قاعدة الإمكان
ومن جملة القواعد الفقهية هي القاعدة المعروفة عندهم بقاعدة الإمكان وهي قولهم (إن كل ما يمكن أن يكون حيضا فهو حيض). والبحث فيه عن جهات ثلاث: (الأولى: في معنى هذه الجملة والكلية، وأنه ما المراد منها الثانية: في الدليل على هذه الكلية وانه ما هو الثالثة: في مواردها والفروع التي تنطبق هذه القاعدة عليها: فنقول أما الجهة الأولى أي المراد من هذه الجملة وما هو معناها فالعمدة فيها من الألفاظ هو لفظ (الإمكان) وأنه ما المراد منه وإلا فلفظ (الحيض) معلوم أنه عبارة: عن الدم السائل الذي يقذفه الرحم المتصف بصفة كذا وله شروط وقيود باعتبار سن المرأة التي منها سيلان ذلك الدم، وتوالي الدم، واتصافه بأوصاف مخصوصة ولا يكون أقل من ثلاثة أيام متوالية ولا أكثر من عشرة ويكون بينه وبين الحيضة السابقة فصل أقل الطهر وهي عشرة أيام متوالية وسائر القيود والشرائط المذكورة في الفقه في باب الحيض.
(هامش)
(القواعدو الفوائد) ج 2، ص 211، (عناوين الأصول) عنوان 22، (مجموعه رسائل) العدد 10، ص 471، (القواعد) ص 27، (ما وراء الفقه) ج 1، ص 155 (*)
فنقول: الإمكان وإن كان في حدنفسه له معان متعددة، من الإمكان العام والخاص ولأخص والاستقبالي والاستعدادي والوقوعي والاحتمالي وبالقياس إلى الغير، ولكن الظاهر أن المراد منه هيهنا هو الإمكان الوقوعي، أي ما لا يترتب على وقوعه وثبوته محذور عقلي ولا شرعي. كما قلنا في أن المراد من إمكان حجية الظن مقابل قول إبن قبة حيث قال بامتناعها (1) هوإمكانه وقوعا، أي لا يلزم من حجيته محذور، لا عقلا ولا شرعا فيكون مفاد الجملة بناء على هذا المعنى كل دم لا يلزم من كونه حيضا محذور لا عقلا ولا شرعا في عالم الإثبات لا بحسب الواقع فهو عند الشارع محكوم بالحيضية. وهذا المعنى من الإمكان هو الدائر في المحاورات العرفية، فإذا يقولون بأن الشيء الفلاني ممكن أن يقع، يريدون به أنه لا يلزم من وجوده محذور، ولا شك في أن الفقهاء في ذكر هذه الجملة يتكلمون على طريقة أهل المحاورة، لا أنهم يتكلمون باصطلاح أو بمعنى غير جار استعمال اللفظ بذلك المعنى في محاوراتهم. ولعمري هذا واضح جدا. وأما الإمكان بالقياس إلى الغير الذي ذكره صاحب الكفاية (قدس سره) في هذا المقام، وقال بأن الإمكان في القاعدة بهذا المعنى فأجنبي عن المقام، لان الإمكان بالقياس إلى الغير معناه أنه إذا قاسيناه بذلك الغير فهو - أي ذلك الغير - لا يوجب ضرورة وجوده ولا ضرورة عدمه، وبعبارة أخرى: لا يستلزم وجوده ولا عدمه، كما إذا فرضنا واجبين فكل واحد منهما لا علة لوجود الآخر ولا لعدمه، بل كل واحد منهما أجنبي عن الآخر فالقول بأن الحيض ممكن أي بالقياس إلى القيود والأدلة الشرعية وهذا هو المراد منه فعجيب، لأن الأدلة الشرعية لا تخلو من أحد الأمرين: إما يقتضي الحكم
(هامش)
(1) حكى عنه في (فرائد الاصول) ج 1، ص 40 (*)
بحيضيته، وإما يقتضي الحكم بعدم حيضيته لفقد قيد أو شرط من شروطه في الشبهة الحكمية. وأما إذا شك في اعتبار أمر في حيضيتة مما هو مفقود في هذا الدم الخارجي كتوالي الدم في ثلاثة أيام فلا يمكن أن يقال إنه بالقياس إلى الأدلة الشرعية ممكن أن يكون حيضا بالمعنى الذي ذكرنا للإمكان بالقياس إلى الغير، لأن الأدلة الشرعية بالأخرة إما يقتضي الحيضية أو يقتضي عدمه بحيث لو لم تكن هذه القاعدة موجودة لكان الفقيه حسب الأدلة الشرعية يحكم إما بالحيضية وإما بعدمها نعم لا بأس بأن يقال بأن المراد من الإمكان في المقام هو الاحتمال بحسب الأدلة الشرعية، ففي مورد الشك في شرط أو قيد في الشبهة الحكمية، وكذلك في احتمال وجود مانع كالحمل مثلا، يحتمل أن يكون الدم حيضا، فيحكم بحيضيته بقاعدة الإمكان. ومرادنا من الإمكان الوقوعي هو هذا المعنى، أي لا يلزم من جعله حيضا محذور شرعا أو عقلا في عالم الاثبات، لا عدم محذور في عالم الثبوت، لأنه بذلك المعنى يكون وجوده واجبا ولو بالغير، لأنه أي محذور لوقوعه اعظم من عدم علة وجوده يكون واجبا بالغير. فالمراد بالامكال الوقوعي هيهنا عدم وجود محذور من وقوعه في عالم الإثبات وبناء على هذا المعنى المختار تشمل القاعدة كلتا الشبهتين الحكمية والموضوعية جميعا، فكلما لم يكن دليل شرعي أو عقلي على عدم حيضيته فهو حيض، فتكون قاعدة ظاهرية في مورد الشك والشبهة، سواء كانت حكمية أو موضوعية. وبعبارة أخرى تكون كقاعدة الطهارة وقاعدة الحل أصلا غير تنزيلي. وقد عبر بعضهم عن هذا المعنى بالامكان الشرعي، أي كلما كان دم يمكن شرعا أن يكون حيضا بمعنى عدم قيام دليل شرعا على أنه ليس بحيض فالشارع حكم بحيضيته ظاهرا وترتيب آثار
الحيض عليه ما لم ينكشف الخلاف. فإذا سال دم من خنثى المشكل وشك في أنه حيض أم لا، فتارة يكون الشك من جهة الشك في أنه رجل أو امرأة وأخرى من جهة أنه على تقدير كونها امرأة يشك في أنه حيض لاحتمال شرطية شرط، أو قيدية قيد مفقود، أو مانع موجود. فإذا كان الشك من الجهة الثانية - أي لاحتمال فقد قيد أو شرط مما اعتبره الشارع في حيضية الدم أو وجود مانع كالحمل مثلا - فتجري هذه القاعدة لأنه لم يدل دليل من طرف الشرع أو العقل على عدم حيضيته فاحتمال الحيضية موجود مع عدم دليل على نفيه في عالم الإثبات. وأما الشك من الجهة الأولى، أي من ناحية أنه رجل أو امرأة - فإن قلنا إن مورد هذه القاعدة هو فيما إذا أحرز أن هذا الدم سال من رحم المرأة وشك في أنه هل هو الدم الطبيعي الذي يقذفه رحم المرأة المسمى بالحيض، أو من سائر الدماء التي تخرج من الرحم أو الفرج لأسباب خاصة - فلا تجري القاعدة، لعدم احراز كونها امرأة، وإلا أي إن لم نقل بلزوم إحراز كونها امرأة، بل المناط في جريان القاعدة هو الشك في الحيضية من أي سبب وجهة حصل، ولو كان الشك من جهة قابلية المحل فتجرى. والتحقيق في المقام: أنه لابد وأن ينظر إلى دليل القاعدة وأن مفاده هل هو أن الدم الخارج عن المحل القابل إذا كان ممكن الحيضية، أي لم يكن دليل على نفي حيضيته فهو حيض ؟ فبناء على هذا في الدم الذي قذفه رحم التي يشك في أنها صغيرة أو يائسة لا تجري قاعدة الإمكان أيضا مثل الخنثى المشكل، وأما إن كان مفاد الأدلة صرف الاحتمال، وعدم وجود دليل على الخلاف شرعا أو عقلا فتجري القاعدة في المذكورات. والظاهر هو الثاني، كما سيأتي في بيان الأدلة. وخلاصة الكلام: أن المراد بهذا الإمكان على ما يستظهر من معاقد إجماعاتهم
وكلماتهم وأقوالهم هو أنه كل دم يمكن أن يكون حيضا أي يحتمل أن يكون بحسب الواقع حيضا - وهذا بناء على أن للحيض واقعا محفوظا، لا أن الشارع اعتبر في الدم الذي يخرج من الرحم قيودا وجودية وعدمية وسماه حيضا - فإذا لم يدل دليل على أنه ليس بحيض لا عقلا ولا شرعا فهو في عالم الإثبات حيض ويجب ترتيب آثار الحيض على ذلك الدم ما لم ينكشف الخلاف. فتكون هذه قاعدة ظاهرية مجعولة للشاك، سواء كانت الشبهة حكمية أو موضوعية، فلا تجري في الدم المشكوك فيه في حال الصغر أو اليأس أو الحمل بناء على كونه مانعا، وغير ذلك مما اعتبره الشارع وجاء الدليل على اعتباره وجودا أو عدما، لأن الدليل الدال على اعتبار هذه القيود الوجودية أو العدمية رافع للشك الذي أخذ موضوعا في القاعدة، فيكون حاكما على القاعدة شأن كل أمارة بالنسبة إلى الأصل. فمرادنا بالإمكان الوقوعي ليس أنه لا يلزم محذور في حاق الواقع من وقوعه حتى يكون الحكم به حكما واقعيا، بل المراد كما شرحناه عدم دليل على نفيه في مقام الإثبات فحكم الشارع بوقوعه إثباتا لا ثبوتا، ولزوم ترتيب آثار الحيض على ذلك الدم في عالم الإثبات ما لم ينكشف الخلاف، ولذلك قلنا أنها قاعدة ظاهرية في مورد الشك، لا قاعدة متكفلة لبيان الحكم الواقعي، بل حالها حال سائر الأصول العملية غير التنزيلية. ثم إنه يظهر من كلام الشيخ الأنصاري (قدس سره) (1) أن المراد من الإمكان في هذه القاعدة هو الإمكان بالقياس إلى جميع ما اعتبره الشارع من القيود الوجودية والعدمية، أو يحتمل دخله فيه وجودا أو عدما فيه أي في الحيض عنده أي عند الشارع ما لم يكن دليل على نفيه. فبناء على هذا لو حصل الشك في مدخلية شيء وجودا أو عدما في
(هامش)
(1) (كتاب الطهارة) ص 184. (*)
كون الدم حيضا كتوالي ثلاثة أيام مثلا فلا يمكن التمسك لكونه حيضا بقاعدة الإمكان، لما قلنا من أن المراد من الإمكان هو إمكان كونه حيضا حتى بالقياس إلى ما يحتمل دخله وجودا أو عدما في كونه حيضا عند الشارع إن لم يكن دليل على عدم اعتباره، وبناء على هذا لا تجري القاعدة في الشبهة الحكمية وتكون مختصة بالشبهة الموضوعية. ثم إنه بناء على هذا المعنى الأخير الذي اختاره الشيخ الأعظم الأنصاري (قدس سره) من أن الامكان بلحاظ كل ما اعتبره الشارع من القيود الوجودية أو العدمية، أو ما احتمل اعتباره من طرفه فبعد إحراز الجميع يكون مجرى قاعدة الإمكان، وإلا مع الشك في تحقق أحد القيود الوجودية أو العدمية التي متيقن اعتبارها أو يكون محتمل الاعتبار فلا تجري، ولذلك قلنا تختص بالشبهات الموضوعية، ويكفي لإحراز تلك القيود الوجودية أو العدمية - المتيقنة أو المحتملة - الأصول الجارية لإثبات الشرط كاستصحاب بقائه، أو لعدم المانع كما في الشك في طرو اليأس، فأصالة عدم حصول اليأس كافية في إحراز شرطية عدم اليأس إن قلنا بأنه شرط، كما أنها كافية في إحراز عدم مانعية اليأس إن قلنا بأن اليأس مانع. هذا كله كان في بيان ما هو المراد من الإمكان في القاعدة من المعنيين المذكورين، وقد عرفت أنه بأحد المعنيين تجري القاعدة في الشبهات الحكمية، وبالمعنى الثاني هو مختار الشيخ الأعظم الأنصاري (قدس سره) لا تجري إلا في الشبهات الموضوعية. أما الجهة الثانية أي الدليل على هذه القاعدة وهو الذي يوجب تعيين معنى الإمكان من بين المعاني المحتملة، وهل المعنى الأول الذي بيناه للإمكان هو الذي تنطبق عليه الأدلة، أو المعنى الثاني الذي اختاره الشيخ
الأعظم الأنصاري (قدس سره). فنقول: استدلوا عليها بأدلة: الأول: الأصل، وتقريبه من وجوه: الأول أن الظاهر أن الدم الذي يقذفه الرحم من غير علة هو دم الحيض، فيكون من قبيل ظهور الألفاظ بالنسبة إلى مرادات المتكلمين بها. وفيه: أن حجية الظهورات في باب الألفاظ من جهة بناء العقلاء في محاوراتهم على بيان مراداتهم بما هو ظاهر اللفظ وترتيب الأثر عليه، ولم يردع الشارع عن هذه الطريقة، بل سلك هو أيضا في محاوراته هذا المسلك ولم يخترع طريقا آخر بل حاله حال أهل المحاورة والعرف في مقام الافادة والاستفادة. فباب ظواهر الألفاظ أجنبي عن المقام، إذ أن الحيض أمر تكويني خاص كسائر ما يترشح من الإنسان بل مطلق الحيوان، فحمله على ترشح خاص يحتاج إلى دليل وأمارة عليه، ولا ظهور لذلك في حد نفسه أصلا وعلى فرض أن كان، يحتاج إلى دليل على حجية هذا الظهور وليس شيء في البين. وأما إن كان المراد به الغلبة فصغرى وكبرى ممنوعة، لأنه قل من امرأة لا تبتلى بالاستحاضة، مضافا إلى وجود دماء آخر في الرحم غير الحيض والاستحاضة، وعلى فرض وجود الغلبة لادليل على اعتبارها وأما إن كان المراد به أن مقتضى أصالة السلامة هو أن الدم الذي يقذفه الرحم السالم حيض. ففيه أنه لا دليل أولا على أن مقتضى السلامة أن الدم الخارج من الرحم السالم حيض، إذ الدم الخارج منه يمكن أن يكون حيضا ويمكن أن لا يكون، إذ كثيرا ما يخرج من الرحم السالم غير الحيض من سائر الدماء كما هو واضح بالعيان. وثانيا على فرض كونها مقتضيا لذلك فليس من قبيل العلة التامة بحيث يقطع
