان عنه عليه السلام عن الرجل يصلي المكتوبة فيقضي صلاته ويتشهد ثم ينام قبل أن يسلم، قال عليه السلام: (تمت صلاته وإن كان رعافا فأغسله ثم ارجع فسلم) (4) إلى غير ذلك من الأخبار الواردة بهذا المضمون. ولكن أنت خبير بأن ظاهر هذه الأخبار عدم جزئية السلام إما مطلقا وإما في حال عدم الاختيار والاضطرار إلى وجود المنافي والمبطل، فلا ربط لها بمسألة نسيان السلام بعد الفراغ عن جزئيته، فيكون معرضا عنها عند المشهور فتسقط عن الحجية. وأما عدم مبطلية الحدث لو صدر اضطرارا كما ذهب إليه بعض وهذا القول شاذ لا ينبغي الالتفات إليه.
(هامش)
(1) (تهذيب الأحكام) ج 2، ص 320، ح 1306، باب كيفية الصلاة وصفتها، ح 162، (الاستبصار) ج 1، ص 345، ح 1301، باب أن التسليم ليس بفرض، ح 1، (وسائل الشيعة) ج 4، ص 1011، أبواب التسليم، باب 3، ح 2 (2) (تهذيب الأحكام) ج 1، ص 205، ح 596، باب التيمم وأحكامه، ح 70، وج 2، ص 354، ح 1467، باب أحكام السهو، ح 55، (الاستبصار) ج 1 ص 401 ح 1531، باب أن البول والغائط والريح يقطع الصلاة... ح 2، (وسائل الشيعة) ج 4، ص 1241، أبواب قواطع الصلاة، باب 1، ح 6 (3) (تهذيب الأحكام) ج 2 ص 323، ح 1322، باب كيفية الصلاة وصفتها، ح 179، (الاستبصار) ج 1، ص 405، ح 1547، باب الالتفات في الصلاة، ح 5، (وسائل الشيعة) ج 4 ص 1011، أبواب التسليم، باب 3، ح 4. (4) (تهذيب الأحكام) ج 2، ص 319، ح 1304: باب كيفية الصلاة، ح 160، (وسائل الشيعة) ج 4، ص 1021، أبواب التسليم، باب 13، ح 6. (*)
واحتمل بعض صدور هذه الروايات - وأمثالها مما تدل على عدم بطلان الصلاة بوقوع الحدث قبل التسليم في صورة نسيان التسليم - وخروجها مخرج التقية. قال صاحب الجواهر (قدس سره) ذكرنا هناك - أي في أول مبحث القواطع في أول الخاتمة) - ما يقتضي القطع ببطلان الصلاة بذلك، وأن هذه النصوص وما شابهها مع تعارضها في نفسها واحتمالها احتمالات متعددة قد خرجت مخرج التقية. (1) هذا كله كان في نقصان الصلاة من حيث ترك جزء، أو شرط، أو إتيان مانع مما عدا الأركان سهوا. وأما الزيادة فيها فان كان من الخمسة المستثناة فتجب الإعادة: لما ذكرنا من شمول حديث (لا تعاد) الخلل الواقع من ناحية الزيادة مثل النقيصة، وأما إن كان من غير الأركان فعقد المستثني منه من هذا الحديث يدل على عدم البطلان ويكون مخصصا للعمومات التي تدل على بطلان الصلاة بالزيادة مطلقا، عمدا كان أو سهوا، وتخرج الزيادة السهوية في غير الأركان عن تحتها، فيقيد به إطلاق قول الباقر عليه السلام (إذا استيقن أنه زاد في صلاته المكتوبة لم يعتد بها) (2) وقول الصادق عليه السلام (من زاد في صلاته فعليه الإعادة). (3) والحمد لله أولا وآخرا، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين المعصومين.
(هامش)
(1) (جواهر الكلام) ج 12، ص 272
(2) (تهذيب الأحكام) ج 2، ص 194، ح 763، باب أحكام السهو في الصلاة، ح 64 (الاستبصار) ج 1، ص 376 ح 1428، باب من تيقن انه زاد في الصلاة، ح 1، (وسائل الشيعة) ج 5 ص 332، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، باب 19، ح 1.
(3) (الكافي) ج 3، ص 355، باب من سها في الأربع والخمس ولم يدر... ح 5 (تهذيب الأحكام) ج 2، ص 194، ح 764، باب أحكام السهو في الصلاة، ح 65، (الاستبصار) ج 1، ص 376، ح 1429، باب من تيقن أنه زاد في الصلاة، ح 2، (وسائل الشيعة) ج 5، ص 332، أبواب الخلل الواقع ي الصلاة، باب 19، ح 2. (*)