الإنسان أن كل دم يقذفه يكون حيضا، إذ من الواضح أن الرحم السالم ربما يقذف الدم قبل البلوغ أو بعد اليأس بزمان يسير أو ربما يزيد على العشرة، وكل هذه ليس بحيض بحكم الشارع. نعم يمكن أن يقال إن الدم الخارج من الرحم السالم في غير ما دل الدليل على عدم كونه حيضا يظن أنه حيض، ولكن لا دليل على اعتبار هذا الظن، فمقتضى أصالة حرمة العمل بالظن عدم جواز العمل بهذا الظن. وأما ما ربما يدعي من أن ما عدا الحيض من الدماء التي يقذفها الرحم خلاف مقتضى الفطرة الأولية للنساء وخلقتها الأصلية لهن ولابد وأن يكون من جهة علة وآفة في الرحم، ومقتضى أصاله السلامة نفي هذه الاحتمالات، فلابد وأن يحمل على أنه حيض. فليست هذه الدعاوي إلا من موجبات الظن بأن الدم الخارج حيض، وقلنا أنه لا دليل على اعتبار مثل هذا الظن في المقام. وأما إن كان المراد من الأصل استصحاب عدم كون هذا الدم الخارج من العرق العاذل حتى يكون حيضا، لعدم احتمال دم ثالث في البين، أو استصحاب عدم كون هذا الدم استحاضة بالعدم الأزلي وبطور السالبة المنتفية بالتفاء الموضوع. ففيه أولا: بأن هذا الاستصحاب استصحاب العدم النعتي وليس لهذا العدم حالة سابقة، وقد أبطلنا استصحاب العدم الأزلي لإثبات عدم النعت في الأصول، فراجع. وثانيا: أنه معارض باستصحاب عدم كونه حيضا على فرض تسليم جريان استصحاب العدم الأزلي لاثبات عدم النعت. وثالثا: أن استصحاب عدم كونه استحاضة أو عدم كونه من عرق العاذل لاثبات كون هذا الدم المشكوك حيضا من أردء أقسام المثبتات. الثاني: بناء العرف على أن ما رأت المرأة التي هي في سن من تحيض من الدم ص 27
الخارج من الرحم أنه حيض، إلا إذا علم عدم كونه حيضا بواسطة الأدلة والأمارات. ومرجع هذا الدليل إلى مراجعة العرف في تشخيص مصاديق مفهوم الذي جعله الشارع موضوعا لحكمه، مثلا جعل الشارع مفهوم (الغناء) موضوعا للحرمة، فإذا شك في صوت أنه من مصاديق الغناء فالمرجع في تشخيص المصداق لذلك المفهوم هو العرف، فإذا كان بناء العرف مثلا على أن كل صوت شك في أنه غناء فهو غناء، فهدا البناء من أهل العرف حجة على كونه غناء. وفيما نحن فيه أيضا كذلك، إذا كان بناء عرف النساء أن كل دم لم يعلم أنه استحاضة أو دم آخر غير دم الحيض فهو من مصاديق مفهوم الحيض الذي هو مفهوم عرفي، لا أنه من مخترعات الشارع الأقدس. وفيه أولا: أن أمر تطبيق المفهوم على المصاديق ليس بيد العرف، وإنما المرجع هو العرف في تعيين المفاهيم وفهم المراد منها، وأما تطبيق المفهوم على المصداق فهو دقي وبيد العقل. نعم قد يكون الشك في الصدق من جهة عدم معرفة حدود المفهوم من حيث السعة والضيق، ويسمى بالشك في الصدق مقابل الشبهة المصداقية، ففي مثل هذا المورد لا بأس بمراجعة العرف، لأنه في الحقيقة يرجع إلى تعيين حدود المفهوم، ويكون المناط فيه فهم العرف. وأما في مثل المقام - من أن منشأ الشك أمور خارجية أو احتمال فقدان شرط شرعي أو قيد أو وجود مانع كذلك بناء على جريان هذه القاعدة في الشبهة الحكمية - فليس من تلك الجهة، أي من جهة الشبهة الصدقية قطعا. هذا، مضافا إلى أن ظاهر هذه القاعدة - كما تقدم بيان حكم الشك - في الحيض وأن الوظيفة العملية في ظرف الشك ما هو ؟ وبناء العرف في هذا المقام لا أثر له، ولو صح ما ذكرنا من مراجعة العرف في مقام تشخيص مصاديق المشتبهة للمفاهيم فيكون بناؤهم رافعا للشك وأمارة على الحيض إن كانت الشبهة موضوعية. وأما لو
كان المراد من بناء العرف بنائهم على ترتيب آثار الحيض على دم المشكوك الحيضية عملا، فيحتاج حجية هذه البناء منهم على إمضاء الشارع على فرض تحقق هذا البناء منهم، مع أن تحقق مثل هذا البناء في غير مورد الأمارات الشرعية كالعادة ووجود الصفات وغيرهما لا يخلو من تأمل وإشكال. وأما في موارد العادة، أو فيما إذا كان الدم بصفات الحيض فإرجاع الشارع إليهما وإن كان مسلما، ولكن لا ربط له بقاعدة الإمكان، بل إرجاعه إليهما يكون رادعا لقاعدة الإمكان. وأيضا لا أثر في أخبار الباب من الإرجاع إلى قاعدة الإمكان عند فقد العادة وعدم الصفات، مع أنه لو كانت القاعدة بمعنى بناء العرف المذكور ممضاة من قبل الشارع لكان يقتضي الارجاع إليها أيضا، خصوصا عند فقدهما. والحاصل أن عدم ارجاع الشارع إليها - في مورد الشك في حيضية الدم الخارج من مدخل الرحم خصوصا بعد فقد العادة والصفات - دليل على عدم إمضائه لهذه البناء على تقدير تسليم وجودها. الثالث: سيرة المتشرعة بما هم متشرعة لا بما هم عقلاء على ترتيب آثار الحيض على الدم المشكوك كونه حيضا، ولا شك في أن السيرة العملية من المتشرعة بما هم متشرعة مثل الإجماع والاتفاق القولي كاشف قطعي عن رأي الإمام (ع) لأنها في الحقيقة إجماع عملي من المتشرعة أعم من أن يكونوا فقهاء مجتهدين أم كانوا من العوام. وملاك الحجية وهو الاستناد وكونه مسببا عن رأي المعصوم في كليهما واحد. وفيه: مضافا إلى عدم معلومية هذا الاتفاق منهم بمجرد كون الدم مشكوك الحيضية، وعلى تقدير تحققه فلعله من جهة وجود أمارة من العادة أو الصفات أو غيرهما احتياطا فيها يمكن الاحتياط.. ثانيا: كاشفية السيرة عن رأي الإمام (ع منوطة باتصالها إلى زمان المعصوم ولا طريق إلى إثبات ذلك. نعم لو تحققت السيرة من المتشرعة - بما هم متشرعة من
دون استناد إلى الأدلة الشرعية من الصفات والعادة والروايات الواردة في هذا الباب ومن دون كون ترتيب آثار الحيضية من باب الاحتياط، وكانت متصلة بزمان المعصوم ولم يردع عنها فتكون دليلا على هذه القاعدة. ولكن في جميع مقدمات هذا الدليل إشكال. الرابع: ما أفاده كاشف اللثام من أنه لو لم يعتبر قاعدة الإمكان عند الشك في كون الدم حيضا لما أمكن الحكم بحيضية دم، لعدم اليقين بها غالبا، وعدم دليل آخر من أصل أو أمارة يدل على كونه حيضا (1) وفيه: أنه جعل الشارع أمارات لإثبات كونه حيضا: منها: كونه في العادة وقتا وعددا أو أحدهما وإن لم يكن بصفات الحيض ومنها: ما إذا كان الدم بصفات الحيض وإن لم يكن في العادة، كما في قوله (ع) في مرسل يونس: (دم الحيض أسود يعرف) (2) وكقوله (ع) في خبر حفص (قال: دخلت على أبي عبد الله (ع) امرأة سألته عن المرأة يستمر بها الدم فلا تدري حيض هو أم غيره ؟ قال (ع) لها: (إن دم الحيض حار عبيط أسود، له دفع وحرارة، ودم الاستحاضة بارد رقيق، فإذا كان للدم حرارة ودفع وسواد فلتدع الصلاة) قال: فخرجت وهي تقول: لو كان امرأة ما زاد على هذا (3) منها: عن العلامة في التذكرة (4)، عن الصادق (ع) (إن دم الحيض ليس به خفاء، وهو دم حار محتدم، له حرقة) إلى آخره (5). والأخبار في معرفة الحيض بالصفات
(هامش)
(1) (كشف اللثام) ج 1 ص 88
(2) (الكافي) ج 3 ص 86، باب جامع في الحائض والمستحاضة، ح 1، (وسائل الشيعة) ج 2، ص 538 أبواب الحيض، باب 3، ح 4
(3) (الكافي) ج 3، ص 91، باب معرفة دم الحيض من دم الاستحاضة، ح 1، (تهذيب الأحكام) ج 1 ص 151 ح 429، باب حكم الحيض والاستحاضة.. ح 1، (وسائل الشيعة) ج 2 ص 537، أبواب الحيض باب 3 ح 2.
(4) (تذكرة الفقهاء) ج 1 ص 294.
(5) (الكافي) ج 3 ص 92، باب معرفة دم الحيض من دم الاستحاضة، ح 3 (تهذيب الأحكام) ج 1 ص 151 (*)
كثيرة فراجع محلها، أي باب علائم دم الحيض من كتاب جامع أحاديث الشيعة في أحكام الشريعة (1) منها: الروايات التي تدل على الحكم بكونه حيضا مع التوالي ثلاثة أيام والانقطاع على ما دون العشرة وان لم يكن بصفات الحيض وغير ذلك من الامارات، فلا بأس في الرجوع إلى أصالة العدم فيما لم يكن يقين وإحدى هذه الأمارات، ولا يلزم من عدم اعتبار قاعدة الإمكان محذور أصلا. الخامس: الروايات الكثيرة التي يستظهر منها حكم الشارع بأن الدم الذي لم تدل الأدلة الشرعية على عدم كونه حيضافهو حيض، بمعنى أن ما اعتبره الشارع في الحيضية من القيود الوجودية والعدمية موجودة فيه، فبالنسبة إلى الأدلة الشرعية لا مانع من كونه حيضا فمفاد تلك الأخبار الكثيرة في الموارد المختلفة أن مثل هذا الدم حيض، ولذلك عبر جماعة عن الإمكان في هذه القاعدة بالامكان القياسي، أي بالقياس إلى الأدلة الشرعية. وقد عرفث أن هذا المعنى لا ينافي ما ذكرنا من أن المراد بالاءمكان المذكور في القاعدة هو الاءمكان الوقوعي شرعا، أي لا يلزم من وقوعه شرعا محذور. فإذا كان عمر المرأة أقل من تسع، أو أكثر من خمسين في غير القرشية، أو من ستين فيها فلا يمكن أن يكون حيضا بالإمكان الوقوعي عند الشارع، لأنه يلزم من كونه حيضا محذور شرعا بعد ما اعتبر كون عمر المرأة التي تحيض تسع فما زاد، وأن لا يكون أكثر من خمسين أو ستين. منها: الأخبار المستفيضة الدالة على أن ما تراه المرأة قبل العشرة - أي عشرة
(هامش)
ح 431، باب حكم الحيض والاستحاضة.. ح 3 (1) (جامع أحاديث الشيعة) ج 2، ص 478، باب علائم دم الحيض والاستحاضة والعذرة والقرحة. (*)
الطهر الفاصلة بين الحيضتين - فهو من الحيضة الأولى، وما تراه بعدها فهو من الحيضة المستقبلة ومنها: رواية يونس عن الصادق عليه السلام قال: قلت لأبي عبد الله (ع) المرأة ترى الدم ثلاثة أيام أو أربعة أيام، قال (ع) (تدع الصلاة) قلت: فإنها ترى الطهر ثلاثة أيام أو أربعة قال: (تصلي) قلت: فإنها ترى الدم ثلاثة أيام أو أربعة أيام قال (ع) (تدع الصلاة) قلت: فإنها ترى الطهر ثلاثة أيام، أو أربعة أيام قال (ع) (تصلي) قلت: فإنها ترى الدم ثلاثة أيام، أو أربعة أيام قال (ع) (تدع الصلاة تصنع ما بينها وبين الشهر، فإن انقطع عنها وإلا فهي بمنزلة المستحاضة) (1) ومنها: رواية أخرى عن يونس بن يعقوب عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله (ع) عن المرأة ترى الدم خمسة أيام والطهر خمسة أيام، وترى الدم أربعة أيام، وترى الطهر ستة أيام، فقال (ع) (إن رأت الدم لم تصل، وإن رأت الطهر صلت ما بينها وبين ثلاثين يوما، فإذا تمت ثلاثون يوما فرأت الدم دما صبيبا اغتسلت واستثفرت واحتشت بالكرسف في وقت كل صلاة، فإذا رأت صفرة توضأت) (2). (ومنها: رواية سماعة قال: سألته عن المرأة ترى الدم قبل وقت حيضها، فقال (ع) (إذا رأت الدم قبل وقت حيضها فلتدع الصلاة، فانه ربما تعجل بها الوقت) الحديث (3) ومنها: رواية عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (ع) أنه سأل عن الحبلى ترى
(هامش)
(1) (الكافي) ج 3، ص 79: باب أول ما تحيض المرأة، ح 2، وسائل الشيعة) ج 2، ص 544، أبواب الحيض، باب 6، ح 2.
(2) (تهذيب الأحكام) ج 1، ص 380 ح 1180 باب الحيض والاستحاضة ح 3 (الاستبصار) ج 1، ص 132، ص 454، باب أقل الطهر، ح 3، (وسائل الشيعة) ج 2، ص 544 أبواب الحيض، باب 6، ح 2.
(3) (الكافي) ج 3 ص 77، باب المرأة ترى الدم قبل أيامها أو بعد طهرها، ح 2 (تهذيب الأحكام) ج 1، ص 158، ص 453، باب حكم الحيض والاستحاضة، ح 25، (وسائل الشيعة) ج 2 ص 556، أبواب الحيض، باب 13، ح 1 (*)
الدم أتترك الصلاة ؟ فقال:: (نعم، إن الحبلى ربما قذفت بالدم) (1) ومنها: رواية صفوان قال: سألت أبا الحسن (ع) عن الحبلى ترى الدم ثلاثة أيام أو أربعة أتصلي ؟ قال عليه السلام (تمسك عن الصلاة) (2) ومنها: رواية منصور بن حازم، عن أبي عبد الله (ع) قال (ع) (أي ساعة رأت المرأة الدم فهي تفطر) الحديث (3). وأيضا هناك روايات أخر تمسكوا بها أيضا لإثبات هذه القاعدة تركناها لكي لا يطول المقام، وما ذكرنا منها أظهر في المقصود مما لم نذكر ومع ذلك كله يمكن المناقشة في دلالة هذه الروايات على اعتبار هذه القاعدة بطور الكلية في الشبهة الحكمية والموضوعية بصرف احتمال كون الدم حيضا مع عدم محذور شرعا من الحكم بحيضيته، بمعنى عدم دليل شرعي على عدم كونه حيضا. أما الطائفة الأولى: فالظاهر منها كون الدم حيضا على أي حال بلا اشتباه في كونه حيضا أم لا، وأنما الشك في كونه من الحيضة الأولى أم الثانية، فيقول (ع) بأن الدم الذي قبل العشرة من الحيضة الأولى وما بعدها من الثانية. وذلك من جهة أن النقاء المتخلل بين الدمين إذا لم يزد مع ما في طرفيه على العشرة فالمجموع حيضة واحدة، وإلا - كما في المقام - فالدم الأول من حيضة والثاني من حيضة أخرى، وإلا يلزم أن يكون أكثر الحيض أكثر من العشرة، وهو معلوم العدم، فليس في مقام الحكم بكونه حيضا فيما إذا تردد بين كونه حيضا وبين عدمه.
(هامش)
(1) (الكافي) ج 3، ص 97، باب الحبلى ترى الدم، ح 5 (تهذيب الأحكام) ج 1، ص 386، ح 1187، باب الحيض والاستحاضة و 000 ح 10 (الاستبصار) ج 1، ص 138، ح 474، باب الحبلى ترى الدم، ح 2، (وسائل الشيعة) ج 2، ص 576، أبواب الحيض، باب 30، ح 1.
(2) (تهذيب الأحكام) ج 1 ص 387 ح 1193، باب الحيض والاستحاضه و... ح 16، (الاستبصار) ح 1، ص 139 ح 478، باب الحبلى ترى الدم، ح 6، (وسائل الشيعة) ج 2 ص 577، أبواب الحيض باب 30 ح 4
(3) (تهذيب الأحكام) ج 1 ص 394 ح 1218، باب الحيض والاستحاضة و... ح 41، (الاستبصار)) ج 1 ص 146، ح 499، باب المرأة تحيض في يوم من أيام شهر رمضان، ح 3 (وسائل الشيعة) ج 2 ص 601، أبواب الحيض، باب 50 ح 3 (*)
وأما روايتا يونس بن يعقوب الأولى والثانية فالظاهر أنها في المرأة التي استدام بها الدم واختلط عليها عادتها، فتعمل عمل الحائض عند رؤية كل دم لاحتمال كونه هو الحيض، وعمل الطهر عند كل طهر حتى يتبين حالها فيما بعد وترجع إلى عادتها وإلا فالحكم بحيضية كل دم من تلك الدماء معلوم العدم، لعدم الفصل بين الدمين بالنقاء العشرة التي هي أقل الطهر، وكون مجموع الدمين مع النقاء المتخلل بينهما أكثر من عشرة - في بعض الصور منها، فلا يمكن تطبيقها على قاعدة الإمكان، كما هو واضح. وأما رواية سماعة: فقوله (ع): (فإنه ربما تعجل بها الوقت) ظاهر في أن تقدم الدم قليلا من الزمان - مثل يوم أو يومين على الوقت - لا يخرجها عن كونها ذات العادة الوقتية، لأنه ربما تعجل بها الوقت، فيكون الحكم بحيضيته من جهة كونه في الوقت وهي ذات العادة الوقتية، وهي أمارة وبعبارة أخرى: يكون قوله (ع) (ربما تعجل بها الوقت) نحو توسعة في الوقت، فلا ربط لها بقاعدة الإمكان. وبهذا المضمون - أي الحكم بكون الدم الذي قبل الحيض بيوم أو يومين فهو حيض وإن كان ذا صفرة - روايات كثيرة، فهي صريحة في أن التقدم بيوم أو يومين على وقت العادة لا يخرجها عن كونها ذات العادة الوقتية بالنسبة إلى هذا الدم المتقدم على الوقت، وإلا فبمقتضى صفة كونه ذا صفرة يجب أن يحكم عليه بأنه استحاضة ولكنه حيث أن أمارية الوقت والعادة مقدمة على الصفات فيحكم بحيضيته، ولذا وردت في الروايات أن الصفرة في أيام الحيض حيض وفي غيرها استحاضة (1). وأما رواية عبد الله بن سنان وصفوان: ففي مقام أن الحيض يجتمع مع الحبل، ولا فرق بين الحبل وغيره في إمكان تحقق الحيض معه، وهذا لا ينافي أن إثباته يحتاج إلى أمارات وعلائم التي جعلها الشارع طريقا إلى معرفة الحيض، فلا ربط لهما بقاعدة
(هامش)
(1) (وسائل الشيعة) ج 2 ص 539: أبواب الحيض، باب 4. (*)
الإمكان وأما رواية منصور بن حازم: فالظاهر منها أن الحيض بمحض وجوده في نهار رمضان يوجب الإفطار، سواء أكان في أول النهار أو في آخر النهار بعد الفراغ عن كونه حيضا، لا أنه في مورد الشك في حيضيته يحكم بكونه حيضا: فلا ربط لها بقاعدة الإمكان. وأما الروايات الواردة في باب تميز دم الحيض عن دم العذرة - بأنها تستدخل قطنة، فإن خرجت والدم فيها مطوق فهو دم العذرة، وإن خرجت والدم فيها منغمس فدم الحيض (1). فمن جهة جعل الشارع الانغماس في القطنة أمارة للحيض، والتطوق أمارة للعذرة، فإن عمل بها فتكون من باب قيام الأمارة على الحيض مقابل الاشتباه بالعذرة لا مطلقا، وإن لم يعمل بها فلا يدل على شيء وعلى كل حال - لا ربط لها بقاعدة الامكان وكذلك الرواية الواردة في تميز الحيض عن القرحة - بالخروج عن الجانب الأيسر فحيض، وإن كان خروج الدم عن الجانب الأيمن فقرحة (2) - ظاهرها جعل الخروج من كل واحد من الطرفين أمارة لأحدهما مع انحصار الاحتمال فيهما، ولا يكون احتمال كون الدم دما آخر كالاستحاضة مثلا، فان عمل بها يكون إثبات الحيض بالأمارة لا بقاعدة الإمكان وإلا فلا يدل على شيء هذا مع اختلاف النسخ، ففي بعضها جعل الأيسر علامة الحيض، وفي بعضها الأيمن. وأما روايات الاستظهار بيوم أو يومين (3)، فليس إلا من جهة الاحتياط حتى يتبين الحال، كما هو ظاهر لفظ الاستظهار.
(هامش)
(1) (وسائل الشيعة) ج 2، ص 535، أبواب الحيض، باب 2
(2) (وسائل الشيعة) ج 2، ص 560، أبواب الحيض، باب 16.
(3) (وسائل الشيعة) ج 2، ص 556، أبواب الحيض، باب 13. (*)
وفي بعض الروايات أن المرأة إذا تجاوز الدم عن عادتها فهي تسنظهر بيوم أو يومين أو ثلاثة أيام كصحيح البزنطي عن أبي الحسن الرضا (ع)، سألته عن الطامث كم تستظهر ؟ قال (ع) (تستظهر بيوم أو يومين أو ثلاثة) (1) وفي موثق يونس بن يعقوب، قلت لأبي عبد الله (ع) امرأة رأت الدم في حيضها حتى تجاوز وقتها، قال (ع): (تنظر عادتها التي كانت تجلس، ثم تستظهر يعشرة أيام) (2) والحاصل أن أخبار الاستظهار مختلفة جدا من حيث تعيين مقدار الاستظهار بين يوم واحد، ويومين، وثلاثة أيام، وعشرة أيام، وثلثي أيامها في النفساء، ولذلك حملوها على الاستحباب، وعلى كل حال المقصود من الاستظهار تبين حال الدم وأنه بعد تجاوزه عن مقدار عادتها العددية هل ينقطع على العشرة أو ما دونها حتى يكون المجموع حيضا أو يتجاوز عن العشرة حتى تأخذ بعادتها ؟ فلا ربط لها بقاعدة الإمكان. السادس: الإجماع وقد ادعاه جماعة من الأصحاب كالمحقق في المعتبر (3) والعلامة في المنتهى (4) وقال في القواعد: وكل دم يمكن أن يكون حيضا فهو حيض. (5) وإرسله إرسال المسلمات.
(هامش)
(1) (تهذيب الاحكام) ج 1 ص 171، ح 489، باب حكم الحيض والاستحاضة و.. ح 61، (الاستبصار) ج 1، ص149، ح 514، باب الاستظهار للمستحاضة، ح 3 (وسائل الشيعة) ج 2 ص 557 أبواب الحيض، باب 13، ح 9
(2) (تهذيب الأحكام) ح 1 ص 402، ح 1259، باب الحيض والاستحاضة والنفاس، ح 82 (الاستبصار) ج 1 ص 149 ح 516 باب الاستظهار للمستحاضة، ح 5 (وسائل الشيعة) ج 2، ص ر 558، أبواب الحيض، باب 13 ح 12
(3) (المعتبر) ج 1 ص 203
(4) (المنتهى) ج 1 ص 98
(5) (قواعد الأحكام) ج 1 ص 213 (*)
وفي جامع المقاصد: هذا الحكم ذكره الأصحاب (1) وعن نهاية الأحكام: كل دم يمكن أن يكون حيضا وينقطع على العشرة فانه حيض، سواء اتفق لونه أو اختلف، ضعيف أو قوي إجماعا (2). وعن الخلاف: إن الصفرة والكدرة في أيام الحيض حيض، وفي أيام الطهر طهر. سواء كان أيام العادة أو الأيام التي يمكن أن تكون حائضا فيها. ثم قال: دليلنا على صحة ما ذهبنا إليه إجماع الفرقة (3). وقال في مفتاح الكرامة، في شرح قول العلامة في القواعد: وكل دم يمكن أن يكون حيضا فهو حيض إجماعا، كما في المعتبر، والمنتهى، ونهاية الأحكام ذكره في مبحث الاستحاضة، ومجمع البرهان وفي جامع المقاصد نسبه إلى الأصحاب، وفي شرح المفاتيح: أنه المعروف من مذهب الأصحاب. وذكره الشهيد في اللمعة فيكون مشهورا بناء على ما ذكره في آخرها وقال في جامع المقاصد: لولا الإجماع لكان الحكم به مشكلا من حيث ترك المعلوم ثبوته بمجرد الإمكان (4) وقال أيضا في مفتاح الكرامة: وفي حاشية المدارك: إنهم لم يعولوا على الإمكان. وإنما عولوا على الاجماع، والمجمعون اطلعوا على المستند. انتهى ما في مفتاح الكرامة. (5) ولا شك في أن هذه الكلمات من هؤلاء الأكابر والأعاظم تكشف عن تسلمهم على هذه القاعدة ولكن الكلام في أنه هل من الاجماع المصطلح الأصولي الذي قلنا بحجيته واستكشاف رأي المعصوم (ع) منه أم لا، بل اتفاقهم مستند إلى ما ذكرنا من الأدلة
(هامش)
(1) (جامع المقاصد) ج 1 ص 288.
(2) (نهاية الأحكام) ج 1، ص 132.
(3) (الخلاف) ج 1، ص 235، المسالة 201.
(4) (مفتاح الكرامة) ج 1 ص 345.
(5) المصدر. (*)
الخمسة المتقدمة ؟ والظاهر أن مستند المتفقين مختلفة، فبعضهم لا يستندون إلا إلى نفس الاتفاق والإجماع، من دون أن يكون لهم مستند آخر عقليا أو نقليا، وبعضهم الآخر يستندون إلى الأدلة المتقدمة، وهم أيضا مختلفون فبعضهم يستندون إلى أصالة السلامة، وبعضهم يستندون إلى الأخبار، وهكذا. ومعلوم أن مثل هذا الإجماع لا يفيد لإثبات قاعدة كلية ظاهرية في مقام الشك، خصوصا في الشبهات الحكمية، وعلى كل حال الأقوال في هذه القاعدة مختلفة: فقول باعتبارها في الشبهة الحكمية والموضوعية جميعا، وآخر بعدم اعتبارها مطلقا، وقول بالتفصيل بين الشبهة الحكمية والموضوعية، بعدم اعتبارها في الأولى واعتبارها في الثانية الجهة الثالثة في بيان موارد جريان القاعدة على تقدير اعتبارها ولابد في تعيين ذلك من النظر إلى دليل اعتبارها، وأنه هل يدل على اعتبارها في كل مورد لم يعلم بعدم كونه حيضا بحسب الأدلة الشرعية وإن احتمل ذلك، فتدل هذه القاعدة بناء على هذا على كون كل دم مشكوك - ولم يرد دليل على عدم حيضيته - أنه حيض أم لا، بل دائرة اعتبارها أضيق مما ذكر ؟ وبعبارة أخرى: المناط في سعة دائرة موارد جريانها هو دلالة دليل اعتبارها سعة وضيقا، فلو كان الدليل على اعتبارها هو الدليل الأول - أي: الأصل - فبأي معنى من معانيه التي ذكرناها يكون موردها عاما يشمل الشبهة الحكمية والموضوعية جميعا
ولكن عرفت عدم صحة ذلك الدليل. وأما بناء على أن يكون دليلها هو بناء العرف - الذي هو الدليل الثاني مما ذكرنا - فلا يدل على فرض تحققه وحجية ذلك البناء على أكثر من كون الدم المشكوك من جهة الشبهة الموضوعية والأمور الخارجية حيضا، فلا يشمل الشك في كونه من جهة الشبهة الحكمية، لأنه مع احتمال اعتبار الشارع قيد وجودي أو عدمي لا يبقى مجال لدلالة بناء العرف والعقلاء على حيضية الدم المشكوك. وبعبارة أخرى: بناء العرف والعقلاء يحتاج حجيته إلى إمضاء الشارع، ومع احتمال اعتبار الشارع وجود قيد مفقود في الدم المشكوك، أو عدم قيد موجود فيه لا إمضاء في البين. وقد عرفت الإشكالات الواردة على هذا الوجه. وأما بناء على الوجه الثالث أي السيرة المتشرعة فعلى فرض تحققها عندهم بما هم متشرعة واتصالها بزمان المعصوم ولم يكن استنادهم إلى الروايات، وإلا فيكون المدرك هي الروايات. وسنتكلم فيها ولم يكن حكمهم بالحيضية من باب الأدلة الشرعية والصفات والعلامات والعادة، ولم يكن ردع عن قبل الشارع، فلابد وأن يلاحظ معقد السيرة هل هو خصوص الشبهة الموضوعية أو الأعم منها ومن الحكمية ؟ وأما بناء على الوجه الرابع مع وضوح بطلانه في نفسه لا يفيد إلا فيما لا يكون مثبتا للحيضية، وإن كان ذلك الدليل أصلا غير تنزيلي. وأما بناء على الوجه الخامس - أي الأخبار التي استدلوا بها على هذه القاعدة، فلو قلنا بدلالتها على اعتبار هذه القاعدة وأغمضنا النظر عن الإشكالات التي أوردناها على دلالة تلك الأخبار على اعتبارها - فالانصاف أن في دلالتها على اعتبار هذه القاعدة حتى في الشبهات الحكمية نظر بل إشكال.
بيان ذلك: أن ظاهر هذه التعليلات - مثل قوله (ع) في رواية عبد الله بن سنان (إن الحبلى ربما قذفت) (1) أو قوله (ع) في رواية سماعة (فإنه ربما تعجل بها الوقت) (2) - أن كونها حبلى، أو وجود الدم قبل وقت العاده ليس مما يمنع عن كون هذا الدم الخارجي حيضا، فتدل على أن هذا الدم الخارجي إذا شككت في أنه حيض من جهة احتمال كون الحبلى أو وجوده قبل وقت العادة مانعا خارجيا عن كونه حيضا فهو حيض، لأنه لا منافاه بين الحبل والحيض، لأنه الحبلى أيضا مثل غيرها ربما تقذف الدم وأيضا لا منافاة خارجا وتكوينا بين تقدم الدم على الوقت وبين كونه حيضا، لأنه قد يعجل بها الوقت، لا أنه (ع) بصدد بيان أنه عند الشك في مانعية الحمل أو مانعية وجود الدم قبل الوقت يكون حيضا حتى يكون حكمه بالحيضية في مورد الشبهة الحكمية. ودلالة الروايات على هذه القاعدة لوثبتت تكون من ناحية هذه التعليلات، وقد عرفت أن هذه التعليلات على دلالتها على القاعدة المذكورة لا تدل على أكثر من أن الدم المشكوك الحيضية - من ناحية الأمور الخارجية، ككون المرأة حبلى، أو تقدم الدم على العادة وأمثال ذلك - حيض. وأما بناء على الوجه السادس - أي الاجماع - فلابد وأن يلاحظ معقد الإجماع، وهل انعقد الإجماع على فرض تحققه على اعتبارها مطلقا ؟ سواء أكانت الشبهة حكمية - أي: كان منشأ الشك احتمال اعتبار قيد وجودي من طرف الشارع، وهو مفقود كالتوالي مثلا، أو احتمال اعتبار قيد عدمي في دم الحيض، وهو موجود كاحتمال اعتبار عدم كون عمرها أكثر من خمسين مثلا وهو أكثر، أو اعتبار عدم كونها حاملا وهي حامل مثلا - أو كانت موضوعية فقط، منشأ الشك هي الأمور الخارجية، أولا بل انعقد على اعتبارها في الشبهات الموضوعية فقط، أو يكون معقد الإجماع في بعض
(هامش)
(1) تقدم تخريجه في ص 32.
(2) تقدم تخريجه في ص 31. (*)
الشبهات الموضوعية لا جميعا وهو خصوص مورد الروايات فقط دون سائر الشبهات الموضوعية ؟ والإنصاف أنه لو أغمضنا عن الإشكال الذي أوردنا على الإجماع فالذي يستظهر من معاقد إجماعاتهم واتفاقاتهم هو المعنى الوسط، أي اعتبارها في جميع الشبهات الموضوعية دون الشبهات الحكمية. وتحقق مثل هذا الإجماع ليس ببعيد وهو الوجه في حجية هذه القاعدة. ثم أنه لما كانت هذه القاعدة مجعولة للشاك في حيضية الدم فيكون حكما ظاهريا، وأصلا عمليا غير تنزيلي. فإذا كانت هناك أمارة على أن الدم الكذائي حيض أو ليس بحيض، أو أصل تنزبلي كاستصحاب الحيضية أو عدمها فلا يبقى مجال لجريان هذه القاعدة. نعم بناء على بعض الوجوه المتقدمة - مثل ما لو كان المدرك لهذه القاعدة هي السيرة وهكذا أصالة السلامة - تكون من قببل الأصول التنزيلية، فتتعارض مع سائر الأصول التنزيلية كالاستصحاب مثلا، إلا أن يكون مرجح في البين يوجب تقديم أحدهما، وإلا فمقتضى القاعدة التساقط. فتلخص مما ذكرنا عدم الاحتياج إلى هذه القاعدة في جميع الموارد التي دل الدليل على كونه حيضا أو ليس بحيض من نص أو إجماع، بل لامورد لها، لأنها أصل عملي، فمع وجود الأمارة المعتبرة - من نص أو إجماع على الحيضية يرتفع موضوعها تعبدا وفي عالم التشريع، أي لا يبقى شك وتحير حتى تصل النوبة إلى جريانها ولا فرق في حكومة الأمارات عليها بين أن يكون مؤداها موافقا للقاعدة أو مخالفا لها. وكذلك الأصول التنزيلية على تقدير كونها أصل غير تنزيلي، ففي أيام العادة التي حكم الشارع بحيضية الدم - سواء أكانت واجدة للصفات أم لا - لا مجال لجريان القاعدة، كما أنه لو كان في غير أيام العادة ولكن كان بصفات الحيض أيضا كذلك، لأن
الشارع جعل الصفات أمارة على الحيضية ولو لم يكن في أيام العادة. وكذلك في غير أيام العادة لو كان بصفات الاستحاضة من كونه أصفرا باردا رقيقا فلا تجري القاعدة لأن الشارع جعل هذه الصفات في غير أيام العادة أمارة الاستحاضة، وكذلك فيما زاد على العشرة حكم الشارع بعدم حيضية ما زاد على العشرة، لأن أكثر الحيض عشرة، وكذلك ما زاد على العادة بشرط تجاوز الدم عن العشرة لحكم الشارع بأن ما زاد على العادة إن لم ينقطع على العشرة ليس بحيض. وكذا لو كان التطويق أمارة كون الدم دم العذرة عند اشتباه دم الحيض بدم العذرة فلا تجري القاعدة إذا كان الدم مطوقة في القطنة. وكذلك إذا كان الخروج من جانب الأيمن كان أمارة على كونه دم القرحة، أو خروجه من جانب الأيسر كان امارة الحيضية، ففي كلا الموردين لا مجال لجريان القاعدة، وكذا في كل مورد كان الشك من جهة احتمال اعتبار قيد وجودي مفقود في الدم، أو احتمال اعتبار قيد عدمي موجود فيه. وبعبارة أخرى: في الشبهات الحكمية لا تجري القاعدة، وكذلك في مستدامة الدم بناء على رجوعها إلى الروايات بأن تأخذ في شهر ثلاثة وفي شهر سبعة، أو ترجع إلى عادة أهلها وأقاربها أو ترجع إلى التميز بالصفات إن كانت ولم يكن الدم لونا واحدا، ففي جميع ذلك لا مجال لجريان القاعدة: وبناء على كون القاعدة أصلا غير تنزيلي في كل مورد كان استصحاب الحيضية واستصحاب عدمها أيضا لا مجال لجريان القاعدة، كل ذلك لأجل حكومة الأمارات والروايات على الأصول مطلقا، والأصول التنزيلية على غير التنزيلية. فظهر مما ذكرنا أن موارد جريان القاعدة في خصوص الشبهات الموضوعية فيما إذا لم يكن أمارة أو أصل تنزيلي، إذا قلنا بأنها أصل غير تنزيلي، سواء أكانت موافقة للقاعدة أو كانت مخالفة لها.
تذييل ربما يقال: بأنه بعد القطع في دم يخرج من النساء بأنه ليس بحيض - إما من جهة عدم فصل أقل الطهر بين هذا الدم والحيض السابق عليه، أو من جهة تجاوزه عن العشرة، أو من جهة كونه أقل من الثلاثة، أو لأي جهة من الجهات المذكورة في محلها مما لا يمكن أن يكون حيضا حسب القواعد المقررة في الشرع - إذا دار أمره بين أن يكون استحاضة أو دم آخر غير الحيض فيحكم بأنه استحاضة. وكأنهم بناءهم على أن الأصل في الدم الخارج عن فرج المرأة بعد القطع بعدم كونه حيضا أنه استحاضة، فهذا أصل ثانوي بعد عدم جريان قاعدة الإمكان وعدم أمارة كونه دم عذرة من تطويقه في القطنة التي تستدخلها في مخرج الدم. وما قالوا في مقام الاستدلال - على هذا الأصل الثانوي والقاعدة الطولية لتلك القاعدة أمور: منها: أن الاستحاضة دم طبيعي بالنسبة إلى سائر الدماء بعد عدم كونه حيضا يقينا لخروجه عن العرق العاذل وتكونه في أغلب الأمزجة. وفيه: أن كل حادث لابد وأن يكون حدوثه من أجل وجود علة، وخروجه من العرق العاذل إن كان صحيحا لابد وأن يكون لحدوث علة قد توجد فتنعدم، وإلا فلابد وأن يدوم الخروج وتكون المرأة مستدام الدم، فإذا شككنا في وجود تلك العلة كيف يمكن الحكم بأن معلولها موجود ؟ إلا أن يأتي دليل تعبدي على أن المحتمل استحاضة، وهذا أول الكلام. وأما تكونه في أغلب الأمزجة لا يوجب إلا الظن بكونه استحاضة من باب الحمل على الأكثر، ولا دليل على حجية مثل هذا الظن.
منها: أن دم الاستحاضة أغلب من سائر الدماء. وفيه: أنه على فرض تسليم الصغرى يأتي فيه ما ذكرنا في جواب الوجه الأول، من عدم الدليل على حجية مثل هذا الظن. ومنها: أصالة عدم حدوث علة أخرى غير علة الاستحاضة من الدماء الاخر. وفيه: أولا معارضتها بأصالة عدم حدوث علة الاستحاضة. ولا يمكن أن يقال في مقام دفع المعارضة بأن علة الاستحاضة دائما موجودة فلا مجرى لأصالة عدمها، وذلك من جهة أنه لو كان الأمر كذلك لكان دم الاستحاضة دائميا، لعدم إمكان تخلف المعلول عن علته التامة. وإن قيل: بأن ما هو موجود دائما من قببل المقتضى لا العلة التامة، ولذلك قد يتخلف ولا يجري دم الاستحاضة لعدم وجود سائر أجزاء العلة التامة من الشرائط واعدام الموانع. فنقول: تعود المعارضة وتجري أصالة العدم بالنسبة إلى تلك الشرائط وإعدام الموانع. هذا، مضافا إلى أن إثبات كون الدم بأنه دم استحاضة باستصحاب عدم حدوث علة سائر الدماء عجيب كما هو واضح، إلا على القول بصحة الأصول المثبتة. ثم إنه لا يخفى على فرض صحة هذه القاعدة وأن يكون لها أصل فعند الشك يرتب آثار الاستحاضة، إما الكثيرة أو القليلة أو المتوسطة في موارد كثيرة من موارد الاشتباه كل واحدة من هذه الأقسام الثلاثة بالعلامات المعينة لها.